سورة هود مكية وهي مائة وثلاث وعشرون آية، وعشر ركوعات.
ﰡ
﴿ الَر كِتَابٌ ﴾ خبر ( الر ) أو هذا كتاب، ﴿ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ﴾ أي : هي محكمة في لفظها مفصلة في معناها أو أحكمت بأنها لم تنسخ بكتاب ثم فصلت بالأحكام والعقائد والمواعظ والأخبار أو نزلت شيئا فشيئا، ﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ صفة أخرى لكتاب أو متعلق بأحكمت وفصلت أو خبر بعد خبر.
﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ ﴾ مفعول له أي : أحكمت ثم فصلت لأجل أن لا تعبدوا إلا الله أو أن مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القول، وقيل : هذا كتاب بأن لا تعبدوا، ﴿ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ ﴾ : من الله، ﴿ نَذِيرٌ ﴾ بالعقاب على من عبد غير الله، ﴿ وَبَشِيرٌ ﴾ بالثواب على من عبد الله.
﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ ﴾ عطف على أن لا تعبدوا، ﴿ رَبَّكُمْ ﴾ من الذنوب السالفة، ﴿ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ ﴾ فيما تستقبلونه، أو ثم ارجعوا إليه بالطاعة، ﴿ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا ﴾ يعيشكم في أمن وسعة، ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ إلى حين موت مقدر، ﴿ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ عن ابن عباس يؤت كل من فضلت وزادت حسناته على سيئاته فضل الله، أي : الجنة أو يعط كل ذي عمل صلح جزاء عمله الصالح، ﴿ وَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ أي : تتولوا، ﴿ فإنيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ يوم القيامة.
﴿ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ فيقدر على تعذيب المعرض.
﴿ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ﴾ ثنت الشيء إذ عطفته وطويته عن ابن عباس – رضي الله عنهما – كانوا يكرهون استقبال السماء بفروجهم حال وقاعهم فنزلت، أو كان إذ مر أحدهم برسول الله ثنى عنه صدره وأعرض عنه وغطى رأسه فنزلت، أو حين يقولون إذا رخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم، أو نزلت في الأخنس بن شريق كان يظهر المحبة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- وله منطق حلو وكان يعجب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مجالسته ومحادثته وهو يضمر عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إما بمعنى الصرف من ثنيت عناني أو بمعنى الإخفاء أو بمعنى الانحناء، ﴿ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ ﴾ من الله وعلى ما نقلنا في الوجه الثاني من سبب النزول الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ﴿ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ﴾ يغطون رءوسهم بثيابهم، ﴿ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ يستوي في علم الله تعالى سرهم وعلنهم فكيف يمكن لهم أن يخفوا من الله تعالى شيئا، ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ بما في قلوبهم.
﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ﴾ أي : هو المتكفل بذلك فضلا إن لم يرزقها فلا يمكن أن يرزقها أحد غير الله تعالى، ﴿ وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ﴾، أماكنها في الحياة والممات أو أرحام الأمهات و أصلاب الآباء والمستقر الجنة أو النار والمستودع القبر، ﴿ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ مثبت في اللوح المحفوظ.
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ كأيام الدنيا أو كل يوم كألف سنة، ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ﴾ والماء على متن الريح وروى الترمذي وابن ماجه " أن الله كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق العرش بعد ذلك "، ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ أي : خلق ذلك ليعاملكم معاملة المختبر لأحوالكم كيف تعملون فعلم أن خلق العالم لنفع عباده وإحسان العبادة أن تكون خالصة لله وعلى شريعة شرعها الله تعالى، ﴿ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾، أي : ما البعث أو القرآن المتضمن لذكره إلا خديعة كالسحر الباطل.
﴿ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ ﴾ الموعود، ﴿ إِلَى أُمَّةٍ ﴾ جماعة من الأوقات والأمة تستعمل في معان متعددة، ﴿ مَّعْدُودَةٍ ﴾ محصورة قليلة، ﴿ ليَقُولُنَّ ﴾ استهزاء، ﴿ مَا يَحْبِسُهُ ﴾ ويمنعه من الوقوع، ﴿ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ ﴾ أي : اليوم المقدر لنزول العذاب، ﴿ لَيْسَ ﴾ العذاب، ﴿ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ ﴾ ويوم ظرف مصروفا، ﴿ وَحَاقَ بِهِم ﴾ وأحاط بهم ذكر بلفظ الماضي تحقيقا و مبالغة، ﴿ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ﴾ أي : العذاب.
﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ﴾ أعطيناه نعمة ووجد لذتها، ﴿ ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ ﴾ قنوط كأنه لا يرجو بعد ذلك فرجا، ﴿ كَفُورٌ ﴾ مبالغ لكفران نعمه لسابقة كأنه لم ير خيرا.
﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ ﴾ كغنى بعد فقر، ﴿ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ﴾ ما بقي ينالني بعد هذا ضيم ولا سوء، ﴿ إِنَّهُ لَفَرِحٌ ﴾ بما في يده مغتر، ﴿ فَخُورٌ ﴾ على الناس مشغول عن الشكر.
﴿ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ ﴾ على الضراء استثناء منقطع إن حمل الإنسان على الكافر وإلا فمتصل، ﴿ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ في السراء والضراء، ﴿ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ ﴾ لمعاصيهم، ﴿ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ كالجنة.
﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ ﴾ تترك تبليغ بعض القرآن وهو ما فيه سب آلهتهم وطعن دينهم مخافة سخريتهم وسبهم وزيادة انهماكهم في الكفر عصمه الله تعالى عن الخيانة في الوحي ونبهه، ﴿ وَضَائِقٌ ﴾ الضائق بمعنى الضيق، إلا أن الضائق يكون لضيق عارض غير لازم كزيد سيد وعمرو سائد، ﴿ بِهِ ﴾ بأن تتلوه عليهم، ﴿ صَدْرُكَ ﴾ مخافة، ﴿ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ ﴾ كما قالوا، " لولا لوا انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى كنز أو تكون له جنة يأكل منها " ( الفرقان : ٧، ٨ ) قال بعضهم : ضمير به مبهم يفسره أن يقولوا، ﴿ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ﴾ ما عليك إلا الإنذار فما بالك يضيق صدرك، ﴿ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ موكول إلى الله تعالى لا إليك أمر الكل.
﴿ أَمْ يَقُولُونَ ﴾ : أم منقطعة، ﴿ افْتَرَاهُ ﴾ الضمير لما يوحى، ﴿ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ ﴾ أي : يكون كل واحد مثل القرآن في البلاغة والغرض إلزامهم، والدليل على أنه معجز من عند الله والعجز عن الإتيان بمثل الكل والبعض أعم من أن يكون عشر سور أو سورة واحدة دليل عليهم مع أن سورة البقرة متأخرة في النزول عن هود، والأصح أن يونس أيضا متأخرة فتحداهم أولا بعشر سور ثم عجزوا فتحداهم بسورة واحدة، ﴿ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾ من عند أنفسكم مع أن ممارستكم للقصص والأشعار أكثر وأكثر، ﴿ وَادْعُواْ ﴾ إلى المعاونة على المعارضة، ﴿ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أنه مفترى.
