تفسير سورة الحديد

الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية
تفسير سورة سورة الحديد من كتاب الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المعروف بـالفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية .
لمؤلفه النخجواني . المتوفي سنة 920 هـ

ربك عن شوب مطلق الريب والتخمين بذكر اسمه العظيم المستجمع لعموم أسمائه الحسنى وصفاته العليا فإنك يا أكمل الرسل متمكن على مرتبة الحق اليقين في مطلق اسماء الله وصفاته. جعلنا الله ممن اتصف بحق اليقين وخلص عن امارات الريب والتخمين وسلّم من التردد والتلوين بمنه وجوده
خاتمة سورة الواقعة
عليك ايها السالك القاصد لانكشاف مراتب الوجود بطريق الكشف والشهود والاطلاع على ما فيها من شوائب الكفر والجحود والانحراف عن الطريق المعهود الذي نزل بتبيينه الكتب والرسل ان تتأمل في عموم أوقاتك وحالاتك بما في هذه السورة العظيمة الشأن البديعة البرهان وتعرض على نفسك دائما احوال الفرق الثلاثة المذكورة فيها وتذكرها عليها حتى يظهر لك انك مع من هو من هؤلاء الفرق اما من السابقين المقربين المقبولين أم من اصحاب اليمين الموفقين المحسنين أم من المكذبين الضالين المعذبين وبالجملة اعبد ربك حتى يأتيك اليقين
[سورة الحديد]
فاتحة سورة الحديد
لا يخفى على من تحقق بوحدة الحق وانكشف بقضاء صمديته وسعة مملكته واستيلاء بسطته وسلطنته الغالبة ان عموم ما ظهر وبطن غيبا وشهادة انما هي من الذاتية وتجلياته الجمالية والجلالية المترتبة على أسمائه وصفاته الذاتية والفعلية لذلك نطقت بوحدته ألسنة عموم مظاهره ومصنوعاته ونزهته عما لا يليق بشأنه كما اخبر سبحانه عن تسبيحهم تنبيها وإرشادا لعباده وحثا لهم الى التوجه والرجوع نحو بابه فقال بعد ما تيمن باسمه الأعلى بِسْمِ اللَّهِ الذي ظهر على عموم ما ظهر وبطن بمقتضى التجلي الحبى الرَّحْمنِ عليهم بسعة رحمته ووفور جوده وإحسانه الرَّحِيمِ لخواص عباده يوصلهم الى فضاء توحيده
[الآيات]
سَبَّحَ لِلَّهِ الواحد الأحد الصمد المستقل بالقيومية والبقاء المتفرد بالتحقق والثبوت على وجه الديمومية الحي الحقيق بالالوهية والرب اللائق بالربوبية مظاهر ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الكوائن العلوية والسفلية الغيبية والشهادية ونزهه عن مطلق النقائص المنافية لوجوب وجوده وصرافة وحدته الذاتية بعد ما اعترفت ألسنة استعدادات الكل بربوبيته طوعا واشتغلوا بلوازم عبوديته رغبة وَكيف لا يسبحونه ولا يعظمونه سبحانه مع انه هُوَ الْعَزِيزُ الغالب القادر المقتدر على وجوه الانعام والانتقام الْحَكِيمُ المتقن في ايجادهما وإظهارهما على وفق الارادة والاختيار
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى مؤثرات الفواعل العلوية التي هي عبارة عن آثار الأسماء والصفات الإلهية المعبرة بالأعيان الثابتة ومتأثرات القوابل السفلية التي هي عبارة عن استعدادات الطبائع والهيولى المنفعلة منها إذ هو سبحانه بتوحده واستقلاله يُحْيِي وَيُمِيتُ اى يتصرف في ملكه وملكوته بالاحياء والاماتة والنزع واللبس بالإرادة والاختيار وَبالجملة هُوَ سبحانه عَلى كُلِّ شَيْءٍ دخل في حيطة حضرة علمه ولوح قضائه قَدِيرٌ بالقدرة التامة الكاملة مع انه لا يعزب عن حيطة حضرة علمه الحضوري ذرة مما لمع عليه برق وجوده الوحدانى حسب جوده الفردانى وكيف لا يقدر سبحانه على التصرف بالاستقلال والاختيار في ملكه وملكوته إذ
هُوَ الْأَوَّلُ الأزلى السرمدي السابق في الوجود والتحقق وَكذا هو ايضا الْآخِرُ الأبدي الدائم المستمر فيه بلا انقضاء
ولا انتهاء وَكذا هو الظَّاهِرُ المتحقق في الشهادة والعيان وَهو ايضا الْباطِنُ المكنون في عموم الأكوان فانظر ايها الناظر المعتبر هل بقي لغيره وجود ولسواه عين وشهود وَبالجملة هُوَ بذاته بِكُلِّ شَيْءٍ ظهر من امتداد اظلاله وانعكاس اشعة نور وجوده عَلِيمٌ بحضرة علمه الذي هو عين ذاته وحضوره غير مغيب عنه مطلقا ومن كمال علمه وارادته ووفور حكمته وقدرته
