ﰡ
(١) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى عِبَادَهُ بِأَنَّهُ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ، وَمَا فِي الأَرْضِ تَعْظِيماً لَهُ، وَإِقْرَاراً بِربُوبِيَّتِهِ، وَخُضُوعاً لِجَلاَلِهِ، وَكُلُّ شَيٍءٍ فِي الوُجُودِ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ رَبِّهِ، وَيُنزِّهُهُ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ وَالعَجْزِ، وَلَكِنَّ النَّاسَ لاَ يَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ - كَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى - وَهُوَ تَعَالَى العَزِيزُ الذِي لاَ يُغَالَبُ، الحَكِيمُ في شَرْعِهِ وَقَدَرِهِ وَتَدْبِيرِهِ.
سَبَّح للهِ - نَزَّهَهُ وَمَجَّدَهُ وَدَلَّ عَلَيهِ.
(٢) - وَهُوَ تَعَالَى المَالِكُ المُتَصَرِّفُ فِي الوُجُودِ كُلِّهِ تَصَرُّفاً مُطْلَقاً، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، فَمَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
(٣) - وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ بِغَيْرِ حَدٍّ، وَهُوَ الآخِرُ بَعْدَ كُلِّ شَيءٍ بِغَيْرِ نِهَايَةٍ، وَهُوَ العَالِي فَوْقَ كُلِّ شَيءٍ، فَلاَ شَيءَ أَعْلَى مِنْهُ، وَهُوَ البَاطِنُ فَلاَ شَيءَ أَدْنَى مِنْهُ، وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيءٍ مِنَ الوُجُودِ، فَلاَ يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ.
الآخِرُ - البَاقِي بَعْدَ فَنَائِهَا.
الظَّاهِرُ - الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ.
البَاطِنُ - الَّذِي لَيْسَ دُوَنُه شَيْءٌ.
(٤) - وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ خَلْقاً مُبْتَدأً وَدَبَّرَهُنَّ، وَخَلَقَ مَا فِيهِنَّ فِي سِتَّةِ أَيَّامِ (وَهَذِهِ الأَيَّامُ لاَ يَعْرِفُ كُنْهَهَا أَحَدٌ، وَهِيَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَيْسَتْ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا)، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا يَدْخُلُ فِي الأَرْضِ مِنْ خَلْقٍ، وَمَا يَنْزِل فِيهَا مِنْ حَبَّاتِ المَطَرِ، وَالحَبِّ وَالنَّوْرِ... وَيَعْلَمُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ مِنْ زَرْعٍ وَنَبَاتٍ وَثِمَارٍ وَمَعَادِنَ وَمَاءٍ... وَيَعْلَمُ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَطَرٍ وَغَيْرِهِ، وَيَعْلَمُ مَا يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ مِنَ الأَرْضِ (يَعْرُجُ فِيهِا) كَالأَبْخِرَةِ المُتَصاعِدَةِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.. وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَى أَعْمَالِ العِبَادِ، وَنِيَّاتِهِمْ، أَيْنَمَا كَانُوا، وَيَعْلَمُ مُتَقَلَّبَهُمْ وَمَثْوَاهُمْ.
اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ - اسْتِوَاءً يَلِيقُ بِجَلاَلِهِ فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِهِ.
(٥) - وَهُوَ تَعَالَى المَالِكُ المُتَصَرِّفُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ تَصُرُّفاً مُطْلَقاً، وَهُوَ المُدَبِّرُ لأُمْورِهِمَا وَالنَّافِذُ الكَلَمَةِ فِيهِمَا، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقْضِي بَيْنَهُمْ بِعَدْلِهِ التَّامِّ.
(٦) - وَهُوَ المُتَصَرِّفُ فِي الخَلْقِ، يُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ، وَيُقَدَّرُهُما بِحِكْمَتِهِ كما يَشَاءُ، فَتَارَةً يَطُولُ اللَّيلُ وَيَقْصُرُ النَّهَارُ، وَتَارَةً يَقْصُرُ اللَّيْلُ وَيَطُولُ النَّهَارُ، وَهُوَ الذِي يُقَلِّبُ الفُصُولَ، وَهُوَ العَلِيمُ بِمَا تُخْفِيهِ الصُّدُورُ.
يُولِجُ - يُدْخِلُ.
