تفسير سورة طه

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة طه من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة طه، سورة مكية، وهي خمس وثلاثون ومائة آية كوفي.

﴿ طه ﴾ [آية: ١] ﴿ مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ﴾ [آية: ٢]" وذلك أن أبا جهل والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، والمعطم بن عدى، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لتشقى حين تركت دين آبائك فائتنا ببراءة أنه ليس مع إلهك إله، فقال لهم النبي، صلى الله عليه وسلم: " بل بعثت رحمة للعالمين: ، قالوا: بل أنت شقى "، فأنزل الله، عز وجل، في قولهم للنبي، صلى الله عليه وسلم: ﴿ طه ﴾ يعني يا رجل وهو بالسريانية.
﴿ مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ﴾ يعني ما أنزلناه عليك.﴿ إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ ﴾ [آية: ٣] الله.﴿ تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَق ٱلأَرْضَ ﴾ كلها ﴿ وَٱلسَّمَاوَاتِ ﴾ السبع ﴿ ٱلْعُلَى ﴾ [آية: ٤] يعني الرفيع من الأرض.
﴿ ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ ﴾ [آية: ٥] في التقديم قبل خلق السموات والأرض يعني استقر. ثم عظم الرب، عز وجل، نفسه فقال، سبحانه: ﴿ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ ﴾ [آية: ٦] يعني بالثرى الأرض السفلى وتحتها الصخرة والملك والثور والحوت والماء والريح تهب في الهواء.﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ ﴾ يعني النبي، صلى الله عليه وسلم، وإن تعلن بالقول ﴿ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ ﴾ يعني ما أسر العبد في نفسه ﴿ وَ ﴾ ما ﴿ وَأَخْفَى ﴾ [آية: ٧] من السر، مالا يعلم أنه يعلمه، وهو عامله، فيعلم الله ذلك كله. ثم وحد نفسه، تبارك وتعالى، إذ لم " يوحده " كفار مكة، فقال سبحانه: ﴿ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ [آية: ٨] وهي التي في آخر سورة الحشر ونحوه، لقولهم: ائتنا ببراءة أنه ليس مع إلهك إله.
﴿ وَهَلْ أَتَاكَ ﴾ يقول: وقد جاءك ﴿ حَدِيثُ مُوسَىٰ ﴾ [آية: ٩].
﴿ إِذْ رَأَى نَاراً ﴾ ليلة الجمعة في الشتاء بأرض المقدسة.
﴿ فَقَالَ لأَهْلِهِ ﴾ يعني امرأته وولده ﴿ ٱمْكُثُوۤاْ ﴾ مكانكم ﴿ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً ﴾ يعني إنى رأيت ناراً، وهو نور رب العالمين، تبارك وتعالى: ﴿ لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ ﴾ فأقتبس النار لكى تصطلون من البرد ﴿ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى ﴾ [آية: ١٠] يعني من يرشدني إلى الطريق، وكان موسى، عليه السلام، قد تحير ليلاً وضل الطريق، فلما انتهى إليها سمع تسبيح الملائكة، ورأى نوراً عظيماً فخاف، وألقى الله، عز وجل، عليه السكينة.﴿ فَلَمَّآ أَتَاهَا ﴾ انتهى إليها ﴿ نُودِيَ يٰمُوسَىٰ ﴾ [آية: ١١].
﴿ إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ ﴾ من قدميك وكانتا من جلد حمار ميت غير ذكى، فخلعهما موسى، عليه السلام، وألقاهما من وراء الوادى ﴿ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ ﴾ يعني بالوادى المطهر ﴿ طُوًى ﴾ [آية: ١٢] وهو اسم الوادى.﴿ وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ ﴾ يا موسى للرسالة ﴿ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ ﴾ [آية: ١٣] يعني للذى يوحى إليك. والوحى ما ذكر الله، عز وجل: ﴿ إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ ﴾.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن علقمة بن مرثد، عن كعب: أن موسى، عليه السلام، كلمه ربه مرتين، ورأى محمد، صلى الله عليه وسلم ربه، جل جلاله، مرتين، وعصى آدم، عليه السلام، ربه تعالى، مرتين. حدثنا عبيد الله، قال: وحدثنى أبى، عن الهذيل، عن حماد بن عمرو النصيبى، عن عبد الحميد بن يوسف، قال صياح الدراج: " الرحمن على العرش استوى ". حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل، عن صيفى بن سالم، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن، في قوله، عز وجل: ﴿ أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾ قال: أخفيها من نفسى، قال هذيل: ولم أسمع مقاتلا. قوله سبحانه: ﴿ فَٱعْبُدْنِي ﴾ يعني فوحدنى، فإنه ليس معى إله، ثم قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ ﴾ [آية: ١٤] يقول: لتذكرنى بها، يا موسى. ثم استأنف ﴿ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ ﴾ يقول: إن الساعة جائية لا بد ﴿ أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾ من نفسى في قراءة ابن مسعود، فكيف يعلمها أحد، وقد كدت أن أخفيها من نفسى، لئلا يعلمها مخلوق ﴿ لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ يقول سبحانه: الساعة آتية لتجزى كل نفس بر وفاجر ﴿ بِمَا تَسْعَىٰ ﴾ [آية: ١٥] إذا جاءت الساعة يعني بما تعمل في الدنيا.﴿ فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا ﴾ يا محمد، يعني عن إيمان بالساعة ﴿ مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا ﴾ يعني من لا يصدق بها أنها كائنة ﴿ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾ ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَتَرْدَىٰ ﴾ [آية: ١٦] يعني فتهلك إن صدوك عن الإيمان بالساعة، فيها تقديم.
ثم قال عز وجل، فى مخاطبته لموسى عليه السلام: ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ ﴾ [آية: ١٧] يعنى عصاه كانت بيده اليمنى، قال ذلك لموسى عليه السلام، وهو يريد أن يحولها حية.﴿ قَالَ ﴾ موسى عليه السلام: ﴿ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ﴾ يقول: أعتمد عليها إذا مشيت ﴿ وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي ﴾ يقول: أخبط بها الشجر فيتهاش الورق فى الأرض، فتأكله غنمى إذا رعيتها، وكانت صغاراً لا تعلون الشجر، وكان موسى عليه السلام، يضرب بعصاه الشجر فيتهاش الورق فى الأرض فتأكله غنمه.﴿ وَلِيَ فِيهَا ﴾ يعنى فى العصا ﴿ مَآرِبُ أُخْرَىٰ ﴾ [آية: ١٨] يعنى حوائج أخرى، وكان موسى، عليه السلام، يحمل زاده وسقاءه على عصاه، ويضرب الأرض بعصاه فيخرج ما يأكل يومه، ويركزها فى الأرض فيخرج الماء، فإذا رفعها ذهب الماء، وتضىء بالليل فى غير قمر ليهتدى بها، ويرد بها غنمه عليه، فتقيه بإذن الله، عز وجل، من الآفات، ويقتل بها الحيات والعقارب بإذن الله، عز وجل. ؟حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل، عن مقاتل، قال: دفع جبريل، عليه السلام، العصا إلى موسى، عليه السلام، وهو متوجه إلى مدين بالليل، واسم العصا نفعه.﴿ قَالَ ﴾ الله عز وجل: ﴿ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ ﴾ [آية: ١٩].
