تفسير سورة طه

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة طه من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه تعيلب . المتوفي سنة 2004 هـ
مكية
وآياتها خمس وثلاثون ومائة
كلماتها : ١٣٤١ ؛ حروفها : ٥٢٤٢

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
﴿ طه { ١ ) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى { ٢ ) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى { ٣ ) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا { ٤ ) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى { ٥ ) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى { ٦ ) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى { ٧ ) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى { ٨ ) ﴾.
﴿ طه ﴾ ؛ عن ابن عباس : قسم أقسم الله به ؛ نقل عن الصديق رضي الله تعالى عنه : هو سر من الأسرار ؛ وقيل : هو اسم للنبي١ صلى الله عليه وسلم سماه الله تعالى به كما سماه محمدا، ..... وقيل هو اسم للسورة ؛ ومفتاح لها.. ٢ ؛ وقيل غير ذلك٣.
١ نقل صاحب الجامع لأحكام القرآن: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لي عند ربي عشرة أسماء" فذكر أن فيها طه ويس..
٢ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
٣ أورد القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره بحثا جمع فيه أقوال من سبقه من المفسرين ـ رحمهم الله تعالى ـ في معنى: ﴿طه﴾ وقد أربى على ستين سطرا تزيد كلماتها على تسعمائة كلمة..
﴿ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. إلا تذكرة لمن يخشى ﴾ لم ننزل عليك كتابنا المجيد هذا إلا لتذكر١به من يخاف وعيد، وما أنزلته عليك لتشقى بحزنك على المكذبين الضالين ؛ وقالوا في إعراب هذه الآيات الثلاث : إن جعلت ﴿ طه ﴾ اسما للسورة فمبتدأ، وما بعده خبر، وقد أقيم الظاهر وهو ﴿ القرآن ﴾ مقام الضمير الرابط ؛ وإن جعلته قسما فما يتلوه جواب ؛ وكل واحد من ﴿ لتشقى ﴾و ﴿ تذكرة ﴾ علة للفعل ﴿ أنزلنا ﴾، إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام لأنه ليس فعلا لفاعل الفعل المعلل ؛ وأصل الشقاء في اللغة العناء والتعب ؛.. فمعنى ﴿ لتشقى ﴾ : لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم... أي : ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر.. ٢.
١ مما أورد صاحب تفسير القرآن العظيم: من آتاه الله العلم فقد أراد به خيرا..
٢ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
﴿ تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى ﴾ نزلنا إليك الذكر تنزيلا، فهو مفعول مطلق منصوب على المصدرية ؛ وموحيه إليك هو خالق الأرض ومقدر أقواتها، ورافع السماوات بغير عمد، ومسخر ما فيها من كواكب، ورب الملائكة والروح والخلائق أجمعين، والذي خلق يعلم من خلق، فلهذا كان الكتاب حكيما.
﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾ [ المسلك الأسلم طريقة السلف، وهو إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف، ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل ]١ ؛ و﴿ العرش ﴾ في اللغة : سرير الملك، وفي الشرع سرير ذو قوائم له حملة من الملائكة عليهم السلام، فوق السماوات... ويدل على أن له قوائم ما أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد قال : جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه فقال : يا محمد ! رجل من أصحابك قد لطم وجهي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " ادعوه " فقال : " لم لطمت وجهه " ؟ فقال : يا رسول الله ! إني مررت بالسوق وهو يقول : والذي اصطفى موسى على البشر ! فقلت : يا خبيث، وعلى محمد ؟ ! صلى الله عليه وسلم فأخذتني غضبة فلطمته ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون وأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى عليه السلام آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " ؛ وعلى أن له حملة من الملائكة عليهم السلام قوله تعالى :{ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به.. )٢ ؛...... عن أم سلمة أنها قالت : الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان والجحود به كفر ؛... وقد صح عن بعض السلف أنهم فسروا، ففي صحيح البخاري قال مجاهد : استوى على العرش علا على العرش ؛..... قال اللقاني : أجمع الخلف ويعبر عنهم بالمؤولة، والسلف ويعبر عنهم بالمفوضة على تنزيهه تعالى عن المعنى المحال الذي دل عليه الظاهر، وعلى تأويله وإخراجه عن ظاهره المحال، وعلى الإيمان به بأنه من عند الله تعالى جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما اختلفوا في تعيين محمل له معنى صحيح وعدم تعيينه....... ويقال لتأويل السلف إجمالي، ولتأويل الخلف تفصيلي ؛ انتهى ملخصا ٣.
١ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
٢ سورة غافر. من الآية ٧.
٣ ما بين العارضتين من روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لأبي الفضل شهاب الدين محمود الألوسي البغدادي المتوفى سنة ١٢٧٠ هـ رحمه الله تعالى؛ وقد أورد بحثا مطولا تزيد صفحاته على ثمان وتربو كلماته على الأربع آلاف جـ١٦. من ص ١٥٣ إلى ص ١٦١..
﴿ له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ﴾ ربنا الكبير المتعال وهو خالق الأرض ورافع السماوات يملك ما خلق، فهو مالك السماوات وما فيها والأرض وما عليها، وما تحت الأرض وما هو مركوز تحت سطحها وفي أعماقها، وهو المهيمن على كل ذلك، المدبر لكل شأن، علوي العالم وسماواته بملكها وكواكبها وفلكها، وما دون ذلك من فضاء وهواء، وسفلي العالم جامده ومائه، وإنسه وجنه، ودوابه ونباته، وخيره وكنزه، لله دون سواه ملك ذلك وتدبيره عن قتادة ﴿ الثرى ﴾ كل شيء مبتل ؛ وعن الضحاك : ما حفر من التراب مبتلا، وإنما عني بذلك : وما تحت الأرضين السبع.
﴿ وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ﴾ الخالق البارئ المصور الملك المدبر لا يخفى عليه شيء وإن دق وكان يسيرا، فعلمه محيط بكل خلقه، ومهما تجهر أيها القائل بقول، أو تسر من حديث، أو توسوس نفسك بخاطر فإن الله يعلمه ؛ والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، أو هو عام لكل مخاطب وقائل ؛ والأصل عند البعض : وإن تجهر بالقول فاعلم أن الله تعالى يعلمه فإنه يعلم السر وأخفى فضلا عنه ؛ وعند الجماعة : وإن تجهر فاعلم أن الله تعالى غني عن جهرك فإنه... إلخ، وهذا على ما قيل إرشاد للعباد إلى التحري والاحتياط حين الجهر، فإن من علم أن الله تعالى يعلم جهره لم يجهر بسوء، وخص الجهر بالذكر لأن أكثر المحاورات ومخاطبات الناس به، وقيل : إرشاد للعباد إلى أن الجهر بذكر الله تعالى ودعائه ليس لإسماعه سبحانه بل لغرض آخر من تصوير النفس بالذكر وتثبيته فيها ومنعها من الاشتغال بغيره، وقطع الوسوسة، وغير ذلك ١.
ويمكن أن يفهم من الآية أن هذا القرآن شفاء للصدور، وهدى للقلوب وما بطن، كما هو تقويم لكل شأن، فإن الذي أنزله يعلم ما يبدي الخلق وما يكتمون، ويشهد لذلك قول ربنا الحكيم الخبير :{ قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما )٢.
١ ما بين العارضتين من روح المعاني؛ وقد أورد بحثا موجزا حول الآراء التي تؤيد رفع الصوت بالدعاء والذكر، والآراء التي لا تجيز ذلك..
٢ سورة الفرقان. الآية٦..
﴿ الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ﴾ الذي يستحق العبادة هو الله وحده لا شريك له ولا معبود سواه، وإن تعددت أسماؤه المباركة التي سمى بها نفسه فإنه سبحانه لا يتعدد، كما قال جل ثناؤه وقوله الحق :﴿ وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم )١ ؛ [ وحد نفسه سبحانه ؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا المشركين إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، فكبر ذلك عليهم، فلما سمعه أبو جهل يذكر الرحمن قال للوليد بن المغيرة : محمد ينهانا أن ندعوا مع الله إلها آخر وهو يدعوا الله والرحمن ؛ فأنزل الله تعالى :{ الرحمن على العرش استوى ﴾ ؛ وأنزل :{ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى.. )٢ ؛ وهو واحد وأسماؤه كثيرة ؛ ثم قال :﴿ الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ﴾ ]٣ ؛ يقول اللغويون :﴿ الحسنى ﴾ نعت إفراد، وصفت به ﴿ الأسماء ﴾ ولم يقل الأحاسن، لأن ﴿ الأسماء ﴾ يشار إليها بهذه فيقال : هذه الأسماء، و[ هذه ] في لفظها : واحدة ؛ وذلك كقوله تعالى :﴿ ... فأنبتنا به حدائق ذات بهجة.. )٤ ؛ ولم يقل : ذوات بهجة ؛ ومنه قوله جل ثناؤه :{ .. ولي فيها مآرب أخرى ﴾ ولم يقل : مآرب أخر، لما ذكرنا من أن الجمع الذي تقع عليه [ هذه ] يمكن أن ينعت بالإفراد ؛ وروى الدارقطني في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، كما ذكر ابن إسحاق أن هذه الآيات المباركات كانت سببا في إسلام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه٥.
١ سورة البقرة. الآية ١٦٣..
٢ سورة الإسراء. من الآية ١١٠..
٣ ما بين العلامتين [ ] من الجامع لأحكام القرآن..
٤ سورة النمل. من الآية٦٠.
٥ عن أنس قال: خرج عمر متقلدا بسيفه؛ فقيل له: إن ختنك- أي زوج أختك ـ وأختك قد صبوا ـ أي خرجا من دين الآباء والأجداد إلى دين الإسلام؛ وأصله: الخروج من دين إلى دين ـ فأتاهما عمر وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب، وكانوا يقرءون: ﴿طه﴾ فقال: أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرؤه ـ وكان عمر رضي الله عنه يقرأ الكتب ـ فقالت له أخته: إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ فقام عمر رضي الله عنه وتوضأ وأخذ الكتاب فقرأ: ﴿طه﴾؛ وذكره ابن إسحاق مطولا؛ وفيه قال لأخته: أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءونها آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد... فلما قال ذلك قالت له أخته إنا نخشاك عليها؛ قال لها: لا تخافي! وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه.. فأعطته الصحيفة وفيها ﴿طه﴾ فلما قرأ منها صدرا قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! فلما سمع ذلك خباب خرج إليه، فقال له يا عمر! والله إني لأرجوا أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه، فإني سمعته أمس وهو يقول: "اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام ـ واسمه على ما قيل عمرو ـ أو بعمر بن الخطاب"؛ فالله الله يا عمر؛ فقال له عند ذلك فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه؛ فأسلم؛ وذكر الحديث..
﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى { ٩ ) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى { ١٠ ) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى { ١١ ) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى { ١٢ ) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى { ١٣ ) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي { ١٤ ) إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى { ١٥ ) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى { ١٦ ) ﴾.
﴿ هل ﴾ لاستفهام الإثبات، أو بمعنى : قد. ﴿ حديث موسى ﴾ نبؤه وقصته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ تسلية له صلى الله عليه وسلم بأن إخوانه من الأنبياء عليهم السلام قد عراهم من أممهم ما عراهم، وكانت العاقبة لهم.. وقيل : مسوق لترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في الائتساء بموسى عليه السلام في تحمل أعباء النبوة، والصبر على مقاساة الخطوب في تبليغ أحكام الرسالة.. ـ١ ؛ قال الراغب ؛ الحديث : كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته ومنامه، ويكون مصدرا بمعنى : التكلم اهـ. قال أهل المعاني : هو استفهام إثبات وإيجاب ؛ معناه : أليس قد أتاك ؟ ! قال الكلبي : لم يكن أتاه حديثه بعد، ثم أخبره ؛ ﴿ إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ﴾.
قال ابن عباس : هذا حين قضى الأجل وسار بأهله وهو مقبل من مدين يريد مصر، وكان قد أخطأ الطريق، وكان موسى عليه السلام رجلا غيورا يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه، لئلا يروا امرأته ؛ فأخطأ الرفقةـ لما سبق في علم الله تعالى ـ وكانت ليلة مظلمة ؛ وعن وهب بن منبه : استأذن موسى شعيبا في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله وغنمه، وولد له في الطريق غلام في ليلة شاتية باردة مثلجة، وقد حاد عن الطريق وتفرقت ماشيته، فقدح موسى النار فلم توره المقدحة شيئا، إذ أبصر بنار من بعيد على يسار الطريق، فقال لأهله : أقيموا بمكانكم وانتظروا، إني أبصرت نارا.
قال ابن عباس : فلما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عناب، فتوقف متعجبا من حسن ذلك الضوء، وشدة خضرة تلك الشجرة، فلا شدة حر النار تغير حسن خضرة الشجرة، ولا كثرة ماء الشجرة ولا نعمة الخضرة تغيران حسن ضوء النار.
وقال﴿ امكثوا ﴾ ولم يقل : أقيموا ؛ لأن الإقامة تقتضي الدوام، والمكث ليس كذلك ؛ [ وقوله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي أجيئكم من النار التي آنست ـ وجدت وأبصرت وظهرت لي ـ بشعلة، والقبس : هو النار في طرف العود أو القصبة ؛.. وإنما أراد موسى بقوله لأهله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي آتيكم بذلك لتصطلوا به ـ ليدفئكم ـ.. وقوله :﴿ أو أجد على النار هدى ﴾ : دلالة تدل على الطريق الذي أضللناه، إما من خبر هاد يهدينا إليه، وإما من بيان وعلم نتبينه به ونعرفه.. لعلي أجد من يدلني على الطريق، أو آتيكم بقبس لعلكم تصطلون ]٢.
﴿ فلما أتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ﴾ قال موسى لأهله ما علمنا، ثم اتجه نحو النار التي تراءت له وأنس بها فلما اقترب منها سمع النداء الإلهي يقول : يا موسى إني ربك فأفض بقدميك إلى الأرض لتباشر بهما بركة الوادي إذ كان مقدسا مطهرا ؛ فخلعهما فألقاهما ؛ وفي الآية الأخرى :{.. نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٣ ؛ ومما يقول الألوسي ـ رحمه الله ـ : فلما أتاها أسمع النداء : أن يا موسى إني أنا ربك.. اهـ.
﴿ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ﴾ أسمع موسى النداء : أنا ربك ! وأنا اخترتك ـ رسول ـ كما جاء في الآية الكريمة الأخرى :{.. يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي.. )٤ ؛ وأمر أن يرهف سمعه لأنه سيلقى إليه بأمانات أشفقت منها السماوات والأرض والجبال، وأثقل ذلك تلقي وحي الله العظيم، إنني أنا المستحق للعبادة دون سواي، فداوم على عبادتي وأكمل أداء الصلاة على أتم وجه عند ذكرك لي ؛ وهكذا علم عليه السلام مقام الربوبية، والألوهية، والنبوة، ولب التكاليف الشرعية.
في الصحيحين عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك "، قيل في معنى قول الله ـ تبارك اسمه ـ :﴿ فاعبدني ﴾ : وحدني وقم بعبادتي من غير شريك ؛ ويشهد لهذا القول ما جاء في الآية الكريمة :{ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا.. )٥ ؛ وكذا ما جاء في آية مباركة :{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.. )٦ ؛ قال وهب : أدب الاستماع : سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل، وذلك هو الاستمتاع كما يحب الله تعالى ؛ وهكذا قرنت الصلاة باليقين في مقام الربوبية والألوهية، وأفردت بالذكر مع اندراجها في العبادة المأمور بها في قول الحق جل ذكره :﴿ فاعبدني ﴾ للتنبيه على عظم قدر الصلاة٧، وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله جل وعلا :{.. فاسعوا إلى ذكر الله.. )٨ ؛ بل وسماها إيمانا في محكم قرآنه :{.. وما كان الله ليضيع إيمانكم.. )٩ : أي صلاتكم إلى جهة بيت المقدس قبل أن تحول القبلة إلى بيت الله الحرام.
﴿ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ إن انتهاء هذه الحياة الدنيا، وبعث الخلائق في حياة أخرى، كائن لابد من وقوعه وتحققه، وآت لا شك فيه، ﴿ أكاد ﴾ أي أريد١٠ ؛ قال ابن عباس : لا أطلع عليها أحدا غيري ؛ وقال السدي : ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة ؛ وقال قتادة : لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين، [ وهذا كقوله تعالى :﴿ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله.. )١١ وقال - سبحانه - :{.. ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة.. )١٢ ؛ أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض، وقوله سبحانه وتعالى :{ لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ أي : أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله :{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )١٣ ؛ و{.. إنما تجزون ما كنتم تعملون )١٤.
وقوله :﴿ فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها ﴾ الآية : المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين١٥، أي : لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة، وأقبل على ملاذه في دنياه، وعصى مولاه، واتبع هواه، فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر ﴿ فتردى ﴾ أي تهلك وتعطب، قال الله تعالى :{ وما يغني عنه ماله إذا تردى )١٦ ]١٧.
واختار أبو جعفر١٨ أن تأويل الآية : أكاد أخفيها من نفسي.. وأما وجه صحة القول في ذلك فهو أن الله تعالى ذكره خاطب بالقرآن العرب على ما يعرفونه من كلامهم وجرى به خطابهم بينهم، فلما كان معروفا في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئا هو له مسر : قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي من شدة استسراري به، ولو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته، خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك من الكلام بينهم.. ا هـ

﴿ رأى نارا ﴾ أبصر نارا في ليلة وهو مرتحل بأهله في صحراء سيناء في ظلمة وشتاء. ﴿ امكثوا ﴾ أقيموا بهذا المكان وانتظروا. ﴿ آنست ﴾ أبصرت. ﴿ بقبس ﴾ بشعلة وجذوة وقطعة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ تسلية له صلى الله عليه وسلم بأن إخوانه من الأنبياء عليهم السلام قد عراهم من أممهم ما عراهم، وكانت العاقبة لهم.. وقيل : مسوق لترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في الائتساء بموسى عليه السلام في تحمل أعباء النبوة، والصبر على مقاساة الخطوب في تبليغ أحكام الرسالة.. ـ١ ؛ قال الراغب ؛ الحديث : كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته ومنامه، ويكون مصدرا بمعنى : التكلم اهـ. قال أهل المعاني : هو استفهام إثبات وإيجاب ؛ معناه : أليس قد أتاك ؟ ! قال الكلبي : لم يكن أتاه حديثه بعد، ثم أخبره ؛ ﴿ إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ﴾.
قال ابن عباس : هذا حين قضى الأجل وسار بأهله وهو مقبل من مدين يريد مصر، وكان قد أخطأ الطريق، وكان موسى عليه السلام رجلا غيورا يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه، لئلا يروا امرأته ؛ فأخطأ الرفقةـ لما سبق في علم الله تعالى ـ وكانت ليلة مظلمة ؛ وعن وهب بن منبه : استأذن موسى شعيبا في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله وغنمه، وولد له في الطريق غلام في ليلة شاتية باردة مثلجة، وقد حاد عن الطريق وتفرقت ماشيته، فقدح موسى النار فلم توره المقدحة شيئا، إذ أبصر بنار من بعيد على يسار الطريق، فقال لأهله : أقيموا بمكانكم وانتظروا، إني أبصرت نارا.
قال ابن عباس : فلما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عناب، فتوقف متعجبا من حسن ذلك الضوء، وشدة خضرة تلك الشجرة، فلا شدة حر النار تغير حسن خضرة الشجرة، ولا كثرة ماء الشجرة ولا نعمة الخضرة تغيران حسن ضوء النار.
وقال﴿ امكثوا ﴾ ولم يقل : أقيموا ؛ لأن الإقامة تقتضي الدوام، والمكث ليس كذلك ؛ [ وقوله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي أجيئكم من النار التي آنست ـ وجدت وأبصرت وظهرت لي ـ بشعلة، والقبس : هو النار في طرف العود أو القصبة ؛.. وإنما أراد موسى بقوله لأهله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي آتيكم بذلك لتصطلوا به ـ ليدفئكم ـ.. وقوله :﴿ أو أجد على النار هدى ﴾ : دلالة تدل على الطريق الذي أضللناه، إما من خبر هاد يهدينا إليه، وإما من بيان وعلم نتبينه به ونعرفه.. لعلي أجد من يدلني على الطريق، أو آتيكم بقبس لعلكم تصطلون ]٢.
﴿ فلما أتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ﴾ قال موسى لأهله ما علمنا، ثم اتجه نحو النار التي تراءت له وأنس بها فلما اقترب منها سمع النداء الإلهي يقول : يا موسى إني ربك فأفض بقدميك إلى الأرض لتباشر بهما بركة الوادي إذ كان مقدسا مطهرا ؛ فخلعهما فألقاهما ؛ وفي الآية الأخرى :{.. نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٣ ؛ ومما يقول الألوسي ـ رحمه الله ـ : فلما أتاها أسمع النداء : أن يا موسى إني أنا ربك.. اهـ.
﴿ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ﴾ أسمع موسى النداء : أنا ربك ! وأنا اخترتك ـ رسول ـ كما جاء في الآية الكريمة الأخرى :{.. يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي.. )٤ ؛ وأمر أن يرهف سمعه لأنه سيلقى إليه بأمانات أشفقت منها السماوات والأرض والجبال، وأثقل ذلك تلقي وحي الله العظيم، إنني أنا المستحق للعبادة دون سواي، فداوم على عبادتي وأكمل أداء الصلاة على أتم وجه عند ذكرك لي ؛ وهكذا علم عليه السلام مقام الربوبية، والألوهية، والنبوة، ولب التكاليف الشرعية.
في الصحيحين عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك "، قيل في معنى قول الله ـ تبارك اسمه ـ :﴿ فاعبدني ﴾ : وحدني وقم بعبادتي من غير شريك ؛ ويشهد لهذا القول ما جاء في الآية الكريمة :{ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا.. )٥ ؛ وكذا ما جاء في آية مباركة :{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.. )٦ ؛ قال وهب : أدب الاستماع : سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل، وذلك هو الاستمتاع كما يحب الله تعالى ؛ وهكذا قرنت الصلاة باليقين في مقام الربوبية والألوهية، وأفردت بالذكر مع اندراجها في العبادة المأمور بها في قول الحق جل ذكره :﴿ فاعبدني ﴾ للتنبيه على عظم قدر الصلاة٧، وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله جل وعلا :{.. فاسعوا إلى ذكر الله.. )٨ ؛ بل وسماها إيمانا في محكم قرآنه :{.. وما كان الله ليضيع إيمانكم.. )٩ : أي صلاتكم إلى جهة بيت المقدس قبل أن تحول القبلة إلى بيت الله الحرام.
﴿ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ إن انتهاء هذه الحياة الدنيا، وبعث الخلائق في حياة أخرى، كائن لابد من وقوعه وتحققه، وآت لا شك فيه، ﴿ أكاد ﴾ أي أريد١٠ ؛ قال ابن عباس : لا أطلع عليها أحدا غيري ؛ وقال السدي : ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة ؛ وقال قتادة : لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين، [ وهذا كقوله تعالى :﴿ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله.. )١١ وقال - سبحانه - :{.. ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة.. )١٢ ؛ أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض، وقوله سبحانه وتعالى :{ لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ أي : أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله :{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )١٣ ؛ و{.. إنما تجزون ما كنتم تعملون )١٤.
وقوله :﴿ فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها ﴾ الآية : المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين١٥، أي : لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة، وأقبل على ملاذه في دنياه، وعصى مولاه، واتبع هواه، فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر ﴿ فتردى ﴾ أي تهلك وتعطب، قال الله تعالى :{ وما يغني عنه ماله إذا تردى )١٦ ]١٧.
واختار أبو جعفر١٨ أن تأويل الآية : أكاد أخفيها من نفسي.. وأما وجه صحة القول في ذلك فهو أن الله تعالى ذكره خاطب بالقرآن العرب على ما يعرفونه من كلامهم وجرى به خطابهم بينهم، فلما كان معروفا في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئا هو له مسر : قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي من شدة استسراري به، ولو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته، خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك من الكلام بينهم.. ا هـ

﴿ المقدس ﴾ المطهر. ﴿ طوى ﴾ اسم للوادي. ﴿ فتردى ﴾ فتهلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ تسلية له صلى الله عليه وسلم بأن إخوانه من الأنبياء عليهم السلام قد عراهم من أممهم ما عراهم، وكانت العاقبة لهم.. وقيل : مسوق لترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في الائتساء بموسى عليه السلام في تحمل أعباء النبوة، والصبر على مقاساة الخطوب في تبليغ أحكام الرسالة.. ـ١ ؛ قال الراغب ؛ الحديث : كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته ومنامه، ويكون مصدرا بمعنى : التكلم اهـ. قال أهل المعاني : هو استفهام إثبات وإيجاب ؛ معناه : أليس قد أتاك ؟ ! قال الكلبي : لم يكن أتاه حديثه بعد، ثم أخبره ؛ ﴿ إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ﴾.
قال ابن عباس : هذا حين قضى الأجل وسار بأهله وهو مقبل من مدين يريد مصر، وكان قد أخطأ الطريق، وكان موسى عليه السلام رجلا غيورا يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه، لئلا يروا امرأته ؛ فأخطأ الرفقةـ لما سبق في علم الله تعالى ـ وكانت ليلة مظلمة ؛ وعن وهب بن منبه : استأذن موسى شعيبا في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله وغنمه، وولد له في الطريق غلام في ليلة شاتية باردة مثلجة، وقد حاد عن الطريق وتفرقت ماشيته، فقدح موسى النار فلم توره المقدحة شيئا، إذ أبصر بنار من بعيد على يسار الطريق، فقال لأهله : أقيموا بمكانكم وانتظروا، إني أبصرت نارا.
قال ابن عباس : فلما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عناب، فتوقف متعجبا من حسن ذلك الضوء، وشدة خضرة تلك الشجرة، فلا شدة حر النار تغير حسن خضرة الشجرة، ولا كثرة ماء الشجرة ولا نعمة الخضرة تغيران حسن ضوء النار.
وقال﴿ امكثوا ﴾ ولم يقل : أقيموا ؛ لأن الإقامة تقتضي الدوام، والمكث ليس كذلك ؛ [ وقوله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي أجيئكم من النار التي آنست ـ وجدت وأبصرت وظهرت لي ـ بشعلة، والقبس : هو النار في طرف العود أو القصبة ؛.. وإنما أراد موسى بقوله لأهله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي آتيكم بذلك لتصطلوا به ـ ليدفئكم ـ.. وقوله :﴿ أو أجد على النار هدى ﴾ : دلالة تدل على الطريق الذي أضللناه، إما من خبر هاد يهدينا إليه، وإما من بيان وعلم نتبينه به ونعرفه.. لعلي أجد من يدلني على الطريق، أو آتيكم بقبس لعلكم تصطلون ]٢.
﴿ فلما أتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ﴾ قال موسى لأهله ما علمنا، ثم اتجه نحو النار التي تراءت له وأنس بها فلما اقترب منها سمع النداء الإلهي يقول : يا موسى إني ربك فأفض بقدميك إلى الأرض لتباشر بهما بركة الوادي إذ كان مقدسا مطهرا ؛ فخلعهما فألقاهما ؛ وفي الآية الأخرى :{.. نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٣ ؛ ومما يقول الألوسي ـ رحمه الله ـ : فلما أتاها أسمع النداء : أن يا موسى إني أنا ربك.. اهـ.
﴿ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ﴾ أسمع موسى النداء : أنا ربك ! وأنا اخترتك ـ رسول ـ كما جاء في الآية الكريمة الأخرى :{.. يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي.. )٤ ؛ وأمر أن يرهف سمعه لأنه سيلقى إليه بأمانات أشفقت منها السماوات والأرض والجبال، وأثقل ذلك تلقي وحي الله العظيم، إنني أنا المستحق للعبادة دون سواي، فداوم على عبادتي وأكمل أداء الصلاة على أتم وجه عند ذكرك لي ؛ وهكذا علم عليه السلام مقام الربوبية، والألوهية، والنبوة، ولب التكاليف الشرعية.
في الصحيحين عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك "، قيل في معنى قول الله ـ تبارك اسمه ـ :﴿ فاعبدني ﴾ : وحدني وقم بعبادتي من غير شريك ؛ ويشهد لهذا القول ما جاء في الآية الكريمة :{ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا.. )٥ ؛ وكذا ما جاء في آية مباركة :{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.. )٦ ؛ قال وهب : أدب الاستماع : سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل، وذلك هو الاستمتاع كما يحب الله تعالى ؛ وهكذا قرنت الصلاة باليقين في مقام الربوبية والألوهية، وأفردت بالذكر مع اندراجها في العبادة المأمور بها في قول الحق جل ذكره :﴿ فاعبدني ﴾ للتنبيه على عظم قدر الصلاة٧، وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله جل وعلا :{.. فاسعوا إلى ذكر الله.. )٨ ؛ بل وسماها إيمانا في محكم قرآنه :{.. وما كان الله ليضيع إيمانكم.. )٩ : أي صلاتكم إلى جهة بيت المقدس قبل أن تحول القبلة إلى بيت الله الحرام.
﴿ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ إن انتهاء هذه الحياة الدنيا، وبعث الخلائق في حياة أخرى، كائن لابد من وقوعه وتحققه، وآت لا شك فيه، ﴿ أكاد ﴾ أي أريد١٠ ؛ قال ابن عباس : لا أطلع عليها أحدا غيري ؛ وقال السدي : ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة ؛ وقال قتادة : لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين، [ وهذا كقوله تعالى :﴿ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله.. )١١ وقال - سبحانه - :{.. ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة.. )١٢ ؛ أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض، وقوله سبحانه وتعالى :{ لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ أي : أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله :{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )١٣ ؛ و{.. إنما تجزون ما كنتم تعملون )١٤.
وقوله :﴿ فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها ﴾ الآية : المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين١٥، أي : لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة، وأقبل على ملاذه في دنياه، وعصى مولاه، واتبع هواه، فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر ﴿ فتردى ﴾ أي تهلك وتعطب، قال الله تعالى :{ وما يغني عنه ماله إذا تردى )١٦ ]١٧.
واختار أبو جعفر١٨ أن تأويل الآية : أكاد أخفيها من نفسي.. وأما وجه صحة القول في ذلك فهو أن الله تعالى ذكره خاطب بالقرآن العرب على ما يعرفونه من كلامهم وجرى به خطابهم بينهم، فلما كان معروفا في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئا هو له مسر : قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي من شدة استسراري به، ولو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته، خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك من الكلام بينهم.. ا هـ

﴿ المقدس ﴾ المطهر. ﴿ طوى ﴾ اسم للوادي. ﴿ فتردى ﴾ فتهلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ تسلية له صلى الله عليه وسلم بأن إخوانه من الأنبياء عليهم السلام قد عراهم من أممهم ما عراهم، وكانت العاقبة لهم.. وقيل : مسوق لترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في الائتساء بموسى عليه السلام في تحمل أعباء النبوة، والصبر على مقاساة الخطوب في تبليغ أحكام الرسالة.. ـ١ ؛ قال الراغب ؛ الحديث : كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته ومنامه، ويكون مصدرا بمعنى : التكلم اهـ. قال أهل المعاني : هو استفهام إثبات وإيجاب ؛ معناه : أليس قد أتاك ؟ ! قال الكلبي : لم يكن أتاه حديثه بعد، ثم أخبره ؛ ﴿ إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ﴾.
قال ابن عباس : هذا حين قضى الأجل وسار بأهله وهو مقبل من مدين يريد مصر، وكان قد أخطأ الطريق، وكان موسى عليه السلام رجلا غيورا يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه، لئلا يروا امرأته ؛ فأخطأ الرفقةـ لما سبق في علم الله تعالى ـ وكانت ليلة مظلمة ؛ وعن وهب بن منبه : استأذن موسى شعيبا في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله وغنمه، وولد له في الطريق غلام في ليلة شاتية باردة مثلجة، وقد حاد عن الطريق وتفرقت ماشيته، فقدح موسى النار فلم توره المقدحة شيئا، إذ أبصر بنار من بعيد على يسار الطريق، فقال لأهله : أقيموا بمكانكم وانتظروا، إني أبصرت نارا.
قال ابن عباس : فلما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عناب، فتوقف متعجبا من حسن ذلك الضوء، وشدة خضرة تلك الشجرة، فلا شدة حر النار تغير حسن خضرة الشجرة، ولا كثرة ماء الشجرة ولا نعمة الخضرة تغيران حسن ضوء النار.
وقال﴿ امكثوا ﴾ ولم يقل : أقيموا ؛ لأن الإقامة تقتضي الدوام، والمكث ليس كذلك ؛ [ وقوله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي أجيئكم من النار التي آنست ـ وجدت وأبصرت وظهرت لي ـ بشعلة، والقبس : هو النار في طرف العود أو القصبة ؛.. وإنما أراد موسى بقوله لأهله :﴿ لعلي آتيكم منها بقبس ﴾ : لعلي آتيكم بذلك لتصطلوا به ـ ليدفئكم ـ.. وقوله :﴿ أو أجد على النار هدى ﴾ : دلالة تدل على الطريق الذي أضللناه، إما من خبر هاد يهدينا إليه، وإما من بيان وعلم نتبينه به ونعرفه.. لعلي أجد من يدلني على الطريق، أو آتيكم بقبس لعلكم تصطلون ]٢.
﴿ فلما أتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ﴾ قال موسى لأهله ما علمنا، ثم اتجه نحو النار التي تراءت له وأنس بها فلما اقترب منها سمع النداء الإلهي يقول : يا موسى إني ربك فأفض بقدميك إلى الأرض لتباشر بهما بركة الوادي إذ كان مقدسا مطهرا ؛ فخلعهما فألقاهما ؛ وفي الآية الأخرى :{.. نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٣ ؛ ومما يقول الألوسي ـ رحمه الله ـ : فلما أتاها أسمع النداء : أن يا موسى إني أنا ربك.. اهـ.
﴿ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ﴾ أسمع موسى النداء : أنا ربك ! وأنا اخترتك ـ رسول ـ كما جاء في الآية الكريمة الأخرى :{.. يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي.. )٤ ؛ وأمر أن يرهف سمعه لأنه سيلقى إليه بأمانات أشفقت منها السماوات والأرض والجبال، وأثقل ذلك تلقي وحي الله العظيم، إنني أنا المستحق للعبادة دون سواي، فداوم على عبادتي وأكمل أداء الصلاة على أتم وجه عند ذكرك لي ؛ وهكذا علم عليه السلام مقام الربوبية، والألوهية، والنبوة، ولب التكاليف الشرعية.
في الصحيحين عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك "، قيل في معنى قول الله ـ تبارك اسمه ـ :﴿ فاعبدني ﴾ : وحدني وقم بعبادتي من غير شريك ؛ ويشهد لهذا القول ما جاء في الآية الكريمة :{ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا.. )٥ ؛ وكذا ما جاء في آية مباركة :{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.. )٦ ؛ قال وهب : أدب الاستماع : سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل، وذلك هو الاستمتاع كما يحب الله تعالى ؛ وهكذا قرنت الصلاة باليقين في مقام الربوبية والألوهية، وأفردت بالذكر مع اندراجها في العبادة المأمور بها في قول الحق جل ذكره :﴿ فاعبدني ﴾ للتنبيه على عظم قدر الصلاة٧، وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله جل وعلا :{.. فاسعوا إلى ذكر الله.. )٨ ؛ بل وسماها إيمانا في محكم قرآنه :{.. وما كان الله ليضيع إيمانكم.. )٩ : أي صلاتكم إلى جهة بيت المقدس قبل أن تحول القبلة إلى بيت الله الحرام.
﴿ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ إن انتهاء هذه الحياة الدنيا، وبعث الخلائق في حياة أخرى، كائن لابد من وقوعه وتحققه، وآت لا شك فيه، ﴿ أكاد ﴾ أي أريد١٠ ؛ قال ابن عباس : لا أطلع عليها أحدا غيري ؛ وقال السدي : ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة ؛ وقال قتادة : لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين، [ وهذا كقوله تعالى :﴿ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله.. )١١ وقال - سبحانه - :{.. ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة.. )١٢ ؛ أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض، وقوله سبحانه وتعالى :{ لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ أي : أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله :{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )١٣ ؛ و{.. إنما تجزون ما كنتم تعملون )١٤.
وقوله :﴿ فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها ﴾ الآية : المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين١٥، أي : لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة، وأقبل على ملاذه في دنياه، وعصى مولاه، واتبع هواه، فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر ﴿ فتردى ﴾ أي تهلك وتعطب، قال الله تعالى :{ وما يغني عنه ماله إذا تردى )١٦ ]١٧.
واختار أبو جعفر١٨ أن تأويل الآية : أكاد أخفيها من نفسي.. وأما وجه صحة القول في ذلك فهو أن الله تعالى ذكره خاطب بالقرآن العرب على ما يعرفونه من كلامهم وجرى به خطابهم بينهم، فلما كان معروفا في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئا هو له مسر : قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي من شدة استسراري به، ولو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته، خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك من الكلام بينهم.. ا هـ

﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى { ١٧ ) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى { ١٨ ) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى { ١٩ ) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى { ٢٠ ) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى { ٢١ ) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى { ٢٢ ) لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى { ٢٣ ) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى { ٢٤ ) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي { ٢٥ ) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي { ٢٦ ) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي { ٢٧ ) يَفْقَهُوا قَوْلِي { ٢٨ ) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي { ٢٩ ) هَارُونَ أَخِي { ٣٠ ) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي { ٣١ ) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي { ٣٢ ) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا { ٣٣ ) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا { ٣٤ ) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا { ٣٥ ) ﴾
نبأ الله تعالى كليمه موسى في الآيات المباركات السابقات على هذه بأنه الرب الولي، والإله الواحد العلي، والمعبود بحق ما له سبحانه من ند ولا شريك ولا سمي، وشرفه بالتكليم والوحي، ورسخ في يقينه التصديق بالحساب والجزاء بعد البعث، ثم أراد أن يبشر رسوله بما سيجريه له من خوارق العادات، وما يؤيده به على من يدعوهم، ويمكنه من تحديهم بالمعجزات ؛ قال بعض المفسرين : إنما قال له :﴿ وما تلك بيمينك ﴾ على سبيل الإيناس له ؛ وقيل : إنما قال له ذلك على وجه التقرير، أي : أما هذه التي في يدك عصاك التي تعرفها ؟ فسترى ما نصنع بها الآن ؛ ﴿ وما تلك بيمينك يا موسى ﴾ استفهام تقرير، ﴿ قال هي عصاي أتوكأ عليها ﴾ أي أعتمد عليها في حال المشي، ﴿ وأهش بها على غنمي ﴾ أي أهز بها الشجرة ليتساقط ورقها لترعاه غنمي، ﴿ ... ولي فيها مآرب أخرى ﴾ أي : مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك ١.
مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : في هذه الآية دليل على جواب المسئول بأكثر مما سئل، لأنه لما قال :﴿ وما تلك بيمينك يا موسى ﴾ ذكر معاني أربعة : وهي : إضافة العصا٢ إليه، وكان حقه أن يقول عصا ؛ والتوكؤ، والهش، والمآرب المطلقة، .. وفي الحديث سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ؛ وسألته امرأة عن الصغير حين رفعته إليه فقالت : ألهذا حج ؟ قال :" نعم ولك أجر " اه.
١ ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم..
٢ أورد القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ في خواص عصا موسى ـ عليه السلام ـ ثم في منافع العصا عموما بحثا يقارب ألف كلمة..
﴿ أتوكأ ﴾ أستند وأعتمد. ﴿ أهش ﴾ أهز بها الشجر ليتساقط ورقه فتأكله غنمي. ﴿ مآرب ﴾ مصالح وحاجات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى { ١٧ ) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى { ١٨ ) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى { ١٩ ) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى { ٢٠ ) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى { ٢١ ) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى { ٢٢ ) لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى { ٢٣ ) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى { ٢٤ ) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي { ٢٥ ) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي { ٢٦ ) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي { ٢٧ ) يَفْقَهُوا قَوْلِي { ٢٨ ) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي { ٢٩ ) هَارُونَ أَخِي { ٣٠ ) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي { ٣١ ) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي { ٣٢ ) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا { ٣٣ ) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا { ٣٤ ) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا { ٣٥ ) ﴾
نبأ الله تعالى كليمه موسى في الآيات المباركات السابقات على هذه بأنه الرب الولي، والإله الواحد العلي، والمعبود بحق ما له سبحانه من ند ولا شريك ولا سمي، وشرفه بالتكليم والوحي، ورسخ في يقينه التصديق بالحساب والجزاء بعد البعث، ثم أراد أن يبشر رسوله بما سيجريه له من خوارق العادات، وما يؤيده به على من يدعوهم، ويمكنه من تحديهم بالمعجزات ؛ قال بعض المفسرين : إنما قال له :﴿ وما تلك بيمينك ﴾ على سبيل الإيناس له ؛ وقيل : إنما قال له ذلك على وجه التقرير، أي : أما هذه التي في يدك عصاك التي تعرفها ؟ فسترى ما نصنع بها الآن ؛ ﴿ وما تلك بيمينك يا موسى ﴾ استفهام تقرير، ﴿ قال هي عصاي أتوكأ عليها ﴾ أي أعتمد عليها في حال المشي، ﴿ وأهش بها على غنمي ﴾ أي أهز بها الشجرة ليتساقط ورقها لترعاه غنمي، ﴿... ولي فيها مآرب أخرى ﴾ أي : مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك ١.
مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : في هذه الآية دليل على جواب المسئول بأكثر مما سئل، لأنه لما قال :﴿ وما تلك بيمينك يا موسى ﴾ ذكر معاني أربعة : وهي : إضافة العصا٢ إليه، وكان حقه أن يقول عصا ؛ والتوكؤ، والهش، والمآرب المطلقة،.. وفي الحديث سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال :" هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ؛ وسألته امرأة عن الصغير حين رفعته إليه فقالت : ألهذا حج ؟ قال :" نعم ولك أجر " اه.
١ ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم..
٢ أورد القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ في خواص عصا موسى ـ عليه السلام ـ ثم في منافع العصا عموما بحثا يقارب ألف كلمة..

