تفسير سورة سورة هود من كتاب تفسير العز بن عبد السلام
المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام
.
لمؤلفه
عز الدين بن عبد السلام
.
المتوفي سنة 660 هـ
سورة هود مكية أو إلا آية ﴿ وأقم الصلاة ﴾ [ ١١٤ ] " ع ".
ﰡ
١ - ﴿كتاب﴾ القرآن، ﴿أحكمت آياته﴾ بالأمر والنهي ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ بالثواب والعقاب، أو أحكمت من الباطل ثم فُصِّلت بالحلال والحرام والطاعة والمعصية، أو آيات هذه السورة كلها محكمة، ﴿فُصِّلَتْ﴾ فُسِّرت، أو أُحكمت آياته للمعتبرين وفُصِّلت للمتقين، أو أُحكمت آياته في القلوب وفُصِّلت أحكامه على الأبدان. ﴿حَكِيمٍ﴾ في أفعاله ﴿خَبِيرٍ﴾ بمصالح عباده، أو حكيم فيما أنزل خبير بمن يتقبل.
٢ - ﴿ألا تعبدوا﴾ يعني أني كتبت في الكتاب أن لا تعبدوا إلا الله، أو أمر رسوله [صلى الله عليه وسلم] أن يقول ذلك. ﴿نَذِيرٌ﴾ من النار ﴿وَبَشِيرٌ﴾ بالجنة.
٣ - ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ﴾ مما سلف ثم توبوا إليه في المستأنف متى وقعت منكم ذنوب، أو قدّم الاستغفار، لأنه المقصود وأخّر التوبة لأنها سبب
80
إليه. ﴿مَّتَاعاً حَسَناً﴾ في الدنيا بطيب النفس وسعة الرزق، أو بالرضا بالميسور والصبر على المقدور، أو بترك الخلق والإقبال على الحق قاله سهل رضي الله تعالى عنه ﴿أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ الموت، أو القيامة، أو وقت لا يعلمه إلا الله - تعالى - " ع " ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذي فضل فضله﴾ يهديه إلى [٨٧ / ب] العمل الصالح " ع "، أو يجزيه به في الآخرة. ﴿كَبِيرٍ﴾ يوم القيامة لكبر الأمور فيه. ﴿ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور﴾
81
٥ - ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ على الكفر ﴿لِيَسْتَخْفُواْ﴾ من الله - تعالى أو على عداوة الرسول [صلى الله عليه وسلم] ليخفوها عنه، أو على ما أضمروه ليخفوه على الناس، أو كان المنافقون إذا مروا بالرسول [صلى الله عليه وسلم] غطوا رؤوسهم وحنوا صدورهم لئلا يراهم أو قال رجل إذا أغلقت بابي وأرخيت ستري وتغشيت ثوبي وثنيت صدري فمن يعلم بي فأخبر الله - تعالى - بذلك. ﴿يَسْتَغْشُونَ﴾ يلبسون ويتغطون، قال:
كنى باستغشاء الثياب عن الليل، لأنه يسترهم بظلمته كما يستترون
(أرعى النجوم ما كلفت رِعْيَتَها | وتارة أتغشى فضل أطماري) |
81
بالثياب وكانوا يخفون أسرارهم ليلاً، أو كانوا يغطون وجوههم وآذانهم بثيابهم بغضاً للرسول [صلى الله عليه وسلم] حتى لا يروه ولا يسمعوا كلامه، أو أراد المنافقين لأنهم لسترهم ما في قلوبهم كالمستغشي ثيابه، أو كان قوم من المسلمين يتنسكون بستر أبدانهم فلا يكشفونها تحت السماء فبيّن الله - تعالى - أن النسك بالاعتقاد والعمل. ﴿مَا يُسِرُّونَ﴾ في قلوبهم ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ بأفواههم، أو ما يسرون الإيمان وما يعلنون العبادات، أو ما يسرون عمل الليل، وما يعلنون عمل النهار " ع " ﴿بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بأسرارها، نزلت في الأخنس بن شريق " ع ". ﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين﴾
82
٦ - ﴿مستقرها﴾ حيث تأوي ﴿مستودعها﴾ حيث تموت أو مستقرها الرحم ومستودعها الصلب، أو مستقرها في الدنيا ومستودعها في الآخرة. {وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيامٍ وكان عرشه على الماء
82
ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحرٌ مبين ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمةٍ معدودةٍ ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوسٌ كفور ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عنى إنه لفرحٌ فخورٌ إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبيرٌ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائقٌ به صدرك أن يقولوا لولا انزل عليه كنزٌ أو جاء معه ملك إنما أنت نذيرٌ والله على كل شيءٍ وكيل أم يقولون أفتراه قل فأتوا بعشر سورٍ مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنّما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل انتم مسلمون من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولائك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يعملون}
83
٧ - ﴿أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ أتم عقلاً، أو أزهد في الدنيا، أو أكثر شكراً، أو أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعته، قاله الرسول [صلى الله عليه وسلم].
٨ - ﴿أُمَّةٍ﴾ فناء أمة، أو الأجل عند الجمهور، الأُمَّة: الأجل. ﴿مَا يَحْبِسُهُ﴾ أي العذاب، قالوا ذلك تكذيباً له لتأخره، أو استعجالاً واستهزاء ﴿أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون﴾
١٧ - ﴿بَيِّنَةٍ﴾ القرآن، أو دلائل التوحيد ووجوب الطاعة، أو محمد [صلى الله عليه وسلم] ﴿شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ لسانه يشهد له بتلاوة القرآن، أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] شاهد من الله - تعالى - أو جبريل - عليه السلام - " ع "، أو قال علي - رضي الله عنه - ما في قريش أحد إلا وقد نزلت فيه آية قيل: فما نزل فيك قال: " ويتلوه شاهد منه " ﴿قَبْلِهِ﴾ الضمير للقرآن، أو للرسول [صلى الله عليه وسلم] ﴿إِمَاماً﴾ للمؤمنين لاقتدائهم به ﴿وَرَحْمَةً﴾ لهم، أو إماماً متقدماً علينا ورحمة لهم. ﴿أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ به﴾ أي
84
من كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ﴿الأَحْزَابِ﴾ أهل الأديان كلها، أو المتحزبون على الرسول [صلى الله عليه وسلم] وحربه، قريش، أو اليهود والنصارى، أو أهل الملل كلها. ﴿مَوْعِدُهُ﴾ مصيره. ﴿فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ﴾ من القرآن، أو من أن النار موعد الكافرين به. ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أولئك يعرضون على ربّهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة هم كافرون ١٩ أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون﴾
85
١٨ - ﴿كَذِباً﴾ / بأن ادعى إنزال ما لم ينزل عليه، أو نفى ما أنزل عليه. ﴿يُعْرَضُونَ﴾ يحشرون إلى موقف الحساب. ﴿الأَشْهَادُ﴾ الأنبياء، أو الملائكة، أو الخلائق، أو الأنبياء والملائكة والمؤمنون والأجساد، الأشهاد: جمع شهيد كشريف وأشراف، أو جمع شاهد كصاحب وأصحاب.
١٩ - ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ﴾ قريش صدوا الناس عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو عن الدين " ع "، ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ يرجون بمكة غير الإسلام ديناً، أو يبغون محمداً هلاكاً، أو يتأولون القرآن تأويلاً باطلاً.
٢٢ - ﴿لا جَرَمَ﴾ لا بد، أو " لا " صلة، جرم: حقاً، أو لا نفي لدفع العذاب عنهم، ثم استأنف جرم بمعنى كسب أي كسبوا استحقاق النار، قال: