تفسير سورة هود

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة هود من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
١١سورة هود مكية وآياتها ١٢٣
وسورة هود لها شبه كبير بسورة يونس قبلها، وتستغرق أخبار الأنبياء السابقين وقصصهم مع أقوامهم أكبر قسم من هذه السورة، فبالإضافة إلى قصة هود مع قومه تتناول سورة هود جوانب جديدة من قصص نوح وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى. و " سورة هود " أطلق عليها هذا الاسم، أخذا من الآيات الكريمة التي وردت أثناءها في الحديث عن هود عليه السلام وقومه عاد، كقوله تعالى :﴿ وإلى عاد أخاهم هودا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾ |الآية : ٥٠|. وقوله تعالى :﴿ قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين ﴾ |الآية : ٥٣|، وقوله تعالى :﴿ ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ ﴾ |الآية : ٥٨|. وقوله تعالى :﴿ ألا بعدا لعاد قوم هود ﴾ |الآية : ٦٠|.
وفي هذه السورة الكريمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( شيبتني هود وأخواتها ) جوابا لأبي بكر الصديق عندما قال له :( يا رسول الله قد شبت ) كما روى ذلك الترمذي في سننه، وأخواتها هي : سورة الواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت، كما ورد في رواية أخرى عند الترمذي.
في نهاية الربع الماضي ختمنا بعون الله وتوفيقه سورة يونس المكية، التي تليها في ترتيب المصحف الكريم سورة هود المكية أيضا.
ومما ينبغي التنبيه إليه في هذا المقام أن كتاب الله لا يتناول الموضوع الواحد، ولاسيما قصص الأنبياء، عدة مرات لمجرد التكرار، بل إن عودته ما بين الحين والحين إلى تناول تلك القصص تتضمن عرض جانب جديد من جوانبها لم يسبق عرضه من قبل، مما يتناسب مع السياق والموضوع الجديد الذي وردت فيه القصة.
قال أبو القاسم بن جزي صاحب " القوانين الفقهية " في كتابه ﴿ التسهيل لعلوم التنزيل ﴾ : " فإن قيل ما الحكمة في تكرار قصص الأنبياء في القرآن، فالجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : أنه ربما ذكر في سورة من أخبار الأنبياء ما لم يذكره في سورة أخرى، ففي كل واحدة منهما فائدة زائدة على الأخرى.
الثاني : أنه ذكرت أخبار الأنبياء في مواضع على طريقة الإطناب، وفي مواضع على طريقة الإيجاز، لتظهر فصاحة القرآن في الطريقتين.
الثالث : أن أخبار الأنبياء قصد بذكرها مقاصد، فتعدد ذكرها بتعدد تلك المقاصد، فلما كانت أخبار الأنبياء تفيد فوائد كثيرة ذكرت في مواضع كثيرة، " ولكل مقام مقال " انتهى.

وفي مطلع سورة هود يبتدئ الحديث بالتنويه بكتاب الله، وما تتضمنه آياته من حكمة وإحكام، ﴿ ألر، كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ﴾، كما اختتم الحديث في سورة يونس قبلها بوجوب إتباع كتاب الله، والثبات على تبليغه، والصبر على تحمل تبعاته ﴿ واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ﴾.
وبين الله الاختصاص الأساسي والجوهري لمنصب الرسالة، وأنه ينحصر في النذارة والبشارة ﴿ إنني لكم منه نذير وبشير ﴾.
ودعا المؤمنين إذا أرادوا أن يمتعهم الله متاعا حسنا بالنعم والأرزاق والخيرات، وأن يحييهم حياة طيبة، إلى استغفار ربهم، والتوبة إلى الله من ذنوبهم، بالندم عليها ندما صادقا، والإقلاع عنها إقلاعا تاما، حتى يفتح الله في وجوههم طريق العمل الصالح، ويعينهم على سلوكه بنجاح في جميع مجالات الحياة، وذلك قوله تعالى :﴿ وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ﴾.
ونبه كتاب الله إلى أن من زاد في الإحسان، زيد له في الثواب بقدر ما زاد من الحسنات والأعمال الصالحة، فقال تعالى :﴿ ويؤت كل ذي فضل فضله ﴾ وكما يصدق هذا على الثواب في الآخرة يصدق على الجزاء في الدنيا.
وأنذر كتاب الله على لسان رسوله كافة المخالفين، والعصاة المتعنتين، فالتفت إلى خطابهم قائلا :﴿ وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير، إلى الله مرجعكم، وهو على كل شيء قدير ﴾.
وأكد كتاب الله أن كل محاولة يحاولها الإنسان للاستخفاء والتستر عن الله، بالنسبة إلى أي عمل من الأعمال، ولاسيما عمل السيئات والفواحش، إنما هي محاولة فاشلة، لأن علم الله يستوعب السر والعلن، وعين الله تراقب ما ظهر وما بطن، فلا ثني الصدور، ولا ستار الأغطية، ولا أي وضع من الأوضاع التي يختفي بها الناس لها أدنى فائدة بالنسبة لعالم الغيب والشهادة، اللطيف الخبير
﴿ ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه، ألا حين يستغشون ثيابهم ﴾ أي يجعلونها أغشية وأغطية ﴿ يعلم ما يسرون وما يعلنون ﴾.
وتعهد كتاب الله بأنه ما من كائن حي يتوالد في الأرض، صغر شأنه أو كبر، إلا وقد تكفل الله برزقه، فهيأ له إما في البر وإما في البحر ما يقتات به من المنتوجات والثمرات على اختلاف الأجناس والأنواع والأصناف، مما هو صالح ومناسب لحياة كل نوع من أنواع الأحياء، حشرة كان أو حيوانا أو إنسانا، وما على المسترزق إلا أن يبحث عن رزقه، ويسلك الطريق المؤدي إلى العثور عليه، وذلك قوله تعالى :﴿ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ﴾. قال أبو القاسم بن جزي : " فان قيل كيف قال –على الله- بلفظ الوجوب وإنما هو تفضل، لأن الله لا يجب عليه شيء ؟ فالجواب ؟ أنه ذكره كذلك تأكيدا في الضمان، لأنه لما وعد به صار واقعا لا محالة، إذ أنه لا يخلف الميعاد ". ولا يقولن أحد : إن الله قد تكفل برزقي فلأترك تناول الأسباب، ولأنتظر من يطرق الباب، فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة كما قال عمر بن الخطاب.
وقوله تعالى هنا :﴿ ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين ﴾ إشارة إلى أن علم الله محيط بكل شيء، وأنه يعلم على العموم والخصوص، وعلى الجملة والتفصيل، في أي أرض تعيش الأحياء وفي أي أرض تموت، زرافات ووحدانا، وبأوسع من هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ﴾ |الأنعام : ٥٩|.
والمراد " بالكتاب المبين " في هاتين الآيتين هو نفس المراد بالكتاب في قوله تعالى :﴿ وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم، ما فرطنا في الكتاب من شيء، ثم إلى ربهم يحشرون ﴾ |الأنعام : ٣٨| أي كتاب خاص محفوظ عند الله، فيه بيان مفصل عن شؤون الخليقة من بدايتها إلى نهايتها.
وقوله تعالى هنا :﴿ ليبلوكم أيكم أحسن عملا ﴾ المتعلق من جهة الإعراب بفعل -خلق- الوارد في قوله تعالى قبله ﴿ وهو الذي خلق السماوات والأرض ﴾ تنبيه من الله إلى أن الحكمة في التفضل بخلقهم والتكفل برزقهم إنما هي اختبار أحوالهم، وإبراز آثارهم، والكشف عن اختياراتهم، لتقوم الحجة عليهم، فالدنيا إنما خلقها الله لتكون حلبة سباق وتنافس بين الناس في العمل الصالح، الذي ينشأ عنه صلاح البشرية وسعادتها، على غرار قوله تعالى في آية أخرى :﴿ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ﴾ |الملك : ٢|.
و " العمل الأحسن " المعبر به في هاتين الآيتين هو نفس المعنى المراد من " العبادة " التي ورد ذكرها في قوله تعالى :﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ |الذاريات : ٥٦|. فكل عمل صالح هو عبادة لله وامتثال لأمره، من جهة، وكل عبادة هي في حد ذاتها عمل صالح، من جهة أخرى، والقرآن يفسر بعضه بعضا.
الربع الأول من الحزب الثالث والعشرين
في المصحف الكريم
وقوله تعالى في هذا الربع :﴿ ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ﴾. المراد بالأمة هنا الأمد والأجل، أي إن أخرنا عنهم العذاب إلى وقت محدود تساءلوا ما الذي يحبس ذلك العذاب، وبنفس المعنى استعمل لفظ " أمة " في قوله تعالى :﴿ وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة ﴾ |يوسف : ٤٥| أي استذكر بعد مدة.
ولإتمام الفائدة في هذا المقام ينبغي التنبيه إلى أن لفظ ﴿ أمة ﴾ في كتاب الله يستعمل أيضا بمعنى " الإمام المقتدى به " كما في قوله تعالى :﴿ إن إبراهيم كان أمة ﴾ |النحل : ١٢٠|، وبمعنى " الفرقة والطائفة " كما في قوله تعالى :﴿ من أهل الكتاب أمة قائمة ﴾ |آل عمران : ١١٣| وبمعنى " الجماعة " كما في قوله تعالى :﴿ ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ﴾ |القصص : ٢٣|، وبمعنى " الملة " كما في قوله تعالى :﴿ إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ﴾ |الزخرف : ٢٣|، وبمعنى " أمة الإجابة المصدقة للرسالة " كما في قوله تعالى :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾ |آل عمران : ١١٠| وبمعنى " أمة الدعوة " الشاملة لكل من بعث إليه الرسول ممن آمنوا أو بقوا على الكفر، كما في قوله تعالى :﴿ ولكل أمة رسول، فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ﴾ |يونس : ٤٧|.
وتناول كتاب الله بالوصف والتحليل نفسية الأشخاص القلقين، من ضعفاء الإيمان وضعفاء النفس، في حالتي الشدة والرخاء، مبينا أن هذا الرهط من الناس إذا أصابته شدة بعد الرخاء لا يلبث أن تنهار أعصابه، ويبلغ به اليأس والقنوط من رحمة الله إلى أقصى حد، حتى كأنه لم ينل في سابق حياته من ربه أي عطاء أو إحسان، فهو عاجز كل العجز عن تحمل الصدمات، ضعيف كل الضعف عن مواجهة الأزمات، وكلما طال به أمد الشدة تضاءل أمام نفسه وأمام الناس، فيصبح قزما بعدما كان عملاقا، ويعود حماما وديعا بعدما كان سبعا ضاريا، كما أنه إذا أصابه رخاء بعد الشدة عاجله البطر بالنعمة، وأصابه نوع من الإغماء والذهول من شدة الفرح الزائد عن الحد المعتاد، فلم يعد يضبط نفسه ولا عواطفه، واعتقد أن الرخاء الذي نزل بساحته سوف لا يفارقه إلى الأبد، فأمن مكر الله، ونسي نعمة الله، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا في إيجاز وإعجاز :﴿ ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور، ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني، إنه لفرح فخور ﴾أي شديد الفرح بنفسه، كثير الفخر والتطاول على غيره.
وقوله تعالى في نفس السياق :﴿ إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات ﴾ المراد به استثناء الصنف المؤمن بالله المتمسك بالإيمان والصبر، من هذا الحكم العام، وهو استثناء متصل، من جنس الإنسان، ذلك أن إيمان المؤمن بقضاء الله، وصبره على ضيق الشدة، وعلى سعة الرخاء –وكلاهما يحتاج إلى صبر- كلها أدوية فعالة تجعل المؤمن الصابر في حصانة ومناعة، من أن يصبح في وقت الشدة يؤوسا كفورا، وفي وقت الرخاء فرحا فخورا. وبذلك استحق هذا الصنف المؤمن رضا الله وثوابه الجزيل، فقال تعالى في شأنه :﴿ أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ﴾.
ونبه الحق سبحانه وتعالى إلى أنه إذا اختار فريق من الناس –عن عمد وإصرار- مجرد العمل لدنياهم وحدها، وأعدوا العدة المناسبة لاجتياز مرحلة حياتهم المادية الصرفة، دون أن يهتموا بالعمل لآخرتهم كما يعملون لدنياهم، فإن الله تعالى يستدرجهم ويمهلهم في الدنيا، لكنه يلغي كل ما عملوه في الدنيا عند حسابهم في الآخرة، وذلك قوله تعالى هنا :
﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ﴾ أي في الدنيا ﴿ وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار، وحبط ما صنعوا فيها ﴾، والضمير هنا يعود على الآخرة، ﴿ وباطل ما كانوا يعملون ﴾ أي في الدنيا.
قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ : " هذه الآية عامة في كل من ينوي غير الله بعمله، كان معه أصل الإيمان أو لم يكن. وفي الحديث القدسي :( إني لا أقبل عملا أشرك فيه مع غيري، أنا أغنى الأغنياء عن الشرك ).
وبنفس المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها، وما له في الآخرة من نصيب ﴾ |الشورى : ٢٠| وقوله تعالى في آية ثالثة :﴿ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد، ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ﴾ |الإسراء : ١٨|.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:ونبه الحق سبحانه وتعالى إلى أنه إذا اختار فريق من الناس –عن عمد وإصرار- مجرد العمل لدنياهم وحدها، وأعدوا العدة المناسبة لاجتياز مرحلة حياتهم المادية الصرفة، دون أن يهتموا بالعمل لآخرتهم كما يعملون لدنياهم، فإن الله تعالى يستدرجهم ويمهلهم في الدنيا، لكنه يلغي كل ما عملوه في الدنيا عند حسابهم في الآخرة، وذلك قوله تعالى هنا :
﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ﴾ أي في الدنيا ﴿ وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار، وحبط ما صنعوا فيها ﴾، والضمير هنا يعود على الآخرة، ﴿ وباطل ما كانوا يعملون ﴾ أي في الدنيا.
قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ :" هذه الآية عامة في كل من ينوي غير الله بعمله، كان معه أصل الإيمان أو لم يكن. وفي الحديث القدسي :( إني لا أقبل عملا أشرك فيه مع غيري، أنا أغنى الأغنياء عن الشرك ).
وبنفس المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها، وما له في الآخرة من نصيب ﴾ |الشورى : ٢٠| وقوله تعالى في آية ثالثة :﴿ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد، ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ﴾ |الإسراء : ١٨|.

ولا يستغربن المؤمن ما قد يرى عليه بعض الدول والأفراد، رغما عن ماديتهم وكفرهم، من القوة المادية والرفاهية الظاهرة في العيش، بعدما كشف الله في كتابه عن هذه الحقيقة الحجاب، ورفع عنها النقاب، فذلك كله مندرج تحت هذا الباب :﴿ ألا لعنة الله على الظالمين، الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون، أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض ﴾﴿ لا جرم ﴾ أي لا بد ﴿ أنهم في الآخرة هم الأخسرون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨:ولا يستغربن المؤمن ما قد يرى عليه بعض الدول والأفراد، رغما عن ماديتهم وكفرهم، من القوة المادية والرفاهية الظاهرة في العيش، بعدما كشف الله في كتابه عن هذه الحقيقة الحجاب، ورفع عنها النقاب، فذلك كله مندرج تحت هذا الباب :﴿ ألا لعنة الله على الظالمين، الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون، أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض ﴾﴿ لا جرم ﴾ أي لا بد ﴿ أنهم في الآخرة هم الأخسرون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨:ولا يستغربن المؤمن ما قد يرى عليه بعض الدول والأفراد، رغما عن ماديتهم وكفرهم، من القوة المادية والرفاهية الظاهرة في العيش، بعدما كشف الله في كتابه عن هذه الحقيقة الحجاب، ورفع عنها النقاب، فذلك كله مندرج تحت هذا الباب :﴿ ألا لعنة الله على الظالمين، الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون، أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض ﴾﴿ لا جرم ﴾ أي لا بد ﴿ أنهم في الآخرة هم الأخسرون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨:ولا يستغربن المؤمن ما قد يرى عليه بعض الدول والأفراد، رغما عن ماديتهم وكفرهم، من القوة المادية والرفاهية الظاهرة في العيش، بعدما كشف الله في كتابه عن هذه الحقيقة الحجاب، ورفع عنها النقاب، فذلك كله مندرج تحت هذا الباب :﴿ ألا لعنة الله على الظالمين، الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون، أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض ﴾﴿ لا جرم ﴾ أي لا بد ﴿ أنهم في الآخرة هم الأخسرون ﴾.
وعلى العكس من ذلك المؤمنون الذين عملوا لدنياهم كما عملوا لآخرتهم، فأعطوا للمادة حظها، وللروح حقها، ونفخوا في أعمالهم روح النية الصالحة فكانت أعمالهم لوجه الله ﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم ﴾ أي وهم خاشعون ﴿ أولئك أصحاب الجنة، هم فيها خالدون ﴾.
الربع الثاني من الحزب الثالث والعشرين
في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع، ضرب كتاب الله المثل لفريق الذين كفروا وعملوا السيئات، ولفريق الذين آمنوا وعملوا الصالحات. فأما الفريق الأول فهو كالأعمى بالنسبة للبصير، وكالأصم بالنسبة للسميع، وذلك لأنه لا ينتفع ببصره وسمعه الانتفاع المطلوب، فكأنه فاقد لهما بالمرة، إذ يسمع كلام الله ولا يتأثر به، ويرى صنع الله ولا يتأمل فيه.
وأما الفريق الثاني فهو سميع بصير، لأنه ينتفع بحاستي السمع والبصر انتفاعا تاما، ويستعملهما استعمالا لائقا، السمع : في سماع الدعوة إلى الحق، والبصر : في مشاهدة بدائع الخلق، وذلك قوله تعالى :﴿ مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع، هل يستويان مثلا، أفلا تذكرون ﴾.
ويحكي كتاب الله قصة نوح عليه السلام مع قومه، وأنه لم يتهاون في إنذارهم، وبيان الحق والحقيقة لهم، فدعاهم إلى الإيمان بالله وعبادته دون غيره، وإلى الإيمان باليوم الآخر وما فيه من حساب وعذاب، وذلك قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه، إني لكم نذير مبين، أن لا تعبدوا إلا الله، إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:ويحكي كتاب الله قصة نوح عليه السلام مع قومه، وأنه لم يتهاون في إنذارهم، وبيان الحق والحقيقة لهم، فدعاهم إلى الإيمان بالله وعبادته دون غيره، وإلى الإيمان باليوم الآخر وما فيه من حساب وعذاب، وذلك قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه، إني لكم نذير مبين، أن لا تعبدوا إلا الله، إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ﴾.
وسجل كتاب الله أجوبة كبار قوم نوح المتعنتين المتكبرين، وهذه الأجوبة تتلخص في أنه لا شيء يبرر في نظرهم أن يكون نوح بالخصوص رسولا إليهم من عند الله، فهو في نظرهم بشر مثلهم، لا يمتاز عنهم بأي شيء، وإلا فيجب أن يكونوا جميعا رسلا مثله بحكم " قياس الشبه "، أو يجب أن يكون الرسول ملكا لا بشرا. ثم إن الذين اتبعوه في نظرهم لا قيمة لهم في المجتمع، فهم ليسوا من طبقة الملأ وكبار القوم، بل هم من ضعفاء الناس.
يضاف إلى ذلك أن هؤلاء الضعفاء الذين اتبعوه لم تكن عندهم –فيما زعم كبار قوم نوح- قدرة على التروي والبحث في الدعوة التي دعاهم نوح إليها، بل أقبلوا عليها دون بحث ولا تحقيق، واتبعوها بمجرد سماعها دون تأمل ولا تمحيص، وإذن فهم مخدوعون مغرورون. وهذه المعاني التي تضمنتها أجوبة كبار قوم نوح هي التي يشير إليها قوله تعالى هنا :﴿ فقال الملأ الذين كفروا من قومه، ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا، بادي الرأي ﴾ أي واتبعوك دون بحث ولا نظر، بل لأول وهلة ﴿ وما نرى لكم علينا من فضل ﴾ أي لا ميزة تميزكم علينا بسبب الدين الذي اعتنقتموه، فأنتم لا زلتم كما كنتم لا تفضلوننا بشيء ﴿ بل نظنكم كاذبين ﴾ أي نعتقدكم كاذبين، والظن هنا بمعنى اليقين.
وحكى كتاب الله ما رد به نوح على قومه، وأنه إذا عميت عليهم حجة الله التي آتاه الله إياها، ولم يقدروا رحمة الله التي أرسله بها، فانه لا يستطيع إكراههم عليها وإلزامهم بإتباعها، إذ المبدأ العام الذي ألزم الله بإتباعه جميع الأنبياء والمرسلين، هو أنه ﴿ لا إكراه في الدين ﴾ وذلك ما يصرح به قوله تعالى هنا حكاية عن نوح مجيبا لقومه :﴿ قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ﴾ ؟.
وواصل كتاب الله حكاية قصة نوح، فذكر ما رد به على استهزاء كبار قومه، الذين استهزأوا بأتباعه، وعيروهم بضعف الحال وقلة ذات اليد. وما دام الأمر في شأن الدعوة ليس أمر قوي وضعيف، وغني وفقير، وشريف ومشروف، وإنما هو أمر عقيدة واقتناع وإيمان، فإن من عرف الحق وتجلى له واضحا أقبل عليه واعتنقه، ومن عمي عنه أو تعامى استمر على الباطل والضلال –وهذا هو عين ما وقع لضعفاء قوم نوح، حيث رأوا دعوته جلية واضحة كفلق الصبح، فأسرعوا إلى الإيمان به وأصبحوا من جلسائه وصحبه – فلن يحتقرهم نوح كما يريد كبار قومه أن يكون، إذ هم أهل للتوقير لا للتحقير، ولن يطردهم نوح من مجلسه كما لوح إلى ذلك كبار قومه المتكبرون، إذ هم أهل للتقريب لا للإبعاد، بعدما آمنوا برب العباد، وعقب نوح على ادعاءات كبار قومه السخيفة بما يدمغهم " بالجهل " المنافي للعلم والمعرفة، و " بالجهالة " المنافية للمروءة وحسن الأدب، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام :﴿ وما أنا بطارد الذين آمنوا، إنهم ملاقوا ربهم، ولكني أراكم قوما تجهلون، ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم، أفلا تذكرون ﴾
وفي هذا السياق نبه كتاب الله إلى أن نوحا حاول بكل الوسائل أن يزيل من أذهان كبار قومه ما تخيلوه، من أن غرضه من الدعوة التي يقوم بها غرض مادي صرف، وذلك ما حكاه عنه كتاب الله إذ قال لقومه :﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا، إن أجري إلا على الله ﴾.
والملاحظ أن مثل هذه المقولة تتكرر في قصة كل نبي أو رسول، إما لأن أعداء الرسل يظنون أن في إمكانهم شراء كل الضمائر بثمن بخس، حتى يتنازل الرسل عن دعواتهم، وينصرفوا لحال سبيلهم، وإما لأن أعداء الرسل ينظرون إلى ما يكون عليه الرسل غالبا من الفقر والخصاصة والزهد، فيظنون بهم الظنون، ويخيل إليهم أنهم طلاب مال وغنى، وعشاق رفاهية ونفوذ، ولذلك يضطر الأنبياء والرسل إلى الرد على المترفين من قومهم بمثل هذا الرد القاطع الصريح، حفظا للدعوة من تسرب الأعداء إليها، وقطعا لكل أمل في قطع الطريق عليها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وواصل كتاب الله حكاية قصة نوح، فذكر ما رد به على استهزاء كبار قومه، الذين استهزأوا بأتباعه، وعيروهم بضعف الحال وقلة ذات اليد. وما دام الأمر في شأن الدعوة ليس أمر قوي وضعيف، وغني وفقير، وشريف ومشروف، وإنما هو أمر عقيدة واقتناع وإيمان، فإن من عرف الحق وتجلى له واضحا أقبل عليه واعتنقه، ومن عمي عنه أو تعامى استمر على الباطل والضلال –وهذا هو عين ما وقع لضعفاء قوم نوح، حيث رأوا دعوته جلية واضحة كفلق الصبح، فأسرعوا إلى الإيمان به وأصبحوا من جلسائه وصحبه – فلن يحتقرهم نوح كما يريد كبار قومه أن يكون، إذ هم أهل للتوقير لا للتحقير، ولن يطردهم نوح من مجلسه كما لوح إلى ذلك كبار قومه المتكبرون، إذ هم أهل للتقريب لا للإبعاد، بعدما آمنوا برب العباد، وعقب نوح على ادعاءات كبار قومه السخيفة بما يدمغهم " بالجهل " المنافي للعلم والمعرفة، و " بالجهالة " المنافية للمروءة وحسن الأدب، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام :﴿ وما أنا بطارد الذين آمنوا، إنهم ملاقوا ربهم، ولكني أراكم قوما تجهلون، ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم، أفلا تذكرون ﴾
وفي هذا السياق نبه كتاب الله إلى أن نوحا حاول بكل الوسائل أن يزيل من أذهان كبار قومه ما تخيلوه، من أن غرضه من الدعوة التي يقوم بها غرض مادي صرف، وذلك ما حكاه عنه كتاب الله إذ قال لقومه :﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا، إن أجري إلا على الله ﴾.
والملاحظ أن مثل هذه المقولة تتكرر في قصة كل نبي أو رسول، إما لأن أعداء الرسل يظنون أن في إمكانهم شراء كل الضمائر بثمن بخس، حتى يتنازل الرسل عن دعواتهم، وينصرفوا لحال سبيلهم، وإما لأن أعداء الرسل ينظرون إلى ما يكون عليه الرسل غالبا من الفقر والخصاصة والزهد، فيظنون بهم الظنون، ويخيل إليهم أنهم طلاب مال وغنى، وعشاق رفاهية ونفوذ، ولذلك يضطر الأنبياء والرسل إلى الرد على المترفين من قومهم بمثل هذا الرد القاطع الصريح، حفظا للدعوة من تسرب الأعداء إليها، وقطعا لكل أمل في قطع الطريق عليها.

﴿ ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا، الله أعلم بما في أنفسهم، إني إذا ﴾ أي لو طردتهم واحتقرتهم ﴿ لمن الظالمين ﴾.
ومما رد به نوح على كبار قومه حيث اعتبروه غير أهل للرسالة، لكونه بشرا مثلهم، أنه برغم بشريته مرسل إليهم من عند الله، فهو ﴿ بشر رسول ﴾، لأن الرسالة لا تتنافى مع البشرية مطلقا، بل هي تشريف لها، وتكريم للمنتمين إليها، وهي أعلى درجة يمنحها الله للبشر. ونفى لهم نفيا قاطعا أن يكون ملكا، أو أن يشارك الله في علم الغيب، فعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، كما نفى نفيا باتا أن يتصرف في ملك الله وخزائنه الواسعة تصرفا خاصا، لا من قريب ولا من بعيد، لأن المتصرف في خزائن الكون هو الله وحده لا شريك له، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام :﴿ ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ﴾. وبهذه الردود الصريحة الواضحة اتضحت طبيعة الرسالة على حقيقتها منذ أقدم العهود، واتضحت خصائصها دون مبالغة ولا غلو ولا إغراق في الخيال، وإذا كان الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يتبرأون من علم الغيب، ومن التصرف في الكون، ويفردون الله بهما دون سواه، فأولى بغيرهم من بقية الناس أن لا يدعوا ذلك لأنفسهم، وأن لا يدعى لهم.
