تفسير سورة هود

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة هود من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة هود مكية كلها، غير هذه الآيات الثلاث، فإنهن نزلن بالمدينة، فالأولى قوله تعالى :﴿ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ﴾ [ آية : ١٢ ]، قوله تعالى :﴿ أولئك يؤمنون به... ﴾ [ آية : ١٧ ]، نزلت في ابن سلام وأصحابه، وقوله :﴿ إن الحسنات يذهبن السيئات... ﴾ [ آية : ١١٤ ]، نزلت في رهبان النصارى، والله أعلم، وهي مائة وثلاث وعشرون آية.

﴿ الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ﴾ من الباطل، يعني آيات القرآن.
﴿ ثُمَّ فُصِّلَتْ ﴾، يعني بينت أمره، ونهيه، وحدوده، وأمر ما كان وما يكون.
﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ ﴾، يقول: من عند حكيم لأمره.
﴿ خَبِيرٍ ﴾ [آية: ١] بأعمال الخلائق.﴿ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ ﴾، يعني ألا توحدوا.
﴿ إِلاَّ ٱللَّهَ ﴾، يعني كفار مكة.
﴿ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ ﴾، يعني من الله.
﴿ نَذِيرٌ ﴾ من عذابه.
﴿ وَبَشِيرٌ ﴾ [آية: ٢] بالجنة.﴿ وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ﴾ من الشرك.
﴿ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ ﴾ منه.
﴿ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً ﴾، يعني يعيشكم عيشاً حسناً في الدنيا في عافية ولا يعاقبكم بالسنين ولا بغيرها.
﴿ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾، يعني إلى منتهى آجالكم.
﴿ وَيُؤْتِ ﴾ في الآخرة.
﴿ كُلَّ ذِي فَضْلٍ ﴾ في العمل في الدنيا.
﴿ فَضْلَهُ ﴾ في الدرجات.
﴿ وَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾، يعني تعرضوا عن الإيمان.
﴿ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [آية: ٣]، يعني عظيم، فلم يتوبوا، فحبس الله عنهم المطر سبع سنين، حتى أكلوا العظام، والموتى، والكلاب، والجيف.﴿ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ ﴾ في الآخرة لا يغادر منكم أحد.
﴿ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من البعث وغيره.
﴿ قَدِيرٌ ﴾ [آية: ٤].
﴿ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ﴾، يعني يلوون، وذلك أن كفار مكة كانوا إذا سمعوا القرآن نكسوا رءوسهم على صدورهم كراهية استماع القرآن ﴿ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ ﴾، يعني من النبي صلى الله عليه وسلم، فالله قد علم ذلك منهم، ثم قال: ﴿ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ﴾، يعني يعلم ذلك.
﴿ يَعْلَمُ ﴾ الله حين يغطون رءوسهم بالثياب.
﴿ مَا يُسِرُّونَ ﴾ في قلوبهم، وذلك الخفي.
﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ بألسنتهم.
﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [آية: ٥]، يعني بما في القلوب من الكفر وغيره.﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ حيثما توجهت.
﴿ وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا ﴾ بالليل.
﴿ وَمُسْتَوْدَعَهَا ﴾ حيث تموت.
﴿ كُلٌّ ﴾ نفس كل المستقر والمستودع.
﴿ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٦]، يقول: هو بين في اللوح المحفوظ.
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ ﴾ وما بينهما.
﴿ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾، ثم استوى على العرش، يعني استقر على العرش.
﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ ﴾ قبل خلق السموات والأرض، وقبل أن يخلق شيئاً.
﴿ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾، يعني خلقهما لأمر هو كائن، خلقهما وما فيهما من الآيات ليختبركم.
﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ لربه.
﴿ وَلَئِن قُلْتَ ﴾ يا محمد لكفار مكة: ﴿ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾ من أهل مكة: ﴿ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٧]، يقول: ما هذا الذي يقول محمد صلى الله عليه وسلم إلا سحر بين، حين يخبرنا أنه يكون البعث بعد الموت.
﴿ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ ﴾، يعني كفار مكة.
﴿ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ ﴾، يعني إلى سنين معلومة، نظيرها في يوسف﴿ وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾[يوسف: ٤٥]، يعني بعد سنين، يعني القتل ببدر.
﴿ لَّيَقُولُنَّ ﴾ يا محمد ﴿ مَا يَحْبِسُهُ ﴾ عنا، يعنون العذاب تكذيباً، يقول الله: ﴿ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ ﴾ العذاب ﴿ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ ﴾، يقول: ليس أحد يصرف العذاب عنهم.
﴿ وَحَاقَ ﴾، يعني ودار ﴿ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ ﴾، يعني بالعذاب ﴿ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾ [آية: ٨] بأنه ليس بنازل بهم.﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ ﴾، يعني آتينا الإنسان ﴿ مِنَّا رَحْمَةً ﴾، يعني نعمة، يقول: أعطينا الإنسان خيراً وعافية.
﴿ ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ ﴾ عند الشدة من الخير.
﴿ كَفُورٌ ﴾ [آية: ٩] لله في نعمة الرخاء.﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ ﴾، يقول: ولئن آتيناه خيراً وعافية.
﴿ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ ﴾، يقول: بعد شدة وبلاء أصابه، يعني الكافر.
﴿ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ ﴾ الضراء الذي كان نزل به.
﴿ إِنَّهُ لَفَرِحٌ ﴾، يعني لبطر في حال الرخاء والعافية، ثم قال: ﴿ فَخُورٌ ﴾ [آية: ١٠] في نعم الله عز وجل، إذ لا يأخذها بالشكر. ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ﴾ على الضر.
﴿ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ ليسوا كذلك.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم.
﴿ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [آية: ١١]، يعني وأجر عظيم في الجنة.
﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ ﴾، وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم في يونس:﴿ ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ ﴾، ليس فيه ترك عبادة آلهتنا ولاعيبها،﴿ أوْ بَدِّلْهُ ﴾[يونس: ١٥] أنت من تلقاء نفسك، فهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يسمعهم عيبها رجاء أن يتبعوه، فأنزل الله تعالى: ﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ ﴾، يعني ترك ما أنزل إليك من أمر الآلهة.
﴿ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ﴾ في البلاغ، أراد أن يحرضه على البلاغ.
﴿ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ ﴾، يعني هلا.
﴿ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ ﴾، يعني المال من السماء فيقسمه بيننا.
﴿ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ ﴾ يعينه ويصدقه بقوله: إن كان محمد صادقاً في أنه رسول، ثم رجع إلى أول هذه الآية، فقال: بلغ يا محمد.
﴿ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [آية: ١٢]، يعني شهيد بأنك رسول الله تعالى.﴿ أَمْ ﴾، يعني بل.
﴿ يَقُولُونَ ﴾ إن محمداً ﴿ ٱفْتَرَاهُ ﴾، قالوا: إنما يقول محمد هذا القرآن من تلقاء نفسه.
﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة: ﴿ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾، يعنى مختلفات مثله، يعني مثل القرآن.
﴿ وَٱدْعُواْ ﴾، يعني واستعينوا عليه.
﴿ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ ﴾ من الآلهة التي تعبدون.