﴿ فإن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ ﴾ يا أصحاب محمد، ﴿ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ ﴾ : متلبسا بما هو يعلمه ولا يقدر عليه غيره، ﴿ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ لأنهم مع آلهتهم عجزوا والعاجز لا يكون إلها فلا إله إلا الله، ﴿ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ ثابتون على الإسلام، أو معناه فإن لم يستجب من تدعونهم إلى المعاونة لكم يا من تدعون افتراءه ولا يتهيأ لكم المعارضة فاعلموا إلخ فالخطاب كله حينئذ للكفار وهو أظهر.
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ فقط عمله، ﴿ وَزِينَتَهَا ﴾ كأهل الرياء، ﴿ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ﴾ أجور أعمالهم في الدنيا بسعة الرزق ورفع المكاره، ﴿ وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ﴾ لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئا نزلت في المرائين، قال بعضهم : في اليهود والنصارى أو في بر الكافرين.
﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ ﴾ فإنهم استوفوا جزاء أعمالهم وبقي لهم الأوزار، ﴿ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا ﴾ لأنه لم يبق لهم ثواب والضمير للآخرة إن كان الظرف لحبط وللدنيا إن كان لصنعوا، ﴿ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ أي : عملهم في نفسه باطل لأنهم لم يعملوا بوجه صحيح، وفي الحديث ( أشد الناس عذابا من يرى الناس فيه خيرا و لا خير فيه )*.
﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ ﴾ : برهان، ﴿ مِّن رَّبِّهِ ﴾ يدله على الصواب، وتقديره أفمن كان على بينة كمن يريد الحياة الدنيا، ﴿ وَيَتْلُوهُ ﴾ يتبع من كان على بينة، ﴿ شَاهِدٌ مِّنْهُ ﴾ من الله يشهد بصحته، فالبينة الفطرة السليمة للمؤمن والدليل العقلي له والشاهد جبريل أو محمد عليهما الصلاة والسلام يأتي بالقرآن من عند الله أو القرآن، ﴿ وَمِن قَبْلِهِ ﴾ قبل الشاهد الذي يأتي بالقرآن أو الذي هو القرآن، ﴿ كِتَابُ مُوسَى ﴾ أي : التوراة، ﴿ إَمَامًا ﴾ كتابا مؤتما به في الدين، ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ من الله تعالى لهم، ﴿ أُوْلَئِكَ ﴾ إشارة إلى من كان على بينة، ﴿ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ : بالقرآن، ﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ ﴾ أصناف الكفار، ﴿ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ﴾ قال بعضهم : من كان على بينة هو محمد عليه السلام والشاهد جبريل وأولئك إشارة إلى من آمن من أهل الكتاب، وقال بعضهم : من كان على بينة مؤمنو أهل الكتاب وبينتهم دلائلهم العقلية، والشاهد إما جبريل أو محمد عليهما السلام أو القرآن الكريم، ﴿ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ﴾ من الموعد أو القرآن، ﴿ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾.
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا ﴾ كمثبت الولد والشريك له ونافى القرآن عنه، ﴿ أولئك يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ ﴾ يوم القيامة فيسألهم عن عقائدهم و أعمالهم، ﴿ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ ﴾ من الملائكة والأنبياء أو جميع أمة محمد، - صلى الله عليه وسلم - أو الجوارح، ﴿ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾.
﴿ الَّذِينَ يَصُدُّون ﴾ يمنعون الناس، ﴿ عَن سَبِيلِ اللّهِ ﴾ دينه، ﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ يصفونها بالانحراف عن الصواب أو يريدون أن يكون سبيل الله تعالى عوجا وهو ما هم عليه، ﴿ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾.
﴿ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ ﴾ : في الدنيا أن يعاقبهم ؛ بل هم تحت قهره وسلطانه وهو قادر على انتقامهم في الدنيا لكن يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، ﴿ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ﴾ يمنعوهم من العذاب، ﴿ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ﴾ لضلالهم وإضلالهم، ﴿ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ ﴾ لأن الله تعالى حال بينهم وبين سماع الحق فيبغضون سماعه، ﴿ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ ﴾ لتعاميهم عن آيات الله تعالى قيل : كأنه العلة لتضاعف العذاب.
﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم ﴾ بأنهم اشتروا شيئا هو سبب عذابهم بالمؤبد، ﴿ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ من الآلهة وشفاعتها فضاع عنهم ما حصلوا في الدنيا فلم يبق لهم سوى الندامة.
﴿ لاَ جَرَمَ ﴾ حقا، ﴿ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ ﴾ لا أحد أكثر خسرانا منهم.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ ﴾ : اطمأنوا، ﴿ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ ُهمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.
﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ ﴾ الكافر والمؤمن، ﴿ كالأَعْمَى وَالأَصَمِّ ﴾ هو مثل الكافر، ﴿ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ﴾ هو مثل المؤمن يميز بين الحق والباطل ويفرق بين البرهان والشبهة، ﴿ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ﴾ أي : تمثيلا، ﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ فتفرقوا بين وهؤلاء.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي ﴾ أي : بأني ومن قرأ بالكسر فعلى إرادة القول، ﴿ لكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾.
﴿ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ﴾ : بدل من إني لكم على قراءة النصب، أو معناه نذير لأن لا تعبدوا، أو مفسرة متعلقة بأرسلنا، ﴿ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴾ : مؤلموصف اليوم بالأليم المبالغة وهو في الحقيقة صفة المعذب.
﴿ فَقَالَ الْمَلأُ ﴾ : الأشراف، ﴿ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرً مِّثْلَنَا ﴾ لا فضل لك*علينا نخصك بقبول كلامك، ﴿ ومَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا ﴾ سفلتنا لا يتبعك الأشراف، ﴿ بَادِيَ الرَّأْيِ ﴾ أي : وقت حدوث أول أو ظاهر رأيهم بلا روية وفكر من بداء أو بداي بالهمزة أو الياء فهو ظرف بحذف المضاف لاتبعك، قيل : معناه اتبعوك ظاهر الرأي وباطنهم على خلاف ذلك، ﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾ إياك في دعواك ومتبعيك في دعوى العلم بصحته.
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ ﴾ أخبروني، ﴿ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ ﴾ حجة، ﴿ مِّن رَّبِّيَ ﴾ تدل على صدق دعواي، ﴿ وَآتَانِي رَحْمَةً ﴾ نبوة ومعرفة، ﴿ مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ ﴾ : خفيت والتبست، ﴿ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا ﴾ نكرهكم على الاهتداء بها، ﴿ وَأَنتُمْ لَهَا ﴾ للبينة، ﴿ كَارِهُونَ ﴾ أو حاصله إن كنت على معرفة من الله تعالى ونبوة ومعجزة من عنده لكن صارت ملتبسة في عقولكم فهل أقدر على أن أجعلكم معترفين بها، أي : لا أقدر على ذلك لكن لو تركتم العناد و تأملتم فقد عرفتم.
﴿ وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْه ﴾ على التبليغ، ﴿ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّه ﴾ لا عليكم، ﴿ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ كأنهم طلبوا منه طرد المؤمنين احتشاما ونفاسة منهم أن يجلسوا معهم، ﴿ إ ِنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ ﴾ يلاقون الله تعالى فيعاقب الله من طردهم أو يلاقونه فيجازيهم على ما في قلوبهم من تمكن الإيمان وتزلزلة حيث تزعمون أن إيمانهم بادي الرأي، وأنا لا أعرف منهم إلا الإيمان فكيف أطردهم، ﴿ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾ عواقب الأمور.
﴿ وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ ﴾ من يمنعني من عقابه، ﴿ إِن طَرَدتُّهُمْ ﴾ ظالما، ﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ لتعرفوا ما تقولون.