هُوَ الَّذِي خَلَقَ وقدر ظهور السَّماواتِ المطبقة المعلقة وَالْأَرْضَ المفروشة الممهدة فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ حسب عدد الأقطار والجهات ومقدارها ثُمَّ بعد ما كمل الكل قد اسْتَوى وتمكن عَلَى الْعَرْشِ اى على عروش مطلق المظاهر بالاستيلاء التام والاستقلال الكامل بحيث يَعْلَمُ بعلمه الحضوري ما يَلِجُ ويدخل فِي الْأَرْضِ من حبات البذور وفي أراضي الاستعدادات من بذور المعارف والحقائق وحبوب العلوم اللدنية وَيعلم ايضا ما يَخْرُجُ مِنْها من انواع النباتات ومن اصناف المكاشفات والمشاهدات المترتبة على بذور المعارف والحقائق وصالحات الأعمال ومطلق الخيرات والحسنات وَكذا يعلم بعلمه الحضوري ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ اى عالم الأسباب من السحب والأمطار او من سماء الأسماء الذاتية والصفات الإلهية من مياه العلوم اللدنية والإدراكات الكشفية المحيية لأراضي الاستعدادات وَكذا يعلم ما يَعْرُجُ فِيها من الابخرة والادخنة او الكلمات الطيبة الصاعدة الجالبة لفيضان اليقين والعرفان من المبدأ الفياض وَبالجملة هُوَ سبحانه مَعَكُمْ ايها المظاهر أَيْنَ ما كُنْتُمْ لا معية ذاتية ولا زمانية لا بطريق المقارنة والمخالطة ولا بطريق الاتحاد والحلول بل بطريق الظهور والظلية والحضور ورش النور وَبالجملة اللَّهُ المحيط بكم المظهر لأشباحكم بمد ظله عليكم بِما تَعْمَلُونَ من مطلق الأعمال والأفعال وعموم الحركات والسكنات وجميع الحالات بَصِيرٌ عليم يجازيكم عليها بمقتضى علمه وبصارته في يوم العرض والجزاء إذ
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يتصرف فيهما إيجادا أولا واماتة واعداما ثانيا واعادة وبعثا ثالثا وَبعد البعث والإعادة إِلَى اللَّهِ لا الى غيره من الوسائل والأسباب العادية تُرْجَعُ الْأُمُورُ اى رجوع عموم الأمور اليه سبحانه في المعاد والمآل كما ان ظهوره منه في المبدأ والمنشأ إذ منه الابتداء واليه الانتهاء ومن تصرفاته المتقنة في ملكه على وفق حكمته انه
يُولِجُ ويدخل اللَّيْلَ اى بعض اجزائه فِي النَّهارِ في فصل الربيع والشتاء وَيُولِجُ النَّهارَ اى بعض اجزائه ايضا فِي اللَّيْلِ في فصل الصيف والخريف حكمة ومصلحة لمعاش عموم الحيوانات ومحافظة لها عن كلى طرفي الإفراط والتفريط وَبالجملة هُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ اى بمكنونات ضمائركم ومقتضيات استعداداتكم وبعد ما علم واطلع سبحانه منكم ومن استعداداتكم وقابلياتكم ما ليس لكم به علم
آمِنُوا اى انقادوا وأطيعوا حق الإطاعة والانقياد بِاللَّهِ المطلع على عموم مصالحكم وَرَسُولِهِ المستخلف منه النائب عنه سبحانه المبعوث من لدنه لإرشادكم وتكميلكم وَبعد ايمانكم وإطاعتكم أَنْفِقُوا بمقتضى الأمر الوجوبي الإلهي المنبئ عن محض الحكمة والمصلحة مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ اى من أموالكم ومنسوباتكم التي قد استخلفكم الحق سبحانه عليها إذ هي كلها لله إذ العبد وما في يده لمولاه حقيقة لا لكم كما زعمتم فعليكم الامتثال بعموم الأوامر الإلهية سيما امر الانفاق والإيثار الذي يزكى نفوسكم من الميل الى مزخرفات الدنيا العائقة عن الوصول الى جنة المأوى التي هي
مقام التسليم والرضاء فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وأكدوا ايمانهم بالإخلاص في عموم الأعمال والأفعال والأخلاق وَأَنْفِقُوا بلا شوب المن والأذى وشين السمعة والرياء لَهُمْ بسبب ايمانهم وانفاقهم على وجه الإخلاص أَجْرٌ كَبِيرٌ لا اجر اكبر منه وأعلى. ثم قال سبحانه على طريق الحث والإلزام المشعر بالوعيد
