تفسير سورة هود

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة هود من كتاب لطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ
السورة التي يذكر فيها هود عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه كلمة استولت على عقول قوم فبصرتها، وعلى قلوب آخرين فجردتها، فالتي بصرتها فبنور برهانه، والتي جردتها فبقهر سلطانه. . فعالم سلك سبيل بحثه واستدلاله فسكن لما طلعت نجوم عقله تحت ظلال إقباله، وعارف تعرض إلى وصاله فطاح لما لاحت لمعة ممن تقدس بالإعلام باستحقاق جلاله.

قوله جل ذكره :﴿ آلر كتاب أحكمت ءاياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ﴾.
الألف إشارة إلى انفراده بالربوبية.
واللام إشارة إلى لُطْفِه بأهل التوحيد.
والراء إشارة إلى رحمته بكافة البَرِيَّةِ.
وهي في معنى القَسَم : أي أقسم بانفرادي بالربوبية ولطفي بمن عَرَفَني بالأحدية، ورحمتي على كافة البرية - إنَّ هذا الكتابَ أُحْكِمَتْ آياتُه.
ومعنى ﴿ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُهُ ﴾ : أي حُفِظَتْ عن التبديل والتغيير، ثم فُصِّلتْ ببيان نعوتِ الحقِّ فيما يتصف به من جلال الصمدية، وتعبَّد به الخْلقُ من أحكام العبودية، ثم ما لاح لقلوب الموحِّدين والمحبين من لطائف القربة، في عاجِلهم البُشْرى بما وَعَدَهم به من عزيز لقائه في آجِلهم، وخصائصهم التي امتازوا بها عَمَّنْ سواهَم.
أي فصلَتْ آياتُه بألا تعبدوا إلا الله.
ويقال معناه في هذا الكتاب ألا تعبدوا إلا الله، إني لكم " نذيرٌ " مبينٌ بالفرقة، " وبشيرٌ " بدوام الوصلة، ( فالفرقة بل في عاجله واحداً ).
استغفروا ربَّكم أولاً ثم توبوا إليه بعده.
والاستغفار طلب المغفرة، يعني قبل أن تتوبوا اطلبوا منه المغفرة بحسن النَّظرة، وحَمْل الرجاء والثقة بأنه لا يُخَلِّد العاصِيَ في النار، فلا محالةَ يُخْرِجُه منها. . . فابْتَدِئوا باستغفاركمْ، ثم توبوا بِتَرْكِ أوزاركم، والتَنَقِّي عن إصراركم.
ويقال استغفروا في الحال مما سلف، ثم إنْ ألْمَمْتُم بزِلَّةٍ أخرى فتوبوا.
ويقال استغفروا في الحال ثم لا تعودوا إلى ارتكاب الزلة فاستديموا التوبة - إلى مآلِكم- مما أسلفتم من قبيح أعمالكم.
ويقال :﴿ اسْتَغْفِرُوا ﴾ : الاستغفار هو التوبة، والتنقي من جميع الذنوب، ثم " توبوا " منْ تَوَهُّم أنكم تُجابُون بتوبتكم، بل اعلموا أنه يُجِيبكم بِكَرَمِه لا بأعمالكم.
ويقال " الاستغفار " : طَلبُ حظوظكم مِنْ عَفونا. . فإذا فعلْتُم هذا فتوبوا عن طلب كل حظ ونصيب، وارجعوا إلينا، واكتفوا بنا، راضين بما تحوزونه من التجاوز عنكم أو غير ذلك مما يخرجكم به.
قوله جلّ ذكره ﴿ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعَاً حَسَنَاً إلَى أَجَلٍ مُّسَمّىً ﴾.
أي نُعَيِّشكم عيشاً طيباً حسناً مباركاً.
ويقال هو إعطاء الكفاية مع زوال الحرص.
ويقال هو القناعة بالموجود.
ويقال هو ألا يخرجَه إلى مخلوق، ولا يجعل لأحد عليه مِنَّةً لاسيما للئيم.
ويقال هو أن يوفقه لاصطناع المعروف إلى المستحقين.
ويقال هو أن تُقْضَى على يديه حوائج الناس.
ويقال هو ألا يُلِمَّ في حال شبابه بِزَلَّةٍ، وألا يتصفَ بأنه عن الله في غفلة.
ويقال هو أن يكون راضياً بما يجري عليه من نَوْعَي العسر واليسر.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضَلٍ فَضْلَهُ وَإن تَوَلَّوْا فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾.
مَنْ زادتْ حسناتُه على سيئاتِه أعطاه جزاءَ ما فَضَلَ له من الطاعات، ومن زادت سيئاته على حسناته كافأه بما يستوجبه من زيادة السيئات. . . هذا بيان التفسير.
ويقال مَنْ فَضَّلَه بحسن توفيقه أوصله إلى ما يستوجبه من لطفه ويزيده. .
ويقال هو أن يستر عليه فضلَه حتى لا يلاحظ حالَه ومقامه، بل ينظر إلى نفسه، وما منه ومَا لَه. . . بِعَيْن الاستحقار والاستصغار.
ويقال هو أن يرقيه عن التعريج في أوطان البشرية إلى طاعات شهود الأحدية، ويُنقيِّه عن (. . . . . )١ البشرية، والتكدر بما يبدو من مفاجآت التقدير.
ويقال هو ألا يُوحِشَه شيء بما يجري في الوقت.
ويقال هو أن يُحَقِّقَ له ما تسمو إليه هِمَّتُه، ويُبَلِّغَه فوق ما يستوجبه محلَّه.
تنقطع الدعاوى عند الرجوع إلى الله، وتنتفي الظنونُ، ويحصل اليأسُ مِنْ غير الله بكل وجه، ويبقى العبدُ بنعتِ الاضطرار، والحقُّ يُجْرِي عليه ما سَبَقَتْ به القسمة من أنواع الأقدار.
أي يسترون ما تنطوي عليه عقائدهم، ويُضْمِرون للرسول - عليه السلام- وللمؤمنين خِلاَفَ ما يُظْهِرون، والحقُّ- سبحانه - مُطَّلِعٌ على قلوبهم، ويعلم خفايا صدورهم، فتلبيسُهم لا يُغْنِي عنهم من الله شيئاً، وكان الله - سبحانه - يُطْلِعُ رسولَه- عليه السلام- على ما أخْفَوْه إمَّا بتعريفِ الوحي، أو بإشهادٍ لِقُوَّةِ نورٍ، وكذلك المؤمنون كانوا مخصوصين بالفراسة، فكل مؤمن له بِقَدْرِ حاله من الله هداية، قال صلى الله عليه وسلم :" اتقوا فراسةَ المؤمن ينظر بنور الله " ٢ ولقد قال قائلهم.
أَبِعَيْنِي أَرَاكَ أَمْ بفؤادي ؟ كلُّ ما في الفؤاد للعين بادِ
أراح القلوبَ من حيرة التقسيم، والأفكارَ من نَصَبِ التفكير في باب الرزق حيث قال :﴿ إلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ فَسكَنَتْ القلوبُ لمَّا تَحَقَّقَتْ أنَّ الرزقَ على الله.
ويقال إذا كان الرزق على الله فصاحبُ الحانوتِ في غَلَطٍ من حسبانه. ثم إن اللَّهَ سبحانه بيَّنَ أَنَّ الرزقَ الذي " عليه " ما حالُه فقال :﴿ وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ ﴾ [ الذاريات : ٢٢ ]، وما كان في السماءِ لا يوجد في السوق، ولا في التَّطواف في الغرب والشرق.
ويقال الأرزاق مختلفة فَرِزْقُ كل حيوانٍ على ما يليق بصفته.
ويقال للنفوسِ رزقٌ هو غذاءُ طريقُه الخْلقُ، وللقلوب رزق وهو ضياءٌ مُوجِدُهُ الحق.
ويقال لم يقل ما يشتهيه أو مقدار ما يكفيه بل هو موكولٌ إلى مشيئته ؛ فَمِنْ مُوَسَّعٍ عليه ومِنْ مُقَتَّرِ.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾.
قيل أراد به أصلابَ الآباءِ وأرحامً الأمهات، أو الدنيا والآخرة. ويقال مُسْتَقرُّ المريد بباب شيخِه كمستقرُّ الصبي بباب والديه، ويقال مستقر العابدين المساجد، ومستقر العارفين المشاهد، فالمساجد مستقر نفوسِ العابدين، والمشاهِدُ مُسْتَقَرُّ قلوب العارفين.
ويقال مستقرُّ المحب رأسُ سِكَّةِ محبوبِه لعلَّه يشهده عند عبوره.
ويقال المساجِدُ للعابدين مستقرُّ القَدَم، والمشاهِدُ للعارفين مستقرُّ الهِمَم، والفقراء مستقرهم سُدَّةُ الكَرَم.
ويقال الكلُّ له مثوىً ومستقر، أما الموحِّد فإنه مأوى له ولا مستقر ولا مثوى ولا منزل.
ويقال النفوس مستودَعُ التوفيق من الله، والقلوبُ مستودعُ التحقيق من قِبَلِ الله.
ويقال القلوبُ مستودعُ المعرفة ؛ فالمعرفة وديعة فيها، والأرواح مستودع المحبة فالمحابُ ودائع فيها. والأسرار مستودع المشاهدات فالمشاهدات ودائع فيها.
وأَحْسَنُ الأعمالِ موافقةُ الأمرِ، ولم يَقُلْ أكثر عملاً.
ويقال أحسن الأعمال ما كان صاحبُه أشدَّ إخلاصاً فيه.
ويقال أحسنهم عملاً أبعدُهم عن ملاحظة أعماله.
ويقال أحسن الأعمال ما ينظر إليه صاحبه بعين الاستصغار.
ويقال أحسن الأعمال ما لا يطلبُ صاحبُه عليه عِوَضَاً.
ويقال أحسن الأعمال ما غابَ عنه صاحبه لاستغراقه في شهود المعبود.
قوله :﴿ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾ الابتلاءُ مِنْ قِبَلِه تعريفُ الملائكة حالَ من يبتليه في الشكر عند اليُسْر والصبر عند العُسر.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوتِ لِيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾.
استبعدوا النَّشْرَ لِتَقاصُرِ علومهم عن التحقُّق بكمال قدرة الحق، ولو عرفوا ذلك لأيقنوا أن البث ليس بمعتاص في الإيجاد ولا يمستحيلٍ في التقدير.
يقول : إنْ أَمْهَلْنَا، وأخَّرْنا عليهم العذابَ لا يَرْعَوُون، بل يستعجلون العقوبة. ولئن عَجَّلْنا لهم العقوبةَ لا يتوبون ولا يستغفرون. . . استولى عليهم الجهلُ في الحاليْن، وعَمِيَتْ بصائرُهم عن شهودِ التقدير والإيمان بالغيب في النوعين. ويوم يأتيهم العذابُ فلا مناصً ولا منجاةَ ولا مراحَ لهم منه.
