تفسير سورة هود

مجاز القرآن
تفسير سورة سورة هود من كتاب مجاز القرآن المعروف بـمجاز القرآن .
لمؤلفه أبو عبيدة معمر بن المثنى . المتوفي سنة 209 هـ

(بسم الله الرّحمن الرّحيم)

سورة هود (١١)
«الر» (١) ساكن، مجازه مجاز فواتح سائر السور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجي، ومجازه فى المعنى. ابتداء فواتح سائر السور.
«الر كِتابٌ» (١) : مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير، كقوله: هذا كتاب.
«مِنْ لَدُنْ» (١) أي هذا قرآن من عند لدن ولدن ولدا سواء ولد.
«لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ» (٥) والعرب تدخل «ألا» توكيدا وإيجابا وتنبيها.
«وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها» (٦) كل آكل فهو دابة، ومجازه: وما دابة فى الأرض و «من» من حروف الزوائد.
«وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ» (٨) أي إلى حين موقوت وأجل، وفى آية أخرى: «وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ» (١٢/ ٤٥) أي بعد حين.
«أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ» (٨) ألا توكيد وإيجاب وتنبيه.
«وَحاقَ بِهِمْ» (٨) أي نزل بهم وأصابهم.
«لَيَؤُسٌ كَفُورٌ» (٩) مجازه: فعول من يئست. «١»
«وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ» (١٠) أي أمسناه نعماء.
«وَيَقُولُ الْأَشْهادُ» (١٨) «٢» واحدهم شاهد بمنزلة صاحب والجميع أصحاب، ويقول: بعضهم شهيد فى معنى شاهد بمنزلة شريف والجميع أشراف.
«أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» (١٨) مجازه: لعنة الله، و «ألا» إيجاب وتوكيد وتنبيه.
«وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ» (٢٣) مجازه: أتابوا إلى ربهم وتضرعوا إليه، وخضعوا وتواضعوا له.
(١) «ليؤس... يئست» : كذا فى البخاري، قال ابن حجر: هو قول أبى عبيدة فى فتح الباري ٨/ ٢٦٣.
(٢) «الأشهاد» : فى البخاري: ويقال: الأشهاد واحده شاهد مثل صاحب وأصحاب قال ابن حجر: هو كلام أبى عبيدة أيضا واختلف فى المراد بهم هنا فقيل: الأنبياء، وقيل. الملائكة (فتح الباري ٨/ ٢٦٦).
«مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا» (٢٤) مجازه: مثل الكافر وهو الأعمى الذي لا يبصر الهدى والحق ولا أمر الله وإن كان ينظر، وهو الأصم الذي لا يسمع الحق ولا أمر الله وإن كان يسمع بأذنه والمؤمن وهو البصر أي المبصر الحق والهدى، وهو السامع الذي يسمع أمر الله ويهتدى له، ومجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك: مثل الفريقين كمثل الأعمى، ثم رجع الوصف إلى مثل الكافر ومثل المؤمن فقال: «هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا» أي لا يستوى المثلان مثلا، وليس موضع «هل» هاهنا موضع الاستفهام ولكن موضعها هاهنا موضع الإيجاب أنه لا يستويان، وموضع تقرير وتخبير:
أن هذا ليس كذاك، ولها فى غير هذا موضع آخر: موضع «قد»، قال:
«هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً» (٧٦/ ١) معناها: قد أنى على الإنسان.
«بادِيَ الرَّأْيِ» (٢٧) «١» مهموز لأنه من بدأت عن أبى عمرو، ومعناه:
أول الرأى، ومن لم يهمز جعله ظاهر الرأى من بدا يبدو، وقال [الراجز] :
(١) «بادى، الرأى» : قرأ أبو عمرو بهمزة مفتوحة بعد الدل والباقون بياء مفتوحة. أنظر الداني ١٢٤.
وقد علتنى ذرأة بادى بدى «١»
[فلم يهمز جعلها من بدا، الذّراة الشّمط القليل فى سواد، ملح ذرآنىّ: الكثير البياض وكبش أذرأ، ونعجة ذرآء فى أذنها بياض شبه النّمش].
