تفسير سورة الطور

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة الطور من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * وَٱلطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ ﴾ هذه السورة مكية ومناسبتها لآخر ما قبلها ظاهرة إذ في آخرها فإِن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم وقال هنا ان عذاب ربك لواقع الطور الجبل والظاهر أنه إسم جنس لا جبل معين وفي الشام جبل يسمى الطور وهو طور سيناء وقال نوف البكالي انه الذي أقسم الله تعالى به لفضله على الجبال قيل وهو الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام والكتاب المسطور القرآن والكتب الإِلٰهية.﴿ فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ ﴾ أي مبسوط وقيل مفتوح لا ختم عليه.﴿ وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ ﴾ قال علي كرم الله وجهه وابن عباس: هو بيت في السماء مسامت للكعبة يقال له الضراح والضريح أيضاً وهو الذي ذكر في حديث الإِسراء قال جبريل عليه السلام:" هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم ".﴿ وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ ﴾ السماء وقال ابن عباس: هو العرش وهو سقف الجنة.﴿ وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ ﴾ قال مجاهد وشمر بن عطية: هو البحر الموقد نار أو روي أن البحر هو جهنم والواو الأولى واو القسم وما بعدها للعطف والجملة المقسم عليها هي قوله إن عذاب ربك لواقع في إضافة العذاب لقوله: ربك لطيفة إذ هو المالك والناظر في مصلحة العبد فبالإِضافة إلى الرب وإضافة لكاف الخطاب أمان له عليه السلام وأن العذاب الواقع هو بمن كذبه ولواقع يدل على الشدة وهو أول عليها من لكائن ألا ترى إلى قوله﴿ إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ ﴾[الواقعة: ١] قوله﴿ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ ﴾[الشورى: ٢٢] كأنه مهيأ في مكان مرتفع فيقع على من حل به وعن جبير بن مطعم قال: قدمت المدينة لأسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر فوافيته يقرأ في صلاة المغرب والطور إلى قوله: إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع فكأنما صرع قلبي فأسلمت خوفاً من نزول العذاب وما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع العذاب وانتصب يوم بدافع ويجوز أن ينتصب بقوله: لواقع والجملة بعدها اعتراض بين العامل والمعمول.﴿ يَوْمَ تَمُورُ ﴾ قال ابن عباس: تضطرب.﴿ وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ ﴾ هذا في أول الأمر ثم تنسف حتى تصير آخراً كالعهن المنفوش.﴿ فَوَيْلٌ ﴾ عطف جملة على جملة تتضمن ربط المعنى وتأكيده والخوض التخبط في الباطل وغلب باستعماله في الاندفاع في الباطل.﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ ﴾ وذلك أن خزنة جهنم يغسلون أيدي الكفار إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ويدفعونهم إلى النار دفعاً على وجوههم وزجاً في أقفيتهم يقال لهم هذه النار التي كنتم بها تكذبون ثم قيل لهم على قطع رجائهم.﴿ ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ ﴾ عذابكم حتم فسواء صبركم وجزعكم لا بد من جزاء أعمالكم.﴿ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ لما ذكر حال الكفار ذكر حال المؤمنين ليقع الترهيب والترغيب وهو اخبار عما يؤول إليه حال المؤمنين أخبروا بذلك خبران.﴿ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ﴾ وانتصب فاكهين على الحال والعامل فيها العامل في الجار والمجرور.﴿ فَاكِهِينَ ﴾ مسرورين فرحين وقيل من التفكه وما في قوله بما موصولة بمعنى الذي والعائد عليها محذوف تقديره آتاهموه أن تكون مصدرية ومفعول آتاهم محذوف أي بإِيتائهم ربهم الجنة.﴿ هَنِيئَاً ﴾ تقدم الكلام عليه في النساء والمعنى هنا هنأكم النعيم بسبب عملكم وانتصب.﴿ مُتَّكِئِينَ ﴾ على الحال.﴿ عَلَىٰ سُرُرٍ ﴾ متعلق به.