تفسير سورة الزلزلة

بيان المعاني
تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب بيان المعاني المعروف بـبيان المعاني .
لمؤلفه ملا حويش . المتوفي سنة 1398 هـ

[الجزء السادس]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تفسير سورة الزلزلة عدد ٧- ٩٣- ٩٨
نزلت بالمدينة بعد النّساء، وهي ثماني آيات، وخمس وثلاثون كلمة، ومئة وتسعة وأربعون حرفا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها، ومثلها في عدد الآي سورة الانشراح والتين والتكاثر، ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به، ويوجد سورة المنافقين والفتح في القسم المدني مبدوءة بما بدئت به وأيضا في المكي الانشقاق والانفطار والتكوير.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها» (١) أي تحركت ومادت في مكانها واضطربت اضطرابا شديدا، وذلك عند قيام السّاعة إذ ينخلع كلّ ما عليها من جبل وشجر وبناء ويسوى فيما نخفض منها من وديان ومغاور وبحور وأنهار وعيون وحفر وغيرها «وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها» (٢) مما دفن فيها من الموتى للبعث والحساب، ومن قال إن هذه الزلزلة في الدّنيا أول معنى أثقالها بكنوزها الدّفينة فيها، ولكنه ليس بشيء لأن الآيات بعدها ينفين هذا المعنى ويثبتن ما جرينا عليه، أما استدلال هذا القائل بما رواه أبو هريرة من أن النّبي ﷺ قال تقيء الأرض أفلاذ كبدها (جمع فلذة القطعة المستطيلة وقد شبه ما يخرج منها باقطاع كبدها لاستتار الكبد بالجوف واستعار القيء للاخراج بجامع الظّهور في كل) أمثال الاسطوانة من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجيء السّارق فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا. أخرجه مسلم، لا يؤيد قوله هذا، لأن ما ذكر فيه يكون آخر الزمان قبل النّفخة الأولى بكثير أي بعد نزول عيسى عليه السّلام، إذ جاء في الخبر أنه إذ ذاك يفيض المال فلا
3
يقبله أحد لغناه عنه. ومما يؤيد ما ذكرناه بان المراد الزلزلة الأخيرة عند الصّيحة الثانية للبعث قوله تعالى «وَقالَ الْإِنْسانُ» مبتهرا مما رأى «ما لَها» (٣) ما بال هذه الأرض أي شيء حدا بها حتى تحركت هذه الحركة العظيمة وقذفت ما في بطنها من هذه الأجساد، والقائل المستفهم هو الكافر على حد قوله تعالى (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) الآية ٥٢ من سورة يس في ج ١، لأنه لا يؤمن بالبعث، ويقول المؤمن عند ذلك (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) تتمة الآية ٥٢ منها أيضا جوابا لذلك المنكر القائل من بعثنا، وعلى قول القائل انها في الدّنيا يكون القول والاستفهام من المؤمن والكافر، وتكون الزلزلة من أشراط السّاعة، لا أنهم لا يعلمون ما هي فيتساءلون عنها والأوّل أولى، ويؤكده قوله تعالى «يَوْمَئِذٍ» يوم تقع هذه الزلزلة لأن التنوين هنا للعوض والمعوض يكون عن جملة كما هنا، ويكون عن كلمة وعن حرف في مواضع أخرى «تُحَدِّثُ» الخلائق «أَخْبارَها» (٤) بما عملت في الدّنيا على ظهرها من خير أو شر فضلا عن أن أحدا لا يقدر أن ينكر شيئا فعله لعظيم ما يلحقه من الخوف والفزع فيتذكر كلّ شيء فعله بزمانه ومكانه، إذ يخلق الله تعالى عند إنكار العبد ما فعله قوة في أعضائه فتشهد كلّ منها بما وقع منها على أصحابها، كما يخلق هذه القوة في الأوثان أيضا تشهد على عابديها قال أبو هريرة قرأ ﷺ هذه الآية فقال أتدرون ما أخبارها؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال إن أخبارها أن تشهد على كلّ عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول عمل فلان يوم كذا وكذا كذا وكذا، فهذه أخبارها أخرجه الترمذي، وقد خلق الله فيها النّطق مع أنها جماد راجع الآية ٣٠ من آل عمران المارة، إذ تمثل فيها الأعمال الدّنيوية كما وقعت، والأقوال أيضا، وذلك «بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها» (٥) بذلك فاستجابت لأمره وتكلمت، وذلك أن الله تعالى يخلق فيها الحياة والعقل والنّطق لتخبر بما أمرت به، لأن ضمير تحدث يعود إليها، وعلى هذا أهل السّنة والجماعة «يَوْمَئِذٍ» يوم تحدث الأرض النّاس أخبارها بما فعلوا عليها «يَصْدُرُ النَّاسُ» بعد قيامهم من قبورهم وذهابهم للعرض على ربهم لإجراء حسابهم على أعمالهم يذهبون «أَشْتاتاً» متفرقين منهم من يؤخذ به ذات اليمين
4
إلى الجنّة، ومنهم من يذهب به ذات الشّمال إلى النّار وذلك عند قوله تعالى، (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) الآية ٦٠ من سورة يس في ج ١ أيضا أي افترقوا عن المؤمنين، وإنما يأمر النّاس ربّهم بالصدور عن موقفهم «لِيُرَوْا» جزاء «أَعْمالَهُمْ» (٦) التي فعلوها بالدنيا، ولهذا يقول جل جلاله «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ» في الدّنيا والذرة ما يلصق باليد من التراب النّاعم، والهباء الذي يرى بين مشرق الشّمس من الكوة إلى أرض الدّار، وتفسيرها بهذا أولى من تفسيرها بالنملة الصّغيرة، لأنها ذرات كثيرة. واعلموا أيها النّاس أن من يفعل قدر هذه الذرة الآن «خَيْراً يَرَهُ» (٧) خيرا كثيرا مضاعفا في الآخرة ويعطيه الله أجرا كبيرا عليه لم يكن يحلم به ولم تخطر بباله عظمته «وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ» في دنياه
ولو أنه لم يلق إليها بالا، لأن الذنب الصّغير إذا استصغره فاعله يكون عظيما وباله «شَرًّا يَرَهُ» (٨) شرا مستطيرا في الآخرة، وبمثله جزاؤه إذا لم يستحقره، فعلى العاقل أن يستحقر ما يفعله من الخير ليعظم الله له أجره عليه، وأن يستعظم ما يفعله من الشّر ليهون الله عليه وزره في الآخرة.
واعلم أن آخر هذه السّورة يؤيد ويؤكد ما جرينا عليه من أن المراد بالزلزلة هي زلزلة الآخرة، أجارنا الله من أهوالها، وآمننا من عذابها بحرمة سيد أنبيائه وجاهه على نفسه. قال ابن مسعود أحكم آية في القرآن هذه الآية، وسماها رسول الله ﷺ الجامعة. قال الرّبيع بن هيثم مرّ رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السورة، فلما بلغ آخرها قال حسبي الله قد انتهت الموعظة. هذا والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأتباعه أجمعين، صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدّين.
تفسير سورة الحديد عدد ٨- ٩٤- ٥٧
نزلت بالمدينة بعد الزلزلة، وهي تسع وعشرون آية، وخمسمائة وأربع وأربعون كلمة، وألفان وأربعمائة وستة وسبعون حرفا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها، ومثلها في عدد الآي التكوير والفتح وتقدم بيان السّور المبدوءة بما بدئت فيه في سورة الأعلى، والتي ختمت به في سورة الواقعة ج ١.
5
Icon