﴿ قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى. قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ﴾ أمر من الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يطرح العصا ويرمي بها، فاستجاب لأمر ربنا ورمى بها من يده، فأحالها المولى عز وجل بقدرته من جماد إلى حيوان، ومن همود إلى حركة، وصارت لتوها ثعبانا يتحرك مسرعا، ويتلوى مهتزا، كما جاء في آية أخرى :﴿ .. فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف.. " ) ؛ ثم أذهب الله تعالى الخوف الذي وقع في نفس موسى، وناداه مولاه جل علاه أن أقبل ولا تفزع، فإني مرجعها إلى حالتها الأولى التي كانت عليها قبل أن تنقلب حية ؛ قيل : إنما خاف لأنه عرف ما لقي من ذلك الجنس حيث كان له مدخل في خروج أبيه آدم من الجنة ؛ فأخذها عليه السلام عصا كعهده بها ؛ إذ ردها الله القدير إلى حالتها الأولى ؛ قوله :{ فإذا هي حية تسعى ﴾ وفي موضع آخر :﴿ .. فإذا هي ثعبان.. )١ ؛ وفي آخر :{ .. كأنها جان.. )٢، عبارات عن معبر واحد، لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، والصغير والعظيم، وأما الثعبان : وهو العظيم من الحيات، والجان : وهو الدقيق منها فبينهما تناف في الظاهر لا في التحقيق، لأنهما حين انقلابها كانت تكون حية صفراء دقيقة كالجان ثم تتورم ويتزايد جرمها حتى يصير ثعبانا آخر الأمر، أو أنها كانت في شخص ثعبان وسرعة حركة الجان.. عرضها عليه ليشاهدها ويوطن نفسه عليها، حتى لا يخافها عند عدوه ٣. ثم قوى أمره بمعجزة ثانية فقال :{ واضمم يدك إلى جناحك ﴾ في القاموس : الجناح : اليد والعضد والإبط والجانب ؛ وفي البحر : الجناح حقيقة في جناح الطائر والملك، ثم توسع فيه فأطلق على اليد والعضد وجنب الرجل ؛ ﴿ تخرج بيضاء من غير سوء ﴾ الفعل مجزوم في جواب الأمر ﴿ اضمم ﴾ ؛ وفي آية كريمة ثانية كان أمر الله تعالى إلى موسى :{ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء.. )٤..
كان عليه إذا أدخل يده من فتحة ثوبه التي حول عنقه ثم نزعها خرجت تتلألأ كأنها فلقة قمر، لا عيب بها ولا شين ولا برص ؛ إذ المرض الجلدي قد يبيض البشرة لكنه بياض قبيح منفر عافانا الله ﴿ لنريك من آياتنا الكبرى ﴾ لنريك بهاتين المعجزتين٥ بعض آياتنا الكبرى ؛ ولقد وحد وصف الآيات وهي جمع لأن لفظ [ هذه ] يقع عليها، كما أسلفنا القول عند تفسير قول الله سبحانه :﴿ له الأسماء الحسنى ﴾ ولم يقل الأحاسن ؛ ولقد أوتي موسى تسع آيات بينات، كما بشره بذلك ربنا جل ذكره بقوله :{ .. في تسع آيات إلى فرعون وقومه.. )٦.
١ سورة الأعراف. من الآية ١٠٧..
٢ سورة النمل. من الآية ١٠.
٣ ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن..
٤ سورة النمل. من الآية١٢..
٥ مما أورد النيسابوري ـ رحمه الله ـ وههنا نكت منها: أنه سبحانه لما أشار إلى العصا واليد بقوله: ﴿وما تلك بيمينك يا موسى﴾ حصل في كل منهما برهان باهر، ومعجز قاهر فصار أحدهما وهو الجماد حيوانا، والآخر وهو الكثيف نورانيا لطيفا. ثم إنه تعالى ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد، فأي عجب أن ينقلب قلبه الجامد المظلم حيا مستنيرا؛ ومنها أن العصا صارت بين يمين موسى حية فكيف لا يصير القلب المؤمن الذي هو بين أصبعين من أصابع الرحمن حيا؟! ومنها: أن العصا بإشارة واحدة صارت بحيث ابتلعت سحر السحرة كلهم، فقلب المؤمن أولى أن يصير بمدد نظر الرب في كل يوم مرات بحيث يبتلع سحر الأمارة بالسوء..
٦ سورة النمل. من الآية ١٢..
﴿ تسعى ﴾ تمشي وتتحرك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:﴿ قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى. قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ﴾ أمر من الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يطرح العصا ويرمي بها، فاستجاب لأمر ربنا ورمى بها من يده، فأحالها المولى عز وجل بقدرته من جماد إلى حيوان، ومن همود إلى حركة، وصارت لتوها ثعبانا يتحرك مسرعا، ويتلوى مهتزا، كما جاء في آية أخرى :﴿.. فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف.. " ) ؛ ثم أذهب الله تعالى الخوف الذي وقع في نفس موسى، وناداه مولاه جل علاه أن أقبل ولا تفزع، فإني مرجعها إلى حالتها الأولى التي كانت عليها قبل أن تنقلب حية ؛ قيل : إنما خاف لأنه عرف ما لقي من ذلك الجنس حيث كان له مدخل في خروج أبيه آدم من الجنة ؛ فأخذها عليه السلام عصا كعهده بها ؛ إذ ردها الله القدير إلى حالتها الأولى ؛ قوله :{ فإذا هي حية تسعى ﴾ وفي موضع آخر :﴿.. فإذا هي ثعبان.. )١ ؛ وفي آخر :{.. كأنها جان.. )٢، عبارات عن معبر واحد، لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، والصغير والعظيم، وأما الثعبان : وهو العظيم من الحيات، والجان : وهو الدقيق منها فبينهما تناف في الظاهر لا في التحقيق، لأنهما حين انقلابها كانت تكون حية صفراء دقيقة كالجان ثم تتورم ويتزايد جرمها حتى يصير ثعبانا آخر الأمر، أو أنها كانت في شخص ثعبان وسرعة حركة الجان.. عرضها عليه ليشاهدها ويوطن نفسه عليها، حتى لا يخافها عند عدوه ٣. ثم قوى أمره بمعجزة ثانية فقال :{ واضمم يدك إلى جناحك ﴾ في القاموس : الجناح : اليد والعضد والإبط والجانب ؛ وفي البحر : الجناح حقيقة في جناح الطائر والملك، ثم توسع فيه فأطلق على اليد والعضد وجنب الرجل ؛ ﴿ تخرج بيضاء من غير سوء ﴾ الفعل مجزوم في جواب الأمر ﴿ اضمم ﴾ ؛ وفي آية كريمة ثانية كان أمر الله تعالى إلى موسى :{ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء.. )٤..
كان عليه إذا أدخل يده من فتحة ثوبه التي حول عنقه ثم نزعها خرجت تتلألأ كأنها فلقة قمر، لا عيب بها ولا شين ولا برص ؛ إذ المرض الجلدي قد يبيض البشرة لكنه بياض قبيح منفر عافانا الله ﴿ لنريك من آياتنا الكبرى ﴾ لنريك بهاتين المعجزتين٥ بعض آياتنا الكبرى ؛ ولقد وحد وصف الآيات وهي جمع لأن لفظ [ هذه ] يقع عليها، كما أسلفنا القول عند تفسير قول الله سبحانه :﴿ له الأسماء الحسنى ﴾ ولم يقل الأحاسن ؛ ولقد أوتي موسى تسع آيات بينات، كما بشره بذلك ربنا جل ذكره بقوله :{.. في تسع آيات إلى فرعون وقومه.. )٦.
١ سورة الأعراف. من الآية ١٠٧..
٢ سورة النمل. من الآية ١٠.
٣ ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن..
٤ سورة النمل. من الآية١٢..
٥ مما أورد النيسابوري ـ رحمه الله ـ وههنا نكت منها: أنه سبحانه لما أشار إلى العصا واليد بقوله: ﴿وما تلك بيمينك يا موسى﴾ حصل في كل منهما برهان باهر، ومعجز قاهر فصار أحدهما وهو الجماد حيوانا، والآخر وهو الكثيف نورانيا لطيفا. ثم إنه تعالى ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد، فأي عجب أن ينقلب قلبه الجامد المظلم حيا مستنيرا؛ ومنها أن العصا صارت بين يمين موسى حية فكيف لا يصير القلب المؤمن الذي هو بين أصبعين من أصابع الرحمن حيا؟! ومنها: أن العصا بإشارة واحدة صارت بحيث ابتلعت سحر السحرة كلهم، فقلب المؤمن أولى أن يصير بمدد نظر الرب في كل يوم مرات بحيث يبتلع سحر الأمارة بالسوء..
٦ سورة النمل. من الآية ١٢..

﴿ سيرتها ﴾ حالها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:﴿ قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى. قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ﴾ أمر من الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يطرح العصا ويرمي بها، فاستجاب لأمر ربنا ورمى بها من يده، فأحالها المولى عز وجل بقدرته من جماد إلى حيوان، ومن همود إلى حركة، وصارت لتوها ثعبانا يتحرك مسرعا، ويتلوى مهتزا، كما جاء في آية أخرى :﴿.. فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف.. " ) ؛ ثم أذهب الله تعالى الخوف الذي وقع في نفس موسى، وناداه مولاه جل علاه أن أقبل ولا تفزع، فإني مرجعها إلى حالتها الأولى التي كانت عليها قبل أن تنقلب حية ؛ قيل : إنما خاف لأنه عرف ما لقي من ذلك الجنس حيث كان له مدخل في خروج أبيه آدم من الجنة ؛ فأخذها عليه السلام عصا كعهده بها ؛ إذ ردها الله القدير إلى حالتها الأولى ؛ قوله :{ فإذا هي حية تسعى ﴾ وفي موضع آخر :﴿.. فإذا هي ثعبان.. )١ ؛ وفي آخر :{.. كأنها جان.. )٢، عبارات عن معبر واحد، لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، والصغير والعظيم، وأما الثعبان : وهو العظيم من الحيات، والجان : وهو الدقيق منها فبينهما تناف في الظاهر لا في التحقيق، لأنهما حين انقلابها كانت تكون حية صفراء دقيقة كالجان ثم تتورم ويتزايد جرمها حتى يصير ثعبانا آخر الأمر، أو أنها كانت في شخص ثعبان وسرعة حركة الجان.. عرضها عليه ليشاهدها ويوطن نفسه عليها، حتى لا يخافها عند عدوه ٣. ثم قوى أمره بمعجزة ثانية فقال :{ واضمم يدك إلى جناحك ﴾ في القاموس : الجناح : اليد والعضد والإبط والجانب ؛ وفي البحر : الجناح حقيقة في جناح الطائر والملك، ثم توسع فيه فأطلق على اليد والعضد وجنب الرجل ؛ ﴿ تخرج بيضاء من غير سوء ﴾ الفعل مجزوم في جواب الأمر ﴿ اضمم ﴾ ؛ وفي آية كريمة ثانية كان أمر الله تعالى إلى موسى :{ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء.. )٤..
كان عليه إذا أدخل يده من فتحة ثوبه التي حول عنقه ثم نزعها خرجت تتلألأ كأنها فلقة قمر، لا عيب بها ولا شين ولا برص ؛ إذ المرض الجلدي قد يبيض البشرة لكنه بياض قبيح منفر عافانا الله ﴿ لنريك من آياتنا الكبرى ﴾ لنريك بهاتين المعجزتين٥ بعض آياتنا الكبرى ؛ ولقد وحد وصف الآيات وهي جمع لأن لفظ [ هذه ] يقع عليها، كما أسلفنا القول عند تفسير قول الله سبحانه :﴿ له الأسماء الحسنى ﴾ ولم يقل الأحاسن ؛ ولقد أوتي موسى تسع آيات بينات، كما بشره بذلك ربنا جل ذكره بقوله :{.. في تسع آيات إلى فرعون وقومه.. )٦.
١ سورة الأعراف. من الآية ١٠٧..
٢ سورة النمل. من الآية ١٠.
٣ ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن..
٤ سورة النمل. من الآية١٢..
٥ مما أورد النيسابوري ـ رحمه الله ـ وههنا نكت منها: أنه سبحانه لما أشار إلى العصا واليد بقوله: ﴿وما تلك بيمينك يا موسى﴾ حصل في كل منهما برهان باهر، ومعجز قاهر فصار أحدهما وهو الجماد حيوانا، والآخر وهو الكثيف نورانيا لطيفا. ثم إنه تعالى ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد، فأي عجب أن ينقلب قلبه الجامد المظلم حيا مستنيرا؛ ومنها أن العصا صارت بين يمين موسى حية فكيف لا يصير القلب المؤمن الذي هو بين أصبعين من أصابع الرحمن حيا؟! ومنها: أن العصا بإشارة واحدة صارت بحيث ابتلعت سحر السحرة كلهم، فقلب المؤمن أولى أن يصير بمدد نظر الرب في كل يوم مرات بحيث يبتلع سحر الأمارة بالسوء..
٦ سورة النمل. من الآية ١٢..

﴿ واضمم يدك إلى جناحك ﴾ ضع كفك تحت عضدك. ﴿ من غير سوء ﴾ من غير برص ولا أذى ولا شين. ﴿ آية ﴾ حجة وعلامة ومعجزة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:﴿ قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى. قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ﴾ أمر من الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يطرح العصا ويرمي بها، فاستجاب لأمر ربنا ورمى بها من يده، فأحالها المولى عز وجل بقدرته من جماد إلى حيوان، ومن همود إلى حركة، وصارت لتوها ثعبانا يتحرك مسرعا، ويتلوى مهتزا، كما جاء في آية أخرى :﴿.. فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف.. " ) ؛ ثم أذهب الله تعالى الخوف الذي وقع في نفس موسى، وناداه مولاه جل علاه أن أقبل ولا تفزع، فإني مرجعها إلى حالتها الأولى التي كانت عليها قبل أن تنقلب حية ؛ قيل : إنما خاف لأنه عرف ما لقي من ذلك الجنس حيث كان له مدخل في خروج أبيه آدم من الجنة ؛ فأخذها عليه السلام عصا كعهده بها ؛ إذ ردها الله القدير إلى حالتها الأولى ؛ قوله :{ فإذا هي حية تسعى ﴾ وفي موضع آخر :﴿.. فإذا هي ثعبان.. )١ ؛ وفي آخر :{.. كأنها جان.. )٢، عبارات عن معبر واحد، لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، والصغير والعظيم، وأما الثعبان : وهو العظيم من الحيات، والجان : وهو الدقيق منها فبينهما تناف في الظاهر لا في التحقيق، لأنهما حين انقلابها كانت تكون حية صفراء دقيقة كالجان ثم تتورم ويتزايد جرمها حتى يصير ثعبانا آخر الأمر، أو أنها كانت في شخص ثعبان وسرعة حركة الجان.. عرضها عليه ليشاهدها ويوطن نفسه عليها، حتى لا يخافها عند عدوه ٣. ثم قوى أمره بمعجزة ثانية فقال :{ واضمم يدك إلى جناحك ﴾ في القاموس : الجناح : اليد والعضد والإبط والجانب ؛ وفي البحر : الجناح حقيقة في جناح الطائر والملك، ثم توسع فيه فأطلق على اليد والعضد وجنب الرجل ؛ ﴿ تخرج بيضاء من غير سوء ﴾ الفعل مجزوم في جواب الأمر ﴿ اضمم ﴾ ؛ وفي آية كريمة ثانية كان أمر الله تعالى إلى موسى :{ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء.. )٤..
كان عليه إذا أدخل يده من فتحة ثوبه التي حول عنقه ثم نزعها خرجت تتلألأ كأنها فلقة قمر، لا عيب بها ولا شين ولا برص ؛ إذ المرض الجلدي قد يبيض البشرة لكنه بياض قبيح منفر عافانا الله ﴿ لنريك من آياتنا الكبرى ﴾ لنريك بهاتين المعجزتين٥ بعض آياتنا الكبرى ؛ ولقد وحد وصف الآيات وهي جمع لأن لفظ [ هذه ] يقع عليها، كما أسلفنا القول عند تفسير قول الله سبحانه :﴿ له الأسماء الحسنى ﴾ ولم يقل الأحاسن ؛ ولقد أوتي موسى تسع آيات بينات، كما بشره بذلك ربنا جل ذكره بقوله :{.. في تسع آيات إلى فرعون وقومه.. )٦.
١ سورة الأعراف. من الآية ١٠٧..
٢ سورة النمل. من الآية ١٠.
٣ ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن..
٤ سورة النمل. من الآية١٢..
٥ مما أورد النيسابوري ـ رحمه الله ـ وههنا نكت منها: أنه سبحانه لما أشار إلى العصا واليد بقوله: ﴿وما تلك بيمينك يا موسى﴾ حصل في كل منهما برهان باهر، ومعجز قاهر فصار أحدهما وهو الجماد حيوانا، والآخر وهو الكثيف نورانيا لطيفا. ثم إنه تعالى ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد، فأي عجب أن ينقلب قلبه الجامد المظلم حيا مستنيرا؛ ومنها أن العصا صارت بين يمين موسى حية فكيف لا يصير القلب المؤمن الذي هو بين أصبعين من أصابع الرحمن حيا؟! ومنها: أن العصا بإشارة واحدة صارت بحيث ابتلعت سحر السحرة كلهم، فقلب المؤمن أولى أن يصير بمدد نظر الرب في كل يوم مرات بحيث يبتلع سحر الأمارة بالسوء..
٦ سورة النمل. من الآية ١٢..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:﴿ قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى. قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ﴾ أمر من الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يطرح العصا ويرمي بها، فاستجاب لأمر ربنا ورمى بها من يده، فأحالها المولى عز وجل بقدرته من جماد إلى حيوان، ومن همود إلى حركة، وصارت لتوها ثعبانا يتحرك مسرعا، ويتلوى مهتزا، كما جاء في آية أخرى :﴿.. فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف.. " ) ؛ ثم أذهب الله تعالى الخوف الذي وقع في نفس موسى، وناداه مولاه جل علاه أن أقبل ولا تفزع، فإني مرجعها إلى حالتها الأولى التي كانت عليها قبل أن تنقلب حية ؛ قيل : إنما خاف لأنه عرف ما لقي من ذلك الجنس حيث كان له مدخل في خروج أبيه آدم من الجنة ؛ فأخذها عليه السلام عصا كعهده بها ؛ إذ ردها الله القدير إلى حالتها الأولى ؛ قوله :{ فإذا هي حية تسعى ﴾ وفي موضع آخر :﴿.. فإذا هي ثعبان.. )١ ؛ وفي آخر :{.. كأنها جان.. )٢، عبارات عن معبر واحد، لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، والصغير والعظيم، وأما الثعبان : وهو العظيم من الحيات، والجان : وهو الدقيق منها فبينهما تناف في الظاهر لا في التحقيق، لأنهما حين انقلابها كانت تكون حية صفراء دقيقة كالجان ثم تتورم ويتزايد جرمها حتى يصير ثعبانا آخر الأمر، أو أنها كانت في شخص ثعبان وسرعة حركة الجان.. عرضها عليه ليشاهدها ويوطن نفسه عليها، حتى لا يخافها عند عدوه ٣. ثم قوى أمره بمعجزة ثانية فقال :{ واضمم يدك إلى جناحك ﴾ في القاموس : الجناح : اليد والعضد والإبط والجانب ؛ وفي البحر : الجناح حقيقة في جناح الطائر والملك، ثم توسع فيه فأطلق على اليد والعضد وجنب الرجل ؛ ﴿ تخرج بيضاء من غير سوء ﴾ الفعل مجزوم في جواب الأمر ﴿ اضمم ﴾ ؛ وفي آية كريمة ثانية كان أمر الله تعالى إلى موسى :{ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء.. )٤..
كان عليه إذا أدخل يده من فتحة ثوبه التي حول عنقه ثم نزعها خرجت تتلألأ كأنها فلقة قمر، لا عيب بها ولا شين ولا برص ؛ إذ المرض الجلدي قد يبيض البشرة لكنه بياض قبيح منفر عافانا الله ﴿ لنريك من آياتنا الكبرى ﴾ لنريك بهاتين المعجزتين٥ بعض آياتنا الكبرى ؛ ولقد وحد وصف الآيات وهي جمع لأن لفظ [ هذه ] يقع عليها، كما أسلفنا القول عند تفسير قول الله سبحانه :﴿ له الأسماء الحسنى ﴾ ولم يقل الأحاسن ؛ ولقد أوتي موسى تسع آيات بينات، كما بشره بذلك ربنا جل ذكره بقوله :{.. في تسع آيات إلى فرعون وقومه.. )٦.
١ سورة الأعراف. من الآية ١٠٧..
٢ سورة النمل. من الآية ١٠.
٣ ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن..
٤ سورة النمل. من الآية١٢..
٥ مما أورد النيسابوري ـ رحمه الله ـ وههنا نكت منها: أنه سبحانه لما أشار إلى العصا واليد بقوله: ﴿وما تلك بيمينك يا موسى﴾ حصل في كل منهما برهان باهر، ومعجز قاهر فصار أحدهما وهو الجماد حيوانا، والآخر وهو الكثيف نورانيا لطيفا. ثم إنه تعالى ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد، فأي عجب أن ينقلب قلبه الجامد المظلم حيا مستنيرا؛ ومنها أن العصا صارت بين يمين موسى حية فكيف لا يصير القلب المؤمن الذي هو بين أصبعين من أصابع الرحمن حيا؟! ومنها: أن العصا بإشارة واحدة صارت بحيث ابتلعت سحر السحرة كلهم، فقلب المؤمن أولى أن يصير بمدد نظر الرب في كل يوم مرات بحيث يبتلع سحر الأمارة بالسوء..
٦ سورة النمل. من الآية ١٢..

﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾
﴿ طغى ﴾ ظلم وتعدى وجاوز الحد.
حمل موسى عليه السلام أول ما أرسل دعوة فرعون ملك مصر الذي خرج منه فارا هاربا ؛ ومعلوم أنه صلوات الله عليه قد أرسل بعد ذلك إلى بني إسرائيل ؛ ﴿ إنه طغى ﴾ ظلم وتجاوز الحد، وتجبر واستكبر، استكبر في الأرض بغير الحق فزعم أنه الرب الأعلى، وبغى على الخلق فاستضعف الإسرائيليين يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ؛ فكان أول ما دعى إليه أن يقر بأنه لا إله إلا الله :{ فقل هل لك إلى أن تزكى. وأهديك إلى ربك فتخشى )١ ؛ وأن يخلي سبيل المظلومين المستضعفين :{ ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم. أن أدوا إلى عباد الله إني لكم رسول أمين. وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين )٢ ؛ كما جاء في آيات مباركات أخر :{ فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين. أن أرسل معنا بني إسرائيل )٣ ؛ وفي كلام محذوف استغنى بفهم السامع بما ذكر منه، وهو قوله :{ اذهب إلى فرعون إنه طغى ) فادعه إلى توحيد الله وطاعته، وإرسال بني إسرائيل معك ٤.
١ سورة النازعات. الآيتان. ١٨، ١٩..
٢ سورة الدخان. الآيات: ١٧، ١٨، ١٩..
٣ سورة الشعراء. الآيتان: ١٦، ١٧..
٤ ما بين العارضتين من جامع البيان..
{ قال رب اشرح لي صدري. ويسر لي أمري )
دعا موسى ربه أن يوسع له ما كان يحس في قلبه ضيق، ويشهد لذلك ما جاء في آية كريمة :{ ويضيق صدري.. )١ ؛ فسأل الله أن يمنحه سعة بدلا من هذا الضيق٢ ؛ وأن ييسر له دعوة هذا المتكبر الجبار، وكل أمر ؛ فاستوهب ربه تعالى أن يشرح صدره ويجعله حليما حمولا يستقبل ما عسى أن يرد عليه في طريق التبليغ والدعوة إلى مر الحق من الشدائد التي يذهب معها صبر الصابر بجميل الصبر وحسن الثبات، وأن يسهل عليه مع ذلك أمره الذي هو أجل الأمور وأعظمها وأصعب الخطوب وأهولها، بتوفيق الأسباب ورفع الموانع، فالمراد من شرح الصدر جعله بحيث لا يضجر ولا يقلق مما يقتضي بحسب البشرية الضجر والقلق من الشدائد ؛ وفي طلب ذلك إظهار لكمال الافتقار إليه عز وجل.. وذكر الراغب أن أصل الشرح البسط ونحوه، وشرح الصدر : بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة الله تعالى، وروح منه عز وجل.
١ سورة الشعراء. من الآية ١٣..
٢ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان: وههنا دقيقة هي أن شرح الصدر مقدمة لسطوع الأنوار الإلهية في القلب، لاستماع مقدمة الفهم، ولما أعطى موسى المقدمة بقوله: ﴿فاستمع﴾ نسج موسى على ذلك المنوال فقال: ﴿رب اشرح لي صدري﴾... وكان خاتم النبيين مخاطبا بقوله: {وسراجا منيرا) فشرح الصدر هو أن يصير الصدر قابلا للنور، والسراج المنير هو المعطي للنور، فالتفاوت بين موسى ومحمد عليهما السلام..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:{ قال رب اشرح لي صدري. ويسر لي أمري )
دعا موسى ربه أن يوسع له ما كان يحس في قلبه ضيق، ويشهد لذلك ما جاء في آية كريمة :{ ويضيق صدري.. )١ ؛ فسأل الله أن يمنحه سعة بدلا من هذا الضيق٢ ؛ وأن ييسر له دعوة هذا المتكبر الجبار، وكل أمر ؛ فاستوهب ربه تعالى أن يشرح صدره ويجعله حليما حمولا يستقبل ما عسى أن يرد عليه في طريق التبليغ والدعوة إلى مر الحق من الشدائد التي يذهب معها صبر الصابر بجميل الصبر وحسن الثبات، وأن يسهل عليه مع ذلك أمره الذي هو أجل الأمور وأعظمها وأصعب الخطوب وأهولها، بتوفيق الأسباب ورفع الموانع، فالمراد من شرح الصدر جعله بحيث لا يضجر ولا يقلق مما يقتضي بحسب البشرية الضجر والقلق من الشدائد ؛ وفي طلب ذلك إظهار لكمال الافتقار إليه عز وجل.. وذكر الراغب أن أصل الشرح البسط ونحوه، وشرح الصدر : بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة الله تعالى، وروح منه عز وجل.
١ سورة الشعراء. من الآية ١٣..
٢ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان: وههنا دقيقة هي أن شرح الصدر مقدمة لسطوع الأنوار الإلهية في القلب، لاستماع مقدمة الفهم، ولما أعطى موسى المقدمة بقوله: ﴿فاستمع﴾ نسج موسى على ذلك المنوال فقال: ﴿رب اشرح لي صدري﴾... وكان خاتم النبيين مخاطبا بقوله: {وسراجا منيرا) فشرح الصدر هو أن يصير الصدر قابلا للنور، والسراج المنير هو المعطي للنور، فالتفاوت بين موسى ومحمد عليهما السلام..

﴿ واحلل عقدة من لساني. يفقهوا قولي ﴾
﴿ واحلل عقدة من لساني ﴾ أذهب عني عي الكلام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قال الحسن البصري : سأل حل عقدة واحدة، ولو سأل أكثر من ذلك أعطي ؛ وقال ابن عباس : شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتل، وعقدة لسانه، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير الكلام.. فآتاه سؤله، فحل عقدة من لسانه ؛ [ وذلك أن فرعون حمله ذات يوم فأخذ خصلة من لحيته.. فتطير، فدعا بالسياف، فقالت آسية بنت مزاحم امرأته ـ وكانت تحب موسى عليه السلام ـ : إنما هو صبي لا يفرق بين الياقوت والجمر، فأحضروا، وأراد أن يمد يده إلى الياقوت فحول جبريل عليه السلام يده إلى الجمرة فأخذها فوضعها في فيه فاحترق لسانه.. ]١
﴿ يفقهوا ﴾ يفهموا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قال الحسن البصري : سأل حل عقدة واحدة، ولو سأل أكثر من ذلك أعطي ؛ وقال ابن عباس : شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتل، وعقدة لسانه، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير الكلام.. فآتاه سؤله، فحل عقدة من لسانه ؛ [ وذلك أن فرعون حمله ذات يوم فأخذ خصلة من لحيته.. فتطير، فدعا بالسياف، فقالت آسية بنت مزاحم امرأته ـ وكانت تحب موسى عليه السلام ـ : إنما هو صبي لا يفرق بين الياقوت والجمر، فأحضروا، وأراد أن يمد يده إلى الياقوت فحول جبريل عليه السلام يده إلى الجمرة فأخذها فوضعها في فيه فاحترق لسانه.. ]١
﴿ وزيرا ﴾عونا ومساعدا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي. هارون أخي. اشدد به أزري. وأشركه في أمري. كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا. إنك كنت بنا بصيرا ﴾ وتابع موسى التضرع إلى ربه سائلا أسباب العون على أداء الأمانة وتبليغ الرسالة فسأل مولاه عز وجل علاه أن يمنح هارون شرف الرسالة ليكون ظهيرا له، وقسيما في حمل أعباء الدعوة، كما جاء ذلك في آية مباركة أخرى :﴿ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون )١ ؛ ومع مقاسمته إياه حمل التذكير بالحق فإنه سيكون عونا على الاستكثار من الطاعات، والتبتل والقربات ؛ { كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا ﴾ ؛ وهكذا ما يبلغ المؤمن منازل الأجر العظيم والرضوان حتى ينزه المولى كثيرا، ويذكر كثيرا ؛ وصدق الله العظيم :{.. والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما )٢، وعهد ربنا إلى عبده ونبيه زكريا عليه السلام :{.. واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار )٣ ؛ وبهذا وصى أتباعه :{ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا )٤ : وعهد الله جل ذكره إلى خاتم النبيين بهذا، فقال تباركت أسماؤه :{.. وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. ومن الليل فسبحه وأدبار السجود )٥ ؛ وقال عز من قائل :{.. وسبح بحمد ربك حين تقوم. ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم )٦ ؛ وعهده سبحانه إلينا :{ يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا )٧.
﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ قال الخطاب : البصير المبصر، والبصير : العالم بخفيات الأمور، فالمعنى : أي عالما بنا.. فأحسنت إلينا كذلك يا رب ؛ ـ ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك-٨

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي. هارون أخي. اشدد به أزري. وأشركه في أمري. كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا. إنك كنت بنا بصيرا ﴾ وتابع موسى التضرع إلى ربه سائلا أسباب العون على أداء الأمانة وتبليغ الرسالة فسأل مولاه عز وجل علاه أن يمنح هارون شرف الرسالة ليكون ظهيرا له، وقسيما في حمل أعباء الدعوة، كما جاء ذلك في آية مباركة أخرى :﴿ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون )١ ؛ ومع مقاسمته إياه حمل التذكير بالحق فإنه سيكون عونا على الاستكثار من الطاعات، والتبتل والقربات ؛ { كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا ﴾ ؛ وهكذا ما يبلغ المؤمن منازل الأجر العظيم والرضوان حتى ينزه المولى كثيرا، ويذكر كثيرا ؛ وصدق الله العظيم :{.. والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما )٢، وعهد ربنا إلى عبده ونبيه زكريا عليه السلام :{.. واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار )٣ ؛ وبهذا وصى أتباعه :{ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا )٤ : وعهد الله جل ذكره إلى خاتم النبيين بهذا، فقال تباركت أسماؤه :{.. وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. ومن الليل فسبحه وأدبار السجود )٥ ؛ وقال عز من قائل :{.. وسبح بحمد ربك حين تقوم. ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم )٦ ؛ وعهده سبحانه إلينا :{ يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا )٧.
﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ قال الخطاب : البصير المبصر، والبصير : العالم بخفيات الأمور، فالمعنى : أي عالما بنا.. فأحسنت إلينا كذلك يا رب ؛ ـ ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك-٨

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي. هارون أخي. اشدد به أزري. وأشركه في أمري. كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا. إنك كنت بنا بصيرا ﴾ وتابع موسى التضرع إلى ربه سائلا أسباب العون على أداء الأمانة وتبليغ الرسالة فسأل مولاه عز وجل علاه أن يمنح هارون شرف الرسالة ليكون ظهيرا له، وقسيما في حمل أعباء الدعوة، كما جاء ذلك في آية مباركة أخرى :﴿ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون )١ ؛ ومع مقاسمته إياه حمل التذكير بالحق فإنه سيكون عونا على الاستكثار من الطاعات، والتبتل والقربات ؛ { كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا ﴾ ؛ وهكذا ما يبلغ المؤمن منازل الأجر العظيم والرضوان حتى ينزه المولى كثيرا، ويذكر كثيرا ؛ وصدق الله العظيم :{.. والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما )٢، وعهد ربنا إلى عبده ونبيه زكريا عليه السلام :{.. واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار )٣ ؛ وبهذا وصى أتباعه :{ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا )٤ : وعهد الله جل ذكره إلى خاتم النبيين بهذا، فقال تباركت أسماؤه :{.. وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. ومن الليل فسبحه وأدبار السجود )٥ ؛ وقال عز من قائل :{.. وسبح بحمد ربك حين تقوم. ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم )٦ ؛ وعهده سبحانه إلينا :{ يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا )٧.
﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ قال الخطاب : البصير المبصر، والبصير : العالم بخفيات الأمور، فالمعنى : أي عالما بنا.. فأحسنت إلينا كذلك يا رب ؛ ـ ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك-٨

