ﰡ
قال ابن عباس: لما أنزل الله تعالى: ﴿ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ﴾ قال الكفار بعضهم لبعض: إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت، فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن. فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا: ما نرى شيئاً، فأنزل الله تعالى: ﴿ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ﴾ فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة. فلما امتدت الأيام قالوا: يا محمد ما نرى شيئاً مما تخوفنا به، فأنزل الله تعالى: ﴿أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ﴾ فوثب النبي صلى الله عليه وسلم، ورفع الناس رءوسهم، فنزل ﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ فاطمأنوا. فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعثت أنا والساعة كهاتين - وأشار بإصبعه - إن كادت لتسبقني.
وقال الآخرون: الأمر ها هنا: العذاب بالسيف. وهذا جواب النضر بن الحارث حين قال: ﴿ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ﴾ يستعجل العذاب، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
نزلت الآية في أبيّ بن خَلَف الجُمَحِيّ حين جاء بِعَظْمٍ رَمِيمٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، أتُرَى الله يُحيِي هذا بعد ما قد رمَّ؟
نظير هذه الآية قوله تعالى في سورة يس: ﴿أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ إلى آخر السورة، نازلة في هذه القصة.
قال الربيع بن أنس، عن أبي العالية:
كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين، فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلم به: والذي أرجوه بعد الموت، فقال المشرك: وإنك لتزعم أنك تُبعث بعد الموت، فأقسمُ بالله لا يبعث اللهَ مَن يموت، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
نزلت في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بمكة: بلال، وصُهَيب، وخَبَّاب، وعمّار، و [أبي] جَنْدَل بن سُهَيل، أخذهم المشركون بمكة فعذّبوهم وآذوهم، فبَّوأهم الله تعالى المدينة بعد ذلك.
نزلت في مشركي مكة، أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً، فهلاّ بعث إلينا ملكاً!.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، قال: أخبرنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدَّثنا جعفر بن محمد بن شاكر، قال: حدَّثنا عفان، قال: حدَّثنا وهيب، قال: حدَّثنا عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم، عن إبراهيم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:
نزلت هذه الآية: ﴿ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ﴾ في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق ماله سراً وجهراً، ومولاه أبو الجَوْزاء، الذي كان ينهاه. ونزلت: ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ﴾. فالأبكم منهما الكَلُّ على مَوْلاَهُ، هو: أسيد بن أبي العيص. والذي ﴿يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ هو: عثمان بن عفان.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا شعيب بن محمد البَيْهَقي، قال: أخبرنا مكي بن عبدان، قال: أخبرنا أبو الأزْهَر، قال: حدثنا روْح بن عُبادة عن عبد الحميد بن بهرام، قال: حدثنا شَهْر بن حَوْشَب، قال: حدثنا عبد الله بن عباس، قال:
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بِفناء بيته بمكة جالساً، إذ مر به عثمان بن مَظْعُون، فكَشَرَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: ألا تجلس؟ فقال: بلى. فجلس إليه مستقبِلَه، فبينما هو يحدثه إذْ شَخَصَ بصره إلى السماء، فنظر ساعة وأخذ يَضَعُ بَصَرَه حتى وضع على يمينه في الأرض، ثم تَحَرَّف عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره، فأخذ يُنْغِضُ رأسَه كأنه يسْتَفْقِه ما يقال له، ثم شَخص بصرُه إلى السماء كما شخص أول مرة، فأتْبَعَهُ بصرَه حتى توارى في السماء، وأقبل على عثمان كجلسته الأولى، فقال: يا محمد، فيما كنت أجالسك وآتيك، ما رأيتك تفعل فَعْلَتَك الغداة. قال: وما رأيتني فعلت؟ قال: رأيتك شخص بصرك إلى السماء، ثم وضعته حين وضعته على يمينك، فَتحَرَّفْتَ إليه وتركتني، فأخذت تُنْغِضُ رأسَك كأنك تستفقه شيئاً يقال لك. قال: أوَفَطِنْتَ إلى ذلك؟ قال عثمان: نعم. قال: أتاني رسول الله جبريلُ آنفاً وأنت جالس. [قال: رسول الله؟ قال: نعم] قال: فماذا قال لك؟ قال: قال لي: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [قال عثمان]: فذلك حين استقر الإِيمان في قلبي، وأحببت محمداً صلى الله عليه وسلم.
