تفسير سورة البلد

أيسر التفاسير للجزائري
تفسير سورة سورة البلد من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري .
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

(٧) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)
شرح الكلمات:
لا أقسم بهذا البلد: أي مكة.
وأنت حل بهذا البلد: أي وأنت يا نبي الله محمد حلال بمكة.
ووالد وما ولد: أي وآدم وذريته.
في كبد: أي في نصب وشدة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة.
أيحسب أن لن يقدر: أي أيظن وهو أبو الأشدين بن كلدة وكان قويا شديدا.
أهلكت مالا لبدا: يقول هذا مفاخرا بعداوة الرسول وأنه أنفق فيها مالا كثيرا.
أيحسب أن لم يره أحد: أي أيظن أنه لم يره أحد؟ بل الله رآه وعلم ما أنفقه.
وهديناه النجدين: أي بينا له طريق الخير وطريق الشر بما فطرناه عليه من ذلك وبما أرسلنا به رسلنا
وأنزلنا به كتابنا.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿لا أُقْسِمُ١ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ٢ بِهَذَا الْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ هذا قسم لله تعالى أقسم فيه بمكة بلده الأمين والرسول بها وهو حل يقاتل ويقتل فيها وذلك يوم الفتح الموعود. وقد قتل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومها ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة وأقسم بوالد وما ولد فالوالد آدم وما ولد ذريته منهم الأنبياء والأولياء وجواب القسم أو المقسم عليه قوله ﴿لَقَدْ٣ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ٤﴾ أي في نصب وتعب لا يفارقانه منذ تخلقه في بطن أمه إلى وفاته بانقضاء عمره ثم يكابد شدائد الآخرة ثم إما إلى نعيم لا نصب معه ولا تعب، وإما إلى جحيم لا يفارقه ما هو أشد من النصب والتعب عذاب الجحيم هكذا شاء الله وهو العليم الحكيم. وفي هذا الخبر الإلهي المؤكد بأجل قسم على أن الإنسان محاط منذ نشأته إلى نهاية أمره بالنصب والتعب ترويح على نفوس المؤمنين بمكة وهم
١ الابتداء بالقسم للتشويق إلى ما يذكر بعد القسم، ولا مزيدة لتقوية الكلام.
٢ جملة وأنت حل بهذا البلد معترضة بين المتعاطفين وفائدتها تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووعده بنصره على أعدائه.
٣ لقد خلقنا: هذا جواب القسم والإنسان للجنس ولا يراد به واحد بعينه وبعضهم يرى أن المراد به أبو الأشدين أسيد بن كلدة الجمحي.
٤ من مظاهر أن الإنسان مربوب وأن له رباً يسيره ويدبر حياته كونه لا يفارق النصب والتعب مدة حياته وهو لا يريد ذلك.
572
يعانون من الحاجة والاضطهاد والتعذيب أحيانا من طغاة قريش لا سيما المستضعفين كياسر وولده عمار وبلال وصهيب وخبيب، وحتى الرسول الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو لم يسلم من أذى المشركين فإذا عرفوا طبيعة الحياة وأن السعادة فيها أن يعلم المرء أن لا سعادة بها هان عليهم الأمر وقل قلقهم وخفت آلامهم. كما هو تنبيه للطغاة وإعلام لهم بما هم عنه غافلون لعلهم يصحون من سكرتهم بحب الدنيا وما فيها وقوله عز وجل ﴿أَيَحْسَبُ١﴾ الإنسان ﴿أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ هذا الإنسان الذي قيل أنه أبو الأشدين الذي أنفق ماله في عداوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والإسلام ويتبجح بذلك ويقول ﴿أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً﴾ كثيرا بعضه فوق بعض بلى إن الله تعالى قد رآه وعلم به وعلم القدر الذي أنفقه وسوف يحاسب عليه ويجزيه به، ولن ينجيه اعتقاده الفاسد أنه لا بعث ولا جزاء قال تعالى مقررا له بقدرته ونعيمه عليه ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ٢ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ٣ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ٤﴾ أي أعطيناه عينين يبصر بهما ولسانا ينطق به ويفصح عن مراده وزيناه بشفتين يستر بهما فمه وأسنانه ثم هديناه النجدين أي بينا له طريق الخير والشر والسعادة والشقاء بما أودعنا في فطرته وبما أرسلنا به رسلنا وأنزلنا به كتبنا أنسي هذا كله وتعامى عنه ثم هو ينفق ما اعطيناه في حرب رسولنا وديننا.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- شرف مكة وحرمتها وعلو شأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمو مقامه وهو فيها وقد أحلها الله تعالى له ولم يحلها لأحد سواه.
٢- شرف آدم وذريته الصالحين منهم.
