تفسير سورة محمد

المنتخب في تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة محمد من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه المنتخب . المتوفي سنة 2008 هـ
بينت هذه السورة في بدايتها أن الله أبطل أعمال الكافرين باتباعهم الباطل، وكفر عن المؤمنين سيئاتهم باتباعهم الحق. كما بينت بإطناب وجوب الدفاع عن الحق، وأن جزاء ذلك في الآخرة دخول الجنة، وحرضت المؤمنين على نصر دين الله والقتال في سبيله. وأوضحت أن المبطلين إذا تولوا عن الإيمان أفسدوا في الأرض وقطعوا أرحامهم، وحذرت من المنافقين أن يكونوا بين المؤمنين حتى لا يستمعوا لتثبيطهم. وهددت المنافقين بهتك أستارهم بإظهار رسول الله على أحقادهم. ونهت المؤمنين أن يضعفوا عن قتال الكافرين، وهم الأعلون والله معهم ولن يترهم أعمالهم. ثم ختمت بالدعوة إلى الإنفاق في سبيل الله، وبيان أن من يبخل بذلك فإنما يبخل على نفسه، وبأن الإعراض عن اتباع الحق يكون سببا في هلاك المعرضين والإتيان بقوم آخرين خير منهم.

١- الذين كفروا بالله ورسوله وصدُّوا غيرهم عن الدخول في الإسلام أبطل الله كل ما عملوه.
٢- والذين آمنوا وعملوا الصالحات وصدَّقوا بما أنزل على محمد وهو الحق من ربهم، محا عنهم سيئاتهم، وأصلح حالهم في الدين والدنيا.
٣- ذلك بأن الذين كفروا سلكوا طريق الباطل، وأن الذين آمنوا اتبعوا طريق الحق من ربهم، مثل ذلك البيان الواضح يُبَيِّن الله للناس أحوالهم ليعتبروا.
٤ - فإذا لقيتم الذين كفروا في الحرب فاضربوا رقابهم، حتى إذا أضعفتموهم بكثرة القتل فيهم فاحكموا قيد الأساري، فإما أن تمنوا بعد انتهاء المعركة مناً بإطلاقهم دون عوض، وإمَّا أن تقبلوا أن يفتدوا بالمال أو بالأسرى من المسلمين. وليكن هذا شأنكم مع الكافرين، حتى تضع الحرب أثقالها وينتهي، فهذا حكم الله فيهم، ولو شاء الله لانتصر منهم بغير قتال، وليختبر المؤمنين بالكافرين شرع الجهاد، والذين قتلوا في سبيل الله فلن يُبطل أعمالهم١، سيهديهم ويصلح قلوبهم، ويدخلهم الجنة عرَّفها لهم.
١ قصدت الرقاب بالضرب في هذه الآية الكريمة لأن ضربها أنجع وسيلة للإجهاز السريع على المضروب بغير تعذيب له ولا تمثيل به، إذ إنه من الثابت علميا أن الرقبة حلقة الاتصال بين الرأس وسائر الجسد، فإذا قطع الجهاز العصبي شلت جميع وظائف الجسم الرئيسية، وإذا قطعت الشرايين والأوردة توقف الدم عن تغذية المخ، وإذا قطعت الممرات الهوائية وقف التنفس، وفي جميع هذه الحالات تنتهي الحياة سريعا..
٧- يا أيها الذين آمنوا : إن تنصروا دين الله ينصركم على عدوكم، ويوطد أمركم.
٨- والذين كفروا فأشقاهم الله وأبطل أعمالهم.
٩- أَمْرُهم ذلك بسبب أنهم كرهوا ما أنزل الله من القرآن والتكاليف، فأبطل أعمالهم.
١٠- أَقَعدوا عن طلب ما يعظهم، فلم يسيروا في الأرض فينظروا في أي حال كان عاقبة الذين كذَّبوا الرسل من قبلهم، أوقع الله عليهم الهلاك في كل ما يختص بهم من نفس ومال وولد، وللكافرين بالله وبرسوله أمثال هذه العاقبة.
١١- ذلك الجزاء من نصر المؤمنين وقهر الكافرين بأن الله مولى الذين آمنوا وناصرهم، وأن الكافرين لا مولى لهم ينصرهم ويمنع هلاكهم.