﴿ فَأَلْقَاهَا ﴾ من يده اليمنى ﴿ فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ ﴾ [آية: ٢٠] على بطنها ذكراً أشعر، له عرف، فخاف موسى، عليه السلام، أن يأخذها. فـ ﴿ قَالَ ﴾ له ربه عز وجل: ﴿ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ ﴾ منها ﴿ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا ٱلأُولَىٰ ﴾ [آية: ٢١] يعنى سنعيدها عصا كهيئتها الأولى عصا، كما كانت أول مرة، فأهوى موسى بيده إلى ذنبها فقبض عليها، فصارت عصا كما كانت.﴿ وَٱضْمُمْ يَدَكَ ﴾ يعنى كفك ﴿ إِلَىٰ جَنَاحِكَ ﴾ يعنى عضدك ﴿ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ ﴾ يعنى من غير برص، فأخرج يده من مدرعته وكانت مضربة، فخرجت بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر، ثم قال: ﴿ آيَةً أُخْرَىٰ ﴾ [آية: ٢٢] يعنى اليد آية أخرى سوى العصا.﴿ لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ ﴾ [آية: ٢٣] يعنى اليد، كانت أكبر وأعجب أمراً من العصا، فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾ [النازعات: ٢٠] يعنى اليد.﴿ ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴾ [آية: ٢٤] يقول: إنه عصى، فادعوه إلى عبادتى، واعلم أنى قد ربطت على قلبه؛ فلم يؤمن فأتاه ملك خازن من خزان الريح، فقال له: انطلق لما أمرت.﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِى ﴾ [آية: ٢٥] يقول: أوسع لى قلبى، قال له الملك: انطلق لما أمرت به، فإن هذا قد عجز عنه جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، عليهم السلام. ثم قال موسى: ﴿ وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِى ﴾ [آية: ٢٦] يقول: وهو علىَّ ما أمرتنى به من البلاغ إلى فرعون وقومه، ولا تعسره على.﴿ وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ﴾ [آية: ٢٧] وكان فى لسانه رته يعنى الثقل، هذا الحرف عن محمد بن هانىء. ﴿ يَفْقَهُواْ قَوْلِي ﴾ [آية: ٢٨] يعنى كلامى.﴿ وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً ﴾ يقول: بالدخول إلى فرعون، يعنى عوناً ﴿ مِّنْ أَهْلِي ﴾ [آية: ٢٩] لكى يصدقنى فرعون.﴿ هَارُونَ أَخِي ﴾ [آية: ٣٠] ﴿ ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴾ [آية: ٣١] يقول: اشدد به ظهرى وليكون عوناً لى. ﴿ وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي ﴾ [آية: ٣٢] الذى أمرتنى به، يتعظون لأمرنا ونتعاون كلانا جميعاً.﴿ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً ﴾ [آية: ٣٣] فى الصلاة ﴿ وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ﴾ [آية: ٣٤] باللسان ﴿ إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً ﴾ [آية: ٣٥] يقول: ما أبصرك بنا.﴿ قَالَ ﴾ عز وجل: ﴿ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ ﴾ [آية: ٣٦] ومسألتك لنفسك خيراً، عن العقدة فى اللسان ولأخيك.﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ ﴾ يعنى أنعمنا عليك مع النبوة ﴿ مَرَّةً أُخْرَىٰ ﴾ [آية: ٣٧].
ثم بين النعمة، فقال سبحانه: ﴿ إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ ﴾ [آية: ٣٨]، واسمها يوخاند.﴿ أَنِ ٱقْذِفِيهِ ﴾ أن اجعليه ﴿ فِي ٱلتَّابُوتِ ﴾ والمؤمن الذى صنع التابوت اسمه خربيل بن صابوث ﴿ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ ﴾ يعنى فى نهر مصير، وهو النيل ﴿ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ ﴾ على شاطىء البحر ﴿ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ﴾ يعنى فرعون عدو الله، عز وجل، وعدو لموسى، عليه السلام ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ﴾ فألقى الله، عز وجل، على موسى، عليه السلام، المحبة فأحبوه حين رأوه فهذه النعمة الأخرى ﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ ﴾ [آية: ٣٩] حين قذف التابوت فى البحر، وحين التقط، وحين غذى، فكل ذلك بعين الله عز وجل، فلما التقطه جعل موسى لا يقبل ثدى امرأة.﴿ إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ ﴾ مريم ﴿ فَتَقُولُ ﴾ لآل فرعون: ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ﴾ يعنى على من يضمه ويرضعه لكم، فقالوا: نعم، فذهبت أخته فجاءت بالأم فقبل ثديها، فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ ﴾ يعنى ﴿ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ ﴾ عليك ﴿ وَقَتَلْتَ ﴾ حين بلغ أشده ثمانى عشرة سنة ﴿ نَفْساً ﴾ بمصر ﴿ فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ ﴾ يعنى من القتل، وكان مغموماً مخافة أن يقتل مكان القتيل ﴿ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ﴾ يعنى ابتليناك ببلاء على أثر بلاء، يعنى بالبلاء النقم منذ يوم ولد إلى أن بعثه الله، عز وجل، رسولاً.
﴿ فَلَبِثْتَ سِنِينَ ﴾ يعنى عشر سنين ﴿ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ﴾ حين كان مع شعيب، عليهما السلام ﴿ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ ﴾ يعنى ميقات ﴿ يٰمُوسَىٰ ﴾ [آية: ٤٠].
﴿ وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ [آية: ٤١] وهو ابن أربعين سنة، يقول: واخترتك لنفسى رسولاً ﴿ ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ ﴾ هارون ﴿ بِآيَاتِي ﴾ يعنى اليد والعصا، وهارون يومئذ غائب بمصر، فالتقيا موسى وهارون، عليهما السلام، من قبل أن يصلا إلى فرعون.
﴿ وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴾ [آية: ٤٢] يقول: ولا تضعفا فى أمرى، فى قراءة ابن مسعود: " ولا تهنا فى ذكرى فى البلاغ إلى فرعون " يجرئهما على فرعون.﴿ ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴾ [آية: ٤٣] يقول: عصى الله، عز وجل، أربعمائة سنة ﴿ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً ﴾ يقول: ادعواه الكنية، يعنى بالقول اللين، هل لك إلى أن تزكى، وأهديك إلى ربك فتخشى ﴿ لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴾ [آية: ٤٤].
﴿ قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ ﴾ يعنى أن يعجل علينا بالقتل ﴿ أَوْ أَن يَطْغَىٰ ﴾ [آية: ٤٥] يعنى يستعصى.﴿ قَالَ لاَ تَخَافَآ ﴾ القتل ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَآ ﴾ فى الدفع عنكما، فذلك قوله سبحانه:﴿ فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ﴾[القصص: ٣٥] ثم قال: ﴿ أَسْمَعُ ﴾ جواب فرعون ﴿ وَأََرَىٰ ﴾ [آية: ٤٦] يقول: وأعلم ما يقول، كقوله: ﴿... لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ... ﴾ يعنى بما أعلمك الله، عز وجل.﴿ فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ ﴾ فانقطع كلام الله عز وجل لموسى، عليه السلام، فلما أتيا فرعون، قال موسى لفرعون: ﴿ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ ﴾ يقول: ولا تسعبدهم بالعمل، يعنى بقوله: معنا، يعنى نفسه وأخاه ﴿ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ ﴾ يعني بعلامة ﴿ مِّن رَّبِّكَ ﴾ وهي اليد والعصا ﴿ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ ﴾ [آية: ٤٧] يقول: والسلام على من آمن بالله، عز وجل.
﴿ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ ﴾ فى الآخرة.