﴿ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللّه ﴾ جواب لقولهم " ما نرى لكم علينا من فضل "، ﴿ وَلاَ أَعْلَم الْغَيْبَ ﴾ حتى تسألوني عن وقت العذاب وغيره وتكذبوني، أو حتى أعلم هؤلاء اتبعوني من غير بصيرة وعقد قلب، ﴿ وَلاَ أَقُولُ ﴾ لكم، ﴿ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ جواب لقولهم :" ما نراك إلا بشرا مثلنا "، ﴿ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي ﴾ تستصغر وتحقرهم، ﴿ أَعْيُنُكُمْ ﴾ لفقرهم والإسناد إلى الأعين لأنهم استرذلوهم بما عاينوا من رثاثتهم لا لأن فيهم عيبا معنويا، ﴿ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ ﴾ أي : لا أحكم على المؤمنين أنه ليس لهم عند الله ثواب ونعمة، ﴿ الله أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ ﴾ فإن كان باطنهم موافقا للظاهر فلهم الأجر، ﴿ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ إن طردتهم، أو قلت شيئا من ذلك.
﴿ قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ﴾ فأطلت مخاصمتنا، ﴿ فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا ﴾ من العذاب، ﴿ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾.
﴿ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء ﴾ فإن منزل العذاب هو الله تعالى، ﴿ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ﴾ الله يدفع العذاب.
﴿ وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ﴾ أي : إن أراد الله تعالى ضلالكم، فإن أردت نصحكم لا ينفعكم نصحي فقوله لا ينفعكم نصحي دال على جواب الشرط الأول والمجموع دال على جواب الشرط الثاني، ﴿ هُوَ رَبُّكُمْ ﴾ فله التصرف فيكم كيف يشاء، ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ فيجازيكم.
﴿ أَمْ يَقُولُونَ ﴾ منقطعة، ﴿ افتراه ﴾ أي : نوح وعن مقاتل أي : محمد فيكون معترضا في وسط هذه القصة، ﴿ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي ﴾ أي : وباله، ﴿ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ ﴾ من إجرامكم في إسناد الافتراء إلي وقيل : معناه من الكفر والمعاصي.
﴿ وأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ ﴾ : لا تحزن، ﴿ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ وكن تابعا لمراد الله تعالى ومشيئته.
﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ أي : متلبسا بأعيننا كأن لله تعالى معه أعينا تحفظه عن الميل في صنعته عن الصواب وحاصله اصنعها وأنت محفوظ، ﴿ وَوَحْيِنَا ﴾ إليك كيفية صنيعها، ﴿ وَلاَ تُخَاطِبْنِي ﴾ بالدعاء، ﴿ فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ أي : في شأنهم ودفع العذاب عنهم، ﴿ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ﴾ بالطوفان لا سبيل لهم إلى الخلاص.
﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ ﴾ استهزءوا به قائلين نبي نجار، ﴿ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فإنا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ حين ينزل عليكم العذاب.
﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيه ﴾ يهينه في الدنيا، ِ ﴿ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ دائم في الآخرة فقوله منصوب بتعلمون ويخزيه صفة عذاب ويحل عطف على يأتيه.
﴿ حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا ﴾ غاية لقوله يصنع وما بينهما حال، ﴿ وَفَارَ التَّنُّورُ ﴾ نبع الماء فيه مكان النار قال بعضهم : تنور من حجارة كانت حواء تخبز فيه فصار إلى نوح، وعن علي رضي الله عنه : أي طلع الفجر ونور الصبح وعن بعضهم التنور وجه الأرض، ﴿ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا ﴾، في السفينة، ﴿ مِن كُلٍّ ﴾، من أنواع الحيوانات، قال بعضهم : ما حمل ما يتولد من الطين كالبق والذباب، ﴿ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾، ذكرا وأنثى فقوله اثنين تأكيد ومبالغة، ﴿ وَأَهْلَكَ ﴾ أي : أهل بيتك وقرابتك عطف على زوجين وأما عند من قرأ من كل زوجين بالإضافة فهو عطف على اثنين، ﴿ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ﴾ بالهلاك كامرأته واعلة وابنه كنعان، ﴿ وَمَنْ آمَن ﴾ عطف على زوجين كما في وأهلك، ﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ ثمانون نفسا أو اثنان وسبعون أو ثمانية ننفر أو عشرة.
﴿ وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾ أي : اركبوا قائلين بسم الله أو مسمين الله وقت إجرائها ووقت إرسائها أي : ثباتها أو بسم الله خبر لمجريها أي : بسم الله إجراؤها وإرساؤها فيكون إخبارا من نوح بأن إجراءها وإرساءها باسم الله، وقد نقل أنه إذا أراد إجراءها قال بسم الله فجرت، وإذا أراد إثباتها قال بسم الله فرست، ﴿ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ لما نجانا من عذابه.
﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ ﴾ أي : ركبوا فيها وهي تجري وهم فيها، ﴿ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ﴾ كل موجة كجبل، ﴿ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ﴾ كنعان، ﴿ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ ﴾ مكان عزل وأبعد فيه نفسه عن أبيه، ﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا ﴾ في السفينة، ﴿ وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ﴾ في الدين والبعد عنا.
﴿ قَالَ سَآوِي ﴾ أصير وألتجئ، ﴿ إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّه ﴾ عذابه، ﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ ﴾ أي : إلا الراحم وهو الله أو عاصم بمعنى ذا عصمة كلابن وتامر إلا من رحم أي : من رحمه الله، أو الاستثناء منقطع يعني لكن من رحمه الله فهو معصوم قيل : تقديره لا عاصم لأحد إلا من رحمه الله ﴿ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ﴾ بين نوح وولده، ﴿ الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾ صار منهم.
﴿ وَقِيلَ ﴾ بعدما تناهى أمر الطوفان، ﴿ يَا أَرْضُ ابْلَعِي ﴾ أنشفي، ﴿ مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي ﴾ أمسكي عن المطر، ﴿ وَغِيضَ ﴾ نقص، ﴿ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْر ﴾ أي : إهلاك الكافرينُ وإنجاء المؤمنين، ﴿ وَاسْتَوَتْ ﴾ استقرت السفينة، ﴿ عَلَى الْجُودِيّ ﴾ جبل شامخ قريب الموصل أو الشام، ﴿ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ أي هلاكا لهم.
﴿ وَنَادَى ﴾ أي : أراد النداء، ﴿ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ ﴾ أو نادى على حقيقته وقوله تعالى فقال تفصيل للمجمل، ﴿ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي ﴾ وقد وعدت إنجائهم، ﴿ وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقّ ﴾ لا خلف فيه، ﴿ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ﴾ أعدلهم.
﴿ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ الذي وعدت نجاته فإنه داخل في المستثني، أي : إلا من سبق عليه القول أو ليس من أهل دينك، وقال بعضهم : إنه ولد زينة وعن ابن عباس وغيره رضي الله عنه : ما زنت امرأة نبي قط، وعن كثير من السلف كان ابن امرأته ﴿ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح ﴾ أي : إنه ذو عمل فاسد ولا ولاية بين المؤمن والكافر قيل إنه أي : سؤالك إياي بنجاته عمل فاسد، ﴿ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ ما لا تعرف أنه خطأ أم صواب والظاهر أن هذا قبل غرق ولده أو بعده لكن قبل علم نوح بهلاكه، ﴿ إِنِّي أَعِظُكَ ﴾ أنهاك، ﴿ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾.