﴿ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ١٣] بأن محمداً تقوله من تلقاء نفسه. قال في هذه السورة: ﴿ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾، فلم يأتوا، ثم قال في سورة يونس:﴿ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ ﴾[يونس: ٣٨] واحدة، وفي البقرة، أيضاً:﴿ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ﴾[البقرة: ٢٣]، فقال الله في التقديم: ولن تفعلوا البتة أن تجيئوا بسورة:﴿ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ ﴾[البقرة: ٢٤] يعني فإذا لم تفعلوا، فاتقوا النار التي أعدت للكافرين.
﴿ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ ﴾ يعني النبي صلى الله عليه وسلم وحده، يقول: فإن لم تفعلوا ذلك يا محمد، فقل لهم: يا معشر كفار مكة: ﴿ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلِ ﴾ هذا القرآن ﴿ بِعِلْمِ ٱللَّهِ ﴾، يعني بإذن الله، وقراءة ابن مسعود: أنما أنزل بإذن الله.
﴿ وَ ﴾ اعلموا ﴿ وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ بأنه ليس له شريك، إن لم يجيئوا بمثل هذا القرآن قل لهم: ﴿ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾ [آية: ١٤]، يعني مخلصين بالتوحيد.
﴿ مَن كَانَ ﴾ من الفجار.
﴿ يُرِيدُ ﴾ بعمله الحسن ﴿ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ﴾ لا يريد وجه الله.
﴿ نُوَفِّ ﴾، يعني نوفي ﴿ إِلَيْهِمْ ﴾ ثواب ﴿ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ﴾، يعني في الدنيا من االخير والرزق، نظيرها في حم عسق، ثم قال: ﴿ وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ﴾ [آية: ١٥] نسختها الآية التى في بني إسرائيل،﴿ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ ﴾[الإسراء: ١٨]، يقول: وهم في الدنيا لا ينقصون من ثواب أعمالهم. ثم أخبر بمنزلتهم في الآخرة، فقال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا ﴾، يقول: بطل في الآخرة ما عملوا في الدنيا.
﴿ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٦]، فلم يقبل منهم أعمالهم؛ لأنهم عملوها للدنيا، فلم تنفعهم.
﴿ َفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ ﴾، يعني القرآن.
﴿ شَاهِدٌ مِّنْهُ ﴾، يقول: يقرؤه جبريل، عليه السلام، على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو شاهد لمحمد أن الذي يتلوه محمد من القرآن أنه جاء من الله تعالى. ثم قال: ﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ ﴾، يقول: ومن قبل كتابك يا محمد، قد تلاه جبريل على موسى، يعني التوراة.
﴿ إَمَاماً ﴾ يقتدى به، يعني التوراة.
﴿ وَرَحْمَةً ﴾ لهم من العذاب، لمن آمن به.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾، يعني اهل التوراة يصدقون بالقرآن كقوله في الرعد:﴿ وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ ﴾[الرعد: ٣٦]، يعني بقرآن محمد صلى الله عليه وسلم أنه من الله عز وجل.﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ ﴾ بالقرآن ﴿ مِنَ ٱلأَحْزَابِ ﴾، يعني ابن أمية، وابن المغيرة، وابن عبد الله المخزومى، وآل أبي طلحة بن عبد العزى.
﴿ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ ﴾، يقول: ليس الذي عمل على بيان من ربه كالكافر بالقرآن موعده النار ليسوا بسواء.
﴿ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ﴾، وذلك أن كفار قريش قالوا: ليس القرآن من الله، إنما تقوله محمد، وإنما يلقيه الري، وهو شيطان يقال له: الري، على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: ﴿ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ﴾، يقول: في شك من القرآن.
﴿ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ﴾، إنه من الله عز وجل، وأن القرآن حق من ربك.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ١٧]، يعني ولكن أكثر أهل مكة لا يصدقون بالقرآن أنه من عند الله تعالى. ثم ذكرهم، فقال: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ ﴾، يقول: فلا أحد أظلم ﴿ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ ﴾، يعني تقول: ﴿ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً ﴾ بأن معه شريكاً.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ الكذبة ﴿ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ ﴾، يعني الأنبياء، ويقال: الحفظة، ويقال: الناس، مثل قول الرجل: على رءوس الأشهاد.
﴿ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ ﴾، يعني بالأشهاد، يعني الأنبياء، فإذاعرضوا على ربهم، قالت الأنبياء: نحن نشهد عليكم أنا شهدنا بالحق فكذبونا، ونشهد أنهم كذبوا على ربهم، وقالوا: إن مع الله شريكاً.
﴿ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ١٨]، يعني المشركين، نظيرها في الأعراف:﴿ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ ﴾[الأعراف: ٤٤].
ثم أخبر عنهم فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾، يعني دين الإسلام.
﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾، يقول: ويريدون بملة الإسلام زيفاً.
﴿ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ ﴾، يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال.
﴿ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ [آية: ١٩]، يعني بأنه ليس بكائن. ثم نعتهم، فقال: ﴿ أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ ﴾، يعني بسابقى الله ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ هرباً حتى يجزيهم بأعمالهم الخبيثة.
﴿ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ﴾، يعني أقرباء يمنعونهم من الله.
﴿ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ ﴾، يعني ما كانوا على سمع إيمان بالقرآن.
﴿ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ ﴾ [آية: ٢٠] الإيمان بالقرآن؛ لأن الله جعل في آذانهم وقراً، وعلى أبصارهم غشاوة. ثم نعتهم، فقال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ﴾، يعني غبنوا أنفسهم.
﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ [آية: ٢١].
﴿ لاَ جَرَمَ ﴾ حقاً.
﴿ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ ﴾ [آية: ٢٢].
ثم أخبر عن المؤمنين وما أعد لهم، فقال: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ ﴾، يعني وأخلصوا إلى ربهم.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آية: ٢٣] لا يموتون. ثم ضرب مثلاً للمؤمنين والكافرين، فقال: ﴿ مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ ﴾ المؤمن والكافر.
﴿ كَٱلأَعْمَىٰ ﴾ عن الإيمان لا يبصر.
﴿ وَٱلأَصَمِّ ﴾ عن الإيمان.
﴿ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ ﴾ للإيمان.
﴿ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ﴾، يقول: هل يستويان فى الشبه، فقالوا: لا، فقال: ﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٢٤] أنهما لا يستويان فتعتبروا.
ولما كذب كفار مكة محمداً بالرسالة، أخبر الله محمداً، عليه السلام، أنه أرسله رسولاً كما أرسل نوحاً، وهوداً، وصالحاً، ولوطاً، وشعيباً، في هذه السورة، فقال: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ ﴾، فقال لهم: ﴿ إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ ﴾ من العذاب في الدنيا.
﴿ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٢٥]، يعني بين، نظيرها في سورة نوح. ثم قال: ﴿ أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ ﴾ في الدنيا.
﴿ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴾ [آية: ٢٦]، يعني وجيع.﴿ فَقَالَ ٱلْمَلأُ ﴾ الأشراف ﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا ﴾، يعني إلا آدمياً مثلنا لا تفضلنا بشىء.
﴿ وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا ﴾، يعني الرذالة من الناس السفلة.
﴿ بَادِيَ ٱلرَّأْيِ ﴾، يعني بدا لنا أنهم سفلتنا.
﴿ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ ﴾ في ملك ولا مال ولا شيء فنتبعك، يعنون نوحاً.