﴿ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ ﴾ بتوحيد الله، عز وجل ﴿ وَتَوَلَّىٰ ﴾ [آية: ٤٨] يعنى وأعرض عنه.﴿ قَالَ ﴾ فرعون: ﴿ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ ﴾ [آية: ٤٩] ﴿ قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ ﴾ من الدواب ﴿ خَلْقَهُ ﴾ يعنى صورته التى تصلح له ﴿ ثُمَّ هَدَىٰ ﴾ [آية: ٥٠] يقول: هداه إلى معيشته ومرعاه، فمنها ما يأكل الحب، ومنها ما يأكل اللحم.﴿ قَالَ ﴾ فرعون: يا موسى ﴿ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ ﴾ [آية: ٥١] يقول: مؤمن آل فرعون فى حم المؤمن:﴿ يٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ﴾[غافر: ٣٠، ٣١] فى الهلاك، فلما سمع ذلك فرعون من المؤمن، قال لموسى: ﴿ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ ﴾ فلم يعلم موسى ما أمرهم؟ لأن التوراة إنما أزلت على موسى، عليه السلام، بعد هلاك فرعون وقومه. فمن ثم رد عليه موسى: فـ ﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ﴾ يعنى اللوح المحفوظ ﴿ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي ﴾ يعنى لا يخطئ ذلك الكتاب ربى ﴿ وَلاَ يَنسَى ﴾ [آية: ٥٢] ما فيه، فلما أنزل الله، عز وجل، عليه التوراة أعلمه، وبين له فيها القرون، الأولى. ثم ذكر موسى، عليه السلام، صنع الله، عز وجل، ليعتبر به فرعون، فقال: ﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً ﴾ يعنى فراشاً ﴿ وَسَلَكَ لَكُمْ ﴾ يعنى وجعل لكم ﴿ فِيهَا سُبُلاً ﴾ يعنى طرقاً فى الأرض ﴿ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ﴾ يعنى بالمطر ﴿ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ ﴾ [آية: ٥٣] من الأرض يعنى مختلفاً من كل لون من النبت منها للدواب، ومنها للناس.﴿ كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ ﴾ يعنى فيما ذكر من هذه الآية ﴿ لآيَاتٍ ﴾ يعنى لعبرة ﴿ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ ﴾ [آية: ٥٤] يعنى لذوى العقول فى توحيد الله، عز وجل، هذا قول موسى، عليه السلام، لفرعون. ثم قال الله عز وجل: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ ﴾ يعنى أول مرة خلقكم من الأرض، من التراب الذى ذكر فى هذه الآية التى قبلها ﴿ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ﴾ إذا متم ﴿ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ ﴾ يوم القيامة أحياء بعد الموت ﴿ تَارَةً أُخْرَىٰ ﴾ [آية: ٥٥] يعنى مرة أخرى.﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا ﴾ يعنى فرعون، الآيات السبع: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمس، والسنين، والعصا، واليد.
﴿ فَكَذَّبَ ﴾ بها، بأنها ليست من الله، عز وجل.
﴿ وَأَبَىٰ ﴾ [آية: ٥٦] أن يصدق بها، وزعم أنها سحر.﴿ قَالَ ﴾ فرعون لموسى: ﴿ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ ﴾ [آية: ٥٧] اليد والعصا ﴿ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ ﴾ يعنى بمثل سحرك ﴿ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً ﴾ يعنى وقتاً ﴿ لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى ﴾ [آية: ٥٨] يعنى ميقاتاً، يعنى عدلاً كقوله سبحانه:﴿ أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ ﴾[طه: ١٣٥] يعنى العدل.﴿ قَالَ ﴾ موسى لفرعون: ﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ ﴾ يعنى يوم عيد لهم فى كل سنة واحد، وهو يوم النيروز ﴿ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى ﴾ [آية: ٥٩] يعنى نهاراً فى اليوم الذى فيه العيد، مثل قوله:﴿ بَأْسُنَا ضُحًى ﴾[الأعراف: ٩٨] يعنى نهاراً، وبعث فرعون شرطة فحشرهم للميعاد.
﴿ فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ ﴾ يقول: أعرض فرعون عن الحق الذى دعى إليه ﴿ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ﴾ يعنى سحرته ﴿ ثُمَّ أَتَىٰ ﴾ [آية: ٦٠] ﴿ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً ﴾ لقولهم: إن اليد والعصا ليستا من الله، عز وجل.
﴿ وإنها سحر { فَيُسْحِتَكُم ﴾ يعنى فهلككم جميعاً ﴿ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ ﴾ يعنى وقد خسر ﴿ مَنِ ٱفْتَرَىٰ ﴾ [آية: ٦١] وقال الكذب على الله عز وجل.﴿ فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ يعنى اختلفوا فى قولهم بينهم نظيرها فى الكهف:﴿ إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ﴾[الكهف: ٢١].
﴿ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ ﴾ [آية: ٦٢] من موسى وهارون، عليهما السلام. فنجواهم أن ﴿ قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ ﴾ يعنى أرض مصر ﴿ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ ﴾ [آية: ٦٣] يقول: يغلبانكم على الرجال والأمثال، جمع أمثل، وهو الممتاز من الرجال، من أهل العقول والشرف، فيتبعون موسى وهارون، ويتركون فرعون.﴿ فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ﴾ يعنى سحركم، هذا قول فرعون لوجوه سحرة قومه ﴿ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً ﴾ يعنى جميعاً ﴿ وَقَدْ أَفْلَحَ ﴾ يعنى وقد سعد ﴿ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ ﴾ [آية: ٦٤] يعنى من غلب.﴿ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ ﴾ عصاك من يدك ﴿ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ ﴾ نحن ﴿ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ ﴾ [آية: ٦٥].
﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُواْ ﴾ فلما ألقوا ﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ ﴾ يعنى إلى موسى ﴿ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ ﴾ [آية: ٦٦] وكانت حبالاً وهى لا تتحرك.﴿ فَأَوْجَسَ ﴾ يعنى فوقع ﴿ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ ﴾ [آية: ٦٧] يعنى خاف موسى إن صنع القوم مثل صنعه أن يشكوا فيه فلا يتبعوه، ويشك فيه من تابعه ﴿ قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ [آية: ٦٨] يعنى الغالب نظيرها﴿ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ ﴾[آل عمران: ١٣٩، محمد: ٣٥] الغالبون، هذا قول جبريل لموسى، عليه السلام، عن أمر ربه، عز وجل، وهو على يمينه تلك الساعة.﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ ﴾ يعنى عصاه، ففعل، فإذا هى حية ﴿ تَلْقَفْ ﴾ يقول: تلقم ﴿ مَا صَنَعُوۤاْ ﴾ من السحر حتى تلقمت الحبال والعصى ﴿ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ ﴾ يقول: إن الذى عملوا هو عمل ساحر، يعنى كبيرهم، وما صنع موسى فليس بسحر ﴿ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ ﴾ [آية: ٦٩] أينما كان الساحر فلا يفلح.﴿ فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً ﴾ لله تبارك وتعالى، وكانوا ثلاثة وسبعين ساحراً أكبرهم اسمه شمعون، فلما التقمت الحبال والعصى ألقاهم الله، عز وجل، على وجوههم سجداً ﴿ قَالُوۤاْ آمَنَّا ﴾ يعنى صدقنا ﴿ بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ ﴾ [آية: ٧٠].
﴿ قَالَ ﴾ فرعون: ﴿ آمَنتُمْ لَهُ ﴾ يعنى صدقتم لموسى ﴿ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ﴾ يقول: قبل أن آمركم بالإيمان لموسى ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ﴾ يعنى لعظيمكم فى السحر، هو ﴿ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ﴾ يعنى اليد اليمنى والرجل اليسرى ﴿ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ ﴾ مثل قوله تعالى:﴿ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ... ﴾[الطور: ٣٨] يعنى عليه ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ ﴾ [آية: ٧١] أنا أو ورب موسى وهارون ﴿ وَأَبْقَىٰ ﴾ وأدوم عذاباً.﴿ قَالُواْ ﴾ يعنى قالت السحرة: ﴿ لَن نُّؤْثِرَكَ ﴾ يعن لن نختارك ﴿ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ يعنون اليد والعصا ﴿ وَ ﴾ لا على ﴿ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا ﴾ يعنى خلقنا، يعنون ربهم، عز وجل، الذى خلقهم ﴿ فَٱقْضِ ﴾ يعنى فاحكم فينا ﴿ مَآ أَنتَ قَاضٍ ﴾ يعنى حاكم من القطع والصلب ﴿ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ ﴾ [آية: ٧٢].
