تفسير سورة الطلاق

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مدنية، وآياتها اثنتا عشر

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ يأيها النبي ﴾ خص صلى الله عليه وسلم بالنداء، وعم الخطاب بالحكم لكونه إمام أمته ؛ إظهارا لتقدمه واعتبارا لترؤسه فكان هو وحده في حكمهم كلهم ؛ كما يقال لرئيس القوم : يا فلان، افعلوا كيت وكيت. أو المعنى : قل للمؤمنين﴿ إذا طلقتم النساء ﴾ أي أردتم تطليق نسائكم المدخول بهن من المعتدات بالحيض﴿ فطلقوهن لعدتهن ﴾ أي مستقبلات لعدتهن. والمراد : أن يطلقن في طهر لم يجامعهن فيه، ثم يتركن حتى تنقضي عدتهن ؛ وهذا أحسن الطلاق. وفي الآية نهى عن الطلاق في الحيض، وهو طلاق بدعي محرم. وتفصيل أحكام الطلاق في الفقه. وقد اشتملت هذه السورة على الطلاق المسنون، وعلى حرمة الإخراج والخروج من مسكن العدة، وعلى الأدب الشرعي في الإمساك والفراق، وعلة ندب الإشهاد على الرجعة والطلاق، وعلى عدة الآيسة والصغيرة التي لم تحض وعدة الحامل، وعلى وجوب إسكان المعتدة والإنفاق على المعتدة بالحمل، وعلى حكم أجرة الرضاع. ﴿ وأحصوا العدة ﴾ اضبطوها وأكملوها ثلاثة قروء كوامل. ﴿ لا تخرجوهن من بيوتهن ﴾ إلى أن تنقضي عدتهن﴿ ولا يخرجن ﴾ بأنفسهن. ﴿ إلا أن يأتين بفاحشة ﴾ أي بأمر ظاهر القبح، وهو ما يوجب حدا، كالزنا أو السرقة فتخرجوهن لإقامة الحد عليهم. وقيل : هو البذاء على الزوج أو على الأحماء. وقيل : هو النشوز فتخرجوهن من البيت لذلك ؛ فهو استثناء من قوله : " لا تخرجوهن ".
﴿ فإذا بلغن أجلهن ﴾ أي قاربن انقضاء العدة فراجعوهن بحسن معاشرة، أو فارقوهن بإيفاء الحقوق من غير مضارة لهن﴿ وأشهدوا ذوى عدل منكم ﴾ عند الرجعة أو عند الفرقة. والأمر للندب. ﴿ وأقيموا الشهادة لله ﴾ أدوها على وجهها عند الحاجة أداء خالصا لوجه الله تعالى. ﴿ ومن يتق الله ﴾ أي من يخف الله، فيعمل بما أمره الله، ويجتنب ما نهاه عنه﴿ يجعل له مخرجا ﴾ من الضيق، وفرجا من الكرب في أمره
﴿ ويرزقه ﴾ ويهيء له أسباب الرزق﴿ من حيث لا يحتسب ﴾ أي من وجه لا يخطر بباله. ﴿ قد جعل الله لكل شيء قدرا ﴾ تقديرا قبل وجوده أو توقيتا.
﴿ إن ارتبتم ﴾ شككتم في عدتهن. أو جهلتموها. ﴿ واللائي لم يحضن ﴾ وهن الصغيرات من النساء ؛ أي فعدتهن ثلاثة أشهر كالآيسات. ﴿ أن يضعن حملهن ﴾ ولو نحو مضغة أو علقة ؛ سواء كن مطلقات أو متوفى عنهن أزواجهن.
﴿ يجعل له من أمره يسرا ﴾ يسهل عليه أمره ويوفقه للخير.
﴿ أسكنوهن... ﴾ اسكنوا المعتدات بعض مكان سكناهم. ﴿ من وجدكم ﴾ من وسعكم وطاقتكم. والوجد – مثلثة الواو - : السعة والقدرة. ﴿ وائتمروا... ﴾ أي تشاوروا. والمعنى : ليأمر بعضكم بعضا بجميل في الأجرة والإرضاع ؛ فلا يكن من الأب مماكسة، ولا من الأم معاسرة. ﴿ وإن تعاسرتم ﴾ أي تضايقتم بالمشاحنة في الأجرة فأبت الأم الإرضاع، والأب دفع الأجرة لها﴿ فسترضع له ﴾ أي للأب﴿ أخرى ﴾ غير أمه المبانة.
﴿ ومن قدر عليه رزقه ﴾ أي ضيق عليه. ﴿ إلا ما آتاها ﴾ أي إلا بقدر ما أعطاها من الطاقة، أو من الأرزاق.
﴿ وكأين من قرية ﴾ أي كثير من أهل قرية [ آية ١٤٦ آل عمران ص ١٢٧ ]. ﴿ عتت عن أمر ربها... ﴾ تكبرت وتجبرت، معرضة عن أمر ربها ورسله ؛ من العتو وهو النبوّ عن الطاعة. يقال : عتا يعتو عتوا عتيا، إذا تجبر وظلم. ﴿ عذابا نكرا ﴾ منكرا فظيعا، وهو عذاب الآخرة. والنكر : الأمر الصعب الذي لا يعرف.
﴿ فذاقت وبال أمرها ﴾ سوء عاقبة عتوها وكفرها [ آية ٩٥ المائدة ص ٢٠٧ ]. ﴿ عاقبة أمرها خسرا ﴾ خسارا لا يقادر قدره. وأصل الخسر : انتقاص رأس المال.
﴿ الذين آمنوا ﴾ أي أعنى ب " أولى الألباب " الذين آمنوا. ﴿ أنزل الله إليكم ذكرا رسولا ﴾ أي أنزل إليكم قرآنا، وأرسل رسولا وهو محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل الذكر : هو الرسول صلى الله عليه وسلم. و " رسولا " بدل منه ؛ وأطلق عليه ذكر لمواظبته على تلاوة القرآن وهو ذكر. أو على تبليغه والتذكير به. وعبر عن إرساله بالإنزال لأن الإرسال مسبب عن إنزال الوحي إليه.
﴿ ومن الأرض مثلهن ﴾ أي في العدد، فهي سبع. والتعدد باعتبار أصول الطبقات الطينية والصخرية والمائية والمعدنية ونحو ذلك. ﴿ يتنزل الأمر بينهم ﴾ يجري أمر الله وقضاؤه وقدره بينهن، وينفذ حكمه فيهن.
والله أعلم.
Icon