﴿ بَلْ نَظُنُّكُمْ ﴾، يعني نحسبك من الـ ﴿ كَاذِبِينَ ﴾ [آية: ٢٧] حين تزعم أنك رسول نبي.﴿ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ ﴾، يعني بيان من ربي.
﴿ وَآتَانِي رَحْمَةً ﴾، يعني وأعطاني نعمة.
﴿ مِّنْ عِندِهِ ﴾، وهو الهدى.
﴿ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾، يعني فخفيت عليكم الرحمة.
﴿ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا ﴾، يعني الرحمة، وهي النعمة والهدى.
﴿ كَارِهُونَ ﴾ [آية: ٢٨].
﴿ وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً ﴾، يعني جُعلاً على الإيمان.
﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾، يعني ما جزائى.
﴿ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ في الآخرة.
﴿ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ ﴾، يعني وما أنا بالذي لا أقبل الإيمان من السفلة عندكم، ثم قال: ﴿ إِنَّهُمْ مُّلاَقُو رَبِّهِمْ ﴾، فيجزئهم بإيمانهم، كقوله:﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ﴾[الشعراء: ١١٣]، يعني لو تعلمون إذا لقوه.
﴿ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ﴾ [آية: ٢٩]ما آمركم به، وما جئت به.﴿ وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي ﴾ يمنعني ﴿ مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ﴾، يعني إن لم أقبل منهم الإيمان، أي من السفلة.
﴿ أَفَلاَ ﴾، يعني أفهلا ﴿ تَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٣٠] أنه لا مانع لأحد من الله.﴿ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ ﴾، يعني مفاتيح الله بأنه يهدي السفلة دونكم.
﴿ وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ ﴾، يقول: ولا أقول لكم عندي غيب ذلك إن الله يهديهم، وذلك قول نوح في الشعراء:﴿ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾[الشعراء: ١١٢]، ثم قال لهم نوح: ﴿ وَلاَ أَقُولُ ﴾ لكم ﴿ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ من الملائكة، إنما أنا بشر، لقولهم:﴿ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا... ﴾[هود: ٢٧] إلى آخر الآية.﴿ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيۤ أَعْيُنُكُمْ ﴾، يعني السفلة.
﴿ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْراً ﴾، يعني إيماناً، وإن كانوا عندكم سفلة.
﴿ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ ﴾، يعني بما في قلوبهم، يعني السفلة من الإيمان، قال نوح: ﴿ إِنِّيۤ إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٣١] إن لم أقبل منهم الإيمان.﴿ قَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا ﴾، يعني ماريتنا.
﴿ فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ﴾، يعني مراءنا.
﴿ فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ ﴾ من العذاب.
﴿ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ [آية: ٣٢] بأن العذاب نازل بنا، لقوله في هذه الآية الأولى: ﴿ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيم ﴾ [هود: ٢٦].
وذلك أن الله أمر نوحاً أن ينذرهم العذاب في سورة نوح فكذبوه، فقالوا: ﴿ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾، بأن العذاب نازل بنا، فرد عليهم نوح: ﴿ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ ﴾، وليس ذلك بيدى.
﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ [آية: ٣٣]، يعني بسابقي الله بأعمالكم الخبثة حتى يجزيكم بها.﴿ وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ ﴾ فيما أحذركم من العذاب.
﴿ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ﴾، يعني يضلكم عن الهدى، فـ ﴿ هُوَ رَبُّكُمْ ﴾، ليس له شريك ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٣٤] بعد الموت، فيجزيكم بأعمالكم. ثم ذكر الله تعالى كفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم من أهل مكة؛ فقال: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ ﴾، نظيرها في حم الزخرف:﴿ أمْ أَنَآ خَيْرٌ ﴾، يعني بل أنا خير﴿ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ ﴾[الزخرف: ٥٢].
﴿ ٱفْتَرَاهُ ﴾، قالوا: محمد يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، وليس من الله.
﴿ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ ﴾ يعني تقولته من تلقاء نفسي.
﴿ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي ﴾، فعلي خطيئتي بافترائي على الله.
﴿ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ ﴾ [آية: ٣٥]، يعني بريء من خطاياكم، يعني كفركم بالله عز وجل.
ثم ذكر نوحاً، فقال: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ ﴾، يعني إلا من صدق بتوحيد الله.
﴿ فَلاَ تَبْتَئِسْ ﴾، يعني فلا تحزن.
﴿ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ [آية: ٣٦]، يعني بكفرهم بالله عز وجل.﴿ وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ ﴾، يعني السفينة واعمل فيها.
﴿ بِأَعْيُنِنَا ﴾، يعني بعلمنا.
﴿ وَوَحْيِنَا ﴾ كما نأمرك، فعملها نوح في أربعمائة سنة، وكانت السفينة من ساج.
﴿ وَلاَ تُخَاطِبْنِي ﴾، يقول: ولا تراجعني ﴿ فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ ﴾، يعني الذين أشركوا، وهو ابنه كنعان بن نوح، فإنه من الذين ظلموا.
﴿ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ ﴾ [آية: ٣٧] لقول نوح:﴿ رَبِّ إِنَّ ٱبُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ ﴾[هود: ٤٥].
﴿ وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ ﴾، يعني يعمل فيها.
﴿ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ ﴾، يعني كلما أتى عليه ﴿ مَلأٌ ﴾، يعني أشراف ﴿ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ ﴾ حين يزعم أنه يصنع بيتاً يسير على الماء، ولم يكونوا رأوا سفينة قط.
﴿ قَالَ ﴾ لهم نوح: ﴿ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا ﴾ لصنعنا السفينة.
﴿ فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ ﴾ إذا نزل بكم الغرق.
﴿ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ [آية: ٣٨].
﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ هذا وعيد ﴿ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ﴾، يعني يذله، يعني الغرق.
﴿ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ ﴾، ويجب عليه ﴿ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ [آية: ٣٩]، يعني في الآخرة دائماً لا يزول عن أهله.﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا ﴾، يعني قولنا في نزول العذاب بهم.
﴿ وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ ﴾، فار الماء من التنور الذي يخبز فيه، وكان بأقصى دار نوح بالشام بعين وردة.
﴿ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ ﴾، يعني صنفين اثنين ذكراً وأنثى، فهو زوجان، ولولا أنه قال: اثنين، لكان الزوجان أربعة.
﴿ وَ ﴾ احمل ﴿ وَأَهْلَكَ ﴾ واسمها والغة، واسم امرأة لوط والهة، في السفينة.
﴿ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ ﴾، يعني العذاب في اللوح المحفوظ من أهلك، ، يعني كنعان بن نوح، فلا تحملهم معك، فاستثنى من أهله ابنه وامرأته.
﴿ وَمَنْ آمَنَ ﴾، يعني ومن صدق بتوحيد الله، فاحمله في السفينة، يقول الله تعالى: ﴿ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ ﴾ مع نوح.
﴿ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ [آية: ٤٠]، يقال: بأنهم أربعون رجلاً وأربعون امرأة عددهم ثمانون نفساً، واسم القرية اليوم قرية الثمانين، وهي بالجزيرة قريبة من الموصل، وهي بافردى.
