تفسير سورة الممتحنة

التبيان في إعراب القرآن
تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب التبيان في إعراب القرآن .
لمؤلفه أبو البقاء العكبري . المتوفي سنة 616 هـ

سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تُلْقُونَ) : هُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي «تَتَّخِذُوا» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا. وَالْبَاءُ فِي «بِالْمَوَدَّةِ» زَائِدَةٌ وَ (يُخْرِجُونَ) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «كَفَرُوا» أَوْ مُسْتَأْنَفٌ.
وَ (إِيَّاكُمْ) : مَعْطُوفٌ عَلَى الرَّسُولِ. وَ (أَنْ تُؤْمِنُوا) : مَفْعُولٌ لَهُ مَعْمُولُ «يُخْرِجُونَ».
وَ (إِنْ كُنْتُمْ) : جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ: لَا تَتَّخِذُوا.
وَ (جِهَادًا) : مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَوْ مَعْمُولُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ؛ أَيْ جَاهَدْتُمْ جِهَادًا. وَ (تُسِرُّونَ) : تَوْكِيدٌ لِتُلْقُونَ بِتَكْرِيرِ مَعْنَاهُ.
قَالَ تَعَالَى: (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ... (٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : ظَرْفٌ لِـ «يَفْصِلُ» أَوْ لِقَوْلِهِ: «لَنْ تَنْفَعَكُمْ».
وَفِي «يَفْصِلُ» قِرَاءَاتٌ ظَاهِرَةُ الْإِعْرَابِ، إِلَّا أَنَّ مَنْ لَمْ يُسَمِّ الْفَاعِلَ جَعَلَ الْقَائِمَ مَقَامَ الْفَاعِلِ «بَيْنَكُمْ» كَمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الْأَنْعَامِ: ٩٤].
قَالَ تَعَالَى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي إِبْرَاهِيمَ) : فِيهِ أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: هُوَ نَعْتٌ آخَرُ لِأُسْوَةٌ.
وَالثَّانِي: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِـ «حَسَنَةٌ» تَعَلُّقَ الظَّرْفِ بِالْعَامِلِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «حَسَنَةٌ». وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ خَبَرَ كَانَ، وَ «لَكُمْ» تَبْيِينٌ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأُسْوَةٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ وُصِفَتْ.
وَ (إِذْ) : ظَرْفٌ لِخَبَرِ كَانَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ خَبَرَ كَانَ.
وَ (بُرَآءُ) : جَمْعُ بَرِيءٍ، مِثْلُ: ظَرِيفٍ وَظُرَفَاءُ، وَبُرَاءُ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ مِثْلُ: رُخَالٍ، قِيلَ: الْهَمْزَةُ مَحْذُوفَةٌ. وَقِيلَ: هُوَ جَمْعٌ بِرَأْسِهِ. وَبِرَاءٌ بِالْكَسْرِ، مِثْلُ: ظِرَافٍ. وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ مِثْلُ سَلَامٍ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّا ذَوُو بَرَاءٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا قَوْلَ) : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَالْمَعْنَى: لَا تَتَأَسَّوْا بِهِ فِي الِاسْتِغْفَارِ لِلْكُفَّارِ.
قَالَ تَعَالَى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ... (٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِمَنْ كَانَ) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْأَحْزَابِ.
قَالَ تَعَالَى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ... (٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) : هُوَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ [عَلَى الْبَدَلِ] مِنَ الَّذِينَ بَدَلَ الِاشْتِمَالِ؛ أَيْ عَنْ بِرِّ الَّذِينَ، وَكَذَلِكَ (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) [الْمُمْتَحَنَةِ: ٩].
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ... (١٠)).
وَ (تُمْسِكُوا) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْأَعْرَافِ.
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢)).
وَ (يُبَايِعْنَكَ) : حَالٌ.
وَ (يَفْتَرِينَهُ) : نَعَتٌ لِبُهْتَانٍ، أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي «يَأْتِينَ».
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (١٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِيَئِسَ؛ أَيْ يَئِسُوا مِنْ بَعْثِ أَصْحَابِ الْقُبُورِ؛ وَأَنْ يَكُونَ حَالًا؛ أَيْ كَائِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ.
Icon