تفسير سورة النّور

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة النور من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة النور مدنية وهي أربع وستون آية كوفية

﴿ سُورَةٌ ﴾ يريد فريضة وحكم ﴿ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ﴾ يعني وبيناها ﴿ وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ يعني عز وجل آيات القرآن بينات، يعني واضحات، يعني حدوده تعالى وأمره ونهيه.
﴿ لَّعَلَّكُمْ ﴾ يعني لكي ﴿ تَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ١]، فتتبعون ما فيه من الحدود والنهي.﴿ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي ﴾ إذا لم يحصنا ﴿ فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ يجلد الرجل على بشرته وعليه إزار، وتجلد المرأة جالسة عليها درعها ﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ ﴾ يعني رقة في أمر الله، عز وجل، من تعطيل الحدود عليهما.
﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ﴾ الذى فيه جزاء الأعمال، فلا تعطلوا الحد.
﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ﴾ يعني جلدهما ﴿ طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٢] يعني رجلين فصاعدا، يكون ذلك نكالا لهما وعظة للمؤمنين. قال الفراء: الطائفة الواحد فما فوقه ﴿ ٱلزَّانِي ﴾ من أهل الكتاب ﴿ لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ﴾ من أهل الكتاب ﴿ أَوْ ﴾ ينكح ﴿ مُشْرِكَةً ﴾ من غير أهل الكتاب من العرب، يعني الولائد اللاتي يزنين بالأجر علانية منهن أم شريك جارية عمرو بن عمير المخزومي، وأم مهزول جارية بن أبي السائب بن عايذ، وشريفة جارية زمعة بن الأسود، وجلالة جارية سهيل بن عمرو، وقريبة جارية هشام بن عمرو، وفرشي جارية عبد الله بن خطل، وأم عليط جارية صفوان بن أمية، وحنة القبطية جارية العاص بن وائل، وأميمة جارية عبد الله بن أُبي، ومسيكة بنت أمية جارية عبد الله بن نفيل، كل امرأة منهن رفعت علامة على بابها، كعلامة البيطار ليعرف أنها زانية، وذلك أن نفراً من المؤمنين سألوا النبي صلى الله عن تزويجهن بالمدينة، قالوا: إئذن لنا في تزويجهن، فإنهن أخصب أهل المدينة وأكثر خيراً، والمدينة غالية السعر، والخبز بها قليل، وقد أصابنا الجهد، فإذا جاء الله، عز وجل، بالخير طلقناهن وتزوجنا المسلمات، فأنزل الله عز وجل: ﴿ ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ﴾ ﴿ وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ ﴾ يقول: وحرم تزويجهن ﴿ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٣].
﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ﴾ يعني نساء المؤمنين بالزنا ﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ من الرجال على قولهم ﴿ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ يجلد بين الضربين على ثيابه ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ﴾ ما دام حياً ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾ [آية: ٤] يعني العاصين في مقالتهم. ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ ﴾ يعني بعد الرمى ﴿ وَأَصْلَحُواْ ﴾ العمل فليسوا بفساق ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لقذفهم ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ٥] بهم" فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هاتين الآيتين في خطبة يوم الجمعة، فقال عاصم بن عدي الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم: جعلنى الله فداك، لو أن رجلاً منا وجد على بطن امرأته رجلاً، فتكلم جلد ثمانين جلدة، ولا تقبل له شهادة في المسلمين أبداً، ويسميه المسلمون فاسقاً، فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة شهداء، إلى أن يلتمس أحدنا أربعة شهداء فقد فرغ الرجل من حاجته، فأنزل الله عز وجل في قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ بالزنا ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ ﴾ يعني الزوج ﴿ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ [آية: ٦] إلى ثلاث آيات، فابتلى الله، عز وجل، عاصماً بذلك في يوم الجمعة الأخرى، فأتاه ابن عمه عويمر الأنصاري من بني العجلان بن عمرو بن عوف، وتحته ابنة عمه أخي أبيه، فرماها بابن عمه شريك بن السحماء، والخليل والزوج والمرأة كلهم من بني عمرو بن عوف، وكلهم بنو عم عاصم، فقال: يا عاصم، لقد رأيت شريكاً على بطن امرأتي، فاسترجع عاصم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت سؤالي عن هذه والذين يرمون أزواجهم، فقد ابتليت بها في أهل بيتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وما ذاك يا عاصم " فقال: أتاني ابن عمي فأخبرني أنه وجد ابن عم لنا على بطن امرأته، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزوج والخليل والمرأة، فأتوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها عويمر: " ويحك اتق الله، عز وجل، في خليلتك وابنة عمك أن تقذفها بالزنا ". فقال الزوج: أقسم لك بالله، عز وجل، إني رأيته معها على بطنها، وإنها لحبلى منه، وما قربتها منذ أربعة أشهر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة - خولة بنت قيس الأنصارية -: " ويحك ما يقول زوجك "، قالت: أحلف بالله إنه لكاذب، ولكنه غار، ولقد رآني معه نطيل السمر بالليل، والجلوس بالنهار، فما رأيت ذلك في وجهه، وما نهاني عنه قط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للخليل: " ويحك ما يقول ابن عمك "، فحدثه مثل قولها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزوج والمرأة: " قوما فأحلفا بالله، عز وجل "، فقام الزوج عند المنبر دبر صلاة العصر يوم الجمعة، وهو عويمر بن أمية، فقال أشهد بالله أن فلانة زانية، يعني امرأته خولة، وإني لمن الصادقين، ثم قال الثانية: أشهد بالله أن فلانة زانية، ولقد رأيت شريكاً على بطنها، وإني لمن الصادقين، ثم قال الثالث: أشهد بالله أن فلانة زانية، وإنها لحبلى من غيري، وإني لمن الصادقين، ثم قال في الرابعة: أشهد بالله أن فلانة زانية، وما قربتها منذ أربعة أشهر، وإني لمن الصادقين، ثم قال الخامسة: لعنة الله على عويمر، إن كان من الكاذبين عليها في قوله. ﴿ وَٱلْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ ﴾ [آية: ٧].