﴿ وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا ﴾ في السفينة ﴿ بِسْمِ ٱللَّهِ ﴾ إذا ركبتموها، فقولوا: بسم الله ﴿ مَجْرَاهَا ﴾ حين تجري.
﴿ وَمُرْسَاهَا ﴾ حين تحبس.
﴿ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ ﴾ للذنوب.
﴿ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ٤١] بنا حين نجانا من العذاب.﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ ﴾ كنعان سبع مرات، وكان ابنه من صلبه.
﴿ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ ﴾ كان معتزلاً عنه.
﴿ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكافِرِينَ ﴾ [آية: ٤٢] فتغرق معهم.﴿ قَالَ ﴾ ابنه ﴿ سَآوِيۤ ﴾، يعني سأنضم.
﴿ إِلَىٰ جَبَلٍ ﴾ أصعده ﴿ يَعْصِمُنِي ﴾، يعني يمنعني ﴿ مِنَ ﴾ غرق ﴿ ٱلْمَآءِ قَالَ ﴾ نوح: ﴿ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ ﴾، يعني لا مانع اليوم ﴿ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ ﴾، يعني به الغرق، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ ﴾ ربي، يقول: من عصم من المؤمنين فركب معى في السفينة، فإنه لن يغرق، يقول الله تعالى: ﴿ وَحَالَ ﴾، يعني وحجز ﴿ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ ﴾، يعني بين نوح وابنه كنعان.
﴿ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ ﴾ [آية: ٤٣]، وغضب الله على كنعان حين ظن أن الجبل يمنعه من الله فلا يغرق.﴿ وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ ﴾ بعدما غرقتهم أجمعين، فابتلعت الأرض ما خرج منها من الماء.
﴿ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي ﴾، يعني أمسكي، قال: فلم تقع قطرة.
﴿ وَغِيضَ ٱلْمَآءُ ﴾، يعني ونقص الماء وطهرت الجبال.
﴿ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ ﴾، يعني العذاب بالغرق على الكافرين فغرقوا.
﴿ وَٱسْتَوَتْ ﴾ السفينة ﴿ عَلَى ٱلْجُودِيِّ ﴾ شهراً، وهو جبل قريب من الموصل؛ لأن الجبال تطاولت وتواضع الجودي.
﴿ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٤٤]، يعني المشركين، يعني بالبعد الهلاك.﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ ﴾، يعني دعا نوح ربه، فيها تقديم.
﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبُنِي مِنْ أَهْلِي ﴾ الذين وعدتني أن تنجيهم من الغرق.
﴿ وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ ﴾، يعني الصدق، ولا خلاف له في النجاة.
﴿ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ ﴾ [آية: ٤٥]، يعني خير الحاكمين لا تجور في القضاء.﴿ قَالَ ﴾ الله تعالى: ﴿ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ الذين وعدتك أن أنجيهم.
﴿ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ﴾، يعني عمل شركاً.
﴿ فَلاَ تَسْأَلْنِـي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ ﴾، يعني أؤدبك ﴿ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ ﴾ [آية: ٤٦] لسؤالك إياي.﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ ﴾ بعد النهي ﴿ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي ﴾ ذنبي، يعني مقالي.
﴿ وَتَرْحَمْنِيۤ ﴾ فلا تعذبني.
﴿ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾ [آية: ٤٧] في العقوبة.﴿ قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ ﴾ من السفينة ﴿ بِسَلاَمٍ مِّنَّا ﴾، فسلمه الله ومن معه من الغرق، ثم قال: ﴿ وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ﴾ في السفينة، يعني بالبركة أنهم توالدوا وكثروا بعدما خرجوا من السفينة، ثم قال: ﴿ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ﴾ في الدنيا إلى آجالهم.
﴿ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا ﴾ يقول: يصيبهم منا ﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آية: ٤٨]، يعني وجيع، يعني بالأمم قوم هود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، الذين أهلكهم الله في الدنيا بالعذاب بعد قوم نوح. ثم قال: ﴿ تِلْكَ ﴾ القصة ﴿ مِنْ أَنْبَآءِ ﴾، يعني من أحاديث ﴿ ٱلْغَيْبِ ﴾ غاب عنك، لم تشهدها يا محمد، ولم تعلمها إلا بوحينا.
﴿ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ ﴾ يا محمد ﴿ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا ﴾ القرآن حتى أعلمناك أمرهم في القرآن، يعني الأمم الخالية قوم نوح، وهود وصالح، وغيرهم.
﴿ فَٱصْبِرْ ﴾ على تكذيب كفار مكة، وعلى أذاهم ﴿ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ ﴾، يعني الجنة ﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آية: ٤٩] الشرك.
﴿ وَإِلَىٰ عَادٍ ﴾ أرسلنا ﴿ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ ﴾، يعني وحدوا الله ﴿ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ﴾، يعني ليس لكم رب غيره.
﴿ إِنْ أَنتُمْ ﴾، يعني ما أنتم ﴿ إِلاَّ مُفْتَرُونَ ﴾ [آية: ٥٠] الكذب حين تقولون إن لله شريكاً، وذلك أنهم قالوا لأنبيائهم: تريدون أن تملكوا علينا في أموالنا، فذلك قول الأنبياء لهم:﴿ يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ﴾[هود: ٥١]، يعني ما جزائي إلا على الله. وذلك قول قوم هود: ﴿ يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ ﴾، يعني ما جزائي ﴿ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ ﴾، يعني خلقني.
﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ ﴿ آية: ٥١] أنه ليس مع الله شريك.{ وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ﴾ من الشرك.
﴿ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً ﴾، يعني المطر متتابعاً، وقد كان الله تعالى حبس عنهم المطر ثلاث سنين، وحبس عنهم الولد، فمن ثم قال: ﴿ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ ﴾، يعني عدداً إلى عددكم وتتوالدون وتكثرون، ثم قال لهم هود: ﴿ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ﴾ [آية: ٥٢]، يقول: ولا تعرضوا عن التوحيد مشركين.﴿ قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ ﴾، يعني ببيان أنك رسول إلينا من الله.
﴿ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ ﴾، يعنون عبادة الأوثان.
﴿ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٥٣]، يعني بمصدقين بأنك رسول.﴿ إِن ﴾ يعني ما ﴿ نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ ﴾، يعنون جنوناً أصابك به.
﴿ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ ﴾، يعنون أنه يعتريك من آلهتنا الأوثان بجنون أو بخبل، ولا نحب أن يصيبك أو يعتريك ذلك فاجتنبها سالماً. قال عبد الله: قال الفراء: الخبل مُسكَّنَةُ الباء العلة المانعة من الحركة المعطلة للبدن، والخبل: الجنون محركة الباء، فرد عليهم هود: ﴿ قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهِ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ٥٤].
﴿ مِن دُونِهِ ﴾ من الآلهة.
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ﴾ أنتم والآلهة.
﴿ ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ ﴾ [آية: ٥٥]، يعني ثم لا تناظرون، يعني لا تمهلون.﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ ﴾، يعني وثقت بالله.
﴿ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ﴾ حين خوفوه آلهتهم أنها تصيبه.
﴿ مَّا مِن دَآبَّةٍ ﴾، يعني ما من شيء.
﴿ إِلاَّ ﴾ و ﴿ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ ﴾، يقول: إلا الله يميتها.
