بسم الله الرحمن الرحيم
سورة البلد ١ مكية ٢٢ بالإجماع في تفسير الماوردي ٤/٤٥٦، وعلى القول الجمهور في المحرر ١٦/٣٠٣، والبحر ٨/٤٧٤، وفيهما عن قوم أنها مدنية وفي روح المعاني ٣٠/١٦٩، عن بعضهم أنها مدنية إلا أربع آيات من أولها. قال السيوطي في الإتقان ١/١٤ "وقوله (بهذا البلد) يرد القول بأنها مدنية"..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة البلدمكية
قوله تعالى: ﴿لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد﴾ إلى قوله: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النجدين﴾.
قال الأخفش: " لا " صلة، وأجاز أن تكون بمعنى " ألا ".
وقد قيل: إن " لا " رد لكلامهم.
ثم ابتداء: (أقسم) بهذا البلد، وهو قول مجاهد والمعنى: أقسم يا محمد بهذا البلد الحرام، وهو مكة، وهو قول أكثر المفسرين.
ثم قال تعالى: ﴿وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد﴾.
يعني محمداً ﷺ، ( أي): وأنت حلال يا محمد بهذا البلد تصنع فيه [ما شئت] من قتل من أردت قتله وأسر من أردت أسره، [ما شئت من ذلك مطلق لك]، يقال: حل وحلال بمعنى.
قال ابن عباس: ﴿وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد﴾ يعني بذلك النبي ﷺ، أحل (الله) (له) يوم دخل مكة أن يقتل من شاء ويستحقيي من شاء، فقتل ابن خطل يومئذ
قال مجاهد: ﴿وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد﴾، أحل لنبيه أن يصنع ما شاء فيها.
[وقال] ابن زيد: لم يكن [بها أحد] حلالاً غير النبي ﷺ، كان كل من كان [بها]. حراماً، لم يحل لهم أن يقاتلوا فيها ولا يستحلوا حرمة فأحله الله جل وعز لرسوله، فقال المشركين (فيه).
وقال عطاء: إن الله حرم مكة لم تحل لنبي إلا لنبيكم ساعة من نهار.
ثم قال تعالى: ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾.
وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: " الوالد: الذي [يلد].
﴿وَمَا وَلَدَ﴾: العاقر الذي لا يولد له " فهو عام.
وقال أبو عمران الجوني: عنى بذلك إبراهيم عليه السلام وولده.
وعن ابن عباس أيضاً أن الوالد: من ولد له، و (ما ولد): ولده.
فهو عام أيضاً على هذا القول، كأنه قال: ووالد وولادته، وهذا اختيار الطبري.
ثم قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ﴾.
قال قتادة: ﴿فِي كَبَدٍ﴾: في مشقة لا تلقى ابن آدم إلا يكابد أمر الدنيا والآخرة.
قال الحسن: " لم يخلق الله خلقاً يكابد ما يكابد ابن آدم وعن ابن عباس أيضاً: (في كبد): " في شدة معيشته وحمله وحياته ونبات أسنانه ".
وقال سفيان: ﴿فِي كَبَدٍ﴾: خروج أسنانه.
وعن ابن عباس أيضاً: ﴿فِي كَبَدٍ﴾: في انتصابه، خلق معتدل القامة منتصباً.
وعنه قال: خلق ابن آدم مستوياً، وخلق كل دابة على أربع.
وقال عبد الله بن شداد: ﴿فِي كَبَدٍ﴾: معتدل القامة. وقال أبو صالح.
وقال الضحاك: ﴿فِي كَبَدٍ﴾: " خلق منتصباً " على رجلين لم تخلق دابة على خلقه ".
وقال مجاهد: ﴿فِي كَبَدٍ﴾، يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم... ، (فلا يزال) في مكابدة.
وقال ابن زيد: ﴿فِي كَبَدٍ﴾ في السماء خلق آدم في السماء.
ثم قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾.
