تفسير سورة البقرة

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة البقرة من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

﴿الم﴾ يَقُول ألف الله لَام جِبْرِيل مِيم مُحَمَّد وَيُقَال ألف آلاؤه لَام لطفه مِيم ملكه وَيُقَال ألف ابْتِدَاء اسْمه الله لَام ابْتِدَاء اسْمه لطيف مِيم ابْتِدَاء اسْمه مجيد وَيُقَال أَنا الله أعلم وَيُقَال قسم أقسم بِهِ
﴿ذَلِكَ الْكتاب﴾ أَي هَذَا الْكتاب الَّذِي يَقْرَؤُهُ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ لَا شكّ فِيهِ أَنه من عِنْدِي فَإِن آمنتم بِهِ هديتكم وَإِن لم تؤمنوا بِهِ عذبتكم وَيُقَال ذَلِك الْكتاب يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَيُقَال ذَلِك الْكتاب الَّذِي وعدتك يَوْم الْمِيثَاق بِهِ أَن أوحيه إِلَيْك وَيُقَال ذَلِك الْكتاب يَعْنِي التَّوْرَاة أَو الْإِنْجِيل لَا ريب فِيهِ لَا شكّ فِيهِ أَن فيهمَا صفة مُحَمَّد ونعته ﴿هُدَى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن بَيَان لِلْمُتقين الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وَيُقَال كَرَامَة للْمُؤْمِنين وَيُقَال رَحْمَة لِلْمُتقين لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿الَّذين يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ بِمَا غَابَ عَنْهُم من الْجنَّة وَالنَّار والصراط وَالْمِيزَان والبعث والحساب وَغير ذَلِك وَيُقَال الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ بِمَا أنزل من الْقُرْآن وَبِمَا لم ينزل وَيُقَال الْغَيْب هُوَ الله ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة﴾ يتمون الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا من مواقيتها ﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ وَمِمَّا أعطيناهم من الْأَمْوَال يتصدقون وَيُقَال يؤدون زَكَاة أَمْوَالهم وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق وَأَصْحَابه
﴿وَالَّذين يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ من الْقُرْآن ﴿ومآ أنزل من قبلك﴾ على سَائِر الْأَنْبِيَاء من الْكتب ﴿وبالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ﴾ وبالبعث بعد الْمَوْت ونعيم الْجنَّة هم يصدقون وَهُوَ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه
﴿أُولَئِكَ﴾ أهل هَذِه الصّفة ﴿على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ﴾ على كَرَامَة وَرَحْمَة وَبَيَان نزل من رَبهم ﴿وَأُولَئِكَ هم المفلحون﴾ الناجون من السخط وَالْعَذَاب وَيُقَال أُولَئِكَ الَّذين أدركوا ووجدوا مَا طلبُوا ونجوا من شَرّ مامنه هربوا وهم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ﴾ وثبتوا على الْكفْر ﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِم﴾ العظة ﴿أَأَنذَرْتَهُمْ﴾ خوفتهم بِالْقُرْآنِ ﴿أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ﴾ لم تخوفهم لَا يُؤمنُونَ لَا يُرِيدُونَ أَن يُؤمنُوا وَيُقَال ﴿لَا يُؤمنُونَ﴾ فِي علم الله
﴿خَتَمَ الله على قُلُوبهِمْ﴾ طبع الله على قُلُوبهم ﴿وعَلى سَمْعِهِمْ وعَلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ غطاء ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ﴾ شَدِيد فِي الْآخِرَة وهم الْيَهُود كَعْب بن الْأَشْرَف وَحي ابْن أَخطب وجدي بن أَخطب وَيُقَال هم مشركو أهل مَكَّة عتبَة وَشَيْبَة والوليد
﴿وَمِنَ النَّاس مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّه﴾ فِي السِّرّ وصدقنا بإيماننا بِاللَّه ﴿وباليوم الآخر﴾ وبالبعث بعد الْمَوْت الَّذِي فِيهِ جَزَاء الْأَعْمَال ﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ فِي السِّرّ وَلَا مُصدقين فِي إِيمَانهم
﴿يُخَادِعُونَ الله﴾ يخالفون الله ويكذبونه فِي السِّرّ وَيُقَال اجترعوا على الله حَتَّى ظنُّوا أَنهم يخادعون الله ﴿وَالَّذين آمَنُواْ﴾ أَبَا بكر وَسَائِر أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ﴾ يكذبُون ﴿إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ وَمَا يعلمُونَ أَن الله يطلع نبيه على سر قُلُوبهم
﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شكّ ونفاق وَخلاف وظلمة ﴿فَزَادَهُم الله مَرضا﴾ شكا ونفاقا وحلافا وظلمة ﴿وَلَهُم عَذَاب أَلِيم﴾ وجيع فِي لآخر يخلص وَجَعه الى قُلُوبهم ﴿بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ فِي السِّرّ وهم المُنَافِقُونَ عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود ﴿لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْض﴾ بتعويق النَّاس عَن دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ لَهَا بِالطَّاعَةِ
﴿أَلا إِنَّهُم﴾ بل إِنَّهُم ﴿هُمُ المفسدون﴾ لَهَا بالتعويق ﴿وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾ لَا يعلم سفلتهم أَن رؤساءهم هم الَّذين يضلونهم
﴿وَإِذا قيل لَهُم﴾ للْيَهُود ﴿آمنُوا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿كَمَا آمن النَّاس﴾ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه ﴿قَالُوا أنؤمن﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿كَمَآ آمَنَ السفهآء﴾ الْجُهَّال الخرقى ﴿أَلا إِنَّهُمْ﴾ بلَى إِنَّهُم ﴿هُمُ السفهآء﴾ الْجُهَّال الخرقى ﴿وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك
﴿وَإِذَا لَقُواْ﴾ يَعْنِي الْمُنَافِقين ﴿الَّذين آمَنُواْ﴾ يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه ﴿قَالُوا آمَنَّا﴾ فِي السِّرّ وصدقنا بإيماننا كَمَا آمنتم لَهُ فِي السِّرّ وصدقتم بِهِ ﴿وَإِذَا خَلَوْاْ﴾ رجعُوا ﴿إِلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾ كهنتهم ورؤساءهم وهم خَمْسَة نفر كَعْب بن الْأَشْرَف بِالْمَدِينَةِ وَأَبُو بردة الْأَسْلَمِيّ فِي بني أسلم وَابْن السَّوْدَاء بِالشَّام وَعبد الدَّار فِي جُهَيْنَة وعَوْف بن عَامر فِي بني عَامر ﴿قَالُوا﴾ لرؤسائهم ﴿إِنَّا مَعَكُمْ﴾ على دينكُمْ فِي السِّرّ ﴿إِنَّمَا نَحن مستهزؤون﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه بِلَا إِلَه إِلَّا الله
﴿الله يستهزئ بِهِمْ﴾ فِي الْآخِرَة يَعْنِي يفتح لَهُم بَابا إِلَى الْجنَّة ثمَّ يغلق دونهم فيستهزىء بهم الْمُؤْمِنُونَ ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ يتركهم فِي الدُّنْيَا فِي كفرهم وضلالتهم يعمهون يمضون عمهة لَا يبصرون
﴿أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى﴾ اخْتَارُوا الْكفْر على الْإِيمَان وَبَاعُوا الْهدى بالضلالة
4
﴿فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ﴾ لم يربحوا فِي تِجَارَتهمْ بل خسروا ﴿وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾ من الضَّلَالَة
5
﴿مثلهم﴾ مثل الْمُنَافِقين مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿كَمَثَلِ الَّذِي استوقد نَاراً﴾ أوقد نَارا فِي ظلمَة لكَي يَأْمَن بهَا على أَهله وَمَاله وَنَفسه ﴿فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ استضاءت وَرَأى مَا حوله وَأمن بهَا على نَفسه وَأَهله وَمَاله طفئت ناره فَكَذَلِك المُنَافِقُونَ آمنُوا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن فَأمنُوا بِهِ على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وأهاليهم من السَّبي وَالْقَتْل فَلَمَّا مَاتُوا ﴿ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ﴾ بِمَنْفَعَة إِيمَانهم ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ﴾ فِي شَدَائِد الْقَبْر ﴿لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ الرخَاء بعد ذَلِك وَيُقَال مثلهم أَي مثل الْيَهُود مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمثل رجل أَقَامَ علما فِي هزيمَة فَاجْتمع إِلَيْهِ مهزمون فقلبوا علمهمْ فَذَهَبت منفعتهم وأمنهم بِهِ كَذَلِك الْيَهُود كَانُوا يستنصرون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن قبل خُرُوجه فَلَمَّا خرج كفرُوا بِهِ فَذهب الله بنورهم برغبة إِيمَانهم وَمَنْفَعَة إِيمَانهم لأَنهم أَرَادوا أَن يُؤمنُوا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلم يُؤمنُوا وتركهم فِي ظلمات فِي ضَلَالَة الْيَهُودِيَّة لَا يبصرون الْهدى
﴿صُمٌّ﴾ يتصاممون ﴿بُكْمٌ﴾ يتباكمون ﴿عُمْيٌ﴾ يتعامون ﴿فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ عَن كفرهم وضلالتهم
﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء﴾ وَهَذَا مثل آخر يَقُول مثل الْمُنَافِقين وَالْيَهُود مَعَ الْقُرْآن كصيب كمطر نزل من السَّمَاء لَيْلًا على قوم فِي مفازة ﴿فِيهِ﴾ فِي اللَّيْل ﴿ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وبرق﴾ وَكَذَلِكَ الْقُرْآن نزل من الله فِيهِ ظلمات بَيَان الْفِتَن ورعد زجر وتخويف وبرق بَيَان وتبصرة ووعداً ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِق﴾ من صَوت الرَّعْد ﴿حَذَرَ الْمَوْت﴾ مَخَافَة البوائق وَالْمَوْت كَذَلِك المُنَافِقُونَ وَالْيَهُود كَانُوا يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم من الصَّوَاعِق من بَيَان الْقُرْآن ووعده ووعيده حذر الْمَوْت مَخَافَة ميل الْقلب إِلَيْهِ ﴿وَالله مُحِيطٌ بالكافرين﴾ وَالْمُنَافِقِينَ أَي عَالم بهم وجامعهم فِي النَّار
﴿يَكَادُ الْبَرْق﴾ النَّار ﴿يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ يذهب بأبصار الْكَافرين كَذَلِك الْبَيَان أَرَادَ أَن يذهب بأبصار ضلالتهم ﴿كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُمْ﴾ الْبَرْق ﴿مَّشَوْاْ فِيهِ﴾ فِي ضوء الْبَرْق ﴿وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ﴾ بقوا فِي الظلمَة كَذَلِك المُنَافِقُونَ لما آمنُوا مَشوا فِيمَا بَين الْمُؤمنِينَ لأَنهم تقبل إِيمَانهم فَلَمَّا مَاتُوا بقوا فِي ظلمَة الْقَبْر ﴿وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ﴾ بالرعد ﴿وَأَبْصَارِهِمْ﴾ بالبرق كَذَلِك لَو شَاءَ الله لذهب بسمع الْمُنَافِقين وَالْيَهُود بزجر مَا فِي الْقُرْآن ووعيد مَا فِيهِ وأبصارهم بِالْبَيَانِ ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْء﴾ من ذهَاب السّمع وَالْبَصَر ﴿قدير﴾
﴿يَا أَيهَا النَّاس﴾ يَا أهل مَكَّة وَيُقَال هم الْيَهُود ﴿اعبدوا رَبَّكُمُ﴾ وحدوا ربكُم ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ نسماً من النُّطْفَة ﴿وَالَّذين مِن قَبْلِكُمْ﴾ وَخلق الَّذين من قبلكُمْ ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ لكَي تتقوا السخطة وَالْعَذَاب وتطيعوا الله
﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض فِرَاشاً﴾ بساطاً ومناماً ﴿والسمآء بِنَآءً﴾ سقفًا مَرْفُوعا ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً﴾ مَطَرا ﴿فَأَخْرَجَ بِهِ﴾ فأنبت بالمطر ﴿مِنَ الثمرات﴾ من ألوان الثمرات ﴿رِزْقاً لَّكُمْ﴾ طَعَاما لكم ولسائر الْخلق ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً﴾ فَلَا تَقولُوا لله أعدالاً وأشكالاً وأشباهاً ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أَنِّي صانع هَذِه الْأَشْيَاء وَيُقَال وَأَنْتُم تعلمُونَ فِي كتابكُمْ أَنه لَيْسَ لَهُ ولد وَلَا شَبيه وَلَا ند
﴿وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ فِي شكّ ﴿مِّمَّا نَزَّلْنَا﴾ بِمَا نزلنَا جِبْرِيل ﴿على عَبْدِنَا﴾ مُحَمَّد أَنه يختلقه من تِلْقَاء نَفسه ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾ فجيئوا بِسُورَة من مثل سُورَة الْبَقَرَة ﴿وَادعوا شُهَدَآءَكُم﴾ وَاسْتَعِينُوا بآلهتكم الَّتِي تَعْبدُونَ ﴿مِّن دُونِ الله﴾ وَيُقَال برؤسائكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِي مَقَالَتَكُمْ
﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ﴾ وَهَذَا مقدم ومؤخر يَقُول لن تَفعلُوا أَي لن تقدروا أَن تجيئوا بِمثلِهِ فَإِن لم تَفعلُوا فَإِن لم تقدروا أَن تجيئوا ﴿فَاتَّقُوا النَّار﴾ فاخشوا النَّار إِن لم تؤمنوا ﴿الَّتِي وَقُودُهَا النَّاس﴾ حطبها الْكفَّار ﴿وَالْحِجَارَة﴾ حجارةِ الكبريت
5
﴿أُعِدَّتْ﴾ خلقت وهيئت واعتدت وقدرت ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾ ثمَّ ذكر كَرَامَة الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة فَقَالَ
6
﴿وَبشر الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَيُقَال الصَّالِحَات من الْأَعْمَال ﴿أَنَّ لَهُمْ﴾ بِأَن لَهُم ﴿جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَاللَّبن وَالْعَسَل وَالْمَاء ﴿كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا﴾ كلما أطعموا فِيهَا فِي الْجنَّة ﴿مِن ثَمَرَةٍ﴾ من ألوان الثمرات ﴿رِّزْقاً﴾ طَعَاما ﴿قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ﴾ أطعمنَا من قبل هَذَا ﴿وَأُتُواْ بِهِ﴾ جيئوا بِهِ بِالطَّعَامِ ﴿مُتَشَابِهاً﴾ فِي اللَّوْن مُخْتَلفا فِي الطّعْم ﴿وَلَهُمْ فِيهَآ﴾ فِي الْجنَّة ﴿أَزْوَاجٌ﴾ جوَار ﴿مُّطَهَّرَةٌ﴾ مهذبة من الْحيض والأدناس ﴿وَهُمْ فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿خَالِدُونَ﴾ دائمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون
ثمَّ ذكر إِنْكَار الْيَهُود لأمثال الْقُرْآن فَقَالَ ﴿إِن الله لَا يستحيي﴾ لَا يتْرك وَكَيف يستحيي من ذكر شَيْء لَو اجْتمع الْخَلَائق كلهم على تخليقه مَا قدرُوا عَلَيْهِ وَلَا يمنعهُ الْحيَاء ﴿أَن يَضْرِبَ مَثَلاً﴾ أَن يبين لِلْخلقِ مثلا ﴿مَّا بَعُوضَةً﴾ فِي بعوضة ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ فَكيف مَا فَوْقهَا يَعْنِي الذُّبَاب وَالْعَنْكَبُوت وَيُقَال مَا دونهَا ﴿فَأَمَّا الَّذين آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ﴾ يَعْنِي الْمثل ﴿الْحق﴾ أَي هُوَ الْحق ﴿مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذين كَفَرُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ الله بِهَذَا مَثَلاً﴾ أَي بِهَذَا الْمثل قل يَا مُحَمَّد إِن الله أَرَادَ بِهَذَا الْمثل أَنه ﴿يضل بِهِ كثيرا﴾ من الْيَهُود عَن الدّين ﴿وَيهْدِي بِهِ كَثِيراً﴾ من الْمُؤمنِينَ ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ﴾ بِالْمثلِ ﴿إِلاَّ الْفَاسِقين﴾ الْيَهُود
﴿الَّذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله﴾ فِي هَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ تغليظه وتشديده وتأكيده ﴿وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ﴾ من الْإِيمَان والأرحام ﴿أَن يُوصَلَ﴾ بِمُحَمد ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْض﴾ بتعويق النَّاس عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿أُولَئِكَ هُمُ الخاسرون﴾ المغبونون بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّه﴾ على وَجه التعجيب ﴿وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً﴾ نطفاً فِي أصلاب آبائكم ﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾ فِي أَرْحَام أُمَّهَاتكُم ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ عِنْد انْقِطَاع آجالكم ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ للبعث ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فِي الْآخِرَة فيجزيكم بأعمالكم
ثمَّ ذكر منته عَلَيْهِم فَقَالَ ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ﴾ سخر لكم ﴿مَّا فِي الأَرْض﴾ من الدَّوَابّ والنبات وَغير ذَلِك ﴿جَمِيعاً﴾ منَّة مِنْهُ ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السمآء﴾ أَي ثمَّ عمد إِلَى خلق السَّمَاء ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾ فجعلهن ﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ مستويات على الأَرْض ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ﴿عَلِيمٌ﴾
ثمَّ ذكر قصَّة الْمَلَائِكَة الَّذين أمروا بِالسُّجُود لآدَم فَقَالَ ﴿وَإِذْ قَالَ﴾ وَقد قَالَ ﴿رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ﴾ الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض ﴿إِنِّي جَاعِلٌ﴾ خَالق أخلق ﴿فِي الأَرْض﴾ من الأَرْض ﴿خَلِيفَةً﴾ بَدَلا مِنْكُم ﴿قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا﴾ أتخلق فِيهَا ﴿مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾ بِالْمَعَاصِي ﴿وَيَسْفِكُ الدمآء﴾ بالظلم ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ نصلي لَك بِأَمْرك
6
﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ ونذكرك بِالطَّهَارَةِ ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ﴾ مَا يكون من ذَلِك الْخَلِيفَة ﴿مَا لاَ تعلمُونَ﴾
7
﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأسمآء كُلَّهَا﴾ أَسمَاء الذُّرِّيَّة وَيُقَال أَسمَاء الدَّوَابّ وَغير ذَلِك حَتَّى الْقَصعَة والقصيعة والسكرجة ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ على مَذْهَب الشخوص ﴿عَلَى الْمَلَائِكَة﴾ الَّذين أمروا بِالسُّجُود ﴿فَقَالَ أَنْبِئُونِي﴾ أخبروني ﴿بِأَسْمَآءِ هَؤُلَاءِ﴾ الْخلق والذرية ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِي مَقَالَتَكُمْ الأولى
﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ﴾ تبنا إِلَيْك من ذَلِك ﴿لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ﴾ ألهمتنا ﴿إِنَّكَ أَنْت الْعَلِيم﴾ بقلوبهم ﴿الْحَكِيم﴾ بأمرنا وبأمرهم
﴿قَالَ يَا آدم أَنبِئْهُمْ﴾ أخْبرهُم ﴿بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ﴾ أخْبرهُم ﴿بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ غيب مَا يكون فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ مَا تظْهرُونَ لربكم من الطَّاعَة لآدَم ﴿وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ مِنْهُ وَيُقَال مَا ابدىء لَهُم إِبْلِيس وَمَا كُنْتُم مِنْهُم
﴿وَإِذْ قُلْنَا﴾ وَقد قُلْنَا ﴿لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لآدَمَ﴾ سَجْدَة التَّحِيَّة ﴿فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى﴾ عَن أَمر الله ﴿واستكبر﴾ تعاظم عَن السُّجُود لآدَم ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافرين﴾ بعد وَصَارَ من الْكَافرين بآبائه عَن أَمر الله وَيُقَال وَكَانَ فِي علم الله أَنه يصير من الْكَافرين وَيُقَال كَانَ من أول الْكَافرين
ثمَّ ذكر قصَّة آدم وحواء فَقَالَ ﴿وَقُلْنَا يَا آدم اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجنَّة﴾ ادخل أَنْت وحواء الْجنَّة ﴿وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً﴾ موسعاً عَلَيْكُمَا ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ وَمَتى شئتما ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هَذِه الشَّجَرَة﴾ لَا تأكلا من هَذِه الشَّجَرَة شَجَرَة الْعلم عَلَيْهَا من كل لون وفن ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمين﴾ فتصيرا من الضارين لأنفسكما
﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾ فاستزلهما ﴿الشَّيْطَان عَنْهَا﴾ عَن الْجنَّة ﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ من الرغد ﴿وَقُلْنَا﴾ لآدَم وحواء وَطَاوُس وحية وإبليس ﴿اهبطوا﴾ انزلوا إِلَى الأَرْض ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْض مُسْتَقَرٌّ﴾ منزل ﴿وَمَتَاعٌ﴾ مَنْفَعَة ومعاش ﴿إِلَى حِينٍ﴾ إِلَى حِين الْمَوْت
﴿فَتلقى آدَمُ مِن رَّبِّهِ﴾ حفظ آدم من ربه وَيُقَال لقن فتلقن وألهم فتلهم ﴿كَلِمَاتٍ﴾ لكَي تكون سَببا لَهُ ولأولاده إِلَى التَّوْبَة ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ فَتَجَاوز عَنهُ ﴿إِنَّهُ هُوَ التواب﴾ المتجاوز ﴿الرَّحِيم﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
﴿قُلْنَا﴾ لآدَم وحواء وحية وَطَاوُس وإبليس ﴿اهبطوا مِنْهَا﴾ من السَّمَاء ﴿جَمِيعاً﴾ ثمَّ ذكر ذُرِّيَّة آدم فَقَالَ ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم﴾ فَلَمَّا يَأْتينكُمْ وَحين يَأْتينكُمْ وَكلما يَأْتينكُمْ ﴿مِّنِّي هُدًى﴾ كتاب وَرَسُول ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ﴾ الْكتاب وَالرَّسُول ﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم﴾ فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب ﴿وَلَا هم يَحْزَنُونَ﴾ على مَا خلفوا من خَلفهم وَيُقَال بِلَا خوف عَلَيْهِم بالدوام وَلَا هم يَحْزَنُونَ بالدوام وَيُقَال فَلَا خوف عَلَيْهِم إِذا ذبح الْمَوْت وَلَا هم يَحْزَنُونَ إِذا أطبقت النَّار
﴿وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بآياتنآ﴾ بِالْكتاب وَالرَّسُول
7
﴿أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار﴾ أهل النَّار ﴿هم فِيهَا خَالدُونَ﴾ فِي النَّار دائمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون
8
ثمَّ ذكر منته على بني إِسْرَائِيل فَقَالَ ﴿يَا بني إِسْرَائِيلَ﴾ يَا أَوْلَاد يَعْقُوب ﴿اذْكروا نِعْمَتِيَ﴾ اشكروا واحفظوا منتي ﴿الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم﴾ منت عَلَيْكُم بِالْكتاب وَالرَّسُول والنجاة من فِرْعَوْن وَالْغَرق والمن والسلوى وَغير ذَلِك ﴿وأوفوا بعهدي﴾ أَتموا عهدي فِي هَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ أدخلكم الْجنَّة ﴿وَإِيَّايَ فارهبون﴾ فخافوني فِي نقض الْعَهْد وَلَا تخافوا غَيْرِي
﴿وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ﴾ جِبْرِيل بِهِ ﴿مُصَدِّقاً﴾ مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَبَعض الشَّرَائِع ﴿لِّمَا مَعَكُمْ﴾ من الْكتاب ﴿وَلَا تَكُونُوا أول كَافِر بِهِ﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي﴾ بكتمان صفة مُحَمَّد ونعته ﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ عوضا يَسِيرا من المأكلة ﴿وإياي فاتقون﴾ فخافوني فِي هَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ﴾ وَلَا تخلطوا الْبَاطِل بِالْحَقِّ صفة الدَّجَّال بِصفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَتَكْتُمُواْ الْحق﴾ وَلَا تكتموا الْحق ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ بكتمانه