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [آية: ٥٦]، يعني على الحق المستقيم.﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾، يعني فإن تعرضوا عن الإيمان.
﴿ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ﴾ من نزول العذاب بكم في الدنيا.
﴿ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي ﴾ بعد هلاككم ﴿ قَوْماً غَيْرَكُمْ ﴾ أمثل وأطوع لله منكم.
﴿ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً ﴾ يقول: ولا تنقصونه من ملكه شيئاً، إنما تنقصون أنفسكم.
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من أعمالكم ﴿ حَفِيظٌ ﴾ [آية: ٥٧].
﴿ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا ﴾، يعني قولنا في نزول العذاب.
﴿ نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ ﴾ من العذاب ﴿ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾، يعني بنعمة منا عليهم.
﴿ وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [آية: ٥٨]، يعني شديد، وهي الريح الباردة لم تفتر عنهم حتى أهلكتهم.﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾، يعني كفروا بعذاب الله بأنه غير نازل بهم في الدنيا.
﴿ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ ﴾، يعني هوداً وحده.
﴿ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [آية: ٥٩]، يعني متعظماً عن التوحيد، فهم الأتباع، اتبعوا قول الكبراء في تكذيب هود.
﴿ عَنِيدٍ ﴾، يعني معرضاً عن الحق، وكان هذا القول من الكبراء للسفلة في سورة المؤمنين ﴿ مَا هَذَا ﴾، يعني هوداً﴿ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾[المؤمنون: ٣٣] من الشراب. وقال للأتباع:﴿ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ ﴾[المؤمنون: ٣٤]، يعني لعجزة، فهذا قول الكبراء للسفلة، فاتبعوهم على قولهم: ﴿ وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً ﴾، يعني العذاب، وهي الريح التي أهلكتهم.
﴿ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾، يعني عذاب النار ﴿ أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ ﴾، يعني بتوحيد ربهم.
﴿ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ﴾ [آية: ٦٠] في الهلاك.
﴿ وَإِلَىٰ ثَمُودَ ﴾ أرسلنا ﴿ أَخَاهُمْ صَالِحاً ﴾ ليس بأخيهم في الدين، ولكنه أخوهم في النسب، وهو صالح بن آسف.
﴿ قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ ﴾، يعني وحدوا الله.
﴿ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ ﴾، يعني هو خلقكم من الأرض.
﴿ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾، يعني وعمركم في الأرض.
﴿ فَٱسْتَغْفِرُوهُ ﴾ من الشرك ﴿ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ ﴾ منه ﴿ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ ﴾ منكم في الاستجابة ﴿ مُّجِيبٌ ﴾ [آية: ٦١] الدعاء، كقوله:﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾[البقرة: ١٨٦].
﴿ قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا ﴾، يعني مأمولاً قبل هذا كنا نرجو أن ترجع إلى ديننا، فما هذا الذي تدعونا إليه؟ ﴿ أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾ من الآلهة.
﴿ وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ ﴾ من التوحيد ﴿ مُرِيبٍ ﴾ [آية: ٦٢]، يعني بالمريب أنهم لا يعرفون شكهم.﴿ قَالَ ﴾ صالح ﴿ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي ﴾، يعني على بيان من ربي.
﴿ وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً ﴾، يقول: أعطاني نعمة من عنده، وهو الهدى.
﴿ فَمَن يَنصُرُنِي ﴾، يعني فمن يمنعني ﴿ مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ ﴾، يعني إن رجعت إلى دينكم، لقولهم صالح قد كنت فينا مرجو قبل هذا الذي تدعونا إليه.
﴿ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ ﴾ [آية: ٦٣]، يقول: فما تزيدونني إلا خساراً. قال عبد الله: قال الفراء: المعنى كلما دعوتكم زدتموني تباعداً مني، فأنتم بذلك تخسرون، يعني تهلكون.﴿ وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً ﴾، يعني عبرة.
﴿ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ ﴾، لا تكلفكم مؤنة، ولا علفاً.
﴿ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ ﴾، يقول: ولا تصيبها بعقر.
﴿ فَيَأْخُذَكُمْ ﴾ في الدنيا.
﴿ عَذَابٌ قَرِيبٌ ﴾ [آية: ٦٤] منكم، لا تمهلون حتى تعذبوا.﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾ ليلة الأربعاء بالسيف فماتت.
﴿ فَقَالَ ﴾ لهم صالح: ﴿ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ﴾، يعني محلتكم في الدنيا.
﴿ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ ﴾ العذاب ﴿ وَعْدٌ ﴾ من الله ﴿ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ [آية: ٦٥] ليس فيه كذب بأن العذاب نازل بهم بعد ثلاثة الأيام، فأهلكهم الله صبيحة يوم الرابع يوم السبت. فذلك قوله: ﴿ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا ﴾، يعني قولنا في العذاب.
﴿ نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾، يعني بنعمة عليهم منا.
﴿ وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ﴾، يعني ونجيناهم من عذاب يومئذ.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ﴾ في نصر أوليائه.
﴿ ٱلْعَزِيزُ ﴾ [آية: ٦٦]، يعني المنيع في ملكه وسلطانه حين أهلكهم.﴿ وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾، يعني الذين أشركوا ﴿ ٱلصَّيْحَةُ ﴾، صيحة جبريل، عليه السلام.
﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [آية: ٦٧]، يعني في منازلهم خامدين.﴿ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ ﴾، يقول: كأنهم لم يكونوا في الدنيا قط.
﴿ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ ﴾ بتوحيد ﴿ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ ﴾ [آية: ٦٨] في الهلاك.
﴿ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ ﴾، وهو جبريل ومعه ملكان وهما ملك الموت وميكائيل.
﴿ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ ﴾ في الدنيا الولد بإسحاق ويعقوب.
﴿ قَالُواْ سَلاَماً ﴾، قالوا: تحية لإبراهيم، فسلموا على إبراهيم فرد إبراهيم عليهم، فـ ﴿ قَالَ سَلاَمٌ ﴾، يقول: رد إبراهيم خيراً، وهو يرى أنهم من البشر.
﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ ﴾ إبراهيم ﴿ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ [آية: ٦٩]، يعني الحنيذ النضيج؛ لأنه كان البقر أكثر أموالهم، والحنيذ الشواء الذي أنضج بحر النار من غير أن تمسه النار بالحجارة تحمى وتجعل في سرب فتشوى.﴿ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ ﴾، أي إلى العجل.
﴿ نَكِرَهُمْ ﴾، يعني أنكرهم وخاف شرهم.
﴿ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾، يقول: فوقع عليه الخوف منهم فرعد.
﴿ قَالُواْ ﴾، أي قالت الملائكة: ﴿ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [آية: ٧٠] بهلاكهم، ولوط بن حازان، وامرأة سارة بنت حازان أخت لوط، وإبراهيم عم لوط وختنه على أخته.﴿ وَٱمْرَأَتُهُ ﴾، وهي سارة.
﴿ قَآئِمَةٌ ﴾ وإبراهيم جالس.
﴿ فَضَحِكَتْ ﴾ من خوف إبراهيم ورعدته من ثلاثة نفر، وإبراهيم في حشمه وخدمه، فقال جبريل، عليه السلام، لسارة: إنك ستلدين غلاماً، فذلك قوله: ﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [آية: ٧١].