نزلت حين قال المشركون: إن محمداً يسخر بأصحابه، يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً، أو يأتيهم بما هو أهونُ عليهم، وما هو إلا مفتر يقولُه من تِلْقاء نفسه. فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي بعدها.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم المُزكيِّ، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمدان الزاهد، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، قال: حدَّثنا أبو هشام الرِّفاعي، قال: حدثنا ابن فضيل، قال: حدثنا حُصَين عن عبد الله بن مسلم، قال: كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر، اسم أحدهما: يَسارٌ، والآخر جَبر، وكانا [صَيْقَلَيْن] يقرآن كتباً لهما بلسانهما، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بهما فيسمع قراءتهما، فكان المشركون يقولون: يتعلم منهما. فأنزل الله تعالى فأكذبهم: ﴿لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾.
قال ابن عباس: نزلت في عمَّار بن يَاسِر، وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسراً، وأمه سمية، وصُهَيْباً، وبلالاً، وخَبَّاباً، وسالماً - [فعذبوهم] فأما سُمَيَّة فإِنها ربطت بين بعيرين ووُجِئَ قُبُلُهَا بحربة، وقيل لها: إِنك أسلمت من أجل الرجال. فقتلت، وقتل زوجها ياسر، وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام. وأما عمار فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن عماراً كفرن فقال: كلا إن عماراً ملىء إيماناً من قَرْنه إلى قدمه، واختلط الإيمانُ بلحمه ودمه! فأتى عمار رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فجعل رسول الله عليه السلام يمسح عينيه ويقول: "إنْ عادوا لك فعُدْ لهم بما قلت"! فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مجاهد: نزلت في ناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم المسلمون بالمدينة: أن هاجروا، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا. فخرجوا يريدون المدينة، فأدركتهم قريش بالطريق ففتنوهم مُكْرَهين. وفيهم نزلت هذه الآية.
قال قتادة: ذُكِرَ لنا أنه لما أنزل الله تعالى قَبْلَ هذه الآية: أنّ أهلَ مكة لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا، كتب بها أهلُ المدينة إلى أصحابهم من أهل مكة، فلما جاءهم ذلك خرجوا، فلحقهم المشركون فردوهم: فنزلت: ﴿الۤمۤ * أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ﴾ فكتبوا بها إليهم. فتبايعوا بينهم على أن يخرجوا، فإن لحق بهم المشركون من أهل مكة قاتلوهم حتى ينجوا أو يلحقوا بالله، فأدركهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قُتل ومنهم من نجا، فأنزل الله عز وجل: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ﴾.
أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري، قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا الحكم بن موسى، قال: حدثنا إسماعيل بن عيَّاش عن عبد الملك بن أبي غَنِيّة، عن الحكم بن عُتَيْبَة عن مجاهد، عن ابن عباس، قال:
لما انصرف المشركون عن قتلى أحد، انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى منظراً ساءه، ورأى حمزَةَ: قد شُقَّ بطنه، واصْطُلِمَ أنفُه، وجُدِعَت أذناه. فقال: لولا أن تحزن النساء أو تكون سنة بعدي، لتركته حتى يبعثه الله تعالى من بطون السباع والطير، لأقتلن مكانه سبعين رجلاً منهم. ثم دعا ببردة فغطّى بها وجهَه فخرجت رجلاه، فجعل على رجليه شيئاً من الإذْخر، ثم قدمه وكبر عليه عشراً، ثم جعل يُجاءُ بالرجل فيُوضَعُ وحمزةُ مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة، وكان القتلى سبعين. فلما دُفنوا وفُرغ منهم: نزلت هذه الآية: ﴿ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ﴾ فَصَبَر ولم يُمَثِّل بأحد.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى الحافظ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا بشر بن الوليد الكِنْدي، قال: حدثنا صالح المُرِّي قال: حدثنا سليمان التيمِي عن أبي عثمان النَّهْدِي، عن أبي هريرة، قال:
أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة فرآه صريعاً، فلم ير شيئاً كان أوجع لقلبه منه، وقال: والله لأقتلن بك سبعين منهم. فنزلت: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾.
أخبرنا أبو حسان المزكي، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق [حدثنا موسى بن إسحاق] قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: حدثنا قيس عن [ابن] أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن عباس، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قُتِل حمزة ومُثِّل به: لئن ظفرت بقريش لأمثّلنّ بسبعين رجلاً منهم، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نصبر يا رب.