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي. هارون أخي. اشدد به أزري. وأشركه في أمري. كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا. إنك كنت بنا بصيرا ﴾ وتابع موسى التضرع إلى ربه سائلا أسباب العون على أداء الأمانة وتبليغ الرسالة فسأل مولاه عز وجل علاه أن يمنح هارون شرف الرسالة ليكون ظهيرا له، وقسيما في حمل أعباء الدعوة، كما جاء ذلك في آية مباركة أخرى :﴿ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون )١ ؛ ومع مقاسمته إياه حمل التذكير بالحق فإنه سيكون عونا على الاستكثار من الطاعات، والتبتل والقربات ؛ { كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا ﴾ ؛ وهكذا ما يبلغ المؤمن منازل الأجر العظيم والرضوان حتى ينزه المولى كثيرا، ويذكر كثيرا ؛ وصدق الله العظيم :{.. والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما )٢، وعهد ربنا إلى عبده ونبيه زكريا عليه السلام :{.. واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار )٣ ؛ وبهذا وصى أتباعه :{ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا )٤ : وعهد الله جل ذكره إلى خاتم النبيين بهذا، فقال تباركت أسماؤه :{.. وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. ومن الليل فسبحه وأدبار السجود )٥ ؛ وقال عز من قائل :{.. وسبح بحمد ربك حين تقوم. ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم )٦ ؛ وعهده سبحانه إلينا :{ يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا )٧.
﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ قال الخطاب : البصير المبصر، والبصير : العالم بخفيات الأمور، فالمعنى : أي عالما بنا.. فأحسنت إلينا كذلك يا رب ؛ ـ ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك-٨

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي. هارون أخي. اشدد به أزري. وأشركه في أمري. كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا. إنك كنت بنا بصيرا ﴾ وتابع موسى التضرع إلى ربه سائلا أسباب العون على أداء الأمانة وتبليغ الرسالة فسأل مولاه عز وجل علاه أن يمنح هارون شرف الرسالة ليكون ظهيرا له، وقسيما في حمل أعباء الدعوة، كما جاء ذلك في آية مباركة أخرى :﴿ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون )١ ؛ ومع مقاسمته إياه حمل التذكير بالحق فإنه سيكون عونا على الاستكثار من الطاعات، والتبتل والقربات ؛ { كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا ﴾ ؛ وهكذا ما يبلغ المؤمن منازل الأجر العظيم والرضوان حتى ينزه المولى كثيرا، ويذكر كثيرا ؛ وصدق الله العظيم :{.. والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما )٢، وعهد ربنا إلى عبده ونبيه زكريا عليه السلام :{.. واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار )٣ ؛ وبهذا وصى أتباعه :{ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا )٤ : وعهد الله جل ذكره إلى خاتم النبيين بهذا، فقال تباركت أسماؤه :{.. وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. ومن الليل فسبحه وأدبار السجود )٥ ؛ وقال عز من قائل :{.. وسبح بحمد ربك حين تقوم. ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم )٦ ؛ وعهده سبحانه إلينا :{ يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا )٧.
﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ قال الخطاب : البصير المبصر، والبصير : العالم بخفيات الأمور، فالمعنى : أي عالما بنا.. فأحسنت إلينا كذلك يا رب ؛ ـ ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك-٨

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي. هارون أخي. اشدد به أزري. وأشركه في أمري. كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا. إنك كنت بنا بصيرا ﴾ وتابع موسى التضرع إلى ربه سائلا أسباب العون على أداء الأمانة وتبليغ الرسالة فسأل مولاه عز وجل علاه أن يمنح هارون شرف الرسالة ليكون ظهيرا له، وقسيما في حمل أعباء الدعوة، كما جاء ذلك في آية مباركة أخرى :﴿ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون )١ ؛ ومع مقاسمته إياه حمل التذكير بالحق فإنه سيكون عونا على الاستكثار من الطاعات، والتبتل والقربات ؛ { كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا ﴾ ؛ وهكذا ما يبلغ المؤمن منازل الأجر العظيم والرضوان حتى ينزه المولى كثيرا، ويذكر كثيرا ؛ وصدق الله العظيم :{.. والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما )٢، وعهد ربنا إلى عبده ونبيه زكريا عليه السلام :{.. واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار )٣ ؛ وبهذا وصى أتباعه :{ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا )٤ : وعهد الله جل ذكره إلى خاتم النبيين بهذا، فقال تباركت أسماؤه :{.. وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. ومن الليل فسبحه وأدبار السجود )٥ ؛ وقال عز من قائل :{.. وسبح بحمد ربك حين تقوم. ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم )٦ ؛ وعهده سبحانه إلينا :{ يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا )٧.
﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ قال الخطاب : البصير المبصر، والبصير : العالم بخفيات الأمور، فالمعنى : أي عالما بنا.. فأحسنت إلينا كذلك يا رب ؛ ـ ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك-٨

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي. هارون أخي. اشدد به أزري. وأشركه في أمري. كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا. إنك كنت بنا بصيرا ﴾ وتابع موسى التضرع إلى ربه سائلا أسباب العون على أداء الأمانة وتبليغ الرسالة فسأل مولاه عز وجل علاه أن يمنح هارون شرف الرسالة ليكون ظهيرا له، وقسيما في حمل أعباء الدعوة، كما جاء ذلك في آية مباركة أخرى :﴿ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون )١ ؛ ومع مقاسمته إياه حمل التذكير بالحق فإنه سيكون عونا على الاستكثار من الطاعات، والتبتل والقربات ؛ { كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا ﴾ ؛ وهكذا ما يبلغ المؤمن منازل الأجر العظيم والرضوان حتى ينزه المولى كثيرا، ويذكر كثيرا ؛ وصدق الله العظيم :{.. والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما )٢، وعهد ربنا إلى عبده ونبيه زكريا عليه السلام :{.. واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار )٣ ؛ وبهذا وصى أتباعه :{ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا )٤ : وعهد الله جل ذكره إلى خاتم النبيين بهذا، فقال تباركت أسماؤه :{.. وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. ومن الليل فسبحه وأدبار السجود )٥ ؛ وقال عز من قائل :{.. وسبح بحمد ربك حين تقوم. ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم )٦ ؛ وعهده سبحانه إلينا :{ يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا )٧.
﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ قال الخطاب : البصير المبصر، والبصير : العالم بخفيات الأمور، فالمعنى : أي عالما بنا.. فأحسنت إلينا كذلك يا رب ؛ ـ ﴿ إنك كنت بنا بصيرا ﴾ في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك-٨

﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ( ٣٦ ) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى ( ٣٧ ) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ( ٣٨ ) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ( ٣٩ ) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ( ٤٠ ) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ( ٤١ ) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ( ٤٢ ) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ( ٤٣ ) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ( ٤٤ ) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ( ٤٥ ) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ( ٤٦ ) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ( ٤٧ ) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ( ٤٨ ) ﴾.
﴿ أوتيت سؤلك ﴾ أعطيت ما سألت، وأجبتك إلى ما دعوت.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:[ حين راعى من دقائق الأدب وأنواع حسن الطلب ما يجب رعايته فلا جرم أجاب الله تعالى مطالبه، وأنجح مآربه قائلا :﴿ قد أوتيت سؤلك ﴾ ؛ والسؤل بمعنى المسؤول كالخبز بمعنى المخبوز، والأكل بمعنى المأكول... ﴿ مننا عليك ﴾ : من عليه منا : أنعم ؛ ومن عليه منة : امتن عليه، كأن الله سبحانه قال لموسى : إني راعيت صلاحك قبل سؤالك، فكيف لا أعطيك مرادك بعد السؤال ؟ ! أو : كنت ربيتك من غير سابقة حق فلو منعتك الحال مطلوبك لكان ذلك ردا بعد القبول، وحرمانا بعد الإحسان،.... ؛ وإنما قال :﴿ مرة أخرى ﴾ لأن الجملة قصة واحدة، وإن كانت مشتملة على منن كثيرة ؛ والوحي إلى أم موسى إما أن يكون على لسان نبي في عصرها كشعيب مثلا أو عن لسان ملك لا على طريق النبوة ؛... أو أراها المنام... أو ألهمها بذلك.... ﴿ أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له ﴾، ﴿ أن ﴾ هي المفسرة، لأن الإيحاء في معنى القول ؛ والقذف يستعمل بمعنى الوضع، أي : ضعيه في التابوت١.... الضميران الباقيان في قوله :﴿ فاقذفيه في اليم فليلقه ﴾ : عائدان إلى موسى.. فإن المقذوف والملقى إذا كان موسى وهو في جوف التابوت لزم أن يكون التابوت أيضا مقذوفا وملقى، ويؤيده أن الضمير في قوله :﴿ عدو له ﴾ لموسى بالضرورة، لأن عداوة التابوت غير معقولة، وإذا كان الضمير الأول والضمير الأخير لموسى فالأنسب بإعجاز القرآن أن يكون الضمير المتوسط أيضا له،... واليم هو البحر، والمراد هنا : نيل مصر، والساحل : شاطئ البحر ]٢ ؛ ﴿ فليلقه ﴾ ـ المراد من الأمر الخبر... وقال غير واحد : إنه لما كان إلقاء البحر إياه بالساحل أمرا واجب الوقوع لتعلق الإرادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمر بذلك، وأخرج الجواب مخرج الأمر.....
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥

﴿ مننا ﴾ أنعمنا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:[ حين راعى من دقائق الأدب وأنواع حسن الطلب ما يجب رعايته فلا جرم أجاب الله تعالى مطالبه، وأنجح مآربه قائلا :﴿ قد أوتيت سؤلك ﴾ ؛ والسؤل بمعنى المسؤول كالخبز بمعنى المخبوز، والأكل بمعنى المأكول... ﴿ مننا عليك ﴾ : من عليه منا : أنعم ؛ ومن عليه منة : امتن عليه، كأن الله سبحانه قال لموسى : إني راعيت صلاحك قبل سؤالك، فكيف لا أعطيك مرادك بعد السؤال ؟ ! أو : كنت ربيتك من غير سابقة حق فلو منعتك الحال مطلوبك لكان ذلك ردا بعد القبول، وحرمانا بعد الإحسان،.... ؛ وإنما قال :﴿ مرة أخرى ﴾ لأن الجملة قصة واحدة، وإن كانت مشتملة على منن كثيرة ؛ والوحي إلى أم موسى إما أن يكون على لسان نبي في عصرها كشعيب مثلا أو عن لسان ملك لا على طريق النبوة ؛... أو أراها المنام... أو ألهمها بذلك.... ﴿ أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له ﴾، ﴿ أن ﴾ هي المفسرة، لأن الإيحاء في معنى القول ؛ والقذف يستعمل بمعنى الوضع، أي : ضعيه في التابوت١.... الضميران الباقيان في قوله :﴿ فاقذفيه في اليم فليلقه ﴾ : عائدان إلى موسى.. فإن المقذوف والملقى إذا كان موسى وهو في جوف التابوت لزم أن يكون التابوت أيضا مقذوفا وملقى، ويؤيده أن الضمير في قوله :﴿ عدو له ﴾ لموسى بالضرورة، لأن عداوة التابوت غير معقولة، وإذا كان الضمير الأول والضمير الأخير لموسى فالأنسب بإعجاز القرآن أن يكون الضمير المتوسط أيضا له،... واليم هو البحر، والمراد هنا : نيل مصر، والساحل : شاطئ البحر ]٢ ؛ ﴿ فليلقه ﴾ ـ المراد من الأمر الخبر... وقال غير واحد : إنه لما كان إلقاء البحر إياه بالساحل أمرا واجب الوقوع لتعلق الإرادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمر بذلك، وأخرج الجواب مخرج الأمر.....
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥

﴿ أوحينا إلى أمك ﴾ ألهمناها، أو أريناها مناما، أو ملك لكن لا على وجه النبوة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:[ حين راعى من دقائق الأدب وأنواع حسن الطلب ما يجب رعايته فلا جرم أجاب الله تعالى مطالبه، وأنجح مآربه قائلا :﴿ قد أوتيت سؤلك ﴾ ؛ والسؤل بمعنى المسؤول كالخبز بمعنى المخبوز، والأكل بمعنى المأكول... ﴿ مننا عليك ﴾ : من عليه منا : أنعم ؛ ومن عليه منة : امتن عليه، كأن الله سبحانه قال لموسى : إني راعيت صلاحك قبل سؤالك، فكيف لا أعطيك مرادك بعد السؤال ؟ ! أو : كنت ربيتك من غير سابقة حق فلو منعتك الحال مطلوبك لكان ذلك ردا بعد القبول، وحرمانا بعد الإحسان،.... ؛ وإنما قال :﴿ مرة أخرى ﴾ لأن الجملة قصة واحدة، وإن كانت مشتملة على منن كثيرة ؛ والوحي إلى أم موسى إما أن يكون على لسان نبي في عصرها كشعيب مثلا أو عن لسان ملك لا على طريق النبوة ؛... أو أراها المنام... أو ألهمها بذلك.... ﴿ أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له ﴾، ﴿ أن ﴾ هي المفسرة، لأن الإيحاء في معنى القول ؛ والقذف يستعمل بمعنى الوضع، أي : ضعيه في التابوت١.... الضميران الباقيان في قوله :﴿ فاقذفيه في اليم فليلقه ﴾ : عائدان إلى موسى.. فإن المقذوف والملقى إذا كان موسى وهو في جوف التابوت لزم أن يكون التابوت أيضا مقذوفا وملقى، ويؤيده أن الضمير في قوله :﴿ عدو له ﴾ لموسى بالضرورة، لأن عداوة التابوت غير معقولة، وإذا كان الضمير الأول والضمير الأخير لموسى فالأنسب بإعجاز القرآن أن يكون الضمير المتوسط أيضا له،... واليم هو البحر، والمراد هنا : نيل مصر، والساحل : شاطئ البحر ]٢ ؛ ﴿ فليلقه ﴾ ـ المراد من الأمر الخبر... وقال غير واحد : إنه لما كان إلقاء البحر إياه بالساحل أمرا واجب الوقوع لتعلق الإرادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمر بذلك، وأخرج الجواب مخرج الأمر.....
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥

﴿ التابوت ﴾ الصندوق. ﴿ اليم ﴾ النهر، والبحر العذب الماء. ﴿ بالساحل ﴾ بالشاطئ. ﴿ ولتصنع على عيني ﴾ تربى بالحنو، وأنا أرعاك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:[ حين راعى من دقائق الأدب وأنواع حسن الطلب ما يجب رعايته فلا جرم أجاب الله تعالى مطالبه، وأنجح مآربه قائلا :﴿ قد أوتيت سؤلك ﴾ ؛ والسؤل بمعنى المسؤول كالخبز بمعنى المخبوز، والأكل بمعنى المأكول... ﴿ مننا عليك ﴾ : من عليه منا : أنعم ؛ ومن عليه منة : امتن عليه، كأن الله سبحانه قال لموسى : إني راعيت صلاحك قبل سؤالك، فكيف لا أعطيك مرادك بعد السؤال ؟ ! أو : كنت ربيتك من غير سابقة حق فلو منعتك الحال مطلوبك لكان ذلك ردا بعد القبول، وحرمانا بعد الإحسان،.... ؛ وإنما قال :﴿ مرة أخرى ﴾ لأن الجملة قصة واحدة، وإن كانت مشتملة على منن كثيرة ؛ والوحي إلى أم موسى إما أن يكون على لسان نبي في عصرها كشعيب مثلا أو عن لسان ملك لا على طريق النبوة ؛... أو أراها المنام... أو ألهمها بذلك.... ﴿ أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له ﴾، ﴿ أن ﴾ هي المفسرة، لأن الإيحاء في معنى القول ؛ والقذف يستعمل بمعنى الوضع، أي : ضعيه في التابوت١.... الضميران الباقيان في قوله :﴿ فاقذفيه في اليم فليلقه ﴾ : عائدان إلى موسى.. فإن المقذوف والملقى إذا كان موسى وهو في جوف التابوت لزم أن يكون التابوت أيضا مقذوفا وملقى، ويؤيده أن الضمير في قوله :﴿ عدو له ﴾ لموسى بالضرورة، لأن عداوة التابوت غير معقولة، وإذا كان الضمير الأول والضمير الأخير لموسى فالأنسب بإعجاز القرآن أن يكون الضمير المتوسط أيضا له،... واليم هو البحر، والمراد هنا : نيل مصر، والساحل : شاطئ البحر ]٢ ؛ ﴿ فليلقه ﴾ ـ المراد من الأمر الخبر... وقال غير واحد : إنه لما كان إلقاء البحر إياه بالساحل أمرا واجب الوقوع لتعلق الإرادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمر بذلك، وأخرج الجواب مخرج الأمر.....
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥

﴿ يكفله ﴾ يحفظه ويتولى أموره. ﴿ تقر عينها ﴾ تهدأ، وتطيب نفسا. ﴿ فتناك ﴾ ابتليناك واختبرنا ومحصنا. ﴿ فتونا ﴾ ابتلاء واختبارا وتمحيصا. ﴿ على قدر ﴾ على تقدير، وفي الوقت المعين المقدر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:[ حين راعى من دقائق الأدب وأنواع حسن الطلب ما يجب رعايته فلا جرم أجاب الله تعالى مطالبه، وأنجح مآربه قائلا :﴿ قد أوتيت سؤلك ﴾ ؛ والسؤل بمعنى المسؤول كالخبز بمعنى المخبوز، والأكل بمعنى المأكول... ﴿ مننا عليك ﴾ : من عليه منا : أنعم ؛ ومن عليه منة : امتن عليه، كأن الله سبحانه قال لموسى : إني راعيت صلاحك قبل سؤالك، فكيف لا أعطيك مرادك بعد السؤال ؟ ! أو : كنت ربيتك من غير سابقة حق فلو منعتك الحال مطلوبك لكان ذلك ردا بعد القبول، وحرمانا بعد الإحسان،.... ؛ وإنما قال :﴿ مرة أخرى ﴾ لأن الجملة قصة واحدة، وإن كانت مشتملة على منن كثيرة ؛ والوحي إلى أم موسى إما أن يكون على لسان نبي في عصرها كشعيب مثلا أو عن لسان ملك لا على طريق النبوة ؛... أو أراها المنام... أو ألهمها بذلك.... ﴿ أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له ﴾، ﴿ أن ﴾ هي المفسرة، لأن الإيحاء في معنى القول ؛ والقذف يستعمل بمعنى الوضع، أي : ضعيه في التابوت١.... الضميران الباقيان في قوله :﴿ فاقذفيه في اليم فليلقه ﴾ : عائدان إلى موسى.. فإن المقذوف والملقى إذا كان موسى وهو في جوف التابوت لزم أن يكون التابوت أيضا مقذوفا وملقى، ويؤيده أن الضمير في قوله :﴿ عدو له ﴾ لموسى بالضرورة، لأن عداوة التابوت غير معقولة، وإذا كان الضمير الأول والضمير الأخير لموسى فالأنسب بإعجاز القرآن أن يكون الضمير المتوسط أيضا له،... واليم هو البحر، والمراد هنا : نيل مصر، والساحل : شاطئ البحر ]٢ ؛ ﴿ فليلقه ﴾ ـ المراد من الأمر الخبر... وقال غير واحد : إنه لما كان إلقاء البحر إياه بالساحل أمرا واجب الوقوع لتعلق الإرادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمر بذلك، وأخرج الجواب مخرج الأمر.....
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥

﴿ اصطنعتك ﴾ جعلتك محل إحساني.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:[ حين راعى من دقائق الأدب وأنواع حسن الطلب ما يجب رعايته فلا جرم أجاب الله تعالى مطالبه، وأنجح مآربه قائلا :﴿ قد أوتيت سؤلك ﴾ ؛ والسؤل بمعنى المسؤول كالخبز بمعنى المخبوز، والأكل بمعنى المأكول... ﴿ مننا عليك ﴾ : من عليه منا : أنعم ؛ ومن عليه منة : امتن عليه، كأن الله سبحانه قال لموسى : إني راعيت صلاحك قبل سؤالك، فكيف لا أعطيك مرادك بعد السؤال ؟ ! أو : كنت ربيتك من غير سابقة حق فلو منعتك الحال مطلوبك لكان ذلك ردا بعد القبول، وحرمانا بعد الإحسان،.... ؛ وإنما قال :﴿ مرة أخرى ﴾ لأن الجملة قصة واحدة، وإن كانت مشتملة على منن كثيرة ؛ والوحي إلى أم موسى إما أن يكون على لسان نبي في عصرها كشعيب مثلا أو عن لسان ملك لا على طريق النبوة ؛... أو أراها المنام... أو ألهمها بذلك.... ﴿ أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له ﴾، ﴿ أن ﴾ هي المفسرة، لأن الإيحاء في معنى القول ؛ والقذف يستعمل بمعنى الوضع، أي : ضعيه في التابوت١.... الضميران الباقيان في قوله :﴿ فاقذفيه في اليم فليلقه ﴾ : عائدان إلى موسى.. فإن المقذوف والملقى إذا كان موسى وهو في جوف التابوت لزم أن يكون التابوت أيضا مقذوفا وملقى، ويؤيده أن الضمير في قوله :﴿ عدو له ﴾ لموسى بالضرورة، لأن عداوة التابوت غير معقولة، وإذا كان الضمير الأول والضمير الأخير لموسى فالأنسب بإعجاز القرآن أن يكون الضمير المتوسط أيضا له،... واليم هو البحر، والمراد هنا : نيل مصر، والساحل : شاطئ البحر ]٢ ؛ ﴿ فليلقه ﴾ ـ المراد من الأمر الخبر... وقال غير واحد : إنه لما كان إلقاء البحر إياه بالساحل أمرا واجب الوقوع لتعلق الإرادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمر بذلك، وأخرج الجواب مخرج الأمر.....
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥

﴿ ولا تنيا ﴾ ولا تفترا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:[ حين راعى من دقائق الأدب وأنواع حسن الطلب ما يجب رعايته فلا جرم أجاب الله تعالى مطالبه، وأنجح مآربه قائلا :﴿ قد أوتيت سؤلك ﴾ ؛ والسؤل بمعنى المسؤول كالخبز بمعنى المخبوز، والأكل بمعنى المأكول... ﴿ مننا عليك ﴾ : من عليه منا : أنعم ؛ ومن عليه منة : امتن عليه، كأن الله سبحانه قال لموسى : إني راعيت صلاحك قبل سؤالك، فكيف لا أعطيك مرادك بعد السؤال ؟ ! أو : كنت ربيتك من غير سابقة حق فلو منعتك الحال مطلوبك لكان ذلك ردا بعد القبول، وحرمانا بعد الإحسان،.... ؛ وإنما قال :﴿ مرة أخرى ﴾ لأن الجملة قصة واحدة، وإن كانت مشتملة على منن كثيرة ؛ والوحي إلى أم موسى إما أن يكون على لسان نبي في عصرها كشعيب مثلا أو عن لسان ملك لا على طريق النبوة ؛... أو أراها المنام... أو ألهمها بذلك.... ﴿ أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له ﴾، ﴿ أن ﴾ هي المفسرة، لأن الإيحاء في معنى القول ؛ والقذف يستعمل بمعنى الوضع، أي : ضعيه في التابوت١.... الضميران الباقيان في قوله :﴿ فاقذفيه في اليم فليلقه ﴾ : عائدان إلى موسى.. فإن المقذوف والملقى إذا كان موسى وهو في جوف التابوت لزم أن يكون التابوت أيضا مقذوفا وملقى، ويؤيده أن الضمير في قوله :﴿ عدو له ﴾ لموسى بالضرورة، لأن عداوة التابوت غير معقولة، وإذا كان الضمير الأول والضمير الأخير لموسى فالأنسب بإعجاز القرآن أن يكون الضمير المتوسط أيضا له،... واليم هو البحر، والمراد هنا : نيل مصر، والساحل : شاطئ البحر ]٢ ؛ ﴿ فليلقه ﴾ ـ المراد من الأمر الخبر... وقال غير واحد : إنه لما كان إلقاء البحر إياه بالساحل أمرا واجب الوقوع لتعلق الإرادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمر بذلك، وأخرج الجواب مخرج الأمر.....
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:[ حين راعى من دقائق الأدب وأنواع حسن الطلب ما يجب رعايته فلا جرم أجاب الله تعالى مطالبه، وأنجح مآربه قائلا :﴿ قد أوتيت سؤلك ﴾ ؛ والسؤل بمعنى المسؤول كالخبز بمعنى المخبوز، والأكل بمعنى المأكول... ﴿ مننا عليك ﴾ : من عليه منا : أنعم ؛ ومن عليه منة : امتن عليه، كأن الله سبحانه قال لموسى : إني راعيت صلاحك قبل سؤالك، فكيف لا أعطيك مرادك بعد السؤال ؟ ! أو : كنت ربيتك من غير سابقة حق فلو منعتك الحال مطلوبك لكان ذلك ردا بعد القبول، وحرمانا بعد الإحسان،.... ؛ وإنما قال :﴿ مرة أخرى ﴾ لأن الجملة قصة واحدة، وإن كانت مشتملة على منن كثيرة ؛ والوحي إلى أم موسى إما أن يكون على لسان نبي في عصرها كشعيب مثلا أو عن لسان ملك لا على طريق النبوة ؛... أو أراها المنام... أو ألهمها بذلك.... ﴿ أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له ﴾، ﴿ أن ﴾ هي المفسرة، لأن الإيحاء في معنى القول ؛ والقذف يستعمل بمعنى الوضع، أي : ضعيه في التابوت١.... الضميران الباقيان في قوله :﴿ فاقذفيه في اليم فليلقه ﴾ : عائدان إلى موسى.. فإن المقذوف والملقى إذا كان موسى وهو في جوف التابوت لزم أن يكون التابوت أيضا مقذوفا وملقى، ويؤيده أن الضمير في قوله :﴿ عدو له ﴾ لموسى بالضرورة، لأن عداوة التابوت غير معقولة، وإذا كان الضمير الأول والضمير الأخير لموسى فالأنسب بإعجاز القرآن أن يكون الضمير المتوسط أيضا له،... واليم هو البحر، والمراد هنا : نيل مصر، والساحل : شاطئ البحر ]٢ ؛ ﴿ فليلقه ﴾ ـ المراد من الأمر الخبر... وقال غير واحد : إنه لما كان إلقاء البحر إياه بالساحل أمرا واجب الوقوع لتعلق الإرادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمر بذلك، وأخرج الجواب مخرج الأمر.....
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:[ حين راعى من دقائق الأدب وأنواع حسن الطلب ما يجب رعايته فلا جرم أجاب الله تعالى مطالبه، وأنجح مآربه قائلا :﴿ قد أوتيت سؤلك ﴾ ؛ والسؤل بمعنى المسؤول كالخبز بمعنى المخبوز، والأكل بمعنى المأكول... ﴿ مننا عليك ﴾ : من عليه منا : أنعم ؛ ومن عليه منة : امتن عليه، كأن الله سبحانه قال لموسى : إني راعيت صلاحك قبل سؤالك، فكيف لا أعطيك مرادك بعد السؤال ؟ ! أو : كنت ربيتك من غير سابقة حق فلو منعتك الحال مطلوبك لكان ذلك ردا بعد القبول، وحرمانا بعد الإحسان،.... ؛ وإنما قال :﴿ مرة أخرى ﴾ لأن الجملة قصة واحدة، وإن كانت مشتملة على منن كثيرة ؛ والوحي إلى أم موسى إما أن يكون على لسان نبي في عصرها كشعيب مثلا أو عن لسان ملك لا على طريق النبوة ؛... أو أراها المنام... أو ألهمها بذلك.... ﴿ أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له ﴾، ﴿ أن ﴾ هي المفسرة، لأن الإيحاء في معنى القول ؛ والقذف يستعمل بمعنى الوضع، أي : ضعيه في التابوت١.... الضميران الباقيان في قوله :﴿ فاقذفيه في اليم فليلقه ﴾ : عائدان إلى موسى.. فإن المقذوف والملقى إذا كان موسى وهو في جوف التابوت لزم أن يكون التابوت أيضا مقذوفا وملقى، ويؤيده أن الضمير في قوله :﴿ عدو له ﴾ لموسى بالضرورة، لأن عداوة التابوت غير معقولة، وإذا كان الضمير الأول والضمير الأخير لموسى فالأنسب بإعجاز القرآن أن يكون الضمير المتوسط أيضا له،... واليم هو البحر، والمراد هنا : نيل مصر، والساحل : شاطئ البحر ]٢ ؛ ﴿ فليلقه ﴾ ـ المراد من الأمر الخبر... وقال غير واحد : إنه لما كان إلقاء البحر إياه بالساحل أمرا واجب الوقوع لتعلق الإرادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمر بذلك، وأخرج الجواب مخرج الأمر.....
﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾.. أي : محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك... ﴿ ولتصنع على عيني ﴾... : وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتربى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك... وقال قتادة : المعنى : لتغذى على محبتي وإرادتي ؛ وهو اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري، وزعم الواحدي أنه الصحيح ـ٣.
﴿ إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ يذكر المولى سبحانه بأنعمه، ويقص علينا من أنباء المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، فإنه عز وجل إذ أراد أن يرعى موسى كان ما أراد، ولم يقف أمام مراده كيد فرعون الذي ضيق حول الإسرائيلين ـ قوم موسى ـ الخناق، وأمعن في أبنائهم ذبحا، وأشاع في نسائهم الاسترقاق، لكن يأبى الله إلا أن يتم مراده، وينجي صفيه وكليمه ؛ ومثلما أنجاه وليدا، رعاه وأقر عين أمه به رضيعا، فقد ربط الله تعالى على قلب أم موسى، فألقت وليدها في الصندوق المغلق الذي جرت العادة أن يقتل من بداخله خنقا، ثم قذفت به في اليم مطمئنة إلى أنه لن يموت غرقا، كيف لا وقد ألهمها الله الملك الحق المبين{.. لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين )٤ ؛ وأنجز الله تعالى ما وعد ؛ فأخذه فرعون ـ عدو الله وعدو موسى ـ وكان الصندوق قد التقط أمام دار ذاك الطاغية، فلما فتح ألقى الله تعالى محبته في قلب امرأة فرعون، وكأنما هم الذباحون بقتله، فقالت ما بينه كتاب الله :{.. قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.. )٥ ؛ فوهبها إياه، ونجا من الذباحين ؛ وفرحت بمتبناها، وطلبت المراضع ليرضعنه، فما أقبل على ثدي من ثديهن أبدا، حتى خافت عليه الهلاك ؛ بينما جاءت أخته تعرض عليها أن تدلها على أهل بيت يرضعونه ويحفظونه ؛ فرضيت امرأة فرعون بما عرض عليها، وأسلمته إلى التي طلبته فعادت به إلى أمه ـ وهم لا يعرفون أنه ابنها ـ يريد الله البر الرحيم أن تقر عين أمه ولا تحزن ؛ وللسرور دمعة باردة تقر بها العين فلا تسخن، وللحزن دمعة حارة.
ورعا الله تعالى كليمه شابا يافعا، ونجاه من بطش الجبارين، وثأر الموتورين، وذلك أنه عليه السلام حين كان فتى سار في المدينة التي يسكنها فرعون فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما إسرائيلي والثاني قبطي، فاستغاث الإسرائيلي بموسى عليه السلام، فبينما هو يحجز القبطي عنه إذ أصابته وكزة من موسى فقضت عليه، فاستغفر ربه لتلك الفعلة فغفر الله له، أما أهل القتيل فاشتد غيظهم وانطلقوا يبحثون عن القاتل فلم يعرفوا أول الأمر من الذي قتل، وفي اليوم الثاني مر موسى فإذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه {.. قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.. )٦، فذهب القبطي يحدث قومه بما سمع فعرفوا أن موسى هو قاتل القبطي الذي لم يكن قد علم بعد قاتله، فتحرك القبط ليثأروا لكن الله اللطيف الخبير قيض لموسى من يسرع في إبلاغه بما اعتزم القوم، { فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين. ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال يا بني إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )٧.
وإلى هذا جاءت الإشارة في الآية الكريمة :﴿ وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ﴾ ؛ وهكذا، لما وفى موسى بالمدة استأذن صهره نبي الله شعيبا في الرجوع إلى أمه، فأذن له، وخرج ومعه أهله وغنمه، وفي رحلة العودة نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة :﴿.. أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )٨ ؛ فأتى إلى الطور في الوادي المقدس في الوقت الذي شاء الله ؛ وصدق مولانا الحكيم القائل :{ ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي ﴾.
﴿ اذهب أنت وأخوك بآياتي ﴾ : التي أريتك من معجزات ـ العصا واليد وسائر المعجزات التسع ـ أو عبر عن العصا واليد بالآيات على أن الجمع يكون لما فرق الواحد، لكن آية مباركة بينت أن العصا واليد على عظمهما ما كانتا إلا بعض ما أوتي موسى من علامات وحجج وبراهين بعث بها إلى فرعون وملئه ؛ وذلك قول الله جل ذكره :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )٩ ؛ { ولا تنيا في ذكري ﴾ ولا تفترا عن ذكر ربكما، فإن من يذكر الله تعالى يذكره، ومن ينسه ينسه نفسه ـ وحاشا للرسولين الكريمين أن ينسيا أو يفترا ـ قال ابن عباس : لا تضعفا في أمر الرسالة ولا تبطئا. ﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ ما الفائدة في تكرير.. ﴿ اذهبا إلى فرعون ﴾ ؟.
والجواب : بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معا لا أن ينفرد به موسى ؛ أو الأول أمر بالذهاب إلى القبط. والثاني مخصوص بفرعون الطاغي ؛ ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه الأصل ]١٠ ﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ عن الحسن البصري : أعذرا إليه، قولا له : إن لك ربا ولك معادا، وإن بينك جنة ونارا ؛ وقال : يقول : لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه ؛ ـ هذه الآية فيها عبرة عظيمة.. فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع أن هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين... والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع... لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو ﴿ يخشى ﴾ أي يوجد طاعة من خشية ربه،... فالتذكر : الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة ـ١١ ؛ [ ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ ؛ وقال :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ؛ فكيف بنا ؟ فنحن أولى بذلك !... واختلف الناس في معنى قوله :{ لينا ﴾، فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه : كنياه ؛... فعلى هذا القول تكون تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه١٢.......... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا. فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه ؛ وقد قال الله تعالى :﴿.. وقولوا للناس حسنا.. )١٣. قوله تعالى :{ لعله يتذكر أو يخشى ﴾ معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قاله كبراء النحويين : سيبويه وغيره.... وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع ؛ وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي، فقال :{.. آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )١٤ ؛ ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره ؛ وقال يحيى بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الله، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ ! وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا ]١٥

﴿ قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ﴾
﴿ يفرط ﴾ يعجل بالبطش.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قال موسى وهارون : يا إلهنا ومولانا : إن هذا الجبار قد يبادرنا بالبطش، ولا يتمهل حتى نبلغ ما أرسلنا به إليه ؛ ـ لا منافاة بين الخوف من شيء والصبر عليه وعدم الضجر منه إذا وقع ؛ ألا ترى كثيرا من الكاملين يخافون من البلاء ويسألون الله الحفظ منه وإذا نزل بهم استقبلوه بصدر واسع وصبروا عليه ولم يضجروا منه ؛..... فماذا قال لهما ربهما عند تضرعهما إليه سبحانه ؟ فقيل : قال أي لهما :﴿ لا تخافا ﴾ مما ذكرتما ؛.... ﴿ إنني معكما ﴾ تعليل لموجب النهي ومزيد تسلية لهما، والمراد بمعيته سبحانه : كمال الحفظ والنصرة... فأفعل في كل حال ما يليق بها من دفع شر وجلب خير...
﴿ فأتياه ﴾ أمرا بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعدما أمر بالذهاب إليه... ﴿ فقولا إنا رسولا ربك ﴾ أمرا بذلك تحقيقا للحق من أول الأمر ليعرف الطاغية شأنهما... ﴿ فأرسل معنا بني إسرائيل... الفاء في { فأرسل ﴾ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن كونهما عليهما السلام رسولي ربه تعالى مما يوجب إرسالهم معهما، والمراد بالإرسال إطلاقهم من الأسر وإخراجهم من تحت يده.. ﴿ ولا تعذبهم ﴾ أي بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فإنهم كانوا تحت ملكة القبط يستخدمون، وكانوا يقتلون أبناءهم.. ويستخدمون نساءهم... ﴿ قد جئناك بآية من ربك ﴾ استئناف بياني... قد جئناك بما يثبت مدعانا... ﴿ والسلام على من اتبع الهدى ﴾ أي السلامة من العذاب في الدارين لمن اتبع ذلك... و﴿ على ﴾ بمعنى اللام، كما ورد عكسه في قوله تعالى :{.. لهم اللعنة )١ ؛ وحروف الجر كثيرا ما تتقارض..
﴿ إنا قد أوحي إلينا ﴾ من جهة ربنا ﴿ أن العذاب ﴾ الدنيوي والأخروي ﴿ على من كذب ﴾ بآياته عز وجل ﴿ وتولى ﴾ أي أعرض عـن قبولها-٢ وهذا وعيد الله لمن كذب بقلبه وأعرض بفعله، قال عز من قائل :{ أنذرتكم نارا تلظى. لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى )٣ ؛ قال ابن عباس : هذه أرجى آية للموحدين لأنهم لم يكذبوا ولم يتولوا ؛ مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذه الآية ترد على من قال : إنه لا يخاف ؛ والخوف من الأعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم ؛.... ومنه حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحد، ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم، مرة في الحبشة، ومرة إلى المدينة ؛ تخوفا على أنفسهم من مشركي مكة، وهربا بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم. ا هـ

