ﰡ
والمعنى : يظنُّ هذا الكافرُ بشدَّتهِ وقوَّته أنْ لن يقدرَ عليه أحدٌ ؛ أي على أخذهِ وعقوبته أحدٌ، وأنْ لَنْ يُبعَثَ، واللهُ قادرٌ عليه، فيقالُ : إنه لَمَّا نزلَ ذلك حُصِرَ بطنهُ وانحصرَ بولهُ فكان يتمرَّغُ في التراب ويقولُ : قتَلَنِي ربُّ مُحَمَّدٍ.
وَقِيْلَ : معنى ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ ﴾ : ألْهَمنَاهُ مصَّ الثَّديَين، والثديَان هما النَّجدان، وهذا قولُ سعيدِ بن المسيَّب والضحاك، وروايةٌ عن ابنِ عبَّاس.
وقال مجاهدُ والضحَّاك والكلبيُّ :((يَعْنِي بالْعَقَبَةِ الصِّرَاطَ، يُضْرَبُ عَلَى جَهَنَّمَ كَحَدِّ السَّيْفِ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ آلاَفٍ سَنَةٍ سَهْلاً وَصُعُوداً وَهُبُوطاً، بجَنْبَيْهِ كَلاَلِيبُ وَخَطَاطِيفُ كَأَنَّهَا شُوْكُ السَّعْدَانِ، فَنَاجٍ سَالِمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمُكَرْدَسٌ فِي النَّار مَنْكُوسٌ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ كَالْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ كَالْفَارسِ، وَمِنْهُمْ كَالرَّجُلِ يَعْدُو، وَمِنْهُمْ كَالرَّجُلِ يَمْشِي، وَمِنْهُمُ مَنْ يَزْحَفُ وَمِنْهُمُ الزَّالِقُ. وَاقْتِحَامُهُ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إلَى الْعِشَاءِ)).
وقال قتادةُ :((هَذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ تَعَالَى، يُقَالُ : إنَّ الْمُعْتِقَ وَالْمُطْعِمَ يُقَاحِمُ نَفْسَهُ وَشَيْطَانَهُ مِثْلَ مَنْ يَتَكَلَّفُ صُعُودَهُ))، قال ابنُ زيدٍ :((مَعْنَى الآيَةِ : فَهَلاَّ سَلَكْتَ الطَّرِيقَ الَّذِي فِيهَا النَّجَاةُ)).
ثُمَّ بيَّن ما هي، قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ﴾ ؛ تعظيمُ لشأنِ العقبةِ، تقولُ : ما أعلمَكَ يا مُحَمَّدُ بأيِّ شيء تجاوزُ عقبةَ الصِّراط، قال سُفيان بن عُيَينة :((كُلُّ شَيْءٍ قَالَ اللهُ فِيْهِ :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ ﴾ فَإنَّهُ أخْبَرَ بهِ، وَمَا قَالَ فِيْهِ :(وَمَا يُدْريكَ) فَإنَّهُ لَمْ يُخْبرْهُ)).
وعن البراءِ بن عازبٍ قال :" جَاءَ أعْرَابيٌّ إلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي عَمَلاً يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ :" لَئِِنْ كُنْتَ أقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ أعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ : فُكَّ الرَّقَبَةَ وَأعْتِقِ النَّسْمَةَ " قَالَ : أوَلَيْسَا سَوَاءً يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ :" عِتْقُ النِّسْمَةِ أنْ تَنْفَرِدَ بعِتْقِهَا، وَفَكُّهَا أنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا، فَإنْ لَمْ تُطِقْ ذلِكَ فَكُفَّ لِسَانَكَ إلاَّ مِنْ خَيْرٍ " ".
وقولهُ تعالى :﴿ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ ﴾ أي وصَّى بعضُهم بعضاً بالصبرِ على طاعةِ الله، والصبرِ عن معاصيه، ﴿ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ ﴾ أي وأوصَى بعضُهم بعضاً بالتَّراحُم على الناسِ واليتَامَى والمساكين والضعيفِ والمظلوم، وفي الحديثِ :" مَنْ لَمْ يَرْحَمِ النَّاسَ لَمْ يَرْحَمْهُ اللهُ ".
قال ﷺ :" مَنْ قَرَأ سُورَةَ الْبَلَدِ أعْطَاهُ اللهُ الأَمَانَ مِنْ غَضَبهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".