وَما لَكُمْ اى أى شيء عرض عليكم ولحق بكم ايها المكلفون حتى لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ الواحد الأحد الفرد الصمد المستحق للاطاعة والايمان وَلا سيما الرَّسُولُ المبلغ الكامل في الهداية والتكميل يَدْعُوكُمْ بمقتضى الوحى والإلهام الإلهي المنزل من عنده لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ مع انه صلّى الله عليه وسلّم مؤيد بالمعجزات الساطعة والحجج القاطعة الدالة على صدقه في دعوته من عنده ودعواه في رسالته الى كافة الأنام وَالحال انه قَدْ أَخَذَ الله العليم العلام باستعداداتكم منكم مِيثاقَكُمْ وعهدكم بالإيمان في سالف الزمان اى في مبدأ فطرتكم ومنشأ جبلتكم مع انه سبحانه قد جبلكم حين قدر خلقكم وانشأ فطرتكم على جبلة التوحيد والايمان فماذا يمنعكم عنه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بسبب وموجب فهذا موجب عظيم لا مزيد عليه إذ
هُوَ سبحانه الحكيم العليم الَّذِي يُنَزِّلُ من مقام فضله وجوده عَلى عَبْدِهِ محمد صلّى الله عليه وسلم آياتٍ بَيِّناتٍ مبينات واضحات لِيُخْرِجَكُمْ الله سبحانه اصالة ورسوله تبعا وإرشادا مِنَ الظُّلُماتِ المتراكمة المتكاثفة من لوازم الطبيعة ولواحق الهيولى إِلَى النُّورِ اى نور الوجود البحت الخالص عن مطلق القيود وَاعلموا ايها المكلفون إِنَّ اللَّهَ الرقيب المحافظ عليكم مشفق بِكُمْ منكم لأنفسكم بارادة إخراجكم من ظلمات الجهل الى نور اليقين وانه لَرَؤُفٌ عطوف رَحِيمٌ متناه في الرحمة والرأفة
وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا اى أى شيء يمنعكم عن الانفاق فِي سَبِيلِ اللَّهِ من مال الله تقربا اليه وطلبا لمرضاته وامتثالا لأوامره وَكيف لا يكون أموالكم لِلَّهِ الغنى بذاته المستغنى عن مطلق مظاهره ومصنوعاته مع انه له سبحانه مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى عموم ما في العلويات والسفليات والممتزجات والحال انه هو غنى بذاته عن انفاقكم وبذلكم الا انه لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ اى أنفق قبل فتح مكة شرفها الله ممتثلا لأمر الله مجتهدا في تقوية دين الإسلام وترويجه وظهوره على الأديان الباطلة وتكثير اهل الحق وتغليبه وَمع إنفاقه على المقاتلين في سبيل الله لإعلاء كلمة توحيده قد قاتَلَ هو ايضا بنفسه وسعى ببذل المال والروح في طريق الحق وترويجه وبالجملة أُولئِكَ السعداء المنفقون المقاتلون هم أَعْظَمُ دَرَجَةً وأكرم مثوبة ومقاما عند الله مَنْ المؤمنين الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ اى بعد فتح مكة وغلبة المسلمين وظهور دين الإسلام على عموم الأديان وَقاتَلُوا بعده مع كثرة المقاتلين وَبالجملة كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى اى قد وعد الله كلا من المسلمين المبادرين والمبطئين الموعدة الحسنى والدرجة العليا والمثوبة العظمى حسب سعيهم واجتهادهم في تقوية الشرع وترويج الدين القويم وَبالجملة اللَّهِ المطلع بسرائر عباده بِما تَعْمَلُونَ اى بعموم أعمالكم وأحوالكم خالصا ومشوبا صالحا وطالحا خَبِيرٌ بصير لا يعزب عن خبرته شيء منها يجازيكم على مقتضى خبرته. ثم قال سبحانه على سبيل الحث والترغيب
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ وينفق في سبيله من أكرم أمواله قَرْضاً حَسَناً بلا شوب المن والأذى وشين السمعة والرياء طلبا لمرضاته سبحانه فَيُضاعِفَهُ لَهُ اى يضاعف له اعواضه واخلافه في الدنيا كرامة عليه وفضلا
وَمع ذلك لَهُ في الآخرة أَجْرٌ كَرِيمٌ وفوز عظيم لا فوز أعظم منه وأكرم ألا وهو التحقق بمقام الرضاء والتسليم والاستغراق بمطالعة وجه الله الكريم اذكر يا أكمل الرسل على سبيل التبشير
يَوْمَ تَرَى ايها المعتبر الرائي الْمُؤْمِنِينَ الموحدين الموقنين المخلصين وَالْمُؤْمِناتِ ايضا كذلك يَسْعى نُورُهُمْ اى نور يقينهم وعرفانهم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ اى امامهم وقدامهم وَبِأَيْمانِهِمْ إذ إتيان الكرامة انما هو من هاتين الجهتين فيقول لهم حينئذ من يتلقاهم من الملائكة بُشْراكُمُ الْيَوْمَ دخول جَنَّاتٌ متنزهات العلم والعين والحق تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اى انهار المعارف والحقائق لا بحسب وقت دون وقت بل خالِدِينَ فِيها دائمين ذلِكَ اى الخلود في الجنة الموعود هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ والنوال الكريم لا فوز أعظم منه عند المكاشفين المشاهدين. ثم عقب سبحانه وعد المؤمنين بوعيد المنافقين فقال ايضا على وجه العظة والتذكير
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ المبطلون المستمرون على النفاق والشقاق مع اهل الحق وَالْمُنافِقاتُ ايضا كذلك لِلَّذِينَ آمَنُوا حين يرونهم يسعى نورهم بين أيديهم وبايمانهم انْظُرُونا ايها السعداء المحقون والتفتوا نحونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ إذ نحن في ظلمة شديدة قِيلَ لهم من قبل الحق على سبيل التوبيخ والتقريع ارْجِعُوا وَراءَكُمْ اى الى دار الاعتبار والاختبار فَالْتَمِسُوا نُوراً واقتبسوه من مشكاة النبوة والولاية بامتثال الأوامر والنواهي الموردة من عنده سبحانه على رسله بالحكم والأسرار الصادرة من السنة اولى العزائم الصحيحة المنجذبين نحو الحق من طريق الفناء فيه بالموت الإرادي. واعلموا ان اكتساب النور واقتباسه انما هو في دار العبرة والغرور لا في دار الحضور والسرور وبعد ما جرى بينهم ما جرى فَضُرِبَ وحيل حينئذ بَيْنَهُمْ اى بين المؤمنين والمنافقين بِسُورٍ حائط حائل لَهُ اى للسور بابٌ مفتوح يدخل منه المؤمنون باطِنُهُ اى باطن الباب فِيهِ الرَّحْمَةُ النازلة من قبل الحق بمقتضى اسم الرحمن على اهل الايمان والعرفان وَظاهِرُهُ اى ظاهر الباب مِنْ قِبَلِهِ سبحانه بمقتضى اسمه المنتقم الْعَذابُ النازل على اهل النفاق والطغيان
يُنادُونَهُمْ اى المنافقون المؤمنين حال ستروا عن أعينهم وبقوا في الظلمة والعذاب محرومين قائلين متضرعين أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ايها الرفقاء في دار الدنيا مسلمين منقادين لأحكام الإسلام ممتثلين بأوامر الكلام الإلهي ونواهيه أمثالكم قالُوا اى المؤمنون في جوابهم من السور الحائل بَلى أنتم معنا ظاهرا وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بالنفاق والشقاق حسب باطنكم وَمع ذلك قد تَرَبَّصْتُمْ وانتظرتم بالمؤمنين المقت والدوائر وَارْتَبْتُمْ ترددتم وشككتم في حقية الدين القويم وظهوره على الأديان كلها وَبالجملة قد غَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ والاهوية الفاسدة والآراء الباطلة مدى العمر فانتظرتم بالمؤمنين ريب المنون وقد كنتم أنتم على أمانيكم هذه وتطيراتكم حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ الذي هو الموت فمتم منافقين مخادعين وَبالجملة قد غَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ الذي هو شياطين امارتكم وأمانيكم وتسويلات نفوسكم وقواكم وبعد ما قد وقع ما وقع
فَالْيَوْمَ الذي تبلى السرائر فيه لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ ايها المنافقون المخادعون فِدْيَةٌ تفتدون بها لتخليصكم من العذاب لا منكم ايها المنافقون وَلا مِنَ إخوانكم الَّذِينَ كَفَرُوا مجاهرين مصرين على ما هم عليه بلا مبالاة بالدين والدعوة وبالجملة مَأْواكُمُ ومحل رجوعكم وقراركم اليوم جميعا النَّارُ المعدة المسعرة لكم ايها المنافقون بالكفر والمجاهرون به هِيَ
مَوْلاكُمْ
اى النار اولى بكم وأليق بحالكم وَبالجملة بِئْسَ الْمَصِيرُ والمرجع النار المعدة للكفار الأشرار. ثم قال سبحانه على سبيل الحث والترغيب والتشويق
