ﰡ
مدنية بالإجماع، وعدد آياتها اثنتا عشرة آية وتسمى سورة النبي، ولذا تعرضت إليه كزوج وإلى بعض ما حدث من زوجاته، وذكرت مع بعض توجيهات مواعظ وأمثلة.
ما حدث من بعض زوجاته من خصومة [سورة التحريم (٦٦) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤)عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (٥)
فَرَضَ: شرع وسن. تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ: تحليلها، وحل ما عقدته الأيمان بالكفارة، أو بفعل المحلوف عليه. مَوْلاكُمْ: سيدكم ومتولى أموركم. نَبَّأَتْ بِهِ: أخبرت. وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: أطلعه عليه وجعله ظاهرا عليه.
صَغَتْ: مالت وقرئ: زاغت. مَوْلاهُ: ناصره. ظَهِيرٌ أى:
مظاهرون ومعاونون. قانِتاتٍ: مواظبات على الطاعات. عابِداتٍ:
متعبدات أو متذللات. سائِحاتٍ المراد: صائمات. ثَيِّباتٍ: جمع ثيب، وهي التي ترجع عن الزواج بعد زوال بكارتها. وَأَبْكاراً: جمع بكر من بكر: إذا تقدم غيره، ولا شك أنها تتقدم الثيب، والمراد بها من لم تفض بكارتها.
روى الشيخان عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يحب الحلوى والعسل، وكان إذا صلى دار على نسائه فيدنو من كل واحدة منهن، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس. فسألت عن ذلك فقيل لي: أهدت إليها امرأة من قومها عكة «١» عسل فسقت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منه شربة، فقلت: والله لتحتالن له فذكرت ذلك لسودة وقلت لها: إذا دخل عليك ودنا منك فقولي له: يا رسول الله: أكلت مغافير «٢» وقولي له: وما هذا الريح؟ وكان صلّى الله عليه وسلّم يكره أن يوجد منه الريح الكريهة، فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: أكلت العرفط «٣» حتى صارت فيه، أى:
في العسل- ذلك الريح الكريهة، وإذا دخل علىّ فسأقول له ذلك، وقولي أنت يا صفية ذلك، وقد فعلن هذا.
وفي هذه الرواية أن التي شرب عندها العسل حفصة، وفي رواية أخرى أن التي شرب عندها العسل زينب بنت جحش، والذي حرمه العسل، وأن حفصة وعائشة ائتمرتا عليه، وقد حلف لحفصة عند ما كلمته أنه لن يعود وأمرها ألا تخبر أحدا.
وروى الدّارقطنيّ عن ابن عباس عن عمر قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأم ولده مارية في بيت حفصة فوجدته حفصة معها- وكانت حفصة غابت إلى بيت أبيها-
(٢) المغافير: جمع مغفور: بقلة أو صمغة متغيرة الرائحة فيها حلاوة.
(٣) - هو نبت له ريح كريح الخمر.
ويقول العلامة القرطبي: هذه الرواية أمثل في السند وأقرب إلى المعنى، لكنها لم تدون في الصحيح.
المعنى:
يا أيها النبي المختار: لأى شيء تحرم ما أحل الله لك؟ بمعنى: لا ينبغي منك ذلك، على أن المراد بالتحريم الامتناع عن الاستمتاع بالعسل، أو بمارية على الخلاف في الروايات، وليس المراد بالتحريم اعتقاد كونه حراما بعد ما أحله الله.
لم تحرم ما أحل الله لك حالة كونك تبتغى مرضاة زوجاتك؟ إذ لا ينبغي منك أن تشتغل بما يرضى الخلق بل اللائق أن زوجاتك وسائر الخلق تسعى في رضاك، وتتفرغ أنت لمهام الرسالة، والله غفور رحيم، وفي ختام الآية بهذا دليل على تعظيم شأنه، وعلو مكانه حيث جعل ترك الأولى بالنسبة لمقام الكريم يعد كالذنب، وإن لم يكن في نفسه ذنبا، ولم يكن عتاب الله لنبيه إلا لمزيد الاعتناء به.
لقد فرض الله لكم تحلة أيمانكم، وشرع لكم تحليلها بالكفارة وبفعل المحلوف عليه، وكفارة اليمين ذكرت في قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (٨٩ من سورة المائدة).
وعلى رواية أنه حلف تكون الآية ظاهرة المعنى، وعلى أنه لم يحلف يكون سمى التحريم يمينا لأنه تجب فيه كفارة اليمين، وهل كفر النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن أعتق رقبة أو لم يكفر؟ قولان، قد فرض الله لكم تحليل يمينكم بالكفارة لها، والله مولاكم وهو العليم فيعلم ما يصلحكم فيشرعه لكم، وهو الحكيم في كل أفعاله وأحكامه.