(٧) - يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالإِيْمَانِ بِهِ، وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ، وَيَحثُّهُمْ عَلَى الإِنْفَاقِ فِي أَوْجُهِ الطَّاعَاتِ، مِنَ المَالِ الذِي أَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ، وَجَعَلَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ عَلَى سَبِيلِ الأَمَانَةِ أَوِ الإِعَارَةِ، لأَنَّ هَذَا المَالَ كَانَ مِنْ قَبْلُ، فِي أَيدِي أُنَاسٍ آخَرِينَ، فَصَارَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ يَمُوتُونَ هُمْ وَيَتْركُونَهُ فَيَخْلُفُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ.
وَيُرَغِّبُ اللهُ تَعَالَى العِبَادَ فِي الإِنْفَاقِ فِي أَوْجُهِ الطَّاعَاتِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ الذِينَ آمِنُوا وَأَنْفَقُوا فِي أَوْجُهِ الخَيْرِ وَالبِرِّ سَيَجْزِيهِمْ رَبُّهُمْ جَزَاءً حَسَناً، وَسَيُؤْتِيهِمْ أَجْراً كَبِيراً.
(وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: " يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ "). (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
(٨) - وَأَيُّ شَيءٍ يَمْنَعُكُمْ مِنَ الإِيْمَانِ بِاللهِ، وَالرَّسُولُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ يَدْعُوكُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَيُبَيِّنُ لَكُم الحُجَجَ والبَرَاهِينَ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءَكُمْ بِهِ، وَقَدْ أَخَذَ اللهُ عَلَيْكُمُ المِيثَاقَ، بِمَا نَصَبَ لَكُمْ مِنَ الأَدْلَّةِ فِي الأَنْفُسِ وَالآفَاقِ، عَلَى وُجُودِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ، هَذَا إِنْ كُنْتُمْ بِحَاجَةٍ إِلَى دَلِيلٍ لَتُؤْمِنُوا (أَوْ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالدَّلِيلِ إِذَا جَاءَكُمْ).
(٩) - وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الذِي يُنْزِلُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ آيَاتٍ وَاضِحَاتٍ، لِيُخْرِجَكُمْ بِهَا مِنْ ظُلُمَاتِ الكُفْرِ، إِلَى نُورِ الإِيْمَانِ، ومِنَ الضَّلاَلَةِ إِلَى الهُدَى، وَمِنْ رَأْفَتِهِ بِكُمْ جَعَلَ لَكُمْ عُقُولاً وَأَفْهَاماً للتَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّرِ فِي آيَاتِ اللهِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْكُم الرُّسُلَ بِالكُتُبِ مِنْهُ تَعَالَى لِتَهْتَدُوا بِهَا إِلَى الإِيْمَانِ بِاللهِ، وَإِلَى عَمَلِ الخَيْرِ، وَالإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ، لِيُدْخِلَكُمُ الجَنَّةَ وَيُجَنِّبَكُمْ عَذَابَ النَّارِ، وَاللهُ عَظِيمُ الرَأْفَةِ بِالعِبَادِ، وَاسِعُ الرَّحْمَةِ لَهُمْ.
(١٠) - وَمَا لَكُم يَا أَيُّها النَّاسُ لاَ تُنْفِقُونَ مِنْ أَمْوالِكم فِي سَبيلِ اللهِ؟ أَتَخْشَوْنَ الفَقْرَ إِنْ أَنْفَقْتُمْ؟ أَنْفِقُوا وَلاَ تَخْشَوْا شَيْئاً، فَإِنَّ الذِي أَنْفَقْتُمْ أَمْوالَكُمْ فِي سَبِيلهِ هُوَ مَالكُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ، وَقَدْ تَكَفَّلَ بِرِزْقِكُمْ، وَبِالإِخْلاَفِ عَلَيكُم ﴿وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالى تَفَاوَتَ دَرَجَاتِ المُنْفِقِينَ، بِحَسَبِ تَفَاوُتِ أَحْوَالِهم، فَقالَ: إِنَّهُ لاَ يَسْتَوي مَنْ آمَنَ، وَهَاجَرَ، وَأَنْفَقَ مَالَهُ في سَبِيلِ اللهِ، قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ (أَوْ قَبْلَ صُلْحِ الحَدَيْبِيَةِ عَلَى قَوْلٍ)، مَعَ مَنْ آمنَ، وَأَنْفَقَ بَعْدَ الفَتْحِ، فَالأَوَّلُونَ أَعْظَمُ دَرجةً عِنْدَ الله، لأنَّ المُؤْمِنينَ قَبْلَ الفَتْحِ كَانُوا قَليلي العَدَدِ، وَواجِبَاتُهُمْ كَثِيرةٌ وَثَقِيلةٌ، أَمَّا بَعْدَ الفَتْحِ فَقَدِ انْتَشَرَ الإِسْلامُ، وَأَمِنَ النَّاسُ. وَاللهُ عَلِيمٌ خَبِيرٌ بِمَا يَعْمَلُهُ العِبَادُ.