ثمَّ ذكر لُزُوم الشَّرَائِع عَلَيْهِم بعد الْإِيمَان فَقَالَ ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة﴾ أَتموا الصَّلَوَات الْخمس ﴿وَآتُواْ الزَّكَاة﴾ أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم ﴿واركعوا مَعَ الراكعين﴾ صلوا الصَّلَوَات الْخمس مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فِي الْجَمَاعَة
ثمَّ ذكر قصَّة رُؤَسَاء الْيَهُود فَقَالَ ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاس﴾ سفلَة النَّاس بِالْبرِّ بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ تتركون أَنفسكُم فَلَا تتبعونه ﴿وَأَنْتُمْ تتلون﴾ تقرءون ﴿الْكتاب﴾ عَلَيْهِم ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ فَلَيْسَ لكم ذهن الإنسانية
﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ﴾ على أَدَاء فَرَائض الله وَترك الْمعاصِي ﴿وَالصَّلَاة﴾ وبكثرة الصَّلَاة على تمحيص الذُّنُوب ﴿وَإِنَّهَا﴾ يَعْنِي الصَّلَاة ﴿لَكَبِيرَةٌ﴾ لثقيلة ﴿إِلاَّ عَلَى الخاشعين﴾ المتواضعين
﴿الَّذين يظنون﴾ يعلمُونَ ويستيقنون ﴿إِنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ﴾ معاينو رَبهم ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ بعد الْمَوْت
ثمَّ ذكر أَيْضا منته على بني إِسْرَائِيل فَقَالَ ﴿يَا بني إِسْرَائِيل﴾ يَا أَوْلَاد يَعْقُوب ﴿اذْكروا نعمتي﴾ احْفَظُوا منتي ﴿الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم﴾ مننت عَلَيْكُم ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ﴾ بِالْكتاب وَالرَّسُول وَالْإِسْلَام ﴿عَلَى الْعَالمين﴾ على عالمي زمانكم
﴿وَاتَّقوا يَوْماً﴾ واخشوا عَذَاب يَوْم إِن لم تؤمنوا وتتوبوا من الْيَهُودِيَّة ﴿لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً﴾ لَا تغني نفس كَافِرَة عَن نفس كَافِرَة من عَذَاب الله شَيْئا ﴿وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ﴾ لَا يشفع لَهَا شَافِع ﴿وَلاَ يُؤْخَذُ﴾ لَا يقبل ﴿مِنْهَا عَدْلٌ﴾ فدَاء ﴿وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ يمْنَعُونَ من عَذَاب الله
﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ من فِرْعَوْن وَقَومه ﴿يسومونكم سوء الْعَذَاب﴾ يعذبونكم بأشد الْعَذَاب ثمَّ ذكر عَذَابه عَلَيْهِم فَقَالَ ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ﴾ صغَارًا ﴿وَيَسْتَحْيُونَ﴾ يستخدمون ﴿نِسَآءَكُمْ﴾ كبارًا ﴿وَفِي ذَلِكُمْ بلَاء﴾ بلية ﴿مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ عَظِيمَة وَيُقَال نقمة من ربكُم عَظِيمَة
ثمَّ ذكر منَّة النجَاة من الْغَرق وغرق فِرْعَوْن وَقَومه فَقَالَ ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا﴾ فلقنا ﴿بِكُمُ الْبَحْر فَأَنجَيْنَاكُمْ﴾
8
من الْغَرق ﴿وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ وَقَومه ﴿وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ﴾ إِلَيْهِم بعد ثَلَاثَة أَيَّام
9
﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا﴾ وَقد واعدنا ﴿مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ بِإِعْطَاء الْكتاب ﴿ثُمَّ اتخذتم الْعجل﴾ عَبدْتُمْ الْعجل ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ من بعد انطلاقه إِلَى الْجَبَل ﴿وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ ضارون
﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم﴾ تركناكم وَلم نستأصلكم ﴿مِّن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ من بعد عبادتكم الْعجل ﴿لَعَلَّكُمْ تشكرون﴾ لكَي تشكرو عفوي
﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب﴾ أعطينا مُوسَى التَّوْرَاة ﴿وَالْفرْقَان﴾ يَعْنِي بَينا فِيهَا الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي وَغير ذَلِك وَيُقَال النُّصْرَة والدولة على فِرْعَوْن ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لكَي تهتدوا من الضَّلَالَة
ثمَّ ذكر قصَّة مُوسَى مَعَ قومه فَقَالَ ﴿وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم﴾ ضررتم أَنفسكُم ﴿باتخاذكم الْعجل﴾ بعبادتكم الْعجل فَقَالُوا لمُوسَى فبماذا تَأْمُرنَا فَقَالَ لَهُم ﴿فتوبوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ إِلَى خالقكم قَالُوا كَيفَ نتوب فَقَالَ لَهُم ﴿فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ﴾ فليقتل الَّذِي لم يعبد الْعجل الَّذِي عَبده ﴿ذَلِكُمْ﴾ التَّوْبَة وَالْقَتْل خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ خالقكم فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَتَجَاوز عَنْكُم ﴿إِنَّهُ هُوَ التواب﴾ المتجاوز لمن تَابَ ﴿الرَّحِيم﴾ على من مَاتَ على التَّوْبَة
﴿وَإِذ قُلْتُمْ﴾ وَقد قُلْتُمْ ﴿يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ﴾ لن نصدقك فِيمَا تَقول ﴿حَتَّى نَرَى الله جَهْرَةً﴾ مُعَاينَة كَمَا رَأَيْت ﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة﴾ فأحرقتكم النَّار ﴿وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ﴾ إِلَيْهَا
﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُم﴾ أحييناكم ﴿مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ حرقكم ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لكَي تشكروا إحيائي
﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَام﴾ فِي التيه ﴿وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنّ والسلوى﴾ فِي التيه ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ﴾ حلالات ﴿مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ أعطيناكم وَلَا تَرفعُوا لغد فَرفعُوا ﴿وَمَا ظَلَمُونَا﴾ وَمَا نقصونا بِمَا رفعوا ﴿وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ يضرون
﴿وَإِذْ قُلْنَا ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة﴾ قَرْيَة أرِيحَا ﴿فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ﴾ وَمَتى مَا شِئْتُم ﴿رَغَداً﴾ موسعاً عَلَيْكُم ﴿وادخلوا الْبَاب سُجَّداً﴾ ركعا ﴿وَقُولُواْ حِطَّةٌ﴾ أَن تحط عَنَّا خطايانا وَيُقَال لَا إِلَه إِلَّا الله ﴿نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ فِي حسناتهم
﴿فَبَدَّلَ الَّذين ظَلَمُواْ﴾ أنفسهم وهم أَصْحَاب الحطة ﴿قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ أَمر لَهُم فَقَالُوا حِنْطَة شمقاتاً يَعْنِي الْحِنْطَة الْحَمْرَاء ﴿فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذين ظَلَمُواْ﴾ غيروا القَوْل وهم أَصْحَاب الحطة ﴿رِجْزاً﴾ طاعوناً ﴿مِّنَ السمآء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ يغيرون مَا أمروا بِهِ
﴿وَإِذِ استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ فِي التيه ﴿فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحجر﴾ الَّذِي مَعَك وَكَانَ حجرا أعطَاهُ الله إِيَّاه عَلَيْهِ اثْنَا عشر ثدياً كثدي الْمَرْأَة يخرج من كل ثدي نهر إِذا ضرب عَصَاهُ عَلَيْهِ ﴿فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً﴾ نَهرا ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ﴾ سبط ﴿مَّشْرَبَهُمْ﴾ من نهرهم قَالَ الله لَهُم ﴿كُلُواْ﴾ من الْمَنّ والسلوى ﴿وَاشْرَبُوا﴾ من الْأَنْهَار كلهَا ﴿مِن رِّزْقِ الله﴾ لكم ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْض مُفْسِدِينَ﴾ وَلَا تَمْشُوا فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ وَخلاف أَمر مُوسَى
﴿وَإِذ قُلْتُمْ﴾ وَقد قُلْتُمْ ﴿يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ على أكل طَعَام وَاحِد الْمَنّ والسلوى ﴿فَادع﴾ أَي اسْأَل ﴿لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْض﴾ مِمَّا تخرج الأَرْض ﴿مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا﴾ أَي ثومها ﴿وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ﴾ لَهُم مُوسَى ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أدنى﴾ أردأ الثوم والبصل ﴿بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ أفضل وأشرف الْمَنّ والسلوى أَي تسْأَلُون الَّذِي هُوَ الرَّدِيء وتتركون الَّذِي هُوَ الشريف ﴿اهبطوا مِصْراً﴾ الَّذِي خَرجْتُمْ مِنْهُ وَيُقَال مصرا من الْأَمْصَار ﴿فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُم﴾ فَأن ماسألتم لكم ثمَّ ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة﴾ جعلت عَلَيْهِم المذلة بالجزية ﴿والمسكنة﴾ زِيّ الْفقر ﴿وباؤوا بِغَضَبٍ﴾ استوجبوا للعنة ﴿مِّنَ الله ذَلِكَ﴾ اللَّعْنَة والذلة والمسكنة ﴿ذَلِك بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله﴾ يجحدون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيين بِغَيْرِ الْحق﴾ بِغَيْر حق وَلَا جرم ﴿ذَلِك﴾ الْغَضَب ﴿بِمَا عَصَواْ﴾ لله فِي السبت ﴿وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾ بقتل الْأَنْبِيَاء وَاسْتِحْلَال الْمعاصِي
ثمَّ ذكر الَّذين آمنُوا مِنْهُم فَقَالَ ﴿إِنَّ الَّذين آمَنُواْ﴾ بمُوسَى وَسَائِر الْأَنْبِيَاء لَهُمْ أَجْرَهُمْ وثوابهم عِنْد رَبهم فِي الْجنَّة وَلَا خوف عَلَيْهِم بالدوام وَلا هُمْ يَحْزَنُون بالدوام وَيُقَال وَلَا خوف عَلَيْهِم فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب وَلَا هم يَحْزَنُونَ على مَا خلفوا من خَلفهم وَيُقَال وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ إِذا ذبح الْمَوْت وَلاَ هم يَحْزَنُونَ إِذا أطبقت النَّار ثمَّ ذكر الَّذين لم يُؤمنُوا بمُوسَى وَسَائِر الْأَنْبِيَاء يُقَال ﴿وَالَّذين هَادُواْ﴾ مالوا عَن دين مُوسَى وهم الْيَهُود الَّذين تهودوا ﴿وَالنَّصَارَى﴾ الَّذين تنصرُوا ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ قوم من النَّصَارَى يحلقون وسط رؤوسهم ويقرءون الزبُور ويعبدون الْمَلَائِكَة يَقُولُونَ صَبَأت قُلُوبنَا أَي رجعت قُلُوبنَا إِلَى الله ﴿مَنْ آمَنَ﴾ مِنْهُم ﴿بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعَمِلَ صَالِحاً﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ ثوابهم أَيْضا {عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
! ثمَّ ذكر أَخذ الْمِيثَاق عَلَيْهِم فَقَالَ ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ وَقد أَخذنَا إقراركم ﴿وَرَفَعْنَا﴾ قلعنا وحبسنا ﴿فَوْقَكُمُ﴾ فَوق رؤوسكم ﴿الطّور﴾ الْجَبَل بِأخذ الْمِيثَاق ﴿خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم﴾ اعْمَلُوا بِمَا أعطيناكم من الْكتاب ﴿بِقُوَّةٍ﴾ بجد ومواظبة النَّفس ﴿واذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾ من الثَّوَاب وَالْعِقَاب واحفظوا مَا فِيهِ من الْحَلَال وَالْحرَام ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ لكَي تتقوا من السخط وَالْعَذَاب وتطيعوا الله
﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أعرضتم عَن الْمِيثَاق ﴿مِّن بَعْدِ ذَلِك فَلَوْلاَ فَضْلُ الله﴾ من الله ﴿عَلَيْكُمْ﴾ بِتَأْخِير الْعَذَاب ﴿وَرَحمته﴾ بارسال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْكُم ﴿لَكُنْتُم مِّنَ الخاسرين﴾ لصرتم من المغبونين بالعقوبة
﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ﴾ عَرَفْتُمْ وسمعتم عُقُوبَة ﴿الَّذين اعتدوا مِنْكُمْ﴾ بِأخذ الْمِيثَاق ﴿فِي السبت﴾ يَوْم السبت فِي زمن دَاوُد ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾
10
صيروا قردة ذليلين صاغرين
11
﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ قردة ﴿نَكَالاً﴾ عُقُوبَة ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾ لما قبلهَا من الذُّنُوب ﴿وَمَا خَلْفَهَا﴾ ولكي يَكُونُوا عِبْرَة لمن خَلفهم لكَي لَا يقتدوا بهم ﴿وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ عظة ونهياً لِلْمُتقين لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
ثمَّ ذكر قصَّة الْبَقَرَة فَقَالَ ﴿وَإِذْ قَالَ﴾ وَقد قَالَ ﴿مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً﴾ من البقور ﴿قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هزوا﴾ أتستهزى بِنَا يَا مُوسَى قَالَ مُوسَى ﴿أَعُوذُ بِاللَّه﴾ أمتنع بِاللَّه ﴿أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلين﴾ من الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا علمُوا أَنه صَادِق
﴿قَالُواْ ادْع لَنَا رَبَّكَ﴾ سل لنا رَبك ﴿يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ﴾ صَغِيرَة أَو كَبِيرَة هِيَ قَالَ مُوسَى ﴿إِنَّهُ يَقُولُ﴾ أَي يَقُول الله ﴿إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ﴾ لَا كَبِيرَة ﴿وَلاَ بِكْرٌ﴾ وَلَا صَغِيرَة ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِك﴾ نصف أَي وسط بَين الصَّغِير وَالْكَبِير ﴿فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ﴾ وَلَا تسألوا
﴿قَالُواْ ادْع لَنَا رَبَّكَ﴾ سل لنا رَبك ﴿يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا﴾ مَا لون الْبَقَرَة ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ﴾ الظلْف والقرن سَوْدَاء الْبدن ﴿فَاقِعٌ لَّوْنُهَا﴾ صَاف لَوْنهَا ﴿تَسُرُّ الناظرين﴾ تعجب الناظرين إِلَيْهَا
﴿قَالُواْ ادْع لَنَا رَبَّكَ﴾ سل لنا رَبك يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ عاملة هِيَ أم لَا ﴿إِنَّ الْبَقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾ تشاكل علينا ﴿وَإِنَّآ إِن شَآءَ الله لَمُهْتَدُونَ﴾ إِلَى وصفهَا وَيُقَال إِلَى قَاتل عاميل
﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ﴾ لَا مذللة ﴿تُثِيرُ الأَرْض﴾ تحرث الأَرْض ﴿وَلاَ تَسْقِي الْحَرْث﴾ لَا يستسقى عَلَيْهَا بالسواقي الْحَرْث ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ من كل عيب ﴿لاَّ شِيَةَ فِيهَا﴾ لَا وضح فِيهَا وَلَا بَيَاض ﴿قَالُواْ الْآن جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾ الْآن تبين لنا الصّفة فطلبوها واشتروها بملء مسكها ذَهَبا ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ﴾ فِي بَدْء الْأَمر وَيُقَال من غلاء ثمنهَا
ثمَّ ذكر الْمَقْتُول فَقَالَ ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً﴾ عاميل ﴿فادارأتم فِيهَا﴾ فاختلفتم فِي قَتلهَا ﴿وَالله مُخْرِجٌ﴾ مظهر ﴿مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ من قَتلهَا
﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ﴾ عَنى الْمَقْتُول ﴿بِبَعْضِهَا﴾ أَي بعضو من أعضائها وَيُقَال بذنبها وَيُقَال بلسانها ﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا أَحْيَا الله عاميل ﴿يُحْيِي الله الْمَوْتَى﴾ للبعث ﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ إحياءه ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لكَي تصدقوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت
﴿ثُمَّ قَسَتْ﴾ جَفتْ ويبست ﴿قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِك﴾ من بعد إحْيَاء عاميل وإعلامكم قَاتله ﴿فَهِيَ كالحجارة﴾ فِي الشدَّة ﴿أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ بل أَشد قسوة ثمَّ عذر الْحِجَارَة وَذكر مَنْفَعَتهَا وَعَابَ على الْقُلُوب قَالَ ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَة﴾ حِجَارَة ﴿لَمَا يَتَفَجَّرُ﴾ يخرج ﴿مِنْهُ الْأَنْهَار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ﴾ يَقُول يتصدع ﴿فَيَخْرُجُ مِنْهُ المآء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ﴾ يَقُول يتدحرج من أَعلَى الْجَبَل إِلَى أَسْفَله ﴿مِنْ خَشْيَةِ الله﴾ وقلوبكم لَا تتحرك من خوف الله ﴿وَمَا الله بِغَافِلٍ﴾ بتارك عُقُوبَة ﴿عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ من الْمعاصِي وَيُقَال مَا تكتمون من الْمعاصِي
﴿أفتطمعون أَن يُؤمنُوا لكم﴾ أَن ترجو يَا مُحَمَّد أَن تؤمن بك الْيَهُود ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ﴾ وهم السبعون الَّذين كَانُوا مَعَ مُوسَى ﴿يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله﴾ قِرَاءَة مُوسَى لكَلَام الله ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾ يغيرونه ﴿مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾ علموه وفهموه ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أَنهم يغيرونه
ثمَّ ذكر منا فِي أهل الْكتاب وَيُقَال سفلَة أهل الْكتاب فَقَالَ ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذين آمَنُواْ﴾ يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه ﴿قَالُوا آمَنَّا﴾ بنبيكم وَصفته ونعته فِي كتَابنَا ﴿وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ إِذا رَجَعَ السفلة إِلَى رُؤَسَائِهِمْ ﴿قَالُوا﴾ قَالَ الرؤساء للسفلة ﴿أَتُحَدِّثُونَهُم﴾ أتخبرون مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه ﴿بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ﴾ بِمَا بَين الله لكم من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي كتابكُمْ ﴿لِيُحَآجُّوكُم﴾ حَتَّى يخاصموكم ﴿بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ من عِنْد ربكُم مقدم ومؤخر ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أفليس لكم ذهن الإنسانية
قَالَ الله تَعَالَى ﴿أَو لَا يَعْلَمُونَ﴾ يَعْنِي الرؤساء ﴿أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ﴾ فِيمَا بَينهم ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ بِمُحَمد وَأَصْحَابه
﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكتاب﴾ لَا يحسنون قِرَاءَة الْكتاب وَلَا كِتَابَته ﴿إِلاَّ أَمَانِيَّ﴾ أَحَادِيث بِلَا أصل ﴿وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ﴾ وَمَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا بِالظَّنِّ بتلقين رُؤَسَائِهِمْ
﴿فَوَيْلٌ﴾ فشدة الْعَذَاب وَيُقَال وَاد فِي جَهَنَّم ﴿للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب﴾ يغيرون صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي الْكتاب ﴿بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا﴾ الْكتاب الَّذِي جَاءَ ﴿مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُواْ بِهِ﴾ بتغييره وكتابته ﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ عرضا يَسِيرا من المأكلة والفضول ﴿فَوَيْلٌ لَّهُمْ﴾ فشدة الْعَذَاب لَهُم ﴿مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ مِمَّا غيرت أَيْديهم ﴿وَوَيْلٌ لَّهُمْ﴾ شدَّة الْعَذَاب لَهُم ﴿مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾ يصيبون من الْحَرَام والرشوة
﴿وَقَالُواْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود ﴿لَن تَمَسَّنَا النَّار﴾ لن تصيبنا النَّار ﴿إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً﴾ قدر أَرْبَعِينَ يَوْمًا الَّتِي عبد فِيهَا آبَاؤُنَا الْعجل ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَتَّخَذْتُمْ عِندَ الله عَهْداً﴾ على مَا تَقولُونَ ﴿فَلَنْ يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ﴾ إِن كَانَ لكم عِنْد الله عهد ﴿أَمْ تَقُولُونَ﴾ بل أتقولون ﴿عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ فِي كتابكُمْ
﴿بلَى﴾ رد عَلَيْهِم ﴿مَن كَسَبَ سَيِّئَةً﴾ أَي أشرك بِاللَّه ﴿وأحاطت بِهِ خطيئته﴾ أوبقه شركه أَي مَاتَ عَلَيْهِ ﴿فَأُولَئِك﴾ أهل هَذِه الصّفة ﴿أَصْحَابُ النَّار﴾ أهل النَّار ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ دائمون لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا
ثمَّ ذكر الَّذين آمنُوا فَقَالَ ﴿وَالَّذين آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ دائمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا
ثمَّ ذكر أَيْضا ميثاقه على بني إِسْرَائِيل فَقَالَ ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله﴾ لَا توحدون إِلَّا الله وَلَا تشركون بِهِ شَيْئا ﴿وبالوالدين إِحْسَاناً﴾ برا بهما ﴿وَذِي الْقُرْبَى﴾ وصلَة الرَّحِم لِلْقَرَابَةِ ﴿واليتامى﴾ وَالْإِحْسَان إِلَى الْيَتَامَى ﴿وَالْمَسَاكِين﴾ وَالْإِحْسَان إِلَى الْمَسَاكِين ﴿وَقُولُوا للنَّاس حسنا﴾ فِي شَأْن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقًا وَيُقَال حسنا صدقا ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة﴾ أَتموا الصَّلَوَات الْخمس ﴿وَآتُواْ الزَّكَاة﴾ وأعطوا زَكَاة أَمْوَالكُم ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أعرضتم عَن الْمِيثَاق
12
﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ﴾ من آبائكم وَيُقَال إِلَّا قَلِيلا مِنْكُم عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه ﴿وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ﴾ مكذبون تاركون لَهُ
13
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ فِي الْكتاب ﴿لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ﴾ لَا تقتلون بَعْضكُم بَعْضًا ﴿وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ أَي بَعْضكُم بَعْضًا ﴿مِّن دِيَارِكُمْ﴾ من مَنَازِلكُمْ يَعْنِي بني قُرَيْظَة وَالنضير ثُمَّ ﴿أَقْرَرْتُمْ﴾ قبلتم ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ تعلمُونَ ذَلِك
﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ يَا هَؤُلَاءِ ﴿تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ﴾ بَعْضكُم بَعْضًا ﴿وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ﴾ من مَنَازِلهمْ ﴿تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ﴾ تعاونون بَعْضكُم بَعْضًا ﴿بالإثم﴾ بالظلم ﴿وَالْعُدْوَانِ﴾ الاعتداء ﴿وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى﴾ يَعْنِي أُسَارَى أهل دينكُمْ ﴿تُفَادُوهُمْ﴾ من الْعَدو مقدم ومؤخر ﴿وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ﴾ أَي إخراجهم وقتلهم محرم عَلَيْكُم ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكتاب﴾ بِبَعْض مَا فِي الْكتاب تفادون أسراءكم من عَدوكُمْ ﴿وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ وتتركون أسراء أصحابكم وَلَا تفادونهم يُقَال أتؤمنون بِبَعْض الْكتاب بِمَا تهوى أَنفسكُم وتكفرون بِبَعْض بِمَا لَا تهوى أَنفسكُم ﴿فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ إِلَّا عَذَاب فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ والسبي ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَة يُرَدُّونَ﴾ يرجعُونَ ﴿إِلَى أَشَدِّ الْعَذَاب﴾ أَسْفَل الْعَذَاب ﴿وَمَا الله بِغَافِلٍ﴾ بتارك عُقُوبَة ﴿عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ من الْمعاصِي وَيُقَال مَا تكتمون
﴿أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة﴾ اخْتَارُوا الدُّنْيَا على الْآخِرَة وَالْكفْر على الْإِيمَان ﴿فَلاَ يُخَفَّفُ﴾ لَا يهون وَيُقَال لَا يرفع ﴿عَنْهُمُ الْعَذَاب وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ يمْنَعُونَ من عَذَاب الله
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا﴾ أعطينا ﴿مُوسَى الْكتاب﴾ التَّوْرَاة ﴿وَقَفَّيْنَا﴾ أتبعنا وأردتنا ﴿مِن بَعْدِهِ بالرسل وَآتَيْنَا﴾ أعطينا ﴿عِيسَى ابْن مَرْيَمَ الْبَينَات﴾ الْأَمر وَالنَّهْي والعجائب والعلامات ﴿وَأَيَّدْنَاهُ﴾ قويناه وأعناه ﴿بِرُوحِ الْقُدس﴾ بجبرائيل المطهر ﴿أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ﴾ يَا معشر الْيَهُود ﴿رَسُولٌ بِمَا لاَ تهوى أَنْفُسُكُمْ﴾ بِمَا لَا يُوَافق قُلُوبكُمْ ودينكم ﴿استكبرتم﴾ تعظمتم عَن الْإِيمَان بِهِ ﴿فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ﴾ يَقُول كَذبْتُمْ فريقا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِيسَى ﴿وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾ وفريقاً قتلتم يحيى وزَكَرِيا
﴿وَقَالُواْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ من قَوْلك يَا مُحَمَّد أَي قُلُوبنَا أوعية لكل علم وَهِي لَا تعي علمك وكلامك ﴿بَل﴾ رد عَلَيْهِم ﴿لَّعَنَهُمُ الله﴾ طبع الله على قُلُوبهم ﴿بِكُفْرِهِمْ﴾ عُقُوبَة لكفرهم ﴿فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ﴾ مَا يُؤمنُونَ قَلِيلا وَلَا كثيرا وَيُقَال مَا يُؤمنُونَ بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير
﴿وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ﴾ مُوَافق ﴿لما مَعَهم﴾ من الْكتاب بالتوحيدوصفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَبَعض الشَّرَائِع كفرُوا بِهِ ﴿وَكَانُواْ مِن قبل﴾ من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾ يستنصرون بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿عَلَى الَّذين كَفَرُواْ﴾ من عدوهم أَسد وغَطَفَان وَمُزَيْنَة وجهينة ﴿فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ﴾ صفته ونعته فِي كِتَابهمْ ﴿كَفَرُواْ بِهِ﴾ جَحَدُوا بِهِ ﴿فَلَعْنَةُ الله﴾ سخطَة الله وعذابه ﴿عَلَى الْكَافرين﴾ على الْيَهُود
﴿بِئْسَمَا اشْتَروا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ باعوا بِهِ أنفسهم ﴿أَن يكفروا﴾ بِأَن كفرُوا ﴿بِمَآ أنَزَلَ الله﴾ من الْكتاب وَالرَّسُول ﴿بَغْياً﴾ حسداً ﴿أَن يُنَزِّلُ الله مِن فَضْلِهِ﴾ بِأَن نزل الله جِبْرِيل بفضله الْكتاب والنبوة ﴿على من يَشَاء من عباده﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا ﴿فباؤوا بِغَضَبٍ على غَضَبٍ﴾ فاستوجبوا لعنة على أثر لعنة ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ يهانون بِهِ وَيُقَال شَدِيد
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود ﴿آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ يَعْنِي التَّوْرَاة ﴿وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ﴾ يَعْنِي سوى التَّوْرَاة ﴿وَهُوَ الْحق﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿مُصَدِّقاً﴾ مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ ﴿لِّمَا مَعَهُمْ﴾ من الْكتاب قَالُوا يَا مُحَمَّد آبَاؤُنَا كَانُوا مُؤمنين قَالَ الله ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ﴾ قتلتم ﴿أَنبِيَآءَ الله مِن قَبْلُ﴾ من قبل هَذَا ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ إِن كُنْتُم مُصدقين فِي مَقَالَتَكُمْ
﴿وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات ﴿ثُمَّ اتخذتم الْعجل﴾ عَبدْتُمْ الْعجل ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ من بعد انطلاقه إِلَى الْجَبَل ﴿وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ كافرون
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ إقراركم ﴿وَرَفَعْنَا﴾ قلعنا ورفعنا وحبسنا ﴿فَوْقَكُمُ﴾ فَوق رؤوسكم ﴿الطّور﴾ الْجَبَل ﴿خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم﴾ اعْمَلُوا بِمَا أعطيناكم من الْكتاب ﴿بِقُوَّةٍ﴾ بجد ومواظبة النَّفس ﴿واسمعوا﴾ أطِيعُوا مَا تؤمرون ﴿قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ كَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَوْلَا الْجَبَل لسمعنا قَوْلك وعصينا أَمرك ﴿وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعجل بِكُفْرِهِمْ﴾ أَدخل فِي قُلُوبهم حب عبَادَة الْعجل بكفرهم عُقُوبَة لكفرهم ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد إِن كَانَ حب عبَادَة الْعجل يعدل حب خالقكم ﴿بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾ يَعْنِي عبَادَة الْعجل ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ مُصدقين فِي مَقَالَتَكُمْ بِأَن آبَاءَنَا كَانُوا مُؤمنين
﴿قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّار الْآخِرَة﴾ الْجنَّة ﴿عِندَ الله خَالِصَةً﴾ خَاصَّة ﴿مِّن دُونِ النَّاس﴾ من دون الْمُؤمنِينَ بِمُحَمد وَأَصْحَابه ﴿فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْت﴾ فاسألوا الْمَوْت ﴿إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِي مَقَالَتَكُمْ
﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾ لن يسْأَلُوا الْمَوْت ﴿أَبَداً بِمَا قدمت أَيْديهم﴾ بِمَا عملت أَيْديهم فِي الْيَهُودِيَّة ﴿وَالله عَلِيمٌ بالظالمين﴾ باليهود
﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ﴾ يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْيَهُود ﴿أَحْرَصَ النَّاس على حَيَاةٍ﴾ على بَقَاء فِي الدُّنْيَا ﴿وَمِنَ الَّذين أَشْرَكُواْ﴾ وأحرص من الَّذين أشركوا مُشْركي الْعَرَب ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ﴾ يتَمَنَّى أحدهم ﴿لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ أَن يعِيش ألف نيروز ومهرجان ﴿وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ﴾ بمباعده ﴿مِنَ الْعَذَاب أَن يُعَمَّرَ﴾ إِن عَاشَ ألف سنة ﴿وَالله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ من الْمعاصِي والاعتداء وَمَا يكتمون من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته
ثمَّ نزل فِي قَوْلهم وَهُوَ قَول عبد الله بن صوريا إِن جِبْرِيل عدونا ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ﴾ عَدو لله ﴿نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ﴾ نزل الله جِبْرِيل عَلَيْك بِالْقُرْآنِ ﴿بِإِذْنِ الله﴾ بِأَمْر الله ﴿مُصَدِّقاً﴾ مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ من الْكتاب ﴿وَهُدًى﴾ من الضَّلَالَة ﴿وبشرى﴾ بِشَارَة للْمُؤْمِنين بِالْجنَّةِ
﴿مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلَائِكَته﴾ ولملائكته ﴿وَرُسُلِهِ﴾ ولرسله ﴿وَجِبْرِيلَ﴾ ولجبريل ﴿وَمِيكَالَ﴾ ولميكال ﴿فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾ للْيَهُود وَأَيْضًا رسله وَجِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَسَائِر الْمُؤمنِينَ أَعدَاء لَهُم
﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ﴾ جِبْرِيل بآيَات ﴿بَيِّنَاتٍ﴾ مبينات واضحات بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ﴾ يجْحَد بِالْآيَاتِ ﴿إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾ الْكَافِرُونَ الْيَهُود
﴿أَو كلما عَاهَدُواْ عَهْداً﴾ يَعْنِي الرؤساء من الْيَهُود مَعَ مُحَمَّد ﴿نَّبَذَهُ﴾ طَرحه ونقضه ﴿فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ﴾ كلهم ﴿لاَ يُؤْمِنُونَ﴾
﴿وَلَمَّا جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ﴾ مُوَافق بِالصّفةِ والنعت ﴿لِّمَا مَعَهُمْ﴾ من الْكتاب ﴿نَبَذَ﴾ طرح ﴿فَرِيقٌ مِّنَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب﴾ أعْطوا الْكتاب ﴿كِتَابَ الله﴾ يَعْنِي التَّوْرَاة ﴿وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ﴾ خلف ظُهُورهمْ لم يُؤمنُوا بِمَا فِيهِ من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَلم يبينوا ﴿كَأَنَّهُمْ﴾ جهلاء ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ تركت الْيَهُود كتب الْأَنْبِيَاء كلهَا
﴿وَاتبعُوا مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِين﴾ عمِلُوا بِمَا كتبت الشَّيَاطِين ﴿على مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ فِي ذهَاب ملك سُلَيْمَان أَرْبَعِينَ يَوْمًا من السحر والنيرنجات ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ مَا كتب سُلَيْمَان السحر والنيرنجات ﴿وَلَكِن الشَّيَاطِين كَفَرُواْ﴾ كتبُوا ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاس﴾ يَعْنِي الشَّيَاطِين وَيُقَال الْيَهُود ﴿السحر وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الْملكَيْنِ﴾ وَلم ينزل على الْملكَيْنِ السحر والنيرنجات وَيُقَال يعلمُونَ مَا ألهم الْملكَانِ أَيْضا ﴿بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ﴾ مَا يصفان يَعْنِي الْملكَيْنِ لأحد ﴿حَتَّى يَقُولاَ﴾ أَولا ﴿إِنَّمَا نَحن فتْنَة﴾ ابتلينا بِهَذِهِ الدعْوَة تَدْعُو بهَا لكَي لَا نَشد الْعَذَاب على أَنْفُسنَا ﴿فَلاَ تَكْفُرْ﴾ فَلَا تتعلم وَلَا تعْمل بِهِ ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا﴾ بِغَيْر تعليمهما ﴿مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْء وَزَوْجِهِ﴾ مَا يَأْخُذ بِهِ الرجل على الْمَرْأَة ﴿وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ﴾ بِالسحرِ والفرقة ﴿مِنْ أَحَدٍ﴾ لأحد ﴿إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ إِلَّا بِإِرَادَة الله وَعلمه ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ﴾ يَعْنِي الشَّيَاطِين وَالْيَهُود والسحرة بَعضهم من بعض ﴿مَا يَضُرُّهُمْ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿وَلاَ يَنفَعُهُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة ﴿وَلَقَدْ عَلِمُواْ﴾ يَعْنِي الْملكَيْنِ وَيُقَال الْيَهُود فِي كِتَابهمْ وَيُقَال الشَّيَاطِين ﴿لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾ لمن اخْتَار السحر والنرنجات ﴿مَا لَهُ فِي الْآخِرَة﴾ فِي الْجنَّة ﴿مِنْ خَلاَقٍ﴾ نصيب ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ مَا اخْتَارُوا بِهِ السحر أنفسهم يَعْنِي الْيَهُود ﴿لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ وَلَكِن لَا يعلمُونَ وَيُقَال وَقد كَانُوا يعلمُونَ فِي كِتَابهمْ
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود ﴿آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿وَاتَّقوا﴾ تَابُوا من الْيَهُودِيَّة وَالسحر ﴿لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ الله﴾) لَكَانَ ثوابهم عِنْد الله ﴿خَيْرٌ﴾ من السحر واليهودية ﴿لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ يصدقون بِثَوَاب الله وَلَكِن لَا يعلمُونَ وَلَا يصدقون وَيُقَال قد كَانُوا يعلمُونَ فِي كأيهم
ثمَّ ذكر نَهْيه للْمُؤْمِنين عَن لُغَة الْيَهُود فَقَالَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿لاَ تَقُولُواْ﴾ لمُحَمد ﴿رَاعِنَا﴾ سَمعك يَا نَبِي الله ﴿وَقُولُواْ انظرنا﴾ أَي انْظُر إِلَيْنَا واسمع منا يَا نَبِي الله وَكَانَ بلغتهم رَاعنا اسْمَع لاسمعت فَمن ذَلِك نهى الله الْمُؤمنِينَ عَن لُغَة الْيَهُود ﴿واسمعوا﴾ مَا تؤمرون بِهِ وَأَطيعُوا ﴿وَلِلكَافِرِينَ﴾ للْيَهُود ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم
﴿مَّا يَوَدُّ﴾ مَا يتَمَنَّى ﴿الَّذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكتاب﴾ كَعْب بن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه ﴿وَلاَ الْمُشْركين﴾ مُشْركي الْعَرَب أَبُو جهل وَأَصْحَابه
15
﴿أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ أَن ينزل الله جِبْرِيل على نَبِيكُم ﴿من خير﴾ بِخَير بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام وَالْكتاب ﴿مِّن رَّبِّكُمْ وَالله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ﴾ يخْتَار لدينِهِ والنبوة وَالْإِسْلَام وَالْكتاب ﴿مَن يَشَآءُ﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم﴾ ذُو الْمَنّ الْكَبِير بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام على مُحَمَّد
16
ثمَّ ذكر مَا نسخ من الْقُرْآن وَمَا لم ينْسَخ بمقالة قُرَيْش تَأْمُرنَا يَا مُحَمَّد بِأَمْر ثمَّ تَنْهَانَا عَنهُ فَقَالَ ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ﴾ مَا نمح من آيَة قد عمل بهَا فَلَا تعْمل بهَا ﴿أَوْ نُنسِهَا﴾ نتركها غير مَنْسُوخَة للْعَمَل بهَا ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ﴾ أَي نرسل جِبْرِيل بأنفع من الْمَنْسُوخ وأهون فِي الْعَمَل بهَا ﴿أَوْ مِثْلِهَا﴾ فِي الثَّوَاب والنفع وَالْعَمَل ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من النَّاسِخ والمنسوخ ﴿قدير﴾
﴿أَلَمْ تَعْلَمْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ يَعْنِي خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض يَأْمر عباده مَا يَشَاء لِأَنَّهُ عليم بصلاحهم ﴿وَمَا لَكُمْ﴾ يَا معشر الْيَهُود ﴿مِّن دُونِ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿مِن وَلِيٍّ﴾ من قريب ينفعكم وَلَا حَافظ يحفظكم ﴿وَلاَ نَصِيرٍ﴾ مَانع يمنعكم
﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾ أتريدون ﴿أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ﴾ رُؤْيَة الرب وَكَلَامه وَغير ذَلِك ﴿كَمَا سُئِلَ مُوسَى﴾ كَمَا سَأَلَ من مُوسَى بَنو إِسْرَائِيل ﴿مِن قبل﴾ من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكفْر بِالْإِيمَان﴾ اخْتَار الْكفْر على الْإِيمَان ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيل﴾ ترك قصد طَرِيق الْهدى
﴿وَدَّ﴾ تمنى ﴿كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكتاب﴾ كَعْب الْأَشْرَف وَأَصْحَابه وفنحاص ابْن عاز وَرَاء وَأَصْحَابه ﴿لَوْ يَرُدُّونَكُم﴾ أَن يردوكم يَا عمار وَيَا حُذَيْفَة وَيَا معَاذ بن جبل ﴿مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿كُفَّاراً﴾ حَتَّى ترجعوا كفَّارًا إِلَى دينهم ﴿حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنفُسِهِم﴾ حسداً مِنْهُم ﴿مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحق﴾ فِي كِتَابهمْ أَن مُحَمَّد وَدينه ونعته وَصفته هُوَ الْحق ﴿فاعفوا﴾ فاتركوا ﴿واصفحوا﴾ أَعرضُوا ﴿حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ﴾ بعذابه على بني قُرَيْظَة وَالنضير من الْقَتْل والسبي والإجلاء ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الْقَتْل والإجلاء ﴿قَدِيرٌ﴾
﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة﴾ أَتموا الصَّلَوَات الْخمس ﴿وَآتُواْ الزَّكَاة﴾ أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم ﴿وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم﴾ تسلفوا لأنفسكم ﴿مِّنْ خَيْرٍ﴾ من عمل صَالح وَزَكَاة وَصدقَة ﴿تَجِدُوهُ﴾ تَجدوا ثَوَابه ﴿عِندَ الله﴾ من عِنْد الله ﴿إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ تنفقون من الصَّدَقَة وَالزَّكَاة ﴿بَصِيرٌ﴾ بنياتكم
﴿وقالواْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود ﴿لَن يَدْخُلَ الْجنَّة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً﴾ إِلَّا من مَاتَ على الْيَهُودِيَّة بزعمهم ﴿أَوْ نَصَارَى﴾ وَكَذَلِكَ قَالَت النَّصَارَى ﴿تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ﴾ تمنيهم أَي تمنوا على الله ماليس فِي كِتَابهمْ ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ ﴿هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ﴾ يَعْنِي حجتكم من كتابكُمْ ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِي مَقَالَتَكُمْ
﴿بلَى﴾ لَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ وَلَكِن ﴿مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ﴾ من أخْلص دينه وَعَمله لله ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ فِي القَوْل وَالْفِعْل ﴿فَلَهُ أَجْرُهُ﴾ ثَوَابه ﴿عِندَ رَبِّهِ﴾ فِي الْجنَّة ﴿وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ بخلود النَّار ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ بذهاب الْجنَّة
ثمَّ ذكر مقَالَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي خصومتهم فِي الدّين فَقَالَ ﴿وَقَالَتِ الْيَهُود﴾ يهود أهل الْمَدِينَة ﴿لَيْسَتِ النَّصَارَى على شَيْءٍ﴾ من دين الله وَلَا دين إِلَّا الْيَهُودِيَّة ﴿وَقَالَتِ النَّصَارَى﴾ نَصَارَى أهل نَجْرَان ﴿لَيْسَتِ الْيَهُود على شَيْءٍ﴾ من دين الله وَلَا دين إِلَّا النَّصْرَانِيَّة ﴿وهم يَتلون الْكتاب﴾ وكلا الْفَرِيقَيْنِ يقرونَ الْكتاب وَلَا يُؤمنُونَ وَيَقُولُونَ مَا لَيْسَ فِيهِ ﴿كَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿قَالَ الَّذين لاَ يَعْلَمُونَ﴾ تَوْحِيد الله من آبَائِهِم وَيُقَال كتاب الله من غَيرهم ﴿مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾
16
شبه قَوْلهم ﴿فَالله يَحْكُمُ﴾ يقْضِي ﴿بَيْنَهُمْ﴾ بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ﴾ من الدّين ﴿يَخْتَلِفُونَ﴾ يخالفون
17
ثمَّ ذكر قطوس بن اسبيانوس الرُّومِي ملك النَّصَارَى الَّذِي خرب بَيت الْمُقَدّس قَالَ ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ فِي كفره ﴿مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله﴾ خرب بَيت الْمُقَدّس ﴿أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمه﴾ لكيلا يذكر فِيهَا اسْمه بِالتَّوْحِيدِ وَالْأَذَان ﴿وسعى﴾ عمل ﴿فِي خَرَابِهَآ﴾ فِي خراب بَيت الْمُقَدّس من إِلْقَاء لجيف فِيهَا فَكَانَ خراباً إِلَى زمَان عمر ﴿أُولَئِكَ﴾ أهل الرّوم ﴿مَا كَانَ لَهُمْ﴾ أَمن ﴿أَن يَدْخُلُوهَآ﴾ يَعْنِي بَيت الْمُقَدّس ﴿إِلاَّ خَآئِفِينَ﴾ مستخفين من الْمُؤمنِينَ مَخَافَة الْقَتْل لَو علم بِهِ الْقَتْل لقتل ﴿لَّهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾ عَذَاب خراب مدائنهم قسطنطينية وعمورية ورومية ﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ شَدِيد أَشد مِمَّا لَهُم فِي الدُّنْيَا
ثمَّ ذكر قبلته فَقَالَ ﴿وَللَّهِ الْمشرق وَالْمغْرب﴾ قبْلَة لمن لَا يعلم الْقبْلَة ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ﴾ تحولوا وُجُوهكُم فِي الصَّلَاة بِالتَّحَرِّي ﴿فَثَمَّ وَجْهُ الله﴾ فَتلك الصَّلَاة بِرِضا الله نزلت فِي نفر من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلوا فِي سفر إِلَى غير الْقبْلَة بِالتَّحَرِّي وَيُقَال وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب يَقُول الله لأهل الْمشرق وَالْمغْرب قبْلَة وَهُوَ الْحرم فأينما توَلّوا وُجُوهكُم فِي الصَّلَاة إِلَى الْحرم فثم وَجه الله قبْلَة الله ﴿إِنَّ الله وَاسِعٌ﴾ بالقبلة ﴿عليم﴾ بنياتهم
ثمَّ ذكر مقَالَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى عَزِيز ابْن الله والمسيح ابْن الله قَالَ ﴿وَقَالُواْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿اتخذ الله وَلَداً﴾ عَزِيزًا ومسيحاً ﴿سُبْحَانَهُ﴾ نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك ﴿بَل﴾ لَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ وَلَكِن ﴿لَّهُ﴾ عبيدا ﴿مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ من الْخلق ﴿كُلٌّ لَهُ قانتون﴾ عقرون لَهُ بالعبودية والتوحيد
﴿بَدِيعُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ ابتدعهما وَلم يَكُونَا شَيْئا ﴿وَإِذَا قضى أَمْراً﴾ إِذا أَرَادَ أَن يخلق ولدا بِلَا أَب مثل الْمَسِيح ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ولدا بِلَا أَب كآدم كَانَ بِلَا أَب وَأم
﴿وَقَالَ الَّذين لاَ يَعْلَمُونَ﴾ تَوْحِيد الله يَعْنِي الْيَهُود ﴿لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا الله﴾ مُعَاينَة ﴿أَوْ تَأْتِينَآ آيَة﴾ عَلامَة لنبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لآمَنَّا بِهِ ﴿كَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿قَالَ الَّذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ من آبَائِهِم ﴿مِّثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ شبه قَوْلهم ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ اسْتَوَت كلمتهم وتوافقت قُلُوبهم مَعَ آبَائِهِم ﴿قَدْ بَيَّنَّا الْآيَات﴾ العلامات الْأَمر وَالنَّهْي وصفاتك فِي التَّوْرَاة ﴿لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ يصدقون
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿بِالْحَقِّ﴾ بِالْقُرْآنِ والتوحيد ﴿بَشِيراً﴾ بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه ﴿وَنَذِيراً﴾ من النَّار لمن كفر بِاللَّه ﴿وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَاب الْجَحِيم﴾ لَا يَنْبَغِي أَن تسئل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم وَيُقَال لَا تسْأَل عَن حاب الْجَحِيم عَن غفران أَصْحَاب الْجَحِيم