قال المفسرون: إن المسلمين لما رأوا ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أحد من تَبْقِيرِ البُطُون وقطع المَذّاكِيرِ والمثلة السيئة، قالوا حين رأوا ذلك: لئن أظفرنا الله عليهم لنزيدن على صنيعهم، ولنُمَثِّلَنّ بهم مثله لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط، ولنفعلن ولنفعلن. ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة وقد جدعوا أنفه [وأذنه] وقطعوا مَذَاكِيرَه وبقُرُوا بطنه، وأخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها ثم اسْتَرَطَتْهَا لتأكلها، فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أما إنها لو أكلتها لم تدخل النار أبداً، حمزُة أكرمُ على الله من أن يدخل شيئاً من جسده النار. فلما نظر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى حمزةَ، نظر إلى شيء لم ينظر [قط] إلى شيء كان أوجع لقلبه منه، فقال: رحمة الله عليك، إنك كنت ما علمتُ: وصُولاً للرحم، فعّالاً للخيرات، ولولا حزنُ مَنْ بَعدَك عليك لسرني أن أدعك حتى تُحشر من أجْوَاف شتى، أما والله لئن أظفرني الله تعالى بهم لأمثلن بسبعين منهم مكانك. فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بلى نصبر، وأمسك عما أراد، وكَفَّرَ عن يمينه.
قال الشيخ ابو الحسن: ونحتاج أن نذكرها هنا مقتل حمزة:
أخبرنا عمرو بن ابي عمرو المُزَكِّي، قال: أخبرنا محمد بن مكي، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الجُعْفِيّ، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الله حدثنا حُجَيْنُ بن المُثَنَّى، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، وأخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، قال: أخبرنا والدي، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، قال: حدثني أبي، عن محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن الفضل بن عيّاش بن أبي ربيعة، عن سليمان بن يَسَار، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، قال:
خرجت أنا وعُبيد الله بن عَدِي بن الخِيَار، فمررنا بحمْص، فلما قَدِمناها قال لي عُبيد الله بن عدي: هل لك أن تأتيَ وَحْشِياً نسأله كيف كان قتله حمزة؟ فقلت له: إن شئت [فخرجنا نسأل عنه] فقال لنا رجل: أما إنكما ستجدانه بفناء داره، وهو رجل قد غلب عليه الخمر، فإن تجداه صاحياً تجدا رجلاً عريباً [وتجدا] عنده بعض ما تريدان. فلما انتهينا إليه سلّمنا عليه فرفع رأسه، قلنا: جئناك لتحدثنا عن قتلك حمزة رحمة الله عليه، فقال: إما إني سأحدثكما كما حدَّثْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين سألني عن ذلك: كنت غلاماً لجُبَيْر بن مُطْعِم بن عَدِي بن نَوْفَل، وكان عمه طُعَيْمَة بن عدي قد أُصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد، قال لي جُبَير بن مطعم: إن قتلت حمزة عمّ محمد بَعَمِّي طعيمَة فأنت عتيق. قال: فخرجت وكنت حَبشِياً أقذف بالحربة قذْفَ الحبشة قلَّما أخطئ بها شيئاً، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة [وأتبّصره] حتى رأيته في عُرْض الجيش مثل الجَمَل الأوْرَق يهدُّ الناس بسيفه هدَّاً ما يقوم له شيء، فوالله إني لأتَهَيَّأ له واستتر منه بحجر أو شجر لِيَدْنُوَ مني، إذ تَقَدَّمَنِي إليه سِباعُ بن عبد العُزَّى، فلما رآه حمزة رحمة الله عليه قال: ها [هنا] يا ابن مُقَطَّهَةِ البُظُورِ، قال: ثم ضربه فوالله ما أخطأ رأسه، وهَزَزْتُ حربتي حتى إِذا [ما] رضيت منها دَفَعْتُها إليه، فوقعت في ثُنَّتِه حتى خرجت من بين رجليه، فذهب لِيَنُوءَ نحوي فغُلب وتركته حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى الناس فقعدت في العسكر، ولم يكن لي بغيره حادة، إنما قتلته لأعتق. فلما قدمت مكة أُعْتِقْتُ، فأقمت بها حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً، وقيل لي: إِن محمداً لا يهيج الرسل. قال: فخرجت معهم حتى قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال [لي] أنت وحشي؟ قلت: نعم قال: أنت قتلت حمزة؟ قلت: قد كان من الأمر ما قد بلغك، قال: فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني. [فخرجت] قال: فلما قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج الناس إلى مسيلمةَ الكذاب - قلت: لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتُله فأكافئَ به حمزة. فخرجت مع الناس، وكان من أمره ما كان.