تَكَدُّرُ ما صفا من النِّعم، وتَغيُّرُ ما أُتيح من الإحسان والمِنَن حالٌ معهودةٌ وخُطَّة عامة، فلا أحدَ إلا وله منها خِطَّه٣ فَمْنْ لم يرجع بالتأسُّفِ قلبه، ولم يتضاعفْ في كل نَفَسٍ تَلَهفُّهُ وكَرْبُه ففي ديوان النسيان، وأثبت اسمه في جملة أهل الهجران. ومن استمسك بعروة التضرع، واعتكف بعقوة التذلل، احتسى كاساتِ الحسرة عُلَلاً بعد نهل طاعته للحق بنعت الرحمة، وجَدَّدَ له ما اندرس من أحوال القربة، وأطْلَعَ عليه شمسَ الإقبال بعد الأفول والغيبة، كما قيل.
تَقَشَعَ غَيمُ الهجرِ عن قمر الحبِّ وأشرق نورُ الصبح في ظلمة الغيب
وليس للأحوال الدنيوية خَطَرٌ في التحقيق، ولا يُعدُّ زوالها وتكدُرها من جملة المحن عند أرباب التحصيل، لكنَّ المحنة الكبرى والرزيةَ العظمى ذبولُ غصنِ الوصال ؛ وتكدرُ مشرب القرب، وأفولُ شوارق الأُنْسِ، ورَمَدُ بصائر أرباب الشهود. . . فعند ذلك تقوم قيامتُهم، وهناك تُسْكَبُ العَبَراتُ. ويقال إذا نَعَقَ في ساحاتِ هؤلاء غرابُ البيْن ارتفع إلى السماء نُوَاحُ أسرارهم بالويل، ومن جملة ما يبثون نحيبهم ما قلتُ :
قولاً لَمِنْ سَلَبَ الفؤادَ فراقُه ولقد عَهِدنا أن يُبَاحَ عِتَاقُه
بَعُدَ الفراق. . . فبالذي هو بيننا هَلاَّ رحمتم مَنْ دنا إزهاقُه ؟
عهدي بمن جحد الهوى أزمان كُ نَّا بالصبابةِ- لا يَضيق نِطاقُه
والآن مُذْ بَخلَ الزمانُ بوصلنا ضاق البسيطة حين دام فراقُه
هل تُرتَجى من وصل عِزَّك رجعةٌ تحنو على قمرٍ يدوم محاقُه ؟
إن كان ذاك كما تروم فأخْبِروا أنَّى له أن يعودَ شروقَه ؟
إذا كشفنا الضُرَّ عنهم رحمةً مِنَّا عادوا إلى تهتكهم بدلاً من أن يتقربوا إلينا، وأساءوا بخلع عذارهم بدل أن يقوموا بشكرنا، وكلما أتَحْنَا لهم من إمهالنا أَمِنوا بمكرنا ولم يخافوا أنْ نأخذَهم فجأة بقهرنا.
الإنسان في الآية السابقة اسم جنس.
وإلا للاستثناء منه، وقيل بمعنى " لكن "، يريد إذا أذقناهم نعمة بعد الشدة بطروا، إلا المؤمنين فإنهم بخلاف ذلك، أي لكنَّ الذين آمنوا بخلاف ذلك، فإنهم لصبرهم على ما به أُمِروا، وعما عنه زُجِروا، ولمعانقتهم للطاعات ومفارقتهم الزَّلات. . . فلهم مغفرة وأجر، مغفرة لعصيانهم، وأجرٌ على إحسانهم. والفريقان لا يستويان، قال قائلهم.
أَحْبَابُنا شَتَّان وافٍ وناقِصٌ ولا يستوي قطٌُّ مُحبٌّ وباغض
اقترحوا عليه أن يأتي بكتاب ليس فيه سَبُّ آلهتهم، وبيَّن الله - سبحانه- له ألا يتركَ تبليغ ما أُنزِل عليه لأجْلِ كراهتهم، ولا يُبدِّلَ ما يُوحَى إليه.
وهذا على وجه الاستبعاد ؛ أي لا يكون منك تركُ ما أُوحِيَ إليك، ولا يضيق صَدرُك بما يبدو من الغيب. . . ومَنْ شرح الله بالتوحيد صدرَه، ونوَّر بشهود التقدير سِرَّه -متى يلحقه ضيق صدْرٍ أو استكراهُ أَمْرٍ ؟ ثم قال :﴿ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ وَكِيلٌ ﴾ : أي أنت بِالإرسال منصوبٌ، وأحكامُ التقدير عليكَ مُجْرَاةٌ.
في الآية بيانٌ أنَّ المكلَّفَ مُزَاحُ العِلَّةِ لِمَا أُقِيمَ له من البرهانِ وأُهِّلَ له من التحقيق. وأَنَّ الإيمانَ بالواسطة- صلى الله عليه وسلم وآله- واجِبٌ لِما خُصَّ به من المعجزات التي أوضحها الكتابُ المُنَزَّلُ والقرآنُ المُفَصَّلُ الذي عجز الكفار عن معارضته.
يعني فإن لم يستجيبوا لكم يعني إلى الإتيان بمثله- وهم أهل بلاغة- فتحققوا أنه من قِبَلِ الله، وليس على سنة التحقيق (. . . . )٤ إنما العمى في بصائر من ضلُّوا عن الحقِّ، وتاهوا في سدفة الحيرة.
مَنْ قَنَع منهم بدنيا الدناءةُ صِفَتُها وَسَّعْنَا عليه في الاستمتاع بأيام فيها، ولكن عَقِبَ اكتمالِها سيرى زوالَها، ويذوق بعد عسلِها حَنْظَلَها.
أولئك الذين خَابَتْ آمالُهُم، وظهرت لهم - بخلاف ما احتسبوا- ألامُهم، حَبِطَتْ أعمالُهم- وحاق بهم سوء حالهم.
فيه إضمار ومعناه أفمن كان على بينة كمن ليس على بينة. . . لا يستويان.
والبيِّنَةُ لأقوامٍ برهانُ العِلْمِ، ولآخرين بيانُ الأمر بالقطع والجزم ؛ يُشْهِدهم الحقُّ ما لا يطلع عليه غيرهم، كما قلت :
ليلى من وجهك شمس الضحا (. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )٥
فالناس في الظلمة من ليلهم ونحن من وجهك في الضوء والشاهد
فالذي يتولاه فهو مشاهِدٌ، وفي الخبر " أولياءُ الله الذين إذا أرادوا ذكر الله. . . . . . . . . " ٦
قال تعالى :﴿ وَلَوْ نَشَآء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ﴾ [ محمد : ٣٠ ].
مَنْ ادَّعى على الله حالاً لم يكن متحققاً بها فقد افترى على الله كذباً، واستوجب المقت، وعقوبته ألاَّ يُرْزَق بركةً في أحواله، ثم إنه يكشف للشهداء عيوبَه، يفضحه بين الخْلق، والشهداءُ قلوبُ الأولياء، ومَنْ شهدت القلوبُ عليه بالردِّ فهو غيرُ مقبولٍ عند الحقِّ.
هذا من جملة صفات المفترين على الله الكذب، ومِنْ صدِّهم عن السبيل أن يُظهِروا من أنفسهم أحوالاً تُخِلُّ بأحكام الشريعة، ولا يَرَوْن ذلك كبيرةً في الطريقة، ويُوهمون المُسْتَضْعفين من أهل الاعتراض عليهم أنَّ لهم في ذلك رخصة، فَيضِلُّون وُيُضِلُّون. ومن جملة صدَّهم عن السبيل تغريرهم بالناس، وإيقاعهم في الغَلَطِ، ويرتقون بشيءٍ مما في أيديهم من حطام الدنيا، ولا يَسْتَحُون منْ أَخْذِ شيءٍ لا يستوجبونه بأي وجه حقِّ، ويُدَاهِنُون في دين الله.
مَنْ هذه٧ صفتهم لا يربحون في تجارتهم، ولا يلحقون غايةً طلبوها ؛ فيبقون عن الحق، ولا يبارك لهم فيما اعتاضوا من صحبة الخْلق. خَسِرتْ صفْقتُهُمْ، وبَارَتْ بضاعتُهم، لَقُوا الهوان، وذاقوا اليأس والحرمان.
لا محالةَ أنهم في الآخرة أشدُّ خسراناً، وأوفر- من الخيرات - نقصاناً.
الإخباتُ التخشع لله بالقلب بدوام الانكسار، ومن علامته الذبول تحت جريان المقادير بدوام الاستغاثة بالسر.
مثل الكافر في كفره كالأعمى والأصم، ومَثْلُ المؤمن في إيمانه كالسميع والبصير- هذا بيان التفسير.
والإشارة فيه أن الأعمى مَنْ عَمِيَ عن الإبصار بِسرِّه، والأصمُّ الذي طَرِش بسَمْع قلبه ؛ فلا باستدلاله شَهِدَ سر تقديره في أفعاله، ولا بنور فراسةٍ توهم ما وقف عليه من مكاشفات الغيب لقلبه، ولا بسَمْع القبولِ استجابَ لدواعي الشريعة، ولا بِحُكْم الإنصاف انْقَادَ لما يتوجَّب عليه من مطالبات الوقت مما يلوح لِسرِّه من تلويحات الحقيقة.
وأما البصير فهو الذي يشهد من الحق أفعاله بعلم اليقين، ويشهد صفاته بعين اليقين، ويشهد ذاته بحق اليقين، والغائبات له حضور، والمستورات له كشف. فالذي يسمع فَصِفَتُه ألا يسمعَ هواجسَ النَّفْس ولا وساوس الشيطان ؛ فيسمع من دواعي العلم شرعاً، ثم من خواطر التعريف قدراً، ثم يكاشف بخطاب من الحق سِرَّا٨.
فهؤلاء لا يستويان، ولا في طريق يلتقيان :
راحَتْ مُشَرِّقةً ورُحْتُ مُغَرباً فمتى التقاءُ مُشَرِّقٍ ومُغَرِّبِ ؟ !
كان نوحٌ عليه السلام أطولَ الأنبياء عُمْراً وأشدَّهم بلاءً، وسمي نوحاً لكثرة نَوْحِه على نَفْسِه. . وسببُ ذلك أنه مرَّ بكلبٍ فقال : ما أقبحه ! فأوحى الله إليه أَنْ اخلقْ أنت أَحْسَنَ من هذا. فأخذ يبكي وينوح على نفسه كلَّ ذلك النَّوْح. فكيف بحالِ مَنْ لم يذكر يوماً مما مضى من عمره في مدة تكليفه- ولم يحصل منه لله كثير من ولاية ! ؟
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:كان نوحٌ عليه السلام أطولَ الأنبياء عُمْراً وأشدَّهم بلاءً، وسمي نوحاً لكثرة نَوْحِه على نَفْسِه.. وسببُ ذلك أنه مرَّ بكلبٍ فقال : ما أقبحه ! فأوحى الله إليه أَنْ اخلقْ أنت أَحْسَنَ من هذا. فأخذ يبكي وينوح على نفسه كلَّ ذلك النَّوْح. فكيف بحالِ مَنْ لم يذكر يوماً مما مضى من عمره في مدة تكليفه- ولم يحصل منه لله كثير من ولاية ! ؟
أنكروا صحة كوْنهِ نبيَّا لمشاكلته إياهم في الصورة، ولم يعلموا أن المباينة بالسريرة لا بالصورة.