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ ﴾ بعد ذلك، ﴿ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ ﴾ أي : إن لم، ﴿ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ﴾.
﴿ قِيلَ ﴾ بعد استقرار السفينة على الجودي، ﴿ يَا نُوحُ اهْبِطْ ﴾ من السفينة، ﴿ بِسَلاَمٍ مِّنَّا ﴾ بسلامة أو بتحية وهو حال، ﴿ وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ ﴾ البركة ثبوت الخير، ﴿ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ﴾ أي : على أمم ناشئة ممن معك من المؤمنين، ولهذا قالوا دخل فيه كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة، قال بعضهم : المراد من الأمم المؤمنون الذين معه وسماهم أمما لتحزبهم، أو لتشعب الأمم منهم، ﴿ وَأُمَمٌ ﴾ أي : وممن معك أمم، ﴿ سَنُمَتِّعُهُمْ ﴾ في الدنيا، ﴿ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ وهم الكافرون من ذرية من ممن.
﴿ تِلْكَ ﴾ إشارة إلى قصة نوح، ﴿ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ ﴾ أي : من أخباره، ﴿ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ﴾ خبر ثان لتلك أو حال، ﴿ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا ﴾ خبر ثالث أوحال، ﴿ فَاصْبِرْ ﴾ : كما صبر نوح، ﴿ إِنَّ الْعَاقِبَة ﴾ في الدنيا والآخرة بالنصرة، ﴿ لِلْمُتَّقِين ﴾.
﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ ﴾ عطف على " نوحا " إلى قومه، ﴿ هُودًا ﴾ عطف بيان، ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّه ﴾ وحده، ﴿ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ صفة تابعة لمحل الجار والمجرور، ﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ ﴾ على الله.
﴿ يا قوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْه ﴾ : على تبليغ الرسالة، ﴿ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ﴾ يعني نصيحتي خالصة لا مشوبة بالمطامع، ﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ حتى تميزوا بين المخطئ والمصيب.
﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ﴾ بالإيمان، ﴿ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْه ﴾ ارجعوا إليه بالطاعة، }ِيُرْسِلِ } جواب الأمر، ﴿ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ﴾ : كثير الدر، ﴿ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ يضاعف قوتكم بالمال والولد والشد في الأعضاء، ومنه قال الحسن بن علي رضي الله عنه : من كثر استغفاره كثر نسله، ﴿ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ﴾ لا تعرضوا عني مصرين على إجرامكم.
﴿ قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَة ﴾ حجة تدل على مدعاك وهذا كذب منهم وجحود، }ٍوَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } حال من ضمير تاركي، أي : صارفين عن قولك، ﴿ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾.
﴿ إِن نَّقُولُ ﴾ ما نقول، ﴿ إِلاَّ اعْتَرَاكَ ﴾ أي : إلا قولنا أصابك، ﴿ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ ﴾ بجنون لأنك تتكلم بالهذيانات، ﴿ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّه ﴾ على نفسي، ﴿ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ أي : من إشراككم آلهة.
﴿ مِن دُونِهِ ﴾ ظرف لغو لتشركون، أو بيان لما، ﴿ فكِيدُونِي ﴾ أنتم وأوثانكم، ﴿ جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ ﴾ لا تمهلوني فإني لا أبالي بكم وبكيدكم ومن أعظم الآيات مواجهتهم بهذا الكلام مع أنهم عطاش بإراقة دم من خالفهم وهم مع كثرتهم كرجل واحد يرمون من قوس واحد.
﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ الأخذ بالنواصي تمثيل لاشتمال ربوبيته على الكل وذل الكل وخضوعه تحت قهره وسلطانه فإن من أخذت ناصيته فقد قهرته، ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ على العدل والإحسان مع غلبته وقدرته قيل تقديره : إن ربي يحثكم على صراط مستقيم.
﴿ فإن تَوَلَّوْاْ ﴾ تتولوا، ﴿ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ﴾ فلا على شيء فإني بلغت الرسالة وما على إلا الإبلاغ، ﴿ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ ﴾ هذا وعيد بإهلاكهم واستخلاف قوم آخرين مطيعين في ديارهم، ﴿ وَلاَ تَضُرُّونَه ﴾ بإعراضكم، ﴿ شَيْئًا ﴾ من الضرر و قيل : لا تنقصونه شيئا إذا أهلككم، ﴿ إ ِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ فيحفظ أعمالكم ويجازيكم أو هو الحافظ للأشياء فهو الضار النافع فيستحيل أن يضره أو هو الحافظ يحفظني من كيدكم.
﴿ وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا ﴾ بهلاك عاد، ﴿ نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ الريح التي اهلك لها عادا قيل المراد به تنجيتهم من عذاب الآخرة أيضا والتعريض بتعذيب المهلكين في الدنيا والآخرة.
﴿ وَتِلْكَ ﴾ إشارة إلى القبيلة وقيل : إلى قبورهم وآثارهم، ﴿ عَادٌ جَحَدُواْ ﴾ كفروا، ﴿ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَه ﴾ من عصى رسولا واحدا فقد عصى الرسل فإن كلامهم واحد، ﴿ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ أي : سفلتهم اتبعوا كبراءهم الطين طغوا فلم يقبلوا الحق.
﴿ وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ﴾ قال السدي : ما بعث نبي بعد عاد إلا لعنوا على لسانه، ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَة ﴾ أي : لعنوا في الدارين، ﴿ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ ﴾ أي : نعمه أو بربهم فحذف الجار، ﴿ أَلاَ بُعْدًا ﴾ من رحمته وهلاكا، ﴿ لِّعَادٍ قَوْمِ هُود ﴾ جيء بعطف البنان للتمييز عن عاد الإرم قيل : ينادي في القيامة فقوله :﴿ ألا إن عادا ﴾ إلخ.
﴿ وَإِلَى ثَمُودَ ﴾ عطف على ( وإلى عاد )، ﴿ أَخَاهُمْ ﴾ واحد منهم، ﴿ صَالِحًا ﴾ عطف بيان، ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ صفة تابعة لمحل الموصوف، ﴿ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ ﴾ فإنهم من آدم وآدم من تراب، ﴿ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ أقدركم على عمارتها، وعن الضحاك أطال عمركم فيها فإن الواحد منهم يعيش ثلاثمائة إلى ألف سنة، ﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾ لما مضى، ﴿ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ ﴾ فيما بقي، ﴿ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ ﴾ يسمع أو قريب الرحمة، ﴿ مُّجِيبٌ ﴾ لداعيه.
﴿ قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا ﴾ نرجو أن تكون لنا سيدا مستشارا في الأمور لما نرى فيك من الرشد، ﴿ أَتَنْهَانَا أَن َنعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾ عدوا هذا النهي منه بلاهة وسبه جنون، ﴿ وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ﴾ من التبرء عن الأوثان، ﴿ مُرِيبٍ ﴾ موقع في الريبة.
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً ﴾ يقين وبصيرة، ﴿ مِّن رَّبِّي ﴾ وحرف الشك باعتبار المخاطبين، ﴿ وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً ﴾ نبوة، ﴿ فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ ﴾ يمنعني من عذابه، ﴿ إِنْ عَصَيْتُهُ ﴾ في تبليغ الرسالة، ﴿ فَمَا تَزِيدُونَنِي ﴾ إذن حينئذ، ﴿ غَيْرَ تَخْسِيرٍ ﴾ غير أن تخسروا أعمالي وتبطلوا أو ما تزيدونني بما تقولون إلا أن أنسبكم إلى الخسران.