﴿وَلَنْ ترْضى عَنكَ الْيَهُود﴾ يهود أهل الْمَدِينَة ﴿وَلاَ النَّصَارَى﴾ نَصَارَى أهل نَجْرَان ﴿حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ دينهم وقبلتهم ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّ هُدَى الله هُوَ الْهدى﴾ أَي دين الله هُوَ الْإِسْلَام وقبلة الله هِيَ الْكَعْبَة ﴿وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَآءَهُمْ﴾ دينهم وقبلتهم ﴿بَعْدَ الَّذِي جَآءَكَ مِنَ الْعلم﴾ من الْبَيَان أَن دين الله هُوَ الْإِسْلَام وقبلة الله هِيَ الْكَعْبَة ﴿مَا لَكَ مِنَ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿مِن ولي﴾ قريب ينفعك ﴿وَلَا نصير﴾ انع يمنعك
ثمَّ ذكر مؤمني أهل الْكتاب عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه وبحيرا الراهب وَأَصْحَابه وَالنَّجَاشِي وَأَصْحَابه فَقَالَ ﴿الَّذين آتَيْنَاهُمُ الْكتاب﴾ أعطيناهم علم الْكتاب يَعْنِي التَّوْرَاة ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ﴾ يصفونه حق صفته وَلَا يحرفونه أَي يبينون حَلَاله وَحَرَامه وَأمره وَنَهْيه لمن سَأَلَهُمْ ويعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه ﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿وَمن يَكْفُرْ بِهِ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿فَأُولَئِك هُمُ الخاسرون﴾ المغبونون بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
ثمَّ ذكر منته على بني إِسْرَائِيل فَقَالَ ﴿يَا بني إِسْرَائِيل﴾ يَا أَوْلَاد يَعْقُوب ﴿اذْكروا نعمتي﴾
17
احْفَظُوا منتي ﴿الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ مننت على آبائكم بالنجاة من فِرْعَوْن وَقَومه وَغير ذَلِك ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ﴾ بِالْإِسْلَامِ ﴿عَلَى الْعَالمين﴾ عالمي زمانكم
18
﴿وَاتَّقوا يَوْماً﴾ واخشوا عَذَاب يَوْم وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً﴾ لَا تَنْفَع نفس كَافِرَة عَن نفس كَافِرَة شَيْئا وَيُقَال نفس صَالِحَة عَن نفس صَالِحَة شَيْئا وَيُقَال وَالِد عَن وَلَده وَلَا مَوْلُود عَن وَالِده شَيْئا من عَذَاب الله ﴿وَلاَ يقبل مِنْهَا عدل﴾ نِدَاء ﴿وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ﴾ وَلَا يشفع لَهَا شَافِع ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل وَلَا عبد صَالح ﴿وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ يمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بهم
ثمَّ ذكر منته على إِبْرَاهِيم خَلِيله فَقَالَ ﴿وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ أَي أمره بِعشر خِصَال خمس فِي الرَّأْس وَخمْس فِي الْجَسَد ﴿فأتمهن﴾ فَعمل بِهن وَيُقَال وَإِذا ابتلى إِبْرَاهِيم ربه بِكَلِمَات بكر كلمة دَعَا ربه بهَا فِي الْقُرْآن فأتمهن وَفِي بِهن وَيُقَال دَعَا بِهن ثمَّ قَالَ لَهُ ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾ خَليفَة يقْتَدى بك قَالَ إِبْرَاهِيم ﴿وَمِن ذريتي﴾ أَي وَاجعَل من ذريتي أَيْضا إِمَامًا يقْتَدى بِهِ قَالَ الله ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي﴾ أَي لَا ينَال عهدي إِلَيْك ووعدي إِلَيْك وكرمتي إِلَيْك ورحمتي ﴿الظَّالِمين﴾ من ذريتك وَيُقَال أَي لَا أجعَل إِمَامًا ظَالِما من ذريتك وَيُقَال لَا ينَال عهدي الظَّالِمين فِي الْآخِرَة وَأما فِي الدُّنْيَا فينالهم
ثمَّ أَمر الْخلق أَن يقتدوا بِهِ فَقَالَ ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَةً﴾ مرجعاً ﴿لِّلنَّاسِ﴾ يثوبون إِلَيْهِ ويشتاقون إِلَيْهِ ﴿وَأَمْناً﴾ لمن دخل فِيهِ ﴿وَاتَّخذُوا﴾ يَا أمة مُحَمَّد ﴿مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ قبْلَة ﴿وَعَهِدْنَآ إِلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ أمرنَا إِبْرَاهِيم ﴿وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ﴾ من الْأَصْنَام ﴿والعاكفين﴾ المقيمين ﴿والركع السُّجُود﴾ لأهل الصَّلَوَات الْخمس من جملَة الْبلدَانِ
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل هَذَا بَلَداً آمِناً﴾ من أَن يهاج فِيهِ ﴿وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات﴾ من ألوان الثمرات ﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت قَالَ الله ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ أَيْضا ﴿فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً﴾ فسأرزقه لَيْلًا فِي الدُّنْيَا ﴿ثُمَّ أَضْطَرُّهُ﴾ ألجؤه ﴿إِلَى عَذَابِ النَّار وَبِئْسَ الْمصير﴾ صَار إِلَيْهِ
﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِد مِنَ الْبَيْت﴾ بنى إِبْرَاهِيم أساس الْبَيْت ﴿وَإِسْمَاعِيلُ﴾ يُعينهُ فَلَمَّا فرغا قَالَا
﴿رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿تَقَبَّلْ مِنَّآ﴾ بناءنا بَيْتك ﴿إِنَّك أَنْت السَّمِيع﴾ لدعائنا ﴿الْعَلِيم﴾ الْإِجَابَة وَيُقَال الْعَلِيم بنياتنا لبنائنا بَيْتك ﴿رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿واجعلنا مُسْلِمَيْنِ﴾ مُطِيعِينَ مُخلصين ﴿لَكَ﴾ بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَة ﴿وَمِن ذريتنا أمة مسلمة﴾ مطيعة مخلصة ﴿لَّكَ﴾ بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَة ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ علمنَا سنَن حجنا ﴿وَتُبْ عَلَيْنَآ﴾ تجَاوز عَنَّا تقصيرنا ﴿إِنَّكَ أَنتَ التواب﴾ المتجاوز ﴿الرَّحِيم﴾ بِالْمُؤْمِنِينَ
﴿رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿وَابعث فِيهِمْ﴾ فِي ذُرِّيَّة إِسْمَاعِيل ﴿رَسُولا مِنْهُم﴾ من نسبهم ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ﴾ الْقُرْآن ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكتاب﴾ الْقُرْآن ﴿وَالْحكمَة﴾ الْحَلَال وَالْحرَام ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ يطهرهم بِالتَّوْحِيدِ وَالزَّكَاة من الذُّنُوب ﴿إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز﴾ بالنقمة لمن لَا يُجيب رَسُولك الَّذِي ترسله إِلَيْهِم ﴿الْحَكِيم﴾ فِي إرْسَال الرَّسُول فَاسْتَجَاب الله دعاءه وَبعث فيهم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهن تِلْكَ الْكَلِمَات الَّتِي ابتلاه الله بهَا ﴿فأتمهن﴾ فَدَعَا بِهن
﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾
18
من يزهد فِي دين إِبْرَاهِيم وسننه ﴿إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ إِلَّا من خسر نَفسه وَذهب عقله وسفه رَأْيه ﴿وَلَقَدِ اصطفيناه﴾ اخترناه يَعْنِي إِبْرَاهِيم ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ بالخلة وَيُقَال اخترناه فِي الدُّنْيَا بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام والذرية الطّيبَة ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنَ الصَّالِحين﴾ مَعَ آبَائِهِ الْمُرْسلين فِي الْجنَّة
19
﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ﴾ حِين خرج من السرب ﴿أَسْلِمْ﴾ فَرد فِي مَقَالَتك وَقل لَا إِلَه الا الله ﴿قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالمين﴾ فَردَّتْ فِي مَقَالَتي لله رب الْعَالمين وَيُقَال قَالَ لَهُ ربه حِين دَعَا قومه إِلَى التَّوْحِيد أسلم أخْلص دينك وعملك لله قَالَ أسلمت أخلصت ديني وعملي لله رب الْعَالمين وَيُقَال قَالَ لَهُ ربه حِين ألقِي فِي النَّار أسلم نَفسك إِلَى قَالَ أسلمت نَفسِي لله رب الْعَالمين
﴿ووصى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ﴾ بِلَا إِلَه إِلَّا الله ﴿بَنِيهِ﴾ عِنْد الْمَوْت ﴿وَيَعْقُوبُ﴾ أبناءه أَيْضا قَالَ ﴿يَا بني إِنَّ الله اصْطفى لَكُمُ الدّين﴾ اخْتَار لكم دين الْإِسْلَام ﴿فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ﴾ فاثبتوا على الْإِسْلَام حَتَّى تَمُوتُوا مُسلمين مُخلصين لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَة
ثمَّ ذكر خُصُومَة الْيَهُود بدين إِبْرَاهِيم فَقَالَ ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ﴾ أَكُنْتُم يَا معشر الْيَهُود حضراء ﴿إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْت﴾ بِمَاذَا أوصى بنيه باليهودية أَو الْإِسْلَام ﴿إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي﴾ من بعد موتِي ﴿قَالُواْ نَعْبُدُ إلهك﴾ الَّذِي تعبده ﴿وإله آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِداً﴾ أَي نعْبد إِلهاً وَاحِدًا ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ مقرون لله بِالْعبَادَة والتوحيد
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ﴾ جمَاعَة ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ قد مَضَت ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ من الْخَيْر ﴿وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ﴾ من الْخَيْر ﴿وَلاَ تُسْأَلُونَ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وَيَقُولُونَ
ثمَّ ذكر خُصُومَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى مَعَ الْمُؤمنِينَ فَقَالَ ﴿وَقَالُواْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود للْمُؤْمِنين ﴿كُونُواْ هُوداً﴾ تهتدوا من الضَّلَالَة ﴿أَوْ نَصَارَى﴾ مقدم ومؤخر وَقَالَت النَّصَارَى كَذَلِك ﴿تَهْتَدُواْ قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ ﴿بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً﴾ مُسلما وَلَكِن اتبعُوا دين إِبْرَاهِيم حَنِيفا مُسلما مخلصاً تهتدوا ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْركين﴾ على دينهم
ثمَّ علم الْمُؤمنِينَ مجْرى التَّوْحِيد لكَي تكون للْيَهُود وَالنَّصَارَى دلَالَة إِلَى التَّوْحِيد فَقَالَ ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّه وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ يَعْنِي بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿وَمَآ أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ يَعْنِي وبإبراهيم وَكتابه ﴿وَإِسْمَاعِيل﴾ وبإسمعيل وَكتابه ﴿وَإِسْحَاق﴾ وبإسحق وَكتابه ﴿وَيَعْقُوبَ﴾ وبيعقوب وَكتابه ﴿والأسباط﴾ وبأولاد يَعْقُوب وكتبهم ﴿وَمَآ أُوتِيَ مُوسَى﴾ يَعْنِي وبموسى والتوراة ﴿وَعِيسَى﴾ يَعْنِي وبعيسى وَالْإِنْجِيل ﴿وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ﴾ يَعْنِي وبجملة النَّبِيين وكتبهم ﴿مِن رَّبِّهِمْ لاَ نفرق بَين أحد مِنْهُم﴾ وَبَين لله بِالنُّبُوَّةِ التَّوْحِيد وَيُقَال لَا نكفر بِأحد مِنْهُم ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ مقرون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد
﴿فَإِنْ آمَنُواْ﴾ يَعْنِي أهل الْكتاب ﴿بِمِثْلِ مَآ آمنتم بِهِ﴾ بجملة لأنبياء وكتبهم ﴿فَقَدِ اهتدوا﴾ من الضَّلَالَة بدين مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم ﴿وَّإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أَعرضُوا عَن الْإِيمَان بالنبيين وكتبهم ﴿فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾ فِي خلاف من الدّين ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله﴾ يَقُول سيرفع الله عَنْك مؤنتهم بِالْقَتْلِ والإجلاء ﴿وَهُوَ السَّمِيع﴾ لمقالتهم ﴿الْعَلِيم﴾ بعقوبتهم
﴿صِبْغَةَ الله﴾ أَي اتبعُوا دين الله ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً﴾ دينا ﴿وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ﴾ وَقُولُوا نَحن موحدون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد للْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ﴾ أتخاصموننا فِي دين الله ﴿وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ الله رَبنَا وربكم ﴿وَلَنَآ أَعْمَالُنَا﴾ ديننَا ﴿وَلكم أَعمالكُم﴾
19
عَلَيْكُم أَعمالكُم دينكُمْ ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ مقرون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد
20
﴿أَمْ تَقُولُونَ﴾ يَا معشر الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط﴾ أَوْلَاد يَعْقُوب ﴿كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى﴾ كَمَا تَقولُونَ ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ﴾ بدينهم ﴿أَمِ الله﴾ وَقد أخبرنَا الله مَا كَانَ إِبْرَاهِيم يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ فِي كفره وأعتى وأجرأ على الله ﴿مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ الله﴾ فِي التَّوْرَاة فِي هَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَمَا الله بِغَافِلٍ﴾ بساه ﴿َعَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ تكتمون من الشَّهَادَة
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ﴾ جمَاعَة ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ قد مَضَت ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ من الْخَيْر ﴿وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ﴾ من الْخَيْر ﴿وَلاَ تُسْأَلُونَ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا
﴿سَيَقُولُ السفهآء مِنَ النَّاس﴾ الْجُهَّال من الْيَهُود ومشركي الْعَرَب ﴿مَا ولاهم﴾ مَا حَولهمْ ﴿عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا﴾ إِلَّا ليرجعوا إِلَى دين آبَائِهِم وَيُقَال مَا ولاهم أَي شَيْء حَولهمْ عَن قبلتهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا وصلوا إِلَيْهَا يَعْنِي بَيت الْمُقَدّس ﴿قُل﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لله الْمشرق﴾ الصَّلَاة إِلَى الْكَعْبَة ﴿وَالْمغْرب﴾ الصَّلَاة الَّتِي صليتم إِلَى بَيت الْمُقَدّس كِلَاهُمَا بِأَمْر الله ﴿يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ يثبت من يَشَاء على دين وقبلة مُسْتَقِيمَة
﴿وَكَذَلِكَ﴾ يَعْنِي كَمَا أكرمناكم بدين إِبْرَاهِيم الْإِسْلَام وقبلته ﴿جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ عدلا ﴿لِّتَكُونُواْ﴾ لكَي تَكُونُوا ﴿شُهَدَآءَ﴾ لِلنَّبِيِّينَ ﴿عَلَى النَّاس وَيَكُونَ الرَّسُول﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ لكم مزكياً معدلاً ﴿وَمَا جَعَلْنَا﴾ مَا حولنا ﴿الْقبْلَة الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ﴾ صليت إِلَيْهَا تِسْعَة عشر شهرا ﴿إِلاَّ لِنَعْلَمَ﴾ لكَي نرى ونميز ﴿مَن يَتَّبِعُ الرَّسُول﴾ فِي الْقبْلَة ﴿مِمَّن يَنقَلِبُ﴾ يرجع ﴿على عَقِبَيْهِ﴾ إِلَى دينه وقبلته الأولى ﴿وَإِن كَانَتْ﴾ وَقد كَانَت صرف الْقبْلَة ﴿لَكَبِيرَةً﴾ لثقيلة ﴿إِلاَّ عَلَى الَّذين هَدَى الله﴾ حفظ الله قُلُوبهم ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ ليبطل إيمَانكُمْ كقبل نسخ الشَّرَائِع وَيُقَال وَمَا كَانَ الله لِيُضيع لينسخ إيمَانكُمْ وَلَكِن نسخ شرائع إيمَانكُمْ وَيُقَال مَا نسخ إيمَانكُمْ صَلَاتكُمْ نَحْو بَيت الْمُقَدّس وَلَكِن نسخ قبلتكم بَيت الْمُقَدّس ﴿إِنَّ الله بِالنَّاسِ﴾ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴿لرؤوف رَّحِيمٌ﴾ لَا ينْسَخ إيمَانكُمْ كقبل نسخ الشَّرَائِع
ثمَّ ذكر دُعَاء نبيه فِي تَحْويل الْقبْلَة إِلَى الْكَعْبَة فَقَالَ ﴿قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السمآء﴾ رفع بَصرك إِلَى السَّمَاء لنزول جِبْرِيل بتحويل الْقبْلَة ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ﴾ فلنحولنك فِي الصَّلَاة ﴿قِبْلَةً﴾ إِلَى قبْلَة ﴿تَرْضَاهَا﴾ تهواها قبْلَة إِبْرَاهِيم ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ﴾ فحول وَجهك فِي الصَّلَاة ﴿شَطْرَ﴾ نَحْو ﴿الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ﴾ فِي بر أَو بَحر ﴿فَوَلوا وُجُوهكُم﴾ فِي الصَّلَاة ﴿شَطْرَهُ﴾ نَحوه ﴿وَإِنَّ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب﴾ أعْطوا الْكتاب ﴿لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ﴾ يَعْنِي الْحرم ﴿الْحق مِن رَّبِّهِمْ﴾ هُوَ قبْلَة إِبْرَاهِيم وَلَكِن يكتمونه ﴿وَمَا الله بِغَافِلٍ﴾ بساه ﴿عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ يكتمون
﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب﴾ جِئْت الَّذين أعْطوا الْكتاب ﴿بِكُلِّ آيَةٍ﴾
20
عَلامَة طلبُوا مِنْك ﴿مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ﴾ مَا صلوا إِلَى قبلتك وَمَا دخلُوا فِي دينك ﴿وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ﴾ بمصل ﴿قِبْلَتَهُمْ﴾ قبْلَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ﴾ بمصل ﴿قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾ يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم﴾ بعد مَا نهيناك فَصليت إِلَى قبلتهم ﴿مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعلم﴾ الْبَيَان أَن الْحرم هُوَ قبْلَة إِبْرَاهِيم ﴿إِنَّكَ إِذَاً﴾ إِن فعلت ذَلِك حِينَئِذٍ ﴿لَّمِنَ الظَّالِمين﴾ الضارين لنَفسك
21
ثمَّ ذكر مؤمني أهل الْكتاب فَقَالَ ﴿الَّذين آتَيْنَاهُمُ الْكتاب﴾ أعطيناهم علم التَّوْرَاة عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه ﴿يعرفونه﴾ يعْرفُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصفتِهِ ونعته ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمْ﴾ بَين الغلمان ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ﴾ من أهل الْكتاب ﴿لَيَكْتُمُونَ الْحق﴾ صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ فِي كِتَابهمْ
﴿الْحق مِن رَّبِّكَ﴾ أَي أَنَّك نَبِي مُرْسل من الله ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين﴾ من الشاكين أَنهم لَا يعلمُونَ
﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ﴾ لكل أهل دين قبْلَة ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ مستقبلها بهوى نَفسه وَيُقَال وَلكُل وجهة لكل نَبِي قبْلَة وَهِي الْكَعْبَة هُوَ موليها أَمر أَن يستقبلها ﴿فاستبقوا الْخيرَات﴾ فبادروا بالطاعات يَا أمة مُحَمَّد من جَمِيع الْأُمَم ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ﴾ فِي بر أَو بَحر ﴿يَأْتِ بِكُمُ الله﴾ يَجِيء بكم ويجمعكم الله ﴿جَمِيعاً﴾ فيجزيكم بالخيرات ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من جمعكم وَغَيره ﴿قَدِيرٌ﴾
﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ﴾ فِي الصَّلَاة ﴿شَطْرَ﴾ نَحْو ﴿الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِنَّهُ﴾ يَعْنِي الْحرم ﴿لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ إِنَّه قبْلَة إِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِ ﴿وَمَا الله بِغَافِلٍ﴾ بساه ﴿عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ عَمَّا تكتمون من قبْلَة إِبْرَاهِيم وَغَيرهَا
﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ كنت ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ﴾ فِي الصَّلَاة ﴿شَطْرَ الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ﴾ فِي بر أَو بَحر ﴿فَوَلوا وُجُوهكُم﴾ فِي الصَّلَاة ﴿شَطْرَهُ﴾ نَحوه ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ﴾ لعبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه ﴿عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ فِي تَحْويل الْقبْلَة لِأَن فِي كِتَابهمْ أَن الْحرم هُوَ قبْلَة إِبْرَاهِيم فَإِذا صليتم إِلَيْهِ لَا تكون لَهُم عَلَيْكُم حجَّة ﴿إِلاَّ الَّذين ظَلَمُواْ﴾ وَلَا الَّذين ظلمُوا فِي الْمقَالة ﴿مِنْهُمْ﴾ كَعْب بن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه ومشركو الْعَرَب ﴿فَلاَ تَخْشَوْهُمْ﴾ فِي صرف الْقبْلَة ﴿واخشوني﴾ فِي تَركهَا ﴿وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي﴾ لكَي أتم منتي ﴿عَلَيْكُمْ﴾ بالقبلة كَمَا أتممت عَلَيْكُم بِالدينِ ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ إِلَى قبْلَة إِبْرَاهِيم
﴿كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً﴾ يَقُول اذكروني كَمَا أرسلنَا إِلَيْكُم رَسُولا ﴿مِنْكُم﴾ من نسبكم ﴿يَتْلُو عَلَيْكُمْ﴾ يقْرَأ عَلَيْكُم ﴿آيَاتِنَا﴾ يَعْنِي الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَيُزَكِّيكُمْ﴾ يطهركم بِالتَّوْحِيدِ وَالزَّكَاة وَالصَّدَََقَة من الذُّنُوب ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ الْكتاب﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿وَالْحكمَة﴾ الْحَلَال وَالْحرَام ﴿وَيُعَلِّمُكُم﴾ من الْأَحْكَام وَالْحُدُود وأخبار الْأُمَم الْمَاضِيَة ﴿مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾ قبل الْقُرْآن وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿فاذكروني﴾ بِالطَّاعَةِ ﴿أَذْكُرْكُمْ﴾ بِالْجنَّةِ وَيُقَال فاذكروني فِي الرخَاء أذكركم فِي الشدَّة ﴿واشكروا لِي﴾ نعمتي ﴿وَلاَ تكفرون﴾ لَا تتركوا شكرها
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ اسْتَعِينُوا بِالصبرِ﴾ على أَدَاء فَرَائض الله وَترك الْمعاصِي وعَلى المرازي ﴿وَالصَّلَاة﴾ وبكثرة صَلَاة التَّطَوُّع بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار على تمحيص الذُّنُوب ﴿إِنَّ الله مَعَ الصابرين﴾ معِين وحافظ وناصر للصابرين على المرازي
ثمَّ ذكر مقَالَة الْمُنَافِقين لشهداء بدر وَأحد والمشاهد كلهَا مَاتَ فلَان وَذهب عَنهُ النَّعيم وَالسُّرُور لكَي يغتم بِهِ المخلصون فَقَالَ الله ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ الله﴾ فِي طَاعَة الله يَوْم بدر والمشاهد كلهَا
21
﴿أَمْوَاتٌ﴾ كَسَائِر الْأَمْوَات ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ﴾ بل هم كأحياء أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة يرْزقُونَ من التحف ﴿وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾ لَا تعلمُونَ بكرامتهم وحالهم
22