﴿ قَالَتْ ﴾ سارة: ﴿ يٰوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً ﴾، وهو ابن سبعين سنة.
﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ [آية: ٧٢]، يعني لأمر عجيب أن يكون الولد من الشيخين الكبيرين.﴿ قَالُوۤاْ ﴾، قال جبريل لهما: ﴿ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ ﴾ أن يخلق ولداً من الشيخين.
﴿ رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ﴾، يعني نعمة الله وبركاته.
﴿ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ ﴾، يعني بالبركة ما جعل الله منهم من الذرية.
﴿ إِنَّهُ حَمِيدٌ ﴾ في خلقه.
﴿ مَّجِيدٌ ﴾ [آية: ٧٣]، يعني كريم.﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ ﴾، يعني الخوف.
﴿ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ ﴾ في الولد ﴿ يُجَادِلُنَا ﴾، يعني يخاصمنا إبراهيم ﴿ فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [آية: ٧٤]، كقوله في الرعد:﴿ يُجَادِلُونَ فِي ٱللَّهِ ﴾[الرعد: ١٣] ومثل قوله:﴿ قَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ﴾[هود: ٣٢].
وخصومة إبراهيم، عليه السلام، أنه قال: يا رب، أتهلكهم إن كان في قوم لوط خمسون رجلاً مؤمنين؟ قال جبريل، عليه السلام: لا، فما زال إبراهيم، عليه السلام، ينقض خمسة خمسة، حتى انتهى إلى خمسة أبيات، قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ ﴾، يعني لعليم.
﴿ أَوَّاهٌ ﴾، يعني موقن.
﴿ مُّنِيبٌ ﴾ [آية: ٧٥] مخلص. وقال جبريل لإبراهيم: ﴿ يإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ ﴾ الجدال حين قال: أتهلكهم إن كان فيهم كذا وكذا، ثم قال جبريل، عليه السلام: ﴿ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّكَ ﴾، يعني قول ربك في نزول العذاب بهم.
﴿ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ [آية: ٧٦]، يعني غير مدفوع عنهم، يعني الخسف والحصب بالحجارة. قوله: ﴿ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا ﴾ جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت.
﴿ لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ ﴾، يعني كرههم لصنيع قومه بالرجال مخافة أن يفضحوهم.
﴿ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ ﴾ جبريل ﴿ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴾ [آية: ٧٧]، يعني فظيع فاش شره عليه.﴿ وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ ﴾، يعني يسرعون إليه مشاة إلى لوط.
﴿ وَمِن قَبْلُ ﴾ أن نبعث لوطاً.
﴿ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾، يعني نكاح الرجال، و ﴿ قَالَ ﴾ لوط: ﴿ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي ﴾ ريثا وزعوثا، فتزوجوهما ﴿ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾، يعني أحل لكم من إتيان الرجال.
﴿ فَاتَّقُواْ اللًّهَ ﴾ في معصيته.
﴿ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴾ [آية: ٧٨]، يقول: ما منكم رجل مرشد.﴿ قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ ﴾، يعنون من حاجة.
﴿ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ﴾ [آية: ٧٩] أنهم يريدون الأضياف.﴿ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ﴾، يعني بطشاً.
﴿ أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ [آية: ٨٠] يعني منيع، يعني رهط، يعني عشيرة لمنعتكم مما تريدون.﴿ قَالُواْ يٰلُوطُ ﴾، قال جبريل للوط.
﴿ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ ﴾ بسوء؛ لأنهم قالوا للوط: إنَّا نرى معك رجالاً سحروا أبصارنا، فستعلم غداً ما تلقى أنت في أهلك، فقال جبريل، عليه السلام: ﴿ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ ﴾ ﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ﴾، يعني امرأته وابنتيه.
﴿ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ ﴾، يعني ببعض الليل.
﴿ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ﴾ البتة ﴿ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ ﴾ فإنها تلتفت، يقول: لا ينظر منكم أحد وراءه، ثم استثنى: ﴿ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ ﴾ تلتفت.
﴿ إِنَّهُ مُصِيبُهَا ﴾ من العذاب ﴿ مَآ أَصَابَهُمْ ﴾، يعني قوم لوط، فالتفتت فأصابها حجر قتلها، ثم قال: ﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ ﴾، ثم يهلكون، قال لوط لجبريل: عجل عليَّ بهلاكهم الآن، فرد عليه جبريل.
﴿ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾؟[آية: ٨١].
يقول الله: ﴿ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا ﴾، يعني قولنا في نزول العذاب.
﴿ جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ﴾، يعني الخسف.
﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا ﴾، يعني على أهلها من كان خارجاً من المدائن الأربع.
﴿ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ﴾، يعني حجارة خالطها الطين.
﴿ مَّنْضُودٍ ﴾ [آية: ٨٢]، يعني ملزق الحجر بالطين.﴿ مُّسَوَّمَةً ﴾، يعني معلمة.
﴿ عِندَ رَبِّكَ ﴾، يعني جاءت من عند الله عز وجل، ثم قال: ﴿ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ [آية: ٨٣]؛ لأنها قريب من الظالمين، يعني من مشركي مكة، فإنها تكون قريباً، يخوفهم منها، وسيكون ذلك في آخر الزمان، يعني ما هي ببعيد؛ لأنها قريب منهم، والبعيد ما ليس بكائن، فذلك قوله:﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً ﴾[المعارج: ٦، ٧]، يعني كائناً.
قوله: ﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ ﴾، وهو ابن إباراهيم خليل الرحمن، وشعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم.
﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ ﴾، يعني أرسلنا.
﴿ أَخَاهُمْ شُعَيْباً ﴾، وليس بأخيهم في الدين، ولكن في النسب.
﴿ قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ ﴾، يعني وحدوا الله.
﴿ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ﴾، يقول: ليس لكم رب غيره.
﴿ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ ﴾ إذا كلتم ووزنتم.
﴿ إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ ﴾، يعني موسرين في نعمة.
﴿ وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ ﴾، في الدنيا.
﴿ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ﴾ [آية: ٨٤]، يعني أحاط بهم العذاب، فلم ينج منهم أحد.﴿ وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ ﴾، يعني بالعدل.
﴿ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ ﴾، يعني ولا تنقصوا الناس حقوقهم.
﴿ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [آية: ٨٥]، يقول: لا تعملوا فيها المعاصي، يعني بالفساد نقصان الكيل والميزان.﴿ بَقِيَّةُ ٱللَّهِ ﴾، يعني ثواب الله في الآخرة.
﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾، يعني لو كنتم مؤمنين بالله عز وجل، لكان ثوابه خير لكم من نقصان الكيل والميزان، كقوله:﴿ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ ﴾[النحل: ٩٦]، يعني ثوابه باق.
﴿ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ ﴾، يعني على أعمالكم ﴿ بِحَفِيظٍ ﴾ [آية: ٨٦]، يعني برقيب، والله الحافظ لأعمالكم. ﴿ قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ ﴾، يعني أن نعتزل ﴿ مَا ﴾ كان ﴿ يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ ﴾، وكانوا يعبدون الأوثان.