ولما ضاق كبار قوم نوح ذرعا بدعوة نوح، ورده المفحم، وجداله القوي، أخذوا يتحدونه ويطالبونه بتعجيل ما أنذرهم به من عذاب الله، كدليل محسوس على صدقه في دعوته إن كان صادقا، فأجابهم بأن أمر ذلك موكول إلى الله يأتي به إن شاء ومتى شاء، مبينا لهم في نفس الوقت أنهم ما داموا قد أقفلوا جميع منافذ النور الإلهي إلى قلوبهم لم تبق فائدة في نصحهم، ولا أمل في إيمانهم، وذلك قوله تعالى حكاية عن كبار قوم نوح :﴿ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين، ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ﴾ أي إن لم تنتفعوا بما وهبكم الله من وسائل الفهم وطرق الهداية :﴿ هو ربكم، وإليه ترجعون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٢:ولما ضاق كبار قوم نوح ذرعا بدعوة نوح، ورده المفحم، وجداله القوي، أخذوا يتحدونه ويطالبونه بتعجيل ما أنذرهم به من عذاب الله، كدليل محسوس على صدقه في دعوته إن كان صادقا، فأجابهم بأن أمر ذلك موكول إلى الله يأتي به إن شاء ومتى شاء، مبينا لهم في نفس الوقت أنهم ما داموا قد أقفلوا جميع منافذ النور الإلهي إلى قلوبهم لم تبق فائدة في نصحهم، ولا أمل في إيمانهم، وذلك قوله تعالى حكاية عن كبار قوم نوح :﴿ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين، ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ﴾ أي إن لم تنتفعوا بما وهبكم الله من وسائل الفهم وطرق الهداية :﴿ هو ربكم، وإليه ترجعون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٢:ولما ضاق كبار قوم نوح ذرعا بدعوة نوح، ورده المفحم، وجداله القوي، أخذوا يتحدونه ويطالبونه بتعجيل ما أنذرهم به من عذاب الله، كدليل محسوس على صدقه في دعوته إن كان صادقا، فأجابهم بأن أمر ذلك موكول إلى الله يأتي به إن شاء ومتى شاء، مبينا لهم في نفس الوقت أنهم ما داموا قد أقفلوا جميع منافذ النور الإلهي إلى قلوبهم لم تبق فائدة في نصحهم، ولا أمل في إيمانهم، وذلك قوله تعالى حكاية عن كبار قوم نوح :﴿ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين، ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ﴾ أي إن لم تنتفعوا بما وهبكم الله من وسائل الفهم وطرق الهداية :﴿ هو ربكم، وإليه ترجعون ﴾.
وتحدث كتاب الله عن المرحلة الأخيرة من حياة نوح مع قومه، وأن الله أوحى إليه أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، فلا أمل في إيمان الباقين، وأنه سيعذب كفار قومه بالغرق، ويسلط عليهم الطوفان، وأن عليه أن يصنع سفينة ينجو فيها بنفسه وأهله، وبمن آمن معه، وكان عددهم قليلا. وأمر الله نوحا أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين ذكرا وأنثى، وتقول الأخبار : إنه حمل في سفينته نماذج من الحيوانات والحشرات والنباتات، وظن نوح أن ابنه داخل في عداد أهله، فنزل عليه الوحي باستثنائه منهم لكفره، إذ بقي مصرا على دين قومه، مثل أمه، فلم ينفع امرأة نوح كون الرسول زوجا لها، ولم ينفع ابن نوح كونه ابنا للرسول، إذ ﴿ كل امرئ بما كسب رهين ﴾ |الطور : ٢١|، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد –آمن، فلا تبتئس بما كانوا يفعلون، واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ﴾ أي بمرأى منا وبإرشادنا ﴿ ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٦:وتحدث كتاب الله عن المرحلة الأخيرة من حياة نوح مع قومه، وأن الله أوحى إليه أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، فلا أمل في إيمان الباقين، وأنه سيعذب كفار قومه بالغرق، ويسلط عليهم الطوفان، وأن عليه أن يصنع سفينة ينجو فيها بنفسه وأهله، وبمن آمن معه، وكان عددهم قليلا. وأمر الله نوحا أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين ذكرا وأنثى، وتقول الأخبار : إنه حمل في سفينته نماذج من الحيوانات والحشرات والنباتات، وظن نوح أن ابنه داخل في عداد أهله، فنزل عليه الوحي باستثنائه منهم لكفره، إذ بقي مصرا على دين قومه، مثل أمه، فلم ينفع امرأة نوح كون الرسول زوجا لها، ولم ينفع ابن نوح كونه ابنا للرسول، إذ ﴿ كل امرئ بما كسب رهين ﴾ |الطور : ٢١|، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد –آمن، فلا تبتئس بما كانوا يفعلون، واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ﴾ أي بمرأى منا وبإرشادنا ﴿ ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ﴾
﴿ حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ﴾ أي فتحت أبواب السماء بالأمطار الطوفانية، وفجرت طبقات الأرض بالعيون الجارية، كما فسر ذلك قوله تعالى في آية أخرى :﴿ ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر، وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر ﴾ |القمر : ١١، ١٢| والاستثناء هنا لابنه وامرأته اللذين عاقبهما الله بالغرق، جزاء إصرارهما على الكفر ﴿ ومن –آمن ﴾ أي احمل معك من آمن من قومك، ثم عقب كتاب الله على ذلك فقال :﴿ وما آمن معه إلا قليل ﴾ مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى عن أصحاب الميمنة ﴿ ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ﴾ |الواقعة : ١٣، ١٤|.
الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرين
في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع يواصل كتاب الله الحديث عن المرحلة الأخيرة من قصة نوح عليه السلام. ويحكي لنا أن نوحا عندما أراد أن يركب السفينة التي صنعها بوحي من ربه لم ينس ما عليه من واجب الشكر لله، والتوكل على الله، فأمر المتأهبين للركوب معه عند ركوبهم " سفينة النجاة " أن يذكروا عند ركوبهم اسم الله عليها، وأن يحصنوها باسمه الأقدس من كل سوء ينزل بها، حتى يتم جري سفينة نوح ورسوها في أحسن الأحوال، ولا ينالها أي أذى من الأمواج المتلاطمة والشامخة كالجبال، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها، إن ربي لغفور رحيم، وهي تجري بهم في موج كالجبال ﴾.
قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ : " قال علماؤنا : إنما سأل نوح ربه، لأجل قول الله : احمل فيها من كل زوجين –إلى- وأهلك. وترك نوح قوله –إلا من سبق عليه القول- لأنه رآه استثناء عائدا إلى قوله :﴿ من كل زوجين اثنين ﴾، وحمله الرجاء على ذلك، فأعلمه الله أن الاستثناء عائد إلى الكل، وأنه قد سبق القول على بعض أهله، كما سبق على بعض من الزوجين ﴿ أي من كل زوجين اثنين ﴾ وأن الذي سبق عليه القول من أهله ﴿ أي علاوة على امرأته ﴾ هو ابنه، تسلية للخلق في فساد أبنائهم وإن كان آباؤهم صالحين ".
وقال ابن العربي : " قوله تعالى :﴿ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ﴾ نص في ذكر الله في كل حال وعلى كل أمر، وقد روي الدارقطني وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر ). وقال ابن كثير : " ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور، وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه ".
أما الدعاء الذي دعا به نوح عليه السلام، عندما استوى على السفينة، بتلقين من ربه، فقد نص عليه كتاب الله في آية أخرى إذ يقول مخاطبا لنبيه نوح :﴿ فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين، وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ﴾ |المؤمنون : ٢٨، ٢٩|.
ثم وصف كتاب الله نداء نوح لابنه الذي أصر على الكفر، وما دار بينهما من حوار مؤثر في تلك الفترة العصيبة. ومنه يبدو الصراع الداخلي الذي كان قائما بين عاطفة نوح بصفته مجرد ﴿ أب عادي ﴾، وواجبه بصفته ﴿ رسولا عن الله ﴾. فقد ظن نوح عليه السلام أن الاستثناء الذي ورد في قوله تعالى :﴿ إلا من سبق عليه القول ﴾ بعد قوله تعالى :﴿ قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك ﴾ إنما هو منصب على ما أمر بحمله معه من أصناف الأحياء المختلفة، بمعنى أن منها ما أذن الله بحمله معه في السفينة ليستمر بقاؤه في العالم، ومنها ما سبق عليه القضاء بالغرق والانقراض نهائيا، ولم يعتقد نوح عليه السلام أن الاستثناء الوارد في قوله تعالى :﴿ إلا من سبق عليه القول ﴾ منصب حتى على أهله أنفسهم، فمنهم من أذن له بأخذه في السفينة، كأبنائه الثلاثة :﴿ سام وحام ويافث ﴾، ومنهم من لا حظ له فيها كامرأة نوح وابنه الرابع ﴿ يام ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرين
في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع يواصل كتاب الله الحديث عن المرحلة الأخيرة من قصة نوح عليه السلام. ويحكي لنا أن نوحا عندما أراد أن يركب السفينة التي صنعها بوحي من ربه لم ينس ما عليه من واجب الشكر لله، والتوكل على الله، فأمر المتأهبين للركوب معه عند ركوبهم " سفينة النجاة " أن يذكروا عند ركوبهم اسم الله عليها، وأن يحصنوها باسمه الأقدس من كل سوء ينزل بها، حتى يتم جري سفينة نوح ورسوها في أحسن الأحوال، ولا ينالها أي أذى من الأمواج المتلاطمة والشامخة كالجبال، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها، إن ربي لغفور رحيم، وهي تجري بهم في موج كالجبال ﴾.
قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ :" قال علماؤنا : إنما سأل نوح ربه، لأجل قول الله : احمل فيها من كل زوجين –إلى- وأهلك. وترك نوح قوله –إلا من سبق عليه القول- لأنه رآه استثناء عائدا إلى قوله :﴿ من كل زوجين اثنين ﴾، وحمله الرجاء على ذلك، فأعلمه الله أن الاستثناء عائد إلى الكل، وأنه قد سبق القول على بعض أهله، كما سبق على بعض من الزوجين ﴿ أي من كل زوجين اثنين ﴾ وأن الذي سبق عليه القول من أهله ﴿ أي علاوة على امرأته ﴾ هو ابنه، تسلية للخلق في فساد أبنائهم وإن كان آباؤهم صالحين ".
وقال ابن العربي :" قوله تعالى :﴿ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ﴾ نص في ذكر الله في كل حال وعلى كل أمر، وقد روي الدارقطني وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر ). وقال ابن كثير :" ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور، وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه ".
أما الدعاء الذي دعا به نوح عليه السلام، عندما استوى على السفينة، بتلقين من ربه، فقد نص عليه كتاب الله في آية أخرى إذ يقول مخاطبا لنبيه نوح :﴿ فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين، وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ﴾ |المؤمنون : ٢٨، ٢٩|.
ثم وصف كتاب الله نداء نوح لابنه الذي أصر على الكفر، وما دار بينهما من حوار مؤثر في تلك الفترة العصيبة. ومنه يبدو الصراع الداخلي الذي كان قائما بين عاطفة نوح بصفته مجرد ﴿ أب عادي ﴾، وواجبه بصفته ﴿ رسولا عن الله ﴾. فقد ظن نوح عليه السلام أن الاستثناء الذي ورد في قوله تعالى :﴿ إلا من سبق عليه القول ﴾ بعد قوله تعالى :﴿ قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك ﴾ إنما هو منصب على ما أمر بحمله معه من أصناف الأحياء المختلفة، بمعنى أن منها ما أذن الله بحمله معه في السفينة ليستمر بقاؤه في العالم، ومنها ما سبق عليه القضاء بالغرق والانقراض نهائيا، ولم يعتقد نوح عليه السلام أن الاستثناء الوارد في قوله تعالى :﴿ إلا من سبق عليه القول ﴾ منصب حتى على أهله أنفسهم، فمنهم من أذن له بأخذه في السفينة، كأبنائه الثلاثة :﴿ سام وحام ويافث ﴾، ومنهم من لا حظ له فيها كامرأة نوح وابنه الرابع ﴿ يام ﴾.


وبمقتضى هذا التأويل أخذ نوح ينادي ابنه ليفارق الكافرين من قومه، ويلتحق به في " سفينة النجاة "، فما كان من ابنه المصر على الكفر إلا أن فضل البقاء حيث هو، ظانا أن في إمكانه النجاة من الطوفان إذا اعتصم بالجبل.
ولم يسع نوحا – وهو الناصح الأمين الذي طالما أسدى النصح للبعيد والقريب – إلا أن يجدد النصح لابنه، ويؤكد له أنه لا عاصم يعصمه من عذاب الله، وأن الطوفان سيدرك الجميع لا محالة، ولا تنجو منه إلا سفينة النجاة التي صنعها نوح بوحي من ربه، وركبها ومن معه، متحصنين باسمه الأقدس، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:الربع الثالث من الحزب الثالث والعشرين
في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع يواصل كتاب الله الحديث عن المرحلة الأخيرة من قصة نوح عليه السلام. ويحكي لنا أن نوحا عندما أراد أن يركب السفينة التي صنعها بوحي من ربه لم ينس ما عليه من واجب الشكر لله، والتوكل على الله، فأمر المتأهبين للركوب معه عند ركوبهم " سفينة النجاة " أن يذكروا عند ركوبهم اسم الله عليها، وأن يحصنوها باسمه الأقدس من كل سوء ينزل بها، حتى يتم جري سفينة نوح ورسوها في أحسن الأحوال، ولا ينالها أي أذى من الأمواج المتلاطمة والشامخة كالجبال، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها، إن ربي لغفور رحيم، وهي تجري بهم في موج كالجبال ﴾.
قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ :" قال علماؤنا : إنما سأل نوح ربه، لأجل قول الله : احمل فيها من كل زوجين –إلى- وأهلك. وترك نوح قوله –إلا من سبق عليه القول- لأنه رآه استثناء عائدا إلى قوله :﴿ من كل زوجين اثنين ﴾، وحمله الرجاء على ذلك، فأعلمه الله أن الاستثناء عائد إلى الكل، وأنه قد سبق القول على بعض أهله، كما سبق على بعض من الزوجين ﴿ أي من كل زوجين اثنين ﴾ وأن الذي سبق عليه القول من أهله ﴿ أي علاوة على امرأته ﴾ هو ابنه، تسلية للخلق في فساد أبنائهم وإن كان آباؤهم صالحين ".
