ﰡ
[سورة الأعراف (٧) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المص (١)قوله عزَّ وجلَّ: المص [١] يعني أنا الله أقضي بين الخلق بالحق «١»، ومن هذه الحروف اسم الله تعالى وهو الصمد «٢».
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦]
قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦)
قوله تعالى: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [١٦] أي شرائع الإسلام بعد أن بينها الله تعالى لهم بقوله: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ [السجدة: ٢٦] أي: أو لم نبين لهم طريق الخير وهو الأمر وطريق الشر وهو النهي، فمالوا إلى حظ نفوسهم كما قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ [يس: ١٩].
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠]
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ مَا نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠)
قوله: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ [٢٠] قال: الوسوسة ذكر الطبع، ثم النفس، ثم الهم والتدبير، ووسواس العدو على ثلاث مقامات: فالأول يدعوه ويوسوس له، والثاني يأمن إذا علم أنه يقبل، والثالث ليس له إلاَّ الانتظار والطمع، وهو للصديقين.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٩]
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩)
قوله تعالى: وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [٢٩] فقال: اطلبوا من السر بالنية الإخلاص فإن الرياء لا يعرفه إلاَّ المخلصون، واطلبوا من العلانية الفعل بالاقتداء، فإن من لم يكن اقتداؤه في جميع أموره بالنبي صلّى الله عليه وسلّم فهو ضال، وغير هذين مغاليط.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣١]
يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)
قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [٣١] قال «٣» :
الأكل على خمسة: الضرورة والقوام والقوت والمعلوم والفقد، والسادس لا خير فيه وهو التخليط، فإن الله تعالى خلق الدنيا فجعل العلم والحكمة في الجوع، وجعل الجهل والمعصية في الشبع، فإذا جعتم فاطلبوا الشبع ممن ابتلاكم بالجوع، وإذا شبعتم فاطلبوا الجوع ممن ابتلاكم بالشبع، وإلا تماديتم وطغيتم، ثم قرأ: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [العلق: ٦- ٧] وقال: إن الجوع سر من أسرار الله تعالى في الأرض لا يودعه عند من يذيعه.
(٢) في الإتقان ١/ ٢٥ أن ابن عباس قال: (المص: الألف من الله، والميم من الرحمن، والصاد من الصمد).
(٣) الحلية ١٠/ ٢٠٣.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٣]
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣)وقوله تعالى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ [٣٣] قال: يعني الحسد بقلبه والفعل بجوارحه، ولو أن يترك التدبير فيهما كان من أوتاد الأرض، ولكن العبد بين حالين، إما أن يدبر بقلبه ما لا يعنيه، أو يعمل بجوارحه ما لا يعنيه، ليس ينجو من أحدهما إلاَّ بعصمة الله تعالى، فعيش القلوب اليقين وظلمتها التدبير. قال: وكنا مع سهل عند غروب الشمس فقال لأحمد بن سالم «١» : اترك الحيل حتى نصلي العشاء بمكة.
وقوله تعالى: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [٣٣] قال: من تكلم عن الله من غير إذن، وعلى سبيل الحرمة وحفظ الأدب، فقد هتك الستر، وقد منع الله تعالى أن يقول عليه أحد ما لم يعلم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٣]
وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)
وقوله تعالى: وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ [٤٣] قال: هو الأهواء والبدع.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٦]
وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦)
وقوله تعالى: وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ [٤٦] قال: أصحاب الأعراف هم أهل المعرفة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٨]
وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨)
قال الله تعالى: يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ [٤٨] إقامتهم لشرفهم في الدارين وأهلهما، يعرفهم الملكان كما أشرفهم على أسرار العباد في الدنيا وأحوالهم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٦]
وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)
وقوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها [٥٦، ٨٥] قال: أن لا تفسدوا الطاعة بالمعصية، وذلك أن من كان مقيماً على المعصية على أدنى منهيّ فجميع حسناته ممزوجة بتلك المعصية، ولا تخلص له حسناته البتة وهو مقيم على سيئة واحدة حتى يتوب وينخلع عن ذلك المنهي، ويصفيها عن كدورات المعاصي في السر والعلانية.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٦٨]
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨)
وقوله تعالى: وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ [٦٨] ومن لم ينصح الله في نفسه ولم ينصحه في خلقه هلك، ونصيحة الخلق أشد من النفس، وأدنى نصيحة النفس الشكر، وهو أن لا يعصى الله تعالى بنعمه. وسمعته مرة أخرى يقول: النصيحة أن لا تدخل في شيء لا تملك صلاحه.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٤ الى ٩٥]
وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥)
وقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ [٩٤] قال: يعني فقد قلوبهم بالجهل عن العلم والشدة في دنياهم حتى اشتغلوا بها عن آخرتهم ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا [٩٥] أي كثروا ليس هو العفو بعينه، قال تعالى:
خُذِ الْعَفْوَ [١٩٩] أي الفضل في أموالهم التي هي وديعة الله عندهم، لأن الله تعالى قد ابتاعها منهم، فليس له نفس ولا مال. قيل له: فأين نفسه؟ قال: دخلت تحت مبايعة الله تعالى.
