ﰡ
علامات القيامة ونوع الجزاء
سور القرآن الكريم وآياته إنذار بعد إنذار، للتذكير والتحذير، فهذه سورة الزلزال المكية في قول ابن عباس وغيره، والمدنية في قول مقاتل وقتادة، لأن آخرها نزل بسبب رجلين كانا بالمدينة، والظاهر أنها مدنية، وهي تبين علامة يوم القيامة، فقد كان الكفار المشركون يسألون كثيرا عن الساعة ويوم الحساب، فيقولون: أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ [القيامة: ٧٥/ ٦] ونحو ذلك من الآيات، فأبان الله لهم في هذه السورة علامات القيامة فقط، ليعلموا أن علم ذلك عند الله، وليس لأحد معرفة ذلك اليوم، ولا تعيينه للجزاء والحساب. وآي السورة هي:
[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
«١» «٢» «٣» «٤» [الزلزلة: ٩٩/ ١- ٨].
- إذا حركت الأرض بعنف من أسفلها حركة شديدة، واضطربت اضطرابا هائلا، حتى يتكسر كل شيء عليها.
(٢) دفائنها وأمواتها.
(٣) يخرج الناس من قبورهم إلى موقف الحساب متفرقين متمايزين: فريق للجنة وفريق للسعير.
(٤) وزن ذرة، أي هباء أو نملة.
- وألقت ما في جوفها من الأموات والدفائن، وهي أثقالها، وهذه إشارة إلى البعث، كما جاء في آية أخرى: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤) [الانشقاق: ٨٤/ ٣- ٤]. وذلك في النفخة الثانية. وقال ابن عطية: وليست القيامة بموطن لإخراج الكنوز، وإنما تخرج كنوزها وقت الدجال.
- وقال كل إنسان مؤمن أو كافر (جنس الإنسان) لمّا يبهره أمرها، ويذهله خطبها، ويستهول المرئي: ما لهذه الأرض، ولأي شيء زلزلت، وأخرجت أثقالها؟
وقد قال عليه الصلاة والسّلام- فيما أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط والحاكم- عن ابن عباس رضي الله عنهما: «ليس الخبر كالمعاينة..».
- في ذلك الوقت المضطرب، وقت الزلزلة، تخبر الأرض بأخبارها، وتحدّث بما عمل عليها من خير وشر، ينطقها الله تعالى، لتشهد على العباد، فإخبار الأرض:
هو شهادتها بما عمل عليها من عمل صالح وفاسد، كما قال ابن مسعود والثوري وغيرهما. فالتحديث من الأرض- على هذا المعنى- حقيقة، وكلام بإدراك وحياة يخلقها الله تعالى، وأضاف تعالى الأخبار إليها من حيث وعتها وحصّلتها. وقال الطبري وقوم: التحديث في الآية مجاز، والمعنى حينئذ: أن ما تفعله الأرض بأمر الله تعالى من إخراج أثقالها، وتفتّت أجزائها، وسائر أحوالها، هو بمنزلة التحديث بأنبائها وأخبارها. ويؤيد القول الأول:
قول النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي أخرجه البخاري والنسائي ومالك وأحمد: «فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنّ ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة».
- في هذا اليوم المضطرب والخراب المدمر، يصدر (يخرج) الناس من قبورهم إلى موقف الحساب، متفرقين، مختلفي الأحوال، فمنهم المؤمن الآمن، ومنهم الخائف، ومنهم كافرون، ومنهم عصاة، ومنهم فريق الجنة، ومنهم فريق النار، الكل سائر إلى العرض ليريهم الله أعمالهم معروضة عليهم.
ثم أخبر الله تعالى أنه من عمل عملا رآه، قليلا كان أو كثيرا، فمن يعمل في الدنيا وزن نملة صغيرة، أو هباء لا يرى إلا في ضوء الشمس، يجده يوم القيامة في كتابه، ويلقى جزاءه، فيفرح به، أو يراه بعينه معروضا عليه، وكذلك من يعمل في الدنيا أي شيء من الشر، ولو كان حقيرا أو قليلا، يجد جزاءه يوم القيامة، فيسوؤه.
يرى الخير كله من كان مؤمنا، والكافر لا يرى في الآخرة خيرا، لأن خيره قد عجّل له في دنياه. وكذلك المؤمن أيضا له سيئاته الصغار في دنياه في المصائب والأمراض ونحوها. ويحصل من مجموع هذا: أن من عمل من المؤمنين مثقال ذرة من خير أو شر رآه، وألّا يرى الكافر خيرا في الآخرة. ويؤيد هذا حديث عائشة رضي الله عنها الذي
أخرجه الإمام أحمد ومسلم وغيرهما: «قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت ما كان يفعل عبد الله بن جدعان من البرّ، وصلة الرحم، وإطعام الطعام، أله في ذلك أجر؟ فقال: لا، إنه لم يقل قط: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين».
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمي هذه الآية: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ.. الجامعة الفاذّة.
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: (ويطعمون الطعام على حبّه) الآية، كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل، إذا أعطوه،
وأخرج ابن جرير وغيره: أن هذه السورة نزلت، وأبو بكر رضي الله عنه يأكل مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فترك أبو بكر رضي الله عنه الأكل وبكى، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا أبا بكر، ما يبكيك؟ قال: يا رسول الله، أو أسأل عن مثاقيل الذّرّ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا أبا بكر، ما رأيت في الدنيا مما تكره، فمثاقيل ذرّ الشر، ويدخر الله لك مثاقيل ذرّ الخير.