ثم قال :﴿ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْي ﴾ : نظروا إلى أتباعه نَظْرَةَ استصغارٍ، ونَسَبُوهم إلى قِلَّةِ التحصيل. . . وما استصغر أحدٌ أحداً من حيث رؤية الفضل عليه إِلا سَلَّطَ اللَّهُ عليه، وأذاقه ذُلَّ صَغَارِه، فبالمعاني يحصل الامتيازُ لا بالمباني :
ترى الرجلَ النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور
فإن أَكُ في شِراركم قليلاً فإني في خِياركم كثير
الصُّبحُ لا خَلَلَ في ضيائه لِكَوْن الناظرين عمياناً، والسيفُ لا خَلَلَ في مُضَائِه لِكَوْنِ الضاربين صبياناً. . . وكيف لِبَشَرٍ من قدرةٍ على هداية مَنْ أَضَلَّه اللَّهُ- ولو كان نبيَّا ؟
هيهات لا ينفع مع الجاهل نُصحٌ، ولا ينجح في المُصِرِّ وعظٌ !
سُنَّة الأنبياء - عليهم السلام - ألا يطلبوا على رسالتهم أجراً، وأَلاَّ يُؤَمِّلُوا لأنفسهم عند الخْلق قَدْراً، عَمَلُهُم لله لا يطلبون شيئاً من غير الله. فَمَنْ سَلكَ من العلماء سبيلَهم حُشِرَ في زمرتهم، ومَنْ أَخَذَ على صلاحِه مِنْ أحدٍ عِوَضَاً، أو اكتسب بسداده جاهاً لم يَرَ من الله إلا هواناً وصَغَاراً.
مجالسةُ الفقراءِ اليومَ - وهم جَُلساءُ الحقِّ غداً- أجدى من مجالسة قومٍ من الأغنياء هم من أهل الردِّ.
ومَنْ طَرَدَ مَنْ قَرَّبَه الله وأدناه استوجب الخِزْيَ في دنياه، والصَّغَارَ في عقباه.
لا أتخطَّى خَطِّي عما أبلغ مما حملتُ من رسالتي، ولا أتعدى ما كُلِّفْتُ به، ولا أزيد عما أُمِرْتُ، ولن أخرجَ عن الذي أنبأوني، بل أنتصب بشاهدي فيما أقاموني.
إن أولياء الله سبحانه في أثوابهم ولا يراهم إلا من قرَبَهم في معناهم. اللَّهُ أعلمً بأحوالهم، وفي الجملة : طيرُ السماءِ على أُلاَّفها تقع.
أوضح لهم من البراهين مالوا أنعموا النظر فيه لتمَّ لهم اليقين، ولكنهم أصروا على الجحود، ولم يقنعوا من الموعود بغير المشهود.
أقَرَّ بالعبودية، وتَبرَّأ عن الحول والقوة، وأحال الأمرَ على المشيئة. ولقد أنصف مَنْ لم يُجَاوِزْ حَدَّه في الدعوى. والأنبياء عليهم السلام- وإن كانوا أصحاب التحدي للناس بمعجزاتهم فهم معترفون بأنهم موقوفون عند حدودهم.
مَنْ لم يُساعده تعريفُ الحقِّ- بما له بحكم العناية- لم ينفعه نُصْحُ الخَلْقِ في النهاية.
ويقال مَنْ لم يُوَصِّلْه الحقُّ للوصال في آزله لم ينفعه نُصْحُ الخَلْقِ في حاله.
ويقال مَنْ سَبَقَ الحُكْمُ له بالضلالة أَنَّى ينفعه النصحُ وبَسْطُ الدلالة ؟
ويقال من لم تساعدْه قسمةُ السوابق لم ينفعه نُصْحُ الخلائق.
قوله :﴿ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ﴾ : من المحال اجتماع الهداية والغواية ؛ فإذا أراد اللَهُ بقوم الغواية لم يصح أن يقال إنهم من أهل الهداية.
ثم بيَّن المعنى في ذلك بأن قال :﴿ هُوَ رَبَّكُمْ ﴾ لِيَعْلَم العالِمون أَنَّ الربَّ تعالى له أن يفعل بعباده ما شاء بحكم الربوبية.
ومهما وصفتموني فإني أُجِيبُ اللّهَ. . . وكُلٌّ مُطَالَبٌ بفعله دون فِعْلِ صاحبِه.
عرَّفه الحقُّ أنَّه غنيٌّ عن إيمانهم، فكَشَفَ له أحكامَهم، وأَنَّ مَنْ لم يؤمن منهم قد سبق الحكمُ بشقائهم، فعند ذلك دعا لعيهم نوحٌ- عليه السلام- بالإهلاك.
ويقال لم يدعُ عليهم ما دام للمطمع في إيمانهم مساغٌ، فلما حََصَل العكسُ نطق بالتماس هلاكهم.
أي قُمْ - بشرط العبودية- بصنع السفينة بأمرنا، وتحقق بشهودنا، وأنَّك بمرأىً منا. ومَنْ عَلِمَ إطلاعه عليه يلاحِظْ نَفْسَه ولا غيرَه، لاسيما وقد تحقق بأنَّ المُجْرِي هو سبحانه.
وقال له : راعِ حَدَّ الأدَبِ، فما لم يكن لك إذْنٌ منا في الشفاعة لأحدٍ فلا تُخاطِبْنا فيهم.
ويقال سبق لهم الحكمُ بالغَرَقِ- وأمواج بحر التقدير تتلاطم- فكلُّ في بحار القدرة مُغْرَقُون إلا من أهَّلَه الحقُّ بِحُكْمِه فَحَمَلَه في سفينة العناية.
ويقال كان قومُ نوحٍ من الغَرْقَى في بحار القَطْرِة، ومِنْ قبلُ كانوا غرقى في بحار القدرة.
لما تَحقَّق بما أمر اللَّهُ به لم يأْبَه عند إمضاءِ ما كُلِّفَ به بما سَمِعَ من القيل، ونظر إلى الموعود بطَرْفِ التصديق فكان كالمُشاهِد له قبلَ الوجود.
لا طاعةَ لمخلوقٍ في مقاساة تقديره - سبحانه - إلا من تحمل عنه بفضله ما يحمله بحُكْمه.
طال انتظارُهم لِمَا كان يَتَوَعَّدُهم به نوحٌ عليه السلام على وجه الاستبعاد، ولم يَزِدْهُم تطاولُ الأيامٍ إلا كفراً ؛ وصَمَّمُوا على عقد تكذيبهم.
ثم لمَّا أتاهم الموعودُ إياهم بغتةً، وظهر من الوضع الذي لم يُحِبُّوه فارَ الماءُ من التنور المسجور٩، وجادت السماءُ بالمطر المعبور.
﴿ قُلْنَا احْمِل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَينِ ﴾ : استبقاءً للتناسل.
ويقال : قد يؤْتَى الحَذِرُ من مَأْمَنِه ؛ فإن إبليسَ جاء إلى نوح- عليه السلام-.
وقال : احْمِلني في السفينة فأَبَى نوحٌ عليه السلام، فقال له إبليس : أَمَا عَلِمْتَ أَني من المُنْظَرين إلى يوم معلومٍ، ولا مكانَ لي اليومَ إلا في سفينتك ؟
فأوحى الله إلى نوح أن يَحْمِلَه معه.
ويقال لم يكن لابن نوح معه مكان، وأُمِرَ بِحَمْل إبليس وهو أصعب الأعداء ! وفي هذا إشارة إلى أن أسرار التقدير لا تجري على قياس الخَلْق ؛ كأنه قيل له : يا نوح. . . ابنك لا تحمله، وعدوك فَأدْخُلْه، فالله سبحانه فعَّالٌ لما يريد.
﴿ إلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيهِ الْقَوْلُ ﴾ بالشقاوة. وفيه تعريف بأن حُكْمَ الأَزَل لا يُرَدُّ، والحقُّ -سبحانه- لا يُنَازَعُ، والجبَّارُ لا يُخَاصَمُ، وأن مَنْ أقصاه ربُّه لم يُدْنِه تنبيهٌ ولا بِرٌّ ولا وعظ.
﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قِلِيلٌ ﴾ ولكن بَارَكَ الحقُّ - سبحانه - في الذين نجَّاهم من نَسْلِه، ولم يدخل خَللٌ في الكونِ بعد هلاكِ مَنْ أَهْلَك مِنْ قومه.
عَرَفَ أَنَّ نجاتَه من القَطْرةِ لمَّا تقَاطرَتْ ليست بالحِيَلِ- وإنْ تَنوّعَتْ وكَثُرَتْ، فباسم اللّهِ سلامتُه، وبتوكلِه على الله نجاتُه وراحتُه، وبتفضله- سبحانه- صلاحُه وعافيته.
وكان في معزل بظاهره، وكان في سرِّ تقديره أيضاً بمعزلٍ عما سبق لنوح وقومه ما سابق فضله. فحينما نطق بِلسانِ الشفقةِ وقال :﴿ يَابُنَيَ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ﴾ - لم يقل له : ولا تكن من الكافرين ؛ لأن حالته كانت مُلْتَبِسةُ على نوح إذ كان ابنُه ينافقه- فقيل له : يا نوح إنه مع الكافرين لأنه في سابق حُكْمِنا من الكافرين.
أَخْطأَ مِنْ وجهين : رأى الهلاكَ من الماءِ وكان مِنَ اللَّهِ، ورأى النجاةَ والعِصمةَ من الجبل وهما من الله، فقال له نوح : لا عاصِمَ اليومَ من أمرِ الله. قيل أراد لا معصومَ اليوم من الله. وقيل لا أحدَ يَعْصِم أحداً من أمر الله، لكنْ مَنْ رَحِمَه ربُّه فهو معصومٌ من ذلك، وله عاصمٌ وهو الله.
ولقد كان نوح- عليه السلام- مع ابنه في هذه المخاطبات فجاءت أمواجُ الماءِ وحالََتْ بينهما وصار من المُغْرَقِين، فلا وعظُه ونُصْحُه نفعاه، ولا قولُه وتذكيره نَجَّيَاه وخَلصَّاه.
ويقال احتمل أن لو قيل له نوح عرَّفْنَا العَالَم بدعائك ولا عليكَ إِنْ عَرَفَ.