واذكر إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه- هي حفصة على الصحيح- حديثا هو قوله صلّى الله عليه وسلّم عند ما عاتبته حفصة: كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود إليه،
فلما نبأت به وأخبرته عائشة، وقد أطلعه الله عليه، مع أنه كان سرّا بينهما، لما حصل هذا عرف النبي حفصة بعض الحديث الذي أفشته، قيل: هو قوله لها: كنت شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود، وأعرض النبي عن بعضه الآخر تكرما لما فيه من زيادة خجلها، فلما نبأها به قالت: من أخبرك بهذا؟ أهو عائشة يا ترى أم من؟ فأجاب النبي: الذي أخبرنى هو العليم الخبير.
إن تتوبا إلى الله هذا خطاب لعائشة وحفصة كما روى عن عمر- رضى الله عنه- فلتوبتكما سبب وموجب فقد مالت قلوبكما عن الواجب، فإن الواجب أن تكونا في مرضاة رسول الله تحبان ما يحب وتكرهان ما يكره. وفي قراءة: فقد زاغت قلوبكما، والمراد: أسرعوا في التوبة وإرضاء رسول الله، وإن تتظاهرا عليه وتتعاونا على ما يسيئه بسبب شدة الغيرة فلن يعدم من يظاهره فإن الله مولاه وناصره، وجبريل وصالحوا المؤمنين كأبى بكر وعمر وغيرهما من كبار الصحابة، والملائكة بعد ذلك ظهراء له ومتعاونون على إرضائه، ومن كان كذلك فليس في حاجة إلى أحد بعد.
وهاك تهديدا آخر: عسى «١» ربه إن طلقكن أن يعطيه نساء بدلكن خيرا منكن لأنكن لو كنتن خيرا، ما طلقكن. يبدله أزواجا مسلمات مخلصات، مؤمنات مصدقات تائبات راجعات إلى الله في كل حين، عابدات كثيرات العبادة، سائحات صائمات ثيبات وأبكارا «٢».
ألست معى في أنه لا ينبغي لأحد أن يمتنع عن تناول ما أحله الله؟ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ «٣» وفي أن الكفارات تجبر الخلل الذي يحصل منا، وفي أنا عرفنا موقف النساء بعضهن من بعض وغيرتهن، أليست هذه القصة دليلا
(٢) ذكرت صفات بلا عطف لأنها تجتمع في موصوف واحد ولشدة ارتباطها ترك العطف، وأما في قوله:
(ثيبات وأبكارا) فعطف لتباين الوصفين والعطف يقتضى المغايرة.
(٣) سورة المائدة آية ٨٧.
توجيهات ومواعظ [سورة التحريم (٦٦) : الآيات ٦ الى ٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩)
المفردات:
قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ: احفظوها. غِلاظٌ: شداد في الخلق.
شِدادٌ المراد: شداد في الجسم. نَصُوحاً: خالصة، مأخوذة من قولهم:
عسل ناصح، أى: خالص من الشمع، أو المراد: بالغة في النصح. لا يُخْزِي:
لا يفضح ولا يستخف. وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ: اشتد عليهم.
وما أقوى هذه التوجيهات بعد سرد النزاع الداخلى في بيت النبي، وما أروع هذه المواعظ بعده، وما أحكم هذه المناسبة.
يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله قوا أنفسكم وأهليكم نار جهنم، فإنها نار وقودها الناس والحجارة لا وقودها العشب والحطب احفظوا أنفسكم من هذه النار بترك المعاصي، وفعل الطاعات، واجتناب المنهيات، التي تغضب الله ورسوله، واحفظوا أهليكم منها بأن تأمروهن بالمعروف وتنهوهن عن المنكر، وتعلموهن الخير وأوامر الشرع وتؤدبوهن بأدب القرآن، والأهل: هم الزوجة والأولاد والخدم ومن هم في حوزتك ومعيشتك، ولقد صدق الله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها «١»، وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «٢» فالمسلم الواجب عليه أن يصلح نفسه أولا، ويقي نفسه شر النار وغضب الجبار، ثم يتجه ثانية إلى تكوين أسرته على مبادئ الدين الحنيف ويغرس في نفوسهم أدب القرآن الكريم. والفضائل الإسلامية العليا، بهذا يكون وقى أهله من النار، فلست مطالبا بنفسك فقط. لا. بل عليك نفسك ثم أهلك وأسرتك، ثم إن أردت زيادة في الخير فادع إلى الله واعمل في محيط إخوانك ومعارفك وأصدقائك على نشر أدب الإسلام وتعاليمه.
قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة، عليها حرس من الملائكة غلاظ الأخلاق شداد الأجسام، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
يا أيها الذين كفروا: لا تعتذروا اليوم- أى: عند إدخالهم النار تقول لهم الملائكة ذلك- ليس اليوم يوم عذر وعتاب، وإنما هو يوم جزاء وحساب، وإنما تجزون على ما كنتم تعملون في الدنيا.
يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا «٣» خالصة لوجه الله ليست لغرض أبدا توبة بالغة في النصح لينصح بها صاحبها نفسه، توبة تنصح الناس وتدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها على صاحبها.
والتوبة النصوح تستدعى الإقلاع عن الذنب، والندم عليه لكونه ذنبا- لا لسبب آخر- ندما قلبيّا يدعو إلى الحزن والأسف على ما فرط، وهذا بلا شك يستلزم العزم
(٢) سورة الشعراء آية ٢١٤.
(٣) «نصوحا» من أمثلة المبالغة، وفيها مجاز عقلي حيث أسندت للتوبة، والمراد أصحابها.
الحق- والله أعلم- أنه لا يجب على الله قبول التوبة إذا وجدت بشروطها لكن الله يقبلها كرما منه وتفضلا، عسى ربكم أن يكفر عنكم بالتوبة سيئاتكم، ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار. يوم لا يخزى الله النبي صلّى الله عليه وسلّم بل يكرمه ويعزه لأنه الحبيب المصطفى، ولا يخزى من معه من الذين آمنوا حالة كون نورهم يسعى ويمتد بين أيديهم وبأيمانهم، بشراهم اليوم حالة كونهم يقولون لما رأوا غيرهم يضلون: ربنا أتمم لنا نورنا. واغفر لنا إنك على كل شيء قدير.
يا أيها النبي جاهد الكفار بكل ما أوتيت من قوة، وكذا المنافقين، اغلظ عليهم واشتد في معاملتهم. واعلم أن مأواهم جهنم، وبئس المصير مصيرهم.
أمثلة حية للنساء [سورة التحريم (٦٦) : الآيات ١٠ الى ١٢]
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢)
مَثَلًا المثل: الصفة العجيبة، والمراد: إيراد حالة غريبة ليعرف بها حالة أخرى مشاكلة لها في الغرابة. فَلَمْ يُغْنِيا: لم يدفعا عنهما شيئا من الإغناء. أَحْصَنَتْ فَرْجَها: حفظته. بِكَلِماتِ رَبِّها: شرائعه. مِنَ الْقانِتِينَ: من القوم الطائعين.
قد ضرب الله هذه الأمثال ليعلم الجميع أن القربى إلى الله بالطاعات، لا بالشفاعات والوسيلة، وأن المؤمنة الصابرة على الإيذاء ينجيها الله من القوم الظالمين، وفي هذا تعريض بأمهات المؤمنين وتخويف لهن بأنه لن ينفعهن قربهن من النبي إذا أتين بذنب.
وهذا ختام للسورة رائع بذكر ما يدل على مسئولية المرأة.
المعنى:
ضرب الله مثلا للذين كفروا والمغرورين الذين يدعون الشفاعة لهم من النبي:
ضرب مثلا امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا متزوجتين رجلين كريمين على الله: الأول نوح الأب الثاني للبشر، والثاني لوط نبي كريم على الله، ولكن هاتين المرأتين خانتا زوجيهما. والظاهر- والله أعلم- أنها خيانة في العقيدة أو في الخلق غير الزنا فإن الخيانة الزوجية بالزنا خلق ذميم يتبرأ منه الأنبياء وعائلاتهم، فمن المعقول أن تكون امرأة النبي كافرة لأنها ترى هذا، وليس من المعقول أن تكون زانية لأن الزنا مرض وراثي ينشأ من البيئة التي يعيش فيها الشخص ولا يعقل أن يمسك النبي امرأة زانية.
هاتان المرأتان خانت كل منهما زوجها بالكفر أو النميمة أو الاتصال بالأعداء مثلا، فلم ينفعهما قربهما من الأنبياء، ولم يدفع نوح ولوط مع كرامتهما عند الله عن زوجتيهما
وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون وكانت مؤمنة صالحة، أى: جعل حالها العجيب مثلا لحال المؤمنين في أن صلتها بالكافرين لم تضرها شيئا، ما دامت هي تقوم بالعمل الصالح، ضرب الله مثلها إذ قالت عند تعذيب فرعون لها: رب ابن لي عندك بيتا في الجنة، ونجنى من فرعون وعمله، ونجنى من القوم الطغاة الظالمين.
وضرب الله مثلا للذين آمنوا مريم ابنة عمران أم عيسى- عليه السلام- التي أحصنت فرجها وحفظته، لأنها العفيفة الحصينة المبرأة من العيب، يا سبحان الله هذا هو وصف القرآن لمريم البتول الطاهرة. فنفخ الله فيه من روحه، والنافخ هو جبريل بأمر الله، نفخ في فرجها وفي جيب قميصها روحا من الله، فحملت مريم عيسى، والإضافة التي في قول الله: من روحنا للتشريع والتكريم ولأنه روح وصلت إلى مريم بلا واسطة أب.
وصدقت مريم بكلمات ربها حيث قال لها جبريل: إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا
«١» صدقت بشرائع الله وكتبه، وكانت مريم من سلالة القوم الطائعين القانتين.