﴿ وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً ﴾ آية حال، ولكم حال منها أو بيان، ﴿ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ﴾ عاجل.
﴿ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ ﴾ لهم صالح، ﴿ تَمَتَّعُواْ ﴾ : عيشوا، ﴿ فِي دَارِكُمْ ﴾ الدنيا أو منازلكم، ﴿ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ﴾ ثم تهلكون، ﴿ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ مصدر كالمجلود والمصدوقة أو غير مكذوب فيه فاتسع فيه بإجرائه مجرى المفعول به كيوم شهدناه سليما وعامرا.
﴿ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ ﴾ عطف على نجينا بتقدير : ونجيناهم من خزي، ﴿ يَوْمِئِذٍ ﴾ يوم هلاكهم بالصيحة قيل : يوم القيامة، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيز ﴾ القادر الغالب.
﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ ﴾ كان عذابهم صيحة من السماء وزلزلة من الأرض به تقطعت قلوبهم في صدورهم، ﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِين ﴾ خامدين ميتين.
﴿ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ ﴾ : لم يقيموا ولم يكونوا، ﴿ فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدً ﴾ من رحمة الله، ﴿ لِّثَمُودَ ﴾ وصرف ثمود للذهاب إلى الحي أو الأب الأكبر.
﴿ وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا ﴾ أي : الملائكة، ﴿ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ﴾ ببشارة الولد وقيل بهلاك قوم لوط، ﴿ قَالُواْ سَلاَمًا ﴾ سلمنا عليك سلاما، ﴿ قَالَ سَلاَمٌ ﴾ أي عليكم سلام، ﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ أي : فما أبطأ مجيئه بعجل مشوي على الحجارة المحماة أو ما أبطأ في المجيء به أي : أسرع في ضيافتهم وكانت عامة ماله البقرة*.
﴿ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ ﴾ لا يمدون إليه أيديهم، ﴿ نكِرَهُمْ ﴾ أنكر ذلك منهم، ﴿ وَأَوْجَسَ ﴾ أدرك، ﴿ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ لأن الضيف إذا أتى بشر لا يأكل، ﴿ قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ﴾ بالعذاب.
﴿ وَامْرَأَتُهُ ﴾ سارة ﴿ قَائِمَةٌ ﴾ وراء الستر أو قائمة بخدمتهم، ﴿ فَضَحِكَتْ ﴾ سرورا بالأمن أو تعجبا، وقالت : يا عجبا بأضيافنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة وهم لا يأكلون طعامنا أو تعجبا من خوف إبراهيم من رجال قلائل وهو بين خدمه وحشمه، أو ضحكت حاضت ﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ بشروها بأن لها ولدا يكون له عقب ونسل فإن يعقوب ولد إسحاق ونصب يعقوب لأنه في تقدير وهبناها من وراء إسحاق يعقوب، أو بحذف حرف الجر وإيصال الفعل، ومن قرأ بالرفع فهو مبتدأ، أي : ويعقوب مولود من بعده.
﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى ﴾ أي : يا عجبا، ﴿ أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ ﴾ ابنة تسعين أو تسع وتسعين، ﴿ وَهذَا بَعْلِي ﴾ : زوجي، ﴿ شَيْخًا ﴾ ابن مائة وعشرين أو مائة نصبة، ﴿ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾.
﴿ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ﴾ قدرته، ﴿ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ ﴾ فتخصيصكم بمزيد لكرامات لا عجب، ﴿ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ أي : أهل بيت إبراهيم وهو خبر من الملائكة أو دعاء منهم، ﴿ إِنَّهُ حَمِيدٌ ﴾ محمود في أفعاله، ﴿ مَّجِيدٌ ﴾ كريم.
﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ ﴾ بأن عرفهم، ﴿ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوط ﴾ أي : يجادل رسلنا في أمرهم كيف تهلكونهم وفيهم لوط ويجيء جواب لما مضارعا لحكاية الحال، أو تقديره : أخذ يجادلنا أو اجترأ على خطابنا يجادلنا قيل : لما ترد المضارع إلى معنى الماضي.
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ ﴾ كثير التأسف على الذنوب، ﴿ مُّنِيبٌ ﴾ راجع إلى الله تعالى يعني رقة قلبه وفرط ترحمه باعثه إلى المجادلة.
﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾ أي : قالت الملائكة، ﴿ أعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾ الجدال، ﴿ إِنَّهُ ﴾ إن الشأن، ﴿ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ : عذابه، ﴿ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ بجدال ودعاء.
﴿ لَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا ﴾ أي : هذه الملائكة، ﴿ لُوطًا سِيءَ بِهِمْ ﴾ حزن بمجيئهم وساءة، ﴿ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا ﴾ طاقة، يقال : ضقت للأمر إذا لم يطقه وذلك لأنهم جاءوا في أحسن صورة غلمان فخاف عليهم من خبث قومه وعدم قوته بمدافعتهم، ﴿ وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴾ شديد بلاؤه وقد نقل أن امرأة لوط خرجت فأخبرت قومها بأن في بيته غلمانا حسانا.
﴿ وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَِ ﴾ يسرعون، ﴿ إِلَيْه ﴾ عجلة لنيلهم مطلوبهم من أضيافه، ﴿ وَمِن قَبْل ﴾ قبل ذلك الوقت، ﴿ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ﴾ يأتون الرجال يعني هذا عادتهم من قديم الأيام، ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي ﴾ أي : فتزوجوهن واتركوا أضيافي وكانوا يطلبونهن قبل ذلك ولا يجيبهم، وكان تزويج المسلمة من الكافر جائزا أو المراد من البنات نساؤهم وأضاف إلى نفسه ؛ لأن كل نبي أبو أمته، ﴿ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ من نكاح الرجال، َ﴿ فاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ ﴾ لا تفضحوني، ﴿ فِي ﴾ شأن، ﴿ ضَيْفِي ﴾ فإخزاء ضيف الشخص إخزاؤه، ﴿ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴾ يعرف حقية ما أقول.
﴿ قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ ﴾ من حاجة، ﴿ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ﴾ من إتيان الرجال.
﴿ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ﴾ قويت بنفسي على دفعكم، ﴿ أَوْ آوِي ﴾ : أنضم، ﴿ إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ إلى قوي أستند إليه شبهه بركن الجبل في شدته ومنعته، وجواب لو محذوف أي : لفعلت وصنعت بكم كيت وكيت.