فلما غَرِقَ ابنُ نوح سَكَنَ الموجُ ونضَبَ الماءُ وأقلعت السماء، وكأنه كان المقصودُ من الطوفانِ أَنْ يغرِقَ ابن نوحٍ- عليه السلام- وقيل :
عَجِبْتُ لِسَعْيِ الدهرُ بيني وبينها فلما انقضى ما بيننا سَكَنَ الدهرُ
خَاطَبَ الحقَّ- سبحانه- في باب ابنْهِ، واستعطفَ في السؤال فقال :
و ﴿ إِنَّ اْبنِي مِنْ أَهْلِي ﴾ : فقال له : إنَّه ليست مِنْ أهل الوصلة قِسْمَتُه- وإنْ كان من أَهْلِكَ نَسَباً ولْحُمَةً، وإنَّ خطابَك في بابه عملٌ غيرُ صالح، أو إنه أيضاً عَمِلَ غيرَ صالح.
﴿ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ : أي سَتَرْتُ غيبي في حال أوليائي وأعدائي، فلا يُعلَمُ سِرُّ تقديري.
قوله :﴿ إِنّي أَعِظُكَ ﴾ : وذلك لحُرمِة شيخوخته وكِبَرِه، ولأنه لم يَسْتَجِبْ له في وَلَدِه، فتَدارَكَ بِحُسْنِ الخطابِ قَلْبَه.
وقل إن ابنَ نوح بَنَي من الزجاج بيتاً وقتَ اشتغال أبيه باتخاذ السفينة، فلما ركب نوحٌ السفينةَ دَخَلَ ابنُه في البيت الذي اتخذه من الزجاج، ثم إن الله تعالى سلَّطَ عليه البوْلَ حتى امتلأ بيْتُ الزجاج من بَوْلِه ؛ فَغَرِق الكلُّ في ماء البحر، وغرق ابنُ نوحٍ في بَوْلِه ! ليُعلَمَ أنه لا مفرَّ مِنَ القَدَر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:خَاطَبَ الحقَّ- سبحانه- في باب ابنْهِ، واستعطفَ في السؤال فقال :
و ﴿ إِنَّ اْبنِي مِنْ أَهْلِي ﴾ : فقال له : إنَّه ليست مِنْ أهل الوصلة قِسْمَتُه- وإنْ كان من أَهْلِكَ نَسَباً ولْحُمَةً، وإنَّ خطابَك في بابه عملٌ غيرُ صالح، أو إنه أيضاً عَمِلَ غيرَ صالح.
﴿ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ : أي سَتَرْتُ غيبي في حال أوليائي وأعدائي، فلا يُعلَمُ سِرُّ تقديري.
قوله :﴿ إِنّي أَعِظُكَ ﴾ : وذلك لحُرمِة شيخوخته وكِبَرِه، ولأنه لم يَسْتَجِبْ له في وَلَدِه، فتَدارَكَ بِحُسْنِ الخطابِ قَلْبَه.
وقل إن ابنَ نوح بَنَي من الزجاج بيتاً وقتَ اشتغال أبيه باتخاذ السفينة، فلما ركب نوحٌ السفينةَ دَخَلَ ابنُه في البيت الذي اتخذه من الزجاج، ثم إن الله تعالى سلَّطَ عليه البوْلَ حتى امتلأ بيْتُ الزجاج من بَوْلِه ؛ فَغَرِق الكلُّ في ماء البحر، وغرق ابنُ نوحٍ في بَوْلِه ! ليُعلَمَ أنه لا مفرَّ مِنَ القَدَر.

نَسِيَ نوحٌ- عليه السلام- حديثَ ابنه في حديث نفسه، فاستعاذ بفضله واستجار بلطِفه، فوجد السلامةَ من ربِّه في قوله جل ذكره :﴿ قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ﴾.
طَهَّرَ وجهَ الأرضِ من أعدائه، وحفظ نوحاً عليه السلام من بلائه، هو ومن معه من أصدقائه وأقربائه.
والأممُ التي أخبر أنه سَيُمَتِّعُهم ثم يَمَسُّهم العذابُ هم الذين ليسوا من أهل السعادة.
أعلمناكَ بهذه الجملة، وأنبأناك بهذه القصص لما خصصناك من غير أن تتعلمَه من شخص، أو من قراءةِ كتاب ؛ فإِنْ قابَلَكَ قومك بالتكذيب فاصبِرْ، فَعَنْ قريبٍ تنقلب هذه الأمور.
كَلَّفَ الأنبياء - عليهم السلام- بالذهاب إلى الخَلْق لاسيما وقد عاينوا- بالحق- مَنْ تَقَدَّمَهُم من فترة الملأ، ولكنهم تَحَمَّلُوا ذلك حين أَمَرهُم الحقُّ بالتوجُّهِ إليهم فَرَضُوا، وأظهروا الدلالةَ، وأَدَّوْا الرسالةَ، ولكن ما زاد الناسُ إلا نفرةً على نفرة.
لم يأتِ نبيٌّ من الأنبياء- عليهم السلام- إلاَّ وأَخْبَرَ أنه ليس له أنْ يطلبَ في الجملة أجْرَاً من اللّهِ لا من غير الله.
استغفروا ربكم ثم توبوا إليه بعد الاستغفار، مِنْ توهمكم أن نجاتَكم باستغفاركم. بل تَحقَّقُوا بأنكم لا تجدون نجاتَكم إلا بفضلِ ربِّكم ؛ فَبِفَضْلِه وبتوفيقه توصَّلْتُم إلى استغفاركم لا باستغفاركم، وصلتم إلى نجاتكم، وبرحمته أهَّلَكُم إلى استغفاركم، وإلاَّ لَمَا وصلتم إلى توبتكم ولا إلى استغفاركم.
والاستغفار قَرْع باب الرزق، فإذا رجع العبد إلى الله بحسن تضرعه، فتح عليه أبوابَ رحمته، وَيَّسرَ له أسبابَ نعمته.
ويقال يُنَزِّل على ظواهركم أمطارَ النِّعمة، وعلى ضمائرِكم وسرائركم يُنَزِّل أنواعَ المِنَّة، ويزيدكم قوة على قوة ؛ قوة تحصلون بها توسعة أنواع الرِزْقِ، وقوةً تحصلون بها تحسين أصناف الخُلُقِ.
ما زادهم هودُ عليه السلام بَسُطا في الآية وإيضاحاً في المعجزة إلا زادهم اللَّهِ تعالى عَمىً على عَمىً، ولم يرزقْهم بصيرةً ولا هديً، ولم يزيدوا في خطابِهم إلا بما دَلُّوا على فَرِطِ جهالتهم، وشدة ضلالتهم بعد إطنابهم وانتهابهم، وقالوا :﴿ إن نقول إلا اعتراك بعض ءالهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني برىء مما تشركون ﴾.
وكيف ظَنُّوا أنَّ آلهتَهم تَمسُّ أعداءَهم بسوءٍ وهي تضرُّ أعداءها ولا تنفع أولياءَها ؟ فهؤلاء الغوايةُ عليهم مُسْتَوْلية. ثم إن هوداً عليه السلام أفْصَحَ عن فضل ربِّه عليه ؛ وصَرَّحَ بإخلاصه وحُسْنِ يقينه فقال :﴿ إنِىّ بَرِىءٌ مِّمّا تُشرِكُونَ ﴾ ثم قال :﴿ من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ﴾.
فلم يَحْتَج معهم إلى تضرع واستخذاء، ولا راوَدُهم في سْلم واستمهال، ولم يَتَّصْفْ في ذلك بركونٍ إلى حَوْله ومُنَّته، ولم يستند إلى جٍِدِّه وقوَّته بل قال :﴿ إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو ءاخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ﴾.
أخبر أنه بموعودِ الله له بنُصْرتِه واثق، وأنه في خلوص طاعته لربّه وفي صفاء معرفته ( غيرُ مُفَارِقِ ).
أوحينا إليه أنْ قُلْ لهم : إنْ تَوَلَّوْا ولم تُؤمنوا بي فقد بَلَّغْتُ ما حُمِّلت من رسالتي، وإني واثقٌ بأَنَّ الله إذا أهلككم يأتِ بأقوام آخرين سواكم أطْوعَ له منكم، وإنْ أفناكم ما اختلَّ مُلْكُه ؛ إذْ الحقُّ- سبحانه - بوجود الأغيار لا يلحقه زيْنٌ- وإنْ وَحَّدُوا، وبفقدهم لا يَمُّسه شَيْنٌ- وإنْ جحدوا وألحدوا.
ولما جاء أمْرنا بإهلاكِهم نَجَّينَا هوداً والذين آمنوا برحمتنا، ولم يَقْلْ باستحقاقه النجاةَ بوسيلةِ نُبُوته، أو لجسامة طاعته ورسالته بل قال :﴿ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾، ليَعْلَمَ الكافةُ أنَّ الأنبياء- عليهم السلام- ومَنْ دونَهم عتيقُ رحمته، وغريقُ مِنَّتِه، لا لاستحقاقِ أحدٍ ولا لواجب على الله في شيء.
في إنزالِ قصصهم تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم وآله - فيما كان يقاسي من العناء، وللمؤمنين فيما بذلوا من حسن البلاء، والعِدَةُ بتبديل- ما كانوا يلقَوْنه من الشِدِّة- بالرجاء.
أخبر أنهم خسروا الدنيا والآخرة، أمَّا في هذه الدنيا فبالاستئصال بأليم الشدة وما تَبِعَه من اللَّعنة، ثم ما يلقونه في الآخرة من تأبيد العقوبة. وبقاؤهم عن رحمة الله أصعبُ من صنوف كل تلك المحنة، كما قيل :
تَبَدَّلَتْ وتبدلنا واحسرتا لِمَنْ ابتغى عوضاً لِسَلْمى فَلَمْ يَجِد
عُقَيْبَ ما مضى من قصة عادٍ ذَكَرَ ثمود، وثمود هم قوم صالح، وقد انخرطوا في الغيِّ في سِلْكِ مَنْ سَبَقَهم، فَلَحِقَت العقوبةُ بجميعهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦١:عُقَيْبَ ما مضى من قصة عادٍ ذَكَرَ ثمود، وثمود هم قوم صالح، وقد انخرطوا في الغيِّ في سِلْكِ مَنْ سَبَقَهم، فَلَحِقَت العقوبةُ بجميعهم.

ثم أخبر أنهم قابلوا نَبِيَّهم- عليه السلام- بالتكذيب، ولم يقفوا على ما نبَّههم عليه من التوبة والتصديق وأصَرُّوا على الإقرار أنهم في شأنه لفي شكٍ مريب.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦١:عُقَيْبَ ما مضى من قصة عادٍ ذَكَرَ ثمود، وثمود هم قوم صالح، وقد انخرطوا في الغيِّ في سِلْكِ مَنْ سَبَقَهم، فَلَحِقَت العقوبةُ بجميعهم.

ثم بيَّن أنَّ صالحاً لم يُعِرِّجْ- في التبليغ- على تقصير.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٣:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦١:عُقَيْبَ ما مضى من قصة عادٍ ذَكَرَ ثمود، وثمود هم قوم صالح، وقد انخرطوا في الغيِّ في سِلْكِ مَنْ سَبَقَهم، فَلَحِقَت العقوبةُ بجميعهم.

