تفسير سورة النصر

مختصر تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة النصر من كتاب تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير .
لمؤلفه محمد نسيب الرفاعي . المتوفي سنة 1412 هـ

روى البخاري، عن ابن عباس قال :« كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال : لم يدخل هذا معنا، ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر : إنه ممن قد علمتم، فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم، فما رأيت أنه دعاني يومئذٍ إلاّ ليريهم، فقال : ما تقولون في قول الله عزَّ وجلَّ ﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح ﴾ ؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس : فقلت : لا، فقال : ما تقول؟ فقلت : هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه له قال :﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح ﴾ فذلك علامة أجلك ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واستغفره إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ﴾ فقال عمر بن الخطاب : لا أعلم منها إلاّ ما تقول » وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال :« لما نزلت ﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح ﴾ قال رسول الله ﷺ :» نعيت إليَّ نفسي «، وأنه مقبوض في تلك السنة، وهكذا قال مجاهد والضحّاك وغير واحد إنها أجل رسول الله ﷺ نعي إليه، وعن ابن عباس قال : لما نزلت :﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح ﴾ حتى ختم السورة قال : نعيت لرسول الله صلى لله عليه وسلم نفسه حين نزلت، قال : فأخذ بأشد ما كان قط اجتهاداً في أمر الآخرة، وقال رسول الله ﷺ بعد ذلك :» جاء الفتح ونصر الله، وجاء أهل اليمن «، فقال رجل : يا رسول الله وما أهل اليمن؟ قال :» قوم رقيقة قلوبهم، لينة طباعهم، الإيمان يمان والفقه يمان « »، وقد ثبت أن رسول الله ﷺ قال يوم الفتح :« لا هجرة ولكن جهاد ونية، ولكن إذا استنفرتم فانفروا »، فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر رضي الله عنهم أجمعين من أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن والحصون، أن نحمد الله ونشكره ونسبِّحه، يعني نصلي له ونستغفره، معنى مليح صحيح، وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي ﷺ يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات، فيستجب لأمير الجيش إذا فتح بلداً أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات، وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن، وأما ما فسر به ابن عباس وعمر رضي الله تعالى عنهما من أن هذه السورة نعي فيها إلى رسول الله ﷺ روحه الكريمة، وأعلم أنك إذا فتحت مكة وهي قريتك التي أخرجتك ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا فتهيأ للقدوم علينا والوفود إلينا فللآخرة خير لك من الدنيا، ولسوف يعطيك ربك فترضى، ولهذا قال :﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واستغفره إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ﴾.
2753
روى البخاري، عن مسروق، عن عائشة قالت :« كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده :» سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي « يتأول القرآن »، وقالت عائشة :« كان رسول الله ﷺ يكثر في آخر أمره من قول :» سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه «، وقال :» إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أُمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان تواباً، فقد رأيتها ﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح * وَرَأَيْتَ الناس يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واستغفره إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ﴾ « » والمراد بالفتح هاهنا فتح مكة قولاً وا حداً، فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون : إن ظهر على قومه فهو نبي، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجاً، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيماناً ولم يبق في سائر قبائل العرب إلاّ مظهر الإسلام و الله الحمد والمنة، وقد روى البخاري في « صحيحه » عن عمرو بن سلمة قال :« لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله ﷺ وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون : دعوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي »، الحديث. وقال الإمام أحمد بسنده :« حدَّثني جار لجابر بن عبد الله قال : قدمت من سفر فجاءني ( جابر بن عبد الله ) فسلم عليَّ، فجعلت أحدِّثه عن افتراق الناس وما أحدثوا، فجعل جابر يبكي، ثم قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :» إن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً، وسيخرجون منه أفواجاً « ».
2754
Icon