﴿ وَزَوَّجْنَاهُم ﴾ قرناهم والتزويج كناية عن ذلك لما قال تعالى﴿ وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ ﴾[البقرة: ٢٥] وقال الزمخشري:﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ معطوف على حور عين أي قرناهم بالحور العين وبالذين آمنوا أي بالرفقاء بالجلساء منهم كقوله﴿ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ ﴾[الحجر: ٤٧] فيتمتعون تارة بملاعبة الحور وتارة بمؤانسة الإِخوان المؤمنين وأتبعناهم ذريتهم ثم ذكر حديث ابن عباس ثم قال: فيجمع الله لهم أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم وبمزاوجة الحور العين وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم ثم قال: بإِيمان ألحقنا بهم ذرياتهم أي بسبب إيمان عظيم رفيع المحل وهو إيمان الآباء ألحقنا بدرجاتهم ذريتهم وإن كانوا لا يستأهلونها تفضلاً عليهم وعلى آبائهم لنتم سرورهم ونكمل نعيمهم فإِن قلت: ما معنى تنكير الإِيمان قلت: معناه الدلالة على أنه إيمان خاص عظيم المنزلة ويجوز أن يراد إيمان الذرية الداني المحل كأنه قال بشىء من الإِيمان لا يؤهلهم لدرجة الآباء ألحقنا بهم " انتهى ". ولا يتخيل أحد أن والذين آمنوا معطوف على بحور عين غير هذا الرجل وهو تخيل أعجمي مخالف لفهم العربي القح ابن عباس وغيره والأحسن من هذه الأقوال قول ابن عباس ويعضده الحديث الذي رواه لأن الآيات كلها في صفة إحسان الله تعالى إلى أهل الجنة فذكر من جملة إحسانه أنه يرعى المحسن في المسيء ولفظة ألحقنا تقتضي أن للملحق بعض التقصير في الأعمال فيكون إعراب والذين مبتدأ وأتبعناهم معطوف على آمنوا وبإِيمان متعلق بقوله: واتبعناهم ونكره اكتفاء بحصول الإِيمان وإن كان الإِنسان مقصراً في العمل وميز والذين قوله ألحقنا بهم.﴿ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ ﴾ أي نقصناهم والظاهر أن الضمير التناهم عائد على المؤمنين والمعنى أنه تعالى يلحق المقصر بالمحسن ولا ينقص المحسن من أجره شيئاً وهذا تأويل ابن عباس.﴿ بِمَا كَسَبَ ﴾ متعلق برهين.﴿ وَأَمْدَدْنَاهُم ﴾ أي يسرنا لهم شيئاً فشيئاً حتى يكثر ولا ينقطع.﴿ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا ﴾ أي يتعاطون فيها والتنازع التجاذب ملاعبة إذ أهل الدنيا لهم في ذلك لذة فكذلك في الجنة.﴿ لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ ﴾ قرىء برفعهما واللغو السقط من الكلام كما يجري بين شراب الخمر في الدنيا والتأثيم الإِثم الذي يلحق شارب الخمر في الدنيا.﴿ غِلْمَانٌ لَّهُمْ ﴾ أي مماليك.﴿ مَّكْنُونٌ ﴾ أي من الصدف لم تنله إلا يرى وهو إذ ذاك رطب فهو أحسن وأصفى والظاهر أن التساؤل هو في الجنة إذ هذه كلها معاطيف بعضها على بعض أي يتساءلون عن أحوالهم وما نال كل واحد منهم ويدل عليه فمنَّ الله علينا أي بهذا النعيم الذي نحن فيه.﴿ مُشْفِقِينَ ﴾ أي رقيقي القلوب خاشعين لله تعالى والسموم هنا النار، وقال الحسن إسم من أسماء جهنم.﴿ مِن قَبْلُ ﴾ أي من قبل لقاء الله تعالى والمصير إليه.﴿ نَدْعُوهُ ﴾ نعبده ونسأله الوقاية من عذابه.﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ﴾ المحسن.﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ الكثير الرحمة إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب.﴿ فَذَكِّرْ ﴾ الآية أمره بالتذكير إنذاراً للكفار وتبشير للمؤمن ونفي عنه ما كان الكفار ينسبونه إليه من الكهانة والجنون إذ كانا طريقين للإِخبار ببعض المغيبات وكان للجن بهما ملابسة للإِنسان وممن كان ينسبه إلى الكهانة شيبة بن ربيعة وممن كان ينسبه إلى الجنون عقبة بن أبي معيط والمعنى أن عليه السلام انتفت عنه صفات النقص من الكهانة والجنون بسبب ما أنعم الله به عليه من النبوة والرسالة.﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ ﴾ روي أن قريشاً اجتمعت في دار الندوة وكثر آراؤهم فيه صلى الله عليه وسلم حتى قال قائل منهم وهم بنو عبد الدار قاله الضحاك.﴿ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ ﴾ فإِنه شاعر سيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى فافترقوا على هذه المقالة فنزلت الآية في ذلك.﴿ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ ﴾ أي عقولهم بهذا أي بقولهم كاهن وشاعر ومجنون وهو قول متناقض وكانت قريش تدعى أهل الأحلام والنهي وقيل لعمرو بن العاص ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله بالعقل فقال: تلك عقول كادها الله تعالى أي لم يصحبها التوفيق والهمزة في أم تأمرهم قيل أم بمعنى الهمزة أي أتأمرهم وقدرها مجاهد ببل والصحيح أنها تقدر ببل والهمزة.﴿ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ أي مجاوزون الحد في العناد مع ظهور الحق لهم.