١٢- إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات عظيمة تجرى من تحتها الأنهار، والذين كفروا يتمتعون في الدنيا قليلا، ويأكلون كما تأكل الأنعام، غافلين عن التفكير في العاقبة، لا همَّ لهم سوى شهواتهم، والنار في الآخرة مأوى لهم.
١٣- وكثير من أهل القرى السابقين هم أشد قوة من أهل قريتك - مكة - التي أخرجك أهلها - يا محمد - أهلكناهم بأنواع العذاب، فلا ناصر لهم يمنعهم منا.
١٤- أيستوي الفريقان في الجزاء ؟ ! أفمن كان منهما على معرفة بينة بخالقه ومربيه فأطاعه، كمن زُيِّن له سوء عمله، واتبعوا فيما يأتون ويذرون أهواءهم الباطلة ؟.
١٥- تعرض الآية لبيان الفارق بين نعيم الجنة وعذاب النار فنتحدث عن الجنة التي وعد الله بها المتقين : فيها أنهار من ماء غير متغير، وأنهار من لبن لم يفسد طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفي مما يخالطه. ولهم فيها أنواع من كل الثمرات، ومغفرة عظيمة من ربهم. فهل حال من يستمعون بهذا النعيم من المؤمنين كحال من يخلدون في النار من الكفار الذين يسقون من ماء شديد الحرارة، فقطع أمعاءهم١.
١ توجه الآية الكريمة الأنظار إلى أن الماء الآسن الراكد المتغير ماء ضار، وقد قررت الآية الكريمة ذلك قبل كشف المناظير المكبرة ـ ميكروسكوب ـ بقرون عدة، حيث تبين أن الماء الراكد المتغير مستودع لملايين البكتريا الضارة وغيرها من الطفيليات التي تصيب الناس والأنعام بأمراض شتى..
١٦- ومن الكفار فريق يستمعون إليك - يا محمد - غير مؤمنين بك، ولا منتفعين بقولك، حتى إذا انصرفوا من مجلسك، قالوا استهزاء للذين أوتوا العلم : أَيّ قول قال محمد الآن ؟ أولئك الذين طبع الله على قلوبهم بالكفر، فانصرفوا عن الخير منقادين لشهواتهم.
١٧- والذين اهتدوا إلى طريق الحق زادهم الله هدى، وأعطاهم تقواهم التي يتقون بها النار.
١٨- لم يتعظ المكذبون بأحوال السابقين. فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم فجأة ؟ فقد ظهرت علاماتها ولم يعتبروا بمجيئها، فمن أين لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة بغتة ؟ !
١٩- فاثبت على العلم بأنه لا معبود بحق إلا الله، واستغفر الله لذنبك ولذنوب المؤمنين والمؤمنات، والله يعلم كل منصرف لكم وكل إقامة.
٢٠ - ويقول الذين آمنوا : هلا نزلت سورة تدعونا إلى القتال ؟ فإذا نزلت سورة لا تحتمل غير وجوبه، وذكر فيها القتال مأموراً به رأيت الذين في قلوبهم نفاق ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت خوفاً منه وكراهية له، فأحق بهم طاعة لله وقول يقره الشرع، فإذا جد الأمر ولزمهم القتال، فلو صدقوا الله في الإيمان والطاعة لكان خيراً لهم من النفاق، فهل يتوقع منكم - أيها المنافقون - إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا صلاتكم بأقاربكم ؟
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:٢٠ - ويقول الذين آمنوا : هلا نزلت سورة تدعونا إلى القتال ؟ فإذا نزلت سورة لا تحتمل غير وجوبه، وذكر فيها القتال مأموراً به رأيت الذين في قلوبهم نفاق ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت خوفاً منه وكراهية له، فأحق بهم طاعة لله وقول يقره الشرع، فإذا جد الأمر ولزمهم القتال، فلو صدقوا الله في الإيمان والطاعة لكان خيراً لهم من النفاق، فهل يتوقع منكم - أيها المنافقون - إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا صلاتكم بأقاربكم ؟
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:٢٠ - ويقول الذين آمنوا : هلا نزلت سورة تدعونا إلى القتال ؟ فإذا نزلت سورة لا تحتمل غير وجوبه، وذكر فيها القتال مأموراً به رأيت الذين في قلوبهم نفاق ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت خوفاً منه وكراهية له، فأحق بهم طاعة لله وقول يقره الشرع، فإذا جد الأمر ولزمهم القتال، فلو صدقوا الله في الإيمان والطاعة لكان خيراً لهم من النفاق، فهل يتوقع منكم - أيها المنافقون - إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا صلاتكم بأقاربكم ؟
٢٣- أولئك الذين أبعدهم الله عن رحمته، فأصمَّهم عن سماع الحق، وأعمى أبصارهم عن رؤية طريق الهدى.