٣- إعلان حقيقة وهي أن الإنسان لا يبرح يعاني من أتعاب الحياة حتى الممات ثم يستقبل شدائد الآخرة إلى أن يقرر قراره وينتهي تطوافه باستقراره في الجنة حيث يستريح نهائيا، أو في النار فيعذب ويتعب أبدا.
فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ
١ الاستفهام إنكاري مشبع بالتوبيخ والتقريع.
٢ ألم نجعل الاستفهام تقريري وفيه معنى التوبيخ.
٣ الشفتين واحدتها شفة وأصلها شفو فقلبت الواو هاء فصارت شفة وتجمع على شفاة.
٤ النجد الأرض المرتفعة ارتفاعاً دون الجبل، والمراد بالنجدين طريقا الخير والشر كما في التفسير.
573
(١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠)
شرح الكلمات:
فلا اقتحم: أي فهلا تجاوز.
العقبة: أي الطريق الصعب في الجبل، والمراد به النجاة من النار.
فك رقبة: أي أعتق رقبة في سبيل الله تعالى.
في يوم ذي مسغبة أي في يوم ذي مجاعة وشدة مؤونة.
يتيما ذا مقربة: أي أطعم يتيما من ذوي قرابته.
مسكينا ذا متربة: أي أطعم فقيراً لاصقا بالتراب ليس له شيء.
وتواصوا بالصبر: أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة الله.
وتواصوا بالمرحمة: أي أوصى بعضهم بعضا برحمة الفقراء والمساكين.
أصحاب الميمنة: أي أصحاب اليمين وهم المؤمنون المتقون.
أصحاب المشأمة: أي أصحاب الشمال وهم الكفار الفجار.
مؤصدة: أي مطبقة لا نافذة لها ولا كوة فلا يدخلها هواء.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ ١ فهلا أنفق أبو الأشدين ما أنفقه في عداوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هلا أنفقه في سبيل الله فاقتحم بها العقبة فتجاوزها، وقوله تعالى ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ﴾ ٢ هذا تفخيم لشأنها وتعظيم له وقوله ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ٣ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ٤ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ بهذه الأمور الأربعة تقتحم العقبة وتجتاز فينجو صاحبها من النار والأمور الأربعة هي:
١ ذهب القرطبي إلى أن فلا هي بمعنى هلا التي هي للتحضيض، وهو ما قررناه في التفسير وجائز أن يكون استفهاماً إنكارياً ينكر عليه إنفاق أمواله فيما يضره وعدم إنفاقها فيما ينفعه.
٢ الاستفهام للتشويق إلى معرفة حقيقة العقبة.
٣ فك رقبة وما بعدها بيان للعقبة، إذ التقدير هي فك رقبة. والمراد من فك الرقبة عتقها. وفي الحديث "من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار".
٤ هذه الجملة عطف على الجمل المسوقة للذم والتوبيخ.
574
* فك رقبة وقد ورد من اعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار.
* إطعام في يوم ذي مسغبة أي مجاعة١ يتيما ذا مقربة أي قرابة أو مسكينا ذا متربة أي ذا لصوق بالأرض لحاجته وشدة فقره.
* إيمان صادق بالله ورسوله وآيات الله ولقائه يحيا به قلبه.
* تواصى بالصبر أي مع المؤمنين المستضعفين بالثبات على الحق ولزوم طريقه وتواصي بالمرحمة مع أهل المال أن يرحموا الفقراء والمساكين فيسدوا خلتهم ويقضوا حاجتهم.
بهذه الأربعة تجتاز العقبة وينجو المرء من عذاب الله، وفي مثل هذا تنفق الأموال لا أن تنفق في الدسائس والمكر بالصالحين وخداع المؤمنين.
وقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنَا﴾ لما ذكر الإيمان والعمل الصالح وهما المنجيان من عذاب الله تعالى ذكر ضدهما وهما الكفر والمعاصي وهما المهلكان الشرك والمعاصي لأن الكفر بآيات الله لازمه البقاء على الشرك المنافي للتوحيد، والعصيان المنافي للطاعة وقوله تعالى ﴿أُولَئِكَ اأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ﴾ أي الشمال ﴿عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ﴾ مغلقة الأبواب مطبقة هي جزاؤهم لأنهم كفروا بآيات الله وعصوا رسوله.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- التنديد بمن ينفق ماله في معصية الله ورسوله، والنصح له بالإتفاق في الخير فإنه أجدى له، وأنجى من عذاب الله.
٢- بيان أن عقبة عذاب الله يوم القيامة تقتحم وتجتاز بالإتفاق في سبيل الله وبالإيمان والعمل الصالح والتواصي به.
٣- التنديد بالكفر والوعيد الشديد لأهله.
١ اليتيم: الولد الذي ليس له أب لموته وهو دون البلوغ.
575
سورة الشمس
مكية وآياتها خمس عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (١) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (٢) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (٤) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (٥) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا
575
Icon