(وَجَاءَ عَنْ رَسُولِ الله قَوْلُهُ: " لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَباً مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ ").
(رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
قَبْلَ الفَتْحِ - فَتْحِ مَكَّةَ أَوْ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ.
الحُسْنَى - المَثُوبةُ الحَسَنةُ.
(١١) - مَنْ هَذَا الذِي يُنْفِقُ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَطَمَعاً فِي مَثُوبَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ، مُحْتَسِباً أَجْرَهُ عِنْدَ اللهِ، فَيَعُدُّ اللهُ لَهُ ذَلِكَ قَرْضاً للهِ تَعَالَى، فَيُضَاعِفُ لَهُ ذَلِكَ القَرْضَ أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً، وَيُثيبُهُ مَثُوبَةً كَرِيمةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ يَوْمَ القِيَامَةِ؟
قَرْضاً حَسَناً - طَيِّبَةً نَفْسُهُ بِهِ أَوْ مُحْتَسِباً بِهِ.
(١٢) - وَفِي يَوْمِ القِيَامَةِ تَرَى المُتَصَدِّقِينَ، مِنَ المُؤْمِنينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهمْ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ، وَتَكُونُ كُتُبُهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَتَقُولُ لَهُمُ المَلاَئِكَةُ الكِرَامُ: أَبْشِرُوا بِجَنَّاتٍ تَجْرِي الأَنْهَارُ فِي جَنَبَاتِهَا جَزَاءً لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ الصَّالِحَةِ، وَهَذَا الذِي فُزْتُمْ بِهِ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ.
الغَرُورُ - الشَّيْطَانُ المُخَادِعُ.
غَرَّتْكُمْ الأَمَانِي - خَدَعَتْكُمُ الأبَاطِيلُ.
تَرَبَّصْتُمْ - انْتَظَرْتُمْ أَنْ تَحِلَّ بِالمُؤْمِنينَ صُرُوفُ الدَّهْرِ.
فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ - أَهْلَكْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِالمَعَاصِي وَالنِّفَاقِ.
(١٥) - فَاليَوْمَ لاَ مَهْرَبَ لَكُمْ، وَلاَ لِلْكَافِرِينَ، مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَلاَ سَبِيلَ لَكُمْ إِلَى الافْتِدَاءِ مِنْهُ وَلَوْ جَاءَ أَحدُكُمْ بِمِثْلِ الأَرْضِ ذَهَباً، وَسَتَصِيرُونَ جَمِيعاً إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ، وَسَتَكُونُ هِيَ مَأْوَاكُمْ وَمَثْوَاكُمْ وَمُتَقَلَّبَكُمْ، وَهِيَ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ كُلِّ مَنْزِلٍ آخَرَ، وَسَاءَتْ مَصِيراً
مَوْلاَكُمْ - النَّارُ أَوْلَى بِكُمْ.
(١٦) - أَلَمْ يَحِنِ الوَقْتُ الذِي تَرِقُّ فِيهِ قُلُوبُ المُؤْمِنِينَ، وَتَخْضَعُ حِينَ سَمَاعِهِمْ القُرْآنَ وَالمَوَاعِظَ، فَتَأْخُذُ بِمَا أَمَرَ اللهُ، وَتَنْتَهِي عَمَّا نَهَى عَنْهُ؟ فَلاَ يُشَابِهُ المُؤْمِنُونَ أَهْلَ الكِتَابِ مِنَ اليَهُودِ والنَّصَارَى الذِينَ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِمْ التَّوْرَاةَ، وَأَمَرَهُمْ بِالالْتِزَامِ بِمَا جَاءَ فِيهِمَا، وَلَمَّا بَعُدَ العَهْدُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِمْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ تَعُدْ تُؤثِّرُ فِيهَا المَوَاعِظُ التِي وَرَدَتْ فِي كُتُبِ اللهِ، وَعَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَتَفَرَّقُوا شِيَعاً وَاخْتَلَفُوا، وَحَرَّفُوا الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَخَرَجَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ عَنِ الحُدُودِ التِي شَرَعَهَا اللهُ لَهُمْ.