ثم قامت خولة بنت قيس الأنصاري مقام زوجها، فقالت: أشهد بالله ما أنا بزانية وإن زوجي لمن الكاذبين، ثم قالت الثانية: أشهد بالله ما أنا بزانية، وما رأى شريكاً على بطني، وإن زوجي لمن الكاذبين، ثم قالت الثالثة: أشهد بالله ما أنا بزانية، وإني لحبلي منه وإنه لمن الكاذبين، ثم قالت الرابعة: أشهد بالله ما أنا بزانية، وما رأى علي من ريبة ولا فاحشة، وإن زوجي لمن الكاذبين، ثم قالت الخامسة: غضب الله على خولة إن كان عويمراً من الصادقين في قوله. ففرق النبي بينهما "
ثم قال الله عز وجل: ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾ يعني ونعمته لأظهر المريب يعني الكاذب منهما، ثم قال ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ ﴾ على التائب ﴿ حَكِيمٌ ﴾ [آية: ١٠] حكم الملاعنة، ثم قال عز وجل: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ ﴾ يعني بالكذب ﴿ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ ﴾ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق غازياً، وانطلقت معه عائشة بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ رفيق له، يقال له: صفوان بن معطل، من بنى سليم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سار ليلاً مكث صفوان في مكانه، حتى يصبح، فإن سقط من المسلمين شىء من متاعهم حمله إلى العسكر فعرفه، فإذا جاء صاحبه دفعه إليه، وأن عائشة، رضى الله عنها، لما نودي بالرحيل ذات ليلة ركبت الرحل، فدخلت هودجها، ثم ذكرت حلياً كان لها نسيته في المنزل، فنزلت لتأخذ الحلي، ولا يشعر بها صاحب البعير، فانبعث فسار مع المعسكر، فلما وجدت عائشة، رضي الله عنها، حليها، وكان جزعاً ظفارياً لا ذهب فيه، ولا فضة، ولا جوهر، فإذا البعير قد ذهب، فجعلت تمشي على إثره وهى تبكي، وأصبح صفوان بن المعطل في المنزل، ثم سار في أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإذا هو بعائشة، رضي الله عنها، قد غطت وجهها تبكي، فقال صفوان: من هذا؟ فقالت: أنا عائشة، فاسترجع ونزل عن بعيره، وقال: ما شأنك يا أم المؤمنين؟ فحدثته بأمر الحلي فحملها على بعيره، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم ففقد عائشة، رضى الله عنها، فلم يجدها فلبثوا ما شاء الله، ثم جاء صفوان وقد حملها على بعيره فقذفها عبد الله بن أبي، وحسان بن ثاتب ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، وحمنة بنت جحش أخت عبد الله بن جحش الأسدي. يقول الله تعالى: ﴿ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ ﴾ لأنكم تؤجرون على ما قد قيل لكم من الأذى ﴿ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ حين أمرتم بالتثبت والعظة ﴿ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ ﴾ على قدر ما خاض فيه من أمر عائشة، رضي الله عنها، وصفوان بن المعطل السلمي.
﴿ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ ﴾ يعني عظمة منهم، يعني من العصبة، وهو عبد الله ابن أبي رأس المنافقين، وهو الذي قال: ما برئت منه، وما برئ منها.
﴿ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ١١] أي شديد. ففى هذه الآية عبرة لجميع المسلمين إذا كانت خطيئة، فمن أعلن عليها بفعل، أو كلام، أو عرض، أو أعجبه ذلك، أو رضى به، فهو شريك في تلك الخطيئة على قدر ما كان بينهم، والذي تولى كبره، يعني الذي ولى الخطيئة بنفسه، فهو أعظم إثماً عند الله، وهو المأخوذ به، قال: فإذا كانت خطيئة بين المسلمين فمن شهد وكره، فهو مثل الغائب، ومن غاب ورضي فهو كمن شهد، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة، رضي الله عنها، فقال: ﴿ لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ يقول: هلا إذ سمعتم قذف عائشة رضي الله عنها، بصفوان كذبتم به ألا ﴿ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ ﴾ لأن فيهم حمنة بنت جحش ﴿ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ﴾ يقول: ألا ظن بعضهم ببعض خيراً بأنهم لم يزنوا ﴿ وَ ﴾ ألا ﴿ وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ١٢] يقول: ألا قالوا هذا القذف كذب بين، ثم ذكر الذين قذفوا عائشة، فقال: ﴿ لَّوْلاَ ﴾ يعني هلا ﴿ جَآءُوا عَلَيْهِ ﴾ يعني على القذف ﴿ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ ﴾: بأربعة شهداء ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ ﴾ [آية: ١٤] يقول: لأصابكم فيما قلتم من القذف العقوبة في الدنيا والآخرة، فيها تقديم ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾ لأصابكم فيما قلتم من القذف العقوبة في الدنيا والآخرة، فيها تقديم ﴿ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ١٤] يقول لأصابكم فيما قلتم من القذف العقوبة في الدنيا والآخرة، فيها تقديم ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾ يقول: إذ يرويه بعضكم عن بعض ﴿ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾ يعني بألسنتكم ﴿ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾ يقول: من غير أن تعلموا أن الذي قلتم من القذف حق ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً ﴾ يقول: تحسبون القذف ذنباً هيناً ﴿ وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ١٥] في الوزر، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة، رضي الله عنها، فقال سبحانه: ﴿ وَلَوْلاۤ ﴾ يعني هلا ﴿ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ يعني القذف ﴿ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ ﴾ يعني ما ينبغى لنا ﴿ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا ﴾ الأمر هلا قلتم مثل ما قال سعد بن معاذ، رضي الله عنه، وذلك أن سعداً لما سمع القول في أمر عائشة، قال: سبحانك هذا بهتان عظيم. ثم قال عز وجل: ألا قلتم ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ يعني ألا نزهتم الرب جل جلاله عن أن يعصى وقلتم ﴿ هَـٰذَا ﴾ القول ﴿ بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ١٦] لشدة قولهم، والبهتان الذي يبهت، فيقول ما لم يكن من قذف أو غيره، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة رضى الله عنها، فقال: ﴿ يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً ﴾ يعني القذف أبداً ﴿ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٧] ﴿ وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ ﴾ يعني أموره ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [آية: ١٨].