﴿ تَقَوَّلَهُ ﴾ اختلقه من قبل نفسه كما قال ولو تقول علينا بعض الأقاويل.﴿ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي لكفرهم وعنادهم ثم عجزهم بقوله: فليأتوا بحديث مثله أي مماثل للقرآن في نظمه ورصفه ووصفه من البلاغة وصحة المعاني والاخبار بقصص الأمم السالفة والمغيبات والحكم. و ﴿ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ ﴾ في أنه تقوله فليتقولوا هم مثله إذ هو واحد منهم فإِن كانوا صادقين فليكونوا مثله في التقول.﴿ أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ﴾ وقفهم على جهة التوبيخ على أنفسهم أهم الذين خلقوا الأشياء فهم لذلك يتكبرون ثم خصص من تلك الأشياء السماوات والأرض لعظمها وشرفها في المخلوقات ثم حكم عليهم بأنهم لا يوقنون ولا ينظرون نظراً يؤديهم إلى اليقين.﴿ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ ﴾ أي خزائن الرزق حتى يرزقوا النبوة من شاؤوا أو أعندهم خزائن علمه حتى يختاروا لها من اختياره حكمة ومصلحة.﴿ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ ﴾ الأرباب الغالبون حتى يدمروا أمر النبوة ويبنوا الأمر على إرادتهم.﴿ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ ﴾ منصوب إلى السماء.﴿ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ﴾ أي عليه أو منه إذ حروف الجر قد يسد بعضها مسد بعض.﴿ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ أي بحجة واضحة تصدق استماع مستمعهم.﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً ﴾ على الإِيمان بالله تعالى وتوحيده واتباع شرعه فهم من ذلك المغرم الثقيل اللازم مثقلون فاقتضى زهدهم في اتباعك.﴿ أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ ﴾ أي اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه حتى يقولوا لا نبعث وإن بعثنا لا نعذب.﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً ﴾ أي بك وبشرعك وهو كيدهم به في دار الندوة.﴿ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أي فهم وأبرز الظاهر تنبيهاً على العلة أو الذين كفروا عام فيندرجون فيه.﴿ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ ﴾ أي الذين يعود عليهم وبال كيدهم ويحيق بهم مكرهم وذلك أنهم قتلوا يوم بدر وسمي غلبتهم كيداً إذ كانت عقوبة الكيد.﴿ أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ ﴾ يعصمهم ويدفع في صدر أهلاكهم ثم نزه تعالى نفسه عما يشركون به الأصنام والأوثان.﴿ وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً ﴾ كانت قريش قد اقترحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اقترحت قولهم أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً فأخبر تعالى أنهم لو رأوا ذلك عياناً حسب اقتراحهم لبلغ بهم عتوهم وجهلهم أن يغالطوا أنفسهم فيما عاينوه وقالوا هو سحاب تراكم بعضه على بعض يمطرنا وليس بكسف ساقط للعذاب.﴿ فَذَرْهُمْ ﴾ أمر موادعة منسوخ بآية السيف.﴿ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ﴾ أي يوم موتهم واحداً واحداً والصعق العذاب.﴿ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ أي لهؤلاء الظلمة.﴿ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ ﴾ أي دون يوم القيامة وقبله وهو يوم بدر والفتح قاله ابن عباس.﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ عبارة عن الحفظ والكلأة وجمع لأنه أضيف إلى ضمير الجماعة وحين كان الضمير مفرداً أفرد العين قال تعالى:﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ ﴾[طه: ٣٩].
﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ وهو قول سبحان الله عند كل قيام.﴿ وَمِنَ ٱللَّيْلِ ﴾ فسبح قيل صلاة المغرب والعشاء.﴿ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ ﴾ صلاة الصبح.
Icon