ثم بيَّن أنَّ صالحاً لم يُعِرِّجْ- في التبليغ- على تقصير.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦١:عُقَيْبَ ما مضى من قصة عادٍ ذَكَرَ ثمود، وثمود هم قوم صالح، وقد انخرطوا في الغيِّ في سِلْكِ مَنْ سَبَقَهم، فَلَحِقَت العقوبةُ بجميعهم.

وبَعْدَ تَمَرُّدِهم وامتناعهم عن الإنابةِ، وإصرارهم على تَرْكِ الإجابة حقَّ عليهم ما توعدهم به من عذاب غير مكذوب.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦١:عُقَيْبَ ما مضى من قصة عادٍ ذَكَرَ ثمود، وثمود هم قوم صالح، وقد انخرطوا في الغيِّ في سِلْكِ مَنْ سَبَقَهم، فَلَحِقَت العقوبةُ بجميعهم.

ونجَّى نبيَّهم - عليه السلام -، ونجَّى مَنْ اتَّبَعَه من كل عقوبة. . . سُنَّةٌ منه - سبحانه - في إِنجاءِ أوليائه أمضاها، وعادةٌ في تلطفه ورحمته بالمستحقين أجراها.
أخبر أن الملائكة أتوا إبراهيمَ- عليه السلام- بالبشارة. وأخبر أن إبراهيمَ - عليه السلام- أنْكَرَهُم، ولم يَعْرِفْ أنهم ملائكةٌ. فيُحتمل أنَّه- سبحانه- أراد أن تكونَ تلك البشارة فجأةً من غير تنبيهٍ لتكونَ أتَمَّ وأبلغَ في إيجاد السرور، ولاسيما وقد كانت بعد خوف لأنه قال :﴿ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾.
ويقال إن إبراهيم - عليه السلام - كان صاحبَ النبوة والخُلَّة والرسالة فلا بُدَّ أن تكون فراستُه أعلى من فراسة كلِّ أحدٍ، ولكنه في هذه الحالة لم يَعْرِفْ الملائكةَ ليُعْلَمَ أنَّ الحقَّ - سبحانه وتعالى - إذا أراد إمضاءِ حُكْمِ يَسُدُّ على مَنْ أرادَ عيونَ الفراسة، وإنْ كان صاحبُ الفراسة هو خليل الله، كما سَدَّ الفراسة، على نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - في قصة الإفْكِ إلى الوقت الذي نزل فيه الوحيُ، وكذلك التبس على لوطٍ- عليه السلام- إلى أن تبيَّن له الأمر.
وتكلموا في هذه " البشرى " ما كانت ؛ فقيل كانت البشارة بإسحاق ؟ أنَّه سيولد له ولد ومن نَسْله وسُلالته ؛ قال تعالى :﴿ وَمِن وراء إسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾.
ويقال بسلامة قومه- حيث كانوا مُرْسَلين بإهلاك قوم لوط - عليه السلام.
ويقال بشارة بالخُلَّة وتمام الوصلة.
ويقال إن الخُلَّة والمحبة بناؤهما كتمان السِّرِّ ؛ فَيَعْلَمَ أنهم أُرْسِلُوا بشارةٍ ما ولم يكن للغير إطلاع، قال قائلهم :
بين المحبين قولٌ لست أفهمه ***
ويقال إن تلك البشارة هي قولهم :" سلاماً " وأن ذلك كان من الله، وأيُّ بشارة أتمُّ من سلام الحبيب ؟ وأيُّ صباح يكون مُفْتَتَاً بسلام الحبيب فصَبَاحٌ مباركٌ، وكذلك المبيتُ بسلام الحبيب فهو مباركٌ.
قوله :﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ [ هود : ٦٩ ] : لمَّا توهمهم أضيافاً بحقَّ الضيافة، فقدَّم خَيْرَ ما عنده مما شكره الحقُّ عليه حيث قال في موضع آخر :﴿ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ﴾ [ الذاريات : ٢٦ ]. والمحبةُ توجِبُ استكثارَ القليلِ من الحبيبِ واستقلالَ ما مِنْك للحبيب، وفي هذا إشارة إلى أنه إذا نَزَلَ الضيفُ فالواجبُ المبادرةُ إلى تقديم السُّفرة١٠ مِمَّا حضر في الوقت.
قوله :﴿ فَلَمَّا رَءَآ أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إٍلَيْهِ نَكِرَهُمْ ﴾ [ هود : ٧٠ ] تمامُ إحسانِ الضيف أن تتناولَ يَدُه ما يُقَدَّم إليه من الطعام، والامتناعُ عن أكل ما يُقَدَّم إليه معدودٌ في جملة الجفاء في مذهب أهل الظَّرْف١١. والأكل في الدعوة واجبٌ على أحد الوجهين.
﴿ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ : أي خاف أنه وقع له خَلَلٌ في حاله حيث امتنع الضّيفان عن أكل طعامه ؛ فأوجس الخيفةَ لهم لا منهم.
وقيل إن الملائكة في ذلك الوقت ما كانوا ينزلون جهراً إلا لعقوبة ؛ فلمَّا امتنعوا عن الأكل، وعَلِمَ أنهم ملائكةٌ خَافَ أنْ يكونوا قد أُرْسِلُوا لعقوبة قومه.
كانت امرأتُه قائمةً بخدمة الأضياف، فضحكت تعَجُّّباً من أن يكون لمثلها في هذه السن ولد.
وقيل كان سرورها السلامة. ويحتمل أنه ضحكت تعجباً من امتناع الضيِّفان عن الأكل. أو تَعَجبَتْ من كوْن الملائكة في صورة البشر لَمَّا عَلِمَتْ أنهم ملائكة ويحتمل أنها ضحكت لاستبشارها بالوَلَد وقد بُشِّرَتْ باستحقاقه ومن ورائه يعقوب.
ثم أفصَحَتْ عما ينطوي عليه قلبُها من التعجب فقالت :﴿ ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذا بَعْلِى شَيْخاً إنَّ هَذَا لَشَيءٌ عَجِيبٌ ﴾ !
فأحال الملائكة خَلْقَ الوَلَدِ على التقدير :﴿ قَالُوا أَتَعْجِبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ ؟ فزال موضِعُ التعجب، وقالوا :﴿ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ فبقي الدعاء في شريعتنا بآخر الآية حيث يقول الداعي : كما صَلَّيْتَ وباركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
والبركة الزيادة ؛ فقد اتصل النَّسْلُ من الخليل، وبنو إسرائيل منهم - وهم خَلْقٌ كثير، والعرب من أولاد إسماعيل - وهم الجَمُّ الغفير١٢.
لما كانت مراجعته مع الله في أمر قوم لوطٍ بحقِّ الله لا لحظِّ نَفْسِه سَلِمَ له الجِدال، وهذا يدلُّ على علوِّ شأنه حيث تجاوزَ عنه ذلك.
والإشارة فيه أنه كان يقَابِل ما وَرَدَ على ماله ونفْسِه وولده بالاحتمال، ولمَّا كان حقُّ الحقِّ في حديثِ قوم لوط أخَذَ في الجِدالِ إلى أن أبَانَ له سلامةَ لوط- عليه السلام-.
يا إبراهيم أعْرِضْ عن هذا فإنَّ الحُكْمَ بعذابِهم قد نَزَل، ووقتُ الانتقامِ منهم قد حصل.
أي أنه حزن بسبب خوفه عليهم أن يَجْريَ عليهم من قومه ما لا يجوز في دين الله ؛ فذلك الحزنُ كان لحقِّ الله لا لنصيبٍ له أو حظَّ لنفسه، ولذلك حُمِدَ عليه لأنَّ مقاساةَ الحزنِ لحقِّ الله محمودةٌ.
قوله ﴿ هَؤُلآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ قيل : إنه أراد به نساء أمته، فنبيُّ كلِّ أمةٍ مثل الوالد لأولاده في الشفقة والنصيحة.
ويقال إنه أراد بناتِه منْ صُلْبِه.
" أليس منكم رجل رشيد " يرتدي جلبابَ١٣ الحشمة، ويؤثِر حقَّ الله على ما هو مقتضى البشرية، ويرعى حق الضيافة، ويترك معصية الله ؟.
أصرُّوا على عصيانهم، وزهدوا في المأذون لهم شرعاً، وانجرُّوا إلى ما قادهم إليه الهوى طبعاً، وهذه صفة البهائم ؛ لا يَرْدَعُها عقلٌ، قال تعالى :﴿ أُوْلَئِكَ كَاْلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ].
لو أن لي قوةً فأمنعكم عن ارتكابِ المعصية ؛ فإنَّ أهمَّ الأشياء على الأولياء ألا يَجْرِيَ من العصاةِ ما ليس الله فيه لا رضاء.
ويقال : لو كان لي قدرةٌ لإيصال الرحمةِ إليكم- مع ارتكابكم المعاصي- لَرَحِمْتُكم وتجاوزتُ عنكم.
ويقال لو أنَّ لي قوةً لهَدَيْتُكم إلى الدِّين، ولَعَصَمْتُكم عن ارتكاب المخالفات.
لمَّا ضَاقَ به الأمُر كَشَف اللَّهُ عنه الضُرَّ فَعَرَّفَ إليه الملائكةُ وقالوا : لا عليكَ فإنهم لا يصلون إليكَ بسوءٍ وإنَّا رُسُلُ ربك جئنا لإهلاكهم، فاخرُجْ أنت وقومُك من بينهم، واعلمْ أنَّ مَنْ شَارَكَهم في عملهم بنوعٍ فَلَهُ مِنْ العذابِ حِصَّة. ومن جملتهم امرأتك التي كانت تدل القوم على المَلَكِ لفعلة الفاحشة، وإن العقوبة لاحقةٌ بها، مُدْرِكَة لها.
والإشارة منه أن الجسارةَ على الزَّلّةِ وخيمةُ العاقبةِ- ولو بعد حين، ولا ينفع المرءَ اتصالُه بالأنبياء والأولياءِ إذا كان في الحكم والقضاء من جملة الأشقياء.
قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ألَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾.
ما هو كائِنٌ فقريبٌ، والبعيدُ ما لا يكون. وإنَّ مَنْ أقْدَمَ على محظورٍ ثم حُوسِبَ عليه- ولو بعد دهورٍ خالية وأعوام غير محصورة ماضية- تصور له الحال كأنه وقتُ مَبَاشَرَتِه لتلك الزَّلة.
سُنَّةُ الله في عباده قلبُ الأحوال عليهم، والانقلابُ مِنْ سِمَاتِ الحدوث، أمّا الذي لا يزول ولا يحول فهو الذي لم يزل ولا يزال بنعوته الصمدية.
وإنَّ مَنْ عاش في السرور دهراً ثم تبدل يُسْرُه عُسْراً فَكَمَنْ لم يَرَ قطُّ خيراً، والذي قاسَى طولَ عمره ثم أُعطِي يُسْراً فكمن لم يَرَ عُسْراً.
قال تعالى :﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [ الأنعام : ١١٠ ].