﴿ قَالُواْ ﴾ أي : الملائكة، ﴿ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ ﴾ إلى إضرارك بإضرارها، ﴿ فَأَسْرِ ﴾ : يا لوط، ﴿ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ ﴾ : بطائفة، ﴿ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ ﴾ استثناء من قوله فأسر بأهلك، أي : لا تسر بها وخلفها ومن قرأ مرفوعا فهو استثناء من قوله لا يلتفت منكم أحد يعني إذا سمعتم ما نزل بهم من الأصوات المزعجة فاستمروا ذاهبين ولا يلتفت منكم أحد إلا إمرتك فإنا لا نمنعها من الالتفات وقيل الاستثناء منقطع ومن الإسرائيليات أنها كانت معهم ولما سمعت أصوات البلاء التفتت وقالت : واقوماه فأدركها حجر فقتلها ولا يجوز قطعا حمل القراءتين على الرايتين في أن خلفها أو أخرجها، ولذلك قيل : إنها سرت معهم بنفسها لا أنه أخرجها والنهي عن إخراجها لا عن مصاحبتها قيل : الاستثناء بقراءة النصب أيضا عن قوله لا يلتفت وإن كان الأفصح الرفع حينئذ، ﴿ إِنَّهُ ﴾ الشأن، ﴿ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ﴾ من العذاب، ﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ﴾ أي : موعد عذابهم، ﴿ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾ جواب لاستعجال لوط عذابهم.
﴿ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا ﴾ : بالعذاب، ﴿ جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ﴾ أدخل جبريل عليه السلام جناحه تحت قريتهم فقلعها وصعد بها إلى السماء ثم قلبها وفيها أربعمائة ألف أو أربعة آلاف ألف، ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا ﴾ على تلك القرية قبل التقليب أو حين التقليب، ﴿ حِجَارَةً ﴾ أو كانت الحجارة على شدادهم ومسافريهم، ﴿ مِّن سِجِّيلٍ ﴾ أصله سنك كل أي : حجر وطين فارسية معربة أو الطين أو الآجر قيل اسم لسماء الدنيا أو لجبل فيها، ﴿ مَّنضُودٍ ﴾ متتابع أو معد في السماء لذلك.
﴿ مُّسَوَّمَةً ﴾ معلمة مكتوبا فيها اسم من يقتل بها، أو معلمة بسيما متميزة عن أحجار الأرض، ﴿ عِندَ رَبِّكَ ﴾ في خزائنه، ﴿ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ ما هذه النقمة ممن يشبههم ببعيد، وقيل معناه : ما هذه القرى من ظالمي مكة ببعيد يمرون عليها في أسفارهم إلى الشام وتذكير البعيد على تأويل الحجر أو المكان.
﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ ﴾ اسم بلدة، ﴿ أَخَاهُمْ ﴾ من أشرافهم نسبا، ﴿ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ ﴾ وحده، ﴿ مَا لَكم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ﴾ نهاهم عن هذا بعد الإيمان ؛ لأنهم اعتادوا البخس، ﴿ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ ﴾ موسرين في نعمة وخصب لا حاجة لكم إلى التطفيف، ﴿ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ﴾ وعدهم بعذاب يحيط بهم فلا يفلت منهم أحد ووصف اليوم بالإحاطة لاستماله على عذاب محيط.
﴿ وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ﴾ أمر بالإيفاء بعد أن نهى عن ضده مبالغة، ﴿ بِالْقِسْطِ ﴾ بالعدل والسوية، ﴿ وَلاَ تَبْخَسُواْ ﴾ لا تنقصوا، ﴿ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ﴾ تعميم بعد تخصيص وقيل : كانوا مكاسين، ﴿ وَلاَ تَعْثَوْاْ ﴾ لا تبالغوا، ﴿ فِي الأَرْضِ ﴾ بالفساد حال كونكم، ﴿ مُفْسِدِينَ ﴾ وقد كانوا يقطعون الطريق.
﴿ بَقِيَّت اللّهِ ﴾ ما أبقى الله من الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن، ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ مما تأخذونه بالتطفيف أو طاعة الله خير لكم، ﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ بشرط الإيمان فإن الثواب بالأعمال مشروط بالإيمان أو إن كنتم مؤمنين مصدقين لي، ﴿ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴾ أحفظكم عن القبائح و إنما أنا ناصح.
﴿ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ ﴾ بتكليف، ﴿ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾ من الأصنام أجابوه على سبيل التهكم وكان عليه السلام كثير الصلاة، ﴿ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء ﴾ عطف على ما، أي : و أن نترك فعلنا ما نشاء في أموالنا، ما نشاء قيل : عطف على أن نترك بتقدير أصلاتك تأمرك بنهيك عن أن نفعل إلخ، ﴿ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴾ قالوا ذلك استهزاء وأرادوا ضدهما أو أنت حليم رشيد فكيف تبادر على مثل كلام المجانين.
﴿ قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ ﴾ حجة وبصيرة، ﴿ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ ﴾ من الله بلا كد مني، ﴿ رِزْقًا حَسَنًا ﴾، حلالا وكان عليه السلام كثير المال، أو أراد من الرزق الحسن العلم والمعرفة وجواب الشرط محذوف، أي : فهل يجوز لي الخيانة في الوحي والمخالفة في أمره ونهيه، ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴾ ما أريد أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستقل بها دونكم، ﴿ إِنْ أُرِيدُ ﴾ فيما آمركم وأنهاكم، ﴿ إِلاَّ الإِصْلاَحَ ﴾ أي : إصلاحكم، ﴿ مَا اسْتَطَعْتُ ﴾ أي : ما دمت أستطيع الإصلاح فما صدرية واقعة موقع الظرف أو إصلاح ما استطعته فالموصولة مفعول الإصلاح، ولا يبعد أن يكو معناه ما قصدت إلى ما نهيتكم عنه مجرد مخالفتكم ؛ بل الإصلاح قصدي وهو الباعث إلى النهي، ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي ﴾ لإصابة الحق، ﴿ إِلاَّ بِاللّهِ ﴾ بإعانته، ﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ فإنه القادر المطلق، ﴿ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ في المعاد أو فيما ينزل علي من المصائب.
﴿ ويَا قَوْمِ لاَ يَجْرِ مَنَّكُمْ ﴾ لا يكسبنكم، ﴿ شِقَاقِي ﴾ عداوتي، ﴿ أَن يُصِيبَكُم ﴾ ثاني مفعوليه فإنه يتعدى إلى واحد وإلى اثنين ككسب، ﴿ مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ ﴾ من الغرق، ﴿ أَوْ قَوْمَ هُودٍ ﴾ من الريح المهلكة، ﴿ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ﴾ من الصيحة، ﴿ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ ﴾ زمانا فلا تنسوهم، أو مكانا فإنهم جيران قوم لوط ولم يقل ببعيدة ولا ببعيدين لأن المراد، وما إهلاكهم ببعيد أو لأنه يستوي في مثله المذكر والمؤنث لأنه على زنة المصادر كالصهيل والشهيق.
﴿ وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ﴾ عما سلف، ﴿ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْه ﴾ فيما بقي من عمركم، ﴿ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ فاعل بالتائبين ما يفعل البليغ المودة بمن يوده.
﴿ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ ﴾ قالوه على وجه الاستهانة كما تقول بمن لم تعبأ بحديثه ما أدري ما تقول، ﴿ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ﴾ لأنه كان أعمى أو لأنهلا خدم ولا عسكر له، ﴿ وَلَوْلاَ رَهْطُكَ ﴾ أي : عزتهم فإنهن على ديننا والرهط من الثلاثة إلى العشرة، ﴿ لَرَجَمْنَاكَ ﴾ قتلناك بأذل وجه، ﴿ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيز ﴾ يمنعنا عزك عن الرجم.
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ ﴾ فإنكم تبقون علي لرهطي ولا تبقون علي لله وأنا رسوله، ﴿ وَاتَّخَذْتُمُوهُ ﴾ أي : الله، ﴿ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا ﴾ جعلتموه كالشيء الملقي وراء الظهر وهو منسوب إلى الظهر والكسر من تغيرات النسب كالإمسي في الأمس، ﴿ إِنَّ رَبِّي ﴾، أي : علمه، ﴿ بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ فيجازي عليه.
﴿ وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ أي : قارين على جهتكم التي أنتم عليها من الشرك أو على تمكنكم من أمركم، ﴿ إِنِّي عَامِلٌ ﴾ ما أنا عليه، ﴿ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ استئناف كأنه قيل فماذا يكون بعد ذلك ؟ فقال : سوف تعلمون، ﴿ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ﴾ أي : سوف تعلمون الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه والذي هو كاذب فإنهم أوعدوه وسموه كاذبا، أو من استفهامية منقطعة عن سوف تعلمون أي : أينا يأتيه إلخ، ﴿ وَارْتَقِبُواْ ﴾ انتظروا ما أقول لكم، ﴿ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾ منتظر.
﴿ وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا ﴾ عذابنا، ﴿ نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ ﴾ صاح بهم جبريل فهلكوا، ﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ ميتين، الجثوم : اللزوم في المكان.
﴿ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ﴾ لم يكونوا فيها، ﴿ أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ ﴾ هلاكا لهم، ﴿ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ﴾ فإن عذابهم أيضا صيحة قيل : صيحة أهل مدين من فوق وصيحتهم من تحت ثم أعلم أن الصيحة والرجفة وعذاب يوم الظلة كلها مدين.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ التوراة أو المعجزات والحجج الواضحة سيما العصى.
﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ ﴾ أي : الملأ، ﴿ أَمْرَ فِرْعَوْنَ ﴾ : في الكفر بموسى، ﴿ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيد ﴾ مرشد إلى الخير.
﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ أي : يتقدمهم إلى النار فهو في الدارين قدوتهم، ﴿ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ﴾ جاء بلفظ الماضي مبالغة في تحققه، ﴿ وَبِئْسَ الْوِرْدُ ﴾ أي : المورد، ﴿ الْمَوْرُودُ ﴾ أي : الذي يردونه والمخصوص بالذم، أي : النار نزل النار لهم منزلة الماء ثم قبحه ؛ لأن الورد لتسكين العطش وتبريد الأكباد والنار ضده والآية كالدليل على قوله :" وما أمر فرعون برشيد ".
﴿ وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ ﴾ أي : الدنيا، ﴿ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾، فإنهم ملعونون في الدارين، ﴿ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ﴾ العون المعان أو العطاء المعطى والمخصوص بالذم محذوف، أي : رفدهم وهو لعنة بعد لعنة.
﴿ ذَلِكَ ﴾ : النبأ، ﴿ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى ﴾ : المهلكة، ﴿ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ ﴾ خبر بعد خبر، ﴿ مِنْهَا قَائِمٌ ﴾ بقيت آثاره كالحيطان، ﴿ وَحَصِيدٌ ﴾ أي : ومنها عافي الأثر والجملة مستأنفة.
﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ﴾ فاستحقوا العذاب، ﴿ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ ﴾ ما دفعت عنهم، ﴿ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ ﴾ شيئا من عذابه، ﴿ لِّمَّا جَاء ﴾ حين جاء، ﴿ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ عذابه، ﴿ وَمَا زَادُوهُمْ ﴾ أي : ما زاد الآلهة الظالمين، ﴿ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ﴾ بلاء وتخسير.
﴿ وَكَذَلِكَ ﴾ مثل ذلك، ﴿ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ﴾ أهل، ﴿ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ حال من القرى وعلى الحقيقة لأهلها، ﴿ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ وجيع صعب.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ أي : هلاك تلك الأمم أو الأنباء بإهلاكهم، ﴿ لآيَةً ﴾ : عبرة، ﴿ لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ﴾ فيجعلها أنموذجا ودليلا على صدق ما أعد الله تعالى للمجرمين، ﴿ ذَلِكَ ﴾ إشارة إلى ما دل عليه عذاب الآخرة، أي : يوم القيامة، ﴿ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ ﴾ لأن يجازيهم، ﴿ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ فيه الخلائق البر والفاجر اتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به، أو المراد بالمشهود الذي كثر شاهدوه.
﴿ وَمَا نُؤَخِّرُهُ ﴾ أي : اليوم، ﴿ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ ﴾ الأجل يطلق على مدة التأجيل وعلى منتهاها والعد للمدة لا لغايتها فتقديره إلا الانتهاء أجل معدود على حذف المضاف.
﴿ يَوْمَ يَأْتِ ﴾ ذلك اليوم المعين على أن يوم بمعنى حين، ﴿ لاَ تَكَلَّمُ ﴾ : لا تتكلم، ﴿ نَفْسٌ ﴾ وهو الناصب للظرف، ﴿ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ : بإذن الله تعالى، وهذا في موقف ويوم لا ينطقون في موقف آخر، ﴿ فَمِنْهُمْ ﴾ الضمير لأهل الموقف دل عليه قوله لا تكلم نفس، ﴿ شَقِيٌّ ﴾ منهم ﴿ وَسَعِيدٌ ﴾.
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴾ الزفير إخراج النفس والشهيق رده، أو الصوت الشديد والضعيف، أو الزفير أول نهيق الحمار والشهيق آخره إذا ردده في جوفه.
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ﴾، أي : أبدا دائما لا ينقطع، والعرب إذا أراد التأبيد قال : دائم دوام السماوات والأرض، ﴿ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ﴾ استثناء من الخلود فإنه ليس لبعضهم وهم فساق الأمة خلود وهم الأشقياء من وجه وهو المراد بالاستثناء الثاني فإنهم ليسوا في الجنة مدة عذابهم والتأكيد من مبدأ معين كما ينتقص من الانتهاء ينتقص من الابتداء وهو المنقول عن كثير من السلف أو هو كقولك : والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك مع أن عزيمتك على ضربه فعلى هذا الاستثناء في الموضعين لبيان أنه لو أراد عدم خلودهم لقدر لا أنه واجب عليه ويؤيده قوله :" إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ " أو هو من باب " حتى يلج الجمل في سم الخياط " ( الأعراف : ٤٠ )، " ولا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى " ( الدخان : ٥٦ ) على إحدى التأويلات أو المستثنى توقفهم في الموقف أو مدة لبثهم في الدنيا والبرزخ أو الاستثناء لخروج الكل من النار إلى الزمهرير ومن الجنة إلى المراتب والمنازل الأرفع، ﴿ إن ربك فعال لما يريد ﴾ حاكم غير محكوم.
﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ﴾ قيل المراد منهما سماوات الآخرة وأرضها وهما مؤبدان، ﴿ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ﴾ والأحسن عندي في الاستثناءين قول قتادة والله أعلم بثنياه اعترف رضي الله عنه بالعجز عن الفهم وأحال العلم على الله تعالى، ﴿ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ غير مقطوع ونصبه على الحال أو المصدر المؤكد صرح في الجنة بأنها غير مقطوع لئلا يتوهم متوهم بعد ذكر المشيئة أن ثمة انقطاعا ولم يذكر في شق النار.