«فَعَلَيَّ إِجْرامِي» (٣٥) وهو مصدر أجرمت، «٢» وبعضهم يقول: جرمت تجرم، وقال الهيردان السّعدىّ أحد لصوص بنى سعد:
طريد عشيرة ورهين ذنب بما جرمت يدى وجنى لسانى «٣»
«الْفُلْكَ» (٣٧) واحد وجميع وهى السفينة والسّفن مثل السلام واحدها السلامة مثل نعام ونعامة، وقتاد وقتادة. «٤»
(١) من أرجوزة لأبى نخيلة فى الأغانى ٨١/ ١٥١ وهو فى الكتاب ٢/ ٥٠ والطبري ١٢/ ١٧ والجمهرة ٢/ ٣١٢ والشنتمرى ١/ ٥٤ واللسان والتاج (بداء ذرأ)
(٢) «فعلى... جرمت» : هذا الكلام فى البخاري وقال ابن حجر: هو كلام أبى عبيدة وأنشد «طريد» البيت (فتح الباري ٨/ ٢٦٥).
(٣) : الهيردان: لعله الهيردان بن خطار بن حفص بن مجدع بن وابش بن عمير بن عبد شمس بن سعد، كان لصا فهرب إلى المهلب بخراسان انظر ترجمته فى معجم المرزباني ٤٨٨.. والزبرقان الذي ورد اسمه فى الفروق هو الزبرقان بن بدر ابن امرئ القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم السعدي، أنظر ترجمته فى الإصابة رقم ٢٧٦٨. - والبيت فى الطبري ٢١/ ١٨ والقرطبي ٩/ ٢٩ بغير عزو، وفى اللسان والتاج (جرم) على أنه من إنشاد أبى عبيدة وهو أيضا فى فتح الباري ٨٨/ ٢٦٥. [.....]
(٤) «الفلك... والسفن» : وفى البخاري: الفلك والفلك واحد وهى السفينة والسفن. قال ابن حجر: كذا وقع لبعضهم بضم الفاء فيهما وسكون اللام فى الأولى وفتحها فى الثانية وللآخرين بفتحتين فى الأولى وبضم ثم بسكون فى الثانية ورجحه ابن التين وقال: الأول واحد والثاني جمع مثل أسد وأسد، قال عياض ولبعضهم بضم ثم سكون فيهما جميعا وهو الصواب، والمراد أن الجمع والواحد بلفظ واحد، وقد ورد ذلك فى القرآن، فقد قال فى الواحد: «فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ»، وقال فى الجميع: «حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ» والذي فى كلام أبى عبيدة الفلك واحد وجمع وهى السفينة والسفن. وهذا أوضح فى المراد (فتح الباري ٨/ ٢٦٦).
«بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها» (٤١) أي مسيرها وهى من جرت بهم، ومن قال:
مجراها جعله من أجريتها أنا، قال لبيد:
وعمرت حرسا قبل مجرى داحس لو كان للنفس اللّجوج خلود «١»
[قوله: حرسا يعنى دهرا] ويقال: مجرى داحس.
«وَمُرْساها» (٤١) أي وقفها وهو مصدر أرسيتها أنا. «٢»
«وَغِيضَ الْماءُ» (٤٤) غاضت الأرض والماء، وغاض الماء يغيض، أي ذهب وقلّ.
(١) «مجراها... أرسيتها أنا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري ٨/ ٢٦٦.
(٢) : ديوانه ١/ ٢٥- وإصلاح المنطق ١٨٦ واللسان والتاج (جرى).
«الْجُودِيِّ» (٤٤) اسم جبل، قال زيد بن عمرو بن نفيل العدوىّ:
وقبلنا سبّح الجودىّ والجمد «١»
«إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ» (٥٤) وهو افتعلك من عروته، أي صابك، قال [أبو خراش. «٢»
تذكّر دخلا عندنا وهو فاتك] من القوم يعروه اجتراء ومأثم «٣»
«إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها» (٥٦) مجازه إلا هو فى قبضته وملكه وسلطانه.
«أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» (٥٩) «٤» وهو العنود أيضا والعاند سواء وهو الجائر العادل عن الحق قال [الراجز] :
(١) :«زيد... العدوى» : والد سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة وقد اختلفوا فى كون زيد من الصحابة لأنه مات قبل البعثة، انظر الأغانى ٣/ ١٥ والإصابة ٢/ ٥٨، رقم ٢٩٠٨- والبيت من الأبيات المختلف فى عزوها قال البغدادي: واختلف شراح شواهده (كتاب سيبويه) - فأكثرهم قال: إنها لأمية بن أبى الصلت، وقال بعضهم: إنها ليزيد بن عمرو بن نفيل والصواب ما قدمناه (الخزانة ٢/ ٣٧). يعنى ترجيحه نسبة البيت إلى ورقة بن نوفل انظر البيت فى ديوان أمية بن أبى الصلت رقم ٧٠ والكتاب ١/ ١٣٦ والشنتمرى ١/ ١٦٤ واللسان والتاج (جود).
(٢) «اعتراك» : تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة فى البخاري، وأشار إليه ابن حجر بقوله: هو كلام أبى عبيدة (فتح الباري ٨/ ٢٦٦).
(٣) : ديوان الهذليين ٢/ ١٤٧.
(٤) «عنيد» : فى البخاري: عنيد وعنود وعاند واحد، وهو تأكيد التجبر، قال ابن حجر: هو قول أبى عبيدة بمعناه، لكن قال: وهو العادل عن الحق (فتح الباري ٨/ ٢٦٦).
إنى كبير لا أطيق العنّدا «١»
يعنى من الإبل، ويقال عرق عاند، أي ضار لا يرقا، قال العجّاج:
مما ضرى العرق به الضّرىّ «٢»
«هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» (٦١) أي ابتدأكم فخلقكم منها.
«وَاسْتَعْمَرَكُمْ» (٦١) مجازه: جعلكم عمّار الأرض، [يقال: اعمرته الدار، أي جعلتها له أبدا وهى العمرى وأرقبته: أسكنته إيّاها إلى موته.]
«قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ» (٦٩)، قالوا: لا يتمكن فى النصب وله موضعان:
موضع حكاية، وموضع آخر يعمل فيما بعده فينصب، فجاء قوله: قالوا سلاما، منصوبا لأن قالوا: عمل فيه فنصب، وجاء قوله «سلام» مرفوعا على الحكاية، ولم يعمل فيه فينصبه.
(١) : هو مع أشطار أخرى فى الاقتضاب ص ٤١٥ بغير عزو، والطبري ١٢/ ٣٥ والجمهرة ٢/ ٢٨٣.
(٢) : ديوانه ٧١- وتهذيب الألفاظ ١٠٧.
291
«أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ» (٦٩) فى موضع محنوذ وهو المشوىّ، يقال:
حنذت فرسى، أي سخّنته وعرّقته، «١» قال العجّاج:
ورهبا من حنذه أن يهرجا «٢»
(١) «حنذت... وعرقته» حكى الطبري هذا الكلام، وقال: فقال بعض أهل البصرة: معنى المحنوذ المشوى، قال: ويقال... إلخ. واستشهد لقوله ببيت الراجز (١٢/ ٤٠).
(٢) : ديوانه ٩- والطبري ١٢/ ٤٠ واللسان (حنذ).
292
«نَكِرَهُمْ» (٧٠) وأنكرهم سواء، قال الأعشى:
فأنكرتنى وما كان الذي نكرت من الحوادث إلّا الشّيب والصّلعا «١»
قال أبو عبيدة: قال يونس: قال أبو عمرو: «٢» أبا الذي زدت هذا البيت فى شعر الأعشى إلى آخره فذهب فأتوب إلى الله منه، وكذلك استنكرهم.
«وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً» (٧٠) أي أحسّ وأضمر فى نفسه خوفا.
«حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (٧٣) أي محمود ماجد.
«عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ» (٧٤) أي الذّعر والفزع.