﴿ إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا ﴾ يقول: إنا صدقنا بتوحيد الله، عز وجل.
﴿ لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا ﴾ يقول: سحرنا ﴿ وَ ﴾ يغفر لنا ﴿ وَمَآ ﴾ الذى ﴿ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ ﴾ يعنى ما جبرتناعليه ﴿ مِنَ ٱلسِّحْرِ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾ [آية: ٧٣] يقول الله جل جلاله أفضل منك وأدوم منك يا فرعون، فإنك تموت ويبقى الرب وحده تعالى جده؛ لقول فرعون: ﴿... أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ ﴾ [طه: ٧١].
﴿ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً ﴾ يعنى مشركا فى الآخرة، وأنت هو يا فرعون ﴿ فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا ﴾ فيستريح ﴿ وَلاَ يَحْيَىٰ ﴾ [آي: ٧٤] فتنفعه الحياة، نظيرها فى﴿ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ ﴾[الأعلى: ١].
﴿ وَمَن يَأْتِهِ ﴾ فى الآخرة ﴿ مُؤْمِناً ﴾ يعنى مصدقاً بتوحيد الله، عز وجل.
﴿ قَدْ عَمِلَ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ من الأعمال ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ ﴾ [آية: ٧٥] يعنى الفضائل الرفيعة فى الجنة من الأعمال ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ ﴾ [آية: ٧٥] يعنى الفضائل الرفيعة فى الجنة من الأعمال.﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾ يعنى تحت البساتين الأنهار ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ لا يموتون ﴿ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ﴾ يعنى الخلود جزاء ﴿ مَن تَزَكَّىٰ ﴾ [آية: ٧٦].
﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي ﴾ ليلاً بأرض مصر ﴿ فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً ﴾ من آل فرعون من ورائك ﴿ وَلاَ تَخْشَىٰ ﴾ [آية: ٧٧] الغرق فى البحر أمامك؛ لأن بنى إسرائيل قالوا لموسى: هذا فرعون قد لحقنا بالجنود، وهذا البحر قد غشينا، فليس لنا منقذ، فنزلت: ﴿ لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ ﴾ أوجب ذلك على نفسه تعالى.﴿ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ﴾ [آية: ٧٨] يعنى الغرق.
﴿ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ ﴾ القبط ﴿ وَمَا هَدَىٰ ﴾ [آية: ٧٩] يقول: وما هداهم، وذلك أن فرعون قال لقومه فى حم المؤمن:﴿ ... مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ ﴾[غافر: ٢٩]، فأضلهم ولم يهدهم، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَمَا هَدَىٰ ﴾.
كما قال تعالى: ﴿ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ ﴾ فرعون وقومه ﴿ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ ﴾ يعنى حين سار موسى مع السبعين عن يمين الجبل، فأعطى التوراة ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ ﴾ [آية: ٨٠] فى التيه، أما المن فالترنجبين كان بين أعينهم بالليل على شجرهم أبيض كأنه الثلج، حلو مثل العسل، فيغدون عليه فيأخذون منه ما يكفيهم يومهم ذلك، ولا يرفعون منه لغد، ويأخذون يوم الجمعة ليومين، لأن السبت كان عندهم لا يسيحون فيه ولا يعملون فيه، هذا لهم وهم فى التيه مع موسى، عليه السلام، وتنبت ثيابهم مع أولادهم، أما الرجال فكانت ثيابهم لا تبلى، ولا تخرف، ولا تدنس، وأما السلوى وهو الطير، وذلك أن بنى إسرائيل سألوا موسى اللحم وهم فى التيه، فسأل موسى، عليه السلام، ربه عز وجل ذلك، فقال الله: لأطعمنهم أقل الطير لحماً فبعث الله سبحانه سحاباً فأمطرت سماناً، وجمعتهم الريح الجنوب، وهى طير حمر تكون فى طريق مصر، فمطرت قدر ميل فى عرض الأرض، وقد رطول رمح فى السماء. يقول الله تعالى ذكره: ﴿ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ يعنى بالطيبات الحلال من الرزق ﴿ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ ﴾ يقول: ولا تعصوا فى الرزق، يعنى فيما رزقناكم من المن والسلوى فترفعوا منه لغد، وكان الله سبحانه قد نهاهم أن يرفعوا منه لغد فعصوا الله، عز وجل، ورفعوا منه، وقددوا، فتدود ونتن، ولولا صنيع بنى إسرائيل لم يتغير الطعام أبداً، ولولا حواء زوج آدم، عليهما السلام، لم تخن أنثى زوجها الدهر، فذلك قوله: ﴿ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ ﴾ كقوله تعالى لفرعون: ﴿... إِنَّهُ طَغَىٰ ﴾ يعنى عصى ﴿ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ﴾ يعنى فيجب عليكم عذابى ﴿ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي ﴾ عذابى ﴿ فَقَدْ هَوَىٰ ﴾ [آية: ٨١] يقول: ومن وجب عليه عذابى فقد هلك.﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ ﴾ من الشرك عن عبادة العجل ﴿ وَآمَنَ ﴾ يعنى وصدق بتوحيد الله، عز وجل.
﴿ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ ﴾ [آية: ٨٢] يعنى عرف أن لعمله ثواباً يجازى به كقوله سبحانه:﴿ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾[النحل: ١٦] يعنى يعرفون الطريق.
﴿ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ ﴾ [آية: ٨٣] يعنى السبعين الذين اختارهم موسى حين ذهبوا معه إلى الطور ليأخذوا التوراة من ربه، عز وجل، فلما ساروا عجل موسى، عليه السلام، شوقاً إلى ربه تبارك وتعالى، وخلف السبعين، وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل، فقال الله عز وجل له: ﴿ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ ﴾؟ السبعين.﴿ قَالَ ﴾ لربه جل وعز: ﴿ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي ﴾ يجيئون من بعدى ﴿ وَعَجِلْتُ ﴾ يعنى أسرعت ﴿ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ ﴾ [آية: ٨٤] يقول: حتى ترضى عنى.﴿ قَالَ ﴾ الله جل جلاله: ﴿ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ ﴾ يعنى الذين خلفهم مع هارون على ساحل البحر سوى السبعين.