﴿ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ ﴾ شك، ﴿ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء ﴾ من عبادة المشركين في أنها ضلال تؤدي إلى مثل ما حل بمن قبلهم، ﴿ مَا يَعْبُدُونَ ﴾ عبادة، ﴿ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم ﴾ إلا كعبادتهم، ﴿ مِّن قَبْلُ ﴾ استئناف أي : هم وآباؤهم سواء لا مستهد لهم في الشرك وتقديره : كما كان يعبد وحذف كان لدلالة قبل عليه، ﴿ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُم ﴾ حظهم من الجزاء، ﴿ غَيْرَ مَنقُوصٍ ﴾ حال مقيدة إنه يقال وفيته نصيبه منصفا.
﴿ و لَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ﴾ بأن آمن به بعض وكفر به بعض كما اختلف في القرآن، ﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ﴾ بتأخير العذاب عن قومك، ﴿ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ﴾ لفرغ من جزائهم، ﴿ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ﴾ من القرآن، ﴿ مُرِيبٍ ﴾ موقع للريبة.
﴿ وَإِنَّ كُلاًّ ﴾ جميع المختلفين من المؤمنين والكافرين وإن مع أنه مخففة عمل باعتبار الأصل والتنوين عوض عن المضاف إليه، ﴿ لَّما ﴾ ما زائدة للفصل بين لام الموطئة للقسم ولام التأكيد ومن قرأ بالتشديد فأصله لمن ما فقبلت النون ميما للإدغام فحذفت أولى الميمات الثلاث، ﴿ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي : إن جميعهم والله ليوفينهم ربك جزاء أعمالهم أو لمن الذين يوفينهم إلخ، ﴿ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.
﴿ فَاسْتَقِمْ ﴾ استقامة، ﴿ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ أي : مثل الاستقامة التي أمرت بها على دين ربك والدعاء إليه، ﴿ وَمَن تَابَ ﴾ عن الكفر وآمن، ﴿ مَعَكَ ﴾ عطف على ضمير استقم، ﴿ وَلاَ تَطْغَوْاْ ﴾ لا تخرجوا عن حدود الله، ﴿ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.
﴿ وَلاَ تَرْكَنُواْ ﴾، لا تميلوا أدنى ميل، ﴿ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ بأن تعظوهم وتستعينوا بهم، ﴿ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾ بركونكم إليهم ؛ بل استقيموا كما أمرت ولا تميلوا إلى جانب، ﴿ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ﴾ أعوان يمنعونكم من عذابه والواو للحال، ﴿ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ﴾ لا تجدون من ينصركم أو لا ينصركم الله إذ سبق في حكمه أن لا يرحم على من ركن وثم لاستبعاد نصره إياهم وقد أوعدهم بالعذاب عليه.
﴿ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ﴾ أحد طرفيها الصبح والآخر إما العصر أو الظهر والعصر، ﴿ وَزُلَفًا ﴾ ساعات، ﴿ مِّنَ اللَّيْلِ ﴾ قريبة من النهار العشاء أو الغرب والعشاء قيل : هذا قبل وجوب صلوات الخمس فإنه كان يجب صلاتان صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى أمته ثم نسخ، ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ في الحديث :( إذا عملت سيئة فأتبعتها حسنة تمحوها نزلت في رجل أصاب من امرأة ما دون الجماع فأتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فأخبره فنزل " أقم الصلاة " إلخ فقال الرجل : ألي هذا ؟ لأمتي كلهم )، ﴿ ذَلِكَ ﴾ : إشارة إلى استقم فما بعده، ﴿ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ عظة للمتعظين.
﴿ واصْبِرْ ﴾ على حكم الله، ﴿ فإن اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ وعن ابن عباس – رضي الله عنهما المحسنين أي : المصلين.
﴿ فَلَوْلاَ ﴾ فهلا، ﴿ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ ﴾ يقال : فلان من بقية القوم، أي : من خيارهم، أي : هلا كان منهم من فيه خير ينهي عن الفساد ؟ وهذا تحريض لأمة محمد عليه الصلاة والسلام كما قال :" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير " الآية ( آل عمران : ١٠٤ )، ﴿ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ﴾ من في ممن للبيان، أي : لكن قليلا منهم أنجيناهم لأنهم كذلك وجاز أن يكون الاستثناء متصلا لأن التخصيص ملزوم للنفي، أي : ما كان فيهم أو لو بقية كذا إلا قليلا وهم من أنجيناهم، ﴿ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ عطف على ما دل عليه الكلام، أي : لم ينهوا عن الفساد واتبعوا، ﴿ مَا أُتْرِفُواْ ﴾ : نعموا، ﴿ فِيهِ ﴾ من الشهوات بتحصيل أسبابها فأعرضوا عن الآخرة، ﴿ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ﴾ : كافرين، وهذا سبب استئصالهم و إهلاكهم فلا بد من الحذر عن مثل ما هم كانوا عليه.
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ ﴾ ما صح وما استقام له، ﴿ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ ﴾ بشرك، ﴿ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ أي : لا يهلكهم بمجرد الشرط إذا لم يضموا إلى شركهم فسادا أو ظلما فيما بينهم ؛ بل ينزل عليهم العذاب إذا أفسدوا وظلموا بعضهم بعضا أو لا يهلكهم بظلم منه وهم مصلحون لأعمالهم فإنه سبحانه حرم الظلم على نفسه وجعله بينكم محرما، " وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم " ( هود : ١٠ ) وهذا توجيه وجيه لا اعتزال فيه.
﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ : مسلمين كلهم، ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ في الأديان والاعتقادات.
﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ﴾ وهم أتباع الرسل تمسكوا بما أمروا به، ﴿ وَلِذَلِكَ ﴾ أي : للرحمة أو للاختلاف أو لهما، ﴿ خَلَقَهُمْ ﴾ الضمير لمن على الأول وللناس على الآخرين، ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ﴾ قضاؤه وقدره، ﴿ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾ : من عصاتهما، ﴿ أَجْمَعِينَ ﴾ أو منهما أجمعين لا من أحدهما.
﴿ وَكُلاًّ ﴾ التنوين عوض، أي كل نبأ، ﴿ نَّقُصُّ عَلَيْكَ ﴾ وقوله :﴿ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ ﴾ بيان لكلا أو صفة لنبأه المحذوف ومن للتبعيض، ﴿ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ بدل بعض من كلا أو مفعول نقص، وكلا مفعول مطلق حينئذ، أي : كل نوع من أنواع الاقتصاص نقص عليك و تثبيت فؤاده زيادة بقينه واحتمال الأذى، ﴿ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ ﴾ السورة، ﴿ الْحَقُّ ﴾ خص هذه السورة تشريفا وإن كان قد جاءه الحق في جميع السور أو جاءك في هذه السورة لك لأمتك، ﴿ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى ﴾ جاءتك فيها، ﴿ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي : عمت فائدة تلك السورة لك ولأمتك.
﴿ وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ : على طريقتكم تهديد شديد، ﴿ إِنَّا عَامِلُونَ ﴾ على حالنا.
﴿ وَانتَظِرُوا ﴾ بنا الدوائر، ﴿ إِنَّا ُمنتَظِرُونَ ﴾ أن يقول بكم مثل ما نزل على أمثالكم أو انتظروا ما يعدكم الشيطان إنا منتظرون ما يعدنا ربنا.
﴿ وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ لا يخفى عليه خافية، ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ﴾ في المعاد ويمكن أن يكون معناه كل الأمور راجعة إلى خلقه وقدرته فهو الفاعل على الحقيقة للأشياء، ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ فيجازي كلا ما يستحقه.
* " موضوع " انظر ضعيف الجامع.
* بالأصل " عليك ".
* كذا بالأصل.