قال: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة: ١١١]
[سورة الأعراف (٧) : آية ٩٩]
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩)
وقوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ [٩٩] قال: المكر المضاف إلى تدبيره في سابق علمه من قدرته
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢٨]
قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨)
وقوله تعالى: قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا [١٢٨] قال: أمرهم أن يستعينوا بالله على أمر الله، فيقهروا ما فيها ويستولوا عليها وعلى مخالفتها، وأن يصبروا على ذلك تأدباً.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٦]
سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦)
قوله: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [١٤٦] قال: هو أن يحرمهم فهم القرآن «١»، والاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «من أعطي فهم القرآن فقد أعطي الخير الكثير، ومن فاته فهم القرآن فقد فاته علم عظيم». وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من تعظيم الله إكرام ذي الشيبة في الإسلام، وإكرام الإمام العادل، وإكرام حامل القرآن غير الغالي فيه» «٢».
قوله: وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا [١٤٦] قال: ردهم إلى سابق علمه فيهم أنهم سيفعلون ذلك لخذلانه إياهم بمادلتهم عليه أنفسهم الطبيعية من الحركة في النهي، والسكون في الأمر، وادعاء الحول والقوة على ما جبلت عليه أنفسهم، والاغترار به.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٤٨ الى ١٤٩]
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩)
قوله تعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ [١٤٨] قال: عجل كل إنسان ما أقبل عليه، فأعرض به عن الله من أهل وولد، ولا يتخلص من ذلك إلاَّ بعد إفناء جميع حظوظه من أسبابه، كما لم يتخلص عبدة العجل من عبادته إلاَّ بعد قتل النفوس.
قوله تعالى: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ [١٤٩] قال: يعني ندموا، يقال: سُقِطَ الرجل في يديه إذا ندم على أمر.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٦]
وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦)
قوله تعالى: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ [١٥٦] أي تبنا إليك.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦٣]
وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣)
قوله تعالى: إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ [١٦٣] قال: يعدون في اتباع الهوى في السبت.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦٩]
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩)
قوله تعالى: وَدَرَسُوا مَا فِيهِ [١٦٩] أي تركوا العمل به.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٧١ الى ١٧٢]
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢)
وقوله: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ [١٧١] قال: يعني فتقنا وقد زعزعنا. كما قال العجاج «٣» :
(٢) كشف الخفاء ١/ ٢٨٤.
(٣) العجاج: عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر السعدي التميمي (... - نحو ٩٠ هـ) : راجز مجيد، من الشعراء. ولد في الجاهلية، وقال الشعر فيها، ثم أسلم. (الأعلام ٤/ ٨٦).
[من الرجز]
قد ربَّبوا أحلامَنا الجلائلا | وفتقوا أحلامنا الأثاقلا «١» |
«بلى»، إذ هو على جهة الابتلاء، وقد قال الله تعالى: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ [هود: ٧] وأشهد الأنبياء عليهم حجة كما قال: وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ [١٧٢] ثم أعادهم في صلب آدم عليه السلام، ثم بعث الأنبياء ليذكرهم عهده وميثاقه، وكان في علمه يوم أقروا بما أقروا به من يكذب به ومن يصدق به، فلا تقوم الساعة حتى تخرج كل نسمة قد أخذ الميثاق عليها، ثم تقوم الساعة. فقيل: ما علامة السعادة والشقاوة؟ قال: إن من علامات الشقاوة إنكار القدرة، وإن من علامة السعادة أن تكون واسع القلب بالإيمان، وأن ترزق الغنى في القلب والعصمة في الطاعة والتوفيق في الزهد، ومن ألهم الأدب فيما بينه وبين الله تعالى طهر قلبه ويرزق السعادة، وليس شيء أضيق من حفظ الأدب. فقيل له ما الأدب؟ قال: اجعلوا طعامكم الشعير، وحلواكم التمر، وإدامكم الملح، ودسمكم اللَبن، ولباسكم الصوف، وبيوتكم المساجد، وضياءكم الشمس، وسراجكم القمر، وطيبكم الماء، وبهاكم النظافة، وزينتكم الحذر، وعملكم الارتضاء، أو قال: الرضا، وزادكم التقوى، وأكلكم بالليل، ونومكم بالنهار، وكلامكم الذكر، وصمتكم وهمتكم التفكر، ونظركم العبرة، وملجأكم وناصركم مولاكم، واصبروا عليه إلى الممات «٢».
وقال: ثلاث من علامات الشقاوة: أن تفوته الجماعة وهو بقرب من المسجد، وأن تفوته الجماعة وهو في المدينة، وأن يفوته الحج وهو بمكة. قال سهل: والذرية ثلاث: أول وثاني وثالث:
فالأول: محمد صلّى الله عليه وسلّم، لأن الله تعالى لما أراد أن يخلق محمداً صلّى الله عليه وسلّم أظهر من نوره نوراً، فلما بلغ حجاب العظمة سجد لله سجدة، فخلق سبحانه من سجدته عموداً عظيما كالزجاج من
(٢) كتاب الزهد الكبير ٢/ ٣٥٦.
الثاني: آدم صلوات الله عليه، خلقه من نور، قال عليه السلام: «وخلق محمداً صلّى الله عليه وسلّم، يعني جسده، من طين آدم عليه السلام».
والثالث: ذرية آدم. وإن الله عزَّ وجلَّ خلق المريدين من نور آدم، وخلق المرادين من نور محمد صلّى الله عليه وسلّم، فالعامة من الخلق يعيشون في رحمة أهل القرب، وأهل القرب يعيشون في رحمة المقرب، يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ [الحديد: ١٢].
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧٦]
وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦)
وقوله تعالى: وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها [١٧٦] يعني بلعام بن باعوراء، وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ [١٧٦] وأعرض لمتابعة هواه، وأن الله تعالى قسم الأعضاء في الهوى لكل عضو حظاً منه، فإذا مال عضو من أعضائه إلى الهوى يرجع ضره إلى القلب. واعلموا أن للنفس سراً ما ظهر ذلك السر على أحد من خلقه إلاَّ على فرعون فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: ٢٤]. فقال: كيف نسلم من الهوى؟ فقال: من ألزم نفسه الأدب سلم منه، فإنه من قهر نفسه بالأدب عبد الله عزَّ وجلَّ بالإخلاص. قال «٢» : وللنفس سبع حجب سماوية، وسبع حجب أرضية، فكلما يدفن العبد نفسه أرضاً سما قلبه سماء، فإذا دفن النفس تحت الثرى وصل القلب
(٢) الحلية ١٠/ ٢٠٨.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٠]
وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠)
قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [١٨٠] قال: إن وراء الأسامي والصفات صفات لا تخرقها الأفهام، لأن الحق نار يتضرم لا سبيل إليه، ولا بد من الاقتحام فيه.
وقوله: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ [١٨٠] يعني يجورون في أسمائه يكذبون.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٢]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢)
وقوله: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ [١٨٢] قال: يعني نمدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها، فإذا سكنوا وحجبوا عن المنعم أخذوا.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٥]
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥)
وقوله: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [١٨٥] قال: ذكر الله تعالى قدرته في خلقه ووصف حاجتهم إليه، وما خلق من شيء سمعوه ولم يروه، فاغتروا به، ولو شاهدوا ذلك بقلوبهم لآمنوا بالغيب، فأداهم الإيمان إلى مشاهدة الغيب الذي غاب عنهم، وورثوا درجات الأبرار فصاروا أعلاما للهدى.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٨٧ الى ١٨٨]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧) قُلْ لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨)
وقوله: لاَ يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ [١٨٧] يعني لا يجلي نفس الطبع من الهوى إلى طاعته، إلاَّ هو. هذا باطن الآية. قوله: يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها [١٨٧] أي عالم بوقتها. قوله: قُلْ لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ [١٨٨] فكيف ينفع غيره من لم يملك نفعه، وإنما ذلك إلى الله تعالى.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٩٨]
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨)
وقوله: وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ [١٩٨] قال: هي القلوب التي لم يزينها الله بأنواره والقربة، فهو أعمى عن درك الحقائق رؤية الأكابر.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠٥]
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥)
وقوله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً [٢٠٥] ما حقيقة الذكر؟ قال: تحقيق العلم بأن الله تعالى مشاهدك، وتراه بقلبك قريباً منك، وتستحي منه ثم تؤثره على نفسك في أحوالك كلها، ثم قال: ليس من ادعى الذكر فهو ذاكر. فقيل له ما معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «الدنيا ملعون ما فيها إلاَّ ذكر الله تعالى» «٣» قوله: «ذكر الله» هاهنا الزهد عن الحرام، وهو أن يستقبله حرام، فيذكر الله تعالى، ويعلم أنه مطلع عليه، فيجتنب ذلك الحرام. وقوله: وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ [٢٠٥] قال سهل: حقاً أقول لكم ولا باطل، يقيناً ولا شك: ما من أحد ذهب منه نفس واحد في غير ذكر الله إلاَّ وهو غافل عن الله عزَّ وجلَّ. وقال: غفلة الخاص السكون إلى الشيء، وغفلة العام الافتخار بالشيء، يعني السكون، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(٢) نسب هذا الخبر إلى عامر بن عبد قيس في الحلية ٢/ ٨٩ وإلى سعيد بن المسيب في فيض القدير ٤/ ٢٤٨.
(٣) نوادر الأصول ١/ ٢٥٥ وسنن الترمذي ٢٣٢٢ وسنن ابن ماجة ٤١١٢. [.....]