يروى أنها نزلت في رجل [بعينه] من بني جمح كان يدعى [أبا الأشدين]، وكان شديداً قوياً. يروى أنه كان يأخذ الأديم فيجعله تحت قدمه ويجذبه (عشرة) حتى يتمزق ولا تزول قدماه، وكان معادياً لرسول الله ﷺ.
ثم قال: ﴿يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً﴾.
أي: يقول هذا القوي: أنفقت مالاً كثيراً في عداوة محمد، وهو كاذب في قوله.
واللبد " الكثير من التلبد، وهو الكثير بعضه على بعض.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: اللبد: المال الكثير.
وقرأ أبو جعفر: " لبداً " - ([بالتشديد]) - جعله جمع " لابد ".
فأما من خفف، فإنه جعله جمع " لبدة ". وقيل: هو واحد، " كحطم ". وقرأ/ مجاهد: " لُبُداً " - بضمتين - جعله جمع لبود.
أي: أيظن هذا القائل (إني) أنفقت مالاً كثيراً في عداوة محمد ﷺ، أن لم يره أحد في حال إنفاقه ما يزعم أنه أنفقه؟! وإنما قال ذلك تندماً على أن أنفق. وقيل: قاله افتخاراً.
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ﴾.
أي: ألم نجعل لهذا القائل: " أهلكت مالاً لبداً "، عينين يبصر بهما حجج الله عليه، ولساناً وشفتين نعمة من الله عليه؟!
قال قتادة: نعم الله متظاهرة عليك، يعرفك بها كيما تشكر.
ثم قال تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النجدين﴾.
أي: الطريقين: طريق الخير وطريق الشر، كقوله: ﴿إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾ [الإنسان: ٣]. هذا قول ابن مسعود.
وقال ابن عباس: ﴿النجدين﴾: الهدى والضلال. وهو معنى قول مجاهد
وروي ذلك عن النبي ﷺ.
وعن ابن عباس أيضاً: ﴿النجدين﴾: الثديين، [سبيل] اللبن.
وقال الضحاك، وقاله علي ابن أبي طالب رضي الله عنهـ.
والنجد في اللغة الطريق المرتفع.
قوله تعالى: ﴿فَلاَ اقتحم العقبة﴾ إلى آخر السورة.
أي: فلم يقتحم، أي: لم يركب هذا القوي الشديد العقبة فيقطعها ويجوزها بالإيمان والعمل الصالح، فهو خاص يراد به العموم.
قال ابن عباس: " العقبة جبل في جهنم ".
وقال قتادة: [للنار] عقبة دون الجسرز
وقال كعب: العقبة " [سبعون] درجة في جهنم ".
وقيل: معناه أنه تمثيل يراد به، لم يفعل ما أمر به، ومثل ذللك بالعقبة لعصوبته وصعوبة جواز العقبة.
وقال ابن زيد: ﴿فَلاَ اقتحم العقبة﴾ [أي]: فلم يسلك الطريق الذي فيه النجاة.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا العقبة﴾.
أي: ما [اقتحام] العقبة؟! [أي]: وأي شيء أشعرك يا محمد ما اقتحام
﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ أي: اقتحامها والنجاة منها هو فك رقبة من الرق [وأسر] العبودية.
قال الحسن: " ذكر لنا أنه ليس مسلم يعتق رقبة مسلمة إلا كانت فداءه من النار. وسئل النبي ﷺ عن الرقاب أيها أعظم أجراً؟ فقال: " أكثرها ثمناً ".
وقال ﷺ: " من أعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار ".
ثم خير أيضاً في اقتحام العقبة، [فقال]:
أي: وهو أيضاً أن يعلم في يوم ذي مجاعة يتيماً لا أب له من قرابتك والمقربة والقرابة واحد. قال ابن زيد: ﴿ذَا مَقْرَبَةٍ﴾. " ذا قرابة ".
ثم قال تعالى: ﴿أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ﴾.
أي: ذا [لصوق] بالتراب قال مجاهد: ﴿ذَا مَقْرَبَةٍ﴾: " ليس له مأوى إلا التراب "، يعني: المسكين المطروح في التراب ليس له شيء يقيه من التراب.