أَلَمْ يَأْنِ اى لم يقرب الوقت ولم يحضر الأوان لِلَّذِينَ آمَنُوا بوحدة الحق وبكمالات أسمائه وصفاته أَنْ تَخْشَعَ اى تخضع وتلين وترق قُلُوبُهُمْ التي هي وعاء الايمان والعرفان لِذِكْرِ اللَّهِ الواحد الأحد الفرد الصمد المستجمع لعموم الأسماء والصفات الإلهية المسقط لجميع الإضافات وَما نَزَلَ في كتابه المبين لطريق توحيده مِنَ الْحَقِّ الحقيق بالامتثال والاتباع اى من الأوامر والنواهي المعدودة فيه لتهذيب الظاهر والباطن والرموز والإشارات المصفية للسر عن الالتفات الى ما سوى الحق وَبالجملة لا يَكُونُوا ايها المؤمنون في الاعراض عن كتاب الله والانصراف عما فيه من الحكم والمصالح كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ وهم اليهود والنصارى فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ ومضى الازمنة والأوان بينهم وبين أنبيائهم فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ عن الايمان مع ان الكتب بين أظهرهم وَلا تفيدهم بل كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ خارجون عن مقتضيات الأوامر والنواهي والحدود والاحكام المذكورة في كتبهم وما هي الا من فرط قساوتهم وغفلتهم فعليكم ايها المؤمنون ان لا تكونوا أمثالهم مع نبيكم ودينكم وكتابكم
اعْلَمُوا ايها المؤمنون الموحدون المحمديون أَنَّ اللَّهَ المطلع على قابليات عباده واستعداداتهم الفطرية يُحْيِ الْأَرْضَ اى أراضي استعداداتكم بمياه المعارف والحقائق والمكاشفات والمشاهدات بَعْدَ مَوْتِها بالجهل والغفلة الناشئة من ظلمات الطبيعة والهيولى وبالجملة قَدْ بَيَّنَّا وأوضحنا لَكُمُ الْآياتِ الدالة على هدايتكم وتكميلكم في القرآن العظيم لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ رجاء ان تتأملوا فيها وتتعظوا بها وتفهموا إشاراتها وتعتبروا منها وتتفطنوا بما فيها من السرائر المرموزة والحكم المكنونة ومن علامات تعقلكم واتعاظكم التصدق والانفاق من مزخرفات الدنيا والتقرب بايثارها نحو المولى
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ اى المتصدقين وَالْمُصَّدِّقاتِ اى المتصدقات وَهم الذين قد أَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً خالصا عن شوب المن والأذى طلبا لمرضاته سبحانه يُضاعَفُ لَهُمْ صدقاتهم في النشأة الاولى وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ في النشأة الاخرى
وَبالجملة الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وأخلصوا في ايمانهم وأكدوه بصوالح أعمالهم وإحسانهم وَرُسُلِهِ المبعوثين إليهم الهادين لهم الى الايمان أُولئِكَ السعداء المقبولون هُمُ الصِّدِّيقُونَ
المبالغون في الصدق غايتها المقصورون على الإخلاص المتمكنون في منهج اليقين الحقي وَالشُّهَداءُ المكاشفون الحاضرون عِنْدَ رَبِّهِمْ المستغرقون بمطالعة لقائه الكريم لَهُمْ في النشأة الاخرى أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ الموعود لهم من قبل الحق على وجه لا مزيد عليه وَالمسرفون المفرطون الَّذِينَ كَفَرُوا بوحدة ذاتنا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا الدالة على استقلالنا في عموم تصرفاتنا عتوا وعنادا أُولئِكَ الأشقياء البعداء المردودون هم أَصْحابُ الْجَحِيمِ اى ملازموها وملاصقوها بحيث لا نجاة لهم منها أصلا
اعْلَمُوا ايها المكلفون المعتبرون أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا اى ما الحياة المستعارة الدنياوية وما حاصلها وجل متاعها الا لَعِبٌ مزخرف باطل عاطل في نفسها يلعب بها اهل الغفلة والحجاب ويتعبون بها نفوسهم طول دهرهم بلا طائل وَلَهْوٌ يلهيهم عما يهمهم ويعنيهم من الحياة الازلية الابدية ولوازمها وَزِينَةٌ قد زينها لهم شياطين قواهم وأمانيهم من المطاعم الشهية والملابس البهية واللذات الوهمية والشهوات البهيمية وَتَفاخُرٌ
بَيْنَكُمْ