ذكر سبحانه ما نالهم من العقوبة على عصيانهم، ثم أخبر أنَّ تلك العقوبةَ لاحقةٌ بمن سَلَكَ سبيلَهم تحذيراَ لمن لم يعتبر بهم إذا عرف طريقَهم، كما قيل :
ومَنْ يَرَني ولم يعتبر بَعْدِي فإنًّ لكلِّ معصيةٍ عقابا
أخبر سبحانه عن قصتهم، وما أصابهم من العذاب الأليم، وما نالهم من البلاء العظيم.
وفي الظاهر لهم كانت أجرامُهم كاليسيرة، ولعدم الفهم يعدون أمثالها صغيرة، ولا يقولون إنها كبيرة، وإن ذلك تطفيف في المكيال.
وليس قَدْرُ الأَجرام لأعيانها، ولكن لمخالفة الجبارِ عَظُمَ شأنُها، قال تعالى :﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هِيِْناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [ النور : ١٥ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٤:أخبر سبحانه عن قصتهم، وما أصابهم من العذاب الأليم، وما نالهم من البلاء العظيم.
وفي الظاهر لهم كانت أجرامُهم كاليسيرة، ولعدم الفهم يعدون أمثالها صغيرة، ولا يقولون إنها كبيرة، وإن ذلك تطفيف في المكيال.
وليس قَدْرُ الأَجرام لأعيانها، ولكن لمخالفة الجبارِ عَظُمَ شأنُها، قال تعالى :﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هِيِْناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [ النور : ١٥ ].

ولما أن قال لهم شعيب :﴿ بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ ﴾ يعني القليل من الحلالِ أجدى من الكثير المُعْقِب للوَبالِ لم يقابلوا نصيحَته لهم إلا بالعِناد والتمادي فيما هو دائمٌ من الجحد١٤ والكنود١٥.
استوطؤوا مركب الجهل، واستحلبوا مشْربَ التقليد، وأعْفُوا قلوبَهم من استعمال الفكرِ، واستبصارِ طريقِ الرُّشدِ.
البَيِّنَةُ نورٌ تَسْتَبْصٍرُ به ما خَفِيَ عليك تحت غطاء الغفلة.
والرزق الحسن ما به دوام الاستقلال، وما ذلك إلا مقتضى عنايته الأزلية، وحُسْنُ توليه لشأنك- في جميع ما فيه صلاحك- من إتمام النعمة ودوام العصمة.
وقيل الرزق الحسنُ ما تعنَّي صاحبُه لِطَلبِه، ولم يصبْه نَصَبٌ بسببه.
وقيل الرزق الحَسَنُ ما يستوفيه بشهود الرزق ويحفظه عند التنعم بوجود الرَّزَّاق.
ويقال الرزق الحسن ما لا يُنْسِي الرزَّاق، ويحمل صاحبَه على التوسعة والإنفاق.
يمكن للواعظ أو الناصح أنْ يساهِل المأمورَ في كل ما يأمره به، ولكن يجب ألا يجيز له ما ينهاه عنه ؛ فإنَّ الإتيانَ بجميع الطاعات غير مُمْكن، ولكنَّ التجرُّد عن جميع المحرَّمات واجبٌ.
ويقال مَنْ لم يكنْ له حُكْمٌ على نفسه في المنع عن الهوى لم يكن له حُكْمٌ على غيره فيما يرشده إليه من الهدى.
مَدَارُ الأمر إلى الأغراض المقضية حُسْنُ القصد بالإصلاح، فيَقْرِنُ اللَّهُ به حسن التيسير، ومَنْ انطوى على قصدٍ بالسوء وَكَلَ الحقُّ بشأنه التعويق.
حقيقةُ التوفيق ما ينفق به الشيء، وفي الشريعة التوفيق ما تنفق به الطاعة، وهو قدرة الطاعة، ثم كل ما تقرب العبد به من الطاعة من توفير الدواعي وفنون المَنْهيات يُعدُّ من جملة التوفيق- على التوسُّع.
والتوفيق بالله ومن اللهِ، وهو - سبحانه - بإعطائه متفضِّلٌ.
التوكل تفويض الأمر إلى الله، وأمارته تركُ التدبير بشهود التقدير، والثقة بالموعود عند عدم الموجود. ويتبين ذلك بانتفاء الاضطراب عند عدم الأسباب.
ويقال التوكلُ السكون، والثقةُ بالمضمون.
ويقال التوكل سكون القلب بمضمون الرَّبّ.
تورثكم مُخالَفَتُكم إياي فيما أدعوكم إليه من طاعةِ اللَّهِ أَنْ يلحقكم من أليم العقوبة ما أصاب مَنْ تقدَّمكم من الذين سِرْتُم على منهاجهم، وما عهدُكم ببعيد بمن تحققتم كيف حَلَّتْ بهم العقوبة، وكيف أنهم ما زادتْهم كثرةُ النصيحةِ إلاَّ غُلُوَّا في ضلالتهم، وعُتُوَّا في جهالتهم، وكما قيل :
وكمْ صُغْتُ في آثاركم من نصيحةٍ وقد يستفيد البغضةَ المُتَنَصِّحُ
الاستغفار هو التوبة.
ومعنى قوله ﴿ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ ﴾ أي توبوا ثم لا تُنْقِصُوا توبتَكم ؛ فهو أمرٌ باستدامة التوبة ؛ فإذا لم يتصل وفاءُ المآلِ بصفاءِ الحال لم يحصل قَبُولٌ، وكأن لم يكن لِمَا سَلَفَ حصولٌ.
﴿ إنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ : يرحم العصاةَ ويودُّهم.
ويقال يرحمهم ولذلك يودونه ؛ فالودود يكون بمعنى المودود كَحلُوب بمعنى محلوب. والرحمة تكون للعاصي لأنَّ المطيعَ بوصف استحقاقه للثواب على طاعاته، ثم ليس كلُّ من يُحِبُّ السلطانَ في محلّ الأكابر، فالأصاغِرُ من الجُنْدِ قد يحبون المَلِكَ، وأنشدوا :
ألا رُبَّ مَنْ يدنو ويزعم أنه يودُّك، والنّائي أودُّ وأقربُ
لاحظوا شعيباً بعين الاستصغار فَحُرِمُوا فَهْمَ معاني الخطاب، وأقَرُّوا على أنفسِهم بالجهل، وأحالوا إعفاءهم إياه من الأذى على حشمتهم من رهطه١٦ وعشيرته، فعاتَبهُم عليه :
قوله جل ذكره :﴿ قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط ﴾.
أترون مِنْ حقّ رهطي ما لا تَرَوْنَ من حقّ ربي ؛ وإنَّ ربي يُكافئكم على أعمالكم بما تستوجبون في جميع أحوالكم.
أرخى لهم ستر الإمهال فلما أصَرُّوا على تماديهم في الغواية حلَّت بهم العقوبة، وصاروا وكأن لم يكن بينهم نافخ نارٍ، ولا في ديارٍ الظالمين ديَّار، قال تعالى :﴿ فَاْعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ﴾ [ الحشر : ٢ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٣:أرخى لهم ستر الإمهال فلما أصَرُّوا على تماديهم في الغواية حلَّت بهم العقوبة، وصاروا وكأن لم يكن بينهم نافخ نارٍ، ولا في ديارٍ الظالمين ديَّار، قال تعالى :﴿ فَاْعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ﴾ [ الحشر : ٢ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٣:أرخى لهم ستر الإمهال فلما أصَرُّوا على تماديهم في الغواية حلَّت بهم العقوبة، وصاروا وكأن لم يكن بينهم نافخ نارٍ، ولا في ديارٍ الظالمين ديَّار، قال تعالى :﴿ فَاْعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ﴾ [ الحشر : ٢ ].
كَرَّر قصة موسى عليه السلام تفخيماً لشأنه، وتعظيماً لأمره، وتنبيهاً على علوِّ قدره عند الله وعلى مكانة الآيات التي أرسله بها، ومعجزاته الباهرة، وبراهينه القاهرة.
ويقال أصعبُ عدوِّ قَهَرَهُ أولا نَفْسُه، وقد دَله - سبحانه- على ذلك لمَّا قال : إلهي ! كيف أطلبك ؟
فقال : عند المنكسرةِ قلوبهُم من أجلي.
فَنَبَّهَه إلى استصغارِه لنفسه، وانكساره لله بقلبه، فزادت صولتُه لما صار معصوماً عن شهود فضل لنفسه ؛ والسلطانُ الذي خصَّه به استولى على قلوبِ مَن رآه، كما قال :﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنّي ﴾ [ طه : ٣٩ ] فما رآه احدٌ إلا أحَبَّه، ثم إنه لم يأخذه في الله ضعفٌ، مثلما لَطَمَ وجهَ فرعون - وهو رضيع - كما في القصة، ولَطَمَ وجهَ مَلَكِ الموت لمّا طالبه بقبض روحه. . . . كما في الخبر، " وأخذ برأس أخيه يجرُّه إليه لمّا رجع من سماع الخطاب عند المعاتبة، وأقدم بالجسارة على سؤال الرؤية، وقتل القبطيَّ لما استعان به مَنْ وافقه في العقيدة، وقال الله :﴿ إِنْ هي إلاَّ فِتْنَتُكَ ﴾ [ الأعراف : ١٥٥ ] لمَّا أخبره الحق بما عمله قومه من عبادة العجل بحكم الضلالة. . . ففي جميع هذا تَجَاوَزَ اللّهُ عنه لمَا أعطاه من السلطان والقوة.
رضوا بمتابعة فرعون، فاستحقوا ما استحقه. لم يشعروا بخطئِهم، وكانوا يحسبون أنهم يُحْسَنون صُنْعاً. وإذا ما أوردهم النارَ فهو إمامُهم، وسيعلمون ما أصابهم من الخسران حين لا ينفع تضرعُهم وبكاؤُهم ولا ينقطع عذابُهم وعناؤهم، وتغلب خسارتهم وشقاؤهم - وذلك جزاءُ مَنْ كَفَرَ بمعبوده، وأسرف في مجاوزة حدوده.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٦:كَرَّر قصة موسى عليه السلام تفخيماً لشأنه، وتعظيماً لأمره، وتنبيهاً على علوِّ قدره عند الله وعلى مكانة الآيات التي أرسله بها، ومعجزاته الباهرة، وبراهينه القاهرة.
ويقال أصعبُ عدوِّ قَهَرَهُ أولا نَفْسُه، وقد دَله - سبحانه- على ذلك لمَّا قال : إلهي ! كيف أطلبك ؟
فقال : عند المنكسرةِ قلوبهُم من أجلي.