﴿ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ﴾، يعنون إن شئنا نقصنا الكيل والميزان، وإن شئنا وفينا.
﴿ إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ﴾، يعنون السفيه.
﴿ ٱلرَّشِيدُ ﴾ [آية: ٨٧]، يعنون الضال، قالوا ذلك لشعيب استهزاء.﴿ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً ﴾، يعني الإيمان، وهو الهدى.
﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴾، يعني وما أريد أن أنهاكم عن أمر، ثم أركبه، لقولهم لشعيب في الأعراف:﴿ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾[الأعراف: ٨٨].
ثم قال: ﴿ إِنْ أُرِيدُ ﴾، يعني ما أريد ﴿ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ ﴾ في الإصلاح بالخير ﴿ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾، يقول: به وثقت، لقولهم:﴿ لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ ﴾[الأعراف: ٨٨].
﴿ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [آية: ٨٨]، وإليه المرجع بعد الموت.﴿ وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ ﴾، يقول: لا تحملنكم عداوتي ﴿ أَن يُصِيبَكُم ﴾ من العذاب في الدنيا ﴿ مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ ﴾ من الغرق.
﴿ أَوْ قَوْمَ هُودٍ ﴾ من الريح.
﴿ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ﴾ من الصيحة.
﴿ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ ﴾، أي ما أصابهم من الخسف والحصب ﴿ مِّنكُم بِبَعِيدٍ ﴾ [آية: ٨٩]، كان عذاب قوم لوط أقرب العذاب إلى قوم شعيب من غيرهم.﴿ وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ﴾ من الشرك.
﴿ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ ﴾ منها ﴿ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ ﴾ لمن تاب وأطاعه.
﴿ وَدُودٌ ﴾ [آية: ٩٠]، يعني مجيب.
﴿ قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ ﴾، يعني ما نعقل.
﴿ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ ﴾ لنا من التوحيد، ومن وفاء الكيل والميزان.
﴿ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً ﴾، يعني ذليلاً لا قوة لك ولا حيلة.
﴿ وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ﴾، يعني عشيرتك وأقرباءك لقتلناك.
﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا ﴾، يعني عندنا ﴿ بِعَزِيزٍ ﴾ [آية: ٩١]، يعني بعظيم، مثل قول السحرة:﴿ بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ ﴾[الشعراء: ٤٤]، يعنون بعظمة فرعون، يقولون: أنت علينا هين.﴿ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ ﴾، يعني أعظم عندكم من الله عز وجل: ﴿ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً ﴾، يقول: أطعتم قومكم ونبذتم الله وراء ظهوركم، فلم تعظموه، فمن لم يوحده لم يعظمه.
﴿ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آية: ٩٢]، يعني من نقصان الكيل والميزان، يعني أحاط علمه بأعمالكم.﴿ وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ ﴾ هذا وعيد، يعني على جديلتكم التي أنتم عليها.
﴿ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾، هذا وعيد.
﴿ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ﴾، يعني يذله.
﴿ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ﴾ بنزول العذاب بكم أنا أو أنتم، لقولهم: ليس بنازل بنا ﴿ وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾ [آية: ٩٣] يعني أنتظروا العذاب، فإنى منتظر بكم العذاب في الدنيا.﴿ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا ﴾، يعني قولنا في العذاب.
﴿ نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾، يعني بنعمة منا عليهم.
﴿ وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ ﴾، يعني صيحة جبريل، عليه السلام.
﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [آية: ٩٤]، يعني في منازلهم موتى.﴿ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ ﴾، يعني كأن لم يكونوا في الدنيا قط.
﴿ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ ﴾ في الهلاك.
﴿ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ﴾ [آية: ٩٥] كما هلكت ثمود؛ لأن كل واحدة، منهما هلكت بالصيحة، فمن ثم اختص ذكر ثمود من بين الأمم.﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا ﴾، يعني اليد والعصى.
﴿ وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٩٦].
﴿ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ﴾، يعني أشراف قومه.
﴿ فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ ﴾ في المؤمن حين قال:﴿ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ ﴾[غافر: ٢٩]، فأطاعوا فرعون في قوله، يقول الله عز وجل: ﴿ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾ [آية: ٩٧] لهم، يعني بهدى.﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ ﴾ القبط ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾، يعني فرعون قائدهم إلى النار، ويتبعونه كما يتبعونه في الدنيا.
﴿ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ ﴾ فأدخلهم.
﴿ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ ﴾ [آية: ٩٨] المدخل المدخول.﴿ وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً ﴾، يعني العذاب، وهو الغرق.
﴿ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ لعنة أخرى في النار.
﴿ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ ﴾ [آية: ٩٩]، فكأن اللعنتين أردفت إحداهما الأخرى.
﴿ ذَلِكَ ﴾، يعني هذا الخبر الذي أخبرت.
﴿ مِنْ أَنْبَآءِ ﴾، يعني من حديث.
﴿ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ ﴾، فحذر قومك مثل عذاب الأمم الخالية.
﴿ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ ﴾ [آية: ١٠٠]، يقول: من القرى ما ينظر إليها ظاهرة، ومنها خامدة قد ذهبت ودرست.﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ﴾ فنعذبهم على غير ذنب.
﴿ وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾، يعني التي يعبدون من دون الله ﴿ مِن شَيْءٍ ﴾ حين عذبوا.
﴿ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾، يعني حينما جاء قول ربك في العذاب.
﴿ وَمَا زَادُوهُمْ ﴾، يعني الآلهة ﴿ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ﴾ [آية: ١٠١]، يعني غير تخسير، حيث لم ينفعوهم عند الله. قال عبد الله: قال الفراء: نحن أعز من أن نظلم.
﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ﴾ نحن أعدل من أن نظلم.﴿ وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾، أي مشركة.
﴿ إِنَّ أَخْذَهُ ﴾، يعني بطشه.
﴿ أَلِيمٌ ﴾، يعني وجيع.
﴿ شَدِيدٌ ﴾ [آية: ١٠٢].
﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً ﴾، يعني إن في هلاك القرى لعبرة.
﴿ لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [آية: ١٠٣]، شهد الرب والملائكة لعرض الخلائق وحسابهم.﴿ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ ﴾ [آية: ١٠٤]، يعني وما نؤخر يوم القيامة إلا لأجل موقوت.﴿ يَوْمَ يَأْتِ ﴾ ذلك اليوم.
﴿ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ بإذن الله تعالى.
﴿ فَمِنْهُمْ ﴾، يقول الله تعالى: فمن الناس ﴿ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴾ [آية: ١٠٥].
ثم بين ثوابهم، فقال: ﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا ﴾ في الخلود.
﴿ زَفِيرٌ ﴾، يعني آخر نهيق الحمار، قال: ﴿ وَشَهِيقٌ ﴾ [آية: ١٠٦] في الصدور، يعني أول نهيق الحمار. قال أبو محمد، يعني عبد الله بن ثابت: قال أبو العباس ثعلب: الزفير من البدن كله، والشهيق من الصدر.﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ لا يموتون ﴿ مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ ﴾، يقول: كما تدوم السموات والأرض لأهل الدنيا، ولا يخرجون منها، فكذلك يدوم الأشقياء في النار، ثم قال: ﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ ﴾، فاستثنى الموحدين الذين يخرجون من النار لا يخلدون، يعني الموحدين.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾ [آية: ١٠٧].
