تفسير سورة الفلق

مختصر تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير .
لمؤلفه محمد نسيب الرفاعي . المتوفي سنة 1412 هـ

قال ابن عباس ﴿ الفلق ﴾ : الصبح، وقال ابن جرير : وهي كقوله تعالى :﴿ فَالِقُ الإصباح ﴾ [ الأنعام : ٩٦ ]، وقال ابن عباس :﴿ الفلق ﴾ الخلق، أمر الله نبيّه أن يتعوذ من الخلق كله، وقال كعب الأحبار :﴿ الفلق ﴾ بيت في جهنم، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره، قال ابن جرير : والصواب القول، إنه فلق الصبح، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار البخاري رحمه الله تعالى، ﴿ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ أي من شر جميع المخلوقات، قال الحسن البصري : جهنم وإبليس وذريته مما خلق، ﴿ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾ قال مجاهد ﴿ غَاسِقٍ ﴾ الليل ﴿ إِذَا وَقَبَ ﴾ غروب الشمس، وقال الحسن وقتادة : إنه الليل إذا أقبل بظلامه، وقال الزهري : الشمس إذا غربت، وعن عطية وقتادة :﴿ إِذَا وَقَبَ ﴾ الليل إذا ذهب، وقال أبو هريرة ﴿ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾ الكوكب، قال ابن جرير، وقال آخرون : هو القمر، قالت عائشة رضي الله عنها :« أخذ رسول الله ﷺ بيدي فأراني القمر حين طلع، وقال :» تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب « »، ولفظ النسائي :« تعوذي بالله من شر هذا، هذا الغاسق إذا وقب »، قال الأولون : هذا لا ينافي قولنا، لأن القمر أية الليل، ولا يوجد له سلطان إلاّ فيه، وكذلك النجوم لا تضيء إلاّ بالليل، فهو يرجع إلى ما قلناه، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وَمِن شَرِّ النفاثات فِي العقد ﴾ قال مجاهد وعكرمة : يعني السواحر، قال مجاهد : إذا رقين ونفثن في العقد، وفي الحديث :« أن جبريل جاء إلى النبي ﷺ فقال اشتكيت يا محمد؟ فقال :» نعم «، فقال : باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل حاسد وعين، الله يشفيك » ولعل هذا كان من شكواه ﷺ حين سحر، ثم عافاه الله تعالى وشفاه، ورد كيد السحرة الحساد من اليهود في رؤوسهم وجعل تدميرهم في تدبيرهم.
روى البخاري في كتاب الطب من « صحيحه »، عن عائشة قالت :« كان رسول الله ﷺ سحر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن. قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا فقال :» يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسين والآخر عن رجليَّ، فقال الذي عند رأسي للآخر : ما بال الرجل؟ قال : مطبوب، قال : ومن طبه؟ قال ( لبيد بن أعصم ) رجل من بني زريق حليف اليهود كان منافقاً، قال : وفيم؟ قال : في مشط ومشاطة، قال : وأين؟ قال : في جف طلعة ذكر، تحت راعوفة في بئر ذروان، قالت : فأتى البئر حتى استخرجه، فقال :« هذه بشر الي أُريتها وكأن ما ءها نقاعة الحناء وكأن نخلها رؤوس الشياطين »، قال : فاستخرج، فقلت : أفلا تنشَّرت؟ فقال :« أما الله فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شراً » «
2758
وروى الثعلبي في « تفسيره »، قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما :« كان غلام من اليهود يخدم رسول الله ﷺ. فدبت إليه اليهود. فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي ﷺ، وعدة من أسنان مشطه، فأعطاها اليهود فسحوه فيها، وكان الذي تولى ذلك رجل منهم يقال له ( ابن عاصم ) ثم دسها في بئر لبني زريق، يقال له ذوبان، فمرض رسول الله ﷺ، وانتثر شعر رأسه ولبث ستة آشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يذوب، ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : ما بال الرجل؟ قال : طبَّ، قال : وما طب؟ قال : سحر، قال : ومن سحره؟ قال : لبيد بن الأعصم اليهودي، قال : وبم طبه؟ قال : بمشط ومشاطة، قال : وأين هو؟ قال : في حف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان، والجف قشر الطلع، والراعوفة حجر في أسفل البئر ناتىء يقوم عليه الماتح، فانتبه رسول الله ﷺ : مذعوراً، وقال :» يا عائشة أما شعرت أن الله أخبرني بدائي «، ثم بعث رسول الله ﷺ علياً والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء البئر، كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقود فيه أثنا عشرة عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله السورتين، فجعل كلما قرآ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله ﷺ خفة حين انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل عليه السلام يقول : باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من حاسد وعين، الله يشيفك، فقالوا : يا رسول الله أفلا نأخذ الخبيث نقتله؟ فقال رسول الله ﷺ :» أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن يثير على الناس شراً « ».
2759
Icon