ثمَّ ذكر ابتلاءه للْمُؤْمِنين فَقَالَ ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ لنختبرنكم ﴿بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْف﴾ خوف الْعَدو ﴿والجوع﴾ فِي قحط السنين ﴿وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَال﴾ ذهَاب الْأَمْوَال ﴿والأنفس﴾ وَذَهَاب الْأَنْفس بِالْقَتْلِ وَالْمَوْت والأمراض ﴿والثمرات﴾ وَذَهَاب الثمرات ثمَّ قَالَ ﴿وَبَشِّرِ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿الصابرين﴾
﴿الَّذين إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ﴾ مِمَّا ذكرت ﴿قَالُواْ إِنَّا للَّهِ﴾ نَحن عبيد الله ﴿وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾ بعد الْمَوْت وَإِن لم نرض بِقَضَائِهِ لَا يرضى عَنَّا بأعمالنا
﴿أُولَئِكَ﴾ أهل هَذِه الصّفة ﴿عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ﴾ مغْفرَة ﴿مِّن رَّبِّهِمْ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ من الْعَذَاب فِي الْآخِرَة ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ المهتدون﴾ للاسترجاع
ثمَّ ذكر كَرَاهِيَة الْمُؤمنِينَ للطَّواف بَين الصَّفَا والمروة من قبل الصنمين اللَّذين كَانَا عَلَيْهِمَا فَقَالَ ﴿إِنَّ الصَّفَا والمروة﴾ يَقُول الطّواف بَين الصَّفَا والمروة ﴿مِن شَعَآئِرِ الله﴾ مِمَّا أَمر الله تَعَالَى من مَنَاسِك الْحَج ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْت أَوِ اعْتَمر فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ﴾ لَا مأتم عَلَيْهِ ﴿أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ بَينهمَا ﴿وَمَن تَطَوَّعَ خيرا﴾ من زَاد على الطوف الْوَاجِب ﴿فَإِنَّ الله شَاكِرٌ﴾ يقبله ﴿عَلِيمٌ﴾ بنياتكم وَيُقَال فَإِن الله شَاكر يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي بالجزيل
﴿إِنَّ الَّذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا﴾ بَينا ﴿مِنَ الْبَينَات﴾ من الْأَمر وَالنَّهْي والعلامات فِي التَّوْرَاة ﴿وَالْهدى﴾ صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته ﴿مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ﴾ لبني إِسْرَائِيل ﴿فِي الْكتاب﴾ فِي التَّوْرَاة ﴿أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ الله﴾ يعذبهم الله فِي الْقَبْر ﴿وَيَلْعَنُهُمُ اللاعنون﴾ يلعنهم الْخَلَائق غير الْجِنّ وَالْإِنْس إِذا سمعُوا أَصْوَاتهم فِي الْقَبْر
﴿إِلاَّ الَّذين تَابُواْ﴾ من الْيَهُودِيَّة ﴿وَأَصْلَحُواْ﴾ وحدوا ﴿وَبَيَّنُواْ﴾ صفة مُحَمَّد ونعته ﴿فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ أتجاوز عَنْهُم ﴿وَأَنَا التَّوَّابُ﴾ المتجاوز لمن تَابَ ﴿الرَّحِيمُ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
﴿إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ بِاللَّه وَرَسُوله ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله﴾ عَذَاب الله ﴿وَالْمَلَائِكَة﴾ لعنة الْمَلَائِكَة ﴿وَالنَّاس أَجْمَعِينَ﴾ لعنة الْمُؤمنِينَ بَعضهم بَعْضًا ترجع عَلَيْهِم
﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ فِي اللَّعْنَة ﴿لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَاب﴾ لَا يرفع وَلَا يرفعهُ وَلَا يهون عَلَيْهِم الْعَذَاب ﴿وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ يؤجلون من الْعَذَاب
ثمَّ وحد نَفسه حِين جَحَدُوا وحدانيته فَقَالَ ﴿وإلهكم إِلَه وَاحِدٌ﴾ بِلَا ولد وَلَا شريك ﴿لاَّ إِلَه إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَن﴾ العاطف ﴿الرَّحِيم﴾ العطوف
ثمَّ ذكر عَلامَة وحدانيته فَقَالَ ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ يَقُول فِي تخليقهما وَيُقَال فِيمَا خلق فيهمَا ﴿وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار﴾ فِي تقليب اللَّيْل وَالنَّهَار وزيادتهما ونقصانهما ﴿والفلك﴾ وَفِي السفن ﴿الَّتِي تَجْرِي﴾ تسير ﴿فِي الْبَحْر بِمَا يَنفَعُ النَّاس﴾ فِي مَعَايشهمْ ﴿وَمَآ أَنزَلَ الله﴾ وَفِيمَا أنزل الله ﴿مِنَ السمآء مِن مَّآءٍ﴾ مطر ﴿فَأَحْيَا بِهِ﴾ بالمطر ﴿الأَرْض بعد مَوتهَا﴾ بعد قحطها ويبوستهما ﴿وَبَثَّ فِيهَا﴾ خلق فِيهَا ﴿مِن كُلِّ دَآبَّةٍ﴾ ذكر وَأُنْثَى
22
﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاح﴾ وَفِي تقليب الرِّيَاح يَمِينا وَشمَالًا قبولاً ودبوراً مرّة بِالْعَذَابِ وَمرَّة بِالرَّحْمَةِ ﴿والسحاب المسخر﴾ وَفِي السَّحَاب الْمُذَلل ﴿بَيْنَ السمآء وَالْأَرْض﴾ يَقُول فِي كل هَؤُلَاءِ ﴿لآيَاتٍ﴾ لعلامات لوحدانية الرب ﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يصدقون أَنَّهَا من الله
23
ثمَّ ذكر حب الْكفَّار لمعبودهم فِي الدُّنْيَا وتبرؤ بَعضهم من بعض فِي الْآخِرَة فَقَالَ ﴿وَمِنَ النَّاس﴾ يَعْنِي الْكفَّار ﴿مَن يَتَّخِذُ﴾ من يعبد ﴿مِن دُونِ الله أَندَاداً﴾ أصناماً ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله﴾ كحب الْمُؤمنِينَ المخلصين لله ﴿وَالَّذين آمَنُواْ أَشَدُّ﴾ أدوم ﴿حُبّاً للَّهِ﴾ من الْكفَّار لأصنامهم وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُنَافِقين الَّذين اتَّخذُوا الدِّرْهَم وَالدَّنَانِير كنزاً وكهفاً وَيُقَال اتَّخذُوا رؤساءهم آلِهَة من دون الله ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذين ظلمُوا﴾ لَو يعلم الَّذين أشركوا ﴿إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿أَنَّ الْقُوَّة﴾ وَالْقُدْرَة والمنعة (للَّهِ جَمِيعًا وَأَن لله شَدِيدُ الْعَذَاب) فِي الْآخِرَة لآمنوا فِي الدُّنْيَا
﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذين اتبعُوا﴾ يَعْنِي القادة ﴿مِنَ الَّذين اتبعُوا﴾ يَعْنِي السفلة ﴿وَرَأَوُاْ﴾ يَعْنِي القادة والسفلة ﴿الْعَذَاب﴾ فِي الْآخِرَة ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَاب﴾ الْعَهْد والإلفة بَينهم فِي الدُّنْيَا
﴿وَقَالَ الَّذين اتبعُوا﴾ يَعْنِي السفلة ﴿لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ رَجْعَة إِلَى الدُّنْيَا ﴿فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ﴾ من القادة فِي الدُّنْيَا ﴿كَمَا تبرؤوا مِنَّا﴾ فِي الْآخِرَة ﴿كَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿يُرِيهِمُ الله أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ﴾ ندامات ﴿عَلَيْهِمْ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ﴾ القادة والسفلة {مِنَ النَّار
! ثمَّ ذكر تَحْلِيل الْحَرْث والأنعام فَقَالَ ﴿يَا أَيهَا النَّاس﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْض﴾ من الْحَرْث والأنعام ﴿حَلاَلاً طَيِّباً﴾ بِغَيْر تَحْرِيم من الله ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَان﴾ تَزْيِين الشَّيْطَان ووسوسته فِي تَحْرِيم الْحَرْث والأنعام ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ ظَاهر الْعَدَاوَة
﴿إِنَّمَا يَأْمُركُمْ﴾ الشَّيْطَان ﴿بالسوء﴾ بالقبيح من الْفِعْل ﴿والفحشآء﴾ الْمعاصِي ﴿وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله﴾ من الْكَذِب ﴿مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ﴾ لمشركي الْعَرَب ﴿اتبعُوا مَآ أَنزَلَ الله﴾ اتبعُوا تَحْلِيل مَا بَين الله من الْحَرْث والأنعام ﴿قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ﴾ وجدنَا عَلَيْهِ ﴿آبَآءَنَآ﴾ من التَّحْرِيم قَالَ الله ﴿أَو لَو كَانَ آبَاؤُهُمْ﴾ أَو لَيْسَ كَانَ آباؤهم وَقد كَانَ آباؤهم ﴿لَا يعْقلُونَ شَيْئا﴾ من الدّين ﴿وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ لسنة نَبِي فَكيف تتبعونهم وَيُقَال وَإِن كَانَ آباؤهم لَا يعْقلُونَ شَيْئا من الدُّنْيَا وَلَا يَهْتَدُونَ لسنة نَبِي فَكيف تتبعونهم وَيُقَال وَإِن كَانَ آباؤهم لَا يعْقلُونَ شَيْئا من الدّين وَلَا يَهْتَدُونَ لسنة نَبِي أَنهم يتبعونهم
ثمَّ ضرب مثل الْكفَّار مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ﴿وَمثل الَّذين كفرُوا﴾ مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ﴾ يَقُول كَمثل المنعوق وَهُوَ الْإِبِل وَالْغنم مَعَ الناعق وَهُوَ الرَّاعِي الَّذِي ينعق بِصَوْت بِمَا لَا يسمع أَي لَا يفهم كَلَامه أَي كَلَام الرَّاعِي إِذا قَالَ لَهُ كل أَو اشرب ﴿إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمٌّ﴾ عَن الْحق ﴿بُكْمٌ﴾ عَن الْحق ﴿عمي﴾ عَن الْهدى أَي يتصامون ويتباكمون ويتعامون عَن الْحق وَالْهدى ﴿فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ لَا يفقهُونَ أَمر الله ودعوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا لَا تعقل الْإِبِل وَالْغنم كَلَام الرَّاعِي
ثمَّ ذكر أَيْضا تَحْلِيل الْحَرْث والأنعام فَقَالَ ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ﴾ من حلالات ﴿مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ أعطيناكم من الْحَرْث والأنعام ﴿واشكروا للَّهِ﴾ بذلك ﴿إِن كُنْتُمْ﴾ إِذْ كُنْتُم ﴿إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ وَيُقَال إِن كُنْتُم تُرِيدُونَ بتحريمها عِبَادَته فَلَا تحرموها فَإِن عبَادَة الله فِي تحليلها
ثمَّ بَين مَا حرم عَلَيْهِم فَقَالَ ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْميتَة﴾ الَّتِي أَمر بذبحها ﴿وَالدَّم﴾ دم المسفوح ﴿وَلَحْمَ الْخِنْزِير وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لغير الله﴾
23
مَا ذبح لغير اسْم الله عمدا للأصنام ﴿فَمَنِ اضْطر﴾ أجهد إِلَى أكل الْميتَة ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ غير خَارج وَلَا مستحل ﴿وَلاَ عَادٍ﴾ يَقُول وَلَا قَاطع الطَّرِيق وَلَا متعمد لأكلها بِغَيْر الضَّرُورَة ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ فَلَا حرج عَلَيْهِ بِأَكْل الْميتَة عِنْد الضَّرُورَة شبعاً وَلَا يتزود مِنْهَا شَيْئا ﴿إِن الله غَفُور﴾ بِأَكْلِهِ فَوق الْقُوت ﴿رَّحِيمٌ﴾ حِين رخص لَهُ أكل الْميتَة
24
﴿إِنَّ الَّذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ الله مِنَ الْكتاب﴾ مَا بَين الله فِي التَّوْرَاة من صفة مُحَمَّد ونعته ﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ﴾ بكتمانه ﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ عوضا يَسِيرا نزلت فِي كَعْب بن الْأَشْرَف وحيي بن أَخطب وجدي بن أَخطب ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ﴾ مَا يدْخلُونَ ﴿فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّار﴾ إِلَّا الْحَرَام وَيُقَال إِلَّا مَا يكون نَار فِي بطونهم يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله﴾ بِكَلَام طيب ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة وَلاَ يُزَكِّيهِمْ﴾ وَلَا يبرئهم من الذُّنُوب وَيُقَال وَلَا يثني عَلَيْهِم ثَنَاء حسنا ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم
﴿أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى﴾ الْكفْر بِالْإِيمَان ﴿وَالْعَذَاب بالمغفرة﴾ الْيَهُودِيَّة بِالْإِسْلَامِ وَيُقَال اخْتَارُوا مَا تجب بِهِ النَّار على مَا تجب بِهِ الْجنَّة ﴿فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّار﴾ يَقُول فَمَا أجرأهم على النَّار وَيُقَال فَمَا الَّذِي أجرأهم على النَّار وَيُقَال فَمَا أعملهم بِعَمَل أهل النَّار
﴿ذَلِكَ﴾ الْعَذَاب ﴿بِأَنَّ الله نَزَّلَ الْكتاب﴾ أَي نزل جِبْرَائِيل بِالْقُرْآنِ والتوراة ﴿بِالْحَقِّ﴾ بتبيان الْحق وَالْبَاطِل فَكَفرُوا بِهِ ﴿وَإِنَّ الَّذين اخْتلفُوا فِي الْكتاب﴾ خالفوا مَا فِي الْكتاب من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وكتموا ﴿لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ لفي خلاف بعيد عَن الْهدى
﴿لَّيْسَ الْبر﴾ كل الْبر وَيُقَال لَيْسَ الْبر لَيْسَ الْإِيمَان ﴿أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ﴾ فِي الصَّلَاة ﴿قِبَلَ الْمشرق﴾ نَحْو الْكَعْبَة ﴿وَالْمغْرب﴾ نَحْو بَيت الْمُقَدّس ﴿وَلَكِن الْبر﴾ الْإِيمَان هُوَ إِقْرَار ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّه﴾ وَيُقَال لَيْسَ الْبر الْبَار وَلَكِن الْبر الْبَار يَعْنِي الْمُؤمن من آمن بِاللَّه ﴿وَالْيَوْم الآخر﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ﴿وَالْمَلَائِكَة﴾ بجملة الْمَلَائِكَة ﴿وَالْكتاب﴾ بجملة الْكتاب ﴿والنبيين﴾ بجملة النَّبِيين ثمَّ ذكر الْوَاجِبَات بعد الْإِيمَان فَقَالَ ﴿وَآتَى المَال على حُبِّهِ﴾ يَقُول الْبر بعد الْإِيمَان إِعْطَاء المَال على حبه على قلته وشهوته ﴿ذَوِي الْقُرْبَى﴾ ذَا الْقَرَابَة فِي الرَّحِم ﴿واليتامى﴾ يتامى الْمُؤمنِينَ ﴿وَالْمَسَاكِين﴾ المستغفلين ﴿وَابْن السَّبِيل﴾ مار الطَّرِيق الضَّعِيف النَّازِل ﴿والسآئلين﴾ الَّذين يسالون مَالك ﴿وَفِي الرّقاب﴾ المكاتبين والغزاة ثمَّ الشَّرَائِع بعد الْوَاجِبَات فَقَالَ ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاة﴾ يَقُول الْبر بعد الْوَاجِبَات إتْمَام الصَّلَوَات الْخمس ﴿وَآتَى الزَّكَاة﴾ أعْطى الزَّكَاة وَمَا يشبه ذَلِك ﴿والموفون بِعَهْدِهِمْ﴾ المتمون عَهدهم فِيمَا بَينهم وَبَين الله وَفِيمَا بَينهم وَبَين النَّاس ﴿إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي البأسآء﴾ يَعْنِي الْخَوْف والبلايا والشدائد ﴿وَالضَّرَّاء﴾ الْأَمْرَاض والأوجاع والجوع ﴿وَحِينَ الْبَأْس﴾ عِنْد الْقِتَال ﴿أُولَئِكَ الَّذين صَدَقُواْ﴾ وقوا ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ المتقون﴾ عَن نقض العهود
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ كُتِبَ﴾ فرض ﴿عَلَيْكُمُ الْقصاص﴾ الْقود فِي الْقَتْل ﴿الْحر بِالْحُرِّ﴾ عمدا ﴿وَالْعَبْد بِالْعَبدِ﴾ عمدا ﴿وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى﴾ عمدا نزلت فِي حيين من الْعَرَب وَهِي مَنْسُوخَة بقوله النَّفس بِالنَّفسِ ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾ يَقُول من ترك لَهُ من حق أَخِيه شَيْء يَعْنِي الْقَتْل أَي عُفيَ عَن الْقَتْل وَأخذ الدِّيَة ﴿فاتباع بِالْمَعْرُوفِ﴾ أَمر الطَّالِب أَن يطْلب مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي ثَلَاث سِنِين إِن كَانَ دِيَة تَامَّة وَإِن كَانَ ثُلثي الدِّيَة أَو نصفهَا فَفِي سنتَيْن وَإِن كَانَ ثلثهَا فَفِي عَامه ذَلِك ﴿وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ﴾ أَمر الْمَطْلُوب أَن يُؤَدِّي إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول حَقهم ﴿بِِإِحْسَانٍ﴾ بِغَيْر تقاض وتعب ﴿ذَلِك﴾ الْعَفو ﴿تَخْفِيفٌ﴾ تهوين ﴿مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ للْقَاتِل من الْقَتْل ﴿فَمَنِ اعْتدى بَعْدَ ذَلِك﴾ بعد أَخذ الدِّيَة واعتداؤه أَن يَأْخُذ الدِّيَة وَيقتل أَيْضا ﴿فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
24
يقتل وَلَا يُعْفَى عَنهُ وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ الدِّيَة
25
﴿وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة﴾ بَقَاء وعبرة ﴿يَا أولي الْأَلْبَاب﴾ ذَوي الْعُقُول من النَّاس ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ لكَي تتقوا قتل بَعْضكُم بَعْضًا مخلة الْقصاص
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ﴾ فرض عَلَيْكُم ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْت﴾ عِنْد الْمَوْت ﴿إِن تَرَكَ خَيْراً﴾ مَالا ﴿الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ والأقربين﴾ الرَّحِم ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ للْوَالِدين أفضل وَأكْثر ﴿حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ الْمُوَحِّدين وَهَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بِآيَة الْمَوَارِيث
﴿فَمن بدله﴾ غير وَصِيَّة الْمَيِّت ﴿بعد مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ﴾ وزره ﴿عَلَى الَّذين يُبَدِّلُونَهُ﴾ يغيرونه وَنَجَا الْمَيِّت مِنْهُ ﴿إِنَّ الله سَمِيعٌ﴾ لوَصِيَّة الْمَيِّت ومقالته ﴿عَلِيمٌ﴾ إِن جَار أَو عدل وَيُقَال عليم بِفعل الْوَصِيّ فَكَانُوا ينفذون الْوَصِيَّة كَمَا كَانَت وَإِن جَار مَخَافَة الْوزر حَتَّى نزل قَوْله
﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ﴾ علم من الْمَيِّت ﴿جَنَفاً﴾ ميلًا وَخطأ ﴿أَوْ إِثْماً﴾ عمدا فِي الجنف ﴿فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ﴾ بَين الْوَرَثَة وَبَين الْمُوصى لَهُ أَي رده إِلَى الثُّلُث وَالْعدْل ﴿فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ فَلَا حرج عَلَيْهِ فِي رده ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ﴾ للْمَيت إِن جَار وَأَخْطَأ ﴿رَّحِيمٌ﴾ بِفعل الْمُوصي وَيُقَال غَفُور للْوَصِيّ رَحِيم حِين رخص عَلَيْهِ الرَّد إِلَى الثُّلُث وَالْعدْل
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ كُتِبَ﴾ فرض ﴿عَلَيْكُمُ الصّيام كَمَا كُتِبَ﴾ فرض ﴿عَلَى الَّذين مِن قَبْلِكُمْ﴾ بِالْعدَدِ وَيُقَال كتب عَلَيْكُم الصّيام فرض عَلَيْكُم الصّيام بترك الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع بعد صَلَاة الْعَتَمَة أَو النّوم قبل صَلَاة الْعَتَمَة ﴿كَمَا كُتِبَ﴾ فرض ﴿عَلَى الَّذين مِن قَبْلِكُمْ﴾ من أهل الْكتاب ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ لكَي تتقوا الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع بعد صَلَاة الْعشَاء أَو النّوم قبل صَلَاة الْعشَاء وَهَذَا مَنْسُوخ بقوله ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَة الصّيام الرَّفَث﴾ وَبِقَوْلِهِ ﴿وَكُلُواْ وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيط الْأَبْيَض﴾
﴿أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ﴾ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مقدم ومؤخر ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ فليصم من أَيَّام أخر بِقدر مَا أنظر من رَمَضَان ﴿وَعَلَى الَّذين يُطِيقُونَهُ﴾ يَعْنِي يُطِيقُونَ الصَّوْم ﴿فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ فليطعم مَكَان كل يَوْم أفطر نصف صَاع من حِنْطَة لمسكين وَهَذِه مَنْسُوخَة بقوله ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ﴾ وَيُقَال ﴿وَعَلَى الَّذين يُطِيقُونَهُ﴾ يَعْنِي الْفِدْيَة وَلَا يُطِيقُونَ الصَّوْم يَعْنِي الشَّيْخ الْكَبِير والعجوز الْكَبِيرَة لَا يطيقان الصَّوْم فديَة طَعَام مِسْكين فليطعمان مَكَان كل يَوْم أفطرا من رَمَضَان نصف صَاع من حِنْطَة لمسكين ﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً﴾ زَاد على منوين ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ بالثواب ﴿وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من الْفِدْيَة ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ إِذا كُنْتُم تعلمُونَ
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي﴾ هُوَ الَّذِي ﴿أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن﴾ جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ جملَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فأملاه على السفرة ثمَّ نزل بِهِ بعد ذَلِك على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا بِيَوْم آيَة وآيتين وَثَلَاثًا وَسورَة ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ﴾ الْقُرْآن بَيَان من الضَّلَالَة للنَّاس ﴿وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهدى﴾ واضحات من أَمر الدّين ﴿وَالْفرْقَان﴾ الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَحْكَام وَالْحُدُود وَالْخُرُوج من الشُّبُهَات ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْر﴾ فِي الْحَضَر ﴿فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً﴾ فِي شهر رَمَضَان ﴿أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ﴾ فليصم ﴿مِّن أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ بِقدر مَا أفطر ﴿يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْر﴾ أَرَادَ الله بكم رخصَة الْإِفْطَار فِي السّفر وَيَقُول اخْتَار الله لكم الْإِفْطَار فِي السّفر ﴿وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعسر﴾ لم يرد أَن يكون لكم الْعسر فِي الصَّوْم فِي السّفر وَيُقَال لم يخْتَر لكم الصَّوْم فِي السّفر ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعدة﴾ لكَي تَصُومُوا فِي الْحَضَر عدَّة مَا أفطرتم فِي السّفر ﴿وَلِتُكَبِّرُواْ الله﴾ لكَي تعظموا الله ﴿على مَا هدَاكُمْ﴾ كَمَا اهداكم لدينِهِ ورخصته ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لكَي تشكروا رخصته
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي﴾ أهل الْكتاب ﴿عَنِّي﴾ أَقَرِيب أَنا أم بعيد ﴿فَإِني قَرِيبٌ﴾ فأعلمهم يَا مُحَمَّد أَنِّي قريب بالإجابة ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي﴾ فليطيعوا رَسُولي ﴿وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾ وبرسولي قبل الدعْوَة ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾
25
لكَي يهتدوا فيستجاب لَهُم الدُّعَاء
26
﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَآئِكُمْ﴾ المجامعة مَعَ نِسَائِكُم ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ﴾ سكن لكم ﴿وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ سكن لَهُنَّ ﴿عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ بِالْجِمَاعِ بعد صَلَاة الْعَتَمَة ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ تجَاوز عَنْكُم ﴿وَعَفَا عَنْكُمْ﴾ خيانتكم وَلم يعاقبكم ﴿فَالْآن﴾ حِين أحلّت لكم ﴿بَاشِرُوهُنَّ﴾ جامعوهن ﴿وابتغوا﴾ اطْلُبُوا ﴿مَا كَتَبَ الله لَكُمْ﴾ مَا قضى الله لكم من ولد صَالح نزلت فِي عمر بن الْخطاب ﴿وَكُلُواْ وَاشْرَبُوا﴾ من حِين يدْخل اللَّيْل ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيط الْأَبْيَض مِنَ الْخَيط الْأسود﴾ يَعْنِي يتَبَيَّن لكم بَيَاض النَّهَار من سَواد اللَّيْل ﴿مِنَ الْفجْر ثُمَّ أَتِمُّواْ الصّيام إِلَى اللَّيْل﴾ إِلَى دُخُول اللَّيْل نزلت فِي صرمة بن مَالك بن عدي ﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ﴾ وَلَا تجامعوهن ﴿وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ﴾ معتكفون ﴿فِي الْمَسَاجِد﴾ لَيْلًا وَنَهَارًا ﴿تِلْكَ حُدُودُ الله﴾ تِلْكَ الْمُبَاشرَة مَعْصِيّة الله ﴿فَلا تَقْرَبُوهَا﴾ فاتركوا مُبَاشرَة النِّسَاء لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى تفرغوا من الِاعْتِكَاف ﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿يُبَيِّنُ الله آيَاتِهِ﴾ أمره وَنَهْيه ﴿لِلنَّاسِ﴾ كَمَا يبين هَذَا ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ لكَي يتقوا مَعْصِيّة الله نزلت على نفر من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب عمار بن يَاسر وَغَيرهمَا كَانُوا معتكفين فِي الْمَسْجِد فَيَأْتُونَ إِلَى أَهَالِيهمْ إِذا احتاجوا ويجامعون نِسَاءَهُمْ ويغتسلون فيرجعون إِلَى الْمَسْجِد فنهاهم الله عَن ذَلِك