وقال ابن العربي :" قوله تعالى :﴿ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ﴾ نص في ذكر الله في كل حال وعلى كل أمر، وقد روي الدارقطني وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر ). وقال ابن كثير :" ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور، وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه ".
أما الدعاء الذي دعا به نوح عليه السلام، عندما استوى على السفينة، بتلقين من ربه، فقد نص عليه كتاب الله في آية أخرى إذ يقول مخاطبا لنبيه نوح :﴿ فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين، وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ﴾ |المؤمنون : ٢٨، ٢٩|.
ثم وصف كتاب الله نداء نوح لابنه الذي أصر على الكفر، وما دار بينهما من حوار مؤثر في تلك الفترة العصيبة. ومنه يبدو الصراع الداخلي الذي كان قائما بين عاطفة نوح بصفته مجرد ﴿ أب عادي ﴾، وواجبه بصفته ﴿ رسولا عن الله ﴾. فقد ظن نوح عليه السلام أن الاستثناء الذي ورد في قوله تعالى :﴿ إلا من سبق عليه القول ﴾ بعد قوله تعالى :﴿ قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك ﴾ إنما هو منصب على ما أمر بحمله معه من أصناف الأحياء المختلفة، بمعنى أن منها ما أذن الله بحمله معه في السفينة ليستمر بقاؤه في العالم، ومنها ما سبق عليه القضاء بالغرق والانقراض نهائيا، ولم يعتقد نوح عليه السلام أن الاستثناء الوارد في قوله تعالى :﴿ إلا من سبق عليه القول ﴾ منصب حتى على أهله أنفسهم، فمنهم من أذن له بأخذه في السفينة، كأبنائه الثلاثة :﴿ سام وحام ويافث ﴾، ومنهم من لا حظ له فيها كامرأة نوح وابنه الرابع ﴿ يام ﴾.


وبمقتضى هذا التأويل أخذ نوح ينادي ابنه ليفارق الكافرين من قومه، ويلتحق به في " سفينة النجاة "، فما كان من ابنه المصر على الكفر إلا أن فضل البقاء حيث هو، ظانا أن في إمكانه النجاة من الطوفان إذا اعتصم بالجبل.
ولم يسع نوحا – وهو الناصح الأمين الذي طالما أسدى النصح للبعيد والقريب – إلا أن يجدد النصح لابنه، ويؤكد له أنه لا عاصم يعصمه من عذاب الله، وأن الطوفان سيدرك الجميع لا محالة، ولا تنجو منه إلا سفينة النجاة التي صنعها نوح بوحي من ربه، وركبها ومن معه، متحصنين باسمه الأقدس، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ﴾.

ووصف كتاب الله كيف أن القدرة الإلهية بمجرد ما أغرقت الظالمين المفسدين في الأرض، الذين جعلوها حلبة للفساد لا للإصلاح، وللظلم لا للعدل، وللكفر لا للإيمان، وإبادتهم عن آخرهم في لحظات معدودة، وجهت في الحين نداءها المسموع المطاع للأرض ببلع مياهها، وللسماء بقطع أمطارها، ولسفينة النجاة بوقوفها وإرسائها، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى بمنتهى الإيجاز والإعجاز :﴿ وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي، وغيض الماء ﴾ أي ابتلعته الأرض في جوفها وغار من سطحها ﴿ قضي الأمر واستوت على الجودي، وقيل بعدا للقوم الظالمين ﴾ أي هلاكا لهم وخسارا، وبعدا من رحمة الله وطردا، فقد هلك الظالمون على عهد نوح عن آخرهم بالطوفان، كما سيهلك خلفهم بوسائل أخرى يختارها القاهر فوق عباده في مستقبل الزمان.
وقد نقل ابن كثير عن قتادة أنه قال : " قد أبقى الله سفينة نوح عليه السلام على الجودي من أرض الجزيرة عبرة وآية، حتى رآها أوائل هذه الأمة، وكم من سفينة قد كانت بعدها، فهلكت وصارت رمادا ".
في هذه القصة نقطة لا بد من الوقوف عندها وقفة خاصة، فقد رأينا كيف من الله على نوح بنجاة أهله، وأمره بحمل أهله معه في " سفينة النجاة ". قائلا :﴿ احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك ﴾، وقد رأينا كيف دعا نوح ابنه الذي لم يؤمن بالله إلى مفارقة كفار قومه، واللحاق به في السفينة، باعتباره داخلا في ﴿ أهله ﴾، وقد رأينا كيف نادى نوح ربه قائلا ﴿ رب إن ابني من أهلي ﴾، إلا أن الحق سبحانه وتعالى رد على نبيه نوح عليه السلام ردا قاطعا وصارما،
﴿ قال يا نوح إنه ليس من أهلك ﴾. ثم بين الحق سبحانه وتعالى حيثية ذلك الحكم الإلهي الذي لا معقب له، وأوضح الحكمة المتوخاة منه، حتى لا يبقى حكما غامضا، فقال تعالى :﴿ إنه عمل غير صالح ﴾ مما ألقى الأضواء على نوع العلاقة التي لها اعتبار في نظر الشارع، والعلاقة التي لا اعتبار لها، أو لها اعتبار ثانوي جدا.
فهذه الآية تنص صراحة على أن قرابة العقيدة والإيمان هي القرابة الحقيقية والوحيدة، التي لها الاعتبار الأول بين الأقرباء في تكافلهم وتعاونهم، وتحديد مصيرهم المشترك، فإذا انتفت هذه القرابة الروحية والدينية بينهم كانت قرابة الدم المادية في الدرجة الأخيرة من الاعتبار، أو لا اعتبار لها بالمرة، لأن طابع البنوة الصحيح هو أن يكون الابن وارثا سر أبيه، يرث منه خير خصاله، وأفضل خلاله، والروحية منها قبل المادية، فتتصل به سلسلة الصلاح ولا تنقطع، وتنتقل الأمانة عن طريقه من جيل إلى جيل. وهكذا يصبح ابنك الروحي في العقيدة أو أخوك الروحي في الإيمان هو ابنك الحقيقي وأخوك الحق الذي تعتمد عليه بعد الله تعالى كل الاعتماد، في إدراك المنى وبلوغ المراد.
ولهذا طالب كتاب الله المسلمين بأن يكون الله ورسوله أحب إليهم مما سواهما، وحذر من موالاة العشيرة ومن التودد إلى الأقرباء متى كانوا غير إخوان في العقيدة والدين، فقال تعالى :﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ﴾ |المجادلة : ٢٢| فالبغض في الله والحب في الله من الإيمان كما جاء في الأثر.
ثم تحدث كتاب الله عما أوحى الله به إلى نوح عليه السلام عندما أرست سفينته على الجودي، وما صدر إليه من الإذن بالنزول من السفينة إلى الأرض، مصحوبا فيها بسلام الله، مع البشارة بحلول بركات الله عليه وعلى أمم المؤمنين من ذريته، والإنذار لأمم أخرى ستكفر بالله، فتنال حظها من المتاع في الدنيا ثم يلحقها العذاب الأليم في الآخرة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك، وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ﴾. قال محمد بن كعب : " دخل في هذا السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة، وكذلك دخل في العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة ".
وعقب كتاب الله على تفاصيل هذه القصة المثيرة، مبينا أنها قد ظلت مطوية تحت أستار الغيب قرونا وقرونا، حتى كشف الوحي الإلهي عنها النقاب، ونزلت في شأنها آيات الكتاب، منبها خاتم الأنبياء والمرسلين إلى العبرة المقصودة، من عرض قصة نوح، بالنسبة للمشركين والمؤمنين، فقال تعالى :﴿ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك، ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا، فاصبر، إن العاقبة للمتقين ﴾.
ومن قصة نوح عادت الآيات الكريمة للحديث عن قصة هود مع قومه عاد، فقال تعالى :﴿ وإلى عاد أخاهم هودا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، إن أنتم إلا مفترون، يا قوم لا أسألكم عليه أجرا، إن أجري إلا على الذي فطرني، أفلا تعقلون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٠:ومن قصة نوح عادت الآيات الكريمة للحديث عن قصة هود مع قومه عاد، فقال تعالى :﴿ وإلى عاد أخاهم هودا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، إن أنتم إلا مفترون، يا قوم لا أسألكم عليه أجرا، إن أجري إلا على الذي فطرني، أفلا تعقلون ﴾.
وأشارت نفس الآيات إلى جواب عاد لهود ﴿ قالوا يا هود ما جئتنا ببينة، وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك، وما نحن لك بمؤمنين، إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:وأشارت نفس الآيات إلى جواب عاد لهود ﴿ قالوا يا هود ما جئتنا ببينة، وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك، وما نحن لك بمؤمنين، إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ﴾.
وبين كتاب الله مصير عاد بعد إصرارهم على الكفر بالله، والتكذيب برسالة هود، وما أكرم الله به هودا والذين آمنوا معه من النجاة والرحمات، فقال تعالى :﴿ ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا، ونجيناهم من عذاب غليظ، وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد، وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة، ألا إن عادا كفروا ربهم، ألا بعدا لعاد قوم هود ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٨:وبين كتاب الله مصير عاد بعد إصرارهم على الكفر بالله، والتكذيب برسالة هود، وما أكرم الله به هودا والذين آمنوا معه من النجاة والرحمات، فقال تعالى :﴿ ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا، ونجيناهم من عذاب غليظ، وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد، وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة، ألا إن عادا كفروا ربهم، ألا بعدا لعاد قوم هود ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٨:وبين كتاب الله مصير عاد بعد إصرارهم على الكفر بالله، والتكذيب برسالة هود، وما أكرم الله به هودا والذين آمنوا معه من النجاة والرحمات، فقال تعالى :﴿ ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا، ونجيناهم من عذاب غليظ، وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد، وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة، ألا إن عادا كفروا ربهم، ألا بعدا لعاد قوم هود ﴾.
الربع الأخير من الحزب الثالث والعشرين
في المصحف الكريم
بعدما تناولت عدة آيات كريمة في الربع الماضي قصة هود عليه السلام مع قومه عاد، وبينت ما بذله من جهد بالغ ونصح مستمر، في سبيل هدايتهم إلى الإيمان بالله، وحضهم على التوبة إلى الله، وتعريفهم بما يستتبعه الإيمان والتقوى من الحياة الطيبة والمتعة والقوة :﴿ ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ﴾ وتعريفهم بما يؤدي إليه الإصرار على الكفر والضلال، من تعذيب وإبادة واستئصال، واستخلاف للغير واستبدال ﴿ فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم، ويستخلف ربي قوما غيركم، ولا تضرونه شيئا ﴾، انتقل كتاب الله إلى الحديث عن قصة صالح مع قومه ثمود، ونظرا لأن بداية هذه القصة صادفت نهاية الربع الماضي أجلنا الشروع فيها إلى هذا الربع، حتى نقدم تفسيرها في صعيد واحد.
وأول ما يواجهنا من قصة صالح أن الدعوة التي وجهها إلى قومه ثمود هي صورة طبق الأصل من دعوة من سبقه من الأنبياء والمرسلين، وخلاصتها الأمر بعبادة الله دون سواه، والتعريف بأنه لا إله في الحقيقة إلا الله، فهذا هو مفتاح الدعوة ومدخلها الوحيد إلى تحرير الإنسان، من كل عبودية لأخيه الإنسان، سواء كانت تلك العبودية عبودية جسمية للطغاة المتجبرين، أو عبودية وهمية للدجاجلة المشعوذين ﴿ وإلى ثمود أخاهم صالحا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾.
ثم بين صالح لقومه ثمود أن الله تعالى هو وحده الذي يستحق أن يرجى ويخاف، وأن يطاع أمره، ويتجنب نهيه، فهو الذي بيده الإعطاء والمنع، وعلى يده الضر والنفع، وهو مصدر كل النعم التي يتمتع بها الإنسان بدءا واستمرارا، وما دام الإنسان مدينا بوجوده أولا، وبرزقه ثانيا للحق سبحانه وتعالى، فالمنطق السليم يقضي على الإنسان بأن يتوجه إليه، ويعتمد عليه، وما دامت أقرب وسلة للتحلي بالفضائل هي التخلي عن الرذائل، فما على الإنسان إلا أن يستغفر الله ويقبل عليه، فيجده أقرب إليه من نفسه التي بين جنبيه ﴿ هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ﴾ أي خلقكم لعمارتها وجعل لكم فيها معايش ﴿ فاستغفروه ثم توبوا إليه، إن ربي قريب مجيب ﴾. وقوله تعالى هنا :﴿ إن ربي قريب مجيب ﴾ على غرار قوله تعالى في آية أخرى :﴿ وإذا سألك عبادي عني فاني قريب، أجيب دعوة الداعي إذا دعان ﴾ |البقرة : ١٨٦|.
فما كان من قوم صالح إلا أن أجابوا نبيهم بنفس الجواب التقليدي الذي اعتاد خصوم الرسالات أن يجيبوا بمثله كافة الأنبياء والرسل، وهذا الجواب يكون عادة عبارة عن مزيج من التكذيب والتجريح والاستهزاء، ومهما اختلفت ألفاظه فإن المعنى الذي يعبر عنه واحد في نهاية الأمر.
وهكذا رأينا مرة أخرى أن الدعوة التي يدعو إليها الأنبياء والرسل دعوة واحدة، يجددها الواحد بعد الآخر، وأن موقف خصوم الأنبياء والرسل موقف واحد يقلد فيه بعضهم بعضا، ويتوارثونه خلفا عن سلف، كما رأينا أن مصير أهل الفسق والكفر مصير واحد هو الخسران المبين والعذاب الأليم، ومصير أهل التقوى والإيمان مصير واحد هو الرضوان الأكبر والفوز العظيم.
ويتضمن جواب ثمود لنبيهم صالح خيبة أملهم فيه، وسوء ظنهم بسلامة عقله، وشكهم البالغ في كل ما دعاهم إليه، واستنكارهم التام لتهجمه على معبوداتهم ومقدساتهم المتوارثة :﴿ قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا، أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا، وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب ﴾.
ويقبل، على الإيمان بصالح، المستضعفون من قومه، بينما المترفون وكبار القوم يواصلون حياتهم على ما ألفوه من الشرك والوثنية.
ولما تخوفوا من استفحال دعوته وغلبتها، أخذوا يتحدونه ويطالبونه مرة بعد أخرى، بآية محسوسة تراها العين، تكون دالة على صدق رسالته، فكانت تلك الآية التي طلبوها، هي ﴿ ناقة الله وسقياها ﴾ |الشمس : ١٣|، وإنما أضيفت إلى اسم الله لكونها جاءت على خلاف ما هو معتاد في جنسها، لا شكلا، ولا حجما، ولا غذاء، فأمرهم صالح بتركها تأكل في أرض الله، وبأن يكون لها وحدها شرب يوم معلوم، كما يكون لمواشيهم شرب اليوم الذي يليه، بحيث تقاسم ﴿ ناقة الله ﴾ مواشيهم مياه الشرب مناصفة، يوم لها ويوم لهم.
غير أن كبار القوم وأصحاب المصالح، لم يصبروا طويلا على امتثال أمر صالح، ولعلهم وجدوا في هذا الأمر حدا لاحتكارهم، وقيدا لاستغلالهم واستثمارهم، ولعل ألبان ﴿ ناقة صالح ﴾ أصبحت عونا لصالح على الدعوة إلى الله، وغذاء للفقراء المستضعفين الذين آمنوا بالله، فلم يسع كبار قوم صالح وكفارهم إلا أن يحرضوا على قتل ﴿ ناقة الله ﴾، تحديا صارخا لصالح الذي انتشرت دعوته إلى الله ﴿ وقالوا يا صالح إيتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ﴾ |الأعراف : ٧٧|. وحدد صالح لمصرعهم بعد عقرهم للناقة ثلاثة أيام، كل يوم منها يرون فيه لونا من ألوان العذاب، قبل أن يهلكوا ويبيدوا بالمرة، وإلى هذه المعاني مجتمعة يشير قوله تعالى هنا بإيجاز وإعجاز :﴿ ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ﴾، فعقروها فقال :﴿ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا، ومن خزي يومئذ، إن ربك هو القوي العزيز، وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها، ألا إن ثمودا كفروا ربهم، ألا بعدا لثمود ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٤:ولما تخوفوا من استفحال دعوته وغلبتها، أخذوا يتحدونه ويطالبونه مرة بعد أخرى، بآية محسوسة تراها العين، تكون دالة على صدق رسالته، فكانت تلك الآية التي طلبوها، هي ﴿ ناقة الله وسقياها ﴾ |الشمس : ١٣|، وإنما أضيفت إلى اسم الله لكونها جاءت على خلاف ما هو معتاد في جنسها، لا شكلا، ولا حجما، ولا غذاء، فأمرهم صالح بتركها تأكل في أرض الله، وبأن يكون لها وحدها شرب يوم معلوم، كما يكون لمواشيهم شرب اليوم الذي يليه، بحيث تقاسم ﴿ ناقة الله ﴾ مواشيهم مياه الشرب مناصفة، يوم لها ويوم لهم.
غير أن كبار القوم وأصحاب المصالح، لم يصبروا طويلا على امتثال أمر صالح، ولعلهم وجدوا في هذا الأمر حدا لاحتكارهم، وقيدا لاستغلالهم واستثمارهم، ولعل ألبان ﴿ ناقة صالح ﴾ أصبحت عونا لصالح على الدعوة إلى الله، وغذاء للفقراء المستضعفين الذين آمنوا بالله، فلم يسع كبار قوم صالح وكفارهم إلا أن يحرضوا على قتل ﴿ ناقة الله ﴾، تحديا صارخا لصالح الذي انتشرت دعوته إلى الله ﴿ وقالوا يا صالح إيتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ﴾ |الأعراف : ٧٧|. وحدد صالح لمصرعهم بعد عقرهم للناقة ثلاثة أيام، كل يوم منها يرون فيه لونا من ألوان العذاب، قبل أن يهلكوا ويبيدوا بالمرة، وإلى هذه المعاني مجتمعة يشير قوله تعالى هنا بإيجاز وإعجاز :﴿ ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ﴾، فعقروها فقال :﴿ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا، ومن خزي يومئذ، إن ربك هو القوي العزيز، وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها، ألا إن ثمودا كفروا ربهم، ألا بعدا لثمود ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٤:ولما تخوفوا من استفحال دعوته وغلبتها، أخذوا يتحدونه ويطالبونه مرة بعد أخرى، بآية محسوسة تراها العين، تكون دالة على صدق رسالته، فكانت تلك الآية التي طلبوها، هي ﴿ ناقة الله وسقياها ﴾ |الشمس : ١٣|، وإنما أضيفت إلى اسم الله لكونها جاءت على خلاف ما هو معتاد في جنسها، لا شكلا، ولا حجما، ولا غذاء، فأمرهم صالح بتركها تأكل في أرض الله، وبأن يكون لها وحدها شرب يوم معلوم، كما يكون لمواشيهم شرب اليوم الذي يليه، بحيث تقاسم ﴿ ناقة الله ﴾ مواشيهم مياه الشرب مناصفة، يوم لها ويوم لهم.
غير أن كبار القوم وأصحاب المصالح، لم يصبروا طويلا على امتثال أمر صالح، ولعلهم وجدوا في هذا الأمر حدا لاحتكارهم، وقيدا لاستغلالهم واستثمارهم، ولعل ألبان ﴿ ناقة صالح ﴾ أصبحت عونا لصالح على الدعوة إلى الله، وغذاء للفقراء المستضعفين الذين آمنوا بالله، فلم يسع كبار قوم صالح وكفارهم إلا أن يحرضوا على قتل ﴿ ناقة الله ﴾، تحديا صارخا لصالح الذي انتشرت دعوته إلى الله ﴿ وقالوا يا صالح إيتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ﴾ |الأعراف : ٧٧|. وحدد صالح لمصرعهم بعد عقرهم للناقة ثلاثة أيام، كل يوم منها يرون فيه لونا من ألوان العذاب، قبل أن يهلكوا ويبيدوا بالمرة، وإلى هذه المعاني مجتمعة يشير قوله تعالى هنا بإيجاز وإعجاز :﴿ ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ﴾، فعقروها فقال :﴿ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا، ومن خزي يومئذ، إن ربك هو القوي العزيز، وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها، ألا إن ثمودا كفروا ربهم، ألا بعدا لثمود ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٤:ولما تخوفوا من استفحال دعوته وغلبتها، أخذوا يتحدونه ويطالبونه مرة بعد أخرى، بآية محسوسة تراها العين، تكون دالة على صدق رسالته، فكانت تلك الآية التي طلبوها، هي ﴿ ناقة الله وسقياها ﴾ |الشمس : ١٣|، وإنما أضيفت إلى اسم الله لكونها جاءت على خلاف ما هو معتاد في جنسها، لا شكلا، ولا حجما، ولا غذاء، فأمرهم صالح بتركها تأكل في أرض الله، وبأن يكون لها وحدها شرب يوم معلوم، كما يكون لمواشيهم شرب اليوم الذي يليه، بحيث تقاسم ﴿ ناقة الله ﴾ مواشيهم مياه الشرب مناصفة، يوم لها ويوم لهم.
غير أن كبار القوم وأصحاب المصالح، لم يصبروا طويلا على امتثال أمر صالح، ولعلهم وجدوا في هذا الأمر حدا لاحتكارهم، وقيدا لاستغلالهم واستثمارهم، ولعل ألبان ﴿ ناقة صالح ﴾ أصبحت عونا لصالح على الدعوة إلى الله، وغذاء للفقراء المستضعفين الذين آمنوا بالله، فلم يسع كبار قوم صالح وكفارهم إلا أن يحرضوا على قتل ﴿ ناقة الله ﴾، تحديا صارخا لصالح الذي انتشرت دعوته إلى الله ﴿ وقالوا يا صالح إيتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ﴾ |الأعراف : ٧٧|. وحدد صالح لمصرعهم بعد عقرهم للناقة ثلاثة أيام، كل يوم منها يرون فيه لونا من ألوان العذاب، قبل أن يهلكوا ويبيدوا بالمرة، وإلى هذه المعاني مجتمعة يشير قوله تعالى هنا بإيجاز وإعجاز :﴿ ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ﴾، فعقروها فقال :﴿ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا، ومن خزي يومئذ، إن ربك هو القوي العزيز، وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها، ألا إن ثمودا كفروا ربهم، ألا بعدا لثمود ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٤:ولما تخوفوا من استفحال دعوته وغلبتها، أخذوا يتحدونه ويطالبونه مرة بعد أخرى، بآية محسوسة تراها العين، تكون دالة على صدق رسالته، فكانت تلك الآية التي طلبوها، هي ﴿ ناقة الله وسقياها ﴾ |الشمس : ١٣|، وإنما أضيفت إلى اسم الله لكونها جاءت على خلاف ما هو معتاد في جنسها، لا شكلا، ولا حجما، ولا غذاء، فأمرهم صالح بتركها تأكل في أرض الله، وبأن يكون لها وحدها شرب يوم معلوم، كما يكون لمواشيهم شرب اليوم الذي يليه، بحيث تقاسم ﴿ ناقة الله ﴾ مواشيهم مياه الشرب مناصفة، يوم لها ويوم لهم.
غير أن كبار القوم وأصحاب المصالح، لم يصبروا طويلا على امتثال أمر صالح، ولعلهم وجدوا في هذا الأمر حدا لاحتكارهم، وقيدا لاستغلالهم واستثمارهم، ولعل ألبان ﴿ ناقة صالح ﴾ أصبحت عونا لصالح على الدعوة إلى الله، وغذاء للفقراء المستضعفين الذين آمنوا بالله، فلم يسع كبار قوم صالح وكفارهم إلا أن يحرضوا على قتل ﴿ ناقة الله ﴾، تحديا صارخا لصالح الذي انتشرت دعوته إلى الله ﴿ وقالوا يا صالح إيتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ﴾ |الأعراف : ٧٧|. وحدد صالح لمصرعهم بعد عقرهم للناقة ثلاثة أيام، كل يوم منها يرون فيه لونا من ألوان العذاب، قبل أن يهلكوا ويبيدوا بالمرة، وإلى هذه المعاني مجتمعة يشير قوله تعالى هنا بإيجاز وإعجاز :﴿ ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ﴾، فعقروها فقال :﴿ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا، ومن خزي يومئذ، إن ربك هو القوي العزيز، وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها، ألا إن ثمودا كفروا ربهم، ألا بعدا لثمود ﴾.

وانتقل كتاب الله من الحديث عن قصة صالح وما انتهت به من عذاب لكفار ثمود إلى قصة لوط مع قومه.
ولهذه القصة علاقة بإبراهيم الخليل عليه السلام إذ كان بينه وبين لوط قرابة روح وقرابة نسب، فقد أرسل الله ملائكته إلى لوط عليه السلام ليخبروه بأن موعد هلاك المفسدين الضالين من قومه قد أصبح على الأبواب. وفي طريقهم إلى لوط عرجوا على إبراهيم الخليل واستضافوه، فأحسن ضيافتهم ﴿ فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ﴾. والحنيذ هو المشوي على الحجارة المحماة.
وبشروا امرأته بولادة إسحاق ويعقوب رغما عن فواتها سن الحمل، وبالرغم من شيخوخة زوجها إبراهيم ﴿ وامرأته قائمة فضحكت، فبشرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا، إن هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧١:وبشروا امرأته بولادة إسحاق ويعقوب رغما عن فواتها سن الحمل، وبالرغم من شيخوخة زوجها إبراهيم ﴿ وامرأته قائمة فضحكت، فبشرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا، إن هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧١:وبشروا امرأته بولادة إسحاق ويعقوب رغما عن فواتها سن الحمل، وبالرغم من شيخوخة زوجها إبراهيم ﴿ وامرأته قائمة فضحكت، فبشرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا، إن هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله ﴾.
ودار الحديث بينهم حول قوم لوط وما ينتظرهم من عذاب الله ﴿ إنه قد جاء أمر ربك، وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ﴾.
ولما وصل أولئك الملائكة إلى مقر لوط ونزلوا عنده أقبل عليه الفسقة المفسدون من قومه يريدون اغتصاب ضيوفه من الملائكة، فجدد عليهم لوط أمر الله إليهم بالتوبة من جريمة الشذوذ الجنسي، ودعاهم إلى الاكتفاء بما أحل الله من العلاقات الزوجية المشروعة ﴿ وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات، قال يا قوم هؤلاء بناتي ﴾ أي بنات قومي ﴿ هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي، أليس منكم رجل رشيد ﴾.
لكنهم أصروا على انحرافهم كل الإصرار ﴿ قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ﴾. فأخذهم الله أخذا وبيلا، جزاء قلبهم للأوضاع، وما ارتكبوه بفاحشتهم من سوء الابتداع.
وتلقى لوط من الملائكة الرسالة التي جاؤوه بها من عند الله ﴿ قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك، فاسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد ﴾، لكنهم استثنوا من أهله امرأة لوط كما استثنى الله من أهل نوح ابنه وامرأته معا، فكانا من المغرقين، وهذا الاستثناء هو قولهم فيما حكاه عنهم كتاب الله ﴿ إلا امرأتك، إنه مصيبها ما أصابهم، إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب، فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك ﴾.