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قال موسى وهارون : يا إلهنا ومولانا : إن هذا الجبار قد يبادرنا بالبطش، ولا يتمهل حتى نبلغ ما أرسلنا به إليه ؛ ـ لا منافاة بين الخوف من شيء والصبر عليه وعدم الضجر منه إذا وقع ؛ ألا ترى كثيرا من الكاملين يخافون من البلاء ويسألون الله الحفظ منه وإذا نزل بهم استقبلوه بصدر واسع وصبروا عليه ولم يضجروا منه ؛..... فماذا قال لهما ربهما عند تضرعهما إليه سبحانه ؟ فقيل : قال أي لهما :﴿ لا تخافا ﴾ مما ذكرتما ؛.... ﴿ إنني معكما ﴾ تعليل لموجب النهي ومزيد تسلية لهما، والمراد بمعيته سبحانه : كمال الحفظ والنصرة... فأفعل في كل حال ما يليق بها من دفع شر وجلب خير...
﴿ فأتياه ﴾ أمرا بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعدما أمر بالذهاب إليه... ﴿ فقولا إنا رسولا ربك ﴾ أمرا بذلك تحقيقا للحق من أول الأمر ليعرف الطاغية شأنهما... ﴿ فأرسل معنا بني إسرائيل... الفاء في { فأرسل ﴾ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن كونهما عليهما السلام رسولي ربه تعالى مما يوجب إرسالهم معهما، والمراد بالإرسال إطلاقهم من الأسر وإخراجهم من تحت يده.. ﴿ ولا تعذبهم ﴾ أي بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فإنهم كانوا تحت ملكة القبط يستخدمون، وكانوا يقتلون أبناءهم.. ويستخدمون نساءهم... ﴿ قد جئناك بآية من ربك ﴾ استئناف بياني... قد جئناك بما يثبت مدعانا... ﴿ والسلام على من اتبع الهدى ﴾ أي السلامة من العذاب في الدارين لمن اتبع ذلك... و﴿ على ﴾ بمعنى اللام، كما ورد عكسه في قوله تعالى :{.. لهم اللعنة )١ ؛ وحروف الجر كثيرا ما تتقارض..
﴿ إنا قد أوحي إلينا ﴾ من جهة ربنا ﴿ أن العذاب ﴾ الدنيوي والأخروي ﴿ على من كذب ﴾ بآياته عز وجل ﴿ وتولى ﴾ أي أعرض عـن قبولها-٢ وهذا وعيد الله لمن كذب بقلبه وأعرض بفعله، قال عز من قائل :{ أنذرتكم نارا تلظى. لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى )٣ ؛ قال ابن عباس : هذه أرجى آية للموحدين لأنهم لم يكذبوا ولم يتولوا ؛ مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذه الآية ترد على من قال : إنه لا يخاف ؛ والخوف من الأعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم ؛.... ومنه حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحد، ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم، مرة في الحبشة، ومرة إلى المدينة ؛ تخوفا على أنفسهم من مشركي مكة، وهربا بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم. ا هـ

﴿ فأرسل ﴾ فأطلق. ﴿ والسلام ﴾ والسلامة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قال موسى وهارون : يا إلهنا ومولانا : إن هذا الجبار قد يبادرنا بالبطش، ولا يتمهل حتى نبلغ ما أرسلنا به إليه ؛ ـ لا منافاة بين الخوف من شيء والصبر عليه وعدم الضجر منه إذا وقع ؛ ألا ترى كثيرا من الكاملين يخافون من البلاء ويسألون الله الحفظ منه وإذا نزل بهم استقبلوه بصدر واسع وصبروا عليه ولم يضجروا منه ؛..... فماذا قال لهما ربهما عند تضرعهما إليه سبحانه ؟ فقيل : قال أي لهما :﴿ لا تخافا ﴾ مما ذكرتما ؛.... ﴿ إنني معكما ﴾ تعليل لموجب النهي ومزيد تسلية لهما، والمراد بمعيته سبحانه : كمال الحفظ والنصرة... فأفعل في كل حال ما يليق بها من دفع شر وجلب خير...
﴿ فأتياه ﴾ أمرا بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعدما أمر بالذهاب إليه... ﴿ فقولا إنا رسولا ربك ﴾ أمرا بذلك تحقيقا للحق من أول الأمر ليعرف الطاغية شأنهما... ﴿ فأرسل معنا بني إسرائيل... الفاء في { فأرسل ﴾ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن كونهما عليهما السلام رسولي ربه تعالى مما يوجب إرسالهم معهما، والمراد بالإرسال إطلاقهم من الأسر وإخراجهم من تحت يده.. ﴿ ولا تعذبهم ﴾ أي بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فإنهم كانوا تحت ملكة القبط يستخدمون، وكانوا يقتلون أبناءهم.. ويستخدمون نساءهم... ﴿ قد جئناك بآية من ربك ﴾ استئناف بياني... قد جئناك بما يثبت مدعانا... ﴿ والسلام على من اتبع الهدى ﴾ أي السلامة من العذاب في الدارين لمن اتبع ذلك... و﴿ على ﴾ بمعنى اللام، كما ورد عكسه في قوله تعالى :{.. لهم اللعنة )١ ؛ وحروف الجر كثيرا ما تتقارض..
﴿ إنا قد أوحي إلينا ﴾ من جهة ربنا ﴿ أن العذاب ﴾ الدنيوي والأخروي ﴿ على من كذب ﴾ بآياته عز وجل ﴿ وتولى ﴾ أي أعرض عـن قبولها-٢ وهذا وعيد الله لمن كذب بقلبه وأعرض بفعله، قال عز من قائل :{ أنذرتكم نارا تلظى. لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى )٣ ؛ قال ابن عباس : هذه أرجى آية للموحدين لأنهم لم يكذبوا ولم يتولوا ؛ مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذه الآية ترد على من قال : إنه لا يخاف ؛ والخوف من الأعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم ؛.... ومنه حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحد، ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم، مرة في الحبشة، ومرة إلى المدينة ؛ تخوفا على أنفسهم من مشركي مكة، وهربا بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم. ا هـ

﴿ تولى ﴾ أعرض.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قال موسى وهارون : يا إلهنا ومولانا : إن هذا الجبار قد يبادرنا بالبطش، ولا يتمهل حتى نبلغ ما أرسلنا به إليه ؛ ـ لا منافاة بين الخوف من شيء والصبر عليه وعدم الضجر منه إذا وقع ؛ ألا ترى كثيرا من الكاملين يخافون من البلاء ويسألون الله الحفظ منه وإذا نزل بهم استقبلوه بصدر واسع وصبروا عليه ولم يضجروا منه ؛..... فماذا قال لهما ربهما عند تضرعهما إليه سبحانه ؟ فقيل : قال أي لهما :﴿ لا تخافا ﴾ مما ذكرتما ؛.... ﴿ إنني معكما ﴾ تعليل لموجب النهي ومزيد تسلية لهما، والمراد بمعيته سبحانه : كمال الحفظ والنصرة... فأفعل في كل حال ما يليق بها من دفع شر وجلب خير...
﴿ فأتياه ﴾ أمرا بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعدما أمر بالذهاب إليه... ﴿ فقولا إنا رسولا ربك ﴾ أمرا بذلك تحقيقا للحق من أول الأمر ليعرف الطاغية شأنهما... ﴿ فأرسل معنا بني إسرائيل... الفاء في { فأرسل ﴾ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن كونهما عليهما السلام رسولي ربه تعالى مما يوجب إرسالهم معهما، والمراد بالإرسال إطلاقهم من الأسر وإخراجهم من تحت يده.. ﴿ ولا تعذبهم ﴾ أي بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فإنهم كانوا تحت ملكة القبط يستخدمون، وكانوا يقتلون أبناءهم.. ويستخدمون نساءهم... ﴿ قد جئناك بآية من ربك ﴾ استئناف بياني... قد جئناك بما يثبت مدعانا... ﴿ والسلام على من اتبع الهدى ﴾ أي السلامة من العذاب في الدارين لمن اتبع ذلك... و﴿ على ﴾ بمعنى اللام، كما ورد عكسه في قوله تعالى :{.. لهم اللعنة )١ ؛ وحروف الجر كثيرا ما تتقارض..
﴿ إنا قد أوحي إلينا ﴾ من جهة ربنا ﴿ أن العذاب ﴾ الدنيوي والأخروي ﴿ على من كذب ﴾ بآياته عز وجل ﴿ وتولى ﴾ أي أعرض عـن قبولها-٢ وهذا وعيد الله لمن كذب بقلبه وأعرض بفعله، قال عز من قائل :{ أنذرتكم نارا تلظى. لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى )٣ ؛ قال ابن عباس : هذه أرجى آية للموحدين لأنهم لم يكذبوا ولم يتولوا ؛ مما يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : وهذه الآية ترد على من قال : إنه لا يخاف ؛ والخوف من الأعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم ؛.... ومنه حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحد، ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم، مرة في الحبشة، ومرة إلى المدينة ؛ تخوفا على أنفسهم من مشركي مكة، وهربا بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم. ا هـ

﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ( ٤٩ ) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ( ٥٠ ) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ( ٥١ ) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ( ٥٢ ) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ( ٥٣ ) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ( ٥٤ ) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ( ٥٥ ) ﴾
-هذا الكلام متروك ترك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر عليه عنه وهو قوله : فأتياه، فقالا له ما أمرهما به ربهما، وأبلغاه رسالته، فقال فرعون لهما :﴿ فمن ربكما يا موسى ﴾ ١وربما يكون قصد بسؤاله الإنكار، فهو يجحد وجود الصانع جل وعلا، ويقول ما حكاه عنه القرآن :{ .. ما علمت لكم من إله غيري.. )٢، وفي آية ثانية :{ قال فرعون وما رب العالمين )٣.
يقول بعض المفسرين : سأل ههنا ب﴿ من ﴾ طالبا للكيفية، وفي { الشعراء ) ب{ ما ) طالبا للماهية، فكأن موسى لما أقام الدلالة على الوجود ترك المناظرة والمنازعة معه في هذا المقام لظهوره، وشرع في مقام أصعب لأن العلم بماهية الله تعالى غير حاصل للبشر، كما قال البعض : خاطب الاثنين ووجه النداء إلى موسى لأنه الأصل.. ويجوز أنه خص موسى عليه السلام بالنداء لما عرف من فصاحة هارون والرتة التي كانت في لسان موسى فأراد أن يعجز عن الجواب.
قال أهل الأدب : إن فرعون كان شديد البطش جبارا، ومع ذلك لم يبدأ بالسفاهة والشغب بل شرع في المناظرة وطلب الحجة، فدل على أن الشغب من غير حجة شيء ما كان يرتضيه فرعون مع كمال جهله وكفره، فكيف يليق ذلك بمن يدعي الإسلام والعلم ؟ ! وفي اشتغال موسى بإقامة الدلالة على المطلوب دليل على فساد التقليد... وفيه جواز حكاية كلام المبطل مقرونا بالجواب لئلا يبقى الشك، وفيه أن المحق يجب عليه استماع شبهة المبطل حتى يمكنه الاشتغال بحلها. اه.
١ ما بين العارضتين من جامع البيان..
٢ سورة القصص. من الآية٣٨..
٣ سورة الشعراء. الآية ٢٣..
﴿ قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ﴾
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أعطى كل شيء خلقه ﴾ خص كل مخلوق بهيئة وصورة. ﴿ هدى ﴾ هداه لما يصلحه.
أراد موسى أن يدله على الله تعالى بصفاته، فبين أن المولى المطاع هو البارئ المصور، الحكيم المدبر، الذي خص كل مخلوق بهيئة وصورة، وهداه لما يصلحه ؛ أو يكون المعنى : أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به.
﴿ قال فما بال القرون الأولى ﴾ ؟ ! كأن فرعون شرع يحتج بالأمم الماضية، ما حالهم إذ لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره ؟ ! ؛ والألوسي ـ رحمه الله تعالى ـ ذهب إلى معنى آخر فقال : كأن الفاء لتفريع ما بعدها على دعوى الرسالة، أي : إذا كنت رسولا فأخبرني ما حال القرون الماضية والأمم الخالية، وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصلة ؟ !. اهـ

﴿ بال ﴾ حال وشأن.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أعطى كل شيء خلقه ﴾ خص كل مخلوق بهيئة وصورة. ﴿ هدى ﴾ هداه لما يصلحه.
أراد موسى أن يدله على الله تعالى بصفاته، فبين أن المولى المطاع هو البارئ المصور، الحكيم المدبر، الذي خص كل مخلوق بهيئة وصورة، وهداه لما يصلحه ؛ أو يكون المعنى : أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به.
﴿ قال فما بال القرون الأولى ﴾ ؟ ! كأن فرعون شرع يحتج بالأمم الماضية، ما حالهم إذ لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره ؟ ! ؛ والألوسي ـ رحمه الله تعالى ـ ذهب إلى معنى آخر فقال : كأن الفاء لتفريع ما بعدها على دعوى الرسالة، أي : إذا كنت رسولا فأخبرني ما حال القرون الماضية والأمم الخالية، وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصلة ؟ !. اهـ

﴿ لا يضل ربي ولا ينسى ﴾ لا يغيب عنه شيء ولا يغيب عن شيء.
﴿ قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ﴾
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ.. يجوز أن يكون الكلام قد انجر ضمنا أو صريحا إلى إحاطة الله سبحانه بكل شيء، فنازعه الكافر قائلا : ما بال سوالف القرون في تمادي كثرتهم وتباعد أطرافهم، كيف أحاط بهم وبأجزائهم وجواهرهم ؟ فأجاب بأن كل كائن محيط به علمه ولا يجوز عليه الخطأ والنسيان... وقوله :﴿ علمها عند ربي ﴾ مع قوله :﴿ في كتاب ﴾ لا يتنافيان، بل المراد أنه تعالى عالم بجميع المغيبات مطلع على الكليات والجزئيات من أحوال الموجودات والمعدومات، ومع ذلك فإن جميع الأحوال ثابتة في اللوح المحفوظ.. ﴿ لا يضل ربي ولا ينسى ﴾ قال مجاهد : هما واحد... والأكثرون على الفرق، فقال القفال : الأول إشارة إلى كونه عالما بالكل، والثاني إشارة إلى بقاء ذلك العلم، أي : لا يضل عن معرفة الأشياء، وما علم من ذلك لا ينساه، ولا يتغير علمه، يقال : ضللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهتد له ـ١. ﴿ الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾ ؛ تابع موسى عليه السلام سوق البرهان على جلال ربنا الوهاب المنان، وذكر جانبا من سلطان الاقتدار، وهي مع كونها حججا فإنها نعم من الكريم ذي الفضل العظيم ؛ الذي مهد لكم الأرض وأقرها لتسكنوا أو تعيشوا عليها، وخط لكم فيها طرقا، وحصلها وذللها ونهجها لكم بين الجبال والأودية تسلكونها من مكان إلى مكان لتتقلبوا في البلاد، وتسعوا على الأرزاق، [ وللدلالة على أن الانتفاع مخصوص بالإنسان كرر ﴿ لكم ﴾، وذكره أولا لبيان أن المقصود بالذات من ذلك الإنسان ]٢.
﴿ وأنزل من السماء ماء ﴾ من السحاب الذي هو معلق جهة السماء أنزل ربنا مطرا، ﴿ فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾ فبسبب هذا المطر الذي باركناه نخرج أصنافا من النبات مختلفات النفع والطبع، والطعم واللون، والرائحة والشكل، منها عشب، ومنها زرع، ومنها شجر، متفاوت الأثر والثمر ؛ ﴿ كلوا وارعوا أنعامكم ﴾ ـ ههنا إضمار، والتقدير : قلنا ؛ أو : قائلين... وذلك أن بعضها يصلح للناس وبعضها يصلح للبهائم ؛ وإباحة الأكل تتضمن سائر وجوه الانتفاع [ من شرب ولبس وبيع وتملك ] ـ٣ ؛ ﴿ إن في ذلك لآيات لأولي النهى ﴾، [ إن فيما وصفت.. من قدرة ربكم وعظيم سلطانه.. لدلالات وعلامات تدل على وحدانية ربكم وأن لا إله لكم غيره ؛ ﴿ أولي النهى ﴾ أهل الحجى والعقول... لأنهم أهل التفكر والاعتبار، وأهل التدبر والاتعاظ ]٤.
﴿ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴾ من الأرض خلقناكم إذ بدأنا خلق أبيكم آدم من ترابها وطينها، وفي الأرض نعيدكم وتقبرون تحت طياتها وثراها وأديمها، ومنها نخرجكم مرة أخرى ﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا )٥ ؛ يوم نبعثر ما في القبور فإذا هم قيام ينظرون، يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر، { يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له.. ﴾٦ ؛ {.. وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا )٧

﴿ مهدا ﴾ تستقرون عليها كما يستقر الطفل على مهاده وفراشه. ﴿ سبلا ﴾ طرقا. ﴿ أزواجا ﴾ ضروبا وأشباها وأصنافا. ﴿ شتى ﴾ متفرقة
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ.. يجوز أن يكون الكلام قد انجر ضمنا أو صريحا إلى إحاطة الله سبحانه بكل شيء، فنازعه الكافر قائلا : ما بال سوالف القرون في تمادي كثرتهم وتباعد أطرافهم، كيف أحاط بهم وبأجزائهم وجواهرهم ؟ فأجاب بأن كل كائن محيط به علمه ولا يجوز عليه الخطأ والنسيان... وقوله :﴿ علمها عند ربي ﴾ مع قوله :﴿ في كتاب ﴾ لا يتنافيان، بل المراد أنه تعالى عالم بجميع المغيبات مطلع على الكليات والجزئيات من أحوال الموجودات والمعدومات، ومع ذلك فإن جميع الأحوال ثابتة في اللوح المحفوظ.. ﴿ لا يضل ربي ولا ينسى ﴾ قال مجاهد : هما واحد... والأكثرون على الفرق، فقال القفال : الأول إشارة إلى كونه عالما بالكل، والثاني إشارة إلى بقاء ذلك العلم، أي : لا يضل عن معرفة الأشياء، وما علم من ذلك لا ينساه، ولا يتغير علمه، يقال : ضللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهتد له ـ١. ﴿ الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾ ؛ تابع موسى عليه السلام سوق البرهان على جلال ربنا الوهاب المنان، وذكر جانبا من سلطان الاقتدار، وهي مع كونها حججا فإنها نعم من الكريم ذي الفضل العظيم ؛ الذي مهد لكم الأرض وأقرها لتسكنوا أو تعيشوا عليها، وخط لكم فيها طرقا، وحصلها وذللها ونهجها لكم بين الجبال والأودية تسلكونها من مكان إلى مكان لتتقلبوا في البلاد، وتسعوا على الأرزاق، [ وللدلالة على أن الانتفاع مخصوص بالإنسان كرر ﴿ لكم ﴾، وذكره أولا لبيان أن المقصود بالذات من ذلك الإنسان ]٢.
﴿ وأنزل من السماء ماء ﴾ من السحاب الذي هو معلق جهة السماء أنزل ربنا مطرا، ﴿ فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾ فبسبب هذا المطر الذي باركناه نخرج أصنافا من النبات مختلفات النفع والطبع، والطعم واللون، والرائحة والشكل، منها عشب، ومنها زرع، ومنها شجر، متفاوت الأثر والثمر ؛ ﴿ كلوا وارعوا أنعامكم ﴾ ـ ههنا إضمار، والتقدير : قلنا ؛ أو : قائلين... وذلك أن بعضها يصلح للناس وبعضها يصلح للبهائم ؛ وإباحة الأكل تتضمن سائر وجوه الانتفاع [ من شرب ولبس وبيع وتملك ] ـ٣ ؛ ﴿ إن في ذلك لآيات لأولي النهى ﴾، [ إن فيما وصفت.. من قدرة ربكم وعظيم سلطانه.. لدلالات وعلامات تدل على وحدانية ربكم وأن لا إله لكم غيره ؛ ﴿ أولي النهى ﴾ أهل الحجى والعقول... لأنهم أهل التفكر والاعتبار، وأهل التدبر والاتعاظ ]٤.
﴿ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴾ من الأرض خلقناكم إذ بدأنا خلق أبيكم آدم من ترابها وطينها، وفي الأرض نعيدكم وتقبرون تحت طياتها وثراها وأديمها، ومنها نخرجكم مرة أخرى ﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا )٥ ؛ يوم نبعثر ما في القبور فإذا هم قيام ينظرون، يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر، { يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له.. ﴾٦ ؛ {.. وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا )٧

﴿ النهى ﴾ العقول.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ.. يجوز أن يكون الكلام قد انجر ضمنا أو صريحا إلى إحاطة الله سبحانه بكل شيء، فنازعه الكافر قائلا : ما بال سوالف القرون في تمادي كثرتهم وتباعد أطرافهم، كيف أحاط بهم وبأجزائهم وجواهرهم ؟ فأجاب بأن كل كائن محيط به علمه ولا يجوز عليه الخطأ والنسيان... وقوله :﴿ علمها عند ربي ﴾ مع قوله :﴿ في كتاب ﴾ لا يتنافيان، بل المراد أنه تعالى عالم بجميع المغيبات مطلع على الكليات والجزئيات من أحوال الموجودات والمعدومات، ومع ذلك فإن جميع الأحوال ثابتة في اللوح المحفوظ.. ﴿ لا يضل ربي ولا ينسى ﴾ قال مجاهد : هما واحد... والأكثرون على الفرق، فقال القفال : الأول إشارة إلى كونه عالما بالكل، والثاني إشارة إلى بقاء ذلك العلم، أي : لا يضل عن معرفة الأشياء، وما علم من ذلك لا ينساه، ولا يتغير علمه، يقال : ضللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهتد له ـ١. ﴿ الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾ ؛ تابع موسى عليه السلام سوق البرهان على جلال ربنا الوهاب المنان، وذكر جانبا من سلطان الاقتدار، وهي مع كونها حججا فإنها نعم من الكريم ذي الفضل العظيم ؛ الذي مهد لكم الأرض وأقرها لتسكنوا أو تعيشوا عليها، وخط لكم فيها طرقا، وحصلها وذللها ونهجها لكم بين الجبال والأودية تسلكونها من مكان إلى مكان لتتقلبوا في البلاد، وتسعوا على الأرزاق، [ وللدلالة على أن الانتفاع مخصوص بالإنسان كرر ﴿ لكم ﴾، وذكره أولا لبيان أن المقصود بالذات من ذلك الإنسان ]٢.
﴿ وأنزل من السماء ماء ﴾ من السحاب الذي هو معلق جهة السماء أنزل ربنا مطرا، ﴿ فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾ فبسبب هذا المطر الذي باركناه نخرج أصنافا من النبات مختلفات النفع والطبع، والطعم واللون، والرائحة والشكل، منها عشب، ومنها زرع، ومنها شجر، متفاوت الأثر والثمر ؛ ﴿ كلوا وارعوا أنعامكم ﴾ ـ ههنا إضمار، والتقدير : قلنا ؛ أو : قائلين... وذلك أن بعضها يصلح للناس وبعضها يصلح للبهائم ؛ وإباحة الأكل تتضمن سائر وجوه الانتفاع [ من شرب ولبس وبيع وتملك ] ـ٣ ؛ ﴿ إن في ذلك لآيات لأولي النهى ﴾، [ إن فيما وصفت.. من قدرة ربكم وعظيم سلطانه.. لدلالات وعلامات تدل على وحدانية ربكم وأن لا إله لكم غيره ؛ ﴿ أولي النهى ﴾ أهل الحجى والعقول... لأنهم أهل التفكر والاعتبار، وأهل التدبر والاتعاظ ]٤.
﴿ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴾ من الأرض خلقناكم إذ بدأنا خلق أبيكم آدم من ترابها وطينها، وفي الأرض نعيدكم وتقبرون تحت طياتها وثراها وأديمها، ومنها نخرجكم مرة أخرى ﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا )٥ ؛ يوم نبعثر ما في القبور فإذا هم قيام ينظرون، يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر، { يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له.. ﴾٦ ؛ {.. وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا )٧

﴿ منها خلقناكم ﴾ من تراب الأرض خلقت أباكم آدم عليه السلام. ﴿ وفيها نعيدكم ﴾ بعد الموت تقبرون في الأرض. ﴿ ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴾ يوم البعث يوم تخرج الأرض أثقالها نخرجكم مرة أخرى للحساب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ.. يجوز أن يكون الكلام قد انجر ضمنا أو صريحا إلى إحاطة الله سبحانه بكل شيء، فنازعه الكافر قائلا : ما بال سوالف القرون في تمادي كثرتهم وتباعد أطرافهم، كيف أحاط بهم وبأجزائهم وجواهرهم ؟ فأجاب بأن كل كائن محيط به علمه ولا يجوز عليه الخطأ والنسيان... وقوله :﴿ علمها عند ربي ﴾ مع قوله :﴿ في كتاب ﴾ لا يتنافيان، بل المراد أنه تعالى عالم بجميع المغيبات مطلع على الكليات والجزئيات من أحوال الموجودات والمعدومات، ومع ذلك فإن جميع الأحوال ثابتة في اللوح المحفوظ.. ﴿ لا يضل ربي ولا ينسى ﴾ قال مجاهد : هما واحد... والأكثرون على الفرق، فقال القفال : الأول إشارة إلى كونه عالما بالكل، والثاني إشارة إلى بقاء ذلك العلم، أي : لا يضل عن معرفة الأشياء، وما علم من ذلك لا ينساه، ولا يتغير علمه، يقال : ضللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهتد له ـ١. ﴿ الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾ ؛ تابع موسى عليه السلام سوق البرهان على جلال ربنا الوهاب المنان، وذكر جانبا من سلطان الاقتدار، وهي مع كونها حججا فإنها نعم من الكريم ذي الفضل العظيم ؛ الذي مهد لكم الأرض وأقرها لتسكنوا أو تعيشوا عليها، وخط لكم فيها طرقا، وحصلها وذللها ونهجها لكم بين الجبال والأودية تسلكونها من مكان إلى مكان لتتقلبوا في البلاد، وتسعوا على الأرزاق، [ وللدلالة على أن الانتفاع مخصوص بالإنسان كرر ﴿ لكم ﴾، وذكره أولا لبيان أن المقصود بالذات من ذلك الإنسان ]٢.
﴿ وأنزل من السماء ماء ﴾ من السحاب الذي هو معلق جهة السماء أنزل ربنا مطرا، ﴿ فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾ فبسبب هذا المطر الذي باركناه نخرج أصنافا من النبات مختلفات النفع والطبع، والطعم واللون، والرائحة والشكل، منها عشب، ومنها زرع، ومنها شجر، متفاوت الأثر والثمر ؛ ﴿ كلوا وارعوا أنعامكم ﴾ ـ ههنا إضمار، والتقدير : قلنا ؛ أو : قائلين... وذلك أن بعضها يصلح للناس وبعضها يصلح للبهائم ؛ وإباحة الأكل تتضمن سائر وجوه الانتفاع [ من شرب ولبس وبيع وتملك ] ـ٣ ؛ ﴿ إن في ذلك لآيات لأولي النهى ﴾، [ إن فيما وصفت.. من قدرة ربكم وعظيم سلطانه.. لدلالات وعلامات تدل على وحدانية ربكم وأن لا إله لكم غيره ؛ ﴿ أولي النهى ﴾ أهل الحجى والعقول... لأنهم أهل التفكر والاعتبار، وأهل التدبر والاتعاظ ]٤.
﴿ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴾ من الأرض خلقناكم إذ بدأنا خلق أبيكم آدم من ترابها وطينها، وفي الأرض نعيدكم وتقبرون تحت طياتها وثراها وأديمها، ومنها نخرجكم مرة أخرى ﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا )٥ ؛ يوم نبعثر ما في القبور فإذا هم قيام ينظرون، يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر، { يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له.. ﴾٦ ؛ {.. وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا )٧

﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى { ٥٦ ) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى { ٥٧ ) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى { ٥٨ ) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى { ٥٩ ) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى { ٦٠ ) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى { ٦١ ) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى { ٦٢ ) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى { ٦٣ ) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى { ٦٤ ) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى { ٦٥ ) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى { ٦٦ ) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى { ٦٧ ) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى { ٦٨ ) ﴾
﴿ أبى ﴾ امتنع.
اللام للقسم، وقد للتحقيق في ﴿ ولقد ﴾، فكأن المعنى : وقسما قد أرينا فرعون من حججنا وبراهين اقتدارنا ما يكفي للبرهان، ويثبت به الدليل والسلطان، فلم يصدق بمدلولها، ولم يذعن بل عامد في الإقرار بها ؛ سؤال : الجمع المضاف يفيد العموم ولاسيما إذا أكد بالكل [ يقصد قول الحق سبحانه :﴿ آياتنا كلها ﴾ ] لكنه تعالى ما أراه جميع الآيات، لأن من جملتها ما أظهرها على الأنبياء الأقدمين، ولم يتفق لموسى مثلها ؟ ؛ الجواب : هذا التعريف الإضافي محذو به حذو التعريف العهدي لو قيل : الآيات كلها هي التي ذكرت في قوله :﴿ ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات.. )١ ؛ ولو سلم العموم فالمراد أنه أراه الآيات الدالة على التوحيد في قوله :{ ربنا أعطى كل شيء خلقه.. ﴾ وعلى النبوة بإظهار المعجزات القاهرة، وعلى المعاد لأن تسليم القدرة على الإنشاء يستلزم تسليم القدرة على الإعادة بالطريق الأولى ؛ أو أراد أنه أراه آياته المختصة به وعدد عليه سائر آيات الأنبياء وإخبار النبي الصادق جار مجرى العيان، أو إراءة بعض الآيات كإراءة الكل، كما أن تكذيب بعض الآيات يستلزم تكذيب الكل ٢.
١ سورة الإسراء. من الآية١٠١..
٢ ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن؛ بتصرف..
﴿ قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ﴾
وكان من تكذيب فرعون لما جاءه من برهان بعث الله به موسى وهارون إليه وإلى قومه أن سمى ذلك سحرا، واستعدى ملأه وقومه على موسى إذ زعم أن موسى لم يجيء لتخليص الإسرائيليين، وإنما جاء لإخراج القبط من ديارهم وأموالهم ؛ وفي آيات كريمات أخر بين الكتاب المجيد أن فرعون اللعين بدأ باستعداء رؤساء القوم وكبرائهم :{ قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون )١ ؛ [ حتى لا يتوجه إلى اتباعه أحد، ويبالغوا في المدافعة والمخاصمة : إذ الإخراج من الوطن أخو القتل، كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى :{ ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم.. )٢ ]٣.
١ سورة الشعراء. الآيتان٣٤، ٣٥..
٢ سورة النساء. من الآية٦٦..
٣ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
﴿ فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى ﴾
﴿ سوى ﴾ مستويا يتبين للناس ما فيه، أو نصفا بيننا وبينك. ﴿ يوم الزينة ﴾ يوم عيد لهم يتزينون فيه.
ألمح فرعون في مقاله إلى أن ما جاء به موسى لا يعدو أن يكون تخييلا يمكن مقابلته بمثله، وكأنما يريد أن يوثق ذلك بما هو كالقسم، وأنه يملك آلات المغالبة طال الأمد أم قصر، فليختر موسى إذن مكان وزمان لقاء المعارضة، واشترط عدم الإخلاف، ونفى أن يكون من جانبه هو رجعة عن هذا الموعد ؛ ﴿ مكانا سوى ﴾ قال ابن زيد : مكانا مستويا من الأرض لا وعر فيه ولا جبل، ولا أكمة ولا مطمأن بحيث يستر الحاضرين فيه بعضهم عن بعض مكانا يتبين الواقفون فيه، ولا يكون فيه ما يستر أحدا منهم، ليرى كل ما يصدر منك ومن السحرة.
﴿ قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ﴾
﴿ يحشر الناس ﴾ يساقون من كل ناحية.
فحدد موسى عليه السلام زمان لقاء المغالبة واختار أن يكون يوم عيدهم، ليحتشد له جملة قومهم.
﴿ فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى ﴾
﴿ كيده ﴾ مكره، وما يكاد به، أو : ذوي كيده.
انصرف الطاغية إلى مقام تهيئة الأسباب المعارضة فحشد أسباب كيده، وأدوات تخييله وحيله، وأصحاب الكيد من مهرة سحرته، ثم أتى الموعد ؛ وكانت مشورة الملأ من قوم فرعون أن { .. أرسل في المدائن حاشرين. يأتوك بكل ساحر عليم )١ ؛ هكذا حكى الكتاب الحق تواصى هؤلاء الخاطئين، كما جاء في سورة كريمة أخرى :{ قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين. يأتوك بكل سحار عليم. فجمع السحرة لميقات يوم معلوم. وقيل للناس هل أنتم مجتمعون. لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين. فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين. قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين )٢
١ سورة الأعراف. من الآية١١١؛ والآية ١١٢..
٢ سورة الشعراء. الآيات: من ٣٦ إلى ٤٢..
﴿ قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى ﴾
﴿ ويلكم ﴾ دعاء عليهم بالويل، أو نداء لهم. ﴿ لا تفتروا ﴾ لا تدعوا ادعاء باطلا. ﴿ فيسحتكم ﴾ يستأصلكم بالإهلاك.
بين الله تعالى أن موسى قد قبل كل شيء : الوعيد والتحذير على عادة الصالحين من أهل النصح والإشفاق، ولاسيما الأنبياء المبعوثين رحمة للأمم ؛ ﴿ ويلكم ﴾ نصب على المصدر الذي لا فعل له، أو على النداء ؛ ﴿ لا تفتروا على الله كذبا ﴾ بأن تدعوا آياته ومعجزاته سحرا ؛ ﴿ فيسحتكم ﴾ السحت.... معناه الاستئصال ؛ حذرهم أمرين : أحدهما عذاب الدارين، والتنوين للتعظيم ؛ والآخر الخيبة والحرمان عن المقصود فإن التمويه لا بقاء له ١.
١ ما بين العارضتين مما أورد النيسابوري.
﴿ فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى ﴾
المتنازعون المتناجون هم : إما فرعون والملأ من قومه، وإما جماعة السحرة ؛ عن ابن عباس : أن نجواهم : إن غلبنا موسى اتبعناه ؛ وعن قتادة : إن كان ساحرا فسنغلبه، وإن كان من السماء فله أمر ؛ [ السحرة حين سمعوا كلامه عليه السلام كأن ذلك غاظهم فتنازعوا ﴿ أمرهم ﴾ الذي أريد منهم من مغالبته عليه السلام وتشاوروا وتناظروا ﴿ بينهم ﴾ في كيفية المعارضة ]١ ؛ وأخفوا نزاعهم، وأسروا جدالهم.
١ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
﴿ قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ﴾
﴿ بطريقتكم المثلى ﴾ بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب ؛ أو بالقائمين على هذا المذهب.
قيل : هذا من قول فرعون للسحرة ؛ يستفزهم لمغالبة ما جاء به موسى وهارون، ويهون من شأن الآيات التي جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ويستميل ذوي الكيد بتحريضهم قبل أن تؤخذ بلادهم، وتسلب أموالهم، ويسقط رؤساؤهم وكبراؤهم، القائمون على طريقتهم الفضلى ؛ وإن الفضل منهم لبعيد ؛ وقيل : هذا من تتمة قول السحرة.
﴿ فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى ﴾
﴿ أجمعوا ﴾ أحكموا.
﴿ وقد أفلح اليوم من استعلى ﴾ ربح اليوم من طلب العلو وأدركه، وغلب.
تواصى المأجورون فيما بينهم أن يحكموا كيدهم وأن يعزموا عليه ؛ واحضروا وائتوا صفوفا، فإن الرابح اليوم من قهر خصمه، [ ﴿ فأجمعوا كيدكم ﴾...... ارموا عن قوس واحدة ؛... ﴿ ثم ائتوا صفا ﴾.. مصطفين، أمروا بذلك لأنه أهيب في صدور الرائين، وأدخل في استجلاب الرهبة من المشاهدين.. ]١ ؛ وقال الراغب : الاستعلاء قد يكون لطلب العلو المذموم، وقد يكون لغيره... اه.
١ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
﴿ قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ﴾ عرضوا على موسى إما أن يكون إلقاؤه أولا، أو يكون إلقاؤهم أولا ؛ اختر أحد الأمرين ؛ ﴿ قال بل ألقوا ﴾ قال موسى : بل ألقوا أنتم أولا ؛ ﴿ فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون )١ ؛ { .. فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم )٢ ؛ { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. فأوجس في نفسه خيفة موسى ﴾ أي : فألقوا فإذا الحبال والعصي التي اصطحبوها تخدع الناس حتى ظنوا أنها استحالت إلى حيات وثعابين ؛ وخيل إلى موسى عليه السلام أن بها حركة وقيل : أراد أنه شاهد شيئا لولا علمه بأنه لا حقيقة لذلك الشيء لظن فيها أنها تسعى، فيكون تمثيلا... وذلك الخوف إما جبلة بشرية حين ذهل عن الدليل، وهو قول الحسن، وإما لأنه خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه، قاله مقاتل ؛ أو خاف أن يتأخر نزول الوحي عليه في ذلك الوقت، أو خاف أن يتفرق بعض القوم قبل أن يشاهدوا غلبته.. فأزال الله تعالى خوفه ٣.
﴿ قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ﴾ جاءته البشرى من ربنا، فلا مجال للخوف، وختمت الآية بأنواع كثيرة من التوكيد ﴿ إن ﴾ وتوسيط الضمير المنفصل ﴿ أنت ﴾، وكون الخبر معرفا، ولفظ العلو ومعناه الغلبة، وصورة التفضيل ولا فضل لهم.
١ - سورة الشعراء الآية ٤٤..
٢ سورة الأعراف. من الآية١١٦..
٣ ما بين العارضتين مما نقل النيسابوري..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ﴾ عرضوا على موسى إما أن يكون إلقاؤه أولا، أو يكون إلقاؤهم أولا ؛ اختر أحد الأمرين ؛ ﴿ قال بل ألقوا ﴾ قال موسى : بل ألقوا أنتم أولا ؛ ﴿ فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون )١ ؛ {.. فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم )٢ ؛ { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. فأوجس في نفسه خيفة موسى ﴾ أي : فألقوا فإذا الحبال والعصي التي اصطحبوها تخدع الناس حتى ظنوا أنها استحالت إلى حيات وثعابين ؛ وخيل إلى موسى عليه السلام أن بها حركة وقيل : أراد أنه شاهد شيئا لولا علمه بأنه لا حقيقة لذلك الشيء لظن فيها أنها تسعى، فيكون تمثيلا... وذلك الخوف إما جبلة بشرية حين ذهل عن الدليل، وهو قول الحسن، وإما لأنه خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه، قاله مقاتل ؛ أو خاف أن يتأخر نزول الوحي عليه في ذلك الوقت، أو خاف أن يتفرق بعض القوم قبل أن يشاهدوا غلبته.. فأزال الله تعالى خوفه ٣.
﴿ قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ﴾ جاءته البشرى من ربنا، فلا مجال للخوف، وختمت الآية بأنواع كثيرة من التوكيد ﴿ إن ﴾ وتوسيط الضمير المنفصل ﴿ أنت ﴾، وكون الخبر معرفا، ولفظ العلو ومعناه الغلبة، وصورة التفضيل ولا فضل لهم.
١ - سورة الشعراء الآية ٤٤..
٢ سورة الأعراف. من الآية١١٦..
٣ ما بين العارضتين مما نقل النيسابوري..