﴿ مِن بَعْدِكَ ﴾ بالعجل ﴿ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ ﴾ [آية: ٨٥] حين أمرهم بعبادة العجل وكانوا اثنى عشر ألفاً.﴿ فَرَجَعَ مُوسَىٰ ﴾ من الجبل ﴿ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ ﴾ عليهم ﴿ أَسِفاً ﴾ حزيناً لعبادتهم العجل ﴿ قَالَ ﴾ لهم ﴿ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً ﴾ يعنى حقاً كقوله سبحانه فى البقرة:﴿ ... وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً... ﴾[البقرة: ٨٠] يعنى حقاً فى محمد صلى الله عليه وسلم، أن يعطيكم التوراة فيها بيان كل شىء، والوعد حين قال عز وجل:﴿ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ ﴾[طه: ٨٠] حين سار موسى مع السبعين ليأخذوا التوراة فطال عليهم العهد، يعنى ميعاده إياهم أربعين يوماً، فذلك قوله تعالى: ﴿ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ ﴾ يعنى أن يجب عليكم عذاب، كقوله تعالى:﴿ ... قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ.. ﴾[الأعراف: ٧١] يعنى عذاب ﴿ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي ﴾ [آية: ٨٦] يعنى الأربعين، يوماً، وذلك أنهم عدوا الأيام والليالى، فعدوا عشرين يوماً وعشرين ليلة، ثم قالوا لهارون: قد تم الأجل الذى كان بيننا وبين موسى، فعند ذلك أضلهم السامرى.﴿ قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ﴾ ونحن نملك أمرنا ﴿ وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً ﴾ يعنى خطايا؛ لأن ذلك حملهم على صنع العجل وعبادته ﴿ مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ ﴾ يقول: من حلى آل فرعون الذهب والفضة، وذلك أنه لما مضى خمسة وثلاثون يوماً، قال لهم السامرى وهو من بنى إسرائيل: يا أهل مصر، إن موسى لا يأتيكم، فانظروا هذا الوزر، وهو الرجس الذى على نسائكم وأولادكم من حلى آل فرعون الذى أخذتموه منهم غصباً، فتطهروا منه، واقذفوه فى النار. ففعلوا ذلك وجمعوه فعمد السامرى؛ فأخذه ثم صاغه عجلاً لست وثلاثين يوماً، وسبعة وثلاثين يوماً، وثمانية وثلاثين يوماً، فصاغة فى ثلاثة أيام، ثم قذف القبضة التى أخذها من أثر حافر فرس جبريل، عليه السلام، فخار العجل خورة واحدة، ولم يثن، فأمرهم السامرى بعبادة العجل لتسعة وثلاثين يوماً، ثم أتاهم موسى، عليه السلام، من الغد لتمام أربعين يوماً، فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ ﴾ يعنى هكذا ﴿ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ ﴾ [آية: ٨٧] الحلى فى النار.﴿ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً ﴾ يعنى بالجسد أنه لا روح فيه ﴿ لَّهُ خُوَارٌ ﴾ يعنى له صوت ﴿ فَقَالُواْ ﴾ قال السامرى وحده: ﴿ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ ﴾ معشر بنى إسرائيل، وذلك أن بنى إسرائيل لما عبروا البحر مروا على العمالقة وهم عكوف على أصنام لهم، قالوا لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، فاغتنمها السامرى، فلما اتخذه قال: هذا إلهكم وإله موسى معشر بنى إسرائيل.
﴿ فَنَسِيَ ﴾ [آية: ٨٨] يقول: فترك موسى ربه وهو هذا، وقد ذهب موسى يزعم خطاب ربه، يقول الله جل جلاله.
﴿ أَفَلاَ ﴾ يعنى أفهلا ﴿ يَرَوْنَ أَلاَّ ﴾ أنه ﴿ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً ﴾ أنه لا يكلمهم العجل ﴿ وَلاَ يَمْلِكُ ﴾ يقول: لا يقدر: ﴿ لَهُمْ ضَرّاً ﴾ يقول: لا يقدر العجل على أن يرفع عنهم سوءاً ﴿ وَلاَ نَفْعاً ﴾ [آية: ٨٩] يقول: ولا يسوق إليهم خيراً.﴿ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ ﴾ أن يأتيهم موسى من الطور ﴿ يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ ﴾ يعنى ابتليتم بالعجل ﴿ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِي ﴾ على دينى ﴿ وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي ﴾ [آية: ٩٠] يعنى قولى.﴿ قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ ﴾ قالوا لن نبرح على العجل واقفين نعبده، كقوله سبحانه:﴿ لاۤ أَبْرَحُ ﴾يعنى لا أزال﴿ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ ﴾[الكهف: ٦٠] ﴿ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ ﴾ [آية: ٩١].
فلما رجع موسى ﴿ قَالَ ﴾ لهارون: ﴿ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ ﴾ [آية: ٩٢] يعنى أشركوا ﴿ أَلاَّ تَتَّبِعَنِ ﴾ يقول ألا اتبعت أمرى فأنكرت عليهم ﴿ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ﴾ [آية: ٩٣] يقول افتركت قولى، كقوله سبحانه:﴿ وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ ﴾[الشعراء: ١٥١].
﴿ قَالَ ﴾ هارون لموسى عليهما السلام: ﴿ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي ﴾ فإنى لو أنكرت لصاروا حزبين يقتل بعضهم بعضا و ﴿ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾ [آية: ٩٤] يقول: ولم تحفظ وصيتى فى الأعراف قوله سبحانه لهارون:﴿ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ﴾[الأعراف: ١٤٢] وكان هارون أحب بنى إسرائيل من موسى، صلى الله عليهما، ولقد سمت بنو إسرائيل على اسم هارون سبعين ألفاً من حبه، عليه السلام.﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ ﴾ يعنى فما أمرك؟ ﴿ يٰسَامِرِيُّ ﴾ [آية: ٩٥] يقول: فما حملك على ما أرى ﴿ قَالَ ﴾ السامرى: ﴿ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ ﴾ يقول: بما لم يفطنوا به يقول: عرفت ما لم يعرفوه من أمر فرس جبريل، عليه السلام.
﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ﴾ فرس ﴿ ٱلرَّسُولِ ﴾ يعنى تحت فرس جبريل، عليه السلام.
﴿ فَنَبَذْتُهَا ﴾ فى النار على أثر الحلى ﴿ وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾ [آية: ٩٦] يقول: هكذا زينت لى نفسى أن أفعل ذلك ﴿ قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ ﴾ إلى أن تموت ﴿ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ ﴾ يعنى لا تخالط الناس ﴿ وَإِنَّ لَكَ ﴾ فى الآخرة ﴿ مَوْعِداً ﴾ يعنى يوم القيامة ﴿ لَّن تُخْلَفَهُ ﴾ يقول: لن تغيب عنه ﴿ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ﴾ يعنى العجل ﴿ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً ﴾ يقول: أقمت عليه عابداً له ﴿ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ﴾ بالنار وبالمبرد ﴿ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً ﴾ [آية: ٩٧] يقول: لننبذنه فى اليم نبذاً.
﴿ إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ ﴾ يعنى ملأ ﴿ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ [آية: ٩٨] فعلمه تبارك وتعالى. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، قال: علم عز وجل من يعبده، ومن لا يعبده قبل خلقهم، جل جلاله.﴿ كَذٰلِكَ ﴾ يعنى هكذا ﴿ نَقُصُّ عَلَيْكَ ﴾ يا محمد ﴿ مِنْ أَنْبَآءِ ﴾ يعنى من أحاديث ﴿ مَا قَدْ سَبَقَ ﴾ من قبلك من الأمم الخالية ﴿ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً ﴾ [آية: ٩٩] يقول: قد أعطيناك من عندنا تبياناً يعني القرآن.﴿ مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ ﴾ يعنى عن إيمان بالقرآن ﴿ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً ﴾ [آية: ١٠٠] يعنى إنَّما بإعراضه عن القرآن يحمله على ظهره.﴿ خَالِدِينَ فِيهِ ﴾ يعنى فى الوزر فى النار ﴿ وَسَآءَ لَهُمْ ﴾ يعنى وبئس لهم ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً ﴾ [آية: ١٠١] يعنى إثما، والوزر هو الخطأ الكبير.﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ يعنى المشركين إلى النار ﴿ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً ﴾ [آية: ١٠٢] زرق الأعين.﴿ يَتَخَافَتُونَ ﴾ يعنى يتساءلون ﴿ بَيْنَهُمْ ﴾ يقول بعضهم لبعض.
﴿ إِن ﴾ يعنى ما ﴿ لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً ﴾ [آية: ١٠٣] يعنى عشر ليال.﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً ﴾ يعنى أمثلهم نجوى ورأيا ﴿ إِن لَّبِثْتُمْ ﴾ فى القبور ﴿ إِلاَّ يَوْماً ﴾ [آية: ١٠٤] واحداً.
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ ﴾ نزلت فى رجل من ثقيف ﴿ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ﴾ [آية: ١٠٥] من الأرض من أصولها.﴿ فَيَذَرُهَا قَاعاً ﴾ لا تراب فيها ﴿ صَفْصَفاً ﴾ [آية: ١٠٦] لا نبت فيها.﴿ لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً ﴾ يعنى خفضاً ﴿ وَلاۤ أَمْتاً ﴾ [آية: ١٠٧] يعنى رفعاً.﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِىَ ﴾ يعنى صوت الملك الذى هو قائم على صخرة بيت المقدس، وهو إسرافيل، عليه السلام، حين ينفخ في الصور، يعنى فى القرن، لا يزيغون ولا يروغون عنه يميناً ولا شمالاً، يعنى لا يميلون عنه، كقوله سبحانه:﴿ ... تَبْغُونَهَا عِوَجاً... ﴾[آل عمران: ٩٩] يعنى زيغاً وهو الميل ﴿ لاَ عِوَجَ لَهُ ﴾ يعنى عنه، يستقيمون قبل الصوت نظيرها﴿ .. وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا... ﴾[الكهف: ١] ﴿ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً ﴾ [آية: ١٠٨] إلا خفيا من الأصوات مثل وطء الأقدام.﴿ يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ ﴾ يعنى شفاعة الملائكة ﴿ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ أن يشفع له ﴿ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ﴾ [آية: ١٠٩] يعنى التوحيد.﴿ يَعْلَمُ ﴾ الله عز وجل ﴿ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ يقول: ما كان قبل أن يخلق الملائكة، وما كان بعد خلقهم ﴿ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ﴾ [آية: ١١٠] يعنى بالله عز وجل علماً هو أعظم من ذلك.
﴿ وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ ﴾ يعنى استسلمت الوجوه ﴿ لِلْحَيِّ ﴾ الذى لا يموت ﴿ ٱلْقَيُّومِ ﴾ يعنى القائم على كل شىء ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً ﴾ [آية: ١١١] يقول: وقد خسر من حمل شركاً يوم القيامة على ظهره.﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ مصدق بتوحيد الله عز وجل ﴿ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً ﴾ فى الآخرة، يعنى أن تظلم حسناته كلها حتى لا يجازى بحسناته كلها ﴿ وَلاَ هَضْماً ﴾ [آية: ١١٢] يعنى ولا ينقص منها شيئاً، مثل قوله عز وجل:﴿ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً ﴾[الجن: ١٣].
﴿ وَكَذٰلِكَ ﴾ يعنى وهكذا ﴿ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾ ليفقهوه ﴿ وَصَرَّفْنَا ﴾ يعنى وصنفنا ﴿ فِيهِ ﴾ يعنى لوَّنا فيه، يعنى فى القرآن ﴿ مِنَ ﴾ ألوان ﴿ ٱلْوَعِيدِ ﴾ للأمم الخالية فى الدنيا من الحصب، والخسف والغرق، والصيحة، فهذا الوعيد لهم ﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾ يعنى لكى ﴿ يَتَّقُونَ ﴾ يعنى لكي يخلصوا التوحيد بوعيدنا فى القرآن ﴿ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ﴾ يعنى الوعيد ﴿ ذِكْراً ﴾ [آية: ١١٣] عظة فيخافون فيؤمنون.﴿ فَتَعَالَىٰ ٱللَّهُ ﴾ يعنى ارتفع الله ﴿ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ ﴾ لأن غيره، عز وجل، وما سواه من الآلهة باطل ﴿ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ ﴾ وذلك أن جبريل، عليه السلام، كان إذا أخبر النبى صلى الله عليه وسلم، بالوحى لم يفرغ جبريل، عليه السلام، من آخر الكلام، حتى يتكلم النبى صلى الله عليه وسلم، بأوله، فقال الله عز وجل: ﴿ وَلاَ تَعْجَلْ ﴾ بقراءة القرآن ﴿ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ﴾ يقول: من قبل أن يتمه لك جبريل، عليه السلام.
﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ [آية: ١١٤] يعنى قرآنا.
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم، ألا يأكل من الشجرة ﴿ فَنَسِيَ ﴾ يقول: فترك آدم العهد، كقوله:﴿ ... وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ ﴾[طه: ٨٨] يقول: ترك، وكقوله سبحانه:﴿ ... إِنَّا نَسِينَاكُمْ... ﴾[السجدة: ١٤] يقول: تركناكم، وكقوله:﴿ فَنَسُواْ حَظّاً... ﴾[المائدة: ١٤] يعنى تركوا، فلما نسى العهد سمى الإنسان، فأكل منها ﴿ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾ [آية: ١١٥] يعنى صبراً عن أكلها.﴿ وَإِذْ قُلْنَا ﴾ يعنى وقد قلنا ﴿ لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ ﴾ إذ نفخ فيه الروح ﴿ فَسَجَدُوۤاْ ﴾ ثم استثنى فقال: ﴿ إِلاَّ إِبْلِيسَ ﴾ لم يسجد فـ ﴿ أَبَىٰ ﴾ [آية: ١١٦] أن يسجد.﴿ فَقُلْنَا يٰآدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ ﴾ حواء ﴿ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ ﴾ [آية: ١١٧] بالعمل بيديك، وكان يأكل من الجنة رغداً من غير أن يعمل بيده، فلما أصاب الخطيئة أكل من عمل يده، فكان يعمل ويأكل ﴿ إِنَّ لَكَ ﴾ يا آدم ﴿ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ ﴾ [آية: ١١٨].
﴿ وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا ﴾ يعنى لا تعطش فى الجنة ﴿ وَلاَ تَضْحَىٰ ﴾ [آية: ١١٩] يقول: لا يصيبك حر الشمس، فيؤذيك فتفرق.﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ ﴾ يعنى إبليس وحده فـ ﴿ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ ﴾ يقول: ألا أدلك ﴿ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ ﴾ من أكل منها خلد فى الجنة فلا يموت ﴿ وَ ﴾ على ﴿ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ ﴾ [آية: ١٢٠] يقول: لا يفنى.﴿ فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا ﴾ يقول: ظهرت لهما عوراتهما ﴿ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا ﴾ يقول: وجعلا يخصفان، يقول: يلزقان الورق بعضه على بعض ﴿ مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ ﴾ ورق التين ليستتروا به فى الجنة ﴿ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ﴾ [آية: ١٢١] يعنى فضل وتولى عن طاعة ربه، عز وجل.﴿ ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ ﴾ يعنى استخلصه ربه عز وجل ﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾ من ذنبه ﴿ وَهَدَىٰ ﴾ [آية: ١٢٢] يعنى وهداه للتوبة.﴿ قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً ﴾ يعنى آدم وإبليس ﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ يقول: إبليس وذريته عدو لآدم وذريته ﴿ فَإِمَّا ﴾ يعنى فإن ﴿ يَأْتِيَنَّكُم ﴾ يعنى ذرية آدم ﴿ مِّنِّي هُدًى ﴾ يعنى رسلاً معهم كتب فيها البيان ﴿ فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ ﴾ يعنى رسلى وكتابى ﴿ فَلاَ يَضِلُّ ﴾ فى الدنيا ﴿ وَلاَ يَشْقَىٰ ﴾ [آية: ١٢٣] فى الآخرة.﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي ﴾ يعنى عن إيمان بالقرآن نزلت فى الأسود بن عبد الأسود المخزومى، قتله حمزة بن عبد المطلب يوم بدر على الحوض ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾ يعنى معيشة سوء لأنها فى معاصى الله عز وجل الضنك والضيق ﴿ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ ﴾ [آية: ١٢٤] عن حجته.﴿ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ ﴾ عن حجتى ﴿ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً ﴾ [آية: ١٢٥] فى النيا عليماً بها، وهذا مثل قوله سبحانه:﴿ هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾[الحاقة: ٢٩] يعنى ضلت عنى حجتى، وهذا قوله حين شهدت عليه الجوارح بالشرك والكفر.﴿ قَالَ ﴾ الله تعالى: ﴿ كَذٰلِكَ ﴾ يعنى هكذا ﴿ أَتَتْكَ آيَاتُنَا ﴾ يعنى آيات القرآن ﴿ فَنَسِيتَهَا ﴾ يعنى فتركت إيماناً بآيات القرآن ﴿ وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ ﴾ [آية: ١٢٦] فى الآخرة تترك فى النار، ولا تخرج منها، ولا نذكرك.﴿ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ ﴾ يعنى وهكذا نجزى من أشرك فى الدنيا بالنار فى الآخرة ﴿ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ﴾ يقول: ولم يؤمن بالقرآن ﴿ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ ﴾ مما أصابه فى الدنيا من القتل ببدر ﴿ وَأَبْقَىٰ ﴾ [آية: ١٢٧] يعنى وأدوم من عذاب الدنيا، ثم خوف كفار مكة.