«مُنِيبٌ» (٧٥) أي راجع تائب.
«سِيءَ بِهِمْ» (٧٧) وهو فعل بهم السوء.
«هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ» (٧٧) أي شديد، يعصب الناس بالشر، وقال [عدىّ بن زيد] :
(١) : ديوانه ٧٢- والطبري ١٢/ ٤١ والأغانى ١٦/ ١٨ والموشح ٥٢ والصحاح واللسان والتاج (نكر) والقرطبي ٩/ ٦٧ وشواهد الكشاف ١٦٩.
(٢) «قال أبو عمرو... إلخ» : هذا الكلام منسوب لأبى عبيدة فى شرح ديوان الأعشى.
وكنت لزاز خصمك لم أعرّد وقد سلكوك فى يوم عصيب «١»
وقال:
يوم عصيب يعصب الأبطالا عصب القوىّ السّلّم الطّوالا «٢»
وقال:
وإنك إلا ترض بكر بن وائل يكن لك يوم بالعراق عصيب «٣»
«يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ» (٧٨) «٤» أي يستحثون إليه، قال:
بمعجلات نحوه مهارع «٥»
«أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ» (٨٠) من قولهم: آويت إليك وأنا آوى إليك أويّا والمعنى: صرت إليك وانضممت، «٦» ومجاز الركن هاهنا عشيرة، عزيزة، كثيرة، منيعة، قال:
يأوى إلى ركن من الأركان فى عدد طيس ومجد بان «٧»
الطيس: الكثير، يقال: أتانا بلبن طيس وشراب طيس أي كثير.
(١) : فى الطبري ١٢/ ٤٧. [.....]
(٢) نسب الطبري هذا البيت إلى كعب بن جعيل (١٢/ ٤٧).
(٣) فى الطبري ١٢/ ٤٧ والقرطبي ٩/ ٧٤.
(٤) «أي... إليه» : روى صاحب اللسان هذا التفسير عن أبى عبيدة (هرع).
(٥) : فى الطبري ١٢/ ٤٧ والقرطبي ٩/ ٧.
(٦) «آويت... وانضممت» : نقل الطبري (١٢/ ٥٠) هذا الكلام برمته.
(٧) : فى الطبري ١٣/ ٥٠.
«فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ» (٨١) يقال: سريت وأسريت به، [قال النابغة الذّبيانىّ:
سرت عليه من الجوزاء سارية تزجى الشّمال عليه جامد البرد] «١»
ولا يكون إلا بالليل.
«فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ [بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ] إِلَّا امْرَأَتَكَ» منصوبة لأنها فى موضع مستثنى واحد من جميع فيخرجونه منهم، يقال:
مررت بقومك إلّا زيدا وكان أبو عمرو بن العلاء يجعل مجازها على مجاز قوله:
لا يلتفت من أهلك إلّا امرأتك فإنها تلتفت فيرفعها على هذا المجاز [والسّرى بالليل، قال لبيد:
فبأت وأسرى القوم آخر ليلهم وما كان وقّافا بغير معصّر] «٢»
(١) ديوانه من الستة ص ٦ واللسان والتاج (سرى) والقرطبي ٩/ ٧٩.
(٢) ديوانه ١/ ٦٥- والطبري ١٢/ ١٢٩ واللسان والتاج (سرى).
«حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ» (٨٢) وهو الشديد من الحجارة الصّلب ومن الضرب، «١» قال:
ضربا تواصى به الأبطال سجّيلا «٢»
وبعضهم يحوّل اللام نونا كقول النّابغة:
(١) «وهو... الضرب» : قال الطبري (١٢/ ٥٤) : وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين (يريد أبا عبيدة) يقول: السجيل هو الصلب الشديد من الحجارة ومن الضرب ويستشهد على ذلك بقول الشاعر... إلخ. وفى اللسان نقلا عن الأزهرى: قال أبو عبيدة: «من سجيل» تأويله كثيرة شديدة، وقال:
إن مثل ذلك قول ابن مقبل، وأنشد البيت، ثم: قال: سجين وسجيل بمعنى واحد (سجل). وحكى القرطبي (٩/ ٨٣) تفسيره هذا عنه، وذكر إنشاده البيت.