قال عبد الله بن ثابت: قال الفراء: ﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ ﴾، يعني سوى ما شاء ربك من زيادة الخلق في النار.
﴿ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ ﴾ كما تدومان لأهل الدنيا، ثم لا يخرجون منها، وكذلك السعداء في الجنة، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ ﴾، يعني الموحدين الذين يخرجون من النار، ثم قال: ﴿ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [آية: ١٠٨]، يعني غير مقطوع عنهم أبداً.
﴿ فَلاَ تَكُ ﴾ يا محمد ﴿ فِي مِرْيَةٍ ﴾، يعني في شك.
﴿ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ ﴾، يعني كفار مكة أنها ضلال.
﴿ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم ﴾ الأولون ﴿ مِّن قَبْلُ ﴾، يعني من قبلهم.
﴿ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ ﴾، يقول: إنَّا لموفون لهم حظهم من العذاب.
﴿ غَيْرَ مَنقُوصٍ ﴾ [آية: ١٠٩] عنهم.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ ﴾، يعني أعطينا موسى التوراة.
﴿ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ ﴾ يعني من بعد موسى، يقول: آمن بالتوراة بعضهم وكفر بها بعضهم.
﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ﴾ يا محمد في تأخير العذاب عنهم إلى وقت.
﴿ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ﴾ في الدنيا بالهلاك حين اختلفوا في الدين.
﴿ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ﴾، يعني من الكتاب الذي أوتوه.
﴿ مُرِيبٍ ﴾ [آية: ١١٠]، يعني بالمريب الذين لا يعرفون شكهم. ثم رجع إلى أول الآية، فقال: ﴿ وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُم ﴾، ولما هاهنا صلة، يقول: يوفر لهم ربك جزاء أعمالهم.
﴿ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آية: ١١١].
﴿ فَٱسْتَقِمْ ﴾، يعني فامض يا محمد بالتوحيد ﴿ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ ﴾ من الشرك، فليستقيموا معك، فامضوا على التوحيد.
﴿ وَلاَ تَطْغَوْاْ ﴾ فيه، قول: ولا تعصوا الله في التوحيد.
﴿ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [آية: ١١٢].
﴿ وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾، يعني ولا تميلوا إلى أهل الشرك، يقول: ولا تلحقوا بهم.
﴿ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ ﴾، يعني فتصيبكم النار.
﴿ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ﴾، يعني من أقرباء يمنعونكم، يقول: لا يمنعونكم، يقول: لا يمنعونكم من النار.
﴿ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ﴾ [آية: ١١٣].
﴿ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ ﴾، يعني وأتم الصلاة، يعني ركوعها وسجودها.
﴿ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ ﴾، يعني صلاة الغداة، وصلاة الأولى، والعصر، ثم قال: ﴿ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ ﴾، يعني صلاة المغرب والعشاء.
﴿ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ ﴾، يعني الصلوات الخمس ﴿ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ﴾، يعني يكفرن الذنوب ما اجتنبت الكبائر، نزلت في أبى مقبل، واسمه" عامر بن قيس الأنصاري، من بني النجار، أتته امرأة تشتري منه تمراً فراودها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني خلوت بامرأة، فما شىء يفعل بالمرأة إلا وفعلته بها، إلا أني لم أجامعها، فنزلت: ﴿ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ... ﴾ إلى آخر الآية. ثم عمد الرجل، فصلى المكتوبة وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: " أليس قد توضأت وصليت معنا؟ "، قال: بلى، قال: " فإنها كفارة لما صنعت "، ثم قال ﴿ ذٰلِكَ ﴾ الذي ذكره من الصلاة طرفي النهار وزلفى من الليل من الصلاة.
﴿ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [آية: ١١٤]، كقوله لموسى:﴿ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ ﴾[طه: ١٤].
﴿ وَٱصْبِرْ ﴾ يا محمد على الصلاة.
﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ١١٥]، يعني جزاء المخلصين.﴿ فَلَوْلاَ كَانَ ﴾، يعني لم يكن ﴿ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ ﴾، يعني الشرك.
﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾، يقول: لم يكن من القرون من ينهى عن المعاصي في الأرض بعد الشرك، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ﴾، يعني مع الرسل من العذاب مع الأنبياء، فهم الذين كانوا ينهون عن الفساد في الأرض.
﴿ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾، يقول: وآثر الذين ظلموا دنياهم.
﴿ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ ﴾، يعني ما أعطوا فيه من دنياهم على آخرتهم.
﴿ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ﴾ [آية: ١١٦]، يعني الأمم الذين كذبوا في الدنيا.﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ﴾، يعني ليعذب في الدنيا.
﴿ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ ﴾، يعني على غير ذنب، يعني القرى التى ذكر الله تعالى في هذه السورة الذين عذبهم الله، وهم قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وقوم شعيب، ثم قال: ﴿ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [آية: ١١٧]، يعني مؤمنون، يقول: لو كانوا مؤمنين ما عذبوا.﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾، يعني على ملة الإسلام وحدها، ثم قال: ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [آية: ١١٨]، يقول: لا يزال أهل الأديان مختلفين في الدين، غير دين الإسلام. ثم استثنى بعضهم: ﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ﴾، أهل التوحيد لا يختلفون في الدين.
﴿ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾، يعني للرحمة خلقهم، يعني الإسلام.
﴿ وَتَمَّتْ ﴾، يقول: وحقت ﴿ كَلِمَةُ رَبِّكَ ﴾ العذاب على المختلفين، والكلمة التى تمت قوله.
﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ١١٩]، يعني الفريقين جميعاً.
﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ ﴾ وأممهم، وما يذكر في هذه السورة.
﴿ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾، يعني قلبك أنه حق، فذلك قوله: ﴿ وَجَآءَكَ فِي هَـٰذِهِ ﴾ السورة ﴿ ٱلْحَقُّ ﴾ مما ذكر من أمر الرسل وأمر قومهم.
﴿ وَمَوْعِظَةٌ ﴾، يعني ما عذب الله به الأمم الخالية، وما ذكر في هذه السورة فهو موعظة، يعني مأدبة لهذه الأمة.
﴿ وَذِكْرَىٰ ﴾، يعني وتذكرة ﴿ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٢٠]، يعنى للمصدقين بتوحيد الله.
﴿ وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾، يعني لا يصدقون بما في القرآن ﴿ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ ﴾، هذا وعيد، يقول: اعملوا على جديلتكم التي أنتم عليها.
﴿ إِنَّا عَامِلُونَ ﴾ [آية: ١٢١] على جديلتنا التي نحن عليها.﴿ وَٱنْتَظِرُوۤاْ ﴾ العذاب ﴿ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴾ [آية: ١٢٢] بكم العذاب، يعني القتل ببدر، وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم، وتعجيل أرواحهم إلى النار.
﴿ وَللَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾، يقول: ولله غيب نزول العذاب، وغيب ما في الأرض.
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ ﴾، يعني أمر العباد يرجع إلى الله يوم القيامة، وذلك قوله:﴿ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ ﴾[البقرة: ٢١٠]، يعني أمور العباد.
﴿ فَٱعْبُدْهُ ﴾، يعني وحده.
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾، يقول: وثق بالله.
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٢٣]، هذا وعيد.
Icon