٢٤- أعموا فلا يتفهمون هدى القرآن ؟ بل على قلوبهم ما يحجبها عن تدبره.
٢٥- إن الذين ارتدوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والضلال من بعد ما ظهر لهم طريق الهداية. الشيطان زيَّن لهم ذلك، ومد لهم في الآمال الكاذبة.
٢٦ - ذلك الارتداد بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزَّل الله : سنطيعكم في بعض الأمر، والله يعلم أسرار هؤلاء المنافقين. فهذا حالهم في حياتهم، أم حين تتوفاهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم إذلالاً لهم فهذا ما لا يتصورنه ولن يقدروا على احتماله.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:٢٦ - ذلك الارتداد بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزَّل الله : سنطيعكم في بعض الأمر، والله يعلم أسرار هؤلاء المنافقين. فهذا حالهم في حياتهم، أم حين تتوفاهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم إذلالاً لهم فهذا ما لا يتصورنه ولن يقدروا على احتماله.
٢٨- ذلك التوفي الرهيب على تلك الحالة بأنهم اتبعوا الباطل الذي أغضب الله، وكرهوا الحق الذي يرضاه، فأبطل كل ما عملوه.
٢٩- بل أَظَنَّ هؤلاء الذين في قلوبهم نفاق أن لن يظهر الله أحقادهم لرسوله وللمؤمنين ؟.
٣٠- ولو نشاء لدللناك عليهم، فلعرفتهم بعلامات نسمهم بها، وأقسم : لتعرفنهم من أسلوب قولهم، والله يعلم حقيقة أعمالكم جميعاً.
٣١- وأقسم : لنعاملكم معاملة المختبر، حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين في البأساء والضراء، ونبلوا أخباركم من طاعتكم وعصيانكم في الجهاد وغيره.
٣٢- إن الذين كفروا وصدوا عن طريق الله، وخالفوا الرسول في عناد وإصرار، من بعد ما ظهر لهم الهدى، لن يضروا الله شيئاً، وسيبطل كل ما عملوه.
٣٣- يا أيها الذين آمنوا : أطيعوا الله فيما أمركم به، وأطيعوا الرسول فيما دعاكم إليه، ولا تضيعوا أعمالكم.
٣٤- إن الذين كفروا وصدوا عن الدخول في الإسلام، ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم.
٣٥- فلا تضعفوا لأعدائكم إذا لقيتموهم، ولا تدعوهم إلى المسالمة خوفاً منهم، وأنتم الأَعْلَون الغالبون بقوة الإيمان، والله معكم بنصره، ولن ينقصكم ثواب أعمالكم.
٣٦ - إنما الحياة الدنيا باطل وغرور، وإن تؤمنوا وتتركوا المعاصي وتفعلوا الخير يُعْطكم الله ثواب ذلك، ولا يسألكم أموالكم، إن يسألكم إيَّاها فيبالغ في طلبها تبخلوا بها، ويظهر أحقادكم لحبكم لها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٦:٣٦ - إنما الحياة الدنيا باطل وغرور، وإن تؤمنوا وتتركوا المعاصي وتفعلوا الخير يُعْطكم الله ثواب ذلك، ولا يسألكم أموالكم، إن يسألكم إيَّاها فيبالغ في طلبها تبخلوا بها، ويظهر أحقادكم لحبكم لها.
٣٨- ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله الذي شرعه، فمنكم من يبخل بهذا الإنفاق ومن يبخل فما يضر إلا نفسه. والله - وحده - الغنى، وأنتم الفقراء المحتاجون إليه.
وإن تعرضوا عن طاعة الله يستبدل مكانكم قوماً غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم في الإعراض عن طاعته.
Icon