ثمَّ نزل فِي عبدن بن الأشوع وامرىء الْقَيْس ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ بالظلم وَالسَّرِقَة وَالْغَصْب وَالْحلف الْكَاذِب وَغير ذَلِك ﴿وَتُدْلُوا بِهَا﴾ لَا تلجوا بهَا ﴿إِلَى الْحُكَّام﴾ لتأكلوا ﴿فَرِيقاً﴾ لكَي تَأْكُلُوا طَائِفَة ﴿مِّنْ أَمْوَالِ النَّاس بالإثم﴾ بِالْحلف الْكَاذِب ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك فَأقر امْرُؤ الْقَيْس بِالْمَالِ بنزول هَذِه الْآيَة
﴿يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة﴾ عَن زِيَادَة لأهلة ونقصانها لماذا ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾ عَلَامَات للنَّاس لقَضَاء دينهم وعدة لنسائهم وصومهم وإنظارهم ﴿وَالْحج﴾ وللحج نزلت فِي معَاذ بن جبل حِين سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك ﴿وَلَيْسَ الْبر﴾ الطَّاعَة وَالتَّقوى ﴿بِأَن تَأْتُواْ الْبيُوت مِن ظُهُورِهَا﴾ بِأَن تدْخلُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا من خلفهَا فِي الْإِحْرَام ﴿وَلَكِن الْبر﴾ الطَّاعَة فِي الْإِحْرَام ﴿مَنِ اتَّقى﴾ الصَّيْد وَغير ذَلِك ﴿وَأتوا الْبيُوت﴾ دخلُوا الْبيُوت ﴿مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ الَّتِي كُنْتُم تدخلونها وتخرجون مِنْهَا قبل ذَلِك ﴿وَاتَّقوا الله﴾ واخشوا الله فِي الْإِحْرَام ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لكَي تنجوا من السخط وَالْعَذَاب نزلت فِي نفر من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كنَانَة وخزاعة كَانُوا يدْخلُونَ بُيُوتهم فِي الْإِحْرَام من خلفهَا أَو من سطحها كَمَا فعلوا فِي الْجَاهِلِيَّة
﴿وقاتلوا فِي سَبِيل الله﴾ فِي طَاعَة الله فِي الْحل وَالْحرم ﴿الَّذين يقاتلونكم﴾ يبدءونكم بِالْقِتَالِ ﴿وَلاَ تَعْتَدوا﴾ لَا تبتدئوا ﴿إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ المبتدئين بِالْقِتَالِ فِي الْحل وَالْحرم
﴿واقتلوهم﴾ إِن بدءوكم ﴿حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ وَجَدْتُمُوهُمْ فِي الْحل وَالْحرم ﴿وَأَخْرِجُوهُم﴾ من مَكَّة ﴿من حَيْثُ أخرجوكم﴾ كَمَا أخروكم ﴿والفتنة﴾ الشّرك بِاللَّه وَعبادَة الْأَوْثَان ﴿أَشَدُّ﴾ أَمر ﴿مِنَ الْقَتْل﴾ فِي الْحرم ﴿وَلا تُقَاتِلُوهُمْ﴾ بِالِابْتِدَاءِ ﴿عِنْدَ الْمَسْجِد الْحَرَام﴾ فِي الْحرم ﴿حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ فِي الْحرم بِالِابْتِدَاءِ ﴿فَإِن﴾ بِالِابْتِدَاءِ ﴿فاقتلوهم كَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿جَزَآءُ الْكَافرين﴾ بِالْقَتْلِ
﴿فَإِنِ انْتَهوا﴾ عَن الْكفْر والشرك وتابوا ﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ﴾ لمن تَابَ ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
﴿وَقَاتِلُوهُمْ﴾ بِالِابْتِدَاءِ مِنْهُم فِي الْحل وَالْحرم ﴿حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ الشّرك بِاللَّه فِي الْحرم ﴿وَيَكُونَ الدّين لِلَّهِ﴾ يكون الْإِسْلَام وَالْعِبَادَة لله فِي الْحَرَام
26
﴿فَإِنِ انْتَهوا﴾ عَن قتالكم فِي الْحرم ﴿فَلاَ عُدْوَانَ﴾ فَلَا سَبِيل لكم بِالْقَتْلِ ﴿إِلاَّ عَلَى الظَّالِمين﴾ المبتدئين بِالْقَتْلِ
27
﴿الشَّهْر الْحَرَام﴾ الَّذِي دخلت فِيهِ لقَضَاء الْعمرَة ﴿بالشهر الْحَرَام﴾ الَّذِي صدوك عَنهُ ﴿والحرمات قِصَاصٌ﴾ بدل ﴿فَمَنِ اعْتدى﴾ ابْتَدَأَ ﴿عَلَيْكُمْ﴾ بِالْقَتْلِ فِي الْحرم ﴿فاعتدوا﴾ فابتدئوا ﴿عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتدى عَلَيْكُمْ﴾ بِالْقَتْلِ ﴿وَاتَّقوا الله﴾ واخشوا الله بِالِابْتِدَاءِ ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ معِين الْمُتَّقِينَ بالنصرة
﴿وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله﴾ فِي طَاعَة الله لقَضَاء الْعمرَة ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة﴾ يَقُول لَا تمنعوا أَيْدِيكُم عَن النَّفَقَة فِي سَبِيل الله فَتَهْلكُوا وَيُقَال لَا تلقوا أَنفسكُم بِأَيْدِيكُمْ فِي التَّهْلُكَة وَيُقَال لَا تنهكوا فَتَهْلكُوا أَي لَا تيأسوا من رَحْمَة الله تهلكوا ﴿وأحسنوا﴾ أَي بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل الله وَيُقَال أَحْسنُوا الظَّن فِي الله وَيُقَال أَحْسنُوا النَّفَقَة فِي سَبِيل لله ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل الله نزلت من قَوْله ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله﴾ إِلَى هَهُنَا فِي المحرمين مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَضَاء الْعمرَة بعد عَام الْحُدَيْبِيَة
﴿وَأَتِمُّواْ الْحَج وَالْعمْرَة لِلَّهِ﴾ لتقبل الله بالإخلاص وإتمام الْحَج إِلَى آخِره وإتمام الْعمرَة إِلَى الْبَيْت ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ حبستم عَن الْحَج وَالْعمْرَة من عَدو أَو مرض ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي﴾ فَعَلَيْكُم مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي شَاة أَو بقرة أَو بعير لترك الْحرم ﴿وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ﴾ فِي الْحَبْس ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْي﴾ الَّذِي تبعثون بِهِ ﴿مَحِلَّهُ﴾ منحره ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً﴾ لَا يَسْتَطِيع أَن يقوم مقَامه فِي الْحَبْس فَيرجع إِلَى بَيته قبل أَن يبلغ هَدْيه إِلَى مَحَله ﴿أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ﴾ أَو فِي رَأسه قمل يحلق رَأسه نزلت فِي كَعْب بن عجْرَة وَكَانَ فِي رَأسه قمل فحلق رَأسه فِي الْحرم ﴿ففدية من صِيَام﴾ ففدوه صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام ﴿أَوْ صَدَقَةٍ﴾ على سِتَّة مَسَاكِين من أهل مَكَّة ﴿أَوْ نُسُكٍ﴾ شَاة يبْعَث بهَا إِلَى مَحَله ﴿فَإِذَآ أَمِنتُمْْ﴾ من الْعَدو وبرأتم من الْمَرَض فاقضوا مَا أوجب الله عَلَيْكُم من حج أَو عمْرَة من الْعَام الْقَابِل ﴿فَمَن تَمَتَّعَ﴾ بالطيب وباللباس ﴿بِالْعُمْرَةِ﴾ بعد قَضَاء الْعمرَة ﴿إِلَى الْحَج﴾ إِلَى أَن يحرم بِالْحَجِّ ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي﴾ فَعَلَيهِ دم الْمُتْعَة وَدم الْقُرْآن والمتعة سَوَاء بقرة أَو شَاة أَو بعير ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ فَمن لم يسْتَطع أَن يفعل من هَذِه الثَّلَاثَة شَيْئا ﴿فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ﴾ فليصم ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات ﴿فِي الْحَج﴾ فِي عشر الْحَج آخرهَا يَوْم عَرَفَة ﴿وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ إِلَى أهاليكم فِي الطَّرِيق أَو فِي أهاليكم ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ مَكَان الْهَدْي ﴿ذَلِك﴾ يَعْنِي دم الْمُتْعَة ﴿لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِد الْحَرَام﴾ لمن لم يكن أَهله ومنزله فِي الْحرم لِأَنَّهُ لَيْسَ على أهل الْحرم هدي التَّمَتُّع ﴿وَاتَّقوا الله﴾ خَشوا الله فِي ترك مَا أمرْتُم ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب﴾ لمن ترك مَا أَمر من هدي أَو صَوْم
﴿الْحَج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾ لِلْحَجِّ أشهر معروفات يحرم فِيهَا بِالْحَجِّ شَوَّال وَذي الْقعدَة وَعشر من ذِي الْحجَّة ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَج﴾ فَمن أحرم فِيهِنَّ بِالْحَجِّ ﴿فَلا رَفَثَ﴾ فَلَا جماع فِي الْإِحْرَام ﴿وَلاَ فُسُوقَ﴾ الْأَسْبَاب وَلَا منابز ﴿وَلَا جِدَال﴾ لامري مَعَ صَاحبه ﴿فِي الْحَج﴾ فِي إِحْرَام الْحَج وَيُقَال لَا جدل فِي فَرضِيَّة الْحَج ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ﴾ مَا تتركوا من رفث وفسوق وجدال فِي الْحرم ﴿يَعْلَمْهُ الله وَتَزَوَّدُواْ﴾ يَا أولي الْأَلْبَاب من زَاد الدُّنْيَا مقدم ومؤخر يَقُول تزودا من الدُّنْيَا مَا تكفون بِهِ وُجُوهكُم عَن الْمَسْأَلَة ياذوي الْعُقُول من النَّاس وَإِلَّا توكلوا على الله ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّاد التَّقْوَى﴾ فَإِن التَّوَكُّل خير زَاد من زَاد الدُّنْيَا ﴿واتقون﴾ اخشوني فِي الْحرم ﴿يَا أولي الْأَلْبَاب﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي أنَاس من أهل الْيمن كَانُوا يحجون بِغَيْر زَاد فيصيبون فِي الطَّرِيق من أهل الْمنزل ظلما نَهَاهُم الله عَن ذَلِك
﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ حرج ﴿أَن تَبْتَغُواْ﴾ تَطْلُبُوا ﴿فضلا من ربكُم﴾ بالنجارة فِي الْحرم نزلت فِي أنَاس كَانُوا لَا يرَوْنَ البيع وَالشِّرَاء فِي الْحرم فَرخص الله لَهُم ذَلِك ﴿فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات﴾ فَإذْ رجعتم من عَرَفَات إِلَى الْمشعر الْحَرَام ﴿اذْكروا الله﴾ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان ﴿عِندَ الْمشعر الْحَرَام واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ﴾ على مَا هدَاكُمْ ﴿وَإِن كُنتُم﴾ وَقد كُنْتُم ﴿مِّن قَبْلِهِ﴾ من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَالْإِسْلَام ﴿لَمِنَ الضآلين﴾ الْكَافرين
﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس﴾
27
يَقُول ارجعو من حَيْثُ رَجَعَ أهل الْيمن ﴿وَاسْتَغْفرُوا الله﴾ لذنوبكم ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ﴾ لمن تَابَ ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة نزلت فِي أنَاس يُقَال لَهُم الحمسيون كَانُوا لَا يُرِيدُونَ الْخُرُوج من الْحرم إِلَى عَرَفَات لحجهم فنهاهم الله عَن ذَلِك وَأمرهمْ أَن يذهبوا إِلَى عَرَفَات ويرجعوا من ثمَّ
28
﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ﴾ فَإِذا فَرَغْتُمْ من سنَن حَجكُمْ ﴿فاذكروا الله﴾ فَقولُوا يَا الله ﴿كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ﴾ بيا أبه وَيُقَال اذْكروا الله بِالْإِحْسَانِ إِلَيْكُم كذكركم آبَاءَكُم كَمَا ذكرْتُمْ آبَاءَكُم فِي الْجَاهِلِيَّة بِالْإِحْسَانِ ﴿أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً﴾ بل أَكثر ذكرا من ذكر آبائكم ﴿فَمِنَ النَّاس مَن يَقُولُ﴾ فِي الْموقف ﴿رَبَّنَآ آتِنَا﴾ أعطنا فِي الدُّنْيَا إبِلا وبقراً وَغنما وعبيداً وإماءً ومالاً ﴿وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ خَلاَقٍ﴾ من نصيب فِي الْجنَّة بحجه
﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا﴾ أعطنا ﴿فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ الْعلم وَالْعِبَادَة والعصمة من الذُّنُوب وَالشَّهَادَة وَالْغنيمَة ﴿وَفِي الْآخِرَة حَسَنَةً﴾ الْجنَّة وَنَعِيمهَا ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّار﴾ ادْفَعْ عَنَّا عَذَاب الْقَبْر وَعَذَاب النَّار
﴿أُولَئِكَ﴾ أهل هَذِه الصّفة ﴿لَهُمْ نَصِيبٌ﴾ حَظّ وافر فِي الْجنَّة ﴿مِّمَّا كَسَبُواْ﴾ من حجهم ﴿وَالله سَرِيعُ الْحساب﴾ يَقُول إِذا حاسب فحسابه سريع وَيُقَال سريع الْحِفْظ وَيُقَال شَدِيد الْعقَاب لأهل الرِّيَاء
﴿واذْكُرُوا الله﴾ بِالتَّكْبِيرِ والتهليل والتمجيد ﴿فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾ مَعْلُومَات أَيَّام التَّشْرِيق وَهِي خَمْسَة أَيَّام يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَثَلَاثَة أَيَّام بعدهمَا ﴿فَمَن تَعَجَّلَ﴾ بِرُجُوعِهِ إِلَى أَهله ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ بعد يَوْم النَّحْر ﴿فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ بتعجيله ﴿وَمَن تَأَخَّرَ﴾ إِلَى الْيَوْم الثَّالِث ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ بِتَأْخِيرِهِ وَيُقَال فَلَا عتب عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِهِ يخرج مغفوراً لَهُ ﴿لِمَنِ اتَّقى﴾ يَقُول التَّعْجِيل لمن اتَّقى الصَّيْد إِلَى الْيَوْم الثَّالِث ﴿وَاتَّقوا الله﴾ واخشوا الله فِي أَخذ الصَّيْد إِلَى الْيَوْم الثَّالِث ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ بعد الْمَوْت
﴿وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله﴾ كَلَامه وَحَدِيثه وعلانيته ﴿فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿وَيُشْهِدُ الله على مَا فِي قَلْبِهِ﴾ يحلف بِاللَّه إِنِّي أحبك وأتابعك ﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام﴾ جدل بِالْبَاطِلِ شَدِيد الْخُصُومَة
﴿وَإِذَا تولى﴾ غضب ﴿سعى﴾ مَشى ﴿فِي الأَرْض لِيُفْسِدَ فِيِهَا﴾ بِالْمَعَاصِي ﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْث﴾ الزَّرْع والكدس بالحرق ﴿والنسل﴾ بهلك الْحَيَوَان بِالْقَتْلِ ﴿وَالله لاَ يُحِبُّ الْفساد﴾ والمفسد
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ الله﴾ فِي صنعك ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّة بالإثم﴾ الحمية بالتكبر ﴿فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ﴾ مصيره إِلَى جَهَنَّم ﴿وَلَبِئْسَ المهاد﴾ الْفراش والمصير نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْأَخْنَس بن شريق وَكَانَ حسن المنظر حُلْو الْمنطق وَكَانَ يعجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلَامه بِأَنِّي أحبك وأبايعك فِي السِّرّ وَيحلف بِاللَّه على ذَلِك وَكَانَ منافقاً زَعَمُوا أَنه أحرق كدس قوم وَقتل حمَار الْقَوْم
﴿وَمِنَ النَّاس مَن يَشْرِي﴾ من يَشْتَرِي ﴿نَفْسَهُ﴾ بِمَالِه ﴿ابتغآء مَرْضَاتِ الله﴾ طلب رضَا الله نزلت فِي صُهَيْب بن سِنَان وَأَصْحَابه اشْترى نَفسه بِمَالِه من أهل مَكَّة ﴿وَالله رَؤُوفٌ بالعباد﴾ الَّذين قتلوا بِمَكَّة نزلت فِي أَبَوي عمار بن يَاسر وَسُميَّة وَغَيرهم قَتلهمْ مشركو أهل مَكَّة
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ ادخُلُوا فِي السّلم كَآفَّةً﴾ فِي شرائع دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيعًا ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَان﴾ تَزْيِين الشَّيْطَان فِي تَحْرِيم السبت وَلحم الْجمل وَغير ذَلِك ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ ظَاهر الْعَدَاوَة
﴿فَإِن زَلَلْتُمْ﴾ ملتم عَن شرائع دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ الْبَينَات﴾ بَيَان مَا فِي كتابكُمْ ﴿فاعلموا أَنَّ الله عَزِيزٌ﴾ بالنقمة لمن لَا يُتَابع رَسُوله ﴿حَكِيمٌ﴾ فِي نسخ شرائع الأول نزلت فِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه لكراهيتهم السبت وَلحم الْجمل وَغير ذَلِك
﴿هَلْ يَنظُرُونَ﴾ هَل ينْتَظر أهل مَكَّة ﴿إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله﴾ بِلَا كَيفَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة﴾ مقدم ومؤخر ﴿وَقُضِيَ الْأَمر﴾ فرغ من الْأَمر أَدخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار
28
﴿وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُور﴾ عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة
29
﴿سَلْ بني إِسْرَائِيلَ﴾ قل لأَوْلَاد يَعْقُوب ﴿كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ﴾ كم من مرّة كلمناهم بِالْأَمر وَالنَّهْي وأكرمناهم بِالدينِ فِي زمَان مُوسَى فبدلوا ذَلِك بالْكفْر ﴿وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله﴾ من يُغير دين الله وَكتابه بالْكفْر ﴿من بعد مَا جَاءَتْهُ﴾ من بعد مَا جَاءَ مُحَمَّد بِهِ ﴿فَإِنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب﴾ لمن كفر بِهِ
﴿زُيِّنَ﴾ حسن ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أبي جهل وَأَصْحَابه ﴿الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا من سَعَة الْمَعيشَة ﴿وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذين﴾ على الَّذين ﴿آمَنُواْ﴾ سلمَان وبلال وصهيب وَأَصْحَابه بِضيق الْمَعيشَة ﴿وَالَّذين اتَّقوا﴾ الْكفْر والشرك يَعْنِي سلمَان وَأَصْحَابه ﴿فَوْقَهُمْ﴾ فِي الْحجَّة فِي الدُّنْيَا وَالْقدر والمنزلة فِي الْجنَّة ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة وَالله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ﴾ يُوسع المَال على من يَشَاء ﴿بِغَيْرِ حِسَاب﴾ بِغَيْر حزم وتكلف وَيُقَال ويرزق من يَشَاء فِي الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب بِغَيْر فَوت وَلَا اهتداء
﴿كَانَ النَّاس﴾ فِي زمن نوح وَإِبْرَاهِيم ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ على مِلَّة وَاحِدَة الْكفْر وَيُقَال كَانُوا فِي زمن إِبْرَاهِيم مُسلمين ﴿فَبَعَثَ الله النَّبِيين﴾ من ذُرِّيَّة نوح وَإِبْرَاهِيم ﴿مُبَشِّرِينَ﴾ بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه ﴿وَمُنذِرِينَ﴾ من النَّار لمن لم يُؤمن بِاللَّه ﴿وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكتاب﴾ أنزل عَلَيْهِم جِبْرَائِيل بِالْكتاب ﴿بِالْحَقِّ﴾ مُبينًا الْحق وَالْبَاطِل ﴿لِيَحْكُمَ﴾ كل نَبِي بكتابه ﴿بَيْنَ النَّاس فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ﴾ فِي الدّين وَيُقَال ليحكم الْكتاب وَإِن قَرَأت بِالتَّاءِ أَرَادَ بِهِ النَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَمَا اخْتلف فِيهِ﴾ فِي الدّين وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿إِلاَّ الَّذين أُوتُوهُ﴾ أَعْطوهُ يَعْنِي الْكتاب ﴿مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَينَات﴾ بَيِّنَات مَا فِي كِتَابهمْ ﴿بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ حسداً مِنْهُم فَكَفرُوا بِهِ ﴿فَهَدَى الله الَّذين آمَنُواْ﴾ بالنبيين ﴿لِمَا اخْتلفُوا فِيهِ﴾ من الِاخْتِلَاف فِي الدّين ﴿من الْحق﴾ إِلَى الْحق وَيُقَال فهدي الله الَّذين آمنُوا فحفظ الله الَّذين آمنُوا بالنبيين لما اخْتلفُوا فِيهِ من الِاخْتِلَاف فِي الدّين من الْحق إِلَى الْبَاطِل ﴿بِإِذْنِهِ﴾ بكرامته وإرادته ﴿وَالله يَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك وَيُقَال يثبت من يَشَاء ﴿إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ على دين قَائِم يرضيه
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ أظننتم يَا معشر الْمُؤمنِينَ يَعْنِي عُثْمَان وَأَصْحَابه ﴿أَن تَدْخُلُواْ الْجنَّة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم﴾ أَي لم تبتلوا بِمثل مَا ابتلى الَّذين مضوا من قبلكُمْ من الْمُؤمنِينَ ﴿مَّسَّتْهُمُ﴾ أَصَابَتْهُم ﴿البأسآء﴾ الْخَوْف والبلايا والشدائد ﴿والضرآء﴾ الْأَمْرَاض والأوجاع والجوع ﴿وَزُلْزِلُواْ﴾ حركوا فِي الشدَّة ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُول﴾ حَتَّى قَالَ رسولهم ﴿وَالَّذين آمَنُواْ مَعَهُ﴾ بِهِ ﴿مَتى نَصْرُ الله﴾ على الْأَعْدَاء قَالَ الله لذَلِك النَّبِي ﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ الله﴾ على الْأَعْدَاء بنجاتكم ﴿قريب﴾
﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ يَا مُحَمَّد وَكَانَ هَذَا السُّؤَال قبل آيَة الْمَوَارِيث ﴿مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ على من يتصدقون ﴿قل مَا أنفقتم من خير﴾ من مَال ﴿فَلِلْوَالِدَيْنِ﴾ فعلى الْوَالِدين ﴿والأقربين﴾ وعَلى الْأَقْرَبين ثمَّ نسخت الصَّدَقَة بعد ذَلِك على الْوَالِدين بِآيَة الْمَوَارِيث ﴿واليتامى﴾ يَقُول تصدقوا على الْيَتَامَى يتامى النَّاس ﴿وَالْمَسَاكِين﴾ مَسَاكِين النَّاس ﴿وَابْن السَّبِيل﴾ الضَّيْف النَّازِل ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ﴾ مَا تنفقوا من مَال هَؤُلَاءِ ﴿فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ﴾ أَي عَالم بِهِ وبنياتكم يجزيكم بِهِ
﴿كُتِبَ﴾ فرض ﴿عَلَيْكُمُ الْقِتَال﴾ فِي أَوْقَات النفير الْعَام مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً﴾ الْجِهَاد فِي سَبِيل الله ﴿وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ تصيبون الشَّهَادَة وَالْغنيمَة ﴿وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً﴾ الْجُلُوس عَن الْجِهَاد ﴿وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾ لَا تصيبون الشَّهَادَة وَلَا الْغَنِيمَة ﴿وَالله يَعْلَمُ﴾ أَن الْجِهَاد خير لكم ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ أَن الْجُلُوس شَرّ لكم نزلت فِي سعد بن أبي وَقاص والمقداد بن الْأسود وأصحابهما ثمَّ نزلت فِي شَأْن عبد الله ابْن جحش وَأَصْحَابه وقتلهم عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ وسؤالهم عَن الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام يَعْنِي رجباً آخر عَشِيَّة جُمَادَى الْآخِرَة قبل رُؤْيَة هِلَال رَجَب وملامة الْمُشْركين لَهُم بذلك فَقَالَ
﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ يَا مُحَمَّد عَنِ ﴿الشَّهْر الْحَرَام قِتَالٍ فِيهِ﴾ يَقُول يَسْأَلُونَك عَن الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام يَعْنِي رجباً ﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ﴾ فِي رَجَب ﴿كَبِيرٌ﴾ فِي الْعقُوبَة ﴿وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله﴾ وَلَكِن صرف النَّاس عَن دين الله وطاعته ﴿وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِد الْحَرَام﴾ وَصد النَّاس عَن الْمَسْجِد الْحَرَام ﴿وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ﴾ عُقُوبَة ﴿عِندَ الله﴾ من قتل عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ ﴿والفتنة﴾ الشّرك بِاللَّه ﴿أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْل﴾ من قتل عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ ﴿وَلاَ يَزَالُونَ﴾ يَعْنِي أهل مَكَّة ﴿يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ﴾ يرجعوكم ﴿عَن دِينِكُمْ﴾ الْإِسْلَام ﴿إِن اسْتَطَاعُواْ﴾ قدرُوا ﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ﴾ الْإِسْلَام ﴿فَيَمُتْ﴾ وَمن يمت ﴿وَهُوَ كَافِر فَأُولَئِك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ بطلت أَعْمَالهم وَردت حسناتهم ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة﴾ وَلَا يجزون بهَا فِي الْآخِرَة ﴿وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار﴾ أهل النَّار ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ مقيمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون
ثمَّ نزل أَيْضا فِي شَأْن عبد الله بن جحش وَأَصْحَابه فَقَالَ ﴿إِنَّ الَّذين آمَنُواْ﴾ بِاللَّه وَرَسُوله ﴿وَالَّذين هَاجَرُواْ﴾ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة ﴿وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله﴾ فِي قتل عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ الْكَافِر ﴿أُولَئِكَ يرجون رَحْمَة الله﴾ ينالون جنَّة الله ﴿وَالله غَفُورٌ﴾ لصنيعهم ﴿رَحِيمٌ﴾ بهم إِذْ لم يعاقبهم
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخمر وَالْميسر﴾ نزلت فِي شَأْن عمر بن الْخطاب لقَوْله اللَّهُمَّ أرنا رَأْيك فِي الْخمر فَقَالَ الله لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر عَن شرب الْخمر والقمار ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ بعد التَّحْرِيم ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ قبل التَّحْرِيم بِالتِّجَارَة بهما ﴿وَإِثْمُهُمَآ﴾ بعد التَّحْرِيم ﴿أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾ قبل التَّحْرِيم ثمَّ حرم بعد ذَلِك فِي كليهمَا ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ﴾ نزلت فِي شَأْن عَمْرو بن الجموح سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاذَا نتصدق من أَمْوَالنَا فَقَالَ الله لنَبيه ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ مَاذَا يتصدقون من أَمْوَالهم ﴿قُلِ الْعَفو﴾ مَا فضل من الْقُوت وَأكل الْعِيَال ثمَّ نسخ ذَلِك بِآيَة الزَّكَاة ﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿يبين الله لكم الْآيَات﴾ الْأَمر وَالنَّهْي وَهُوَ أَن الدُّنْيَا ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾
﴿فِي الدُّنْيَا﴾ أَنَّهَا فانية ﴿وَالْآخِرَة﴾ أَنَّهَا بَاقِيَة ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾ نزلت فِي شَأْن عبد الله ابْن رَوَاحَة سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مُخَالطَة الْيَتَامَى فِي الطَّعَام وَالشرَاب والمسكن يجوز أم لَا فَقَالَ الله لنَبيه ويسألونك عَن الْيَتَامَى عَن مُخَالطَة الْيَتَامَى بِالطَّعَامِ وَالشرَاب والمسكن ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِصْلاَحٌ لَّهُمْ﴾ ولمالهم ﴿خَيْرٌ﴾ من ترك مخالطتهم ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ﴾ فِي الطَّعَام وَالشرَاب والمسكن ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾ فهم إخْوَانكُمْ فِي الدّين فاحفظوا أنصابهم ﴿وَالله يَعْلَمُ الْمُفْسد﴾ لمَال الْيَتِيم ﴿مِنَ المصلح﴾ لمَال الْيَتِيم ﴿وَلَوْ شَآءَ الله لأَعْنَتَكُمْ﴾ لحرم المخالطة عَلَيْكُم ﴿إِنَّ الله عَزِيزٌ﴾ بالنقمة لمفسد مَال الْيَتِيم ﴿حَكِيمٌ﴾ يحكم بإصلاح مَال الْيَتِيم
﴿وَلَا تنْكِحُوا المشركات﴾ نزلت فِي مرْثَد ابْن أبي مرْثَد الغنوي الَّذِي أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة مُشركَة تسمى عنَاق فنهي الله عَن ذَلِك فَقَالَ ﴿وَلَا تنْكِحُوا المشركات﴾ يَقُول لَا تتزوجوا المشركات بِاللَّه ﴿حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ بِاللَّه ﴿وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ﴾ يَقُول نِكَاح أمة مُؤمنَة ﴿خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ﴾ من نِكَاح حرَّة مُشركَة ﴿وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ حسنها وجمالها وكَذَلِك ﴿وَلَا تُنْكِحُواْ الْمُشْركين﴾ أَي لَا تزوجوا الْمُشْركين بِاللَّه ﴿حَتَّى يُؤْمِنُواْ﴾ بِاللَّه ﴿وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ﴾ يَقُول تزويجكم لعبد مُؤمن ﴿خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ﴾ من تزويجكم لحر مُشْرك ﴿وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ بدنه وقوته ﴿أُولَئِكَ﴾ الْمُشْركُونَ ﴿يَدْعُونَ إِلَى النَّار﴾ يدعونَ إِلَى الْكفْر وَعمل النَّار ﴿وَالله يَدْعُو إِلَى الْجنَّة﴾ بِالتَّوْحِيدِ ﴿وَالْمَغْفِرَة﴾ بِالتَّوْبَةِ ﴿بِإِذْنِهِ﴾ بأَمْره ﴿وَيبين آيَاته﴾
30
أمره وَنَهْيه فِي التَّزْوِيج ﴿لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ لكَي يتعظوا وينتهوا عَن تَزْوِيج الْحَرَام
31
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيض﴾ نزلت فِي شَأْن أبي لدحداح سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَ الله لنَبيه ويسألونك عَن الْمَحِيض عَن مجامعة النِّسَاء فِي الْمَحِيض ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿هُوَ أَذًى﴾ قذر حرَام ﴿فاعتزلوا النسآء فِي الْمَحِيض﴾ فاتركوا مجامعة النِّسَاء فِي الْمَحِيض ﴿وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ﴾ بِالْجِمَاعِ ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ من الْحيض ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ واغتسلن ﴿فَأْتُوهُنَّ﴾ جامعوهن ﴿مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله﴾ من حَيْثُ رخص لكم الله قبل ذَلِك فِي الْفروج ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين﴾ الراجعين من الذُّنُوب ﴿وَيُحِبُّ المتطهرين﴾ من الذُّنُوب والأدناس
﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ﴾ يَقُول فروج نِسَائِكُم مزرعة لأولادكم ﴿فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ﴾ مزرعتكم ﴿أَنى شِئْتُمْ﴾ كَيفَ شِئْتُم مقبلة أَو مُدبرَة إِذا كَانَ فِي صمام وَاحِد ﴿وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ﴾ من ولد صَالح ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله فِي أدبار النِّسَاء ومجامعتهن فِي الْحيض ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ﴾ معاينوه بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤمنِينَ﴾ يَقُول وَبشر يَا مُحَمَّد الْمُؤمنِينَ الْمُتَّقِينَ عَن أدبار النِّسَاء ومجامعتهن فِي الْحيض بِالْجنَّةِ
﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً﴾ عِلّة ﴿لأَيْمَانِكُمْ﴾ نزلت فِي شَأْن عبد الله بن رَوَاحَة إِذْ حلف بِاللَّه أَن لَا يحسن إِلَى أُخْته وَخَتنه وَلَا يكلمهما وَلَا يصلح بَينهمَا فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك فَقَالَ وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم أَي عِلّة لَا تحلفُوا ﴿أَن تَبَرُّواْ﴾ أَن لَا تبروا ﴿وَتَتَّقُواْ﴾ وَأَن لَا تتقوا عَن قطيعة الرَّحِم ﴿وَتُصْلِحُواْ﴾ وَأَن لَا تصحلوا ﴿بَيْنَ النَّاس﴾ يَقُول ارْجعُوا إِلَى مَا هُوَ خير لكم وَكَفرُوا عَن يمينكم وَيُقَال أَن لَا تبروا أَي لَا تحسنوا إِلَى أحد وتتقوا أَي يَقُول اتَّقوا عَن الْحلف بِاللَّه فِي ترك الْإِحْسَان وتصلحوا أصلحوا بَين النَّاس ﴿وَالله سَمِيعٌ﴾ بيمينكم لترك الْإِحْسَان ﴿عَلِيمٌ﴾ بنياتكم وبكفارة الْيَمين
﴿لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ يَقُول بكفارة أَيْمَانكُم بقولكم لَا وَالله وبلى وَالله فِي الشِّرَاء وَالْبيع وَغير ذَلِك من اللَّغْو ﴿وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ تضمر قُلُوبكُمْ بذلك ﴿وَالله غَفُورٌ﴾ لأيمانكم بِاللَّغْوِ ﴿حَلِيمٌ﴾ إِذْ لم يعجلكم بالعقوبة وَيُقَال اللَّغْو يَمِين على الْمعْصِيَة فَإِن تَركه وَكفر عَن يَمِينه لَا يؤاخذه وَإِن فعل يؤاخذه
﴿لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ﴾ يتركون مجامعة نِسَائِهِم بِالْحلف لَا يقربهَا أَرْبَعَة أشهر أَو فَوق ذَلِك ﴿تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ يَقُول انْتِظَار أَرْبَعَة أشهر ﴿فَإِن فاؤوا﴾ فَإِن جامعوا قبل أَرْبَعَة أشهر ﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ﴾ ليمينهم إِن تَابُوا ﴿رَّحِيمٌ﴾ إِذْ بَين كفارتهم
﴿وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلَاق﴾ حققوا الطَّلَاق وبروا يمينهم ﴿فَإِنَّ الله سَمِيعٌ﴾ ليمينه ﴿عَلِيمٌ﴾ بِمَا بَانَتْ امْرَأَته مِنْهُ بتطليقة وَاحِدَة بعد أَرْبَعَة أشهر وبكفارة يَمِينه نزل ذَلِك فِي رجل يحلف بِاللَّه أَن لَا يقرب امْرَأَته بِالْجِمَاعِ أَرْبَعَة أشهر أَو فَوق ذَلِك فَإِن بر يَمِينه وَترك مجامعتها حَتَّى تجَاوز أَرْبَعَة أشهر بَانَتْ مِنْهُ امْرَأَته بتطليقة وَاحِدَة وَإِن جَامعهَا قبل ذَلِك فَعَلَيهِ كَفَّارَة الْيَمين
﴿والمطلقات﴾ وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ ينتظرن بِأَنْفُسِهِنَّ فِي الْعدة ﴿ثَلَاثَة قُرُوء﴾ ثَلَاث حيض ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ﴾ الْحَبل ﴿مَا خَلَقَ الله فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ من ولد ﴿إِن كُنَّ﴾ إِذْ كن ﴿يُؤْمِنَّ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَبُعُولَتُهُنَّ﴾ أَزوَاجهنَّ ﴿أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ بمراجعتهن ﴿فِي ذَلِكَ﴾ فِي ذَلِك الْحَبل أَو الْعدة ﴿إِنْ أَرَادوا إِصْلاَحاً﴾ مُرَاجعَة لِأَن فِي بَدْء الْإِسْلَام كَانَ إِذا طلق الرجل امْرَأَته تَطْلِيقَة أَو تَطْلِيقَتَيْنِ كَانَ أملك برجعتها بعد انْقِضَاء الْعدة قبل التَّزْوِيج فنسخ ملك الرّجْعَة بقوله ﴿الطَّلَاق مَرَّتَانِ﴾ وَكَذَلِكَ فِي الْحَبل كَانَ أَحَق برجعتها فِي ذَلِك الْحَبل وَلَو طَلقهَا ألف مرّة فنسخ الله ملك الرّجْعَة بقوله ﴿فطلقوهن لعدتهن﴾ ﴿وَلَهُنَّ﴾ من الْحق وَالْحُرْمَة على أَزوَاجهنَّ ﴿مِثْلُ الَّذِي﴾ للأزواج ﴿عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ فِي إِحْسَان الصُّحْبَة والمعاشرة ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة﴾
31
فَضِيلَة فِي الْعقل وَالْمِيرَاث وَالدية وَالشَّهَادَة وَبِمَا عَلَيْهِم من النَّفَقَة والخلعة ﴿وَالله عَزِيز﴾ بالنقمة لمن ترك مَا بَين الْمَرْأَة وَالزَّوْج من الْحق والحرمان ﴿حَكِيمٌ﴾ فِيمَا حكم بَينهمَا
32
﴿الطَّلَاق مَرَّتَانِ﴾ يَقُول طَلَاق الرّجْعَة مَرَّتَانِ ﴿فَإِمْسَاكٌ﴾ قبل التطليقة الثَّالِثَة وَقبل الِاغْتِسَال من الْحَيْضَة الثَّلَاثَة ﴿بِمَعْرُوف﴾ بِحَق الصُّحْبَة والمعاشرة ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ﴾ أَو يطلقهَا الثَّالِثَة بِإِحْسَان يُؤَدِّي حَقّهَا ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ أعطيتموهن من الْمهْر ﴿شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ﴾ يعلمَا الزَّوْج وَالْمَرْأَة عِنْد الْخلْع ﴿أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله﴾ أَحْكَام الله فِيمَا بَين الْمَرْأَة وَالزَّوْج ﴿فَإِن خِفْتُمْ﴾ علمْتُم ﴿أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله﴾ أَحْكَام الله فِيمَا بَين الْمَرْأَة وَالزَّوْج ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ على الزَّوْج خَاصَّة ﴿فِيمَا افتدت بِهِ﴾ أَن يَأْخُذ مَا اشترت الْمَرْأَة نَفسهَا بِهِ من الزَّوْج بِطيبَة نَفسهَا نزلت فِي ثَابت بن قيس ابْن شماس وَامْرَأَته جميلَة بنت عبد الله بن أبي سلول رَأس الْمُنَافِقين اشترت نَفسهَا من زَوجهَا بمهرها ﴿تِلْكَ حُدُودُ الله﴾ هَذِه أَحْكَام الله بَين الْمَرْأَة وَالزَّوْج ﴿فَلاَ تَعْتَدُوهَا﴾ فَلَا تجاوزوها إِلَى مَا نهى الله تَعَالَى لكم ﴿وَمَن يَتَعَدَّ﴾ تجَاوز ﴿حُدُودَ الله﴾ أَحْكَام الله إِلَى مَا نهى الله عَنهُ ﴿فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الضارون لأَنْفُسِهِمْ
ثمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْله الطَّلَاق مَرَّتَانِ فَقَالَ فَإِنْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَة ﴿فَلاَ تَحِلُّ لَهُ﴾ تِلْكَ الْمَرْأَة مِن بَعْدُ التطليقة الثَّالِثَة ﴿حَتَّى تَنْكِحَ﴾ تتَزَوَّج ﴿زَوْجاً غَيْرَهُ﴾ وَيدخل بهَا الثَّانِي ﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾ الزَّوْج الثَّانِي نزلت فِي عبد الرَّحْمَن ابْن الزبير ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ﴾ على الزَّوْج الأول وَالْمَرْأَة ﴿أَن يَتَرَاجَعَآ﴾ بِمهْر وَنِكَاح جَدِيد ﴿إِن ظَنَّآ﴾ علما ﴿أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله﴾ أَحْكَام الله فِيمَا بَين الْمَرْأَة وَالزَّوْج ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ الله﴾ هَذِه أَحْكَام الله فَرَائِضه
﴿يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أَنه من الله ويصدقون بذلك ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء﴾ وَاحِدَة ﴿فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ عدتهن قبل الِاغْتِسَال من الْحَيْضَة الثَّالِثَة ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ﴾ فراجعوهن ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ بِحسن الصُّحْبَة والمعاشرة ﴿أَوْ سَرِّحُوهُنَّ﴾ اتركوهن حَتَّى يغتسلن ويخرجن من الْعدة ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ يُؤَدِّي حقهن ﴿وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً﴾ بالضرار ﴿لِّتَعْتَدُواْ﴾ لتظلموا عَلَيْهِنَّ ولتطيلوا عَلَيْهِنَّ الْعدة ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ الضرار ﴿فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ ضرّ بِنَفسِهِ ﴿وَلاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ الله﴾ أَمر الله وَنَهْيه ﴿هُزُواً﴾ استهزاء لَا تعلمُونَ بهَا ﴿واذْكُرُوا نِعْمَةَ الله﴾ احْفَظُوا منَّة الله ﴿عَلَيْكُمْ﴾ الْإِسْلَام ﴿وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكتاب﴾ فِي الْكتاب من الْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَالْحكمَة﴾ الْحَلَال وَالْحرَام ﴿يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ يَنْهَاكُم عَن الضرار ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله فِي الضرار ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من الضرار وَغَيره ﴿عَلِيمٌ﴾
﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء﴾ تَطْلِيقَة وَاحِدَة أَو تَطْلِيقَتَيْنِ ﴿فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ فانقضت عدتهن وأردن أَن يرجعن إِلَى أَزوَاجهنَّ الأول مهر وَنِكَاح جَدِيد ﴿فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ﴾ تمنعوهن ﴿أَن يَنكِحْنَ﴾ أَن يتزوجن ﴿أَزْوَاجَهُنَّ﴾ الأول وَإِن قَرَأت بخفض الضَّاد فَهُوَ الْحَبْس ﴿إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ﴾ إِذا اتَّفقُوا فِيمَا بَينهم ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ بِمهْر وَنِكَاح جَدِيد ﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت ﴿يُوعَظُ بِهِ﴾ يُؤمر بِهِ ﴿مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِكُم﴾ الَّذِي ذكرت ﴿أزكى لَكُمْ﴾ أصح لكم ﴿وَأَطْهَرُ﴾ لقلوبكم وقلوبهن من الرِّيبَة والعداوة ﴿وَالله يَعْلَمُ﴾ حب الْمَرْأَة للزَّوْج ﴿وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك نزلت هَذِه الْآيَة فِي معقل بن يسَار الْمُزنِيّ لمَنعه أُخْته جميلَة الرُّجُوع إِلَى زَوجهَا الأول عبد الله بن عَاصِم بِمهْر وَنِكَاح جَدِيد فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك
﴿والوالدات﴾ المطلقات ﴿يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ سنتَيْن كاملتين ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضَاعَة﴾ رضَاع الْوَلَد ﴿وَعلَى الْمَوْلُود لَهُ﴾ يَعْنِي الْأَب ﴿رِزْقُهُنَّ﴾ نفقتهن على الرَّضَاع ﴿وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ بِغَيْر إِسْرَاف وَلَا تقتير ﴿لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ﴾ بِالنَّفَقَةِ على الرَّضَاع ﴿إِلَّا وسعهَا﴾ الا بِقدر مَا أَعْطَاهَا الله من المَال ﴿لاَ تُضَآرَّ وَالِدَة بِوَلَدِهَا﴾ يُؤْخَذ وَلَدهَا بَعْدَمَا رضيت بِمَا أَعْطَتْ غَيرهَا على الرَّضَاع ﴿وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ﴾ يَعْنِي الْأَب ﴿بِوَلَدِهِ﴾ بطرح الْوَلَد عَلَيْهِ بَعْدَمَا عرف أَنه وَلَا يقبل ثدي غَيرهَا ﴿وَعَلَى الْوَارِث﴾ وَارِث لأَب وَيُقَال وَارِث الصَّبِي ﴿مِثْلُ ذَلِك﴾ مثل مَا على الْأَب من النَّفَقَة وَترك الضرار إِذا لم يكن الْأَب
32
﴿فَإِنْ أَرَادَا﴾ يَعْنِي الزَّوْج وَالْمَرْأَة ﴿فِصَالاً﴾ فصَال الصَّبِي عَن اللَّبن قبل الْحَوْلَيْنِ يَعْنِي فطاماً ﴿عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا﴾ بتراضي الْأَب وَالأُم ﴿وَتَشَاوُرٍ﴾ بمشاورتهما ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ على الْأَب وَالأُم إِن لم يرضعا ولدهما سنتَيْن ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تسترضعوا أَوْلاَدَكُمْ﴾ غير الْأُم وأرادت الْأُم أَن تتَزَوَّج ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ فَلَا حرج على الْأَب وَالأُم ﴿إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم﴾ إِذا أنفقتم مَا أعطيتم ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ بالموافقة بِغَيْر مُخَالفَة ﴿وَاتَّقوا الله﴾ واخشوا الله فِي الضرار والمخالفة ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ الله﴾ بِمَا تَعْمَلُونَ من الْمُوَافقَة الْمُخَالفَة الضرار ﴿بَصِيرٌ﴾
33
﴿وَالَّذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ﴾ يموتون من رجالكم ﴿وَيَذَرُونَ﴾ يتركون ﴿أَزْوَاجاً﴾ بعد الْمَوْت ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ ينتظرن ﴿بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ فِي الْعدة ﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً﴾ يَعْنِي عشرَة أَيَّام ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ فَإِذا انْقَضتْ عدتهن ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ على أَوْلِيَاء الْمَيِّت فِي تركهن ﴿فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ﴾ من الزِّينَة ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ للتزويج ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر ﴿خَبِير﴾
﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ لَا حرج على الْخطاب ﴿فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النسآء﴾ فِيمَا عرضتم أَنفسكُم على الْمَرْأَة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا قبل انْقِضَاء الْعدة لتزوجها بعد انْقِضَاء الْعدة وَهُوَ أَن يَقُول لَهَا إِن جمع الله بَيْننَا بالحلال يُعجبنِي ذَلِك ﴿أَوْ أَكْنَنتُمْ﴾ أضمرتم ذَلِك ﴿فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ فِي قُلُوبكُمْ ﴿عَلِمَ الله أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ تذكرُونَ نِكَاحهنَّ ﴿وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً﴾ بِالْجِمَاعِ ﴿إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾ صَحِيحا ظَاهرا وَهُوَ أَن يَقُول إِن جمع الله بَيْننَا بالحلال يُعجبنِي ذَلِك لَا يزِيد على ذَلِك ﴿وَلاَ تَعْزِمُواْ﴾ لَا تحققوا ﴿عُقْدَةَ النِّكَاح حَتَّى يَبْلُغَ الْكتاب أَجَلَهُ﴾ حَتَّى تبلغ الْعدة وَقتهَا ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ﴾ فِي قُلُوبكُمْ من الْوَفَاء وَالْخلاف على مَا قُلْتُمْ ﴿فَاحْذَرُوهُ﴾ فاحذروا مُخَالفَته ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ الله غَفُورٌ﴾ لمن تَابَ من مُخَالفَته ﴿حَلِيمٌ﴾ إِذْ لم يعجله بالعقوبة
﴿لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ لَا حرج عَلَيْكُم ﴿إِن طَلَّقْتُمُ النسآء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ تجامعوهن ﴿أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ أَو لم تبينوا لَهُنَّ مهْرا ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ مُتْعَة الطَّلَاق ﴿عَلَى الموسع قَدَرُهُ﴾ على الْمُوسر قدر مَاله ﴿وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ﴾ قدر مَاله ﴿مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ﴾ فَوق مهر الْبَغي أدناه درع وخمار وَمِلْحَفَة ﴿حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ وَاجِبا على الْمُوَحِّدين لِأَنَّهُ بدل الْمهْر
ثمَّ بَين حكم من سمى مهرهَا فَقَالَ ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ تجامعوهن ﴿وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ وَقد بينتم مهورهن ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ فَعَلَيْكُم نصف مَا سميتم من مهرهن ﴿إِلاَّ أَن يَعْفُونَ﴾ إِلَّا أَن تتْرك الْمَرْأَة حَقّهَا على الزواج ﴿أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاح﴾ أَو يتْرك الزَّوْج حَقه على الْمَرْأَة ليعطي مهرهَا كَامِلا ﴿وَأَن تعفوا﴾ تتركوا حقكم ﴿أَقْرَبُ للتقوى﴾ أقرب لِلْمُتقين إِلَى التَّقْوَى يَقُول للزَّوْج وَالْمَرْأَة من ترك حَقه على صَاحبه فَهُوَ أولى بالتقوى ﴿وَلاَ تنسوا الْفضل بَيْنكُم﴾ يَقُول للْمَرْأَة وَالزَّوْج لاتتركوا الْفضل وَالْإِحْسَان بَعْضكُم إِلَى بعض ﴿إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الْفضل وَالْإِحْسَان ﴿بَصِيرٌ﴾