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ ﴾ يعني من قذف عائشة، رضي الله عنها، وصفوان ﴿ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ ﴾ يعني أن يظهر الزنا، أحبوا ما شاع لعائشة، رضي الله عنها، من الثناء السيىء ﴿ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ في صفوان وعائشة، رضي الله عنهما.
﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ يعني وجيع ﴿ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ ﴾ يعني عذاب النار ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ١٩] ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾ يعني نعمته لعاقبكم فيما قلتم لعائشة، رضي الله عنها، ثم قال عز وجل: ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ ﴾ يعني رفيق بكم ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ٢٠] بكم حين عفا عنكم، فلم يعاقبكم في أمر عائشة، رضي الله عنها.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ ﴾ يعني تزيين الشيطان في قذف عائشة، رضي الله عنها.
﴿ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ ﴾ يعني بالمعاصى ﴿ وَٱلْمُنْكَرِ ﴾ يعني ما لا يعرف ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾ يعني نعمته ﴿ مَا زَكَا ﴾ يعني ما صلح ﴿ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي ﴾ يعني يصلح ﴿ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ لقولهم لعائشة ﴿ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ٢١] به.﴿ وَلاَ يَأْتَلِ ﴾ يعني ولا يحلف ﴿ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ ﴾ يعني في الغنى ﴿ وَٱلسَّعَةِ ﴾ في الرزق، يعني أبا بكر الصديق، رضي الله عنه.
﴿ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ ﴾ يعني مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، وأمه اسمها أسماء بنت أبي جندل بن نهشل، قرابة أبي بكر الصديق ابن خالته.
﴿ وَٱلْمَسَاكِينَ ﴾ لأن مسطحاً كان فقيراً ﴿ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ لأنه كان من المهاجرين الذين هاجروا إلى المدينة ﴿ وَلْيَعْفُواْ ﴾ يعني وليتركوا ﴿ وَلْيَصْفَحُوۤاْ ﴾ يعني وليتجاوزوا عن مسطح ﴿ أَلاَ تُحِبُّونَ ﴾ يعني أبا بكر ﴿ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ٢٢] يعني بالمؤمنين،" فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: أما تحب أن يغفر الله تعالى لك "؟ قال: بلى، قال: " فاعف واصفح " فقال أبو بكر رضي الله عنه: قد عفوت وصفحت لا أمنعه معروفاً بعد اليوم، وقد جعلت له مثل ما كان قبل اليوم "، وكان أبو بكر، رضي الله عنه، قد حرمه تلك العطية حين ذكر عائشة، رضي الله عنها، بالسوء.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ﴾ يعني يقذفون بالزنا ﴿ ٱلْمُحْصَنَاتِ ﴾ لفروجهن عفائف، يعني عائشة، رضي الله عنها.
﴿ ٱلْغَافِلاَتِ ﴾ عن الفواحش ﴿ ٱلْمُؤْمِناتِ ﴾ يعني المصدقات ﴿ لُعِنُواْ ﴾ يعني عذبوا بالجلد ثمانين ﴿ فِي ٱلدُّنْيَا وَ ﴾ في ﴿ وَٱلآخِرَةِ ﴾ بعذاب النار، يعني عبد الله بن أُبى يعذب بالنار؛ لأنه منافق ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ٢٣] ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي، وحسان بن ثابت، ومسطح، وحمنة بنت جحش، كل واحد منهم ثمانين في قذف عائشة، رضي الله عنها.﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٢٤] ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ في الآخرة ﴿ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ﴾ يعني حسابهم بالعدل لا يظلمون ﴿ ٱلْمُبِينُ ﴾ [آية: ٢٥] يعني العدل البين. ثم قال تعالى: ﴿ ٱلْخَبِيثَاتُ ﴾ يعني السيء من الكلام ﴿ لِلْخَبِيثِينَ ﴾ من الرجال والنساء الذين قذفوا عائشة، لانه يليق بهم الكلام السيء. ﴿ وَٱلْخَبِيثُونَ ﴾ من الرجال والنساء ﴿ لِلْخَبِيثَاتِ ﴾ يعني السيء من الكلام لأنه يليق بهم الكلام السيء. ثم قال سبحانه: ﴿ وَٱلطَّيِّبَاتُ ﴾ يعني الحسن من الكلام ﴿ لِلطَّيِّبِينَ ﴾ من الرجال والنساء، يعني عز وجل الذين ظنوا بالمؤمنين والمؤمنات خيراً ﴿ وَٱلطَّيِّبُونَ ﴾ من الرجال والنساء ﴿ لِلْطَّيِّبَاتِ ﴾ يعني الحسن من الكلام، لأنه يليق بهم الكلام الحسن، ثم قال تعالى: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ﴾ يعني مما يقول هؤلاء القاذفون الذين قذفوا عائشة، رضي الله عنها، هم مبرأون من الخبيثات من الكلام ﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [آية: ٢٦] يعني رزقاً حسناً في الجنة.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ ﴾ يعني حتى تستأذنوا ﴿ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ﴾ فيها تقديم فابدءوا بالسلام قبل الاستئذان، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يقول بعضهم لبعض: حييت صباحاً ومساءً، فهذه كانت تحية القوم بينهم، حتى نزلت هذه الآية، ثم قال: ﴿ ذٰلِكُمْ ﴾ يعني السلام والاستئذان ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ يعني أفضل لكم من أن تدخلوا بغير إذن ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٢٧] أن التسليم والاستئذان خير لكم، فتأخذون به، ويأخذ أهل البيت حذرهم.
﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً ﴾ يعني في البيوت ﴿ فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمُ ﴾ في الدخول ﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ ﴾ ولا تقعدوا ولا تقوموا على أبواب الناس، فإن لهم حوائج ﴿ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ﴾ يقول: الرجعة خير لكم من القيام والقعود على أبوابهم.
﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ٢٨] إن دخلتم بإذن أو بغير إذن، فمن دخل بيتاً بغير إذن أهله، قال له ملكاه اللذان يكتبان عليه: أفٍ لك عصيت وآذيت، يعني عصيت الله، عز وجل، وآذيت أهل البيت، فلما نزلت آية التسليم والاستئذان في البيوت، قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، للنبي صلى الله عليه وسلم: فكيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام على ظهر الطريق ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله عز وجل في قول أبي بكر الصديق، رضي الله عنه: ﴿ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ﴾ يعني حرج ﴿ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ﴾ ليس بها ساكن ﴿ فِيهَا مَتَاعٌ ﴾ يعني منافع ﴿ لَّكُمْ ﴾ من البرد والحر، يعني الخانات والفنادق ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ﴾ يعني ما تعلنون بألسنتكم ﴿ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ [آية: ٢٩] يعني ما تسرون في قلوبكم.
﴿ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ ﴾ يخفضوا ﴿ مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ ومن هاهنا صلة، يعنى يحفظوا أبصارهم كلها عما لا يحل النظر إليه.
﴿ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ﴾ عن الفواحش ﴿ ذٰلِكَ ﴾ الغض للبصر، والحفظ للفرج ﴿ أَزْكَىٰ لَهُمْ ﴾ يعنى خيراً لهم، من أن لا يغضوا الأبصار، ولا يحفظوا الفروج، ثم قال عز وجل: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [آية: ٣٠] في الأبصار والفروج، نزلت هذه الآية والتى بعدها في أسماء بنت مرشد كان لها في بنى حارثة نخل يسمى الوعل، فجعلت النساء يدخلنه غير متواريات، يظهرن ما على صدورهن وأرجلهن وأشعارهن، فقالت أسماء: ما أقبح هذا. فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ يعنى الوجه والكفين وموضع السوارين ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ﴾ يعنى على صدورهن ﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ يعنى عز وجل ولا يضعن الجلباب ﴿ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾ يعنى أزواجهن ﴿ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ ﴾.
ثم قال: ﴿ أَوْ نِسَآئِهِنَّ ﴾ يعنى نساء المؤمنات كلهن ﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ﴾ من العبيد ﴿ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ ﴾ وهو الرجل يتبع الرجل فيكون معه من غير عبيده، من ﴿ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ ﴾ يقول: من لا حاجة له في النساء: الشيخ الهرم، والعنين، والخصى، والعجوب، ونحوه، ثم قال سبحانه: ﴿ أَوِ ٱلطِّفْلِ ﴾ يعنى الغلمان الصغار ﴿ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ ﴾ لا يدرون ما النساء من الصغر، فلا بأس بالمرأة أن تضع الجلباب عند هؤلاء المسمين في هذه الآية، ثم قال تعالى: ﴿ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ ﴾ يقول: ولا يحركن أرجلهن ﴿ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ﴾ يعنى الخلخال، وذلك أن المرأة يكون في رجلها خلخال فتحرك رجلها عمداً ليسمع صوت الجلاجل، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلهِنَّ ﴾ ﴿ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً ﴾ من الذنوب التي أصابوها مما في هذه السورة ﴿ أَيُّهَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ مما نهى عنه عز وجل من أول هذه السورة إلى هذه الآية ﴿ لَعَلَّكُمْ ﴾ يعنى لكى ﴿ تُفْلِحُونَ ﴾ [آية: ٣١].
﴿ وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ ﴾ يعني الأحرار بعضكم بعضاً، يعني من الأزواج من رجل، أو امرأة، وهما حران فأمر الله، عز وجل، أن يزوجا، ثم قال سبحانه: ﴿ وَ ﴾ أنكحوا ﴿ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ﴾ يقول: وزوجوا المؤمنين من عبيدكم وإمائكم، فإنه أغض للبصر، وأحفظ للفرج، ثم رجع إلى الأحرار، فيها تقديم ﴿ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ ﴾ لا سعة لهم في التزويج ﴿ يُغْنِهِمُ ٱللَّه مِن فَضْلِهِ ﴾ الواسع فوعدهم أن يوسع عليهم عند التزويج ﴿ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ ﴾ لخلقه ﴿ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ٣٢] بهم، فقال عمر، رضي الله عنه: ما رأيت أعجز ممن لم يلتمس الغناء في الباءة، يعني النساء، يعني قول الله، عز وجل: ﴿ إِن يَكُونُواْ فُقْرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّه مِن فَضْلِهِ ﴾.
﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ ﴾ عن الزنا، ويقال: نكاح الأمة ﴿ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً ﴾ يعني سعة التزويج ﴿ حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ يعني يرزقه فيتزوج الحرائر تزوجوا الإماء.