فَنَبَّهَه إلى استصغارِه لنفسه، وانكساره لله بقلبه، فزادت صولتُه لما صار معصوماً عن شهود فضل لنفسه ؛ والسلطانُ الذي خصَّه به استولى على قلوبِ مَن رآه، كما قال :﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنّي ﴾ [ طه : ٣٩ ] فما رآه احدٌ إلا أحَبَّه، ثم إنه لم يأخذه في الله ضعفٌ، مثلما لَطَمَ وجهَ فرعون - وهو رضيع - كما في القصة، ولَطَمَ وجهَ مَلَكِ الموت لمّا طالبه بقبض روحه.... كما في الخبر، " وأخذ برأس أخيه يجرُّه إليه لمّا رجع من سماع الخطاب عند المعاتبة، وأقدم بالجسارة على سؤال الرؤية، وقتل القبطيَّ لما استعان به مَنْ وافقه في العقيدة، وقال الله :﴿ إِنْ هي إلاَّ فِتْنَتُكَ ﴾ [ الأعراف : ١٥٥ ] لمَّا أخبره الحق بما عمله قومه من عبادة العجل بحكم الضلالة... ففي جميع هذا تَجَاوَزَ اللّهُ عنه لمَا أعطاه من السلطان والقوة.
رضوا بمتابعة فرعون، فاستحقوا ما استحقه. لم يشعروا بخطئِهم، وكانوا يحسبون أنهم يُحْسَنون صُنْعاً. وإذا ما أوردهم النارَ فهو إمامُهم، وسيعلمون ما أصابهم من الخسران حين لا ينفع تضرعُهم وبكاؤُهم ولا ينقطع عذابُهم وعناؤهم، وتغلب خسارتهم وشقاؤهم - وذلك جزاءُ مَنْ كَفَرَ بمعبوده، وأسرف في مجاوزة حدوده.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٦:كَرَّر قصة موسى عليه السلام تفخيماً لشأنه، وتعظيماً لأمره، وتنبيهاً على علوِّ قدره عند الله وعلى مكانة الآيات التي أرسله بها، ومعجزاته الباهرة، وبراهينه القاهرة.
ويقال أصعبُ عدوِّ قَهَرَهُ أولا نَفْسُه، وقد دَله - سبحانه- على ذلك لمَّا قال : إلهي ! كيف أطلبك ؟
فقال : عند المنكسرةِ قلوبهُم من أجلي.
فَنَبَّهَه إلى استصغارِه لنفسه، وانكساره لله بقلبه، فزادت صولتُه لما صار معصوماً عن شهود فضل لنفسه ؛ والسلطانُ الذي خصَّه به استولى على قلوبِ مَن رآه، كما قال :﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنّي ﴾ [ طه : ٣٩ ] فما رآه احدٌ إلا أحَبَّه، ثم إنه لم يأخذه في الله ضعفٌ، مثلما لَطَمَ وجهَ فرعون - وهو رضيع - كما في القصة، ولَطَمَ وجهَ مَلَكِ الموت لمّا طالبه بقبض روحه.... كما في الخبر، " وأخذ برأس أخيه يجرُّه إليه لمّا رجع من سماع الخطاب عند المعاتبة، وأقدم بالجسارة على سؤال الرؤية، وقتل القبطيَّ لما استعان به مَنْ وافقه في العقيدة، وقال الله :﴿ إِنْ هي إلاَّ فِتْنَتُكَ ﴾ [ الأعراف : ١٥٥ ] لمَّا أخبره الحق بما عمله قومه من عبادة العجل بحكم الضلالة... ففي جميع هذا تَجَاوَزَ اللّهُ عنه لمَا أعطاه من السلطان والقوة.
رضوا بمتابعة فرعون، فاستحقوا ما استحقه. لم يشعروا بخطئِهم، وكانوا يحسبون أنهم يُحْسَنون صُنْعاً. وإذا ما أوردهم النارَ فهو إمامُهم، وسيعلمون ما أصابهم من الخسران حين لا ينفع تضرعُهم وبكاؤُهم ولا ينقطع عذابُهم وعناؤهم، وتغلب خسارتهم وشقاؤهم - وذلك جزاءُ مَنْ كَفَرَ بمعبوده، وأسرف في مجاوزة حدوده.

بَعُدُوا في عاجلهم من الإيمان، وفي آجلهم من الغفران والجِنان والذي لهم في الحال من الفُرقة أعظمُ - في التحقيق - من الذي لهم في المآلِ من الحُرقَة، وهذه صفةُ مَنْ امتحنه اللَّهُ باللعنة.
لمن يكن في جملة مَنْ قصَّ عليه مِنَ الأنبياء عليهم السلام مَنْ أكثر منه تبجيلا، ولا فيمن ذكره من الأمم أعظم من أمته تفضيلاً، فكما تَقَدَّم على الأنبياء
عليهم السلام تقدَّمَتْ أمتُه على الأمم، قال تعالى :﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [ آل عمران : ١١ ].
لا يجوز الظلمُ في وصفه ؛ فَتَصرُّفُه في مُلْكه بحقِّ إلهيته - مطلقٌ ؛ يحكم بحسب إرادته ومشيئته، ولا يتوجه حقٌّ عليه، فكيف يجوز الظلمُ في وصفه ؟
ويقال هذا الخطاب لو كان من مخلوقٍ مع مخلوق لأشبه العذر، ولكن في صفته لا يجوز العذر إذ الخلقُ خلقُه، والمُلْكُ مُلْكُه، والحُكْمُ حُكْمُه.
إنَّ الحقَّ - سبحانه - يمهل ولكن لا يهمل، ويحكم ولكن لا يعجّل، وهو لا يُسأل عمَّا يفعل.
وقيل إذا أخذ النفوسَ بالتوفيق فلا سبيل للخذلان إليها، وإذا أخذ القلوبَ بالتحقيق فلا طريق للحرمان عليها. قال تعالى :﴿ إنَّ بَطْشَ ربِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ [ البروج : ١٢ ].
مشهودٌ يشهدِه مَنْ حُشِرَ من جميع الخلائق في ذلك اليوم.
ويقال الأيام ثلاثة : يومٌ مفقود وهو أمسِ ليس بيدك منه شيء، ويومٌ مقصود وهو غدٌ لا تدري أتدركه أم لا، ويومٌ مشهودٌ وهو اليوم الذي أنت فيه ؛ فالمفقودُ لا يرجع، والمقصود ربما لا تبلغ، والمشهود وقتك وهو مُعَرَّضٌ للزوال. . . فاستغله فيما ينفع.
الأَجَلُ لا يَتَقَدَّم ولا يتأخر لكل (. . . . . . . )١٧، والآجالُ على ما عَلِمها الحقُّ - سبحانه - وأرادها جاريةٌ ؛ فلا طلبٌ يُقَدَّمُ أو يؤخر وقتاً إذا جاء أجلُه، وكذلك للوصول وقت، فلا طلب مع رجاء الوصول، ولا طلب مع خوف الزوال، ولقد قيل :
عيبُ السلامةِ أنَّ صاحبَها متوقِّعٌ لقواصم الظَّهرِ
وفضيلةُ البلوى ترقبُ أهلِها عَقِبَ البلاء - مَسَرَّةَ الدهر
الشقيُّ من قُسِم له الحرمانُ في حاله، والسعيد مَنْ رُزِق الإيمان في مآله.
ويقال الشقاء على قسمين : قومٌ شقاؤهم غير مؤيد، وقومٌ شقاؤهم على التأييد وكذلك القول في السعادة. الشقيُّ مَنْ هو في أَسْرِ التدبير ونسيان جريان التقدير، والسعيد مَنْ رَجِعَ من ظلماتِ التدبير، وحصل على وصف شهود التقدير.
ويقال الشقيُّ من كان في رق العبودية ظانَّا أَنَّ منه طاعاته، السعيد مَنْ تحرر عن رقِّ البشرية وعَلِمَ أن الحادثاتِ كلها لله سبحانه.
وأمَّا الأشقياء - على التأبيد- فهم أهل الخلود في مقتضى الوعيد، والسعداء- على التأبيد - من قال الله تعالى في صفتهم :﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَأ مَزِيدٌ ﴾ [ ق : ٣٥ ].
﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ ﴾ أن يزيد على مُدَّةِ السماوات والأرضِ.
﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ ﴾ أن ينقلهم إلى نوعٍ آخر من العذاب غير الزفير والشهيق.
﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ ﴾ ألا تلحقهم تلك العقوبة قبل أَنْ يُدْخِلَهم النار ؛ فلا استثناء لبعض أوقاتهِم من العقوبة لا قَبْلَ إدخالهم فيها ولا بعده.
﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ ﴾ من إخراج أهل التوحيد من النار فيكون شقاؤهم غير مؤبَّد.
قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾.
فيه إشارة إلى أن الذي يحصل بمشيئته لا باستحقاق عمل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾ فلا استثناء لبعض أوقات أهل الجنة من أول أمرهم قبل دخولهم الجنة أو بعده. أو يحتمل أنه يزيد على مدة السموات والأرض.
وفي قوله ﴿ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ - أي عطاءً غير مقطوع - دليلٌ على أن تلك النعم غير مقطوعة ولا ممنوعة.

لهم اليوم جناب القُربة، ولهم غداً جناب المثوبة. والكفار اليوم في عقوبة الفرقة، وغداً في عقوبة الحرقة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾ فلا استثناء لبعض أوقات أهل الجنة من أول أمرهم قبل دخولهم الجنة أو بعده. أو يحتمل أنه يزيد على مدة السموات والأرض.
وفي قوله ﴿ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ - أي عطاءً غير مقطوع - دليلٌ على أن تلك النعم غير مقطوعة ولا ممنوعة.

لا يريد أنَّه عليه السلام في شَكٍ، ولكنه أراد به تحقيق كونهم مُضَاهين لآبائهم، كما تقول : لا شكَّ أنَّ هذا نهارٌ.
ويقال الخطابُ له والمرادُ به لأُمَّتِه.
﴿ وَإنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ ﴾ : تجازيهم على الخبر بخير وعلى الشر بضُر.
اختلفوا في الكتاب الذي أوتي، وهو التوراة.
واختلفوا في كونه رسولاً، فمِنْ مُصَدِّقٍ ومِنْ مكذِّب.
ثم أخبر أنه - سبحانه - حَكَمَ بتأخير العقوبة، ولولا حكمته لعجَّل لهم العقوبة.
وفائدةُ الآية من هذا التعريفِ التخفيفِ على المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فيما كان يلقاه من قومه من التكذيب، ففي سماع قصة الأشكال - وبعضُهم من بعض- سلوة، ولقد قيل :
أجارتَنا إنَّا غريبان ها هنا وكلُّ غريبٍ للغريب نسيب
أعاد ذكر الجزاء على الأعمال بالثواب والعقاب، وكرَّر ذلك في القرآن في كثير من المواضع إبلاغاً في التحذير، وتنبيهاً على طريق الاعتبار بحسن التفكير.
ثم إن الجزاءً على الأعمال معجَّلٌ ومؤجَّل، وكلُّ مَنْ أعرض عن الغفلة وجَنَحَ إلى وصف التيقظ وَجَدَ في معاملاته - عاجلاً - الربحَ لا الخُسران، وآجلاً الزيادةَ لا النقصان، وما يجده المرءُ في نفسه أتمُّ مما يدركه بعلمه بشواهد برهانه.