فقال سبحانه: ﴿ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ ﴾ يقول: أو لم نبين لهم ﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا ﴾ بالعذاب ﴿ قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ﴾ يقول: يمرون فى قراهم فيرون هلاكهم يعنى عاداً وثموداً، وقوم لوط، وقوم شعيب ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ يعنى إن فى هلاكهم بالعذاب فى الدنيا ﴿ لآيَاتٍ ﴾ لعبرة ﴿ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ ﴾ [آية: ١٢٨] يعنى لذوى العقول فيحذرون مثل عقوبتهم.﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ﴾ فى تأخير العذاب عنهم إلى تلك المدة ﴿ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى ﴾ [آية: ١٢٩] يعنى يوم القيامة ﴿ لَكَانَ لِزَاماً ﴾ للزمهم العذاب فى الدنيا كلزوم الغريم الغريم.
﴿ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ ﴾ من تكذيبهم إياك بالعذاب ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ يعنى صل بأمر ربك ﴿ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ ﴾ يعنى الفجر ﴿ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ يعنى الظهر والعصر ﴿ وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ ﴾ يعنى المغرب والعشاء ﴿ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ ﴾ [آية: ١٣٠] يا محمد فى الآخرة بثواب الله عز وجل. قال مقاتل: كانت الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشى، فلما عرج بالنبى صلى الله عليه وسلم فرضت عليه خمس صلوات ركعتين ركعتين غير المغرب، فلما هاجر إلى المدينة أمر بتمام الصلوات ولها ثلاثة أحوال.﴿ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ ﴾ يعنى كفار مكة من الرزق أصنافاً منهم من الأموال، فإنها ﴿ زَهْرَةَ ﴾ يعنى زينة ﴿ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ يقول: أعطيناهم ذلك لكى نبتليهم ﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ ﴾ فى الآخرة يعنى الجنة ﴿ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾ [آية: ١٣١] يعنى أفضل وأدوم وأبقى مما أعطى كفار مكة.﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ ﴾ يعنى قومك ﴿ بِٱلصَّلاَةِ ﴾ كقوله سبحانه:﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ ﴾[مريم: ٥٥] يعنى قومه ﴿ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ يعنى الصلاة، فإنا ﴿ لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً ﴾ إنما نسألك العبادة ﴿ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ ﴾ [آية: ١٣٢] يعني عاقبة التقوى دار الجنة، لقوله عز وجل:﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ﴾[الذاريات: ٥٦، ٥٧] إنما أريد منهم العبادة.
﴿ وَقَالُواْ ﴾ أى كفار مكة: ﴿ لَوْلاَ ﴾ يعنى هلا ﴿ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ فتعلم أنه نبى رسول كما كانت الأنبياء تجىء بها إلى قومهم، يقول الله عز وجل: ﴿ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ ﴾ [آية: ١٣٣] يعنى بيان كتب إبراهيم وموسى الذى كان قبل كتاب محمد، صلى الله عليهم أجمعين.﴿ وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ ﴾ فى الدنيا ﴿ مِّن قَبْلِهِ ﴾ يعنى من قبل هذا القرآن فى الآخرة ﴿ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ ﴾ يعنى هلا ﴿ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً ﴾ معه كتاب ﴿ فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ﴾ يعنى آيات القرآن ﴿ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ﴾ يعنى نستذل ﴿ وَنَخْزَىٰ ﴾ [آية: ١٣٤] يعنى ونعذب فى الدنيا، نظيرها فى القصص.﴿ قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ ﴾ وذلك أن كفار مكة، قالوا: نتربص بمحمد صلى الله عليه وسلم، الموت لأن النبى صلى الله عليه وسلم، أوعدهم العذاب فى الدنيا، فأنزل الله عز وجل: ﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة ﴿ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ ﴾ أنتم بمحمد الموت، ومحمد يتربص بكم العذاب فى الدنيا ﴿ فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ ﴾ إذا نزل بكم العذاب فى الدنيا ﴿ مَنْ أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ ﴾ يعني العدل أنحن أم أنتم ﴿ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ ﴾ [آية: ١٣٥] منا ومنكم. حدثناعبيد الله، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل، قال: سمعت الواقدى، ولم أسمع مقاتلا يحدث عن أبى إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أُبى بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى قوله عز وجل:﴿ ... خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً ﴾[الكهف: ٨١] قال: أعقبت بعد ذلك غلاماً. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى الهذيل، عن المسيب، عن السدى، ومقاتل، عن حذيفة، أنه لما حان للخضر وموسى، عليهما السلام، أن يفترقا، قال له الخضر: يا موسى، لو صبرت لأتيت على ألف عجيبة أعجب مما رأيت، قال: فبكى موسى على فراقه. فقال موسى للخضر: أوصنى يا نبى الله، قال له الخضر: يا موسى، اجعل همك فى معادك، ولا تخض فيما لا يعينك، ولا تأمن الخوف فى أمنك، ولا تيأس من الأمن فى خوفك، ولا تذر الإحسان فى قدرتك، وتدبر الأمور فى عاقبتك. قال له موسى عليه السلام: زدنى رحمك الله، قال له الخضر: إياك والإعجاب بنفسك، والتفريط فيما بقى من عمرك، واحذر من لا يغفل عنك، قال له موسى، صلى الله عليهما: زدنى رحمك الله، قال له الخضر: إياك واللجاجة، ولا تمش فى غير حاجة، ولا تضحك من غير عجب، ولا تعيرن أحداً من الخاطئين بخطاياهم بعد الندم، وأبك على خطيئتك يابن عمران. قال له موسى صلى الله عليه وسلم: قد أبلغت فى الوصية، فأتم الله عليك نعمته، وغمرك فى رحمته، وكلأك من عدوه، قال له الخضر: آمين، فأوصنى يا موسى. قال له موسى: إياك والغضب إلا فى الله تعالى، ولا ترض عن أحد إلا فى الله عز وجل، ولا تحب لدنيا، ولا تبغض لدنيا تخرج من الإيمان، وتدخلك فى الكفر. قال الخضر، عليهما السلام: قد أبلغت فى الوصية، فأعانك الله على طاعته، وأراك السرور فى أمرك، وحببك إلى خلقه، وأوسع عليك من فضله، قال له موسى: آمين. فبينما هما جلوس على ساحل البحر إذ انقضت خطافة فنقرت بمنقارها من البحر نقرتين. قال موسى للخضر عليهما السلام: با نبى الله، هل تعلم ما نقص من البحر؟ قال له الخضر: لولا ما نراد فيه لأخبرتك، قال موسى للخضر: يا نبى الله، هل من شىء ليس فيه بركة؟ قال له الخضر: نعم يا موسى، ما من شىء إلا وفيه بركة ما خلا آجال العباد، ومدتهم، ولولا ذلك لفنى الناس. قال موسى: وكيف ذلك؟ قال له الخضر: أن كل شىء ينقص منه، فلا يزاد فيه ينقطع، قال له موسى: يا نبى الله، من أجل أى شىء أعطاك الله عز وجل من بين العباد أن لا تموت حتى نسأل الله تعالى، واطلعت على ما فى قلوب العباد تنظر بعين الله عز وجل؟قال له الخضر: يا موسى، بالصبر عن معصية الله، عز وجل، والشكر لله، عز وجل، فى نعمته، وسلامة القلب لا أخاف ولا أرجوا دون الله أحداً. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل، قال: سمعت عبد القدوس يحدث عن الحسن، قال: سمعت ابن عباس على المنبر يقول:﴿ فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً ﴾[الكهف: ٨١]، قال: جارية مكان الغلام. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبى، عن الهذيل، عن المسيب، عن رجل، عن ابن عباس، فى قوله عز وجل: ﴿... وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا... ﴾ قال: كان لوحاً من ذهب مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، أحمد رسول الله، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن؟ وعجبت لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح؟ وعجبت لمن يرى الدنيا وتصريف أهلهما كيف يطمئن إليها؟. حدثنا عيبد الله، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل، عن أبى يوسف، عن الحسن بن عمارة، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، فى قوله عز وجل: ﴿... لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ... ﴾، قال: لم ينس، ولكن هذا من معاريض الكلام. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، قال: حدثنا الهذيل، قال: سمعت المسيب يحدث عن عبيد الله بن مالك، عن على، رضى الله عنه، وقد لقيه، قال: إن الترك سرية خرجوا من يأجوج ومأجوج يغيرون على الناس فردم ذو القرنين دونهم فبقوا. قال مقاتل: إنما سموا الترك؛ لأنهم تركوا خلف الردم. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى ابى، قال: حدثنا الهذيل، عن أبى المليح، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قال: انتهى ذو القرنين إلى ملك من ملوك الأرض، فقال لذى القرنين: إنك قد بلغت ما لم يبلغه أحد، وقد أخبرت أن عندك علماً، وأنا سائلك عن خصال أربع، فإن أنت أخبرتنى عنهم علمت أنك عالم. ما اثنان قائمان؟ واثنان ساعيان؟ واثنان مشتركان؟ واثنان متباغضان؟ قال له ذو القرنين: أما الاثنان القائمان فالسموات والأرض لم يزولا منذ خلقهما الله، عز وجل، وأما الاثنان الساعيان فالشمس والقمر لم يزالا دائبين منذ خلقهما الله، عز وجل، وأما الاثنان المشتركان فالليل والنهار يأخذ كل واحد منهما من صاحبه، وأما الاثنان المتباغضان فالموت والحياة لا يحب أحدهما صاحبة أبداً، قال: صدقت، فإنك من علماء أهل الأرض. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل، عن المسعودى، عن عون بن عبد الله المزنى، عن مطرف بن الشخير، أنه قال: فضل العلم خير من فضل العمل، وخير العمل أوسطه، والحسنة بين السيئتين. قوله سبحانه:﴿ ... وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾سيئة﴿ وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً ﴾[الإسراء: ١١٠] حسنة. قال الهذيل: ولم أسمع مقاتلا. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، قال الهذيل: قال مقاتل: تفسير آدم، عليه السلام، لأنه خلق من أديم الأرض، وتفسير حواء؛ لأنها خلقت من حى، وتفسير نوح لأنه ناح على قومه، وتفسير إبراهيم أبو الأمم، ويقال: أب رحيم، وتفسير إسحاق لضحك سارة، ويعقوب لأنه خرج من بطن أمه قابض على عقب العيص، وتفسير يوسف زيادة فى الحسن، وتفسير يحيى: أحيى من بين ميتين، لأنه خرج من بين شيخ كبير، وعجوز عاقر، صلى الله عليهم أجمعين. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، قال: حدثنى الهذيل، عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال:" دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنة عمته أم هانىء فنعس، فوضعت له وسادة، فوضع رأسه فنام، بينما هو نائم إذ ضحك فى منامه، ثم وثب فاستوى جالساً، فقالت أم هانىء: لقد سرنى ما رأيت فى وجهك، يا رسول الله، من البشرى، فقال: " يا أم هانئ، إن جبريل، عليه السلام، أخبرنى فى منامى أن ربى عز وجل قد وهب لى أمتى كلهم يوم القيامة، وقال لى: لو استوهبت غيرهم لأعطيناكهم، ففرحت لذلك وضحكت "، ثم وضع رأسه فنام فضحك، ثم وثب فجلس، فقالت له أم هانئ: بأبى أنت وأمى، لقد سرنى ما رأيت من البشرى فى وجهك، قال: " يا أم هانئ، أتانى جبريل، عليه السلام فأخبرنى أن الجنة تشتاق إلىَّ، وإلى أمتى، فضحكت من ذلك وفرحت ". قالت أم هانئ: يحق لك يا رسول الله، أن تفرح، ثم وضع رأسه فنام فضحك فى منامه، فاستوى جالساً، فقالت أم هانئ: لقد سرنى ما رأيت من البشرى فى وجهك يا رسول الله، قال: " يا أم هانئ، عرضت على أمتى، فإذا معهم قضبان النور، إن القضيب منها ليضىء ما بين المشرق والمغرب، فسألت جبريل، عليه السلام، عن تلك القضبان التى فى أيديهم، فقال: ذلك الإسلام يا محمد، صلى الله عليك، وفتحت أبواب الجنة فى منامى فنظرت إلى داخلها من خارجها، فإذا فيها قصور الدر والياقوت، فقلت: لمن هذه؟ فقال: لك يا محمد ولأمتك، ولقد زينها الله عز وجل لك، ولأمتك، قبل أن يخلقك بألفى عام، فضحكت من ذلك "، قالت أم هانئ: يحق لك أن تضحك وتفرح هنيئاً لك مريئاً، يا نبى الله، بما أعطاك ربك. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنى أبى، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لما خلق الله عز وجل جنة الفردوس وغرسها بيده، فلما فرغ منها لم تر عين، ولم يخطر على قلب بشر مثلها وما فيها، فقال لها تبارك وتعالى: تزينى. فتزينت، ثم قال لها: تزينى. فتزينت، ثم قال لها: تكلمى. فتكلمت، قالت: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: المؤمنون: ١] قال لها: من هم؟ قالت: الموحدون أمة محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: ١٠، ١١] ثم أغلق بابها، فلا يفتح إلى يوم القيامة فما يجيئهم من طيب الشجر، فهو من خلال بابها، والحور يوم القيامة على بابها، وأنا قائم على الحوض أرد عنه أمم الكفار كما يرى الراعى غرائب الإبل، حتى تأتى أمتى غراً محجلين من آثار الوضوء أعرفهم فيشربون من ذلك الحوض، فمن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً "، فقال معاذ: يا رسول الله، لقد سعد الذين يشربون من ذلك الحوض، فقال: " ويحك يا معاذ، من خلق فى بطن أمه موحداً، ويؤمن برسوله، فهو يشرب من ذلك الحوض، ويدخل الفردوس "، قال معاذ: ما أكثر ما يخلق فى بطن أمه مشركاً، ثم يولد وهو مشرك، ثم يموت مؤمناً، فقال: " يا معاذ، ويحك من مات مسلماً فقد خلق فى ظهر آدم مسلماً، ثم تداولته ظهور المشركين حتى أدركنى، فآمن بى، فأولئك إخوانى، وأنتم أصحابى "، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:﴿ إِخْوَاناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾[الحجر: ٤٧].
Icon