﴿ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ يعني عبيدكم ﴿ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ﴾ يعني مالاً، نزلت في حويطب بن عبد العزى، وفي غلامه صبيح القبطي، وذلك أنه طلب إلى سيده المكاتبة على مائة دينار، ثم وضع عنه عشرين ديناراً، فأداها وعتق، ثم أن صبيحاً يوم حنين أصابه سهم فمات منه، ثم أمر الله تبارك وتعالى أن يعينوا في الرقاب، فقال: ﴿ وَآتُوهُمْ ﴾ يعني وأعطوهم ﴿ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ ﴾ يقول: ولا تكرهوا ولائدكم على الزنا، نزلت في عبد الله بن أُبي المنافق، وفي جاريته أميمة، وفي عبد الله بن نتيل المنافق، وفي جاريته مسيكة، وهي بنت أميمة، ومنهن أيضاً معاذة، وأروى، وعمرة، وقتيلة، فأتت أميمة وابنتها مسيكة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنا نكره على الزنا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: ﴿ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ ﴾ ﴿ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ﴾ يعني تعففاً عن الفواحش.
﴿ لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ يعني كسبهن وأولادهن من الزنا ﴿ وَمَن يُكْرِههُنَّ ﴾ على الزنا ﴿ فِإِنَّ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ ﴾ لهن في قراءة ابن مسعود ﴿ غَفُورٌ ﴾ لذنوبهن ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ٣٣]، لأنهن مكرهات.﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ ﴾ يعني الحلال والحرام والحدود وأمره ونهيه مما ذكر في هذه السورة إلى هذه الآية، ثم قال سبحانه: ﴿ وَمَثَلاً مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ يعني سنن العذاب في الأمم الخالية، حين كذبوا رسلهم ﴿ وَمَوْعِظَةً ﴾ يعني وعظة ﴿ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [آية: ٣٤].
﴿ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ يقول: الله هادي أهل السموات والأرض، ثم انقطع الكلام، وأخذ في نعت نبيه صلى الله عليه وسلم وما ضرب له من المثل، فقال سبحانه: ﴿ مَثَلُ نُورِهِ ﴾ مثل نور محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان مستودعاً في صلب أبيه عبد الله بن عبد المطلب ﴿ كَمِشْكَاةٍ ﴾ يعني بالمشكاة الكوة ليست بالنافذة ﴿ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ يعني السراج ﴿ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ﴾ الصافية تامة الصفاء، يعني بالمشكاة صلب عبد الله أبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويعني بالزجاجة جسد محمد صلى الله عليه وسلم، ويعني بالسراج الإيمان في جسد محمد صلى الله عليه وسلم، فلما خرجت الزجاجة فيها المصباح من الكوة صارت الكوة مظلمة، فذهب نورها، والكوة مثل عبد الله، ثم شبه الزجاجة بمحمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء، عليهم السلام، لا خفاء فيه كضوء الكوكب الدري، وهو الزهرة في الكوكب، ويقال: المشتري وهو البرجرس بالسريانية.
﴿ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾ يعني بالشجرة المباركة إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم، يقول: يوقد محمد من إبراهيم، عليهما السلام، وهو من ذريته، ثم ذكر إبراهيم، عليه السلام، فقال سبحانه: ﴿ زَيْتُونَةٍ ﴾ قال: طاعة حسنة ﴿ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ ﴾ يقول: لم يكن إبراهيم، عليه السلام، يصلي قبل المشرق كفعل النصارى، ولا قبل المغرب كفعل اليهود، ولكنه كان يصلي قبل الكعبة، ثم قال: ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾ يعني إبراهيم يكاد علمه يضىء. وسمعت من يحكي، عن أبي صالح في قوله تعالى: ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ ﴾ قال: يكاد محمد صلى الله عليه وسم أن يتكلم بالنبوة قبل أن يوحى إليه، يقول: ﴿ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾ يقول: ولو لم تأته النبوة لكانت طاعته مع طاعة الأنبياء، عليهم السلام، ثم قال عز وجل: ﴿ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ﴾ قال محمد صلى الله عليه وسلم نبي خرج من صلب نبي، يعني إبراهيم، عليهما السلام.
﴿ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ ﴾ قال: يهدى الله لدينه من يشاء من عباده، وكأن الكوة مثلً لعبد الله بن عبد المطلب، ومثل السراج مثل الإيمان، ومثل الزجاجة مثل جسد محمد صلى الله عليه وسلم، ومثل الشجرة المباركة مثل إبراهيم، عليهما السلام، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ ﴾ [آية: ٣٥].
﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ ﴾ يقول: أمر الله، عز وجل، أن ترفع، يعني أن تبنى، أمر الله عز وجل برفعها وعمارتها ﴿ وَ ﴾ أمر أن ﴿ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ ﴾ يعني يوحد الله عز وجل نظيرها في البقرة: ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ ﴾ [آية: ٣٦] يقول: يصلي لله عز وجل.﴿ رِجَالٌ ﴾ فيها تقديم بالغدو والعشي، ثم نعتهم، فقال سبحانه: ﴿ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ﴾ يعني شراء ﴿ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾ يعني الصلوات المفروضة ﴿ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ ﴾ يقول: لا تلهيهم التجارة عن إقام الصلاة، وإعطاء الزكاة، ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: ﴿ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ ﴾ حين زالت من أماكنها من الصدور فنشبت في حلوقهم عند الحناجر، قال: ﴿ وَٱلأَبْصَارُ ﴾ [آية: ٣٧] يعني تقلب أبصارهم فتكون زرقاً.﴿ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا ﴾ يعني الذي ﴿ عَمِلُواْ ﴾ من الخير ولهم مساوئ، فلا يجزيهم بها ﴿ وَيَزِيدَهُمْ ﴾ على أعمالهم ﴿ مِّن فَضْلِهِ ﴾ فضلا على أعمالهم ﴿ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آية: ٣٨] يقول الله تعالى: ليس فوقي ملك يحاسبني، أنا الملك، أعطي من شئت بغير حساب، لا أخاف من أحد يحاسبني.