يحتمل أن تكون السين في الاستقامة سين الطلب ؛ أي سَلْ من الله الإقامة لَكَ على الحقّ.
ويحتمل أن تكون الإقامة في الأمر بمعنى أقام عليه.
وحقيقة الاستقامة على الطاعة المداومة على القيام بحقِّها من غير إخلالٍ بها، فلا يكون في سلوك نهج الوِفاقِ انحرافٌ عنه.
ويقال المستقيمُ مَنْ لا ينصرف عن طريقه، يواصل سيره بمسراه، وورعه بتقواه ويتابع في ترك هواه.
ويقال استقامة النفوس في نفي الزَّلَّة، واستقامة القلوب في نفي الغفلة، واستقامة الأرواح بنفي العلاقة، واستقامة الأسرار بنفي الملاحظة.
استقامة العابدين ألا يدخروا نفوسَهم عن العبادة وألا يُخِلُّوا بأدائها، ويقضون عسيرَها ويسيرَها. واستقامة الزاهدين ألا يرجوا من دنياهم قليلها ولا كثيرها. واستقامة التائبين ألا يُلِمُّوا بعقوة زلة فَيَدَعْونَ صغيرَها وكبيرَها. . . وعلى هذا النحو استقامة كلِّ أحدٍ. قوله ﴿ وَمَن تَابَ مَعَكَ ﴾ : أي فَلْيَستَقِمْ أيضاً مَنْ معك.
لا تعملوا أعمالَهم، ولا ترضوا بأعمالِهم، ولا تمدحوهم على أعمالهم، ولا تتركوا الأمرَ بالمعروف لهم، ولا تأخذوا شيئاً من حرام أموالهم، ولا تساكنوهم بقلوبكم، ولا تخالطوهم، ولا تعاشروهم. . . كل هذا يحتمله الأمرُ، ويدخل تحت الخطاب.
أي اسْتَغْرِقْ جميعَ الأوقاتِ بالعبادات، فإنَّ إخلالَكِ لحظةً من الزمان بِفَرضٍ تؤديه، أو نَفْلِ تأتيه حَسْرَةٌ عظيمةٌ وخُسرَانٌ مبينٌ.
قوله ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ الْسَّيِئَاتِ ﴾ الحسنات ما يجود بها الحق، والسيئات ما يذنبها العبد، فإذا دخلت حسناتُه على قبائح العبد مَحَتْها وأَبْطَلَتْها.
ويقال حسناتُ القُربة تَذْهَبُ بسيئات الزَّلَّة.
ويقال حسناتُ الندم تَذْهَبُ بسيئات الجُرْم.
ويقال ( انسكاب ) العَبْرَةَ تُذْهِبَ سيئاتِ العَثْرَة.
ويقال حسنات الاستغفار تُذْهِبُ سيئات العصيان.
ويقال حسنات الاستغفار تُذْهِبُ سيئات الإصرار.
ويقال حسناتُ العناية تذهب سيئات الجناية.
ويقال حسنات العفو عن الإخوان تذْهِبُ الحقدَ عليهم.
ويقال حسنات الكَرَمَ تُذْهِب سيئات الخَدَم.
ويقال حسنُ الظنِّ يُذْهَبُ سوأتهم بكم.
ويقال حسنات الفضل من الله تُذْهِبُ سيئاتِ حسبان الطاعة من أنفسكم.
ويقال حسناتُ الصدق تَذْهَبُ بسيئات الإعجاب.
ويقال حسناتُ الإخلاص تَذْهَبُ بسيئات الرياء
الصبر تجرُّع كاساتِ التقدير من غير تعبيس.
ويقال الصبرُ حسْنُ الإقبال على معانقة الأمر ومفارقة الزجر.
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ المحسنُ : العاملُ الذي يعلم أَنَّ الأجرَ على الصبر والطاعة بفضله - سبحانه - لا باستحقاق عملٍ.
معناه لم يكن فيكم مِنْ هؤلاء الذين كانوا ينهون عن القبائح إلا قليل.
وقيل معناه لم يكن فيمن قبلكم من الأمم مَنْ يَنْهى عن الفساد، ويحفظ الدِّين، ويطيعون أنبياءَهم - إلا قليل.
أي لم يُهلِكْ اللَّهُ أحداً مصلحاً وإنما هلك مَنْ كان ظالماً.
ويقال معناه : لو أهلك الله أهلَ القرى وهم مصلحون لم يكن ذلك ظلماً من الله ؛ لأن المُلكَ مُلكُه، والخلْقَ عبيدُه.
ويقال :" المصلح " من قام بحقِّ ربِّه دون طلب حظِّه.
ويقال :" المصلح " من آثر نجاته على هلاكه.
ويقال مصلحٌ تُصلِحُ نَفْسَه طاعتُه، ومصلحٌ تصْلِحٌ قلبَه معرفةُ سَيِّدِه. ومصلح تُصْلِحُ سِرَّه مشاهدةُ سيِّدِه
لو شاء لَجَعلهم أربابَ الوفاق ثم لا يوجبون لمُلْكِه زَينْاً، ولو شاء لجعلهم أرباب الخلافِ ثم لا يوجِبُون لمُلْكِه شَيْنا.
ثم قال :﴿ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ لأنه كذلك أراد بهم.
﴿ إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ﴾ [ هود : ١١٩ ] في سباق حكمه فعصمهم عن الخلاف في حاصل أمورهم، وأقامهم به، ونصبهم له، وأثبتهم في الوفاق والمحبة والتوحيد.
قوله جلّ ذكره :﴿ وتمت كملةُ ربك لأملأن جهنم من الجِنَّةِ والناسِ أجمعين ﴾.
أي لا تبديل لقوله، ولا تحويل لحُكْمه.
سكَّنَ قلبه بما قصَّ عليه من أنباء المرسلين، وعرَّفه أنه لم يُرَقِّ أحداً إلى المحلِّ الذي رقّاه إليه، ولم يُنْعِمْ على أحد بمثل ما أنعم عليه.
ويقال قَصَّ عليه قِصَصَ الجميع، ولم يذكر قصَته لأحد تعريفاً له وتخصيصاً. ويقال لم يكن ثباتُ قلبه بما قصَّ عليه ولكن لاستقلال قلبه بِمَنْ كان يقص عليه، وفَرْقٌ بين من يقعل بما يسمع وبين مَنْ يَستقل بِمَنْ منه يسمع، وأنشدوا :
وَحَدَّثَتَنِي يا سَعْدُ عنها فَزدتَنِي حَنِيناً فَزِدْنِي مِنْ حديثِكَ يا سعدُ
إن الذين يجحدون التوحيد، ويؤثِرون على الحقِّ غيرَ الحق، ولم يُصَدِّقوا الوعيد، يوشِكُ أَنْ يَنْصَبّ عليهم الانتقامُ فيغرقون في بحار العقوبة، ويسقطون في وهاد الهوان، فلا لويلهم انتهاءٌ، ولا لِذُلِّهم انقضاءٌ.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢١:إن الذين يجحدون التوحيد، ويؤثِرون على الحقِّ غيرَ الحق، ولم يُصَدِّقوا الوعيد، يوشِكُ أَنْ يَنْصَبّ عليهم الانتقامُ فيغرقون في بحار العقوبة، ويسقطون في وهاد الهوان، فلا لويلهم انتهاءٌ، ولا لِذُلِّهم انقضاءٌ.
عمَّى عن قلوبهم العواقبَ، وأخفى دونهم السوابق، وألزمهم القيامَ بما كَلَّفهم في الحال، فقال :﴿ فَاعْبُدْهُ ﴾ فإنْ تقسَّمَ القلبُ وتَرَجَّمَ الظَنُّ وخيف سوءُ العاقبة. . فتوكَّلْ عليه أي اسْتَدْفِعْ البلاَءَ عنك بِحُسْنِ الظَّنِّ، وجميل الأمل، ودوام الرجاء.
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ : أحاط بكل شيءٍ عِلْماً، وأمضى في كل أمرٍ حُكْماً.
١ بياض في الأصل.
٢ أخرجه الترمذي في ( السنن ٣١٢٧ )، وأبو حنيفة في ( المسند ١/١٨٩ )، وأبو نعيم في ( حلية الأولياء ٤/٩٤، ٦/١١٨ )، والطبراني في ( المعجم الكبير ٨/١٢١ )، ( البغوي ١٤/٣١ )، وابن كثير في ( التفسير ١/٤٧٩، ٤/٤٢١ )، والزبيدي في ( إتحاف السادة المتقين ٦/٥٤٤، ٧/٢٥٩ )، وابن حجر في ( فتح الباري ١٢/٣٨٨ )، والمتقي الهندي في ( كنز العمال ٣٠٧٣٠ ) وابن حجر في ( لسان الميزان ٥/١١٥٤ )، وصاحب ( ميزان الاعتدال ٨٠٩٨ )، والشوكاني في ( الفوائد المجموعة ٢٤٣ )، وابن عراق في ( تنزيه الشريعة ٢/٣٠٥ )، والعجلوني في ( كشف الخفاء ١/٤٢ )، والسيوطي في ( الدر المنثور ٤/١٠٣ )، والعقيلي في ( الضعفاء ٤/١٢٩ ). ، و
٣ الخطة : الحال والأمر والخطبن والخطة : الأرض تنزل من غير أن ينزلها نازل قبل ذلك وقد خطها لنفسه خطا واختطها وهو أن يعلم عليها علامة بالخط ليعلم أنه قد احتازها ليبنيها دارا. ( لسان العرب ٧/٢٨٨-٢٩٠ ).
٤ بياض في الأصل.
٥ بياض في الأصل.
٦ أخرجه الألباني في ( السلسلة الصحيحة ١٧٣٣ ).
٧ الآية ( ٢١ ) لم ترد.
٨ انظر الرسالة القشيرية عن حديث القشيري عن السماع ص ٣٣٥.
٩ التنور : ضرب من الكوانين يخبر فيه، أعلاه أضيق من أسفله ( اللسان ٤/٩٥ ) المسجور : المملوء ( اللسان٤/٣٤٥ ).
١٠ السفرة : طعام يتخذه المسافر وأكثر ما يحمل في جلد مستدير فنقل اسم الطعام إليه وقيل : السفرة : التي يؤكل عليها سميت سفرة لأنها تبسط إذا أكل عليها. ( اللسان ٤/٣٦٨-٣٦٩ ).
١١ الجم الغفير : الجمع الكثير ( ج ) جمام وجموم.
١٢ الجم الغفير : الجمع الكثير جمام وجموم.
١٣ الجلباب : القميص أو الثوب المشتمل على الجسد كله.
١٤ الجحد : قلة الخير، والجحود : الإنكار مع العلم.
١٥ الكنود كند النعمة : جحدها ولم يشكرها.
١٦ الرهط : ما دون العشرة من الرجال، ورهط الرجل عشيرته وقبيلته والأقربون.
١٧ بياض في الأصل.
Icon