ﰡ
وقال مجاهد : المخبت : المطمئن إلى الله عز وجل.
قال : والخبت : المكان المطمئن من الأرض.
وقال الأخفش : الخاشعون. وقال إبراهيم النخعي : المصلون المخلصون.
وقال الكلبي : هم الرقيقة قلوبهم.
وقال عمرو بن أوس : هم الذين لا يظلمون، وإذا ظلموا لم ينتصروا.
وهذه الأقوال تدور على معنيين : التواضع، والسكون إلى الله عز وجل، ولذلك عدي «إلى » تضمينا لمعنى الطمأنينة والإنابة، والسكون إلى الله تعالى.
والفريق الآخر بصير القلب سميعه بصير العين وسميع الأذن.
وقد تضمنت الآية قياسين وتمثيلين للفريقين، ثم نفى التسوية عن الفريقين بقوله :﴿ هل يستويان مثلا ﴾.
قال الزجاج : المعنى : إن كنتم تزعمون أنهم إنما اتبعوني في بادئ الرأي وظاهره فليس على أن أطلع على ما في أنفسهم، فإذا رأيت من يوحد الله عملت على ظاهره ورددت علم ما في نفوسهم إلى الله، وهذا معنى حسن.
والذي يظهر من الآية : أن الله يعلم ما في أنفسهم إذ أهلهم لقبول دينه وتوحيده، وتصديق رسله، والله سبحانه وتعالى عليم حكيم، يضع العطاء في مواضعه وتكون هذه الآية مثل قوله تعالى :﴿ وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ﴾ [ الأنعام : ٥٣ ].
فإنهم أنكروا أن يكون الله سبحانه أهلهم للهدى، والحق، وحرمه رؤساء الكفار وأهل العزة منهم والثروة، كأنهم استدلوا بعطاء الدنيا على عطاء الآخرة، فأخبر الله سبحانه أنه أعلم بمن يؤهله لذلك، لسر عنده من معرفة قدر النعمة ورؤيتها من مجرد فضل المنعم ومحبته وشكره عليها، وليس كل أحد عنده هذا السر، فلا يؤهل كل أحد لهذا العطاء.
ولا حاجة إليهم، ولا بخلا عليهم، بل جودا وكرما وبرا ولطفا، ويثيبهم إحسانا وتفضلا ورحمة. لا لمعاوضة واستحقاق منهم ودين واجب لهم يستحقونه عليه ويعاقبهم عدلا وحكمة، لا تشفيا ولا مخافة ولا ظلما، كما يعاقب الملوك وغيرهم. بل هو على الصراط المستقيم وهو صراط العدل والإحسان. في أمره ونهيه، وثوابه وعقابه.
فتأمل ألفاظ هذه الآية وما جمعته من عموم القدرة، وكمال الملك، ومن تمام الحكمة والعدل والإحسان، وما تضمنته من الرد على الطائفتين، فإنها من كنوز القرآن. ولقد كفت وشفت لمن فتح عليه باب فهمها.
فكونه تعالى على صراط مستقيم : ينفي ظلمه للعباد. وتكليفه إياهم ما لا يطيقون. وينفى العيب عن أفعاله وشرعه، ويثبت لها غاية الحكمة والسداد، ردا على منكري ذلك، وكون كل دابة تحت قبضته وقدرته، وهو آخذ بناصيتها.
ينبغي أن لا يقع في ملكه من أحد مخلوقاته شيء بغير مشيئته وقدرته.
وأن من ناصيته بيد الله وفي قبضته لا يمكنه أن يتحرك إلا بتحريكه، ولا يفعل إلا بإقداره، ولا يشاء إلا بمشيئته تعالى، وهذا أبلغ رد على منكري ذلك من القدرية فالطائفتان ما وفوا الآية معناها، ولا قدروها حق قدرها.
فهو سبحانه على صراط مستقيم في عطائه ومنعه، وهدايته، وإضلاله، وفي نفعه وضره، وعافيته، وبلائه، وإغنائه، وإفقاره، وإعزازه، وإذلاله، وإنعامه وانتقامه، وثوابه وعقابه، وإحيائه وإماتته، وأمره ونهيه، وتحليله وتحريمه، وفي كل ما يخلق، وكل ما يأمر به، وهذه المعرفة بالله لا تكون إلا للأنبياء ولورثتهم.