أَلَمْ يَأْنِ - أَلَمْ يَحِنِ الوَقْتُ.
الأَمَدُ - الأَجَلُ أَوِ الزَّمَانُ.
(١٧) - يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى لِلنَّاسِ أَنَّهُ يُلَيِّنُ القُلُوبَ بَعْدَ قَسْوَتِهَا، وَيَهْدِي القُلُوبَ الحَائِرَةَ بَعْدَ ضَلاَلِهَا، وَيُفَرِّجُ الكُرَبَ بَعْدَ شِدَّتِهَا. وَكَمَا أَنَّهُ تَعَالَى يُحْيِي الأَرْضَ المُجْدِبَةَ اليَابِسَةَ بِالمَطَرِ، كَذَلِكَ يُحْيِي القُلُوبَ القَاسِيَةَ بِالقُرْآنِ، وَمَوَاعِظِهِ، وَحُجَجِهِ وَدَلاَئِلِهِ، وَيُدْخِلُ إِلَيها النُّورَ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُحْكَمَةَ الإِغْلاَقِ، لاَ يَصِلُ إِلَيهَا شَيءٌ.
(١٨) - إِنَّ المُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ بِأَمْوَالِهِمْ عَلَى المُحْتَاجِينَ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَهُمْ لاَ يَبْتَغُونَ مِنْ وَرَاءِ عَمَلِهِمْ هَذَا إِلاَّ رِضْوَانَ اللهِ وَثَوَابَهُ وَجَنَّتَهُ، يُضَاعِفُ اللهُ لَهُُمُ الحَسَنَاتِ، وَيَتَجَاوَزُ لَهُمْ عَنِ السَّيِّئَاتِ، وَيُجْزِلُ لَهُمُ الأَجْرَ يَوْمَ الحِسَابِ فِي الآخِرَةِ.
المُصَّدَّقِينَ - المُتَصَدَّقِينَ.
(١٩) - وَالذِينَ آمَنُوا بِوُجُودِ اللهِ تَعَالَى، وَأَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَصَدَّقُوا رُسُلَهُ، وَآمَنُوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، فَهَؤُلاَءِ عِنْدَ اللهِ فِي مَنْزِلَةِ الصِّدِّيقِينَ الذِينَ أَلِفُوا الصِّدْقَ حَتَّى صَارَ لَهُمْ خُلُقاً وَسَجِيَّةً، وَالذِينَ اسْتُشْهِدُوا فِي سَبْيلِ اللهِ، وَفِي سَبِيلِ نَصْرِ دِينِهِ، لَهُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَلَهُمْ نُورٌ عَظَيمٌ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، لِيَسِيرُوا عَلَى هُدَاهُ، وَهُمْ يَتَفَاوَتُونَ فِي مَرَاتِبِهِمْ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا.
أَمَّا الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ، وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ، وَجَحَدُوا بِآيَاتِهِ، وَحُجَجِهِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَصِدْقِ رُسُلِهِ، فَهَؤُلاَءِ يَكُونُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَيَبْقَوْنَ فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً لاَ يَحُولُونَ عَنْهَا وَلاَ يَزُولُونَ.
(٢٠) - وَاعْلَمُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا لَيْسَتْ إِلاَّ مَتَاعاً لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ، وَالزِّينَةِ والتَّفَاخُرِ وَالمُبَاهَاةِ بِكَثْرَةِ الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ، وَمَا مَثَلُهَا فِي نَضْرَتِهَا، وَسُرْعَةِ زَوَالَهَا، وَانْقِضَائِهَا إِلاَّ مَثَلُ أَرْضٍ أَصَابَهَا مَطَرٌ غَزِيرٌ فَأَخْرَجَتْ مِنَ النَّبَاتَاتِ مَا أَعْجَبَ الزُّرَّاعَ وَسَرَّهُمْ، وَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى تِلْكَ الحَالِ إِذْ بِهَذَا النَّبَاتِ قَدْ صَوَّحَ واصْفَرَّ وَأَخَذَ فِي اليَبَسِ وَالجِفَافِ، ثُمَّ يَصِيرُ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ. وَفِي الآخِرَةِ يَجِدُ النَّاسُ أَمَامَهُمْ إِمَّا عَذَاباً أَلِيماً جَزَاءً عَلَى أَعْمَالِهِمْ، إِنْ كَانُوا قَدْ آثَرُوا الدُّنْيَا، وَعَمِلُوا لَهَا، وَانْهَمَكُوا فِي مَلَذَّاتِهَا، وَإِمَّا ثَوَاباً كَرِيماً، وَرِضْوَانا مِنَ اللهِ، إِنْ كَانُوا قَدْ أَعْرَضُوا عَنِ الدُّنْيَا، وَعمِلُوا فِي دُنْيَاهُمْ لآخِرَتِهِمْ، وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتَاعٌ زَائِلٌ خَادِعٌ يَغُرُّ مَنْ رَكَنَ إِلَيْهِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ لاَ دَارَ سِوى هَذِهِ الدَّارِ الدُّنْيا.