وبعدما أسدل الستار، على قوم لوط بما فعلوه من الفواحش والأوزار، عقب كتاب الله على ذلك بما يفيد أن كل من عمل عملهم، وسلك مسلكهم، من الفسقة الظالمين، سيكون مهددا بعذاب الله، وسيف العقاب مصلت على رأسه دائما، إن لم يكن على الصورة التي عوقب بها قوم لوط، فعلى صورة أخرى لا يعلمها إلا الله، فللعذاب ألوان شتى، كما أن للزهر ألوانا شتى، فقال تعالى ﴿ وما هي ﴾ أي نقمة الله ﴿ من الظالمين ببعيد ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨١:وتلقى لوط من الملائكة الرسالة التي جاؤوه بها من عند الله ﴿ قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك، فاسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد ﴾، لكنهم استثنوا من أهله امرأة لوط كما استثنى الله من أهل نوح ابنه وامرأته معا، فكانا من المغرقين، وهذا الاستثناء هو قولهم فيما حكاه عنهم كتاب الله ﴿ إلا امرأتك، إنه مصيبها ما أصابهم، إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب، فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك ﴾.
وبعدما أسدل الستار، على قوم لوط بما فعلوه من الفواحش والأوزار، عقب كتاب الله على ذلك بما يفيد أن كل من عمل عملهم، وسلك مسلكهم، من الفسقة الظالمين، سيكون مهددا بعذاب الله، وسيف العقاب مصلت على رأسه دائما، إن لم يكن على الصورة التي عوقب بها قوم لوط، فعلى صورة أخرى لا يعلمها إلا الله، فللعذاب ألوان شتى، كما أن للزهر ألوانا شتى، فقال تعالى ﴿ وما هي ﴾ أي نقمة الله ﴿ من الظالمين ببعيد ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨١:وتلقى لوط من الملائكة الرسالة التي جاؤوه بها من عند الله ﴿ قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك، فاسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد ﴾، لكنهم استثنوا من أهله امرأة لوط كما استثنى الله من أهل نوح ابنه وامرأته معا، فكانا من المغرقين، وهذا الاستثناء هو قولهم فيما حكاه عنهم كتاب الله ﴿ إلا امرأتك، إنه مصيبها ما أصابهم، إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب، فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك ﴾.
وبعدما أسدل الستار، على قوم لوط بما فعلوه من الفواحش والأوزار، عقب كتاب الله على ذلك بما يفيد أن كل من عمل عملهم، وسلك مسلكهم، من الفسقة الظالمين، سيكون مهددا بعذاب الله، وسيف العقاب مصلت على رأسه دائما، إن لم يكن على الصورة التي عوقب بها قوم لوط، فعلى صورة أخرى لا يعلمها إلا الله، فللعذاب ألوان شتى، كما أن للزهر ألوانا شتى، فقال تعالى ﴿ وما هي ﴾ أي نقمة الله ﴿ من الظالمين ببعيد ﴾.

الربع الأول من الحزب الرابع والعشرين
في المصحف الكريم
تتناول الآيات الكريمة في أكبر قسم من هذا الربع قصة شعيب عليه السلام مع قومه مدين، وفي هذه القصة نواجه نوعا جديدا من المخالفات ارتكبه قوم شعيب وأسرفوا فيه إسرافا بالغا.
فبالإضافة إلى شركهم بالله، وما يترتب على الشرك وحده، وما ينبثق عنه من آفات وعاهات وتقاليد فاسدة، نجد أهل مدين قد بالغوا في استغلال الخلق وأكل أموال الناس بالباطل، فهم يطففون الكيل، ويطففون الوزن، ويبخسون الناس أشياءهم، وهم مثل فاضح للاستغلال المادي الفاحش الذي لا يرحم ولا يخجل، ولا يتعفف ولا ينصف أحدا، الأمر الذي جعل شعيبا عليه السلام يرفع عقيرته ضد قومه، عملا بأمر الله الذي لا يرضى عن الاستغلال والمستغلين، من أي جنس أو دين، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ وإلى مدين أخاهم شعيبا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، ولا تنقصوا المكيال والميزان، إني أراكم بخير ﴾ أي في معيشتكم ورزقكم، وأخشى عليكم زوال هذا الخير ﴿ وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط، ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ﴾ أي ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم من أكل أموال الناس بالباطل ﴿ وما أنا عليكم بحفيظ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٤:الربع الأول من الحزب الرابع والعشرين
في المصحف الكريم
تتناول الآيات الكريمة في أكبر قسم من هذا الربع قصة شعيب عليه السلام مع قومه مدين، وفي هذه القصة نواجه نوعا جديدا من المخالفات ارتكبه قوم شعيب وأسرفوا فيه إسرافا بالغا.
فبالإضافة إلى شركهم بالله، وما يترتب على الشرك وحده، وما ينبثق عنه من آفات وعاهات وتقاليد فاسدة، نجد أهل مدين قد بالغوا في استغلال الخلق وأكل أموال الناس بالباطل، فهم يطففون الكيل، ويطففون الوزن، ويبخسون الناس أشياءهم، وهم مثل فاضح للاستغلال المادي الفاحش الذي لا يرحم ولا يخجل، ولا يتعفف ولا ينصف أحدا، الأمر الذي جعل شعيبا عليه السلام يرفع عقيرته ضد قومه، عملا بأمر الله الذي لا يرضى عن الاستغلال والمستغلين، من أي جنس أو دين، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ وإلى مدين أخاهم شعيبا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، ولا تنقصوا المكيال والميزان، إني أراكم بخير ﴾ أي في معيشتكم ورزقكم، وأخشى عليكم زوال هذا الخير ﴿ وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط، ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ﴾ أي ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم من أكل أموال الناس بالباطل ﴿ وما أنا عليكم بحفيظ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٤:الربع الأول من الحزب الرابع والعشرين
في المصحف الكريم
تتناول الآيات الكريمة في أكبر قسم من هذا الربع قصة شعيب عليه السلام مع قومه مدين، وفي هذه القصة نواجه نوعا جديدا من المخالفات ارتكبه قوم شعيب وأسرفوا فيه إسرافا بالغا.
فبالإضافة إلى شركهم بالله، وما يترتب على الشرك وحده، وما ينبثق عنه من آفات وعاهات وتقاليد فاسدة، نجد أهل مدين قد بالغوا في استغلال الخلق وأكل أموال الناس بالباطل، فهم يطففون الكيل، ويطففون الوزن، ويبخسون الناس أشياءهم، وهم مثل فاضح للاستغلال المادي الفاحش الذي لا يرحم ولا يخجل، ولا يتعفف ولا ينصف أحدا، الأمر الذي جعل شعيبا عليه السلام يرفع عقيرته ضد قومه، عملا بأمر الله الذي لا يرضى عن الاستغلال والمستغلين، من أي جنس أو دين، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ وإلى مدين أخاهم شعيبا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، ولا تنقصوا المكيال والميزان، إني أراكم بخير ﴾ أي في معيشتكم ورزقكم، وأخشى عليكم زوال هذا الخير ﴿ وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط، ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ﴾ أي ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم من أكل أموال الناس بالباطل ﴿ وما أنا عليكم بحفيظ ﴾.

غير أن المستغلين الشرهين من قوم شعيب لم يتمالكوا أنفسهم من الغضب والاستعلاء، وأخذوا يتبجحون بأن المال الذي يكتسبونه من تجارتهم هو مالهم الخاص، ولذلك فهم فيه أحرار يفعلون به ما يشاؤون، ويتصرفون فيه كيف يريدون، ورفضوا تقييد حريتهم بأي قيد في معاملاتهم التجارية التي اعتادوها، فهم حريصون على اكتساب أكبر ربح ممكن، بأقل عوض ممكن، وهم يعتبرون هذا الأسلوب في التجارة هو أسلوب التجار العقلاء الراشدين في معاملاتهم، وما دونه سفه وبله، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى حكاية عنهم :﴿ قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو نفعل في أموالنا ما نشاء ﴾، ثم يختمون ردهم عليه بقول ظاهره المدح وباطنه القدح، فيقولون :﴿ إنك لأنت الحليم الرشيد ﴾، ومرادهم منه أن من يدعو إلى العدل والإنصاف في البيع والشراء مثل دعوته يعد في نظرهم جاهلا وسفيها، لا حليما ورشيدا، فالرشد في نظر المستغلين، تجارا أو غير تجار، هو ابتزاز أموال الناس بأدنى مقابل، أو بدون مقابل بتاتا، وهذه سنتهم المتوارثة في كل عصر وجيل.
وقول أهل مدين لنبيهم شعيب ﴿ أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ﴾ |الآية : ٨٧| تتضمن نوعا من الاستهزاء والتعبير، إذ كانوا متضايقين مما رأوه عليه من المواظبة على عبادة الله، والتضرع بين يديه، شأنهم في ذلك شأن خصوم الرسالات الإلهية في جميع العصور، الذين يتطيرون بأهل الصلاح والتقوى، ويتضايقون من استقامتهم وثباتهم على الحق.
لكن شعيبا لا يسلك في الرد على قومه مسلكهم في المراء والاستهزاء، بل يرد عليهم الرد اللائق بمقام الأنبياء والمصلحين، مؤكدا لهم أن التعليمات التي بلغها إليهم عن ربهم ليست موجهة إليهم دونه، بل هو أول من ينفذها، وأنه ليس ممن يأمر بالبر غيره، ثم ينسى نفسه ﴿ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ﴾.
ثم عقب شعيب على ما دار بينه وبين كفار قومه بما يوضح الهدف الأساسي، من كل رسالة إلهية بعث الله بها إلى الناس، وهذه الرسالة تتلخص أولا وأخيرا في إصلاح أحوال الناس إصلاحا شاملا، تصلح معه عقيدتهم، وتصلح معه شريعتهم، ويصلح معه سلوكهم، ويصلح معه مجتمعهم، وتصلح معه معايشهم، وتصلح معه علاقاتهم. وهكذا يتسرب الإصلاح إلى كل زاوية من زوايا حياتهم الظاهرة والباطنة، فيصبحون أمة فاضلة وصالحة، ويصبح مجتمعهم مجتمعا فاضلا وصالحا، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا على لسان شعيب عليه السلام ﴿ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب ﴾.
وها هنا كلمتان في غاية الأهمية لا بد من الوقوف عندهما ولو قليلا، ألا وهما كلمة ﴿ الإصلاح ﴾ وكلمة ﴿ التوفيق ﴾. فكلمة الإصلاح تعني على العموم الإتيان بما هو صالح ونافع ومناسب، من الصلاح، ضد الفساد، وأصل معنى " الفساد " في لغة العرب زوال منفعة الشيء وتعذر المقصود منه، وأطلق الفساد في لسان الشرع على الشرك بالله الذي هو منبع جميع الضلالات والبدع، وعلى إذاية الخلق، كما في قوله تعالى :﴿ والله لا يحب الفساد ﴾ |البقرة : ٢٠٥| سواء كانت تلك الإذاية عامة لمجموعهم، أو خاصة ببعضهم، فيكون الصلاح الذي هو ضد الفساد عبارة عن سلوك طريق الهدى والاستقامة، والعمل على نفع الخلق نفعا عاما أو خاصا، ويكون ﴿ الصالح ﴾ هو الذي قام بما يلزمه من حقوق الله وحقوق العباد.
والمراد بكلمة ﴿ التوفيق ﴾ هنا ضد الخذلان، من " الوفق بين الشيئين "، بمعنى التحامهما، ولم ترد كلمة التوفيق بمعنى عدم الخذلان في آية أخرى من كتاب الله. ونعمة التوفيق بهذا المعنى من أجل النعم التي أنعم الله بها على الخواص من عباده، فمن رزق نعمة التوفيق فقد رزق خيرا كثيرا. قال حجة الإسلام الغزالي : " وإنما الاعتبار بقلب العالم الموفق، المراقب لدقائق الأحوال، وهو المحك الذي يمتحن به خفايا الأمور، وما أعز هذا القلب في القلوب ".
وبين كتاب الله أن شعيبا عليه السلام لم يتقهقر عن دعوته إلى الله، بل استمر ثابتا عليها، داعيا إليها دون انقطاع، وقد حاول أن يستخلص العبرة لقومه مما أصاب الأقوام السابقة قبلهم، فهم يعرفون مصارعهم حق المعرفة، وعندهم من خبرها الشيء الكثير ﴿ ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي ﴾ أي لا يحملنكم بغضي وعداوتي على الإصرار والعناد، وكأنه يريد أن يقول لهم إني أخاف عليكم ﴿ أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح، وما قوم لوط منكم ببعيد، واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه، إن ربي رحيم ودود ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٩:وبين كتاب الله أن شعيبا عليه السلام لم يتقهقر عن دعوته إلى الله، بل استمر ثابتا عليها، داعيا إليها دون انقطاع، وقد حاول أن يستخلص العبرة لقومه مما أصاب الأقوام السابقة قبلهم، فهم يعرفون مصارعهم حق المعرفة، وعندهم من خبرها الشيء الكثير ﴿ ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي ﴾ أي لا يحملنكم بغضي وعداوتي على الإصرار والعناد، وكأنه يريد أن يقول لهم إني أخاف عليكم ﴿ أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح، وما قوم لوط منكم ببعيد، واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه، إن ربي رحيم ودود ﴾.
إلا أنه بالرغم من جميع الجهود التي بذلها في سبيل هدايتهم وإقناعهم بالحق أصروا على ما هم فيه، ولم يكتفوا بإصرارهم على الباطل، بل أطلقوا لألسنتهم العنان في الطعن على شعيب والطعن في دعوته، والتهديد له بالرجم إلى أن يموت، وذلك ما تشير إليه الآيات التالية :﴿ قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول ﴾ أي إن دعوتك لا يستسيغها عقل ولا يقبلها منطق ﴿ وإنا لنراك فينا ضعيفا ﴾ أي لا عصبة لك من كبار القوم ﴿ ولولا رهطك لرجمناك ﴾ أي لولا أن لعشيرتك معزة عندنا، ومكانة خاصة بيننا، لقمنا برجمك، و " الرجم " أشق العقوبات وأكثرها تعذيبا ﴿ وما أنت علينا بعزيز ﴾.