﴿ أوجس ﴾ أحس وأضمر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ﴾ عرضوا على موسى إما أن يكون إلقاؤه أولا، أو يكون إلقاؤهم أولا ؛ اختر أحد الأمرين ؛ ﴿ قال بل ألقوا ﴾ قال موسى : بل ألقوا أنتم أولا ؛ ﴿ فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون )١ ؛ {.. فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم )٢ ؛ { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. فأوجس في نفسه خيفة موسى ﴾ أي : فألقوا فإذا الحبال والعصي التي اصطحبوها تخدع الناس حتى ظنوا أنها استحالت إلى حيات وثعابين ؛ وخيل إلى موسى عليه السلام أن بها حركة وقيل : أراد أنه شاهد شيئا لولا علمه بأنه لا حقيقة لذلك الشيء لظن فيها أنها تسعى، فيكون تمثيلا... وذلك الخوف إما جبلة بشرية حين ذهل عن الدليل، وهو قول الحسن، وإما لأنه خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه، قاله مقاتل ؛ أو خاف أن يتأخر نزول الوحي عليه في ذلك الوقت، أو خاف أن يتفرق بعض القوم قبل أن يشاهدوا غلبته.. فأزال الله تعالى خوفه ٣.
﴿ قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ﴾ جاءته البشرى من ربنا، فلا مجال للخوف، وختمت الآية بأنواع كثيرة من التوكيد ﴿ إن ﴾ وتوسيط الضمير المنفصل ﴿ أنت ﴾، وكون الخبر معرفا، ولفظ العلو ومعناه الغلبة، وصورة التفضيل ولا فضل لهم.
١ - سورة الشعراء الآية ٤٤..
٢ سورة الأعراف. من الآية١١٦..
٣ ما بين العارضتين مما نقل النيسابوري..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ﴾ عرضوا على موسى إما أن يكون إلقاؤه أولا، أو يكون إلقاؤهم أولا ؛ اختر أحد الأمرين ؛ ﴿ قال بل ألقوا ﴾ قال موسى : بل ألقوا أنتم أولا ؛ ﴿ فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون )١ ؛ {.. فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم )٢ ؛ { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. فأوجس في نفسه خيفة موسى ﴾ أي : فألقوا فإذا الحبال والعصي التي اصطحبوها تخدع الناس حتى ظنوا أنها استحالت إلى حيات وثعابين ؛ وخيل إلى موسى عليه السلام أن بها حركة وقيل : أراد أنه شاهد شيئا لولا علمه بأنه لا حقيقة لذلك الشيء لظن فيها أنها تسعى، فيكون تمثيلا... وذلك الخوف إما جبلة بشرية حين ذهل عن الدليل، وهو قول الحسن، وإما لأنه خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه، قاله مقاتل ؛ أو خاف أن يتأخر نزول الوحي عليه في ذلك الوقت، أو خاف أن يتفرق بعض القوم قبل أن يشاهدوا غلبته.. فأزال الله تعالى خوفه ٣.
﴿ قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ﴾ جاءته البشرى من ربنا، فلا مجال للخوف، وختمت الآية بأنواع كثيرة من التوكيد ﴿ إن ﴾ وتوسيط الضمير المنفصل ﴿ أنت ﴾، وكون الخبر معرفا، ولفظ العلو ومعناه الغلبة، وصورة التفضيل ولا فضل لهم.
١ - سورة الشعراء الآية ٤٤..
٢ سورة الأعراف. من الآية١١٦..
٣ ما بين العارضتين مما نقل النيسابوري..

﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى { ٦٩ ) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى { ٧٠ ) قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى { ٧١ ) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا { ٧٢ ) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى { ٧٣ ) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا { ٧٤ ) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا { ٧٥ ) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى { ٧٦ ) ﴾
﴿ تلقف ﴾ تبتلع.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآيات السابقات أذهب الله جل ثناؤه الخوف عن موسى وبشره بأنه الظافر الرابح الغالب، وفي قوله سبحانه :﴿ وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا ﴾ بيان لما يفعل موسى ليكون سببا في إبطال السحر والساحر، وأمره أن يقذف العصا التي كانت بيمينه، فإنه قد رأى إذ نودي من شاطئ الوادي الأيمن ماذا صنع الله تعالى له بتلك العصا ؛ وذكره مولانا بأنها ستبتلع كل ما حشده المبطلون، فإن الباطل زاهق لا محالة، ﴿ ولا يفلح الساحر حيث أتى ﴾ جنس المضللين خائب خاسر، وحيثما سار فمكره بائر ؛ [ فحيث ظرف مكان أريد به التعميم ]١. ﴿ فألقي السحرة سجدا ﴾ فهووا وسقطوا مسارعين بالسجود خضوعا وانقيادا لله الحق ؛ وفي الكلام مقدر محذوف، التقدير : فزال الخوف عن موسى وألقى ما في يمينه فصارت حية وتلقفت حبالهم وعصيهم وعلموا أن ذلك معجز فسجدوا تائبين مؤمنين بالله مصدقين برسالة موسى وهارون ؛ ـ وفيه إيقاظ السامع لألطاف الله تعالى في نقله من شاء من عباده من غاية الكفر والعناد، إلى نهاية الإيمان والسداد ـ٢. ﴿ قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ﴾ قال فرعون للسحرة إذ خذلوه وهم أداة كيده، وآمنوا بمحضر جمع كبير من قومه، مما يحذر معه أن يزول ملكه وقد انكشف ضلال سعيه، وظهر الحق الذي بعث الله به رسوليه موسى وهارون، فتوجه للسحرة بالاستفهام الذي يحمل الإنكار والوعيد : أآمنتم لرب موسى، أو آمنتم بالله لأجل موسى وما شاهدتم منه ؟ ! إنه إمامكم في السحر ؛ ومعلوم أن الإيمان هو التصديق، وقد صدقوا أو أقروا ؛ وإذا ضمن الإيمان معنى الانقياد تعدى باللام ؛ وقيل إذا كان متعلقه الله عز وجل يوصل بالباء، وباللام إن كان متعلقه غيره تعالى ـ في الأكثر ـ نحو :﴿.. يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين.. )٣، ولقد جاء في سورة الأعراف :{ قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون )٤ ؛ { قبل أن آذن لكم ﴾ آمنتم على الرغم مني فتعديتم وتجاوزتم أمري ؛ ﴿ فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ﴾ يتوعدهم ليس فقط بالتقتيل وإنما بالصلب والتنكيل، يقطع أطرافهم من جهات متخالفة، اليد من جهة والرجل من الجهة التي تقابلها وتخالفها، وقسما لأصلبنكم وأشد رباطكم ووثاقكم إلى أصول النخل أو سوقه، أو أغور لكم في الجذوع لتستقروا فيها، أميتكم موتا بطيئا صبرا، ووعيدا مؤكدا، إن قسوة ما أحل بكم وتماديه ستعرفكم أأنا أشد تعذيبا وأطول أم موسى ورب موسى ! ـ {.. كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار )٥ـ
﴿ ألقى السحرة ﴾ سقطوا وهرعوا مسرعين.
﴿ سجدا ﴾ ساجدين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآيات السابقات أذهب الله جل ثناؤه الخوف عن موسى وبشره بأنه الظافر الرابح الغالب، وفي قوله سبحانه :﴿ وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا ﴾ بيان لما يفعل موسى ليكون سببا في إبطال السحر والساحر، وأمره أن يقذف العصا التي كانت بيمينه، فإنه قد رأى إذ نودي من شاطئ الوادي الأيمن ماذا صنع الله تعالى له بتلك العصا ؛ وذكره مولانا بأنها ستبتلع كل ما حشده المبطلون، فإن الباطل زاهق لا محالة، ﴿ ولا يفلح الساحر حيث أتى ﴾ جنس المضللين خائب خاسر، وحيثما سار فمكره بائر ؛ [ فحيث ظرف مكان أريد به التعميم ]١. ﴿ فألقي السحرة سجدا ﴾ فهووا وسقطوا مسارعين بالسجود خضوعا وانقيادا لله الحق ؛ وفي الكلام مقدر محذوف، التقدير : فزال الخوف عن موسى وألقى ما في يمينه فصارت حية وتلقفت حبالهم وعصيهم وعلموا أن ذلك معجز فسجدوا تائبين مؤمنين بالله مصدقين برسالة موسى وهارون ؛ ـ وفيه إيقاظ السامع لألطاف الله تعالى في نقله من شاء من عباده من غاية الكفر والعناد، إلى نهاية الإيمان والسداد ـ٢. ﴿ قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ﴾ قال فرعون للسحرة إذ خذلوه وهم أداة كيده، وآمنوا بمحضر جمع كبير من قومه، مما يحذر معه أن يزول ملكه وقد انكشف ضلال سعيه، وظهر الحق الذي بعث الله به رسوليه موسى وهارون، فتوجه للسحرة بالاستفهام الذي يحمل الإنكار والوعيد : أآمنتم لرب موسى، أو آمنتم بالله لأجل موسى وما شاهدتم منه ؟ ! إنه إمامكم في السحر ؛ ومعلوم أن الإيمان هو التصديق، وقد صدقوا أو أقروا ؛ وإذا ضمن الإيمان معنى الانقياد تعدى باللام ؛ وقيل إذا كان متعلقه الله عز وجل يوصل بالباء، وباللام إن كان متعلقه غيره تعالى ـ في الأكثر ـ نحو :﴿.. يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين.. )٣، ولقد جاء في سورة الأعراف :{ قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون )٤ ؛ { قبل أن آذن لكم ﴾ آمنتم على الرغم مني فتعديتم وتجاوزتم أمري ؛ ﴿ فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ﴾ يتوعدهم ليس فقط بالتقتيل وإنما بالصلب والتنكيل، يقطع أطرافهم من جهات متخالفة، اليد من جهة والرجل من الجهة التي تقابلها وتخالفها، وقسما لأصلبنكم وأشد رباطكم ووثاقكم إلى أصول النخل أو سوقه، أو أغور لكم في الجذوع لتستقروا فيها، أميتكم موتا بطيئا صبرا، ووعيدا مؤكدا، إن قسوة ما أحل بكم وتماديه ستعرفكم أأنا أشد تعذيبا وأطول أم موسى ورب موسى ! ـ {.. كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار )٥ـ
﴿ من خلاف ﴾ اليد اليمنى والرجل اليسرى.
﴿ في جذوع النخل ﴾ على أصول شجر النخل، الواحد جذع، وهو ساقها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في الآيات السابقات أذهب الله جل ثناؤه الخوف عن موسى وبشره بأنه الظافر الرابح الغالب، وفي قوله سبحانه :﴿ وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا ﴾ بيان لما يفعل موسى ليكون سببا في إبطال السحر والساحر، وأمره أن يقذف العصا التي كانت بيمينه، فإنه قد رأى إذ نودي من شاطئ الوادي الأيمن ماذا صنع الله تعالى له بتلك العصا ؛ وذكره مولانا بأنها ستبتلع كل ما حشده المبطلون، فإن الباطل زاهق لا محالة، ﴿ ولا يفلح الساحر حيث أتى ﴾ جنس المضللين خائب خاسر، وحيثما سار فمكره بائر ؛ [ فحيث ظرف مكان أريد به التعميم ]١. ﴿ فألقي السحرة سجدا ﴾ فهووا وسقطوا مسارعين بالسجود خضوعا وانقيادا لله الحق ؛ وفي الكلام مقدر محذوف، التقدير : فزال الخوف عن موسى وألقى ما في يمينه فصارت حية وتلقفت حبالهم وعصيهم وعلموا أن ذلك معجز فسجدوا تائبين مؤمنين بالله مصدقين برسالة موسى وهارون ؛ ـ وفيه إيقاظ السامع لألطاف الله تعالى في نقله من شاء من عباده من غاية الكفر والعناد، إلى نهاية الإيمان والسداد ـ٢. ﴿ قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ﴾ قال فرعون للسحرة إذ خذلوه وهم أداة كيده، وآمنوا بمحضر جمع كبير من قومه، مما يحذر معه أن يزول ملكه وقد انكشف ضلال سعيه، وظهر الحق الذي بعث الله به رسوليه موسى وهارون، فتوجه للسحرة بالاستفهام الذي يحمل الإنكار والوعيد : أآمنتم لرب موسى، أو آمنتم بالله لأجل موسى وما شاهدتم منه ؟ ! إنه إمامكم في السحر ؛ ومعلوم أن الإيمان هو التصديق، وقد صدقوا أو أقروا ؛ وإذا ضمن الإيمان معنى الانقياد تعدى باللام ؛ وقيل إذا كان متعلقه الله عز وجل يوصل بالباء، وباللام إن كان متعلقه غيره تعالى ـ في الأكثر ـ نحو :﴿.. يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين.. )٣، ولقد جاء في سورة الأعراف :{ قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون )٤ ؛ { قبل أن آذن لكم ﴾ آمنتم على الرغم مني فتعديتم وتجاوزتم أمري ؛ ﴿ فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ﴾ يتوعدهم ليس فقط بالتقتيل وإنما بالصلب والتنكيل، يقطع أطرافهم من جهات متخالفة، اليد من جهة والرجل من الجهة التي تقابلها وتخالفها، وقسما لأصلبنكم وأشد رباطكم ووثاقكم إلى أصول النخل أو سوقه، أو أغور لكم في الجذوع لتستقروا فيها، أميتكم موتا بطيئا صبرا، ووعيدا مؤكدا، إن قسوة ما أحل بكم وتماديه ستعرفكم أأنا أشد تعذيبا وأطول أم موسى ورب موسى ! ـ {.. كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار )٥ـ
﴿ قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ﴾
﴿ لن نؤثرك ﴾ لن نختارك. ﴿ فطرنا ﴾ أبدعنا وأوجدنا. ﴿ فاقض ﴾ فاصنع.
قال المؤمنون الذين كانوا سحرة وقد زادهم وعيده استمساكا بالحق الذي هدوا إليه : لن نختارك على الهدى والرشد الذي تبين، وحب الله الذي خلقنا في أحسن تقويم، فاصنع ما أنت صانع مما توعدت به من البلاء وما تقدر عليه، إنما صنيعك لا يتجاوز هذه العاجلة الزائلة، أو إنما هذه الحياة دنية عاجلة تتقضى سريعا وتذهب { .. وإن الآخرة هي دار القرار )١.
١ سورة غافر. من الآية ٣٩..
﴿ إنا آمنا برينا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى ﴾
قال الحسن : سبحان الله ! قوم كفار ثبت في قلوبهم الإيمان طرفة عين فلم يتعاظم عندهم أن قالوا في ذات الله تعالى :﴿ فاقض ما أنت قاض ﴾ ! ؛ والله إن أحدهم ليصحب القرآن ستين عاما ثم ليبيع دينه بثمن غبن ؛ قالوا أولا :﴿ آمنا برب هارون وموسى ﴾، ثم قالوا :﴿ لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا ﴾، وحاصله أنا اخترنا الله وهداه، ولن نختارك ؛ ثم أكدوا أنهم آمنوا بربهم يرجون رحمته، ويطمعون أن يغفر لهم ما فرط من ذنوب وآثام، وأفردوا طلب غفران ما صنعوا من السحر بالذكر لأنه أفحش، فهو ضلال وإضلال معا ؛ وهم يعتذرون من الفعلة النكراء بأنهم استكرهوا عليها١. إذ حشرهم لمغالبة موسى بسحرهم من المدائن القاصية ؛ ﴿ والله خير وأبقى ﴾ حب الله تعالى وطلب رضوانه هو الخير على الحقيقة، وثواب الله البر الرحيم لا يفنى ولا يبيد، ولهذا آثرنا طاعة مولانا على طاعتك، ودينه الذي بعث به رسله على بهتانك ونحلتك ؛ وقال محمد بن كعب :﴿ والله خير ﴾ لنا منك إن أطيع، ﴿ وأبقى ﴾ : أي : منك عذابا إن عصي ؛ واختار الألوسي :﴿ والله خير ﴾ في حد ذاته تعالى ﴿ وأبقى ﴾ أي : وأدوم جزاء، ثوابا كان أو عقابا ؛ أو : خير ثوابا، وأبقى عذابا.
١ روى ابن حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وما أكرهتنا عليه من السحر﴾ قال: أخذ فرعون أربعين غلاما من بني إسرائيل فأمر أن يعلموا السحر بالفرماء، وقد علموهم تعليما لا يعلمه أحد في الأرض، قال ابن عباس: فهم الذين آمنوا بموسى، وهم من الذين قالوا: ﴿إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر﴾.
*الفرماء: ثغر قديم على البحر المتوسط، وفي الشمال الغربي من سيناء..

﴿ إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ﴾
يربط الله تعالى على قلوب حديثي العهد بالإيمان هؤلاء ويزيدهم هدى، فيتابعون وعظ فرعون، ينذرونه سوء المستقر، إذا هو مات على الفجور والكفر والشر، ﴿ إنه ﴾ الشأن الخطير هذا أن من مات ولقي الله يوم القيامة وهو مجرم فبئس مثوى له النار، { .. لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها.. )١.
﴿ ولا يحيى ﴾ حياة ينتفع بها ؛ قال الشاعر :
ألا من لنفس لا تموت فينقضي شقاها ولا تحيا حياة لها طعم.
١ سورة فاطر. من الآية٣٦..
﴿ ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى. جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى ﴾
﴿ الدرجات العلى ﴾ المنازل الرفيعة العالية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ويصلح أن يكون هذا من تتمة وعظ السحرة فرعون، فبعد أن أنذروه سوء المصير أعذروا فيه فرغبوه في الإيمان الذي يعقب المؤمنين النعيم الدائم والملك الكبير ؛ فمن يواف الله تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين، وقد فارق الدنيا على الإيمان، وعمرها بالطاعات والقربات، والرشد والعمل الصالح، فإن الفتاح العليم يثيبه بالخلد والنعيم والتكريم، ويرفع درجته لقاء ما أصلح في الدنيا وهدى إلى الصراط المستقيم ؛ وفي الصحيحين :" إن أهل عليين ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء لتفاضل ما بينهم " ـ قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء ؟ قال :" بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين "
﴿ تزكى ﴾ طهر نفسه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ويصلح أن يكون هذا من تتمة وعظ السحرة فرعون، فبعد أن أنذروه سوء المصير أعذروا فيه فرغبوه في الإيمان الذي يعقب المؤمنين النعيم الدائم والملك الكبير ؛ فمن يواف الله تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين، وقد فارق الدنيا على الإيمان، وعمرها بالطاعات والقربات، والرشد والعمل الصالح، فإن الفتاح العليم يثيبه بالخلد والنعيم والتكريم، ويرفع درجته لقاء ما أصلح في الدنيا وهدى إلى الصراط المستقيم ؛ وفي الصحيحين :" إن أهل عليين ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء لتفاضل ما بينهم " ـ قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء ؟ قال :" بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين "
﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى { ٧٧ ) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ { ٧٨ ) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى { ٧٩ ) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى { ٨٠ ) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى { ٨١ ) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى { ٨٢ ) ﴾
لم يؤمن فرعون، ولم يرسل بني إسرائيل، ودخل ناس في الدين الحق، فهدى الله تعالى به كثيرا، كما أضل به سبحانه كثيرا، فاستعدى كبراء القبط فرعون على المؤمنين ؛ { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون )١ ؛ فأرسل الله العزيز على القوم المجرمين البلاء المبين :{ .. الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. )٢ ؛ { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )٣ ؛ فلما وقع عليهم السخط والنقمة جاءوا إلى موسى يطلبون كشف الغمة ويعاهدون على التوبة، { ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )٤ ؛ وما جاءوا على الحقيقة متضرعين مخبتين، ولكن كانوا مخادعين مستهزئين، ولقد هتك القرآن سترهم، وبين سفههم، وحلم الله الذي يعلم سرهم وجهرهم، قال ربنا عز من قائل :{ وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون. فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )٥.
فأوحى ربنا إلى كليمه ورسوله أن سر ليلا بأخيك وبمن معكما واتجهوا نحو البحر فإذا بلغتموه فاضربه بعصاك ينحسر عن طريق صلبة لا تسوخ فيها أقدامكم، ولا يدرككم فيها عدوكم ؛ وكان ما أراد الله، وتحقق سؤال موسى وهارون إذ دعوا ربهما :﴿ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون )٦ ؛ فخرج موسى بمن اتبعه ليلا، فأصبح فرعون يتميز غيظا، فسارع إلى تعبئة جنده، وأرسل في المدائن يحشد جمعه ويستنفرهم، كما حكى كتاب الله العزيز :{ فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا لجميع حاذرون )٧ ؛ فاجتمع له من استفزهم فقادهم مشرقا٨ يطلب أعداءهم، { فأتبعه فرعون بجنوده ﴾ : أشرف المسرف العاتي بجنده على جموع المسلمين، وقد انفلق لهم البحر، فلم يزدجر ولا ازدجروا بتلك الآية الربانية الباهرة، ولا ادكروا بنصيحة موسى المنصفة إذ كان قد قال لهم ما بين وحي الله :{ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون )٩ ؛ لكن غلبت عليهم الشقوة، وحقت عليهم الكلمة، فمضوا يسيرون في آثار المؤمنين، فلما جاوز المؤمنون البحر حتى انطبق على الخاطئين المتجبرين :{ فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين )١٠.
﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى ﴾ فغطاهم من أهوال الغرق والخنق والاستئصال بلاء عظيم، وتلك مما أعد الله من عاقبة للضالين ومن تابعهم في ضلالهم، فسلك بهم مسلكا أفضى إلى خسرانهم عاجلا وآجلا ؛ ﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا )١١ ؛ وما أرشدهم إلى سبيل السلامة في الدنيا ويوم القيامة ؛ ثم امتن الله تعالى على بني إسرائيل ليذكروا فيشكروا ولا يكفروا، وعدد سبحانه جوانب من نعمه وآلائه ليحرصوا على دوامها بالقيام بحقها :{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ﴾ اذكروا إذا خلصتكم١٢ من فرعون وقومه الذين أذاقوكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ويستعبدون رجالكم، وها قد رأيتم بأعينكم ما صنع لكم ربكم ؛ ﴿ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ﴾ وواعدت رسولي إليكم موسى ليتلقى وحيي وكلماتي عند طور سنين الجبل المبارك في الوادي المقدس ؛ و﴿ الأيمن ﴾ صفة للجانب، ربما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام ؛ ووعدناكم بواسطة نبيكم في ذلك الجانب إتيان موسى عليه السلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه السلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم فكأنهم كلهم مواعدون ١٣ ؛ [ وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريبا وأما المن فقد تقدم.. ، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء ؛ والسلوى : طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد.. ]١٤، ﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾ ﴿ ولا تطغوا فيه ﴾ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، وتعدى حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر، والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه ١٥، فمن لم ينهج هذا النهج حاق به غضبي وأحاطه، ومن أغضب عليه يهلك.
﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾ جاءهم في الآية السابقة من الله نذير، ثم جاءت في هذه البشرى بواسع المغفرة لأهل التوبة والتصديق، والطاعة والاستقامة، وسيقت مؤكدة ب ﴿ إن ﴾، مضافة إلى غافر الذنب وقابل التوب جل علاه، مقسما عليها باللام الممهدة للقسم وعد الله لا يخلف الله وعده لكن الرحمة على عظيم سعتها لا تكون في الآخرة إلا لأهلها ﴿ .. ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول.. )١٦ ؛ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : سؤال ! كيف أثبت المغفرة في حق من استجمع التوبة والإيمان والعمل الصالح، والمغفرة إنما تتصور في حق من أذنب ؟ وأيضا : ما معنى قوله :{ ثم اهتدى ﴾ بعد الأمور المذكورة والاهتداء إنما يكون قبلها لا أقل من أن يكون معها ؟ الجواب : أراد : وإني لغفار لمن تاب من الكفر وآمن وعمل صالحا وفيه دليل لمن ذهب إلى وجوب تقديم التوبة من الكفر على الإيمان والحاصل أن الغفران يعود إلى الذنوب السابقة على هذه الأمور ؛ ويجوز أن يراد أنه إذا تاب من الكفر وأقبل على الإيمان والعمل الصالح فإن الله يغفر الصغائر التي تصدر عنه... وأما الاهتداء فالمراد به الاستقامة والثبات على الأمور المذكورة... فإن المداومة على الخدمة أصعب من الشروع فيها، كما قيل :
لكل إلى شأو العلى حركات ولكن عزيز في الرجال ثبات
١ سورة الأعراف. الآية ١٢٧..
٢ سورة الأعراف. من الآية١٣٣..
٣ سورة الزخرف. الآية ٤٨..
٤ سورة الأعراف. الآية ١٣٤.
٥ سورة الزخرف. الآيتان ٤٩، ٥٠..
٦ سورة يونس. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٧ سورة الشعراء. الآيات: ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٦..
٨ مشرقا: متجها ناحية الشرق..
٩ سورة الدخان. الآية ٢١..
١٠ سورة الزخرف. الآيتان ٥٥، ٥٦.
١١ سورة نوح. الآية ٢٥..
١٢ في الصحيحين عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى على فرعون، فقال: "نحن أولى بموسى منهم فصوموه"..
١٣ مابين العارضتين من روح المعاني..
١٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
١٥ ما بين العارضتين من روح المعاني..
١٦ سورة الأعراف. من الآيتين: ١٥٦، ١٥٧..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٧:﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى { ٧٧ ) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ { ٧٨ ) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى { ٧٩ ) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى { ٨٠ ) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى { ٨١ ) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى { ٨٢ ) ﴾
لم يؤمن فرعون، ولم يرسل بني إسرائيل، ودخل ناس في الدين الحق، فهدى الله تعالى به كثيرا، كما أضل به سبحانه كثيرا، فاستعدى كبراء القبط فرعون على المؤمنين ؛ { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون )١ ؛ فأرسل الله العزيز على القوم المجرمين البلاء المبين :{.. الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. )٢ ؛ { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )٣ ؛ فلما وقع عليهم السخط والنقمة جاءوا إلى موسى يطلبون كشف الغمة ويعاهدون على التوبة، { ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )٤ ؛ وما جاءوا على الحقيقة متضرعين مخبتين، ولكن كانوا مخادعين مستهزئين، ولقد هتك القرآن سترهم، وبين سفههم، وحلم الله الذي يعلم سرهم وجهرهم، قال ربنا عز من قائل :{ وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون. فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )٥.
فأوحى ربنا إلى كليمه ورسوله أن سر ليلا بأخيك وبمن معكما واتجهوا نحو البحر فإذا بلغتموه فاضربه بعصاك ينحسر عن طريق صلبة لا تسوخ فيها أقدامكم، ولا يدرككم فيها عدوكم ؛ وكان ما أراد الله، وتحقق سؤال موسى وهارون إذ دعوا ربهما :﴿ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون )٦ ؛ فخرج موسى بمن اتبعه ليلا، فأصبح فرعون يتميز غيظا، فسارع إلى تعبئة جنده، وأرسل في المدائن يحشد جمعه ويستنفرهم، كما حكى كتاب الله العزيز :{ فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا لجميع حاذرون )٧ ؛ فاجتمع له من استفزهم فقادهم مشرقا٨ يطلب أعداءهم، { فأتبعه فرعون بجنوده ﴾ : أشرف المسرف العاتي بجنده على جموع المسلمين، وقد انفلق لهم البحر، فلم يزدجر ولا ازدجروا بتلك الآية الربانية الباهرة، ولا ادكروا بنصيحة موسى المنصفة إذ كان قد قال لهم ما بين وحي الله :{ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون )٩ ؛ لكن غلبت عليهم الشقوة، وحقت عليهم الكلمة، فمضوا يسيرون في آثار المؤمنين، فلما جاوز المؤمنون البحر حتى انطبق على الخاطئين المتجبرين :{ فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين )١٠.
﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى ﴾ فغطاهم من أهوال الغرق والخنق والاستئصال بلاء عظيم، وتلك مما أعد الله من عاقبة للضالين ومن تابعهم في ضلالهم، فسلك بهم مسلكا أفضى إلى خسرانهم عاجلا وآجلا ؛ ﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا )١١ ؛ وما أرشدهم إلى سبيل السلامة في الدنيا ويوم القيامة ؛ ثم امتن الله تعالى على بني إسرائيل ليذكروا فيشكروا ولا يكفروا، وعدد سبحانه جوانب من نعمه وآلائه ليحرصوا على دوامها بالقيام بحقها :{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ﴾ اذكروا إذا خلصتكم١٢ من فرعون وقومه الذين أذاقوكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ويستعبدون رجالكم، وها قد رأيتم بأعينكم ما صنع لكم ربكم ؛ ﴿ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ﴾ وواعدت رسولي إليكم موسى ليتلقى وحيي وكلماتي عند طور سنين الجبل المبارك في الوادي المقدس ؛ و﴿ الأيمن ﴾ صفة للجانب، ربما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام ؛ ووعدناكم بواسطة نبيكم في ذلك الجانب إتيان موسى عليه السلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه السلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم فكأنهم كلهم مواعدون ١٣ ؛ [ وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريبا وأما المن فقد تقدم.. ، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء ؛ والسلوى : طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد.. ]١٤، ﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾ ﴿ ولا تطغوا فيه ﴾ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، وتعدى حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر، والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه ١٥، فمن لم ينهج هذا النهج حاق به غضبي وأحاطه، ومن أغضب عليه يهلك.
﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾ جاءهم في الآية السابقة من الله نذير، ثم جاءت في هذه البشرى بواسع المغفرة لأهل التوبة والتصديق، والطاعة والاستقامة، وسيقت مؤكدة ب ﴿ إن ﴾، مضافة إلى غافر الذنب وقابل التوب جل علاه، مقسما عليها باللام الممهدة للقسم وعد الله لا يخلف الله وعده لكن الرحمة على عظيم سعتها لا تكون في الآخرة إلا لأهلها ﴿.. ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول.. )١٦ ؛ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : سؤال ! كيف أثبت المغفرة في حق من استجمع التوبة والإيمان والعمل الصالح، والمغفرة إنما تتصور في حق من أذنب ؟ وأيضا : ما معنى قوله :{ ثم اهتدى ﴾ بعد الأمور المذكورة والاهتداء إنما يكون قبلها لا أقل من أن يكون معها ؟ الجواب : أراد : وإني لغفار لمن تاب من الكفر وآمن وعمل صالحا وفيه دليل لمن ذهب إلى وجوب تقديم التوبة من الكفر على الإيمان والحاصل أن الغفران يعود إلى الذنوب السابقة على هذه الأمور ؛ ويجوز أن يراد أنه إذا تاب من الكفر وأقبل على الإيمان والعمل الصالح فإن الله يغفر الصغائر التي تصدر عنه... وأما الاهتداء فالمراد به الاستقامة والثبات على الأمور المذكورة... فإن المداومة على الخدمة أصعب من الشروع فيها، كما قيل :
لكل إلى شأو العلى حركات ولكن عزيز في الرجال ثبات
١ سورة الأعراف. الآية ١٢٧..
٢ سورة الأعراف. من الآية١٣٣..
٣ سورة الزخرف. الآية ٤٨..
٤ سورة الأعراف. الآية ١٣٤.
٥ سورة الزخرف. الآيتان ٤٩، ٥٠..
٦ سورة يونس. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٧ سورة الشعراء. الآيات: ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٦..
٨ مشرقا: متجها ناحية الشرق..
٩ سورة الدخان. الآية ٢١..
١٠ سورة الزخرف. الآيتان ٥٥، ٥٦.
١١ سورة نوح. الآية ٢٥..
١٢ في الصحيحين عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى على فرعون، فقال: "نحن أولى بموسى منهم فصوموه"..
١٣ مابين العارضتين من روح المعاني..
١٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
١٥ ما بين العارضتين من روح المعاني..
١٦ سورة الأعراف. من الآيتين: ١٥٦، ١٥٧..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٧:﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى { ٧٧ ) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ { ٧٨ ) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى { ٧٩ ) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى { ٨٠ ) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى { ٨١ ) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى { ٨٢ ) ﴾
لم يؤمن فرعون، ولم يرسل بني إسرائيل، ودخل ناس في الدين الحق، فهدى الله تعالى به كثيرا، كما أضل به سبحانه كثيرا، فاستعدى كبراء القبط فرعون على المؤمنين ؛ { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون )١ ؛ فأرسل الله العزيز على القوم المجرمين البلاء المبين :{.. الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. )٢ ؛ { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )٣ ؛ فلما وقع عليهم السخط والنقمة جاءوا إلى موسى يطلبون كشف الغمة ويعاهدون على التوبة، { ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )٤ ؛ وما جاءوا على الحقيقة متضرعين مخبتين، ولكن كانوا مخادعين مستهزئين، ولقد هتك القرآن سترهم، وبين سفههم، وحلم الله الذي يعلم سرهم وجهرهم، قال ربنا عز من قائل :{ وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون. فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )٥.
فأوحى ربنا إلى كليمه ورسوله أن سر ليلا بأخيك وبمن معكما واتجهوا نحو البحر فإذا بلغتموه فاضربه بعصاك ينحسر عن طريق صلبة لا تسوخ فيها أقدامكم، ولا يدرككم فيها عدوكم ؛ وكان ما أراد الله، وتحقق سؤال موسى وهارون إذ دعوا ربهما :﴿ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون )٦ ؛ فخرج موسى بمن اتبعه ليلا، فأصبح فرعون يتميز غيظا، فسارع إلى تعبئة جنده، وأرسل في المدائن يحشد جمعه ويستنفرهم، كما حكى كتاب الله العزيز :{ فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا لجميع حاذرون )٧ ؛ فاجتمع له من استفزهم فقادهم مشرقا٨ يطلب أعداءهم، { فأتبعه فرعون بجنوده ﴾ : أشرف المسرف العاتي بجنده على جموع المسلمين، وقد انفلق لهم البحر، فلم يزدجر ولا ازدجروا بتلك الآية الربانية الباهرة، ولا ادكروا بنصيحة موسى المنصفة إذ كان قد قال لهم ما بين وحي الله :{ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون )٩ ؛ لكن غلبت عليهم الشقوة، وحقت عليهم الكلمة، فمضوا يسيرون في آثار المؤمنين، فلما جاوز المؤمنون البحر حتى انطبق على الخاطئين المتجبرين :{ فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين )١٠.
﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى ﴾ فغطاهم من أهوال الغرق والخنق والاستئصال بلاء عظيم، وتلك مما أعد الله من عاقبة للضالين ومن تابعهم في ضلالهم، فسلك بهم مسلكا أفضى إلى خسرانهم عاجلا وآجلا ؛ ﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا )١١ ؛ وما أرشدهم إلى سبيل السلامة في الدنيا ويوم القيامة ؛ ثم امتن الله تعالى على بني إسرائيل ليذكروا فيشكروا ولا يكفروا، وعدد سبحانه جوانب من نعمه وآلائه ليحرصوا على دوامها بالقيام بحقها :{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ﴾ اذكروا إذا خلصتكم١٢ من فرعون وقومه الذين أذاقوكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ويستعبدون رجالكم، وها قد رأيتم بأعينكم ما صنع لكم ربكم ؛ ﴿ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ﴾ وواعدت رسولي إليكم موسى ليتلقى وحيي وكلماتي عند طور سنين الجبل المبارك في الوادي المقدس ؛ و﴿ الأيمن ﴾ صفة للجانب، ربما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام ؛ ووعدناكم بواسطة نبيكم في ذلك الجانب إتيان موسى عليه السلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه السلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم فكأنهم كلهم مواعدون ١٣ ؛ [ وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريبا وأما المن فقد تقدم.. ، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء ؛ والسلوى : طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد.. ]١٤، ﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾ ﴿ ولا تطغوا فيه ﴾ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، وتعدى حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر، والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه ١٥، فمن لم ينهج هذا النهج حاق به غضبي وأحاطه، ومن أغضب عليه يهلك.
﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾ جاءهم في الآية السابقة من الله نذير، ثم جاءت في هذه البشرى بواسع المغفرة لأهل التوبة والتصديق، والطاعة والاستقامة، وسيقت مؤكدة ب ﴿ إن ﴾، مضافة إلى غافر الذنب وقابل التوب جل علاه، مقسما عليها باللام الممهدة للقسم وعد الله لا يخلف الله وعده لكن الرحمة على عظيم سعتها لا تكون في الآخرة إلا لأهلها ﴿.. ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول.. )١٦ ؛ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : سؤال ! كيف أثبت المغفرة في حق من استجمع التوبة والإيمان والعمل الصالح، والمغفرة إنما تتصور في حق من أذنب ؟ وأيضا : ما معنى قوله :{ ثم اهتدى ﴾ بعد الأمور المذكورة والاهتداء إنما يكون قبلها لا أقل من أن يكون معها ؟ الجواب : أراد : وإني لغفار لمن تاب من الكفر وآمن وعمل صالحا وفيه دليل لمن ذهب إلى وجوب تقديم التوبة من الكفر على الإيمان والحاصل أن الغفران يعود إلى الذنوب السابقة على هذه الأمور ؛ ويجوز أن يراد أنه إذا تاب من الكفر وأقبل على الإيمان والعمل الصالح فإن الله يغفر الصغائر التي تصدر عنه... وأما الاهتداء فالمراد به الاستقامة والثبات على الأمور المذكورة... فإن المداومة على الخدمة أصعب من الشروع فيها، كما قيل :
لكل إلى شأو العلى حركات ولكن عزيز في الرجال ثبات
١ سورة الأعراف. الآية ١٢٧..
٢ سورة الأعراف. من الآية١٣٣..
٣ سورة الزخرف. الآية ٤٨..
٤ سورة الأعراف. الآية ١٣٤.
٥ سورة الزخرف. الآيتان ٤٩، ٥٠..
٦ سورة يونس. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٧ سورة الشعراء. الآيات: ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٦..
٨ مشرقا: متجها ناحية الشرق..
٩ سورة الدخان. الآية ٢١..
١٠ سورة الزخرف. الآيتان ٥٥، ٥٦.
١١ سورة نوح. الآية ٢٥..
١٢ في الصحيحين عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى على فرعون، فقال: "نحن أولى بموسى منهم فصوموه"..
١٣ مابين العارضتين من روح المعاني..
١٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
١٥ ما بين العارضتين من روح المعاني..
١٦ سورة الأعراف. من الآيتين: ١٥٦، ١٥٧..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٧:﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى { ٧٧ ) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ { ٧٨ ) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى { ٧٩ ) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى { ٨٠ ) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى { ٨١ ) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى { ٨٢ ) ﴾
لم يؤمن فرعون، ولم يرسل بني إسرائيل، ودخل ناس في الدين الحق، فهدى الله تعالى به كثيرا، كما أضل به سبحانه كثيرا، فاستعدى كبراء القبط فرعون على المؤمنين ؛ { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون )١ ؛ فأرسل الله العزيز على القوم المجرمين البلاء المبين :{.. الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. )٢ ؛ { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )٣ ؛ فلما وقع عليهم السخط والنقمة جاءوا إلى موسى يطلبون كشف الغمة ويعاهدون على التوبة، { ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )٤ ؛ وما جاءوا على الحقيقة متضرعين مخبتين، ولكن كانوا مخادعين مستهزئين، ولقد هتك القرآن سترهم، وبين سفههم، وحلم الله الذي يعلم سرهم وجهرهم، قال ربنا عز من قائل :{ وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون. فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )٥.
فأوحى ربنا إلى كليمه ورسوله أن سر ليلا بأخيك وبمن معكما واتجهوا نحو البحر فإذا بلغتموه فاضربه بعصاك ينحسر عن طريق صلبة لا تسوخ فيها أقدامكم، ولا يدرككم فيها عدوكم ؛ وكان ما أراد الله، وتحقق سؤال موسى وهارون إذ دعوا ربهما :﴿ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون )٦ ؛ فخرج موسى بمن اتبعه ليلا، فأصبح فرعون يتميز غيظا، فسارع إلى تعبئة جنده، وأرسل في المدائن يحشد جمعه ويستنفرهم، كما حكى كتاب الله العزيز :{ فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا لجميع حاذرون )٧ ؛ فاجتمع له من استفزهم فقادهم مشرقا٨ يطلب أعداءهم، { فأتبعه فرعون بجنوده ﴾ : أشرف المسرف العاتي بجنده على جموع المسلمين، وقد انفلق لهم البحر، فلم يزدجر ولا ازدجروا بتلك الآية الربانية الباهرة، ولا ادكروا بنصيحة موسى المنصفة إذ كان قد قال لهم ما بين وحي الله :{ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون )٩ ؛ لكن غلبت عليهم الشقوة، وحقت عليهم الكلمة، فمضوا يسيرون في آثار المؤمنين، فلما جاوز المؤمنون البحر حتى انطبق على الخاطئين المتجبرين :{ فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين )١٠.
﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى ﴾ فغطاهم من أهوال الغرق والخنق والاستئصال بلاء عظيم، وتلك مما أعد الله من عاقبة للضالين ومن تابعهم في ضلالهم، فسلك بهم مسلكا أفضى إلى خسرانهم عاجلا وآجلا ؛ ﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا )١١ ؛ وما أرشدهم إلى سبيل السلامة في الدنيا ويوم القيامة ؛ ثم امتن الله تعالى على بني إسرائيل ليذكروا فيشكروا ولا يكفروا، وعدد سبحانه جوانب من نعمه وآلائه ليحرصوا على دوامها بالقيام بحقها :{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ﴾ اذكروا إذا خلصتكم١٢ من فرعون وقومه الذين أذاقوكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ويستعبدون رجالكم، وها قد رأيتم بأعينكم ما صنع لكم ربكم ؛ ﴿ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ﴾ وواعدت رسولي إليكم موسى ليتلقى وحيي وكلماتي عند طور سنين الجبل المبارك في الوادي المقدس ؛ و﴿ الأيمن ﴾ صفة للجانب، ربما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام ؛ ووعدناكم بواسطة نبيكم في ذلك الجانب إتيان موسى عليه السلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه السلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم فكأنهم كلهم مواعدون ١٣ ؛ [ وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريبا وأما المن فقد تقدم.. ، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء ؛ والسلوى : طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد.. ]١٤، ﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾ ﴿ ولا تطغوا فيه ﴾ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، وتعدى حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر، والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه ١٥، فمن لم ينهج هذا النهج حاق به غضبي وأحاطه، ومن أغضب عليه يهلك.
﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾ جاءهم في الآية السابقة من الله نذير، ثم جاءت في هذه البشرى بواسع المغفرة لأهل التوبة والتصديق، والطاعة والاستقامة، وسيقت مؤكدة ب ﴿ إن ﴾، مضافة إلى غافر الذنب وقابل التوب جل علاه، مقسما عليها باللام الممهدة للقسم وعد الله لا يخلف الله وعده لكن الرحمة على عظيم سعتها لا تكون في الآخرة إلا لأهلها ﴿.. ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول.. )١٦ ؛ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : سؤال ! كيف أثبت المغفرة في حق من استجمع التوبة والإيمان والعمل الصالح، والمغفرة إنما تتصور في حق من أذنب ؟ وأيضا : ما معنى قوله :{ ثم اهتدى ﴾ بعد الأمور المذكورة والاهتداء إنما يكون قبلها لا أقل من أن يكون معها ؟ الجواب : أراد : وإني لغفار لمن تاب من الكفر وآمن وعمل صالحا وفيه دليل لمن ذهب إلى وجوب تقديم التوبة من الكفر على الإيمان والحاصل أن الغفران يعود إلى الذنوب السابقة على هذه الأمور ؛ ويجوز أن يراد أنه إذا تاب من الكفر وأقبل على الإيمان والعمل الصالح فإن الله يغفر الصغائر التي تصدر عنه... وأما الاهتداء فالمراد به الاستقامة والثبات على الأمور المذكورة... فإن المداومة على الخدمة أصعب من الشروع فيها، كما قيل :
لكل إلى شأو العلى حركات ولكن عزيز في الرجال ثبات
١ سورة الأعراف. الآية ١٢٧..
٢ سورة الأعراف. من الآية١٣٣..
٣ سورة الزخرف. الآية ٤٨..
٤ سورة الأعراف. الآية ١٣٤.
٥ سورة الزخرف. الآيتان ٤٩، ٥٠..
٦ سورة يونس. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٧ سورة الشعراء. الآيات: ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٦..
٨ مشرقا: متجها ناحية الشرق..
٩ سورة الدخان. الآية ٢١..
١٠ سورة الزخرف. الآيتان ٥٥، ٥٦.
١١ سورة نوح. الآية ٢٥..
١٢ في الصحيحين عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى على فرعون، فقال: "نحن أولى بموسى منهم فصوموه"..
١٣ مابين العارضتين من روح المعاني..
١٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
١٥ ما بين العارضتين من روح المعاني..
١٦ سورة الأعراف. من الآيتين: ١٥٦، ١٥٧..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٧:﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى { ٧٧ ) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ { ٧٨ ) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى { ٧٩ ) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى { ٨٠ ) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى { ٨١ ) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى { ٨٢ ) ﴾
لم يؤمن فرعون، ولم يرسل بني إسرائيل، ودخل ناس في الدين الحق، فهدى الله تعالى به كثيرا، كما أضل به سبحانه كثيرا، فاستعدى كبراء القبط فرعون على المؤمنين ؛ { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون )١ ؛ فأرسل الله العزيز على القوم المجرمين البلاء المبين :{.. الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. )٢ ؛ { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )٣ ؛ فلما وقع عليهم السخط والنقمة جاءوا إلى موسى يطلبون كشف الغمة ويعاهدون على التوبة، { ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )٤ ؛ وما جاءوا على الحقيقة متضرعين مخبتين، ولكن كانوا مخادعين مستهزئين، ولقد هتك القرآن سترهم، وبين سفههم، وحلم الله الذي يعلم سرهم وجهرهم، قال ربنا عز من قائل :{ وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون. فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )٥.
فأوحى ربنا إلى كليمه ورسوله أن سر ليلا بأخيك وبمن معكما واتجهوا نحو البحر فإذا بلغتموه فاضربه بعصاك ينحسر عن طريق صلبة لا تسوخ فيها أقدامكم، ولا يدرككم فيها عدوكم ؛ وكان ما أراد الله، وتحقق سؤال موسى وهارون إذ دعوا ربهما :﴿ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون )٦ ؛ فخرج موسى بمن اتبعه ليلا، فأصبح فرعون يتميز غيظا، فسارع إلى تعبئة جنده، وأرسل في المدائن يحشد جمعه ويستنفرهم، كما حكى كتاب الله العزيز :{ فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا لجميع حاذرون )٧ ؛ فاجتمع له من استفزهم فقادهم مشرقا٨ يطلب أعداءهم، { فأتبعه فرعون بجنوده ﴾ : أشرف المسرف العاتي بجنده على جموع المسلمين، وقد انفلق لهم البحر، فلم يزدجر ولا ازدجروا بتلك الآية الربانية الباهرة، ولا ادكروا بنصيحة موسى المنصفة إذ كان قد قال لهم ما بين وحي الله :{ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون )٩ ؛ لكن غلبت عليهم الشقوة، وحقت عليهم الكلمة، فمضوا يسيرون في آثار المؤمنين، فلما جاوز المؤمنون البحر حتى انطبق على الخاطئين المتجبرين :{ فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين )١٠.
﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى ﴾ فغطاهم من أهوال الغرق والخنق والاستئصال بلاء عظيم، وتلك مما أعد الله من عاقبة للضالين ومن تابعهم في ضلالهم، فسلك بهم مسلكا أفضى إلى خسرانهم عاجلا وآجلا ؛ ﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا )١١ ؛ وما أرشدهم إلى سبيل السلامة في الدنيا ويوم القيامة ؛ ثم امتن الله تعالى على بني إسرائيل ليذكروا فيشكروا ولا يكفروا، وعدد سبحانه جوانب من نعمه وآلائه ليحرصوا على دوامها بالقيام بحقها :{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ﴾ اذكروا إذا خلصتكم١٢ من فرعون وقومه الذين أذاقوكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ويستعبدون رجالكم، وها قد رأيتم بأعينكم ما صنع لكم ربكم ؛ ﴿ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ﴾ وواعدت رسولي إليكم موسى ليتلقى وحيي وكلماتي عند طور سنين الجبل المبارك في الوادي المقدس ؛ و﴿ الأيمن ﴾ صفة للجانب، ربما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام ؛ ووعدناكم بواسطة نبيكم في ذلك الجانب إتيان موسى عليه السلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه السلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم فكأنهم كلهم مواعدون ١٣ ؛ [ وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريبا وأما المن فقد تقدم.. ، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء ؛ والسلوى : طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد.. ]١٤، ﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾ ﴿ ولا تطغوا فيه ﴾ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، وتعدى حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر، والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه ١٥، فمن لم ينهج هذا النهج حاق به غضبي وأحاطه، ومن أغضب عليه يهلك.
﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾ جاءهم في الآية السابقة من الله نذير، ثم جاءت في هذه البشرى بواسع المغفرة لأهل التوبة والتصديق، والطاعة والاستقامة، وسيقت مؤكدة ب ﴿ إن ﴾، مضافة إلى غافر الذنب وقابل التوب جل علاه، مقسما عليها باللام الممهدة للقسم وعد الله لا يخلف الله وعده لكن الرحمة على عظيم سعتها لا تكون في الآخرة إلا لأهلها ﴿.. ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول.. )١٦ ؛ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : سؤال ! كيف أثبت المغفرة في حق من استجمع التوبة والإيمان والعمل الصالح، والمغفرة إنما تتصور في حق من أذنب ؟ وأيضا : ما معنى قوله :{ ثم اهتدى ﴾ بعد الأمور المذكورة والاهتداء إنما يكون قبلها لا أقل من أن يكون معها ؟ الجواب : أراد : وإني لغفار لمن تاب من الكفر وآمن وعمل صالحا وفيه دليل لمن ذهب إلى وجوب تقديم التوبة من الكفر على الإيمان والحاصل أن الغفران يعود إلى الذنوب السابقة على هذه الأمور ؛ ويجوز أن يراد أنه إذا تاب من الكفر وأقبل على الإيمان والعمل الصالح فإن الله يغفر الصغائر التي تصدر عنه... وأما الاهتداء فالمراد به الاستقامة والثبات على الأمور المذكورة... فإن المداومة على الخدمة أصعب من الشروع فيها، كما قيل :
لكل إلى شأو العلى حركات ولكن عزيز في الرجال ثبات
١ سورة الأعراف. الآية ١٢٧..
٢ سورة الأعراف. من الآية١٣٣..
٣ سورة الزخرف. الآية ٤٨..
٤ سورة الأعراف. الآية ١٣٤.
٥ سورة الزخرف. الآيتان ٤٩، ٥٠..
٦ سورة يونس. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٧ سورة الشعراء. الآيات: ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٦..
٨ مشرقا: متجها ناحية الشرق..
٩ سورة الدخان. الآية ٢١..
١٠ سورة الزخرف. الآيتان ٥٥، ٥٦.
١١ سورة نوح. الآية ٢٥..
١٢ في الصحيحين عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى على فرعون، فقال: "نحن أولى بموسى منهم فصوموه"..
١٣ مابين العارضتين من روح المعاني..
١٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
١٥ ما بين العارضتين من روح المعاني..
١٦ سورة الأعراف. من الآيتين: ١٥٦، ١٥٧..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٧:﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى { ٧٧ ) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ { ٧٨ ) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى { ٧٩ ) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى { ٨٠ ) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى { ٨١ ) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى { ٨٢ ) ﴾
لم يؤمن فرعون، ولم يرسل بني إسرائيل، ودخل ناس في الدين الحق، فهدى الله تعالى به كثيرا، كما أضل به سبحانه كثيرا، فاستعدى كبراء القبط فرعون على المؤمنين ؛ { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون )١ ؛ فأرسل الله العزيز على القوم المجرمين البلاء المبين :{.. الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. )٢ ؛ { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )٣ ؛ فلما وقع عليهم السخط والنقمة جاءوا إلى موسى يطلبون كشف الغمة ويعاهدون على التوبة، { ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )٤ ؛ وما جاءوا على الحقيقة متضرعين مخبتين، ولكن كانوا مخادعين مستهزئين، ولقد هتك القرآن سترهم، وبين سفههم، وحلم الله الذي يعلم سرهم وجهرهم، قال ربنا عز من قائل :{ وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون. فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )٥.
فأوحى ربنا إلى كليمه ورسوله أن سر ليلا بأخيك وبمن معكما واتجهوا نحو البحر فإذا بلغتموه فاضربه بعصاك ينحسر عن طريق صلبة لا تسوخ فيها أقدامكم، ولا يدرككم فيها عدوكم ؛ وكان ما أراد الله، وتحقق سؤال موسى وهارون إذ دعوا ربهما :﴿ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون )٦ ؛ فخرج موسى بمن اتبعه ليلا، فأصبح فرعون يتميز غيظا، فسارع إلى تعبئة جنده، وأرسل في المدائن يحشد جمعه ويستنفرهم، كما حكى كتاب الله العزيز :{ فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا لجميع حاذرون )٧ ؛ فاجتمع له من استفزهم فقادهم مشرقا٨ يطلب أعداءهم، { فأتبعه فرعون بجنوده ﴾ : أشرف المسرف العاتي بجنده على جموع المسلمين، وقد انفلق لهم البحر، فلم يزدجر ولا ازدجروا بتلك الآية الربانية الباهرة، ولا ادكروا بنصيحة موسى المنصفة إذ كان قد قال لهم ما بين وحي الله :{ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون )٩ ؛ لكن غلبت عليهم الشقوة، وحقت عليهم الكلمة، فمضوا يسيرون في آثار المؤمنين، فلما جاوز المؤمنون البحر حتى انطبق على الخاطئين المتجبرين :{ فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين )١٠.
﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى ﴾ فغطاهم من أهوال الغرق والخنق والاستئصال بلاء عظيم، وتلك مما أعد الله من عاقبة للضالين ومن تابعهم في ضلالهم، فسلك بهم مسلكا أفضى إلى خسرانهم عاجلا وآجلا ؛ ﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا )١١ ؛ وما أرشدهم إلى سبيل السلامة في الدنيا ويوم القيامة ؛ ثم امتن الله تعالى على بني إسرائيل ليذكروا فيشكروا ولا يكفروا، وعدد سبحانه جوانب من نعمه وآلائه ليحرصوا على دوامها بالقيام بحقها :{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ﴾ اذكروا إذا خلصتكم١٢ من فرعون وقومه الذين أذاقوكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ويستعبدون رجالكم، وها قد رأيتم بأعينكم ما صنع لكم ربكم ؛ ﴿ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ﴾ وواعدت رسولي إليكم موسى ليتلقى وحيي وكلماتي عند طور سنين الجبل المبارك في الوادي المقدس ؛ و﴿ الأيمن ﴾ صفة للجانب، ربما لكونه عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام ؛ ووعدناكم بواسطة نبيكم في ذلك الجانب إتيان موسى عليه السلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه السلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم فكأنهم كلهم مواعدون ١٣ ؛ [ وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريبا وأما المن فقد تقدم.. ، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء ؛ والسلوى : طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد.. ]١٤، ﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾ ﴿ ولا تطغوا فيه ﴾ أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، وتعدى حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر، والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه ١٥، فمن لم ينهج هذا النهج حاق به غضبي وأحاطه، ومن أغضب عليه يهلك.
﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾ جاءهم في الآية السابقة من الله نذير، ثم جاءت في هذه البشرى بواسع المغفرة لأهل التوبة والتصديق، والطاعة والاستقامة، وسيقت مؤكدة ب ﴿ إن ﴾، مضافة إلى غافر الذنب وقابل التوب جل علاه، مقسما عليها باللام الممهدة للقسم وعد الله لا يخلف الله وعده لكن الرحمة على عظيم سعتها لا تكون في الآخرة إلا لأهلها ﴿.. ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول.. )١٦ ؛ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن : سؤال ! كيف أثبت المغفرة في حق من استجمع التوبة والإيمان والعمل الصالح، والمغفرة إنما تتصور في حق من أذنب ؟ وأيضا : ما معنى قوله :{ ثم اهتدى ﴾ بعد الأمور المذكورة والاهتداء إنما يكون قبلها لا أقل من أن يكون معها ؟ الجواب : أراد : وإني لغفار لمن تاب من الكفر وآمن وعمل صالحا وفيه دليل لمن ذهب إلى وجوب تقديم التوبة من الكفر على الإيمان والحاصل أن الغفران يعود إلى الذنوب السابقة على هذه الأمور ؛ ويجوز أن يراد أنه إذا تاب من الكفر وأقبل على الإيمان والعمل الصالح فإن الله يغفر الصغائر التي تصدر عنه... وأما الاهتداء فالمراد به الاستقامة والثبات على الأمور المذكورة... فإن المداومة على الخدمة أصعب من الشروع فيها، كما قيل :
لكل إلى شأو العلى حركات ولكن عزيز في الرجال ثبات
١ سورة الأعراف. الآية ١٢٧..
٢ سورة الأعراف. من الآية١٣٣..
٣ سورة الزخرف. الآية ٤٨..
٤ سورة الأعراف. الآية ١٣٤.
٥ سورة الزخرف. الآيتان ٤٩، ٥٠..
٦ سورة يونس. الآيتان ٨٨، ٨٩..
٧ سورة الشعراء. الآيات: ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٦..
٨ مشرقا: متجها ناحية الشرق..
٩ سورة الدخان. الآية ٢١..
١٠ سورة الزخرف. الآيتان ٥٥، ٥٦.
١١ سورة نوح. الآية ٢٥..
١٢ في الصحيحين عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى على فرعون، فقال: "نحن أولى بموسى منهم فصوموه"..
١٣ مابين العارضتين من روح المعاني..
١٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
١٥ ما بين العارضتين من روح المعاني..
١٦ سورة الأعراف. من الآيتين: ١٥٦، ١٥٧..

﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى { ٨٣ ) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى { ٨٤ ) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ { ٨٥ ) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي { ٨٦ ) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ { ٨٧ ) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ { ٨٨ ) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا { ٨٩ ) ﴾
طوي في هذه السورة ما فصل من خروج موسى عليه السلام للميقات بعد أربعين ليلة تمت منذ وعده الله العلي الكبير بالمناجاة وتلقي التوراة، وفي سورة الأعراف تفصيل ذلك ؛ فلما ذهب لميقات ربه كان النقباء قد أبطئوا، أو سارع هو عليه السلام شوقا إلى سماع كلام العلي الأعلى، فعوتب إذ لم يمكث مع قومه وهم حديثو عهد بإسلام، ولا تؤمن عليهم الفتنة حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة... أي وقلنا له : أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم، والمراد بهم هنا عند كثير... النقباء السبعون.. والاستفهام للإنكار.. ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد، كأنه عليه السلام قال : إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة، وظني أن مثل ذلك لا ينكر.. ونحو هذا : الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة ؛... ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك ﴾ أي اختبرناهم بما فعل السامري.. ﴿ من بعدك ﴾ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم، ﴿ وأضلهم السامري ﴾... قيل : قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة : إنه قد كملت الأربعون، فجعل العشرين مع أيامها أربعين.. وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم... وكان من أمر العجل ما كان، والمراد ب﴿ قومك ﴾ هنا : الذين خلفهم مع هارون عليه السلام.. فالمراد به غير المراد ب ﴿ قومك ﴾ فيما تقدم ١.
والسامري كما قال الزجاج : كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة ؛ وقيل كان من عباد البقر ؛ ونقل ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل يأتيه فيغذوه، ولم يزل يغذوه حتى نشأ، وعلى ذلك قول من قال :
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت عقول مربيه وخاب المؤمل
فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرعون مرسل
﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ﴾ بعد المناجاة وتلقى التوراة عاد موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل حيث استخلف عليهم هارون عليه السلام، لكنه رجع متغيظا مغضبا حزينا على ما كان من ضلال المفتونين، فعاتبهم وهو يكظم غيظه :﴿ قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ﴾ استمالهم لكيلا ينفروا، وذكرهم بما يجمع بينهم وبينه، وأنهم حظه من الأمم : أما وعدكم مولانا على لساني بالخير الكثير والعاقبة الحسنة ؟ ! لقد أراكم ربكم من إنجاز وعده الكريم النصر العظيم والبر العميم ؛ ﴿ أفطال عليكم العهد ﴾ هل تباعدت المدة فقست قلوبكم أم استبطأتم حلول الإنجاز ؟ ! ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾ أم زين لكم أن تفعلوا ما يكون سببا في حلول غضب ربكم عليكم، وأخلفتم وعدكم إياي بالثبات على الدين الذي أنزل على نبيكم ؟ !
﴿ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾ وعدنا إياك بالثبات على الدين لم نخلفه ونحن نطيق الوفاء به، ولكن خدعنا فيما سول لنا السامري فلم نتمالك أنفسنا ؛ ﴿ ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها ﴾ جاءنا تغرير السامري من جهة ما حملنا من حلي وعنوا بذلك ما استعاروه من القبط... وقيل هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا ؛ فمثل الذي ذكرناه لك ألقى السامري إلينا قال لهم : إنما تأخر موسى عليه السلام عنكم لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها أو نقذف فيها ما معنا منه، ففعلوا، وكان صنع في الحفيرة قالب عجل ٢ ؛ ﴿ فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ﴾ أخرج جسدا من ذهب لا روح فيه ؛ عن ابن عباس قال : كأن بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه ألقى السامري القبضة٣، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ؛ فصار كذلك ؛ وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه فيسمع له صوت. اه ؛ ﴿ فنسي ﴾ عن مكحول : الضمير للسامري، والنسيان مجاز عن الترك، أي : فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من إسرار الكفر. ا ه.
١ ما بين العارضتين من روح المعاني.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٣ أشار إليها الكتاب العزيز بقوله: ﴿فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي﴾ الآية ٩٦..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى { ٨٣ ) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى { ٨٤ ) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ { ٨٥ ) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي { ٨٦ ) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ { ٨٧ ) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ { ٨٨ ) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا { ٨٩ ) ﴾
طوي في هذه السورة ما فصل من خروج موسى عليه السلام للميقات بعد أربعين ليلة تمت منذ وعده الله العلي الكبير بالمناجاة وتلقي التوراة، وفي سورة الأعراف تفصيل ذلك ؛ فلما ذهب لميقات ربه كان النقباء قد أبطئوا، أو سارع هو عليه السلام شوقا إلى سماع كلام العلي الأعلى، فعوتب إذ لم يمكث مع قومه وهم حديثو عهد بإسلام، ولا تؤمن عليهم الفتنة حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة... أي وقلنا له : أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم، والمراد بهم هنا عند كثير... النقباء السبعون.. والاستفهام للإنكار.. ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد، كأنه عليه السلام قال : إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة، وظني أن مثل ذلك لا ينكر.. ونحو هذا : الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة ؛... ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك ﴾ أي اختبرناهم بما فعل السامري.. ﴿ من بعدك ﴾ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم، ﴿ وأضلهم السامري ﴾... قيل : قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة : إنه قد كملت الأربعون، فجعل العشرين مع أيامها أربعين.. وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم... وكان من أمر العجل ما كان، والمراد ب﴿ قومك ﴾ هنا : الذين خلفهم مع هارون عليه السلام.. فالمراد به غير المراد ب ﴿ قومك ﴾ فيما تقدم ١.
والسامري كما قال الزجاج : كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة ؛ وقيل كان من عباد البقر ؛ ونقل ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل يأتيه فيغذوه، ولم يزل يغذوه حتى نشأ، وعلى ذلك قول من قال :
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت عقول مربيه وخاب المؤمل
فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرعون مرسل
﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ﴾ بعد المناجاة وتلقى التوراة عاد موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل حيث استخلف عليهم هارون عليه السلام، لكنه رجع متغيظا مغضبا حزينا على ما كان من ضلال المفتونين، فعاتبهم وهو يكظم غيظه :﴿ قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ﴾ استمالهم لكيلا ينفروا، وذكرهم بما يجمع بينهم وبينه، وأنهم حظه من الأمم : أما وعدكم مولانا على لساني بالخير الكثير والعاقبة الحسنة ؟ ! لقد أراكم ربكم من إنجاز وعده الكريم النصر العظيم والبر العميم ؛ ﴿ أفطال عليكم العهد ﴾ هل تباعدت المدة فقست قلوبكم أم استبطأتم حلول الإنجاز ؟ ! ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾ أم زين لكم أن تفعلوا ما يكون سببا في حلول غضب ربكم عليكم، وأخلفتم وعدكم إياي بالثبات على الدين الذي أنزل على نبيكم ؟ !
﴿ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾ وعدنا إياك بالثبات على الدين لم نخلفه ونحن نطيق الوفاء به، ولكن خدعنا فيما سول لنا السامري فلم نتمالك أنفسنا ؛ ﴿ ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها ﴾ جاءنا تغرير السامري من جهة ما حملنا من حلي وعنوا بذلك ما استعاروه من القبط... وقيل هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا ؛ فمثل الذي ذكرناه لك ألقى السامري إلينا قال لهم : إنما تأخر موسى عليه السلام عنكم لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها أو نقذف فيها ما معنا منه، ففعلوا، وكان صنع في الحفيرة قالب عجل ٢ ؛ ﴿ فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ﴾ أخرج جسدا من ذهب لا روح فيه ؛ عن ابن عباس قال : كأن بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه ألقى السامري القبضة٣، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ؛ فصار كذلك ؛ وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه فيسمع له صوت. اه ؛ ﴿ فنسي ﴾ عن مكحول : الضمير للسامري، والنسيان مجاز عن الترك، أي : فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من إسرار الكفر. ا ه.
١ ما بين العارضتين من روح المعاني.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٣ أشار إليها الكتاب العزيز بقوله: ﴿فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي﴾ الآية ٩٦..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى { ٨٣ ) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى { ٨٤ ) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ { ٨٥ ) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي { ٨٦ ) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ { ٨٧ ) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ { ٨٨ ) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا { ٨٩ ) ﴾
طوي في هذه السورة ما فصل من خروج موسى عليه السلام للميقات بعد أربعين ليلة تمت منذ وعده الله العلي الكبير بالمناجاة وتلقي التوراة، وفي سورة الأعراف تفصيل ذلك ؛ فلما ذهب لميقات ربه كان النقباء قد أبطئوا، أو سارع هو عليه السلام شوقا إلى سماع كلام العلي الأعلى، فعوتب إذ لم يمكث مع قومه وهم حديثو عهد بإسلام، ولا تؤمن عليهم الفتنة حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة... أي وقلنا له : أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم، والمراد بهم هنا عند كثير... النقباء السبعون.. والاستفهام للإنكار.. ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد، كأنه عليه السلام قال : إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة، وظني أن مثل ذلك لا ينكر.. ونحو هذا : الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة ؛... ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك ﴾ أي اختبرناهم بما فعل السامري.. ﴿ من بعدك ﴾ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم، ﴿ وأضلهم السامري ﴾... قيل : قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة : إنه قد كملت الأربعون، فجعل العشرين مع أيامها أربعين.. وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم... وكان من أمر العجل ما كان، والمراد ب﴿ قومك ﴾ هنا : الذين خلفهم مع هارون عليه السلام.. فالمراد به غير المراد ب ﴿ قومك ﴾ فيما تقدم ١.
والسامري كما قال الزجاج : كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة ؛ وقيل كان من عباد البقر ؛ ونقل ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل يأتيه فيغذوه، ولم يزل يغذوه حتى نشأ، وعلى ذلك قول من قال :
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت عقول مربيه وخاب المؤمل
فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرعون مرسل
﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ﴾ بعد المناجاة وتلقى التوراة عاد موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل حيث استخلف عليهم هارون عليه السلام، لكنه رجع متغيظا مغضبا حزينا على ما كان من ضلال المفتونين، فعاتبهم وهو يكظم غيظه :﴿ قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ﴾ استمالهم لكيلا ينفروا، وذكرهم بما يجمع بينهم وبينه، وأنهم حظه من الأمم : أما وعدكم مولانا على لساني بالخير الكثير والعاقبة الحسنة ؟ ! لقد أراكم ربكم من إنجاز وعده الكريم النصر العظيم والبر العميم ؛ ﴿ أفطال عليكم العهد ﴾ هل تباعدت المدة فقست قلوبكم أم استبطأتم حلول الإنجاز ؟ ! ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾ أم زين لكم أن تفعلوا ما يكون سببا في حلول غضب ربكم عليكم، وأخلفتم وعدكم إياي بالثبات على الدين الذي أنزل على نبيكم ؟ !
﴿ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾ وعدنا إياك بالثبات على الدين لم نخلفه ونحن نطيق الوفاء به، ولكن خدعنا فيما سول لنا السامري فلم نتمالك أنفسنا ؛ ﴿ ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها ﴾ جاءنا تغرير السامري من جهة ما حملنا من حلي وعنوا بذلك ما استعاروه من القبط... وقيل هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا ؛ فمثل الذي ذكرناه لك ألقى السامري إلينا قال لهم : إنما تأخر موسى عليه السلام عنكم لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها أو نقذف فيها ما معنا منه، ففعلوا، وكان صنع في الحفيرة قالب عجل ٢ ؛ ﴿ فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ﴾ أخرج جسدا من ذهب لا روح فيه ؛ عن ابن عباس قال : كأن بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه ألقى السامري القبضة٣، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ؛ فصار كذلك ؛ وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه فيسمع له صوت. اه ؛ ﴿ فنسي ﴾ عن مكحول : الضمير للسامري، والنسيان مجاز عن الترك، أي : فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من إسرار الكفر. ا ه.
١ ما بين العارضتين من روح المعاني.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٣ أشار إليها الكتاب العزيز بقوله: ﴿فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي﴾ الآية ٩٦..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى { ٨٣ ) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى { ٨٤ ) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ { ٨٥ ) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي { ٨٦ ) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ { ٨٧ ) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ { ٨٨ ) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا { ٨٩ ) ﴾
طوي في هذه السورة ما فصل من خروج موسى عليه السلام للميقات بعد أربعين ليلة تمت منذ وعده الله العلي الكبير بالمناجاة وتلقي التوراة، وفي سورة الأعراف تفصيل ذلك ؛ فلما ذهب لميقات ربه كان النقباء قد أبطئوا، أو سارع هو عليه السلام شوقا إلى سماع كلام العلي الأعلى، فعوتب إذ لم يمكث مع قومه وهم حديثو عهد بإسلام، ولا تؤمن عليهم الفتنة حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة... أي وقلنا له : أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم، والمراد بهم هنا عند كثير... النقباء السبعون.. والاستفهام للإنكار.. ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد، كأنه عليه السلام قال : إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة، وظني أن مثل ذلك لا ينكر.. ونحو هذا : الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة ؛... ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك ﴾ أي اختبرناهم بما فعل السامري.. ﴿ من بعدك ﴾ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم، ﴿ وأضلهم السامري ﴾... قيل : قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة : إنه قد كملت الأربعون، فجعل العشرين مع أيامها أربعين.. وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم... وكان من أمر العجل ما كان، والمراد ب﴿ قومك ﴾ هنا : الذين خلفهم مع هارون عليه السلام.. فالمراد به غير المراد ب ﴿ قومك ﴾ فيما تقدم ١.
والسامري كما قال الزجاج : كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة ؛ وقيل كان من عباد البقر ؛ ونقل ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل يأتيه فيغذوه، ولم يزل يغذوه حتى نشأ، وعلى ذلك قول من قال :
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت عقول مربيه وخاب المؤمل
فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرعون مرسل
﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ﴾ بعد المناجاة وتلقى التوراة عاد موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل حيث استخلف عليهم هارون عليه السلام، لكنه رجع متغيظا مغضبا حزينا على ما كان من ضلال المفتونين، فعاتبهم وهو يكظم غيظه :﴿ قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ﴾ استمالهم لكيلا ينفروا، وذكرهم بما يجمع بينهم وبينه، وأنهم حظه من الأمم : أما وعدكم مولانا على لساني بالخير الكثير والعاقبة الحسنة ؟ ! لقد أراكم ربكم من إنجاز وعده الكريم النصر العظيم والبر العميم ؛ ﴿ أفطال عليكم العهد ﴾ هل تباعدت المدة فقست قلوبكم أم استبطأتم حلول الإنجاز ؟ ! ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾ أم زين لكم أن تفعلوا ما يكون سببا في حلول غضب ربكم عليكم، وأخلفتم وعدكم إياي بالثبات على الدين الذي أنزل على نبيكم ؟ !
﴿ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾ وعدنا إياك بالثبات على الدين لم نخلفه ونحن نطيق الوفاء به، ولكن خدعنا فيما سول لنا السامري فلم نتمالك أنفسنا ؛ ﴿ ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها ﴾ جاءنا تغرير السامري من جهة ما حملنا من حلي وعنوا بذلك ما استعاروه من القبط... وقيل هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا ؛ فمثل الذي ذكرناه لك ألقى السامري إلينا قال لهم : إنما تأخر موسى عليه السلام عنكم لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها أو نقذف فيها ما معنا منه، ففعلوا، وكان صنع في الحفيرة قالب عجل ٢ ؛ ﴿ فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ﴾ أخرج جسدا من ذهب لا روح فيه ؛ عن ابن عباس قال : كأن بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه ألقى السامري القبضة٣، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ؛ فصار كذلك ؛ وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه فيسمع له صوت. اه ؛ ﴿ فنسي ﴾ عن مكحول : الضمير للسامري، والنسيان مجاز عن الترك، أي : فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من إسرار الكفر. ا ه.
١ ما بين العارضتين من روح المعاني.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٣ أشار إليها الكتاب العزيز بقوله: ﴿فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي﴾ الآية ٩٦..