بالمال والجاه والثروة والسيادة وبالاحساب والأنساب وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ بالمظاهرة والمعاونة وتكثير العدد والعدد والعقارات والتجارات والمواشي والزراعات الى غير ذلك من المزخرفات الفانية التي لإقرار لها ولا مدار بل مثلها كَمَثَلِ غَيْثٍ قد نزل وأنبت إنباتا بحيث قد أَعْجَبَ الْكُفَّارَ اى الحراث نَباتُهُ من كثرته ونضارته وكثافته ثُمَّ يَهِيجُ يجف وييبس بآفة وعاهة فَتَراهُ مُصْفَرًّا منكرا مكروها بعد ما كان مخضرا في كمال النزاهة والنضارة ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً هشيما تذروه الرياح حيث شاءت بلا فائدة ولا عائدة وَمع هذه الخسارة والحرمان في النشأة الاولى لأهل الغفلة والخذلان يكون لهم فِي النشأة الْآخِرَةِ المعدة للجزاء عَذابٌ شَدِيدٌ بسبب اشتغالهم بالدنيا وما فيها وَبالجملة مَغْفِرَةٌ ستر ومحو لذنوب اصحاب المعاملات ناشئة مِنَ اللَّهِ الغفور الرحيم بمقتضى لطفه وسعة رحمته وجوده وَرِضْوانٌ منه سبحانه لأرباب القلوب والمكاشفة خير من الدنيا وما فيها بل من اضعافها وآلافها عند من تحقق برتبة الإنسان وسعة قلبه المصور على صورة الرحمن وَبالجملة مَا الْحَياةُ الدُّنْيا عند الأحرار الأبرار البالغين بدرجة الاعتبار والاستبصار إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ ومخايل الخديعة والزور ومن اغتربها ولحق بما فيها فقد استحق الويل والثبور وحرم عليه الحضور والسرور. ومتى سمعتم ايها المؤمنون المعتبرون حال الدنيا ومآلها وحال العقبى وما يترتب عليها
سابِقُوا سارعوا بادروا بوفور الرغبة والرضاء إِلى تحصيل اسباب مَغْفِرَةٍ مرجوة مِنْ رَبِّكُمْ الذي رباكم على فطرة الهداية والتوحيد وَوسائل دخول جَنَّةٍ وسيعة فسيحة عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ بحسب متفاهم العرف وإلا فلا يكال سعة الجنان وعرش الرحمن وقلب الإنسان الكامل كما يشهد به قلب العارف المحقق المتحقق بمقام القلب الذي هو وعاء الحق المنزه عن مطلق المقادير والتقادير قد أُعِدَّتْ وهيئت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ على وجه الإخلاص وأكدوا ايمانهم وإخلاصهم بالرضاء والتسليم بعموم ما جرى عليهم من القضاء وفوضوا أمورهم كلها الى المولى حتى صار علمهم منتهيا الى العين وعينهم الى الحق ذلِكَ التحقيق والانتهاء فَضْلُ اللَّهِ بلا سبق شيء يوجبه ويجلبه وعبودية تستحقه بل يُؤْتِيهِ ويعطيه مَنْ يَشاءُ عناية منه سبحانه وإحسانا ناشئا من محض الارادة والاختيار كيف وَاللَّهُ الغنى بذاته المستغنى مطلقا عن عبادة مظاهره واظلاله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ والكرم العميم يمن على من يشاء من عباده مما يمن بمقتضى سعة رحمته وجوده حسب علمه المحيط باستعداداتهم وقابلياتهم إذ
ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ اى ما حدث من حادثة مفرحة او موحشة كائنة فِي الْأَرْضِ اى في اقطار الآفاق من الخصب والرخاء والزلزلة والوباء الى غير ذلك من المفرحات والموحشات الحادثة في الأنحاء والارجاء وَلا كائنة فِي أَنْفُسِكُمْ من العوارض السارة والشهوات الملذة او من الأمراض المردئة والملمات المؤلمة إِلَّا قد ثبت حدوثها في ساعة كذا في آن كذا على وجه كذا فِي كِتابٍ اى في حضرة العلم المحيط الإلهي ولوح قضائه على اختلاف العبارات مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها نخلقها ونظهرها اى ثبت حدوث الحادثة في وقتها في كتابنا قبل ان تخلق الحادثة بزمان لا يعلم احد مقداره الا نحن ولا تستبعدوا من قدرتنا أمثال هذا إِنَّ ذلِكَ الثبت والتقدير السابق وان كان عندكم عسير عَلَى اللَّهِ القادر المقتدر الغالب على عموم المقدورات يَسِيرٌ في جنب قدرته والحكمة في ثبتها قبل خلقها
لِكَيْلا تَأْسَوْا ولا تحزنوا ايها المجبولون