تَكَاثُرٌ - مُبَاهَاةٌ وَتَطَاوُلٌ بِالعَدَدِ وَالعُدَدِ.
أَعْجَبَ - رَاقَ.
يَهِيجُ - يَيْبَسُ.
يَكُونُ حُطَاماً - يُصْبِحُ فَتَاتاً مُتَنَاثِراً مُتَكَسِّراً.
(٢١) - سَابِقُوا يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ أَقْرَانَكُمْ فِي مِضْمَارِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَقُومُوا بِمَا كَلَّفَكُمْ بِهِ رَبَّكُمْ مِنَ الوَاجِبَاتِ، يُدْخِلْكُمْ رَبُّكُمْ جَنَّةً وَاسِعَةً عَرْضُها كَعَرْضِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَقَدْ أَعَدَّهَا اللهُ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ، وَصَدَّقُوا رُسُلَهُ فِيمَا جَاؤُوهُمْ بِهِ، وَهَذَا الذِي أَهَّلَهُمُ اللهُ لَهُ هُوَ مِنْ فَضْلِهِ عَلَيْهِمْ، وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَاللهُ وَاسِعُ الفَضْلِ كَثِيرُ العَطَاءِ، فَيُعْطِي مَنْ يَشَاءُ مَا شَاءَ كَرَماً وَتَفُضُّلاً.
سَابِقُوا - سَارِعُوا مُسَابِقِينَ غَيْرَكُمْ.
(٢٢) - مَا أَصَابَكُمْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ مَصَائِبَ فِي آفَاقِ الأَرْضِ كَقَحْطٍ وَجَدْبٍ وَقِلَّةِ رِزْقٍ... وَمَا أَصَابَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ أَمْرَاضٍ وَأَسْقَامٍ وَنَكَبَاتٍ.. إِلاَّ وَهُوَ مَسْطُورٌ فِي أَمِّ الكِتَابِ عِنْدَ اللهِ، قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ اللهُ هَذِهِ الخَلِيقَةَ (أَوْ قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ اللهُ هَذِهِ النُّفُوسَ)، وَعِلْمُ اللهِ السَّابِقُ بِمَا سَيَقَعُ مِنْ أَحْدَاثٍ فِي الأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ، وَإِثْبَاتُهُ فِي كِتَابٍ، هُوَ سَهْلٌ يَسِيرٌ عَلَيهِ، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا سَيَكُونُ.
نَبْرَأَهَا - نَخْلُقَ هَذِهِ الكَائِنَاتِ أَوِ النُّفُوسَ.
(٢٣) - وَقَدْ أَعْلَمَكُمُ اللهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ بِتَقَدُّمِ عِلْمِهِ لِمَا سَيَقَعُ مِنَ الأَحْدَاثِ، وَبِسَبْقِ كِتَابَتِهِ كُلَّ مَا سَيَقَعُ قَبْلَ حُدوثِهِ، لِتَعْلَمُوا أَنَّ مَا أَصَابَكُمْ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكُمْ، فَلاَ تَحْزنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَتَحَسَّرُوا، وَلِكَيْلاَ تَقُولُوا: لَوْ فَعَلْنا كَذَا لَكانَ كَذَا، وَلَوْ لَمْ نَفْعَلْ كَذَا لمَا كَانَ كَذَا.
وَلِكَيْلاَ تَفْخَرُوا عَلَى النَّاسِ بِمَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِسَعْيِكُمْ، وَلاَ بِكَدِّكُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ قَدَرِ اللهِ وَرِزْقِهِ، فَلاَ تَتَّخِذُوا نِعْمَةَ اللهِ أَشَرَاً وَبَطَراً، وَتَفْخَرُوا بِهَا عَلَى النَّاسِ.
المُخْتَالُ - المُتَكَبِّرُ بِسَبَبِ فَضْلَةٍ يَرَاهَا فِي نَفْسِهِ.
الفَخُورُ - المُبَاهِي بِالأَشْيَاءِ العَارِضَةِ كالمَالِ وَالجَمَالِ.
لِكَيْلاَ تَأْسَوْا - لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا حُزْنَ قُنُوطٍ.
(٢٥) - وَلَقَدْ أَرْسَلَ اللهُ تَعَالَى الرُّسُلَ بِالمُعْجِزَاتِ وَالحُجَجِ الدَّالَّةِ عَلَى إِرْسَالِ الرُّسُلِ مِنَ اللهِ إِلَى أَقْوَامِهِمْ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الكُتُبَ وَالشَّرَائِعَ، فِيهَا الهِدَايَةُ لِلنَّاسِ، وَفِيهَا صَلاَحُ أُمُورِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَتَعَامَلُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالعَدْلِ، وَبِأَلاَّ يَظْلِمَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَحَداً. وَلَمَّا كَانَ لاَ بُدَّ لإِقَامَةِ العَدْلِ مِنْ سُلْطَةٍ وَقُوَّةٍ وَسِلاَحٍ، لِذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ الحَدِيدَ تُصْنَعُ مِنْهُ السُّيُوفُ وَالرِّمَاحُ والدُّرُوعُ وَعُدَدُ الحُرُوبِ، التِي تَرْدَعُ مَنْ يَتَجَاوَزُ الحُدُودَ، وَيَأْبى إِقَامَةَ العَدْلِ، بَعْدَ قِيَامِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ. كَمَا جَعَلَ اللهُ فِي الحَدِيدِ مَنَافِعَ لِلنَّاسِ، يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي أُمُورِ دُنْيَاهُمْ، وَمَعَايِشِهِمْ، كَأَدَوَاتِ العَمَلِ وَالحَرْثِ... وَالسَّلاَحِ والسُّفُنِ... وَإِنَّمَا فَعَلَ اللهُ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَنْ يَنْوِي اسْتِعْمَالَ السَّلاَحِ فِي نَصْرِ دِينِ اللهِ، وَمَنْ يَنْوِي اسْتِعْمَالَهُ فِي الإِفْسَادِ فِي الأَرْضِ، وَاللهُ قَوِيٌ عَزِيزٌ يَنْصُرُ مَنْ نَصَرَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجِ مِنْهُ إِلَى الخَلْقِ، وَإِنَّمَا شَرَعَ الجِهَادَ لِيَبْلُوا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ.
المِيزَانَ - العَدْلَ وَأَمَرَ بِهِ - أَوْ هُوَ المِيزَانُ المُسْتَعْمَلُ فِي الوَزْنِ.
أَنْزَلْنَا الحَدِيدَ - خَلَقْنَاهُ أَوْ هَيَّأْنَاهُ لِلنَّاسِ.
بَأْسٌ شَدِيدٌ - قُوَّةٌ شَدِيدَةٌ.
(٢٦) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ مُنْذُ أَنْ أَرْسَلَ نَبِيّاً إِلَى قَوْمِهِ، لَمْ يُرْسِلْ بَعْدَهُ رَسُولاً، وَلاَ نَبِيّاً إِلاَّ مِنْ ذُرِّيَتِهِ، ثُمَّ بَعَثَ اللهُ بَعْدَهُ إِبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى قَوْمٍ آخرِينَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَقَدِ افْتَرَقَتْ ذُرِّيَةُ نُوحٍ وَذُرِّيَةُ إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعْدِهِمَا فِرْقَتَينِ: فِرْقَةً مُهْتَدِيَةً إِلَى الحَقِّ مُسْتَبْصِرَةً بِهِ، وَفِرْقَةً ضَالَّةً مُتَّبِعَةً هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ.