﴿ بملكنا ﴾ بطاقتنا. ﴿ أوزارا ﴾ أثقالا وأحمالا.
﴿ فقذفناها ﴾ فرمينا بها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى { ٨٣ ) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى { ٨٤ ) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ { ٨٥ ) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي { ٨٦ ) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ { ٨٧ ) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ { ٨٨ ) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا { ٨٩ ) ﴾
طوي في هذه السورة ما فصل من خروج موسى عليه السلام للميقات بعد أربعين ليلة تمت منذ وعده الله العلي الكبير بالمناجاة وتلقي التوراة، وفي سورة الأعراف تفصيل ذلك ؛ فلما ذهب لميقات ربه كان النقباء قد أبطئوا، أو سارع هو عليه السلام شوقا إلى سماع كلام العلي الأعلى، فعوتب إذ لم يمكث مع قومه وهم حديثو عهد بإسلام، ولا تؤمن عليهم الفتنة حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة... أي وقلنا له : أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم، والمراد بهم هنا عند كثير... النقباء السبعون.. والاستفهام للإنكار.. ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد، كأنه عليه السلام قال : إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة، وظني أن مثل ذلك لا ينكر.. ونحو هذا : الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة ؛... ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك ﴾ أي اختبرناهم بما فعل السامري.. ﴿ من بعدك ﴾ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم، ﴿ وأضلهم السامري ﴾... قيل : قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة : إنه قد كملت الأربعون، فجعل العشرين مع أيامها أربعين.. وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم... وكان من أمر العجل ما كان، والمراد ب﴿ قومك ﴾ هنا : الذين خلفهم مع هارون عليه السلام.. فالمراد به غير المراد ب ﴿ قومك ﴾ فيما تقدم ١.
والسامري كما قال الزجاج : كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة ؛ وقيل كان من عباد البقر ؛ ونقل ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل يأتيه فيغذوه، ولم يزل يغذوه حتى نشأ، وعلى ذلك قول من قال :
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت عقول مربيه وخاب المؤمل
فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرعون مرسل
﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ﴾ بعد المناجاة وتلقى التوراة عاد موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل حيث استخلف عليهم هارون عليه السلام، لكنه رجع متغيظا مغضبا حزينا على ما كان من ضلال المفتونين، فعاتبهم وهو يكظم غيظه :﴿ قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ﴾ استمالهم لكيلا ينفروا، وذكرهم بما يجمع بينهم وبينه، وأنهم حظه من الأمم : أما وعدكم مولانا على لساني بالخير الكثير والعاقبة الحسنة ؟ ! لقد أراكم ربكم من إنجاز وعده الكريم النصر العظيم والبر العميم ؛ ﴿ أفطال عليكم العهد ﴾ هل تباعدت المدة فقست قلوبكم أم استبطأتم حلول الإنجاز ؟ ! ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾ أم زين لكم أن تفعلوا ما يكون سببا في حلول غضب ربكم عليكم، وأخلفتم وعدكم إياي بالثبات على الدين الذي أنزل على نبيكم ؟ !
﴿ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾ وعدنا إياك بالثبات على الدين لم نخلفه ونحن نطيق الوفاء به، ولكن خدعنا فيما سول لنا السامري فلم نتمالك أنفسنا ؛ ﴿ ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها ﴾ جاءنا تغرير السامري من جهة ما حملنا من حلي وعنوا بذلك ما استعاروه من القبط... وقيل هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا ؛ فمثل الذي ذكرناه لك ألقى السامري إلينا قال لهم : إنما تأخر موسى عليه السلام عنكم لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها أو نقذف فيها ما معنا منه، ففعلوا، وكان صنع في الحفيرة قالب عجل ٢ ؛ ﴿ فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ﴾ أخرج جسدا من ذهب لا روح فيه ؛ عن ابن عباس قال : كأن بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه ألقى السامري القبضة٣، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ؛ فصار كذلك ؛ وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه فيسمع له صوت. اه ؛ ﴿ فنسي ﴾ عن مكحول : الضمير للسامري، والنسيان مجاز عن الترك، أي : فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من إسرار الكفر. ا ه.
١ ما بين العارضتين من روح المعاني.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٣ أشار إليها الكتاب العزيز بقوله: ﴿فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي﴾ الآية ٩٦..

﴿ عجلا ﴾ يطلق على ولد البقرة. ﴿ خوار ﴾ صوت البقر. ﴿ فنسي ﴾ فضل.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى { ٨٣ ) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى { ٨٤ ) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ { ٨٥ ) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي { ٨٦ ) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ { ٨٧ ) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ { ٨٨ ) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا { ٨٩ ) ﴾
طوي في هذه السورة ما فصل من خروج موسى عليه السلام للميقات بعد أربعين ليلة تمت منذ وعده الله العلي الكبير بالمناجاة وتلقي التوراة، وفي سورة الأعراف تفصيل ذلك ؛ فلما ذهب لميقات ربه كان النقباء قد أبطئوا، أو سارع هو عليه السلام شوقا إلى سماع كلام العلي الأعلى، فعوتب إذ لم يمكث مع قومه وهم حديثو عهد بإسلام، ولا تؤمن عليهم الفتنة حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة... أي وقلنا له : أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم، والمراد بهم هنا عند كثير... النقباء السبعون.. والاستفهام للإنكار.. ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد، كأنه عليه السلام قال : إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة، وظني أن مثل ذلك لا ينكر.. ونحو هذا : الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة ؛... ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك ﴾ أي اختبرناهم بما فعل السامري.. ﴿ من بعدك ﴾ من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم، ﴿ وأضلهم السامري ﴾... قيل : قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة : إنه قد كملت الأربعون، فجعل العشرين مع أيامها أربعين.. وليس إخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلي القوم... وكان من أمر العجل ما كان، والمراد ب﴿ قومك ﴾ هنا : الذين خلفهم مع هارون عليه السلام.. فالمراد به غير المراد ب ﴿ قومك ﴾ فيما تقدم ١.
والسامري كما قال الزجاج : كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة ؛ وقيل كان من عباد البقر ؛ ونقل ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل يأتيه فيغذوه، ولم يزل يغذوه حتى نشأ، وعلى ذلك قول من قال :
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت عقول مربيه وخاب المؤمل
فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرعون مرسل
﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ﴾ بعد المناجاة وتلقى التوراة عاد موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل حيث استخلف عليهم هارون عليه السلام، لكنه رجع متغيظا مغضبا حزينا على ما كان من ضلال المفتونين، فعاتبهم وهو يكظم غيظه :﴿ قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ﴾ استمالهم لكيلا ينفروا، وذكرهم بما يجمع بينهم وبينه، وأنهم حظه من الأمم : أما وعدكم مولانا على لساني بالخير الكثير والعاقبة الحسنة ؟ ! لقد أراكم ربكم من إنجاز وعده الكريم النصر العظيم والبر العميم ؛ ﴿ أفطال عليكم العهد ﴾ هل تباعدت المدة فقست قلوبكم أم استبطأتم حلول الإنجاز ؟ ! ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾ أم زين لكم أن تفعلوا ما يكون سببا في حلول غضب ربكم عليكم، وأخلفتم وعدكم إياي بالثبات على الدين الذي أنزل على نبيكم ؟ !
﴿ قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾ وعدنا إياك بالثبات على الدين لم نخلفه ونحن نطيق الوفاء به، ولكن خدعنا فيما سول لنا السامري فلم نتمالك أنفسنا ؛ ﴿ ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها ﴾ جاءنا تغرير السامري من جهة ما حملنا من حلي وعنوا بذلك ما استعاروه من القبط... وقيل هو ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا ؛ فمثل الذي ذكرناه لك ألقى السامري إلينا قال لهم : إنما تأخر موسى عليه السلام عنكم لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها أو نقذف فيها ما معنا منه، ففعلوا، وكان صنع في الحفيرة قالب عجل ٢ ؛ ﴿ فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ﴾ أخرج جسدا من ذهب لا روح فيه ؛ عن ابن عباس قال : كأن بني إسرائيل تأثموا من حلي آل فرعون الذي معهم فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه ألقى السامري القبضة٣، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ؛ فصار كذلك ؛ وكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه فيسمع له صوت. اه ؛ ﴿ فنسي ﴾ عن مكحول : الضمير للسامري، والنسيان مجاز عن الترك، أي : فأظهر السامري النفاق فترك ما كان فيه من إسرار الكفر. ا ه.
١ ما بين العارضتين من روح المعاني.
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٣ أشار إليها الكتاب العزيز بقوله: ﴿فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي﴾ الآية ٩٦..

﴿ أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ﴾ أفلم يعقل هؤلاء أن جسدا خامدا لا يلقي لهم كلاما ولا يرد عليهم جوابا لا يقدر على أن يدفع عنهم ضرا ولا أن يجلب إليهم خيرا يستحيل أن يكون إلها ؟ !
﴿ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي { ٩٠ ) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى { ٩١ ) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا { ٩٢ ) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي { ٩٣ ) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي { ٩٤ ) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ { ٩٥ ) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي { ٩٦ ) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا { ٩٧ ) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا { ٩٨ ) ﴾
﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل ﴾ تحقيق وقسم، لتقرير وتوكيد أن هارون عليه السلام قد قاوم الضلالة فور ظهورها :﴿ يا قوم إنما فتنتم به ﴾ ونبههم إلى أنهم خدعوا قال لعبدة العجل من بني إسرائيل هارون من قبل رجوع موسى إليهم :... إنما اختبر الله إيمانكم، ومحافظتكم على دينكم، بهذا العجل الذي أحدث فيه الخوار، ليعلم به الصحيح الإيمان منكم من المريض القلب الشاك في دينه-١ ؛ زجرهم عن الباطل ثم ذكرهم بالرشد وناداهم إليه :﴿ وإن ربكم الرحمن فاتبعوني ﴾ تذكروا واستيقنوا أن معبودكم وخالقكم ووليكم ليس العجل بل هو الله الرحمن الذي رحمكم وكشف عنكم الضر وأنجاكم من عدوكم [ ومن فوائد تخصيص هذا الاسم بالمقام أنهم إن تابوا.. فإن الله يرحمهم ويقبل توبتهم ]٢ ؛ فاعبدوا الله الذي أعبد، ولا تتبعوا سبيل المفسدين، بل اتبعوا نبيكم، فإني رسول رب العالمين الملك الحق المبين، ﴿ وأطيعوا أمري ﴾ ولا تطيعوا أمر الفتانين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم، لكن النبي لا يأمر إلا بالقسط، وطاعته من طاعة الله فأطيعون ؛ وهيهات أن يرجع المفتون :{ ... ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك لم يرد الله أن يطهر قلوبهم... )٣ فأصروا واستكبروا استكبارا.
١ ما بين العارضتين من جامع البيان..
٢ ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
٣ سورة المائدة. من الآية ٤١.
﴿ قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾ رد عبدة العجل على نبيهم هارون قائلين : لن نزال على عبادة العجل مقيمين ؛ ولا يخفى ما في هذا الكلام من أنواع التوكيد من جهة النفي بلن، ومن لفظ البراح والعكوف، ومن صيغة اسم الفاعل، ومن تقديم الخبر ١ ؛ ومما جاء في روح المعاني : الظاهر من حالهم أنهم لم يجعلوا رجوعه عليه السلام [ الضمير عائد على موسى صلوات ربنا عليه ] غاية للعكوف على عبادة العجل على طريق الوعد بتركها لا محالة عند رجوعه، بل ليروا ماذا يكون منه عليه السلام، وماذا يقول فيه. اه.
١ ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
﴿ قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا. ألا تتبعن أفعصيت أمري ﴾ ؟ !
قال موسى لهارون - عليهما السلام - : ألم آمرك أن تخلفني في القوم مصلحا ؟ فهل من صلاحهم أن تعايش الضالين بعد ضلالهم ؟ وما الذي حملك على عدم اتباعي في تأديبهم أو فراقهم ؟ قال ابن عباس : يريد أن مقامك بينهم وقد عبدوا غير الله تعالى عصيان منك لي. اه ؛ فلما أقام معهم، ولم يبالغ في منعهم، والإنكار عليهم، نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره ؛ وقال مقاتل : أراد الاتباع في وصيته كأنه قال : هلا قاتلت من كفر بمن آمن ! وما لك لا تباشر الأمر كما كنت أباشره !. ﴿ قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾ ؛ وبينت آية كريمة أخرى أن هارون عليه السلام إنما قال ما قال لشقيقه عليهما السلام إذ أمسك بشعره يجذبه :﴿ .. قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه.. )١ ؛ [ { يا ابن أم ﴾ ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه، لأن ذكر الأم ها هنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف ]٢ ؛ ﴿ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ﴾ لا تجذب شعر لحيتي ورأسي، فإني لم أرد خلافك ؛ ﴿ إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾، لكأن المعنى : إني ما قصرت في إنكار المنكر، ولكن خفت إن اعتزلت الفرقة المفتونة أن تلومني على تلك التفرقة، وحذرت أن أقاتلهم فتكون فرقة لا اجتماع بعدها ؛ مما أورد الألوسي : وحاصل اعتذاره عليه السلام : إني رأيت الإصلاح في حفظ الدهماء والمداراة معهم، وزجرهم على وجه لا يختل به أمر انتظامهم واجتماعهم، ولا يكون سببا للومك إياي، إلى أن ترجع إليهم فتكون أنت المتدارك للأمر حسبما تراه لاسيما والقوم قد استضعفوني وقربوا أن يقتلوني. ا ه.
١ سورة الأعراف. من الآية ١٥٠..
٢ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:﴿ قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا. ألا تتبعن أفعصيت أمري ﴾ ؟ !
قال موسى لهارون - عليهما السلام - : ألم آمرك أن تخلفني في القوم مصلحا ؟ فهل من صلاحهم أن تعايش الضالين بعد ضلالهم ؟ وما الذي حملك على عدم اتباعي في تأديبهم أو فراقهم ؟ قال ابن عباس : يريد أن مقامك بينهم وقد عبدوا غير الله تعالى عصيان منك لي. اه ؛ فلما أقام معهم، ولم يبالغ في منعهم، والإنكار عليهم، نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره ؛ وقال مقاتل : أراد الاتباع في وصيته كأنه قال : هلا قاتلت من كفر بمن آمن ! وما لك لا تباشر الأمر كما كنت أباشره !. ﴿ قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾ ؛ وبينت آية كريمة أخرى أن هارون عليه السلام إنما قال ما قال لشقيقه عليهما السلام إذ أمسك بشعره يجذبه :﴿.. قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه.. )١ ؛ [ { يا ابن أم ﴾ ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه، لأن ذكر الأم ها هنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف ]٢ ؛ ﴿ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ﴾ لا تجذب شعر لحيتي ورأسي، فإني لم أرد خلافك ؛ ﴿ إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾، لكأن المعنى : إني ما قصرت في إنكار المنكر، ولكن خفت إن اعتزلت الفرقة المفتونة أن تلومني على تلك التفرقة، وحذرت أن أقاتلهم فتكون فرقة لا اجتماع بعدها ؛ مما أورد الألوسي : وحاصل اعتذاره عليه السلام : إني رأيت الإصلاح في حفظ الدهماء والمداراة معهم، وزجرهم على وجه لا يختل به أمر انتظامهم واجتماعهم، ولا يكون سببا للومك إياي، إلى أن ترجع إليهم فتكون أنت المتدارك للأمر حسبما تراه لاسيما والقوم قد استضعفوني وقربوا أن يقتلوني. ا ه.
١ سورة الأعراف. من الآية ١٥٠..
٢ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:﴿ قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا. ألا تتبعن أفعصيت أمري ﴾ ؟ !
قال موسى لهارون - عليهما السلام - : ألم آمرك أن تخلفني في القوم مصلحا ؟ فهل من صلاحهم أن تعايش الضالين بعد ضلالهم ؟ وما الذي حملك على عدم اتباعي في تأديبهم أو فراقهم ؟ قال ابن عباس : يريد أن مقامك بينهم وقد عبدوا غير الله تعالى عصيان منك لي. اه ؛ فلما أقام معهم، ولم يبالغ في منعهم، والإنكار عليهم، نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره ؛ وقال مقاتل : أراد الاتباع في وصيته كأنه قال : هلا قاتلت من كفر بمن آمن ! وما لك لا تباشر الأمر كما كنت أباشره !. ﴿ قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾ ؛ وبينت آية كريمة أخرى أن هارون عليه السلام إنما قال ما قال لشقيقه عليهما السلام إذ أمسك بشعره يجذبه :﴿.. قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه.. )١ ؛ [ { يا ابن أم ﴾ ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه، لأن ذكر الأم ها هنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف ]٢ ؛ ﴿ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ﴾ لا تجذب شعر لحيتي ورأسي، فإني لم أرد خلافك ؛ ﴿ إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾، لكأن المعنى : إني ما قصرت في إنكار المنكر، ولكن خفت إن اعتزلت الفرقة المفتونة أن تلومني على تلك التفرقة، وحذرت أن أقاتلهم فتكون فرقة لا اجتماع بعدها ؛ مما أورد الألوسي : وحاصل اعتذاره عليه السلام : إني رأيت الإصلاح في حفظ الدهماء والمداراة معهم، وزجرهم على وجه لا يختل به أمر انتظامهم واجتماعهم، ولا يكون سببا للومك إياي، إلى أن ترجع إليهم فتكون أنت المتدارك للأمر حسبما تراه لاسيما والقوم قد استضعفوني وقربوا أن يقتلوني. ا ه.
١ سورة الأعراف. من الآية ١٥٠..
٢ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..

﴿ قال فما خطبك يا سامري. قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي ﴾ ؛ قبل موسى عذر هارون عليهما السلام وسأل الله الغفران، ﴿ قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين )١ ؛ ثم توجه إلى تقريع السامري والإنكار عليه قائلا : فما سر هذا الضلال الذي أحدثت ؟ ! في الصحاح : الخطب : سبب الأمر وما حملك على ما صنعت ؟ ! فقال السامري : علمت ما لم يعلمه القوم، ورأيت جبريل حين جاء لهلاك فرعون، { فقبضت قبضة من أثر الرسول ﴾ [ أي من أثر فرسه، هذا هو المشهور عند كثير من المفسرين أو أكثرهم... والقبضة ملء الكف.. قال مجاهد : نبذ السامري، أي ألقى ما كان في يده على حلية بني إسرائيل... ﴿ وكذلك سولت لي نفسي ﴾ : أي حسنته وأعجبها إذ ذاك.
١ سورة الأعراف. الآية١٥١.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٥:﴿ قال فما خطبك يا سامري. قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي ﴾ ؛ قبل موسى عذر هارون عليهما السلام وسأل الله الغفران، ﴿ قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين )١ ؛ ثم توجه إلى تقريع السامري والإنكار عليه قائلا : فما سر هذا الضلال الذي أحدثت ؟ ! في الصحاح : الخطب : سبب الأمر وما حملك على ما صنعت ؟ ! فقال السامري : علمت ما لم يعلمه القوم، ورأيت جبريل حين جاء لهلاك فرعون، { فقبضت قبضة من أثر الرسول ﴾ [ أي من أثر فرسه، هذا هو المشهور عند كثير من المفسرين أو أكثرهم... والقبضة ملء الكف.. قال مجاهد : نبذ السامري، أي ألقى ما كان في يده على حلية بني إسرائيل... ﴿ وكذلك سولت لي نفسي ﴾ : أي حسنته وأعجبها إذ ذاك.
١ سورة الأعراف. الآية١٥١.

﴿ قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ﴾ :
أي كما أخذت ومسست ما لم يكن لك أخذه ومسه من أثر الرسول، فعقوبتك في الدنيا أن تقول لا مساس، أي : لا تماس الناس ولا يمسونك ]١ ؛ أما الجزاء في الآخرة فإن لك موعدا لعذابك، وعقوبتك على عظيم جنايتك، وإضلالك وضلالتك، لن يخلفكه الله، ولا أنت بمفلت منه أو متخلف عنه ؛ وانظر إلى معبودك الذي بقيت على عبادته لنهلكنه ونفرق ذراته تفريقا، ولنذرينه في البحر تذرية، وإثر إبطال الباطل عمد موسى إلى إحقاق الحق فقال :﴿ إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ﴾ إنما يستحق العبادة والطاعة الله الذي لا رب غيره ولا معبود بحق سواه، فهو العليم وغيره لا يعلم، وعلم ربنا محيط بكل شيء.
١ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٧:﴿ قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ﴾ :
أي كما أخذت ومسست ما لم يكن لك أخذه ومسه من أثر الرسول، فعقوبتك في الدنيا أن تقول لا مساس، أي : لا تماس الناس ولا يمسونك ]١ ؛ أما الجزاء في الآخرة فإن لك موعدا لعذابك، وعقوبتك على عظيم جنايتك، وإضلالك وضلالتك، لن يخلفكه الله، ولا أنت بمفلت منه أو متخلف عنه ؛ وانظر إلى معبودك الذي بقيت على عبادته لنهلكنه ونفرق ذراته تفريقا، ولنذرينه في البحر تذرية، وإثر إبطال الباطل عمد موسى إلى إحقاق الحق فقال :﴿ إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ﴾ إنما يستحق العبادة والطاعة الله الذي لا رب غيره ولا معبود بحق سواه، فهو العليم وغيره لا يعلم، وعلم ربنا محيط بكل شيء.
١ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..

﴿ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا { ٩٩ ) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا { ١٠٠ ) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا { ١٠١ ) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا { ١٠٢ ) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا { ١٠٣ ) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا { ١٠٤ ) ﴾
كذلك نحدثك ونبين لك من أنباء وأخبار وأحوال أشياء قد سبقت من قبلك فلم تشاهدها ولم تعاينها ؛ وفائدة هذا القص : توفير علمه عليه الصلاة والسلام، وتكثير معجزاته، وتسليته، وتذكرة المستبصرين من أمته صلى الله عليه وسلم ١.
وذكر المولى الحكيم بعظمة القرآن فقال ممتنا :﴿ وقد آتيناك من لدنا ذكرا ﴾ أعطيناك وأوحينا إليك من عندنا كتابا حقيقا بالتذكر، والتفكر فيه، والاعتبار به ؛ وذكر فيه كل ما يحتاج إليه المكلفون في عاجلهم وآجلهم ؛ وتلاوة آياته خير ذكر يذكر به الله تعالى ؛ ﴿ من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا. خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا ﴾ من ابتغى الهدى من غيره، ولم يؤمن به، ولم يعمل بما فيه فإنه مجرم يأتي يوم العرض على الواحد القهار يحمل ذنبه هذا الثقيل القبيح، فيخلد بجرمه هذا في دركات الجحيم ؛ وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم، أهل الكتاب وغيرهم، كما قال :{ لأنذركم به ومن بلغ.. )٢ ؛ فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداع، فمن اتبعه هدي، ومن خالفه وأعرض عنه ضل وشقي في الدنيا، والنار موعده يوم القيامة ٣.
١ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني.
٢ سورة الأنعام. من الآية ١٩..
٣ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٩:﴿ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا { ٩٩ ) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا { ١٠٠ ) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا { ١٠١ ) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا { ١٠٢ ) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا { ١٠٣ ) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا { ١٠٤ ) ﴾
كذلك نحدثك ونبين لك من أنباء وأخبار وأحوال أشياء قد سبقت من قبلك فلم تشاهدها ولم تعاينها ؛ وفائدة هذا القص : توفير علمه عليه الصلاة والسلام، وتكثير معجزاته، وتسليته، وتذكرة المستبصرين من أمته صلى الله عليه وسلم ١.
وذكر المولى الحكيم بعظمة القرآن فقال ممتنا :﴿ وقد آتيناك من لدنا ذكرا ﴾ أعطيناك وأوحينا إليك من عندنا كتابا حقيقا بالتذكر، والتفكر فيه، والاعتبار به ؛ وذكر فيه كل ما يحتاج إليه المكلفون في عاجلهم وآجلهم ؛ وتلاوة آياته خير ذكر يذكر به الله تعالى ؛ ﴿ من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا. خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا ﴾ من ابتغى الهدى من غيره، ولم يؤمن به، ولم يعمل بما فيه فإنه مجرم يأتي يوم العرض على الواحد القهار يحمل ذنبه هذا الثقيل القبيح، فيخلد بجرمه هذا في دركات الجحيم ؛ وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم، أهل الكتاب وغيرهم، كما قال :{ لأنذركم به ومن بلغ.. )٢ ؛ فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداع، فمن اتبعه هدي، ومن خالفه وأعرض عنه ضل وشقي في الدنيا، والنار موعده يوم القيامة ٣.
١ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني.
٢ سورة الأنعام. من الآية ١٩..
٣ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٩:﴿ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا { ٩٩ ) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا { ١٠٠ ) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا { ١٠١ ) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا { ١٠٢ ) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا { ١٠٣ ) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا { ١٠٤ ) ﴾
كذلك نحدثك ونبين لك من أنباء وأخبار وأحوال أشياء قد سبقت من قبلك فلم تشاهدها ولم تعاينها ؛ وفائدة هذا القص : توفير علمه عليه الصلاة والسلام، وتكثير معجزاته، وتسليته، وتذكرة المستبصرين من أمته صلى الله عليه وسلم ١.
وذكر المولى الحكيم بعظمة القرآن فقال ممتنا :﴿ وقد آتيناك من لدنا ذكرا ﴾ أعطيناك وأوحينا إليك من عندنا كتابا حقيقا بالتذكر، والتفكر فيه، والاعتبار به ؛ وذكر فيه كل ما يحتاج إليه المكلفون في عاجلهم وآجلهم ؛ وتلاوة آياته خير ذكر يذكر به الله تعالى ؛ ﴿ من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا. خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا ﴾ من ابتغى الهدى من غيره، ولم يؤمن به، ولم يعمل بما فيه فإنه مجرم يأتي يوم العرض على الواحد القهار يحمل ذنبه هذا الثقيل القبيح، فيخلد بجرمه هذا في دركات الجحيم ؛ وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم، أهل الكتاب وغيرهم، كما قال :{ لأنذركم به ومن بلغ.. )٢ ؛ فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداع، فمن اتبعه هدي، ومن خالفه وأعرض عنه ضل وشقي في الدنيا، والنار موعده يوم القيامة ٣.
١ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني.
٢ سورة الأنعام. من الآية ١٩..
٣ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..

﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا١. يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا. نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾.
يخوف الله تعالى عباده أهوال البعث والحشر، وينذرهم حتى لا يقولوا ما جاءنا من نذير ؛ فحين يأمر الواحد القهار ملك الصور أن ينفخ في القرن الذي أوتي ينفخ الأولى فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ؛ ويساق الفجار إلى جهنم زمرا، وقد علتهم الزرقة من هول ما يشهدون، أو عميت عيونهم وقد كانوا من قبل يبصرون ؛ ثم يصغر عندهم ما متعوا به في حياتهم الدنيا حين يطلعون على العذاب المهين المعد لهم، ويستقصرون الأمد الذي أترفوا فيه حتى كأنه لم يكن شيئا :{ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة.. )٢ فيتهامسون متحسرين، يقول بعضهم لبعض سرا ما مكثتم في الدنيا إلا عشر ليال ؛ والله عليم بما يسرونه، وعليم سبحانه بكل الشؤون ؛ فيقول أعقلهم ما لبثتم في دنياكم إلا يوما ؛ وإذا سألهم المولى جل ذكره :{ .. كم لبثتم في الأرض عدد سنين. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين. قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون )٣ ؛ ولو كنتم تعلمون لآثرتم الباقي على الفاني، ولكن تصرفتم فأسأتم التصرف ٤.
١ سئل ابن عباس عن الجمع بين ﴿زرقا﴾ ـ على ما روي عنه ـ و﴿عميا﴾ في آية أخرى، فقال ليوم القيامة حالات، فحالة يكونون فيها عميا، وحالة يكونون فيها زرقا..
٢ سورة الروم. من الآية ٥٥..
٣ سورة المؤمنون. من الآية ١١٢، والآيتان: ١١٣، ١١٤..
٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٢:﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا١. يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا. نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾.
يخوف الله تعالى عباده أهوال البعث والحشر، وينذرهم حتى لا يقولوا ما جاءنا من نذير ؛ فحين يأمر الواحد القهار ملك الصور أن ينفخ في القرن الذي أوتي ينفخ الأولى فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ؛ ويساق الفجار إلى جهنم زمرا، وقد علتهم الزرقة من هول ما يشهدون، أو عميت عيونهم وقد كانوا من قبل يبصرون ؛ ثم يصغر عندهم ما متعوا به في حياتهم الدنيا حين يطلعون على العذاب المهين المعد لهم، ويستقصرون الأمد الذي أترفوا فيه حتى كأنه لم يكن شيئا :{ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة.. )٢ فيتهامسون متحسرين، يقول بعضهم لبعض سرا ما مكثتم في الدنيا إلا عشر ليال ؛ والله عليم بما يسرونه، وعليم سبحانه بكل الشؤون ؛ فيقول أعقلهم ما لبثتم في دنياكم إلا يوما ؛ وإذا سألهم المولى جل ذكره :{.. كم لبثتم في الأرض عدد سنين. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين. قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون )٣ ؛ ولو كنتم تعلمون لآثرتم الباقي على الفاني، ولكن تصرفتم فأسأتم التصرف ٤.
١ سئل ابن عباس عن الجمع بين ﴿زرقا﴾ ـ على ما روي عنه ـ و﴿عميا﴾ في آية أخرى، فقال ليوم القيامة حالات، فحالة يكونون فيها عميا، وحالة يكونون فيها زرقا..
٢ سورة الروم. من الآية ٥٥..
٣ سورة المؤمنون. من الآية ١١٢، والآيتان: ١١٣، ١١٤..
٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٢:﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا١. يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا. نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾.
يخوف الله تعالى عباده أهوال البعث والحشر، وينذرهم حتى لا يقولوا ما جاءنا من نذير ؛ فحين يأمر الواحد القهار ملك الصور أن ينفخ في القرن الذي أوتي ينفخ الأولى فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ؛ ويساق الفجار إلى جهنم زمرا، وقد علتهم الزرقة من هول ما يشهدون، أو عميت عيونهم وقد كانوا من قبل يبصرون ؛ ثم يصغر عندهم ما متعوا به في حياتهم الدنيا حين يطلعون على العذاب المهين المعد لهم، ويستقصرون الأمد الذي أترفوا فيه حتى كأنه لم يكن شيئا :{ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة.. )٢ فيتهامسون متحسرين، يقول بعضهم لبعض سرا ما مكثتم في الدنيا إلا عشر ليال ؛ والله عليم بما يسرونه، وعليم سبحانه بكل الشؤون ؛ فيقول أعقلهم ما لبثتم في دنياكم إلا يوما ؛ وإذا سألهم المولى جل ذكره :{.. كم لبثتم في الأرض عدد سنين. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين. قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون )٣ ؛ ولو كنتم تعلمون لآثرتم الباقي على الفاني، ولكن تصرفتم فأسأتم التصرف ٤.
١ سئل ابن عباس عن الجمع بين ﴿زرقا﴾ ـ على ما روي عنه ـ و﴿عميا﴾ في آية أخرى، فقال ليوم القيامة حالات، فحالة يكونون فيها عميا، وحالة يكونون فيها زرقا..
٢ سورة الروم. من الآية ٥٥..
٣ سورة المؤمنون. من الآية ١١٢، والآيتان: ١١٣، ١١٤..
٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا { ١٠٥ ) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا { ١٠٦ ) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا { ١٠٧ ) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا { ١٠٨ ) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا { ١٠٩ ) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا { ١١٠ ) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا { ١١١ ) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا { ١١٢ ) ﴾
﴿ ينسفها ﴾ يقلعها ويذريها ويطيرها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ترسيخ لليقين بالآخرة، وأن ذهاب الدنيا وزوال ما فيها وإن رآه الناس عجيبا عظيما أمر محقق ﴿... وإنا على ذهاب به لقادرون )١، فالصخر الصلد الأصم يفتته القوي القادر{... وكانت الجبال كثيبا مهيلا )٢ ؛ ويطير حجرها وصخرها فيصير هباء كالصوف المندوف، أو كالسراب يتراءى كأنه شيء والحق أنه لم يبق له وجود، { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة )٣ ؛ وهل تشقق السماء، وتكور الشمس، وتناثر الكواكب يبقى على سطح الأرض شيء ؟ ! فإذا صعق من في السماوات ومن في الأرض بالنفخة الأولى في الصور، وأذن ربنا ببعث من في القبور نفخت النفخة الثانية في الصور، فيخرج المقبورون من قبورهم سراعا، { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد )٤ فلا يفلت أحد من هذا الجمع، { لقد أحصاهم وعدهم عدا )٥ ؛ { يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج )٦ ؛ وتذل الرقاب والوجوه وتخضع لجلال الحي الذي لا يموت، القائم على كل نفس بما كسبت، فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ؛ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى الملك الديان، { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى )٧ ؛ وربنا جل ذكره يعلم ما يقدم الناس من أحوال وما يستقبلون من نعيم وأهوال ؛ { ولا يحيطون به علما ﴾ ـ الهاء في ﴿ به ﴾ لله تعالى، فإن أي أحد سواه لا يحيط به علما ؛ إذ الإحاطة مشعرة بالحد ويتعالى الله عن التحديد ؛ وقيل : تعود على العلم ؛ أي أحد لا يحيط علما بما يعلمه الله... ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ؛ أي : خسر من حمل شركا-٨
﴿ فيذرها ﴾ فيترك الأماكن التي كانت بها. ﴿ قاعا ﴾ مكانا مطمئنا كالمستنقع. ﴿ صفصفا ﴾ الأرض الملساء المستوية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ترسيخ لليقين بالآخرة، وأن ذهاب الدنيا وزوال ما فيها وإن رآه الناس عجيبا عظيما أمر محقق ﴿... وإنا على ذهاب به لقادرون )١، فالصخر الصلد الأصم يفتته القوي القادر{... وكانت الجبال كثيبا مهيلا )٢ ؛ ويطير حجرها وصخرها فيصير هباء كالصوف المندوف، أو كالسراب يتراءى كأنه شيء والحق أنه لم يبق له وجود، { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة )٣ ؛ وهل تشقق السماء، وتكور الشمس، وتناثر الكواكب يبقى على سطح الأرض شيء ؟ ! فإذا صعق من في السماوات ومن في الأرض بالنفخة الأولى في الصور، وأذن ربنا ببعث من في القبور نفخت النفخة الثانية في الصور، فيخرج المقبورون من قبورهم سراعا، { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد )٤ فلا يفلت أحد من هذا الجمع، { لقد أحصاهم وعدهم عدا )٥ ؛ { يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج )٦ ؛ وتذل الرقاب والوجوه وتخضع لجلال الحي الذي لا يموت، القائم على كل نفس بما كسبت، فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ؛ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى الملك الديان، { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى )٧ ؛ وربنا جل ذكره يعلم ما يقدم الناس من أحوال وما يستقبلون من نعيم وأهوال ؛ { ولا يحيطون به علما ﴾ ـ الهاء في ﴿ به ﴾ لله تعالى، فإن أي أحد سواه لا يحيط به علما ؛ إذ الإحاطة مشعرة بالحد ويتعالى الله عن التحديد ؛ وقيل : تعود على العلم ؛ أي أحد لا يحيط علما بما يعلمه الله... ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ؛ أي : خسر من حمل شركا-٨
﴿ أمتا ﴾ نتوا يسيرا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ترسيخ لليقين بالآخرة، وأن ذهاب الدنيا وزوال ما فيها وإن رآه الناس عجيبا عظيما أمر محقق ﴿... وإنا على ذهاب به لقادرون )١، فالصخر الصلد الأصم يفتته القوي القادر{... وكانت الجبال كثيبا مهيلا )٢ ؛ ويطير حجرها وصخرها فيصير هباء كالصوف المندوف، أو كالسراب يتراءى كأنه شيء والحق أنه لم يبق له وجود، { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة )٣ ؛ وهل تشقق السماء، وتكور الشمس، وتناثر الكواكب يبقى على سطح الأرض شيء ؟ ! فإذا صعق من في السماوات ومن في الأرض بالنفخة الأولى في الصور، وأذن ربنا ببعث من في القبور نفخت النفخة الثانية في الصور، فيخرج المقبورون من قبورهم سراعا، { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد )٤ فلا يفلت أحد من هذا الجمع، { لقد أحصاهم وعدهم عدا )٥ ؛ { يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج )٦ ؛ وتذل الرقاب والوجوه وتخضع لجلال الحي الذي لا يموت، القائم على كل نفس بما كسبت، فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ؛ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى الملك الديان، { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى )٧ ؛ وربنا جل ذكره يعلم ما يقدم الناس من أحوال وما يستقبلون من نعيم وأهوال ؛ { ولا يحيطون به علما ﴾ ـ الهاء في ﴿ به ﴾ لله تعالى، فإن أي أحد سواه لا يحيط به علما ؛ إذ الإحاطة مشعرة بالحد ويتعالى الله عن التحديد ؛ وقيل : تعود على العلم ؛ أي أحد لا يحيط علما بما يعلمه الله... ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ؛ أي : خسر من حمل شركا-٨
﴿ الداعي ﴾ النافخ في الصور. ﴿ لا عوج له ﴾ لا يعدل عن أحد بدعائه، أو : يتبعون صوته من غير انحراف.
﴿ همسا ﴾ صوتا خفيا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ترسيخ لليقين بالآخرة، وأن ذهاب الدنيا وزوال ما فيها وإن رآه الناس عجيبا عظيما أمر محقق ﴿... وإنا على ذهاب به لقادرون )١، فالصخر الصلد الأصم يفتته القوي القادر{... وكانت الجبال كثيبا مهيلا )٢ ؛ ويطير حجرها وصخرها فيصير هباء كالصوف المندوف، أو كالسراب يتراءى كأنه شيء والحق أنه لم يبق له وجود، { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة )٣ ؛ وهل تشقق السماء، وتكور الشمس، وتناثر الكواكب يبقى على سطح الأرض شيء ؟ ! فإذا صعق من في السماوات ومن في الأرض بالنفخة الأولى في الصور، وأذن ربنا ببعث من في القبور نفخت النفخة الثانية في الصور، فيخرج المقبورون من قبورهم سراعا، { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد )٤ فلا يفلت أحد من هذا الجمع، { لقد أحصاهم وعدهم عدا )٥ ؛ { يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج )٦ ؛ وتذل الرقاب والوجوه وتخضع لجلال الحي الذي لا يموت، القائم على كل نفس بما كسبت، فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ؛ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى الملك الديان، { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى )٧ ؛ وربنا جل ذكره يعلم ما يقدم الناس من أحوال وما يستقبلون من نعيم وأهوال ؛ { ولا يحيطون به علما ﴾ ـ الهاء في ﴿ به ﴾ لله تعالى، فإن أي أحد سواه لا يحيط به علما ؛ إذ الإحاطة مشعرة بالحد ويتعالى الله عن التحديد ؛ وقيل : تعود على العلم ؛ أي أحد لا يحيط علما بما يعلمه الله... ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ؛ أي : خسر من حمل شركا-٨
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ترسيخ لليقين بالآخرة، وأن ذهاب الدنيا وزوال ما فيها وإن رآه الناس عجيبا عظيما أمر محقق ﴿... وإنا على ذهاب به لقادرون )١، فالصخر الصلد الأصم يفتته القوي القادر{... وكانت الجبال كثيبا مهيلا )٢ ؛ ويطير حجرها وصخرها فيصير هباء كالصوف المندوف، أو كالسراب يتراءى كأنه شيء والحق أنه لم يبق له وجود، { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة )٣ ؛ وهل تشقق السماء، وتكور الشمس، وتناثر الكواكب يبقى على سطح الأرض شيء ؟ ! فإذا صعق من في السماوات ومن في الأرض بالنفخة الأولى في الصور، وأذن ربنا ببعث من في القبور نفخت النفخة الثانية في الصور، فيخرج المقبورون من قبورهم سراعا، { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد )٤ فلا يفلت أحد من هذا الجمع، { لقد أحصاهم وعدهم عدا )٥ ؛ { يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج )٦ ؛ وتذل الرقاب والوجوه وتخضع لجلال الحي الذي لا يموت، القائم على كل نفس بما كسبت، فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ؛ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى الملك الديان، { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى )٧ ؛ وربنا جل ذكره يعلم ما يقدم الناس من أحوال وما يستقبلون من نعيم وأهوال ؛ { ولا يحيطون به علما ﴾ ـ الهاء في ﴿ به ﴾ لله تعالى، فإن أي أحد سواه لا يحيط به علما ؛ إذ الإحاطة مشعرة بالحد ويتعالى الله عن التحديد ؛ وقيل : تعود على العلم ؛ أي أحد لا يحيط علما بما يعلمه الله... ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ؛ أي : خسر من حمل شركا-٨
﴿ ما بين أيديهم وما خلفهم ﴾ ما يقدمهم من الأحوال وما يستقبلونه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ترسيخ لليقين بالآخرة، وأن ذهاب الدنيا وزوال ما فيها وإن رآه الناس عجيبا عظيما أمر محقق ﴿... وإنا على ذهاب به لقادرون )١، فالصخر الصلد الأصم يفتته القوي القادر{... وكانت الجبال كثيبا مهيلا )٢ ؛ ويطير حجرها وصخرها فيصير هباء كالصوف المندوف، أو كالسراب يتراءى كأنه شيء والحق أنه لم يبق له وجود، { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة )٣ ؛ وهل تشقق السماء، وتكور الشمس، وتناثر الكواكب يبقى على سطح الأرض شيء ؟ ! فإذا صعق من في السماوات ومن في الأرض بالنفخة الأولى في الصور، وأذن ربنا ببعث من في القبور نفخت النفخة الثانية في الصور، فيخرج المقبورون من قبورهم سراعا، { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد )٤ فلا يفلت أحد من هذا الجمع، { لقد أحصاهم وعدهم عدا )٥ ؛ { يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج )٦ ؛ وتذل الرقاب والوجوه وتخضع لجلال الحي الذي لا يموت، القائم على كل نفس بما كسبت، فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ؛ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى الملك الديان، { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى )٧ ؛ وربنا جل ذكره يعلم ما يقدم الناس من أحوال وما يستقبلون من نعيم وأهوال ؛ { ولا يحيطون به علما ﴾ ـ الهاء في ﴿ به ﴾ لله تعالى، فإن أي أحد سواه لا يحيط به علما ؛ إذ الإحاطة مشعرة بالحد ويتعالى الله عن التحديد ؛ وقيل : تعود على العلم ؛ أي أحد لا يحيط علما بما يعلمه الله... ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ؛ أي : خسر من حمل شركا-٨
﴿ وعنت ﴾ ذلت وخضعت. ﴿ القيوم ﴾ الحافظ، القائم على كل نفس بما كسبت. ﴿ ظلما ﴾ نقصا من ثواب طاعاته، أو زيادة عليه في سيئاته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ترسيخ لليقين بالآخرة، وأن ذهاب الدنيا وزوال ما فيها وإن رآه الناس عجيبا عظيما أمر محقق ﴿... وإنا على ذهاب به لقادرون )١، فالصخر الصلد الأصم يفتته القوي القادر{... وكانت الجبال كثيبا مهيلا )٢ ؛ ويطير حجرها وصخرها فيصير هباء كالصوف المندوف، أو كالسراب يتراءى كأنه شيء والحق أنه لم يبق له وجود، { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة )٣ ؛ وهل تشقق السماء، وتكور الشمس، وتناثر الكواكب يبقى على سطح الأرض شيء ؟ ! فإذا صعق من في السماوات ومن في الأرض بالنفخة الأولى في الصور، وأذن ربنا ببعث من في القبور نفخت النفخة الثانية في الصور، فيخرج المقبورون من قبورهم سراعا، { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد )٤ فلا يفلت أحد من هذا الجمع، { لقد أحصاهم وعدهم عدا )٥ ؛ { يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج )٦ ؛ وتذل الرقاب والوجوه وتخضع لجلال الحي الذي لا يموت، القائم على كل نفس بما كسبت، فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ؛ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى الملك الديان، { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى )٧ ؛ وربنا جل ذكره يعلم ما يقدم الناس من أحوال وما يستقبلون من نعيم وأهوال ؛ { ولا يحيطون به علما ﴾ ـ الهاء في ﴿ به ﴾ لله تعالى، فإن أي أحد سواه لا يحيط به علما ؛ إذ الإحاطة مشعرة بالحد ويتعالى الله عن التحديد ؛ وقيل : تعود على العلم ؛ أي أحد لا يحيط علما بما يعلمه الله... ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ؛ أي : خسر من حمل شركا-٨
﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ﴾
﴿ هضما ﴾ نيلا من كرامته.
بما يجب الإيمان به، لأن العمل لا يكون صالحا إلا بإيمان ولا يقبل من غير إيمان، ﴿ فلا يخاف ﴾ فإنه لا يخاف، أو : فهو لا يخاف ﴿ ظلما ﴾ نقصا من ثواب طاعاته، أو زيادة عليه في سيئاته ؛ ﴿ ولا هضما ﴾ ولا انتقاصا من كرامته، بل يسلم عليهم الكبير المتعال { تحيتهم يوم يلقونه سلام.. )١، وتتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا ؛ { .. سلام عليكم طبتم.. )٢ ؛ ويحل عليهم رضوانه فلا يسخط بعد ذلك أبدا ؛ { .. ورضوان من الله أكبر.. )٣.
﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا { ١١٣ ) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا { ١١٤ ) ﴾
﴿ صرفنا ﴾ بينا وكررنا وفصلنا. ﴿ الوعيد ﴾ التخويف من سخط الله.
﴿ ذكرا ﴾ تذكرا واعتبارا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:[ وكما أنزلنا عليك هؤلاء الآيات... أنزلنا القرآن كله عربيا، لأن العرب أصل وغيرهم تبع، لأن النبي عربي ؛ ﴿ وصرفنا فيه من الوعيد ﴾ كررناه وفصلناه، ويدخل في ضمنه الفرائض والمحارم، لأن الوعيد يتعلق بترك أحدهما وبفعل الآخر ؛ ﴿ لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ﴾ حمل.. الأول على إرادة ترك المعاصي، والثاني على فعل الخير والطاعة، لأن الذكر قد يطلق على العبادة والطاعة ؛ قلت : لا ريب أن القرآن ينفر عن السيئات ويبعث على الطاعات من حيث إن فهم معانيه يؤدي إلى ذلك، وإنما قدم الأول على الثاني لأن التخلية مقدمة على التحلية ]٤.
ثم نبهت الآية الثانية على عظم الكتاب ٥ المجيد من وجه آخر وهو جلال منزله وموحيه تبارك اسمه :﴿ فتعالى الله الملك الحق ﴾ فتنزه وتقدس المعبود الحق المالك لكل شيء، وارتفعت صفاته عن صفات المخلوقين، وهو مبرأ عن الانتفاع والتضرر بطاعاتهم ومعاصيهم، وما أعظم ربي وأحكمه فقد أنزل إلينا ذكرا حكيما، تبيانا لكل شيء، وهدى ورحمة، وشفاء وموعظة ؛ وقوله سبحانه :﴿ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ﴾ كقوله تعالى :﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه )٦ ؛ مما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما.. قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة،... فأنزل الله عز وجل { لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه ) قال جمعه لك في صدرك وتقرأه { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه )٧، قال فاستمع له وأنصت { ثم إن علينا بيانه )٨.. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه. ـ يعني أنه عليه السلام كان إذا جاءه جبريل بالوحي، كلما قال جبريل آية قالها معه، من شدة حرصه على حفظ القرآن، فأرشده الله تعالى إلى ما هو الأسهل و الأخف لئلا يشق عليه.. فإذا فرغ الملك من قراءته فاقرأ بعده، { وقل رب زدني علما ﴾ أي زدني منك علما، ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة حتى توفاه الله عز وجل ـ ٩