وفى البخاري: سجيل الشديد الكثير، سجيل وسجين واحد، واللام والنون أختان، وقال تميم بن مقبل: «ورجلة يضربون» البيت. قال ابن حجر: هو كلام أبى عبيدة بمعناه قال فى قوله تعالى: حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ... قال ابن مقبل، فذكره قال قوله: سجيلا أي شديدا وبعضهم يحول اللام نونا، وقال فى موضع آخر: السجيل الشديد الكثير، وقد تعقبه ابن قتيبة بأنه لو كان بمعنى السجيل الشديد لما دخلت عليه «من» وكان يقول: حجارة سجيلا، لأنه لا يقال: حجارة من شديد، ويمكن أن يكون الموصوف حذف. وأنشد غير أبى عبيدة البيت المذكور فأبدل قوله ضاحية... إلخ (فتح الباري ٨/ ٢٦٥).
(٢) من قصيدة نونية لابن مقبل فى جمهرة الأشعار ١٦٠- ١٦٣ وهو فى الطبري ١٢/ ٥٤ والقرطبي ٩/ ٨٣ واللسان (سجل) وصدره:
ورجلة يضربون البيض ضاحية
بكل مدجّج كاللّيث يسمو على أوصال ذيّال رفنّ «١»
يريد رفلّ.
[ «منضوض» (٨٢) : بعضه على بعض] :
«مُسَوَّمَةً» (٨٣) أي معلمة بالسيماء وكانت عليها أمثال الخواتيم.
«وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ» (٨٤) مدين لا ينصرف لأنه اسم مؤنثة، ومجازها مجاز المختصر الذي فيه ضمير: وإلى أهل مدين، وفى القرآن مثله، قال: «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ» (١٢/ ٨٢) أي أهل القرية «وسئل العير» أي من فى العير. «٢»
(١) فى ديوانه من الستة رقم ٣٩ وص ٣١- وهو فى السمط أيضا له (١٧٩ و ٢١٧) ونسب فى اللسان (رفن) إلى الجعدي، قال البطليوسي فى الاقتضاب (٣٣٩) :
هذا البيت للنابغة الجعدي وهو من الشعر المنحول له.
(٢) «وإلى مدين... من فى العير» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة (فتح الباري ٨/ ٢٦٧).
«وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا» (٩٢) مجازه: ألقيتموه خلف ظهوركم فلم تلتفتوا إليه، ويقال: للذى لا يقضى حاجتك ولا يلتفت إليها: ظهرت بحاجتي وجعلتها ظهريّة أي خلف ظهرك «١» وقال:
وجدنا بنى البرصاء من ولد الظّهر «٢»
أي من الذين يظهرون بهم ولا يلتفتون إلى أرحامهم. «٣»
«أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ» (٩٦) مجازه: بعدا لأهل مدين، ومجاز «ألا» مجاز التوكيد والتثبيت والتنبيه ونصب «بعدا» كما ينصبون المصادر التي فى مواضع الفعل كقولهم: بعدا وسحقا وسقيا ورعيا لك وأهلا وسهلا.
«الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ» (٩٩) «٤» مجازه مجاز العون المعان، يقال: رفدته عند الأمير، أي أعنته وهو من كل خير وعون، وهو مكسور الأول وإذا فتحت أوله فهو القدح الضّخم قال الأعشى:
(١) «ويقال... ظهرك» : راجع الطبري ١٢/ ٦٠.
(٢) : عجز بيت صدره:
فمن مبلغ أبناء مرة أننا
وهو لأرطأة بن سهية فى اللسان (ظهر) وفى الطبري غير مغزو ١٢/ ٦٠. [.....]
(٣) «أي... أرحامهم» : هكذا فى التاج (ظهر).
(٤) «الرفد المرفود» : فى البخاري: العون المعين، رفدته أعنته. قال ابن حجر (٨/ ٢٢٧) : كذا وقع فيه. وقال أبو عبيدة: «الرفد المرفود»...