على فطرة الكفران والعصيان عَلى ما فاتَكُمْ من اللذات والشهوات وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ منها ليكون فرحكم سببا لكبركم وخيلائكم على ضعفاء الأنام وعدم قراءة السلام وَبالجملة اللَّهُ المطلع على ما في استعدادات عباده من النخوة والاستكبار لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ ذي كبر وخيلاء منهم فَخُورٍ مفاخر مباه بسبب المال والجاه والثروة والسيادة على اقرانه وأبناء جنسه وإذا كان الأمر كذلك فلا تسندوا الأمور مطلقا الى الأسباب والوسائل العادية ولا الى انفسكم بل فوضوها كلها الى الله وأسندوها اليه سبحانه بالأصالة فلا تفرحوا ولا تحزنوا بل أفنوا في الله وابقوا لتتمكنوا في مقعد صدق عند مليك مقتدر والمختالون المفتخرون هم
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويمسكون عن التصدق والانفاق ويجمعون من حطام الدنيا مقدار ما يفتخرون بها ويتفوقون على اقرانهم بسببها وَمن غاية بخلهم وامساكهم يَأْمُرُونَ النَّاسَ ايضا بِالْبُخْلِ لئلا يلحق عار البخل بهم خاصة وليعرضوا وليصرفوا ضعفاء الأنام عن امتثال امر الله بالإنفاق شحا وبخلا حتى لا ينالوا المثوبة العظمى والكرامة الكبرى في النشأة الاخرى من عنده سبحانه وَبالجملة مَنْ يَتَوَلَّ ويعرض عن الله ولم يشكر بنعمه ولم يواظب على أداء حقوق كرمه فلا يضره سبحانه ولا ينقص شيأ من علو شأنه وسمو برهانه فَإِنَّ اللَّهَ المتعزز برداء العظمة والكبرياء هُوَ الْغَنِيُّ بذاته عن اطاعة عباده وانفاقهم وكذا عن عصيانهم وكفرانهم الْحَمِيدُ حسب أسمائه وصفاته الذاتية بلا افتقار له الى محامد مظاهره ومصنوعاته. ثم قال سبحانه على سبيل الامتنان لعموم عباده إرشادا لهم الى سبيل السلامة والسداد وحثا لهم الى التزام الطاعات والعبادات المقربة لهم الى فضاء الوحدة
لَقَدْ أَرْسَلْنا من مقام عظيم جودنا رُسُلَنا المبعوثين الى هداية العباد وإرشادهم الى سبيل السداد وايدناهم بِالْبَيِّناتِ المعجزات الواضحات وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ المشتمل على الآيات الدالة على وحدة ذاتنا وكمالات أسمائنا وصفاتنا وَأنزلنا ايضا معهم الْمِيزانَ الموضوع للقسط والعدالة كل ذلك لِيَقُومَ النَّاسُ المجبولون على الغفلة والنسيان بِالْقِسْطِ والعدل السوى فيصيرون مستقيمين على صراط الله الأعدل الأقوم الذي هو الشرع القويم والدين المستقيم المنزل على الرسول المبعوث بالخلق العظيم وَأَنْزَلْنا ايضا الْحَدِيدَ لزجر المنحرف العنيد إذ فِيهِ اى في السيف الصارم الحديد المتخذ من الحديد بَأْسٌ شَدِيدٌ للمائلين عن جادة الشريعة والمترددين عن الدين القويم وَان كان ايضا فيه مَنافِعُ كثيرة لِلنَّاسِ لتوقف عموم الحرف والصنائع عليه وانما أرسل سبحانه وَانزل معه ما انزل لِيَعْلَمَ اللَّهُ اى يظهر ويميز من عباده مَنْ يَنْصُرُهُ سبحانه وَينصر رُسُلَهُ المرسلين من لدنه اى من ينصر دينه المنزل على كل واحد من رسله المبعوثين من عنده لإظهاره وترويجه بِالْغَيْبِ اى قيام الساعة وانكشاف السرائر وما ذلك الإرسال والإنزال منه سبحانه الا لابتلاء العباد واختبارهم والا فهو سبحانه منزه في ذاته عن اعانتهم ونصرهم إِنَّ اللَّهَ القادر المقتدر على انواع الانعام والانتقام قَوِيٌّ على إهلاك من أراد إهلاكه عَزِيزٌ غالب على عموم مقدوراته بلا مظاهرة ومعاونة وانما امر سبحانه بالجهاد لينالوا بامتثاله أعظم المثوبات. ثم قال سبحانه على سبيل التخصيص بعد التعميم للاعتناء والاهتمام بشأن المذكورين
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً الى قومه حين فشا الجدال والمراء بينهم وشاع ميلهم وانحرافهم عن المنهج القويم وَإِبْراهِيمَ حين ظهر الشرك وعبادة الأوثان
والأصنام بين قومه وَمن كمال تعظيمنا وتكريمنا إياهما جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ ابدا فَمِنْهُمْ اى بعض قليل من ذريتهما مُهْتَدٍ وَبعض كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ خارجون عن جادة العدالة والقسط الإلهي