١ سورة الأحزاب من الآية ٤٤..
٢ سورة الزمر. من الآية٧٣..
٣ سورة التوبة. من الآية ٧٢..
﴿ يقضي ﴾ يتم.
مكية
وآياتها خمس وثلاثون ومائة
كلماتها : ١٣٤١ ؛ حروفها : ٥٢٤٢
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا { ١١٥ ) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى { ١١٦ ) فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى { ١١٧ ) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى { ١١٨ ) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى { ١١٩ ) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى { ١٢٠ ) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى { ١٢١ ) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى { ١٢٢ ) ﴾.
[ كأنه لما مدح سبحانه القرآن وحرض على استعمال التؤدة والرفق في أخذه، وعهد على العزيمة بأمره، وترك النسيان فيه، ضرب حديث آدم مثلا للنسيان وترك العزيمة ]١ ؛ والعهد ها هنا في معنى الوصية ؛ و﴿ نسي ﴾ معناه : ترك ؛ والعزم : المضي على المعتقد في أي شيء كان ؛ والشيء الذي عهد إلى آدم : هو أن لا يأكل من الشجرة ؛ وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له ؛ ﴿ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ﴾ واذكر وقت أن قلنا للملائكة اسجدوا، وتذكر هذه القصة وذكر بها ؛ والملائكة عليهم السلام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فحين أمروا سجدوا، ومعلوم أنه سجود تكريم وليس للعبادة، فإن سجود التعبد إنما يكون للمعبود سبحانه، لكن إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين، وفسق عن أمر الله رب العالمين ؛ وقيل في معنى ﴿ أبى ﴾ فعل الإباء وأظهره، والفعل هنا منزل منزلة اللازم ؛ والإباء : شدة الامتناع.
١ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٥:﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا { ١١٥ ) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى { ١١٦ ) فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى { ١١٧ ) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى { ١١٨ ) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى { ١١٩ ) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى { ١٢٠ ) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى { ١٢١ ) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى { ١٢٢ ) ﴾.
[ كأنه لما مدح سبحانه القرآن وحرض على استعمال التؤدة والرفق في أخذه، وعهد على العزيمة بأمره، وترك النسيان فيه، ضرب حديث آدم مثلا للنسيان وترك العزيمة ]١ ؛ والعهد ها هنا في معنى الوصية ؛ و﴿ نسي ﴾ معناه : ترك ؛ والعزم : المضي على المعتقد في أي شيء كان ؛ والشيء الذي عهد إلى آدم : هو أن لا يأكل من الشجرة ؛ وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له ؛ ﴿ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ﴾ واذكر وقت أن قلنا للملائكة اسجدوا، وتذكر هذه القصة وذكر بها ؛ والملائكة عليهم السلام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فحين أمروا سجدوا، ومعلوم أنه سجود تكريم وليس للعبادة، فإن سجود التعبد إنما يكون للمعبود سبحانه، لكن إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين، وفسق عن أمر الله رب العالمين ؛ وقيل في معنى ﴿ أبى ﴾ فعل الإباء وأظهره، والفعل هنا منزل منزلة اللازم ؛ والإباء : شدة الامتناع.
١ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..

﴿ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك ﴾ حذر الله تعالى آدم من كيد إبليس، وأنبأه بما يبيت اللعين للآدميين أجمعين، فقد حسد أبا البشر عليه السلام أن أسجد ربنا له الملائكة، فقال ما حكاه الكتاب العزيز :﴿ .. أأسجد لمن خلقت طينا )١ : قال :{ ... أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا )٢ ؛ وأعيدت اللام في { ولزوجك ﴾ لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار، عند الجمهور ؛ ﴿ فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ﴾، نهى الله تعالى آدم وحواء أن يكونا بحيث يتسبب الشيطان في إخراجهما من الجنة، فإن خروجه سيتتبع العناء والمكابدة والتعب وإنما خص بذكر الشقاء ولم يقل : فتشقيان : يعلمنا أن نفقة الزوجة على الزوج ؛ فمن يومئذ جرت نفقة النساء على الأزواج، فلما كانت نفقة حواء على آدم كذلك نفقات بناتها على بني آدم بحق الزوجية ٣
١ سورة الإسراء. من الآية ٦١.
٢ سورة الإسراء. من الآية٦٢.
٣ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
﴿ إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ﴾ علم الله أبانا آدم أن مطالب حياته مكفولة في الجنة، فطعامه وشرابه وكساؤه ومسكنه ووقايته كلها موفورة :﴿ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما.. )١ ؛ { وأنك لا تظمأ فيها ) أي لا تعطش ؛ { ولا تضحى ﴾ أي لا تبرز للشمس فتجد حرها، إذ ليس في الجنة شمس، إنما هو ظل ممدود، كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ؛ يقول علماء الأحكام : أعلمنا الله تعالى في هذه الآية أن النفقة التي يجب للمرأة على زوجها هذه الأربعة : الطعام والشراب والكسوة والمسكن ؛ فإذا أعطاها هذه الأربعة فقد خرج إليها من نفقتها ؛ فإن تفضل بعد ذلك فهو مأجور.
١ سورة البقرة. من الآية ٣٥..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٨:﴿ إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ﴾ علم الله أبانا آدم أن مطالب حياته مكفولة في الجنة، فطعامه وشرابه وكساؤه ومسكنه ووقايته كلها موفورة :﴿ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما.. )١ ؛ { وأنك لا تظمأ فيها ) أي لا تعطش ؛ { ولا تضحى ﴾ أي لا تبرز للشمس فتجد حرها، إذ ليس في الجنة شمس، إنما هو ظل ممدود، كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ؛ يقول علماء الأحكام : أعلمنا الله تعالى في هذه الآية أن النفقة التي يجب للمرأة على زوجها هذه الأربعة : الطعام والشراب والكسوة والمسكن ؛ فإذا أعطاها هذه الأربعة فقد خرج إليها من نفقتها ؛ فإن تفضل بعد ذلك فهو مأجور.
١ سورة البقرة. من الآية ٣٥..

﴿ فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ﴾ كان المولى سبحانه قد أذن لآدم وحواء عليهما السلام أن يأكلا من الجنة من حيث شاءا إلا شجرة واحدة، نهاهما عن قربانها، فزين لهما إبليس أن يأكلا منها، وقال ما بينه كتاب ربنا ذي الجلال :{ .. ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين. فدلاهما بغرور.. )١.
١ سورة الأعراف من الآية ٢٠؛ والآية٢١؛ والآية ٢٢..
{ فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) وكان هذا مما قصد إليه إبليس، كما جاء في آية كريمة :{ .. كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما.. )١، فسارع آدم وحواء يطلبان ما يواري سوآتهما، فجعلا يلصقان عليهما ورق التين كما ورد ؛ { .. وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين. قالا ربنا ظلمنا أنفسنا.. )٢.
﴿ وعصى آدم ربه فغوى ﴾ أفسدت المعصية٣ عليه عيشه ؛ ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾، وقال الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله تعالى ما حاصله : كان العصيان من آدم قبل النبوة ؛ ودليل ذلك قوله تعالى :﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾ فذكر أن الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان، وإذا كان هذا قبل النبوة فجائز عليهم الذنوب وجها واحدا لأن قبل النبوة لا شرع علينا في تصديقهم، فإذا بعثهم الله تعالى إلى خلقه وكانوا مأمونين في الأداء معصومين لم يضر ما قد سلف منهم من الذنوب. اه.
١ سورة الأعراف. من الآية ٢٧..
٢ سورة الأعراف. من الآية ٢٢. ومن الآية ٢٣..
٣ مما نقل صاحب الجامع لأحكام القرآن: تلك الأمور التي وقعت على جهة الندور، وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك، فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات، وفي حقهم سيئات بالنسبة إلى مناصبهم، وعلو أقدارهم،.... فهم ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وإن كانوا قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم، فلم يخل ذلك بمناصبهم، ولا قدح في رتبهم، بل قد تلافاهم، واجتباهم وهداهم،.. واختارهم واصطفاهم ـ صلوات الله عليهم وسلامه... لا يجوز لأحد منا اليوم أن يخبر بذلك آدم إلا إذا ذكرناه في أثناء قوله تعالى عنه، أو قول نبيه، فأما أن يبتدئ بذلك من قبل نفسه فليس بجائز لنا في آبائنا الأدنين إلينا ـ المماثلين لنا فكيف في أبينا الأقدم الأعظم الأكرم، النبي المقدم، الذي عذره الله سبحانه وتعالى وتاب عليه وغفر له.
روى الأئمة ـ أئمة المحدثين، وفي مقدمتهم البخاري ومسلم ـ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له آدم يا موسى اصطفاك الله عز وجل بكلامه وخط لك بيده يا موسى أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسى ثلاثا"؛ ـ أي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى ثلاث مرات ـ قال المهلب: قوله: "فحج آدم موسى" أي: غلبه بالحجة؛..... فلم يكن لموسى أن يعيره بخطيئة قد غفرها الله تعالى له... وبمثل هذا احتج ابن عمر على الذي قال له: إن عثمان فر يوم أحد، فقال ابن عمر: ما على عثمان ذنب؛ لأن الله تعالى قد عفا عنه بقوله: ﴿... ولقد عفا الله عنهم...) ـ سورة آل عمران. من الآية ١٥٥ـ وقد قيل: إن آدم عليه السلام أب، وليس تعييره من بره أن لو كان مما يعير به غيره؛.... وأما من عمل الخطايا ولم تأته المغفرة فإن العلماء مجمعون على أنه لا يجوز له أن يحتج بمثل حجة آدم، فيقول: تلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت وقد قدر الله علي ذلك؛ والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه، ولوم المسيء على إساءته، وتعديد ذنوبه عليه.. قوله تعالى: {فغوى﴾ أي ففسد عليه عيشه، حكاه النقاش واختاره القشيري.... قال القشيري أبو نصر قال قوم: يقال: عصى آدم وغوى، ولا يقال له عاص ولا غاو... وما أضيف من هذا إلى الأنبياء فإما أن تكون صغائر، أو ترك الأولى، أو قبل النبوة..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢١:{ فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) وكان هذا مما قصد إليه إبليس، كما جاء في آية كريمة :{.. كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما.. )١، فسارع آدم وحواء يطلبان ما يواري سوآتهما، فجعلا يلصقان عليهما ورق التين كما ورد ؛ {.. وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين. قالا ربنا ظلمنا أنفسنا.. )٢.
﴿ وعصى آدم ربه فغوى ﴾ أفسدت المعصية٣ عليه عيشه ؛ ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾، وقال الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله تعالى ما حاصله : كان العصيان من آدم قبل النبوة ؛ ودليل ذلك قوله تعالى :﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾ فذكر أن الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان، وإذا كان هذا قبل النبوة فجائز عليهم الذنوب وجها واحدا لأن قبل النبوة لا شرع علينا في تصديقهم، فإذا بعثهم الله تعالى إلى خلقه وكانوا مأمونين في الأداء معصومين لم يضر ما قد سلف منهم من الذنوب. اه.
١ سورة الأعراف. من الآية ٢٧..
٢ سورة الأعراف. من الآية ٢٢. ومن الآية ٢٣..
٣ مما نقل صاحب الجامع لأحكام القرآن: تلك الأمور التي وقعت على جهة الندور، وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك، فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات، وفي حقهم سيئات بالنسبة إلى مناصبهم، وعلو أقدارهم،.... فهم ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وإن كانوا قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم، فلم يخل ذلك بمناصبهم، ولا قدح في رتبهم، بل قد تلافاهم، واجتباهم وهداهم،.. واختارهم واصطفاهم ـ صلوات الله عليهم وسلامه... لا يجوز لأحد منا اليوم أن يخبر بذلك آدم إلا إذا ذكرناه في أثناء قوله تعالى عنه، أو قول نبيه، فأما أن يبتدئ بذلك من قبل نفسه فليس بجائز لنا في آبائنا الأدنين إلينا ـ المماثلين لنا فكيف في أبينا الأقدم الأعظم الأكرم، النبي المقدم، الذي عذره الله سبحانه وتعالى وتاب عليه وغفر له.
روى الأئمة ـ أئمة المحدثين، وفي مقدمتهم البخاري ومسلم ـ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له آدم يا موسى اصطفاك الله عز وجل بكلامه وخط لك بيده يا موسى أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسى ثلاثا"؛ ـ أي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى ثلاث مرات ـ قال المهلب: قوله: "فحج آدم موسى" أي: غلبه بالحجة؛..... فلم يكن لموسى أن يعيره بخطيئة قد غفرها الله تعالى له... وبمثل هذا احتج ابن عمر على الذي قال له: إن عثمان فر يوم أحد، فقال ابن عمر: ما على عثمان ذنب؛ لأن الله تعالى قد عفا عنه بقوله: ﴿... ولقد عفا الله عنهم...) ـ سورة آل عمران. من الآية ١٥٥ـ وقد قيل: إن آدم عليه السلام أب، وليس تعييره من بره أن لو كان مما يعير به غيره؛.... وأما من عمل الخطايا ولم تأته المغفرة فإن العلماء مجمعون على أنه لا يجوز له أن يحتج بمثل حجة آدم، فيقول: تلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت وقد قدر الله علي ذلك؛ والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه، ولوم المسيء على إساءته، وتعديد ذنوبه عليه.. قوله تعالى: {فغوى﴾ أي ففسد عليه عيشه، حكاه النقاش واختاره القشيري.... قال القشيري أبو نصر قال قوم: يقال: عصى آدم وغوى، ولا يقال له عاص ولا غاو... وما أضيف من هذا إلى الأنبياء فإما أن تكون صغائر، أو ترك الأولى، أو قبل النبوة..


﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ( ١٢٣ ) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ( ١٢٤ ) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا( ١٢٥ ) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ( ١٢٦ ) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ( ١٢٧ ) ﴾.
من قبل أهبط إبليس من السماء إذ تأبى السجود فأبعده الله جل ذكره :﴿ قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين ﴾١ ؛ فلما وسوس الشيطان لأبوينا وذاقا الشجرة التي نهيا عن الاقتراب من ذواقها، حان ميقات إهباطهما من الجنة، فأهبطهما ربنا سبحانه، وحذرهما أو حذرنا في شخصيهما من مطاوعة إبليس وذريته، ﴿ إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون )٢ ؛ { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو... )٣ ؛ { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )٤ ؛ فالضمير في قوله تبارك اسمه :{ بعضكم ﴾ يتوجه إلى أن يكون لآدم وذريته ٥ و إبليس وذريته ؛ ﴿ فإما يأتينكم مني هدى ﴾ فإذا بعثت رسلي، وأرسلت كتبي، وجاءكم من ربكم المنهاج ﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾ فالذي يستقيم ممن حملوا الأمانة، ويتابع رسلي، ويستمسك بشرائعي فلا يحار في العاجلة ولا يغيب عنه الرشد، ولا يعوج عن الطريق المستقيم، ولا يتعس في الآخرة ولا يهلك ؛ عن ابن عباس قال : تضمن الله لمن قرأ القرآن واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ثم تلا هذه الآية :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
١ سورة الأعراف. من الآية ١٣..
٢ سورة الأعراف. من الآية ٢٧..
٣ سورة الكهف. من الآية ٥٠..
٤ سورة فاطر. الآية ٦..
٥ احتار ابن جرير في تفسير قوله جل ثناؤه: ﴿بعضكم لبعض عدو﴾: أنتما عدوا إبليس وذريته، و إبليس وذريته عدوكما وذريتكما..
﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ ؛ من اختار عموم ﴿ هداي ﴾ فله أن يقول : الذكر يقع على القرآن وعلى سائر الكتب الإلهية، وكذا الآيات في قول المولى عز وجل :﴿ آياتنا ﴾ تكون بمعنى الأدلة والحجج والبرهان مطلقا ؛ فمن خالف هدى الله وما أنزل على رسله، وتركه وتناساه فلا طمأنينة له في الدنيا، ولا ينشرح صدره فإذا كان العبد يكذب بالله ويسيء الظن به.. اشتدت عليه معيشته فذلك الضنك ١ ؛ ﴿ ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ هو كقوله تعالى :{ .. ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم.. )٢.
١ ما بين العارضتين نقله ابن كثير عن ابن عباس..
٢ سورة الإسراء. من الآية ٩٧..
﴿ قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها ﴾ يتناسى ما كان منه من نأى عن آيات الله ونهى وصد، يظن أنه لم يذنب ذنبا يستحق عليه العمى ؛ فيرد المولى عليه بأنه جوزي من جنس عمله، فقد جاءته حجج ربنا وبرهانه وكلماته، فعميت عنها بصيرته، وتركها ترك المنسي الذي لا يذكر ؛ ﴿ وكذلك اليوم تنسى ﴾ نعاملك اليوم كأنك من النسي المنسي ؛ { ... فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا.. )١.
١ سورة الأعراف. من الآية ٥١..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٥:﴿ قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها ﴾ يتناسى ما كان منه من نأى عن آيات الله ونهى وصد، يظن أنه لم يذنب ذنبا يستحق عليه العمى ؛ فيرد المولى عليه بأنه جوزي من جنس عمله، فقد جاءته حجج ربنا وبرهانه وكلماته، فعميت عنها بصيرته، وتركها ترك المنسي الذي لا يذكر ؛ ﴿ وكذلك اليوم تنسى ﴾ نعاملك اليوم كأنك من النسي المنسي ؛ {... فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا.. )١.
١ سورة الأعراف. من الآية ٥١..

﴿ وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾ عدل المولى سبحانه وما ظلم، فعاقبة المسرفين المتجاوزين حدود الملك القوي المتين المكذبين بآيات ربنا القرآنية، وآياته الكونية الأنفسية والآفاقية جزاء أولئك وعقابهم في العاجل والآجل هو كما وعد الله الحق :{ لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق )١ ؛ ومهما كان عقاب الأولى بئيسا فإن المصير في العقبى أقسى، والمآل لا خروج منه ولا محيد عنه.
١ سورة الرعد. الآية ٣٤..
﴿ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى { ١٢٨ ) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى { ١٢٩ ) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى { ١٣٠ ) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى { ١٣١ ) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى { ١٣٢ ) ﴾
بعد أن قدمنا من وعيد، وما أنذرنا أن نحله بالآخرين، كالذي أصبنا به الأولين من بأس شديد، ما زال كثير من قومك يؤثرون الضلال، فهل عموا فلم يروا آثار الغابرين من المهلكين ؟ ! [ يريد أن قريشا يتقلبون في بلاد عاد وثمود.. ويعاينون آثار هلاكهم ]١ ؛ ﴿ إن في ذلك لآيات لأولي النهى ﴾ ! في تدبر مآل الكافرين، وآثار بطشة القوي المتين، لمعتبرا لمن له عقل.
١ ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ﴾ لكأن التقدير : ولولا كلمة سبقت من ربنا أن يعمر الناس ما يتذكر فيه من يتذكر، وأن يؤخرهم إلى وقت قضاه سبحانه لولا هذا لعاجل الفجار الكفار بعذاب لازم لا يتأخر عنهم، كلزومه لأسلافهم الذين عتوا عن أمر ربهم ورسله ؛ وما دامت على هذا اليقين وهو كذلك صلى الله عليه وسلم ﴿ فاصبر على ما يقولون ﴾ ولا تستعجل لهم، ولا يحزنك قولهم من الافتراء على الله تعالى، وقولهم لنبيه : ساحر، شاعر، كذاب، مجنون، ﴿ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ﴾ نزه ربك العظيم وقدسه فجرا وعصرا، أو : حافظ وليحافظ المؤمنون على صلاتي الفجر والعصر.
﴿ ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ﴾ ومن ساعات الليل والنهار برئ الملك القدوس عما يقول الظالمون المفترون، أو صلّ ولتصلّ أمتك من الليل والنهار ما استطعتم، ليظفركم الولي الشكور الحميد بما يرضيكم في أولاكم وأخراكم ؛ في الصحيحين : " إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبيل غروبها فافعلوا " ثم قرأ الآية ؛ ﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ﴾ الخطاب للنبي والمراد أمته ؛ فكأن المعنى : لا تطيلوا النظر إلى ما لهؤلاء المترفين من زخارف متعوا بها، وما جعلناه لأصناف منهم من النعيم الزائل، فإني ما أعطيتهم لكرامتهم ؛ وإنما أخبرتهم بهذا العطاء :﴿ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون )١ ؛ { .. ورحمة ربك خير مما يجمعون )٢ ؛ { أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين. نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون )٣ ؛ { ورزق ربك خير وأبقى ﴾ يمكن أن يراد : وما ادخر لكم ربكم من نعيم الجنة أفضل من هذا وأدوم ؛ وإلى هذا يشير قول الحق تبارك اسمه { .. وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا.. )٤ وقيل : أراد به الحلال الطيب.. خير من أموالهم التي غلب عليها الغصب والسرقة وسائر وجوه الخيانة، وأبقى بركة ونماء وحسن عاقبة.
١ سورة الزخرف. الآية ٣٣.
٢ سورة الزخرف. من الآية ٣٢..
٣ سورة المؤمنون. الآيتان: ٥٥، ٥٦..
٤ سورة الشورى. من الآية ٣٦..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٩:﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ﴾ لكأن التقدير : ولولا كلمة سبقت من ربنا أن يعمر الناس ما يتذكر فيه من يتذكر، وأن يؤخرهم إلى وقت قضاه سبحانه لولا هذا لعاجل الفجار الكفار بعذاب لازم لا يتأخر عنهم، كلزومه لأسلافهم الذين عتوا عن أمر ربهم ورسله ؛ وما دامت على هذا اليقين وهو كذلك صلى الله عليه وسلم ﴿ فاصبر على ما يقولون ﴾ ولا تستعجل لهم، ولا يحزنك قولهم من الافتراء على الله تعالى، وقولهم لنبيه : ساحر، شاعر، كذاب، مجنون، ﴿ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ﴾ نزه ربك العظيم وقدسه فجرا وعصرا، أو : حافظ وليحافظ المؤمنون على صلاتي الفجر والعصر.
﴿ ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ﴾ ومن ساعات الليل والنهار برئ الملك القدوس عما يقول الظالمون المفترون، أو صلّ ولتصلّ أمتك من الليل والنهار ما استطعتم، ليظفركم الولي الشكور الحميد بما يرضيكم في أولاكم وأخراكم ؛ في الصحيحين :" إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبيل غروبها فافعلوا " ثم قرأ الآية ؛ ﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ﴾ الخطاب للنبي والمراد أمته ؛ فكأن المعنى : لا تطيلوا النظر إلى ما لهؤلاء المترفين من زخارف متعوا بها، وما جعلناه لأصناف منهم من النعيم الزائل، فإني ما أعطيتهم لكرامتهم ؛ وإنما أخبرتهم بهذا العطاء :﴿ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون )١ ؛ {.. ورحمة ربك خير مما يجمعون )٢ ؛ { أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين. نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون )٣ ؛ { ورزق ربك خير وأبقى ﴾ يمكن أن يراد : وما ادخر لكم ربكم من نعيم الجنة أفضل من هذا وأدوم ؛ وإلى هذا يشير قول الحق تبارك اسمه {.. وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا.. )٤ وقيل : أراد به الحلال الطيب.. خير من أموالهم التي غلب عليها الغصب والسرقة وسائر وجوه الخيانة، وأبقى بركة ونماء وحسن عاقبة.
١ سورة الزخرف. الآية ٣٣.
٢ سورة الزخرف. من الآية ٣٢..
٣ سورة المؤمنون. الآيتان: ٥٥، ٥٦..
٤ سورة الشورى. من الآية ٣٦..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٩:﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ﴾ لكأن التقدير : ولولا كلمة سبقت من ربنا أن يعمر الناس ما يتذكر فيه من يتذكر، وأن يؤخرهم إلى وقت قضاه سبحانه لولا هذا لعاجل الفجار الكفار بعذاب لازم لا يتأخر عنهم، كلزومه لأسلافهم الذين عتوا عن أمر ربهم ورسله ؛ وما دامت على هذا اليقين وهو كذلك صلى الله عليه وسلم ﴿ فاصبر على ما يقولون ﴾ ولا تستعجل لهم، ولا يحزنك قولهم من الافتراء على الله تعالى، وقولهم لنبيه : ساحر، شاعر، كذاب، مجنون، ﴿ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ﴾ نزه ربك العظيم وقدسه فجرا وعصرا، أو : حافظ وليحافظ المؤمنون على صلاتي الفجر والعصر.
﴿ ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ﴾ ومن ساعات الليل والنهار برئ الملك القدوس عما يقول الظالمون المفترون، أو صلّ ولتصلّ أمتك من الليل والنهار ما استطعتم، ليظفركم الولي الشكور الحميد بما يرضيكم في أولاكم وأخراكم ؛ في الصحيحين :" إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبيل غروبها فافعلوا " ثم قرأ الآية ؛ ﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ﴾ الخطاب للنبي والمراد أمته ؛ فكأن المعنى : لا تطيلوا النظر إلى ما لهؤلاء المترفين من زخارف متعوا بها، وما جعلناه لأصناف منهم من النعيم الزائل، فإني ما أعطيتهم لكرامتهم ؛ وإنما أخبرتهم بهذا العطاء :﴿ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون )١ ؛ {.. ورحمة ربك خير مما يجمعون )٢ ؛ { أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين. نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون )٣ ؛ { ورزق ربك خير وأبقى ﴾ يمكن أن يراد : وما ادخر لكم ربكم من نعيم الجنة أفضل من هذا وأدوم ؛ وإلى هذا يشير قول الحق تبارك اسمه {.. وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا.. )٤ وقيل : أراد به الحلال الطيب.. خير من أموالهم التي غلب عليها الغصب والسرقة وسائر وجوه الخيانة، وأبقى بركة ونماء وحسن عاقبة.
١ سورة الزخرف. الآية ٣٣.
٢ سورة الزخرف. من الآية ٣٢..
٣ سورة المؤمنون. الآيتان: ٥٥، ٥٦..
٤ سورة الشورى. من الآية ٣٦..

﴿ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ﴾ أقبل أنت مع أهلك على عبادة الله واصبروا على الطاعة دون ملل فبذلك تدرك السعة وحسن العاقبة عاجلا وآجلا، كما جاءت البشرى :{ من عمل صالحا من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )١ [ وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت الليلة كأنا في دار عقبة ابن رافع وأنا أتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت ذلك أن العاقبة لنا في الدنيا والرفعة وأن ديننا قد طاب ".
١ سورة النحل. الآية. ٩٧..
﴿ وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى { ١٣٣ ) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى { ١٣٤ ) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى { ١٣٥ ) ﴾
كأن هذه الآيات الكريمة حكاية لجانب من قول الكفار المعاندين، ومن شبهاتهم التي تذرعوا بها، فتعللوا بأنه صلى الله عليه وسلم لو كان مرسلا لجاءهم بخوارق العادات التي جاء بها من سبق من الأنبياء، كناقة صالح، ومائدة عيسى ومعجزاته الأخر من إحياء الموتى وإبراء المرضى ؛ وهلا أتانا محمد بعلامة على صدقه في دعوى الرسالة كتلك العلامات ؛ فرد الله تعالى دعواهم تلك بقوله الحكيم :﴿ أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ﴾ ؟ ! أو لم ننزل عليك قرآنا وأنت ما قرأت من قبله من كتاب ولا خططت مكتوبا بيمينك ؟ وقريب من هذا قول ربنا العلي العظيم :{ أولم يكفهم أنا نزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون )١ ؛ وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " ؛ ومع هذا الكتاب العزيز فإن الله العليم القدير أجرى على يدي خاتم النبيين من المعجزات الحسية ما لو كانوا من السعداء لكفاهم اليسير منه ليكون برهانا على صدق ما جاءهم به البشير النذير صلوات ربنا عليه وسلامه ؛ أو لم يأتهم بيان ما في الكتب التي قبل هذا الكتاب من أنباء الأمم من قبلهم التي أهلكناهم لما سألوا الآيات، فكفروا بها لما أتتهم، كيف عجلنا لهم العذاب، وأنزلنا بهم بأسنا بكفرهم بها يقول فماذا يؤمنهم إن أتتهم الآية أن يكون حالهم حال أولئك ٢.
١ سورة العنكبوت. الآية ٥١..
٢ ما بين العارضتين من جامع البيان..
﴿ ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله ﴾ لو أننا انتقمنا من هؤلاء المكذبين وبطشنا بهم قبل أن نبعث داعيا يدعوهم وينذرهم، وقبل أن ننزل عليهم كتابا يبصرهم ويحذرهم، لاحتجوا، وقالوا :﴿ ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ﴾ ؛ ومن قبل طلبوا ذلك وحلفوا لئن جاءهم الهدى ليتبعنه :﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها.. )١ ؛ فلما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ؛ { من قبل أن نذل ونخزى ﴾ قبل أن تذلنا بعذابك وتخزينا به ؛ وهكذا غلبت عليهم الشقوة { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا )٢.
١ سورة الأنعام. من الآية١٠٩..
٢ سورة فاطر. الآية ٤٢..
﴿ قل كل متربص فتربصوا ﴾ ؛ قال أكابر المجرمين المشركين : ما محمد إلا شاعر نتربص به الموت والمنون، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء المتمردين : أنتم تنتظرون بنا دوائر الزمان، ونحن ننتظر ما وعدنا مولانا في القرآن، فانتظروا ما ينزل الله بأهل الجحود والنكران والكفر والطغيان، فستعلمون حين ينجز الله وعده أينا محق وأينا مبطل، وذلك كقوله عز من قائل ؛ ﴿ .. وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا )١ ؛ { فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ﴾ سيتبين لكم من منا على الطريق المستقيم ﴿ صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض.. )٢ ؛ { ومن اهتدى ﴾ إلى الحق وسبيل الرشاد، والله يعلم المفسد من المصلح ؛ وولينا يخرج الذين آمنوا من الظلمات إلى النور، ويهديهم إليه صراطا مستقيما.
١ سورة الفرقان. من الآية٤٢.
٢ سورة الشورى. من الآية ٥٣..
Icon