وما كان من شعيب عليه السلام إلا أن رد عليهم في حدود الأدب المعهود من الأنبياء، وفي نطاق الدعوة المأمور بتبليغها عن الله ﴿ قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ﴾ أي رفضتم دعوته وعصيتم أمره ﴿ إن ربي بما تعملون محيط ﴾.
ولما انقطع كل أمل في قلوبهم للإصلاح الذي جاءهم به شعيب عن الله تبرأ منهم ومن أعمالهم، ووكلهم إلى عذاب الله المرتقب، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى حكاية عن شعيب يحذرهم وينذرهم :﴿ يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل ﴾ أي اعملوا على طريقتكم فأنا عامل على طريقتي، على غرار قوله تعالى في آية أخرى :﴿ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ﴾ |الشورى : ١٥| وقوله تعالى ﴿ لكم دينكم ولي دين ﴾ |الكافرون : ٦| ثم مضى ينذرهم قائلا :﴿ سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب ﴾ أي ستعلمون من الكاذب فينا ومن المعذب ؟ هل أنا أم أنتم، على غرار قوله تعالى في آية أخرى :﴿ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ﴾ |سبأ : ٢٤|، ﴿ وارتقبوا، إني معكم رقيب ﴾.
ثم انتهت قصة شعيب مع كفار أهل مدين بعذابهم وعقابهم، واستئصالهم وإبادتهم، ونجاة شعيب والذين آمنوا معه، كما ينتهي كل صراع بين الخير والشر، والحق والباطل، باندحار الشر والباطل، وانتصار الخير والحق، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا، وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها ﴾ أي كأن لم يعيشوا فيها من قبل ﴿ ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٤:ثم انتهت قصة شعيب مع كفار أهل مدين بعذابهم وعقابهم، واستئصالهم وإبادتهم، ونجاة شعيب والذين آمنوا معه، كما ينتهي كل صراع بين الخير والشر، والحق والباطل، باندحار الشر والباطل، وانتصار الخير والحق، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا، وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها ﴾ أي كأن لم يعيشوا فيها من قبل ﴿ ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ﴾.
ومن هنا انتقل كتاب الله إلى قصة موسى مع فرعون، فأوجز الإشارة إليها في هذا المقام دون تفصيل ﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين، إلى فرعون وملأه فاتبعوا أمر فرعون، وما أمر فرعون برشيد ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٦:ومن هنا انتقل كتاب الله إلى قصة موسى مع فرعون، فأوجز الإشارة إليها في هذا المقام دون تفصيل ﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين، إلى فرعون وملأه فاتبعوا أمر فرعون، وما أمر فرعون برشيد ﴾.
وعقب كتاب الله على هذه القصص كلها بما يبرز العبرة من وقوعها أولا، والتذكير بها ثانيا، فقال تعالى :﴿ ذلك من أنباء القرى نقصه عليك، منها قائم وحصيد ﴾ أي منها ما لا تزال أطلاله قائمة تشير إلى نقمة الله وعذابه، ومنها ما حل به الخراب والدمار فلم يبق منه عين ولا أثر ﴿ وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم ﴾ ﴿ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة، إن أخذه أليم شديد ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٠:وعقب كتاب الله على هذه القصص كلها بما يبرز العبرة من وقوعها أولا، والتذكير بها ثانيا، فقال تعالى :﴿ ذلك من أنباء القرى نقصه عليك، منها قائم وحصيد ﴾ أي منها ما لا تزال أطلاله قائمة تشير إلى نقمة الله وعذابه، ومنها ما حل به الخراب والدمار فلم يبق منه عين ولا أثر ﴿ وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم ﴾ ﴿ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة، إن أخذه أليم شديد ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٠:وعقب كتاب الله على هذه القصص كلها بما يبرز العبرة من وقوعها أولا، والتذكير بها ثانيا، فقال تعالى :﴿ ذلك من أنباء القرى نقصه عليك، منها قائم وحصيد ﴾ أي منها ما لا تزال أطلاله قائمة تشير إلى نقمة الله وعذابه، ومنها ما حل به الخراب والدمار فلم يبق منه عين ولا أثر ﴿ وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم ﴾ ﴿ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة، إن أخذه أليم شديد ﴾.
وقوله تعالى :﴿ ذلك يوم مجموع له الناس ﴾ يماثله في المعنى قوله تعالى في آية ثانية :﴿ وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ﴾ |الشورى : ٢٩|. وهذا المعنى الذي تتضمنه كلتا الآيتين تؤكده عدة آيات أخرى في كتاب الله، كقوله تعالى :﴿ يوم يجمعكم ليوم الجمع ﴾ |التغابن : ٩|، وقوله تعالى :﴿ ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ﴾ |آل عمران : ٩|، وقوله تعالى :﴿ هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين ﴾ |المرسلات : ٣٨|، وقوله تعالى :﴿ ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ﴾ |الكهف : ٩٩|، وقوله تعالى :﴿ فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ﴾ |آل عمران : ٢٥|، وقوله تعالى :﴿ الله يجمع بيننا، وإليه المصير ﴾ |الشورى : ١٥|، وقوله تعالى :﴿ قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ﴾ |الجاثية : ٢٦|، وقوله تعالى :﴿ الله لا اله إلا هو، ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ﴾ |النساء : ٨٧|.
الربع الثاني من الحزب الرابع والعشرين
في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع يواصل كتاب الله الحديث عن يوم القيامة، وقد بدأ الحديث عن هذا اليوم الموعود في نهاية الربع الماضي بقوله تعالى :﴿ إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة، ذلك يوم مجموع له الناس، وذلك يوم مشهود، وما نؤخره إلا لأجل معدود ﴾. ثم تلا ذلك قوله تعالى هنا :﴿ يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه، فمنهم شقي وسعيد ﴾ |الآية : ١٠٥|. وهكذا نجد هذه الآيات الكريمة مرتبطا بعضها ببعض، لأنها في موضوع واحد.
وقوله تعالى :﴿ فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ﴾ يظهر أن فيه وصفا لكيفية تنفس الأشقياء في جهنم، وأنه على خلاف ما هو معتاد في تنفس الكائنات الحية، كأن تنفس الأشقياء في جهنم يسبق فيه " الزفير " الذي هو دفع النفس إلى الخارج، على " الشهيق " الذي هو أخذ النفس إلى الداخل، بينما التنفس العادي للكائنات الحية يسبق فيه " الشهيق " الذي يأخذ به الكائن الحي حظه من الهواء المنعش إلى داخل الجسم، على " الزفير " الذي يدفعه الكائن الحي من الداخل إلى الخارج بعد أخذ حاجته منه. وفي هذا الوصف لتنفس الأشقياء في جهنم إشارة إلى ما يعانونه من ضيق واختناق، حتى كأن صدورهم تغلي غليان المرجل، وعلى العكس من ذلك يكون حال السعداء في الجنة ﴿ وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ﴾ أي دون أن يتعرضوا لأي شيء من هذه الأعراض الغريبة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٦:وقوله تعالى :﴿ فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ﴾ يظهر أن فيه وصفا لكيفية تنفس الأشقياء في جهنم، وأنه على خلاف ما هو معتاد في تنفس الكائنات الحية، كأن تنفس الأشقياء في جهنم يسبق فيه " الزفير " الذي هو دفع النفس إلى الخارج، على " الشهيق " الذي هو أخذ النفس إلى الداخل، بينما التنفس العادي للكائنات الحية يسبق فيه " الشهيق " الذي يأخذ به الكائن الحي حظه من الهواء المنعش إلى داخل الجسم، على " الزفير " الذي يدفعه الكائن الحي من الداخل إلى الخارج بعد أخذ حاجته منه. وفي هذا الوصف لتنفس الأشقياء في جهنم إشارة إلى ما يعانونه من ضيق واختناق، حتى كأن صدورهم تغلي غليان المرجل، وعلى العكس من ذلك يكون حال السعداء في الجنة ﴿ وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ﴾ أي دون أن يتعرضوا لأي شيء من هذه الأعراض الغريبة.

وقوله تعالى :﴿ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ﴾ الوارد في سياق كل من السعداء والأشقياء، في تفسيره تأويلان مختلفان :
التأويل الأول : أن المراد ﴿ خالدين في الجنة أو في النار ما دامت سماوات الآخرة وأرضها ﴾ لأن الآخرة هي دار الخلود. ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى :﴿ وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ﴾ |الزمر : ٧٤|، وإلى هذا التأويل ذهب ابن عباس حيث قال : " لكل جنة سماء وأرض "، والحسن البصري حيث قال : " سماء غير هذه السماء، وأرض غير هذه الأرض، والخلود في الجنة أو في النار ما دامت تلك السماء وتلك الأرض ". وإلى هذا التأويل مال ابن كثير في تفسيره حيث قال : " قلت : ويحتمل أن المراد بما دامت السماوات والأرض الجنس، لأنه لا بد في عالم الآخرة من سماوات وأرض، كما قال تعالى :﴿ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ﴾ " |إبراهيم : ٤٨| وبه أخذ القاضي عبد الجبار في كتابه " تنزيه القرآن عن المطاعن " إذ قال : " وجوابنا أن للنار سماء وأرضا، وكذلك الجنة، ولا يفنيان، فهذا هو المراد ".
التأويل الثاني : أن المراد هو مجرد التأبيد والدوام، على حد قول العرب : " هذا دائم دوام السماوات والأرض أو باق ما لاح كوكب، وما ناح الحمام ". وإلى هذا التأويل ذهب ابن جرير وابن جزى في تفسيرهما.
وقوله تعالى تعقيبا على وصفه لحال السعداء :﴿ عطاء غير مجذوذ ﴾ أي عطاء غير مقطوع، فيه طمأنينة لقلوبهم، وتطييب لخواطرهم، ورفع لأثر التوهم الذي يشعر به الاستثناء الوارد أيضا في سياق الحديث عنهم ﴿ إلا ما شاء ربك ﴾ إذ أن ظاهره يوهم احتمال انقطاع العطاء الإلهي عنهم، حيث أن ذلك العطاء ليس أمرا واجبا على الله، وإنما هو موكول إلى مجرد مشيئته، ومحض منته، ولا يبعد أن تكون الحكمة في هذا الاستثناء بالنسبة للسعداء، هي أن تبقى قلوبهم معلقة بين جناحي الخوف والرجاء.
وقوله تعالى :﴿ إلا ما شاء ربك ﴾ في سياق الكلام على الذين شقوا وارد مورد الاستثناء من قوله تعالى :﴿ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ﴾، على غرار قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله ﴾ |الأنعام : ١٢٨| ويشبهه قوله تعالى في آية ثالثة :﴿ ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ﴾ |النمل : ٨٧|، وقوله تعالى في آية رابعة :﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ﴾ |الزمر : ٦٨|.
وقال ابن كثير ما خلاصته : " اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة حكاها الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه " زاد المسير "، وغيره من علماء التفسير، ونقل كثيرا منها الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله في كتابه. واختار ابن جرير ما نقله عن خالد بن معدان والضحاك وقتادة، وابن سنان، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضا أن الاستثناء ( يعني " إلا ما شاء ربك "، الوارد في سياق الحديث عن الأشقياء ) عائد على العصاة من أهل التوحيد، ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين، من الملائكة والنبيئين والمؤمنين، ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها، ولا محيد له عنها ". قال ابن كثير : " وهذا عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة ".
ويمكن حمل الاستثناء الوارد في هذا السياق على طريق التأدب مع الله، كقولك " إن شاء الله " مصداقا لقوله تعالى :﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا، إلا أن يشاء الله ﴾ |الكهف : ٢٣، ٢٤| ومنه قوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ﴾ |الآية : ٤٩|، وقوله تعالى في سورة الأعلى :﴿ سنقرئك فلا تنسى، إلا ما شاء الله ﴾ |الآيتان : ٦، ٧|.
وقوله تعالى تعقيبا على حكمه في شأن الأشقياء :﴿ إن ربك فعال لما يريد ﴾ إشارة إلى أن الإرادة الإلهية نافذة لا يلحقها أي خلل أو أي تعطيل، فقد بعث الله إلى الناس الرسل، وأقام عليهم الحجج، وأنذرهم سوء العاقبة، وها هو يثبت لهم أن الأمر جد لا هزل، وأن قوله قول فصل، ﴿ إنه لقول فصل، وما هو بالهزل ﴾ |الطارق : ١٣، ١٤| وبذلك يكون عذابهم مطابقا لمقتضى العدل، ومنسجما مع روح الحكمة.
وذهب الضحاك والحسن البصري إلى أن الاستثناء في قوله تعالى :﴿ إلا ما شاء ربك ﴾ الوارد في سياق السعداء هو منصب على عصاة الموحدين الذين كانوا في النار ثم أخرجوا منها بعد العذاب، إذ أن هؤلاء لا يصدق عليهم ما يصدق على السعداء الأصليين الذين لم يروا العذاب أصلا، من أنهم في الجنة خالدون، لأن عصاة الموحدين يمرون بالعذاب الأليم أولا، ولا ينالهم عفو الله إلا أخيرا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٧:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٦:وقوله تعالى :﴿ فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ﴾ يظهر أن فيه وصفا لكيفية تنفس الأشقياء في جهنم، وأنه على خلاف ما هو معتاد في تنفس الكائنات الحية، كأن تنفس الأشقياء في جهنم يسبق فيه " الزفير " الذي هو دفع النفس إلى الخارج، على " الشهيق " الذي هو أخذ النفس إلى الداخل، بينما التنفس العادي للكائنات الحية يسبق فيه " الشهيق " الذي يأخذ به الكائن الحي حظه من الهواء المنعش إلى داخل الجسم، على " الزفير " الذي يدفعه الكائن الحي من الداخل إلى الخارج بعد أخذ حاجته منه. وفي هذا الوصف لتنفس الأشقياء في جهنم إشارة إلى ما يعانونه من ضيق واختناق، حتى كأن صدورهم تغلي غليان المرجل، وعلى العكس من ذلك يكون حال السعداء في الجنة ﴿ وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ﴾ أي دون أن يتعرضوا لأي شيء من هذه الأعراض الغريبة.