ثُمَّ قَفَّيْنا وعقبنا عَلى آثارِهِمْ وبعد انقراضهم بِرُسُلِنا تترى وايدناهم بالكتب والصحف وانواع الآيات والمعجزات وَبعد ما انقرضوا ايضا قد قَفَّيْنا الكل بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وأيدناه بروح القدس وَمن كمال صفوته ونجابة عرقه وطينته قد جَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وآمنوا له وتدينوا بدينه رَأْفَةً عطفا ولينا بالنسبة الى عموم العباد الى حيث يعفون عن القاتل ولا يضربون الضارب والشاتم وَرَحْمَةً يرحمون بها عموم خلق الله وَمن شدة محبتهم ومودتهم بالنسبة الى الله قد اخترعوا رَهْبانِيَّةً وتزهدا يبالغون بها في عموم العبادات الى حيث لا يطعمون ولا يشربون أياما كثيرة ولا ينكحون في مدة اعمارهم قط ولا يختلطون مع الناس بل يوطنون نفوسهم في شعب الجبال وقلب الكهوف والاغوار وانما ابْتَدَعُوها كل ما ابتدعوها من تلقاء أنفسهم بلا رخصة ووحى منا إياهم إذ ما كَتَبْناها اى الرهبانية وما فرضناها وما قدرناها عَلَيْهِمْ حتما في دينهم وكتابهم بل ما اختاروها إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ وطلبا لمرضاته ومع ذلك فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها اى ما وافقت رهبانيتهم بدينهم وبكتابهم إذ قد كفروا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم مع ان الايمان به صلّى الله عليه وسلّم من أعظم معتقدات دينهم وكتابهم فتركوه ظلما وعدوانا وأنكروا عليه صلّى الله عليه وسلّم جهلا وعنادا له فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ بمحمد صلّى الله عليه وسلم أَجْرَهُمْ اى اجر ايمانهم وأعمالهم بأضعاف ما استحقوا وآلافها وَلكن كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ خارجون عن مقتضى دينهم وكتابهم بإنكار محمد صلّى الله عليه وسلم
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بالله على مقتضى دين الرسل الماضين صلوات الله عليهم وسلامه المبعوثين لتبيين طريق توحيد الصفات والأفعال اتَّقُوا اللَّهَ الواحد الأحد الصمد الغيور واحذروا عن بطشه بمخالفة امره وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ المرسل من عنده لتبيين طريق توحيده الذاتي يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ نصيبين مِنْ رَحْمَتِهِ سبحانه نصيب عظيم لأيمانكم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ونصيب آخر لأيمانكم لمن قبله من الرسل وَيَجْعَلْ لَكُمْ سبحانه ببركة ايمانكم بمحمد صلّى الله عليه وسلم نُوراً مقتبسا من مشكاة النبوة والرسالة المخصوصة بالحضرة الختمية الخاتمية المحمدية تَمْشُونَ بِهِ اى بذلك النور الى المحشر وَيَغْفِرْ لَكُمْ سبحانه ببركته ذنوبكم وَبالجملة اللَّهَ الفرد الصمد العليم الحكيم غَفُورٌ لذنوب عباده رَحِيمٌ لهم يرحمهم ويقبل توبتهم ان أخلصوا فيها وانما فعل بهم سبحانه ما فعل من الكرامات المضاعفة
لِئَلَّا يَعْلَمَ اى ليعلم يقينا أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ اى ان الشأن والأمر انهم لا يستطيعون عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ المكرم المفضل وثوابه بان يجلبوه بايمانهم وأعمالهم لو لم يرد سبحانه إتيانه لهم تفضلا وإحسانا وَيعلمون ايضا يقينا أَنَّ الْفَضْلَ المطلق والانعام العام والإحسان الكامل التام بِيَدِ اللَّهِ المتصرف بالاستقلال في ملكه وملكوته بالإرادة والاختيار وفي قبضة قدرته وتحت حكمه وحكمته يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ من عباده ارادة واختيارا وَبالجملة اللَّهِ المتعزز برداء العظمة والكبرياء ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ والطول العميم والكرم الجسيم سيما على ارباب العناية من عباده. جعلنا الله ممن تفضل عليه الحق حسب جوده وكرمه
Icon