وقيل: معنه: أو مسكيناً ذا فقر، من قولهم " ترب الرجل " إذ افتقر.
وعن ابن عباس: ﴿ذَا مَتْرَبَةٍ﴾: كثير الحاجة، وقاله ابن زيد.
وعن ابن عباس أيضاً: ﴿ذَا مَتْرَبَةٍ﴾: ذا عيال وكبر سن ليس بينك وبينه قرابة وقاله ابن جبير.
وعن ابن عباس: ﴿ذَا مَتْرَبَةٍ﴾: هو الرجل يخرج إلى حاجته ثم يرد وجهه منقلباً إلى بيته يستيقن أن ليس فيه إلا التراب.
وقال سفيان: هم المطروحون في ظهر الطريق، لا بيت لهم.
[يقال]: تربت يد الرجل: إذا افتقر، أي: ليس يحصل في يده إلا التراب.
وقوله: ﷺ: " فعليك بذات الدين تربت يمينك "، معناه: افتقرت يمينك إن فاتتك، أي: لا يحصل في يمينك إلا التراب إن [فاتتك].
ويقال: أترب الرجل إذا استغنى، أي: صار المال عنده ككثرة التراب.
ويقال: " فلان ترب فلان "، [أي: ولداً] في وقت واحد فربا على التراب في وقت. ومن هذا، قيل لضلوع الصدر: ترائب، والواحدة: تربية، لأنها مستوية ليست منحنية كغيرها.
ثم قال تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بالصبر﴾.
وقيل: " ثم " على بابها والمعنى: ثم ضم الإيمان إلى هذا الفعل الذي يفعله المسلم غيره، لأن فك الرقاب وإطعام الطعام شيء يفعله المشرك كما يفعله المسلم، فإذا ضم الإيمان معه كان نافعاً [له]. وقيل: المعنى على هذا، و " ثم " بمعنى الواو.
وقيل: المعنى: ثم كان من الذين يؤمنون أن [هذا] نافعهم عند الله. [ففعله] إنما كان وهو مؤمن بالله، ولم يفعله وهو غير مؤمن ثم آمن، إنما فعله هو مؤمن ثم (آمن) بعد فعله أنه نافعه، " فثم " على بابها، فتقديره: ثم كان من الذين /آمنوا [بنفع] ما يفعلون من البر لهم عند الله. ﴿وَتَوَاصَوْاْ بالصبر﴾، أي: وتواصوا بالدوام على ذلك الفعل (و) على أنه نافعهم عند الله.
وقيل: بالصبر على ما نالهم في ذات الله.
(ومعنى) الكلام أنك تقول " أحسنت إلى فلان (وفعلت به) ثم هو يذمني "، فليس إخبارك بذمه لك كان بعد قولك الآن، إنماهو شيء كان قبل إخبارك الآن بما فعلت به من الإحسان، فذمه لك وقع بعد إحسانك إليه و [قبل: إخبارك الآن.
فالإيمان في الآية ثابت قبل فعله ما تقتحم به العقبة وإن كان الإخبار وقع عنه بعد ذكر الاقتحام. وقيل: معناه: ثم ثبت على الإيمان، ففعله كان أولاً وهو
وقوله: ﴿وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمة﴾.
قال ابن عباس: " بمرحمة الناس ".
ثم قال: ﴿والذين كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ المشأمة﴾ أي: ذات اليمين في الجنة.
ثم قال تعالى: ﴿أولئك أَصْحَابُ الميمنة﴾.
أي: هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار.
ثم قال تعالى: ﴿عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ﴾.
قال ابن عباس: ﴿مُّؤْصَدَةٌ﴾: " مطبقة " وقاله مجاهد والضحاك وقتادة.
وقال قتادة: أطبقها الله عليهم، فلا ضوء فيها ولا فروج ولا خروج منها آخر الأبد.
وقوله: ﴿بالوصيد﴾ [الكهف: ١٨]، يدل على (معنى) أوصدت، ولو كان من آصدت لكان: " بالأصيد.