وقوله تعالى :﴿ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ﴾ الوارد في سياق كل من السعداء والأشقياء، في تفسيره تأويلان مختلفان :
التأويل الأول : أن المراد ﴿ خالدين في الجنة أو في النار ما دامت سماوات الآخرة وأرضها ﴾ لأن الآخرة هي دار الخلود. ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى :﴿ وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ﴾ |الزمر : ٧٤|، وإلى هذا التأويل ذهب ابن عباس حيث قال :" لكل جنة سماء وأرض "، والحسن البصري حيث قال :" سماء غير هذه السماء، وأرض غير هذه الأرض، والخلود في الجنة أو في النار ما دامت تلك السماء وتلك الأرض ". وإلى هذا التأويل مال ابن كثير في تفسيره حيث قال :" قلت : ويحتمل أن المراد بما دامت السماوات والأرض الجنس، لأنه لا بد في عالم الآخرة من سماوات وأرض، كما قال تعالى :﴿ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ﴾ " |إبراهيم : ٤٨| وبه أخذ القاضي عبد الجبار في كتابه " تنزيه القرآن عن المطاعن " إذ قال :" وجوابنا أن للنار سماء وأرضا، وكذلك الجنة، ولا يفنيان، فهذا هو المراد ".
التأويل الثاني : أن المراد هو مجرد التأبيد والدوام، على حد قول العرب :" هذا دائم دوام السماوات والأرض أو باق ما لاح كوكب، وما ناح الحمام ". وإلى هذا التأويل ذهب ابن جرير وابن جزى في تفسيرهما.
وقوله تعالى تعقيبا على وصفه لحال السعداء :﴿ عطاء غير مجذوذ ﴾ أي عطاء غير مقطوع، فيه طمأنينة لقلوبهم، وتطييب لخواطرهم، ورفع لأثر التوهم الذي يشعر به الاستثناء الوارد أيضا في سياق الحديث عنهم ﴿ إلا ما شاء ربك ﴾ إذ أن ظاهره يوهم احتمال انقطاع العطاء الإلهي عنهم، حيث أن ذلك العطاء ليس أمرا واجبا على الله، وإنما هو موكول إلى مجرد مشيئته، ومحض منته، ولا يبعد أن تكون الحكمة في هذا الاستثناء بالنسبة للسعداء، هي أن تبقى قلوبهم معلقة بين جناحي الخوف والرجاء.
وقوله تعالى :﴿ إلا ما شاء ربك ﴾ في سياق الكلام على الذين شقوا وارد مورد الاستثناء من قوله تعالى :﴿ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ﴾، على غرار قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله ﴾ |الأنعام : ١٢٨| ويشبهه قوله تعالى في آية ثالثة :﴿ ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ﴾ |النمل : ٨٧|، وقوله تعالى في آية رابعة :﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ﴾ |الزمر : ٦٨|.
وقال ابن كثير ما خلاصته :" اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة حكاها الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه " زاد المسير "، وغيره من علماء التفسير، ونقل كثيرا منها الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله في كتابه. واختار ابن جرير ما نقله عن خالد بن معدان والضحاك وقتادة، وابن سنان، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضا أن الاستثناء ( يعني " إلا ما شاء ربك "، الوارد في سياق الحديث عن الأشقياء ) عائد على العصاة من أهل التوحيد، ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين، من الملائكة والنبيئين والمؤمنين، ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها، ولا محيد له عنها ". قال ابن كثير :" وهذا عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة ".
ويمكن حمل الاستثناء الوارد في هذا السياق على طريق التأدب مع الله، كقولك " إن شاء الله " مصداقا لقوله تعالى :﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا، إلا أن يشاء الله ﴾ |الكهف : ٢٣، ٢٤| ومنه قوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ﴾ |الآية : ٤٩|، وقوله تعالى في سورة الأعلى :﴿ سنقرئك فلا تنسى، إلا ما شاء الله ﴾ |الآيتان : ٦، ٧|.
وقوله تعالى تعقيبا على حكمه في شأن الأشقياء :﴿ إن ربك فعال لما يريد ﴾ إشارة إلى أن الإرادة الإلهية نافذة لا يلحقها أي خلل أو أي تعطيل، فقد بعث الله إلى الناس الرسل، وأقام عليهم الحجج، وأنذرهم سوء العاقبة، وها هو يثبت لهم أن الأمر جد لا هزل، وأن قوله قول فصل، ﴿ إنه لقول فصل، وما هو بالهزل ﴾ |الطارق : ١٣، ١٤| وبذلك يكون عذابهم مطابقا لمقتضى العدل، ومنسجما مع روح الحكمة.
وذهب الضحاك والحسن البصري إلى أن الاستثناء في قوله تعالى :﴿ إلا ما شاء ربك ﴾ الوارد في سياق السعداء هو منصب على عصاة الموحدين الذين كانوا في النار ثم أخرجوا منها بعد العذاب، إذ أن هؤلاء لا يصدق عليهم ما يصدق على السعداء الأصليين الذين لم يروا العذاب أصلا، من أنهم في الجنة خالدون، لأن عصاة الموحدين يمرون بالعذاب الأليم أولا، ولا ينالهم عفو الله إلا أخيرا.

وقوله تعالى :﴿ فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء، ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل، وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ﴾ تعريف من الله تعالى لرسوله بأنه سيوفيهم جزاءهم، طبقا لما يقع عليه اختيارهم، وتكسبه أيديهم من الهدى أو الضلال.
و " المرية " هي الشك، والنهي عن الشك الوارد هنا في قوله تعالى :﴿ فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ﴾ وإن كان في ظاهره موجها للرسول عليه الصلاة والسلام، فإنه موجه في الحقيقة إلى غيره من أفراد المدعوين والمكلفين، الذين يتصور في حقهم وجود الشك، والمطلوب منهم الوصول إلى اليقين، لتمييز الحق من الباطل، نظير قوله تعالى في آية سابقة وجه فيها الخطاب إلى الرسول، والخطاب في الحقيقة موجه إلى بقية الناس ﴿ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ﴾ |يونس : ٩٤| والنبي لم يشك ولم يسأل.
وقوله تعالى :﴿ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا ﴾ أمر من الله لرسوله والمؤمنين بالثبات على الصراط المستقيم، ونهي من الله للمؤمنين عن البغي والطغيان، والظلم والعدوان، ولو كان من يقع عليه البغي والظلم مشركا. وللتحذير من الإقدام على الظلم والتورط في نتائجه قال تعالى عقب النهي عنه :﴿ إنه بما تعملون بصير ﴾ بمعنى أنه يراقبكم ويراقب أعمالكم.
ثم وجه الحق سبحانه وتعالى خطابه لرسوله والمؤمنين من جديد، يأمرهم بالابتعاد عن موالاة الظلمة، وبالحذر من إعانتهم على الظلم بأي وجه من الوجوه، فقال تعالى :﴿ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسهم النار ﴾ ولا يدخل في ﴿ الركون ﴾ مجرد المخالطة والمعاشرة دون عون ولا تأييد، كما نص عليه القاضي عبد الجبار.
وبين كتاب الله أن الله وحده هو الذي يجب أن يكون ولي الذين آمنوا، يوالونه وينصرونه، ويقفون بجانب أوامره دائما، لأن غير الله وإن تولوه فلن يكون لهم وليا، إذ ليس بيده ضر ولا نفع، ولا عطاء ولا منع، وإذا اعتمدوا على غير الله وكلهم الله إلى أنفسهم، وخذلهم خذلانا مبينا ﴿ وما لكم من دون الله من أولياء، ثم لا تنصرون ﴾.
وقوله تعالى :﴿ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ﴾ ذكر ابن كثير أن هذه الآية يحتمل أن تكون نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء، حيث لم يكن يجب من الصلوات إلا صلاتان في النهار وقيام الليل.. وقال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ : " لا خلاف أن هذه الآية تضمنت الصلوات الخمس، والذي نختاره أنه ليس في النهار من الصلوات إلا الظهر والعصر، وباقيها في الليل، فزلف الليل ثلاثة : في ابتدائه، وهي المغرب، وفي اعتدال فحمته، وهي العشاء، وعند انتهائه، وهي الصبح ".
وقوله تعالى :﴿ إن الحسنات يذهبن السيئات ﴾ عقب الأمر بالصلاة مباشرة، شبيه بقوله تعالى في آية أخرى :﴿ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴾ |العنكبوت : ٤٥|. فالصلاة إذا أقيمت على الوجه الأكمل هي أحسن الحسنات، وهي أكبر مطهر ومكفر للسيئات، بما تعين عليه من محاسبة النفس على الأوزار، وما تدفع إليه باستمرار من التوبة والاستغفار. جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهرا غمرا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيئا ؟ قالوا : لا يا رسول الله. قال : كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الذنوب والخطايا ) رواه مالك في الموطأ، والبخاري في الصحيح، والترمذي في السنن، وأحمد في المسند. وروى الإمام أحمد من حديث أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ). والمراد " بالنهر الغمر " في حديث أبي هريرة : كثير الماء.
وقوله تعالى هنا :﴿ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم ﴾ فيه إشارة إلى أن الله تعالى قادر على أن يضطر الناس جميعا إلى الإيمان بعقيدة واحدة، والسير في طريق واحد، لو كان يريد أن يخلق الناس على نمط الطبيعة الآلية المجردة، لو كان يريد أن يحرمهم من أخص خصائص الإنسان، التي هي خصيصة التمتع بالإرادة والحرية، وبملكة التفكير والتقدير والاختيار، لكنه سبحانه خلقهم أناسي مجهزين بعقل وتفكر، وإرادة واختيار. والنتيجة الطبيعية لخلقهم على هذه الصورة هي اختلاف منازعهم، واختلاف مشاربهم، واختلاف اختياراتهم، وتبعا لذلك اختلاف عقائدهم ومذاهبهم، وتعدد مللهم وأديانهم، وبهذا التفسير يتضح معنى قوله تعالى هنا :﴿ ولذلك خلقهم ﴾ أي خلقهم على صورة خاصة ميزهم بها عن بقية الحيوانات، وهذه الصورة تقتضي بطبيعتها أن تختلف آراؤهم، فالخلاف مآلها، لأنه أثر من آثارها، ومن هنالك كان في الناس شقي وسعيد، ومؤمن وكافر ﴿ وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ﴾ ﴿ فريق في الجنة، وفريق في السعير ﴾ |الشورى : ٧|.
وقوله تعالى هنا :﴿ إلا من رحم ربك ﴾ استثناء متصل، أي إلا من رحم ربك فإنه لا يختلف، والمراد به من التزم دعوة الأنبياء والرسل، وآمن بها دون أن يشوبها بأية بدعة أو ضلالة، ولا أن يدخل عليها أي تغيير أو تبديل. وبعبارة أدق : من اختار لنفسه سيرة الرسول وأصحابه، فتمسك بها دون أن يحيد عنها وكان من حزب الله، الموعود بالفلاح والفوز والنجاة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٨:وقوله تعالى هنا :﴿ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم ﴾ فيه إشارة إلى أن الله تعالى قادر على أن يضطر الناس جميعا إلى الإيمان بعقيدة واحدة، والسير في طريق واحد، لو كان يريد أن يخلق الناس على نمط الطبيعة الآلية المجردة، لو كان يريد أن يحرمهم من أخص خصائص الإنسان، التي هي خصيصة التمتع بالإرادة والحرية، وبملكة التفكير والتقدير والاختيار، لكنه سبحانه خلقهم أناسي مجهزين بعقل وتفكر، وإرادة واختيار. والنتيجة الطبيعية لخلقهم على هذه الصورة هي اختلاف منازعهم، واختلاف مشاربهم، واختلاف اختياراتهم، وتبعا لذلك اختلاف عقائدهم ومذاهبهم، وتعدد مللهم وأديانهم، وبهذا التفسير يتضح معنى قوله تعالى هنا :﴿ ولذلك خلقهم ﴾ أي خلقهم على صورة خاصة ميزهم بها عن بقية الحيوانات، وهذه الصورة تقتضي بطبيعتها أن تختلف آراؤهم، فالخلاف مآلها، لأنه أثر من آثارها، ومن هنالك كان في الناس شقي وسعيد، ومؤمن وكافر ﴿ وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ﴾ ﴿ فريق في الجنة، وفريق في السعير ﴾ |الشورى : ٧|.
وقوله تعالى هنا :﴿ إلا من رحم ربك ﴾ استثناء متصل، أي إلا من رحم ربك فإنه لا يختلف، والمراد به من التزم دعوة الأنبياء والرسل، وآمن بها دون أن يشوبها بأية بدعة أو ضلالة، ولا أن يدخل عليها أي تغيير أو تبديل. وبعبارة أدق : من اختار لنفسه سيرة الرسول وأصحابه، فتمسك بها دون أن يحيد عنها وكان من حزب الله، الموعود بالفلاح والفوز والنجاة.

وقوله تعالى :﴿ وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ﴾ خطاب من الله لرسوله يتضمن حكمته فيما يقصه عليه من أخبار الأنبياء والرسل السابقين، فهو يضرب له المثل بهم، ويحضه على التأسي والإقتداء بسلوكهم، ويعرفه بحسن عاقبتهم، ومصير المكذبين لهم من قومهم.
وقوله تعالى :﴿ وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ﴾ إشارة إلى هذه السورة الكريمة –سورة هود- التي قال عنها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم :( شيبتني هود وأخواتها ).
وختمت سورة هود بخطاب من الله لرسوله يأمره فيه بمواصلة عبادته لله في جميع الحالات، وبالاعتماد عليه في جميع الخطوات، ويتعهد له مرة أخرى برعايته وعنايته في المنشط والمكره والسراء والضراء، فقال تعالى :﴿ فاعبده وتوكل عليه، وما ربك بغافل عما تعملون ﴾.
وبختام سورة هود ننهي حصة اليوم لطولها، مؤجلين القول في الآيات الأولى من سورة يوسف –وإن كانت مندرجة في هذا الربع- إلى الحصة المقبلة إن شاء الله، وكل آت قريب.
Icon