أعنته. قال الكرماني: وقع فى النسخة التي عندنا العون المعين والذي يدل عليه التفسير المعان.
ربّ رفد «١»
«غَيْرَ تَتْبِيبٍ» (١٠٢) أي تدمير وإهلاك وهو من قولهم: تبّبته وفى القرآن: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ» (١٨/ ١) ويقال: تبّا لك.
«عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» (١٠٩) أي غير مقطوع، ويقال: جذذت اليمين أي الحلف، «جذّ الصّليّانة» «٢» أي حلف فقطعها ومنه جذذت الحبل إذ قطعته، ويقال: جذّ الله دابرهم، «٣» أي قطع أصلهم وبقيّتهم.
«فِي مِرْيَةٍ» (١١٠) أي فى شكّ، ويكسر أولها ويضمّ، ومرية الناقة مكسورة وهى درّتها، وكذلك مرية الفرس وهى أن تمرية بساق أو زجر أو سوط.
(١) : مطلع بيت تمامه:
رب رفد هرقته ذلك الي... وم وأسرى من معشر أقتال
فى ديوانه ١٣- والطبري ١٢/ ٦٣.
(٢) «جذ الصليانة» : هذا مثل نصه: «جذها جذ العير الصليانة». وهو فى جمهرة الأمثال ١/ ٢٢٦ والميداني ١/ ١٠٧ واللسان (جذذ) والفرائد ١/ ١٣٤.
والصليان بقل ربما اقتلعه العير من أصله إذا ارتعاه ووزنه فعيلان يضرب لمن يسرع الحلف من غير تمسكث. والهاء فى جذها: كناية عن اليمين.
(٣) «جذ... دابرهم». مثل أيضا، وهو فى مجمع الأمثال للميدانى ١/ ١١٩ والفرائد ١/ ١٤٩.
«وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» (١١٣) أي لا تعدلوا ولا تنزعوا إليهم ولا تميلوا، ويقال: ركنت إلى قولك أي أردته وأحببته وقبلته، ومجاز «ظلموا» هاهنا: كفروا.
«وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ» (١١٥) أي ساعات وواحدتها زلفة، أي ساعة ومنزلة وقربة ومنها سميت المزدلفة، قال العجّاج:
ناج طواه الأين مما وجفا طىّ اللّيالى زلفا فزلفا «١»
سماوة الهلال حتى احقوقفا «٢»
[سماوته: شخصه وسماوة الرجل شخصه، ووقع، طىّ على ضمير فعل للمطى فيصير به فاعلا].
«فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ» (١١٧) مجازه: فهلا «٣» كان من القرون الذين من قبلكم ذووا بقية، أي يبقون و «يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ
(١) «وزلفا... فزلفا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري ٨/ ٢٦٨.
(٢) ديوانه ٨٤- والكتاب ١/ ١٥٠ والطبري ١٢/ ٧٢ والصحاح واللسان والتاج (زلف) والشنتمرى ١/ ١٨٠ وفتح الباري.
(٣) «فلولا... فهلا» : وفى البخاري: فلولا كان فهلا كان. قال ابن حجر: (٨/ ٢٦٧) وهو قول أبى عبيدة، قال فى قوله تعالى: «فلولا» الآية إلى قوله «من القرون».
300
فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ» منصوب لأنه استثناء من هؤلاء القرون وهم ممن أنجينا، ومجازه: مجاز المختصر الذي فيه ضمير: فلولا كان من القرون الذين كانوا من قبلكم.
«ما أُتْرِفُوا فِيهِ» (١١٧) «١» أي ما تجبّروا وتكبّروا عن أمر الله وصدّوا عنه وكفروا، قال:
تهدى رؤوس المترفين الصّدّاد إلى أمير المؤمنين الممتاد «٢»
الممتاد من ماد يميد.
(١) «ما أترفوا... عنه» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة (فتح الباري ٨/ ٢٦٧).
(٢) البيت فى ديوان العجاج ٤٠- وفى الطبري ١٢/ ٧٩.
301
Icon