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾ بتوحيد الله مثل ﴿ أَعْمَالُهُمْ ﴾ الخبيثة ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ﴾ يعني عز وجل بالسراب الذي يرى في الشمس بأرض قاع ﴿ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ ﴾ يعني العطشان ﴿ مَآءً ﴾ فيطلبه ويظن أنه قادر عليه ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ ﴾ يعني أتاه ﴿ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ﴾ فهكذا الكافر إذا انتهى إلى عمله يوم القيامة وجده لم يغن عنه شيئاً، لأنه عمله في غير إيمان، كما لم يجد العطشان السراب شيئاً حتى انتهى إليه، فمات من العطش، فهكذا الكافر يهلك يوم القيامة كما هلك العطشان حين انتهى إلى السراب، يقول: ﴿ وَوَجَدَ ٱللَّهَ ﴾ جل جلاله بالمرصاد ﴿ عِندَهُ ﴾ عمله ﴿ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ﴾ يقول: فجازاه بعمله لم يظلمه ﴿ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴾ [آية: ٣٩] يخوفه بالحساب كأنه قد كان، نزلت في شيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وكان يلتمس الدين في الجاهلية، ويلبس الصفر، فكفر في الإسلام. ثم ضرب الله عز وجل لشيبة وكفره بالإيمان مثلاً آخر، فقال: ﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ ﴾ يعني في بحر عميق، والبحر إذا كان عميقاً كان أشد لظلمته، يعني بالظلمات الظلمة التي فيها الكافر، والبحر اللجي قلب الكافر ﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ ﴾ فوق الماء، ثم يذهب عنه ذلك الموج، ثم يغشاه موج آخر مكان الموج الأول، فذلك قوله عز وجل: ﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ ﴾ فهى ظلمة الموج، وظلمة الليل، وظلمة البحر والسحاب، يقول: وهذه ظلمات ﴿ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾ فهكذا الكافر قلبه مظلم، في صدر مظلم، في جسد مظلم، لا يبصر نور الإيمان، كما أن صاحب البحر ﴿ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ ﴾ في ظلمة الماء ﴿ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ يعني لم يرها البتة، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً ﴾ يعني الهدى الإيمان ﴿ فَمَا لَهُ مِن نُورٍ ﴾ [آية: ٤٠] يعني من هدى.﴿ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ لم يقارب به البصر، كقول الرجل لم يصب، ولم يقارب.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ ﴾ يقول: ألم تعلم أن الله يذكره ﴿ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾ من الملائكة ﴿ وَ ﴾ من في ﴿ وَٱلأَرْضِ ﴾ من المؤمنين: من الإنس والجن ﴿ وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ ﴾ الأجنحة ﴿ كُلٌّ ﴾ من فيها: في السموات والأرض ﴿ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ ﴾ من الملائكة، والمؤمنين من الجن والإنس، ثم قال عز وجل: ﴿ وَتَسْبِيحَهُ ﴾ يعني ويذكره كل مخلوق بلغته غير كفار الإنس والجن ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [آية: ٤١].
﴿ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ ﴾ [آية: ٤٢] في الآخرة ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ ﴾ يقول: ألم تعلم أن الله ﴿ يُزْجِي ﴾ يعني يسوق ﴿ سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ﴾ يعني يضم بعضه إلى بعض.
﴿ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً ﴾ يعني قطعاً يحمل بعضها على إثر بعض، ثم يؤلف بينه، يعني يضم السحاب بعضه إلى بعض بعد الركام ﴿ فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ ﴾ يقول: فترى المطر يخرج من خلال السحاب.
﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ ﴾ بالبرد ﴿ مَن يَشَآءُ ﴾ فيضرِ في زرعه وثمره.
﴿ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ ﴾ فلا يضره في زرعه، ولا في ثمره ﴿ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ ﴾ يقول: ضوء برقه ﴿ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ ﴾ [آية: ٤٣].
﴿ يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ﴾ يعني بالتقلب اختلافهما: أنه يأتي بالليل ويذهب بالنهار، ثم يأتى بالنهار، ويذهب بالليل ﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ ﴾ [آية: ٤٤] يعني لأهل البصائر في أمر الله، عز وجل.﴿ وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ ﴾ يعني الهوام ﴿ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ ﴾ الإنس والجن والطير ﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ﴾ قوائم، يعني الدواب والأنعام والوحش والسباع ﴿ يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من الخلق ﴿ قَدِيرٌ ﴾ [آية: ٤٥].
﴿ لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ ﴾ لما فيه من أمره ونهيه ﴿ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [آية: ٤٦] يعني إلى دين مستقيم، يعني الإسلام، وغيره من الأديان ليس بمستقيم.﴿ وَيِقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ ﴾ يعني صدقنا بتوحيد الله، عز وجل: ﴿ وَبِٱلرَّسُولِ ﴾ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم أنه من الله، عز وجل، نزلت في بشر المنافق.