(٢٧) - وَبَعْدَ إِبْرَاهِيمَ أَرْسَلَ اللهُ تَعَالى رُسُلاً كَثِيرِينَ، وَكَانَ آخِرَهُمْ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الإِنِجِيلَ، وَفِيهِ شَرْعُ اللهِ وَوَصَايَاهُ، وَقَدْ جَاءَ عِيسَى مُكَمِّلاً لِلتَّوْرَاةِ، وَمُخْفِّفاً بَعْضَ أَحْكَامِهَا التِي شُرِعَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، بِسَبَبِ نَقْضِهِمْ العَهْدَ وَالمِيثَاق، وَجَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِ النَّصَارَى أَتْبَاعِ عِيسَى، الذِينَ سَارُوا عَلَى نَهْجِهِ، رَأْفَةً وَرَحْمَةً فِي التَّعَامُلِ، فِيمَا بَيْنَهُمْ، وابْتَدَعُوا رَهْبَانِيَّةً لَمْ يَفْرِضْهَا اللهُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا فَرَضُوها عَلَى أَنْفِسِهِمْ طَلَباً لِرِضْوَانِ اللهِ وَمَرْضَاتِهِ، فَانْقَطَعُوا عَن الدُّنْيَا وَمَلَذَّاتِهَا، وَلَكِنَّ الكَثِيرِينَ مِنْهُمْ لَمْ يُحَافِظُوا عَلَى هَذِهِ الرَّهْبَانِيَّةِ المُبْتَدَعَةِ، وَلَمْ يَقُومُوا بِهَا، فَأَعْطَى اللهُ المُؤْمِنِينَ المُخْلِصِينَ مِنْهُمْ أَجْراً عَظِيماً، ثَوَاباً لَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَلَكِنَّ الكَثِيرِينَ مِنْهُمْ فَسَقُوا وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ اللهِ، واجْتَرَح السَّيِّئَاتِ، وارْتَكَبُوا المُنْكَرَاتِ، وَسَيُعَاقِبُهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى فِسْقِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ.
قَفَّينَا عَلَى آثارِهِمْ - أَتْبَعْنَاهُمْ وَبَعَثْنَاهُمْ.
الذِينَ اتَّبَعُوهُ - مَوَدَّةً وَلِيناً وَشَفَقَةً.
رَهْبَانِيَّةً - مُغَالاَةً فِي التَّعْبُّدِ والتَّقَشُّفِ.
مَا كَتَبْنَاهَا - لَمْ نَفْرِضْهَا عَلَيْهِمْ.
(٢٨) - يَحُثُّ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، مِنَ اليَهُودِ والنَّصَارَى، عَلَى تَقْوى اللهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالإِيْمَانِ بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَيَعِدُهُمْ إِنْ هُمْ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ، وَاتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا العَمَلَ بِأنَّهُ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أَجْرَهُمْ ضِعْفَيْنِ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى إِيْمَانِهِمْ بِنَبِّيهِمْ وَبِالأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ قَبْلَهُ، وَأَجْراً آخَرَ لإِيْمَانِهِمْ بِمُحَمَّدٍ، وَأَنَّهُ سَيَجْعَلُ لَهُمْ هُدى وَنُوراً يَمْشُونَ بِهِ فَيُجِنِّبُهُمْ العَمَى وَالضَّلاَلَةَ، وَأَنَّهُ سَوْفَ يَغْفِرُ لَهُمْ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَيُعْلِمُهُمْ بِأَنَّ اللهَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ لِمَنْ شَاءَ، رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ، يَقْبَلُ إِنْ أَحْسَنُوا التَّوْبَةَ إِلَيهِ.
(وَرُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ حِينَمَا فَخَرَ مُؤْمِنُوا أَهْلِ الكِتَابِ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ لَمَّا نَزَلَتِ الآيَةُ ﴿أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ﴾ فَجَعَلَ اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ أَجْرَينِ وَزَادَهُمْ نُوراً).
وَفِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: " ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ:
- رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيَّهِ وَآمَنَ بِي فَلَهُ أَجْرَانِ.
- وَعَبَدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ فَلَهُ أَجْرَانِ.
- وَرَجُلٌ أَدَّبَ أَمَتَهُ فَأَحْسَنَ تَأَدِيبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ ").
(رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
(٢٩) - وَقَدْ فَعَلَ اللهُ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ أَنَّهُمْ لاَ يَنَالُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ مِنَ الأجْرَينِ شَيئاً، كَثِيرُ العَطَاءِ، يَمْنَحُ فَضْلَهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَلاَ يَخُصُّ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ.
لِئَلاَّ يَعْلَمَ - لِيَعْلَمَ.