﴿ وَأَطَعْنَا ﴾ قولهما ﴿ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ ﴾ يعني ثم يعرض عن طاعتهما طائفة منهم ﴿ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ ﴾ يعني من بعد الإيمان بالله، عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٤٧] يعني عز وجل بشر المنافق. ثم أخبر عنه، فقال تعالى: ﴿ وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ ﴾ يعني من المنافقين ﴿ مُّعْرِضُونَ ﴾ [آية: ٤٨] عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى كعب بن الأشرف، وذلك أن رجلاً من اليهود كان بينه وبين بشر خصومة، وأن اليهودى دعا بشراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاه بشر إلى كعب، فقال بشر: إن محمداً يحيف علينا. يقول الله عز وجل: ﴿ وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ ﴾ يعني بشر المنافق ﴿ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾ [آية: ٤٩] يأتوا إليه طائعين مسارعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ﴾ يعني الكفر ﴿ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ ﴾ أم شكوا في القرآن ﴿ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ يعني أن يجور الله عز وجل عليهم ﴿ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ ﴾ [آية: ٥٠]، ثم نعت الصادقين في إيمانهم. فقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ يعني إلى كتابه ورسوله، يعني أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ﴿ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا ﴾ قول النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ وَأَطَعْنَا ﴾ أمره ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ [آية: ٥١].
﴿ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ في أمر الحكم ﴿ وَيَخْشَ ٱللَّهَ ﴾ في ذنوبه التى عملها، ثم قال تعالى: ﴿ وَيَتَّقْهِ ﴾ ومن يتق الله تعالى، فيما بعد فلم يعصه ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُون ﴾ [آية: ٥٢]، يعني الناجون من النار، فلما بين الله، عز وجل، كراهية المنافقين لحكم النبي صلى الله عليه وسلم أتوه، فقالوا: والله لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا أفنحن لا نرضى بحكمك، فأنزل الله تبارك وتعالى فيما حلفوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ ﴾ يعني حلفوا بالله، يعني المنافقين ﴿ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ فإنه من حلف بالله عز وجل، فقد اجتهد في اليمين.
﴿ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ ﴾ يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ لَيَخْرُجُنَّ ﴾ من الديار والأموال كلها ﴿ قُل ﴾ لهم: ﴿ لاَّ تُقْسِمُواْ ﴾ لا تحلفوا، ولكن هذه منكم ﴿ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ ﴾ يعني طاعة حسنة للنبي صلى الله عليه وسلم ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٥٣] من الإيمان والشرك.
ثم أمرهم بطاعته عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: ﴿ قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ ﴾ فيما أمرتم.
﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ يعني أعرضتم عن طاعتهما.
﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ ﴾ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ ﴾ يقول: فإنما على محمد صلى الله عليه وسلم ما أمر من تبليغ الرسالة، وعليكم ما أمرتم من طاعتهما، ثم قال تعالى: ﴿ وَإِن تُطِيعُوهُ ﴾ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ تَهْتَدُواْ ﴾ من الضلالة، وإن عصيتموه، فإنما على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين، يعني ليس عليه إلا أن يبلغ ويبين ﴿ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ ﴾ [آية: ٥٤].
﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ وذلك أن كفار مكة صدوا المسلمين عن العمرة عام الحديبية، فقال المسلمون: لو أن الله عز وجل فتح علينا مكة ودخلناها آمنين، فسمع الله عز وجل قولهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ ﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يعني أرض مكة ﴿ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ من بنى إسرائيل وغيرهم، وعدهم أن يستخلفهم بعد هلاك كفار مكة ﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ﴾ الإسلام حتى يشيع الإسلام ﴿ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ ﴾ يعني الذي رضي لهم ﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ ﴾ من كفار أهل مكة ﴿ أَمْناً ﴾ لا يخافون أحداً ﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾ يعني يوحدونني ﴿ لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ﴾ من الآلهة ﴿ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ ﴾ التمكين في الأرض.
﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾ [آية: ٥٥] يعني العاصين.﴿ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ ﴾ يعني وأتموا الصلاة.
﴿ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ ﴾ فيما أمركم ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آية: ٥٦] يقول: لكى ترحموا، فلا تعذبوا ﴿ لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من أهل مكة ﴿ مُعْجِزِينَ ﴾، يعني سابقى الله ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ حتى يجزيهم الله عز وجل بكفرهم ﴿ وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَلَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾ [آية: ٥٧].
﴿ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ﴾ في بيوتكم ﴿ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ ﴾ يعني العبيد والولائد في كل وقت، نزلت في أسماء بنت أبى مرشد، قالت: إنه ليدخل على الرجل والمرأة، ولعلهما أن يكونا في لحاف واحد لا علم لهما، فنزلت هذه، فقال سبحانه: ﴿ وَ ﴾ ليستأذنكم ﴿ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ﴾ يعني من الأحرار من الصبيان ﴿ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ﴾ لأنها ساعات غفلة وغيره ﴿ مِّن قَبْلِ صَـلَوٰةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ ﴾ يعني نصف النهار ﴿ وَمِن بَعْدِ صَلَوٰةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ﴾ يقول: هذه ساعات غفلة وغيره ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ ﴾ معشر المؤمنين، يعني أرباب البيوت ﴿ وَلاَ عَلَيْهِمْ ﴾ يعني الخدم والصبيان الصغار ﴿ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ﴾ يعني بعد العورات الثلاث ﴿ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ ﴾ يعني بالطوافين يتقلبون عليكم ليلاً ونهاراً يدخلون ويخرجون بغير استئذان ﴿ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ ﴾ يعني هكذا ﴿ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَـٰتِ ﴾ يعني أمره ونهيه في الاستئذان ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [آية: ٥٨] حكم ما ذكر من الاستئذان في هذه الآية.﴿ وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ ﴾ يعني من الأحرار ﴿ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ يعني من الكبار من ولد الرجل وأقربائه، ويقال: من العبيد ﴿ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ﴾ يعني أمره ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [آية: ٥٩] حكم الاستئذان بعد العورات الثلاث على الأطفار إذا احتلموا.﴿ وَٱلْقَوَاعِدُ ﴾ عن الحيض ﴿ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ﴾ يعني المرأة الكبيرة التى لا تحيض من الكبر ﴿ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً ﴾ يعني تزويجاً ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ ﴾ يعني حرج ﴿ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ﴾ في قراءة ابن مسعود: " من ثيابهن "، وهو الجلباب الذي يكون فوق الخمار ﴿ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ بِزِينَةٍ ﴾ لا تريد بوضع الجلباب أن ترى زينتها يعني الحلي، قال عز وجل: ﴿ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ ﴾ ولا يضعن الجلباب ﴿ خَيْرٌ لَّهُنَّ ﴾ من وضع الجلباب ﴿ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ ﴾ [آية: ٦٠].
﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ ﴾ نزلت في الأنصار، وذلك أنه لما نزلت﴿ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾[النساء: ١٠]،﴿ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ ﴾[النساء: ٢٩]، قالت الأنصار: ما بالمدينة مال أعز من الطعام، فكانوا لا يأكلون مع الأعمى، لأنه لا يبصر موضع الطعام، ولا مع الأعرج، لأنه لا يطيق الزحام، ولا مع المريض، لأنه لا يطيق أن يأكل كما يأكل الصحيح، وكان الرجل يدعو حميه، وذا قرابته، وصديقه إلى طعامه، فيقول: أطعم من هو أفقر إليه مني، فإني أكره أن آكل أموال الناس بالباطل، والطعام أفضل المال، فأنزل الله عز وجل: ﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ ﴾ ﴿ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾ في الأكل معهم ﴿ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ ﴾ لأنهم يأكلون على حدة ﴿ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ ﴾ يعني خزائنه، يعني عبيدكم وإمائكم ﴿ أَوْ صَدِيقِكُمْ ﴾ نزلت في مالك بن زيد، وكان صديقه الحارث بن عمرو، وذلك أن الحارث خرج غازياً وخلف مالكاً في أهله وماله وولده، فلما رجع رأى مالكاً مجهوداً قال: ما أصابك؟ قال: لم يكن عندي شىء، ولم يحل لي أكل مالك، ثم قال سبحانه: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً ﴾ وذلك أنهم كانوا يأكلون على حدة، ولا يأكلون جميعاً، يرون أن أكله ذنب، يقول الله عز وجل: ﴿ تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً ﴾، وكانت بنو ليث بن بكر لا يأكل الرجل منهم حتى يجد من يأكل معه، أو يدركه الجهد، فيأخذ عنزة له فيركزها ويلقى عليها ثوباً تحرجاً أن يأكل وحده، فلما جاء الإسلام فعلوا ذلك، وكان المسلمون إذا سافروا اجتمع نفر منهم فجمعوا نفقاتهم وطعامهم في مكان، فإن غاب رجل منهم لم يأكلوا حتى يرجع صاحبهم مخافة الإثم. فنزلت: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً ﴾ إن كنتم جماعة ﴿ أَوْ أَشْتَاتاً ﴾ يعني متفرقين ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً ﴾ للمسلمين ﴿ فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ ﴾ يعني بعضكم على بعض، يعني أهل دينكم يقول: السلام ﴿ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَارَكَةً ﴾ يعني من سلم أجر، فهي البركة ﴿ طَيِّبَةً ﴾ حسنة ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ ﴾ يعني أمره في أمر الطعام والتسليم ﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٦١].
﴿ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ ﴾ أي النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ ﴾ يقول: إذا اجتمعوا على أمر هو لله عز وجل طاعة.
﴿ لَّمْ يَذْهَبُواْ ﴾ يعني لم يفارقوا النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ ﴾ يعني لبعض أمرهم ﴿ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ ﴾ يعني من المؤمنين،" نزلت في عمر بن الخطاب، رضوان الله عليه، في غزاة تبوك، وذلك أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجعة أن يسمع المنافقين، إلى أهله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " انطلق فوالله ما أنت بمنافق "، يريد أن يسمع المنافقين، فلما سمعوا ذلك، قالوا: ما بال محمد إذا استأذنه أصحابه أذن لهم، فإذا استأذناه لم يأذن لنا، فواللات ما نراه يعدل، وإنما زعم أنه جاء ليعدل "، ثم قال: ﴿ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ﴾ يعني للمؤمنين ﴿ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ٦٢].
﴿ لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ﴾ يقول الله عز وجل: لا تدعوا النبي صلى الله عليه وسلم باسمه يا محمد، ويا ابن عبد الله إذا كلمتموه كما يدعو بعضكم بعضاً باسمه يا فلان، ويا ابن فلان، ولكن عظموه وشرفوه صلى الله عليه وسلم، وقولوا: يا رسول الله، يا نبي الله صلى الله عليه وسلم، نظيرها في الحجرات: ﴿ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً ﴾ وذلك أن المنافقين كان يثقل عليهم يوم الجمعة قول النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه إذا كانوا معه على أمر جامع، فيقوم المنافق وينسل ويلوذ بالرجال وبالسارية، لئلا يراه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يخرج من المسجد، ويدعوه باسمه يا محمد، ويا ابن عبد الله، فنزلت هؤلاء الآيات قوله سبحانه: ﴿ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً ﴾ فخوفهم عقوبته، فقال سبحانه: ﴿ فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾ يعني عن أمر الله عز وجل ﴿ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾ يعني الكفر ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آية: ٦٣] يعني وجيعاً، يعني القيل في الدنيا. ثم عظم نفسه جل جلاله، فقال تعالى: ﴿ أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ من الخلق عبيده وفي ملكه ﴿ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ ﴾ من الإيمان والنفاق ﴿ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ ﴾ أي إلى الله في الآخرة ﴿ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ ﴾ من خير أو شر ﴿ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ من أعمالكم ﴿ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ٦٤] به عز وجل.
Icon