ثمَّ حث على الصَّلَوَات الْخمس فَقَالَ
33
﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَات﴾ الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا فِي مواقيتها ﴿وَالصَّلَاة الْوُسْطَى﴾ صَلَاة الْعَصْر خَاصَّة ﴿وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ﴾ صلوا لله قَائِمين بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود وَيُقَال مُطِيعِينَ لَهُ فِي الصَّلَاة غير عاصين بالْكلَام
34
﴿فَإنْ خِفْتُمْ﴾ من عَدو فِي المسايفة ﴿فَرِجَالاً﴾ فصلوا على أَرْجُلكُم بِالْإِيمَاءِ ﴿أَوْ رُكْبَاناً﴾ على الدَّوَابّ حَيْثُمَا توجهتم ﴿فَإِذَآ أَمِنتُمْ فاذكروا الله﴾ فصلوا لله بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود ﴿كَمَا عَلَّمَكُم﴾ فِي الْقُرْآن للْمُسَافِر رَكْعَتَانِ وللمقيم أَربع ﴿مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾ قبل الْقُرْآن
﴿وَالَّذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ﴾ يقبضون من رجالكم ﴿وَيَذَرُونَ﴾ يتركون ﴿أَزْوَاجاً﴾ بعد الْمَوْت ﴿وَصِيَّةً﴾ يَقُول عَلَيْهِم وَصِيَّة وَإِن قَرَأت بِنصب الْهَاء يَقُول عَلَيْهِم أَن يوصوا وَصِيَّة ﴿لأَزْوَاجِهِمْ﴾ فِي أَمْوَالهم ﴿مَّتَاعاً إِلَى الْحول﴾ النَّفَقَة وَالسُّكْنَى إِلَى سنة ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ من غير أَن يخْرجن من مسكن زوجهن ﴿فَإِنْ خَرَجْنَ﴾ من قبل أَنْفسهنَّ أَو تَزَوَّجن من قبل الْحول ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ على أَوْلِيَاء الْمَيِّت فِي منع النَّفَقَة وَالسُّكْنَى مِنْهَا بعد مَا خرجت من بَيت زَوجهَا أَو تزوجت ﴿فِي مَا فَعَلْنَ﴾ وَلَا بِمَا فعلن ﴿فِي أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ﴾ من تشوف وتزين للتزويج وَهِي مَنْسُوخَة بميراثها يَعْنِي نَفَقَة الْمُتَوفَّى ﴿وَالله عَزِيزٌ﴾ بالنقمة لمن ترك مَا أَمر بِهِ ﴿حَكِيمٌ﴾ بِمَا نسخ نَفَقَة الْمُتَوفَّى وَالسُّكْنَى إِلَى الْحول لقبل نصِيبهَا من الْمِيرَاث الرّبع أَو الثّمن
﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ بِالْإِحْسَانِ وَالْفضل ﴿حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ وَلَيْسَ بِوَاجِب لِأَنَّهُ فضل على الْمهْر على وَجه الْإِحْسَان
﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿يبين الله لكم آيَاته﴾ أمره وَنَهْيه كَمَا بَين هَذَا ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ مَا أمرْتُم بِهِ
ثمَّ ذكر خبر عزاة بني إِسْرَائِيل فَقَالَ ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن ﴿إِلَى الَّذين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ﴾ من مَنَازِلهمْ لقِتَال عدوهم ﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ ثَمَانِيَة آلَاف فجبنوا عَن الْقِتَال ﴿حَذَرَ الْمَوْت﴾ مَخَافَة الْقَتْل ﴿فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ﴾ فأماتهم الله مكانهم ﴿ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ بعد ثَمَانِيَة أَيَّام ﴿إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ﴾ لذُو من ﴿عَلَى النَّاس﴾ على هَؤُلَاءِ لإحيائهم ﴿وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس لاَ يَشْكُرُونَ﴾ الْحَيَاة ثمَّ قَالَ لَهُم الله بعد مَا أحياهم
﴿وقاتلوا فِي سَبِيل الله﴾ فِي طَاعَة الله مَعَ عَدوكُمْ ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ الله سَمِيعٌ﴾ لمقالتكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بنياتكم وعقوبتكم إِن لم تَفعلُوا مَا أمرْتُم بِهِ
ثمَّ حث الْمُؤمنِينَ على الصَّدَقَة فَقَالَ ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً﴾ فِي الصَّدَقَة محتسباً صَادِقا من قبله ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً﴾ بِوَاحِدَة ألفي ألف ﴿وَالله يَقْبِضُ﴾ يقتر ﴿وَيَبْسُطُ﴾ يُوسع المَال على من يَشَاء فِي الدُّنْيَا ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ بعد الْمَوْت فتجزون بأعمالكم نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل من الْأَنْصَار يكنى أَبَا الدحداح أَو أَبَا الدحداحة
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الملإ﴾ ألم تخبر عَن قوم ﴿مِن بني إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ﴾ اشمويل ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً﴾ بَين لنا ملك الْجَيْش ﴿نُّقَاتِلْ﴾ بأَمْره مَعَ عدونا ﴿فِي سَبِيلِ الله﴾ فِي طَاعَة الله ﴿قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ﴾ أتقدرون وَإِن قَرَأت بخفض السِّين تَقول أحسبتم ﴿إِن كُتِبَ﴾ إِن فرض ﴿عَلَيْكُمُ الْقِتَال﴾ مَعَ عَدوكُمْ ﴿أَلاَّ تُقَاتِلُواْ﴾ عَدوكُمْ ﴿قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ﴾ وَلم لَا نُقَاتِل الْعَدو ﴿فِي سَبِيلِ الله وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا﴾ من مَنَازلنَا ﴿وَأَبْنَآئِنَا﴾ وَسبي ذرارينا ﴿فَلَمَّا كُتِبَ﴾ أوجب ﴿عَلَيْهِمُ الْقِتَال تَوَلَّوْاْ﴾ أَعرضُوا عَن قتال عدوهم ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ﴾ ثلثمِائة وَثَلَاثَة عشر رجلا ﴿وَالله عَلِيمٌ بالظالمين﴾ الَّذين توَلّوا عَن قتال عدوهم
﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ﴾ أشمويل ﴿إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ﴾ بَين ﴿لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً﴾ ملكه عَلَيْكُم ﴿قَالُوا أَنى يَكُونُ﴾ من أَيْن يكون ﴿لَهُ الْملك عَلَيْنَا﴾ وَلَيْسَ هُوَ من سبط الْملك ﴿وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْملكِ مِنْهُ﴾ لأَنا من سبط الْملك ﴿وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَال﴾ لَيْسَ لَهُ سَعَة المَال لينفق على الْجَيْش قَالَ أَشمويل ﴿إِنَّ الله اصطفاه﴾ اخْتَارَهُ بِالْملكِ وَملكه ﴿عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً﴾ فَضِيلَة ﴿فِي الْعلم﴾ علم الْحَرْب ﴿والجسم﴾ الطول وَالْقُوَّة ﴿وَالله يُؤْتِي مُلْكَهُ﴾ يُعْطي ملكه ﴿مَن يَشَآءُ﴾ فِي الدُّنْيَا وَإِن لم يكن من سبط الْملك ﴿وَالله وَاسِعٌ﴾ بِالْعَطِيَّةِ ﴿عَلِيمٌ﴾ بِمن يُعْطي قَالُوا لَيْسَ ملكه من الله بل أَنْت ملكته علينا
﴿وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ﴾ أشمويل ﴿إِنَّ آيَةَ﴾ عَلامَة ﴿مُلْكِهِ﴾ أَنه من الله ﴿أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت﴾ هُوَ أَن يرد إِلَيْكُم التابوت الَّذِي أَخذ مِنْكُم ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ﴾ رَحْمَة وطمأنينة وَيُقَال فِيهِ ريح النُّصْرَة لَهُ صفرَة كوجه إِنْسَان ﴿مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى﴾ مِمَّا ترك مُوسَى يَعْنِي كِتَابه وَيُقَال ألواحه وَعَصَاهُ ﴿وَآلُ هَارُونَ﴾ مِمَّا ترك هرون رِدَاؤُهُ وعمامته ﴿تَحْمِلُهُ﴾ تسوقه ﴿الْمَلَائِكَة﴾ إِلَيْكُم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ فِي رد التابوت إِلَيْكُم ﴿لآيَةً﴾ عَلامَة ﴿لَّكُمْ﴾ أَن ملكه من الله ﴿إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ مُصدقين فَلَمَّا رد إِلَيْهِم التابوت قبلوا وَخَرجُوا مَعَه
﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ﴾ خرج طالوت ﴿بالجنود﴾ بالجيش فَأخذ يمشي بهم فِي أَرض قفرة فَأَصَابَهُمْ حر وعطش شَدِيد فطلبوا مِنْهُ المَاء قَالَ لَهُم طالوت ﴿إِنَّ الله مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ مختبركم بنهر جَار ﴿فَمَن شَرِبَ مِنْهُ﴾ من النَّهر ﴿فَلَيْسَ مِنِّي﴾ لَيْسَ معي على عدوي وَلَا يُجَاوِزهُ ﴿وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ﴾ لم يشرب مِنْهُ ﴿فَإِنَّهُ مني﴾ على عدوي ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ ﴿إِلاَّ مَنِ اغترف غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ وَإِن قَرَأت بِفَتْح الْغَيْن أَرَادَ بِهِ غرفَة وَاحِدَة فَكَانَت تكفيهم تِلْكَ الغرفة لشربهم ودوابهم وَحَملهمْ ﴿فَشَرِبُواْ مِنْهُ﴾ فَلَمَّا بلغُوا إِلَى النَّهر وقفُوا فِي النَّهر وَشَرِبُوا مِنْهُ كَيفَ شَاءُوا ﴿إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم﴾ ثلثمِائة وَثَلَاثَة عشر رجلا لم يشْربُوا إِلَّا كَمَا دلهم الله ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ﴾ يَعْنِي النَّهر ﴿هُوَ﴾ يَعْنِي طالوت ﴿وَالَّذين آمَنُواْ﴾ صدقُوا ﴿مَعَهُ قَالُواْ﴾ فِيمَا بَينهم ﴿لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْم بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذين يَظُنُّونَ﴾ يعلمُونَ ويستيقنون ﴿أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ الله﴾ معاينو الله بعد الْمَوْت ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ﴾ جمَاعَة قَليلَة من الْمُؤمنِينَ ﴿غَلَبَتْ فِئَةً﴾ جمَاعَة ﴿كَثِيرَةً﴾ من الْكَافرين ﴿بِإِذْنِ الله﴾ بنصر الله ﴿وَالله مَعَ الصابرين﴾ معِين الصابرين فِي الْحَرْب بالنصرة
﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ﴾ تصافوا ﴿لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ﴾ يَعْنِي هَؤُلَاءِ المصدقين ﴿رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً﴾ أَي أكرمنا بِالصبرِ ﴿وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾ فِي الْحَرْب ﴿وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافرين﴾ على جالوت وَجُنُوده
﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ الله﴾ بنصرة الله ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ﴾ النَّبِي ﴿جَالُوتَ﴾ الْكَافِر ﴿وَآتَاهُ الله الْملك﴾ أعْطى الله دَاوُد ملك بني إِسْرَائِيل ﴿وَالْحكمَة﴾ الْفَهم والنبوة ﴿وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ﴾ يَعْنِي الدروع ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ الله النَّاس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ كَمَا دفع بِدَاوُد شَرّ جالوت عَن بني إِسْرَائِيل ﴿لَفَسَدَتِ الأَرْض﴾ بِأَهْلِهَا يَقُول دفع الله بالنبيين عَن الْمُؤمنِينَ شَرّ أعدائهم وبالمجاهدين عَن القاعدين عَن الْجِهَاد شَرّ أعدائهم وَلَوْلَا ذَلِك لفسدت الأَرْض بِأَهْلِهَا
35
﴿وَلَكِن الله ذُو فَضْلٍ﴾ ذُو من ﴿عَلَى الْعَالمين﴾ بِالدفع
36
﴿تِلْكَ آيَاتُ الله﴾ هَذِه آيَات الله يَعْنِي الْقُرْآن بأخبار الْأُمَم الْمَاضِيَة ﴿نَتْلُوهَا عَلَيْكَ﴾ ننزل عَلَيْك جِبْرَائِيل منا ﴿بِالْحَقِّ﴾ لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل ﴿وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسلين﴾ إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس كَافَّة
﴿تِلْكَ الرُّسُل﴾ الَّذين سميناهم لَك ﴿فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ﴾ بالكرامة ﴿مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ الله﴾ وَهُوَ مُوسَى ﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ فَضَائِل هُوَ إِبْرَاهِيم اتَّخذهُ خَلِيلًا مصافياً وَإِدْرِيس رَفعه مَكَانا عليا ﴿وَآتَيْنَا﴾ أعطينا ﴿عِيسَى ابْن مَرْيَمَ الْبَينَات﴾ الْأَمر وَالنَّهْي والعجائب ﴿وَأَيَّدْنَاهُ﴾ قويناه وأعناه ﴿بِرُوحِ الْقُدس﴾ بجبرائيل الطَّاهِر ﴿وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتل﴾ مَا اخْتلف ﴿الَّذين مِن بَعْدِهِم﴾ من بعد مُوسَى وَعِيسَى ﴿مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَينَات﴾ بَيَان مَا فِي كِتَابهمْ نعت مُحَمَّد وَصفته ﴿وَلَكِن اخْتلفُوا﴾ فِي الدّين ﴿فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ﴾ بِكُل كتاب وَرَسُول ﴿وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ﴾ بالكتب وَالرسل ﴿وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقْتَتَلُوا﴾ مَا اخْتلفُوا فِي الدّين ﴿وَلَكِن الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ كَمَا يُرِيد بعباده
ثمَّ حثهم على الصَّدَقَة فَقَالَ ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من مَا رَزَقْنَاكُم﴾ تصدقوا مِمَّا أعطيناكم من الْأَمْوَال فِي سَبِيل الله ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿لاَّ بَيْعٌ فِيهِ﴾ لَا فدَاء فِيهِ ﴿وَلاَ خُلَّةٌ﴾ وَلَا مخالة ﴿وَلاَ شَفَاعَةٌ﴾ للْكَافِرِينَ ﴿والكافرون﴾ بِاللَّه ﴿هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الْمُشْركُونَ بِاللَّه
ثمَّ مدح نَفسه فَقَالَ ﴿الله لَا إِلَه إِلاَّ هُوَ الْحَيّ﴾ الَّذِي لَا يَمُوت ﴿القيوم﴾ الْقَائِم الَّذِي لَا بَدْء لَهُ ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ﴾ نُعَاس ﴿وَلاَ نَوْمٌ﴾ ثقيل فيشغله عَن تَدْبيره وَأمره ﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات﴾ من الْمَلَائِكَة ﴿وَمَا فِي الأَرْض﴾ من الْخلق ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ﴾ من أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة ﴿إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ بأَمْره ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ بَين أَيدي الْمَلَائِكَة من أَمر الْآخِرَة لمن تكون الشَّفَاعَة ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ من أَمر الدُّنْيَا ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ﴾ يَقُول لاتعلم الْمَلَائِكَة شَيْئا من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا مَا علمهمْ الله ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ يَقُول كرسيه أوسع من السَّمَوَات وَالْأَرْض ﴿وَلاَ يؤوده حِفْظُهُمَا﴾ لَا يثقل عَلَيْهِ حفظ الْعَرْش والكرسي بِغَيْر الْمَلَائِكَة ﴿وَهُوَ الْعلي﴾ أَعلَى من كل شَيْء ﴿الْعَظِيم﴾ أعظم من كل شَيْء
﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّين﴾ لَا يكره أحد على التَّوْحِيد من أهل الْكتاب وَالْمَجُوس بعد إِسْلَام الْعَرَب ﴿قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي﴾ الْإِيمَان من الْكفْر وَالْحق من الْبَاطِل ثمَّ نزلت فِي مُنْذر بن ساوي التَّمِيمِي ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت﴾ بِأَمْر الشَّيْطَان وَعبادَة الْأَصْنَام ﴿وَيْؤْمِن بِاللَّه﴾ وَبِمَا جَاءَ مِنْهُ ﴿فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى﴾ فقد أَخذ بالثقة بِلَا إِلَه إِلَّا الله ﴿لَا انفصام لَهَا﴾ لَا انْقِطَاع لَهَا وَلَا زَوَال وَلَا هَلَاك وَيُقَال لَا انْقِطَاع لصَاحِبهَا عَن نعيم الْجنَّة وَلَا زَوَال عَن الْجنَّة وَلَا هَلَاك بِالْبَقَاءِ فِي النَّار ﴿وَالله سَمِيعٌ﴾ لهَذِهِ الْمقَالة ﴿عَلِيمٌ﴾ بثوابها وَنَعِيمهَا
﴿الله وَلِيُّ الَّذين آمَنُواْ﴾ حَافظ وناصر الَّذين آمنُوا يَعْنِي عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه ﴿يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور﴾ فقد أخرجهم ووفقهم حَتَّى خَرجُوا من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان ﴿وَالَّذين كفرُوا﴾ يَعْنِي كَعْب بن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه ﴿أَوْلِيَآؤُهُمُ الطاغوت﴾ الشَّيْطَان
36
﴿يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ النُّور إِلَى الظُّلُمَات﴾ يَدعُونَهُمْ من الْإِيمَان إِلَى الْكفْر ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار﴾ أهل النَّار ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا أبدا
37
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تخبر ﴿إِلَى الَّذِي﴾ عَن الَّذِي ﴿حَآجَّ﴾ خَاصم ﴿إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ فِي دين ربه ﴿أَنْ آتَاهُ الله الْملك﴾ أعطَاهُ وَهُوَ نمْرُود بن كنعان ﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ يحيي الْبَعْث وَيُمِيت الدُّنْيَا ﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ﴾ لَهُ ائْتِنِي بِبَيَان ذَلِك قَالَ فَأتي برجلَيْن من السجْن قتل وَاحِدَة وَترك وَاحِدًا وَقَالَ هَذَا بَيَان ذَلِك قَالَ إِبْرَاهِيم ﴿فَإِنَّ الله يَأْتِي بالشمس مِنَ الْمشرق﴾ من نَحْو الْمشرق ﴿فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمغرب﴾ من نَحْو الْمغرب ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ خصم وقصم الَّذِي كفر أَي سكت بِغَيْر الْحجَّة ﴿وَالله لاَ يَهْدِي﴾ إِلَى الْحجَّة ﴿الْقَوْم الظَّالِمين﴾ الْكَافرين يَعْنِي نمْرُود
﴿أَوْ كَالَّذي مَرَّ على قَرْيَةٍ﴾ يَقُول وَإِلَى الَّذِي مر على قَرْيَة تسمى دير هِرقل وَهُوَ عَزِيز بن شرحيل مر على قَرْيَة ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ﴾ سَاقِطَة ﴿على عروشها﴾ على سقوفها ﴿قَالَ أَنى يحيي هَذِه الله بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ يَقُول كَيفَ يحيي الله أهل هَذِه الْقرْيَة بعد مَوْتهمْ ﴿فَأَمَاتَهُ الله﴾ مَكَانَهُ فَكَانَ مَيتا ﴿مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ أَحْيَاهُ فِي آخر النَّهَار قَالَ الله ﴿كم لَبِثت﴾ مكثت يَا عَزِيز ﴿قَالَ لَبِثْتُ﴾ مكثت ﴿يَوْماً﴾ ثمَّ نظر إِلَى الشَّمْس وَقد بَقِي مِنْهَا شَيْء فَقَالَ ﴿أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ﴾ الله ﴿بَل لَّبِثْتَ﴾ مكثت مَيتا ﴿ماِْئَةَ عَامٍ فَانْظُر إِلَى طَعَامِكَ﴾ التِّين وَالْعِنَب ﴿وَشَرَابِكَ﴾ الْعصير ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ لم يتَغَيَّر ﴿وَانْظُر إِلَى حِمَارِكَ﴾ إِلَى عِظَام حِمَارك كَيفَ تلوح بَيْضَاء ﴿وَلِنَجْعَلَكَ﴾ لكَي نجعلك ﴿آيَةً﴾ عَلامَة ﴿لِلنَّاسِ﴾ فِي إِحياء الْمَوْتَى أَنهم يحيون على مَا يموتون لِأَنَّهُ مَاتَ شَابًّا وَبعث شَابًّا فَيُقَال جعله عِبْرَة للنَّاس لِأَنَّهُ كَانَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة وَابْنه ابْن مائَة وَعشْرين سنة ﴿وَانْظُر إِلَى الْعِظَام﴾ عِظَام الْحمار ﴿كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ نرفع بَعْضهَا على بعض وَإِن قَرَأَ بالراء يَقُول كَيفَ نخلقها ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً﴾ بعد ذَلِك يَقُول ننبت عَلَيْهَا العصب وَالْعُرُوق وَاللَّحم وَالْجَلد وَالشعر ونجعل فِيهِ الرّوح بعد ذَلِك ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ﴾ كَيفَ يجمع الله عِظَام الْمَوْتَى ﴿قَالَ أَعْلَمُ﴾ قد علمت ﴿أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الْحَيَاة وَالْمَوْت ﴿قدير﴾
﴿وَإِذْ قَالَ﴾ وَقد قَالَ ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾ أَيْضا ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾ كَيفَ تجمع عِظَام الْمَوْتَى ﴿قَالَ أَو لم تُؤْمِن﴾ توقن بذلك ﴿قَالَ بلَى﴾ أَنا موقن ﴿وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ لتسكن حرارة قلبِي وَأعلم بِأَنِّي خَلِيلك مستجاب الدعْوَة ﴿قَالَ فَخُذْ﴾ إِلَيْك مقدم ومؤخر ﴿أَرْبَعَةً مِّنَ الطير﴾ أشتاتاً أَي مُخْتَلفا ديكا وغرابا وبطا وطاوسا ﴿فصرهن﴾ فقطعنه ﴿إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَل﴾ ثمَّ ضع ﴿على كُلِّ جَبَلٍ﴾ من أَرْبَعَة أجبل ﴿مِّنْهُنَّ جُزْءًا﴾ بَعْضًا ﴿ثُمَّ ادعهن﴾ بأسمائهن ﴿يَأْتِينَكَ سَعْياً﴾ مشياً ﴿وَاعْلَم﴾ يَا إِبْرَاهِيم ﴿أَنَّ الله عَزِيزٌ﴾ بالنقمة لمن لم يقر بإحياء الْمَوْتَى ﴿حَكِيمٌ﴾ يجمع عِظَام الْمَوْتَى وإحيائهم كَمَا جمع وَأَحْيَا هَذِه الطُّيُور
ثمَّ ذكر نَفَقَة الْمُؤمنِينَ فِي سَبِيل الله فَقَالَ ﴿مَّثَلُ الَّذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله﴾ يَقُول مثل أَمْوَال الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ﴾ أخرجت ﴿سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ﴾ مِنْهَا ﴿مِّاْئَةُ حَبَّةٍ﴾ كَذَلِك يُضَاعف نَفَقَة الْمُؤمنِينَ فِي سَبِيل الله من وَاحِد إِلَى سَبْعمِائة ﴿وَالله يُضَاعِفُ﴾ فَوق ذَلِك ﴿لِمَن يَشَآءُ﴾ لمن كَانَ أَهلا لذَلِك وَيُقَال لمن قبل مِنْهُ ﴿وَالله وَاسِعٌ﴾ بالتضعيف ﴿عَلِيمٌ﴾ بِنَفَقَة الْمُؤمنِينَ وبنياتهم
﴿الَّذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي عُثْمَان بن عَفَّان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف ﴿ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ﴾ بعد النَّفَقَة ﴿مَنّاً﴾ على الله ﴿وَلاَ أَذًى﴾ لصَاحِبهَا ﴿لَّهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ ثوابهم ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ فِي الْجنَّة ﴿وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب ﴿وَلَا هم يَحْزَنُونَ﴾ عل مَا خلفوا من خَلفهم
﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ﴾ كَلَام حسن لأخيك فِي المغيب بِالدُّعَاءِ وَالثنَاء ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ تجَاوز عَن مظْلمَة ﴿خَيْرٌ﴾ لَك وَله ﴿مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذىً﴾ تمن بهَا عَلَيْهِ وتؤذيه بذلك ﴿وَالله غَنِيٌّ﴾ عَن صَدَقَة المنان ﴿حَلِيمٌ﴾ إِذْ لم يعجل بعقوبة الْمِنَّة
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم﴾ أجر صَدقَاتكُمْ ﴿بالمن﴾ على الله مَعْنَاهُ الْعجب ﴿والأذى﴾ لصَاحِبهَا ﴿كَالَّذي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ النَّاس﴾ سمعة النَّاس ﴿وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ﴿فَمَثَلُهُ﴾ مثل صَدَقَة المنان وَصدقَة الْمُشرك ﴿كَمَثَلِ صَفْوَانٍ﴾ حجر (عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ) مطر شَدِيد ﴿فَتَرَكَهُ صَلْداً﴾ أجرد نقياً بِلَا تُرَاب ﴿لاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ﴾ على ثَوَاب شَيْء فِي الْآخِرَة ﴿مِّمَّا كَسَبُواْ﴾ أَنْفقُوا فِي الدُّنْيَا بقول لَا يجد المنان والمؤذي ثَوَاب صدقته كَمَا لَا يُوجد عل الصفوان التُّرَاب بعد مَا أَصَابَهُ الْمَطَر الشَّديد ﴿وَالله لاَ يَهْدِي﴾ لَا يثيب ﴿الْقَوْم الْكَافرين﴾ والمرائين بنفقتهم فِي الشّرك والرياء كَذَلِك المنان لَا يثيبه الله بِنَفَقَتِهِ
﴿وَمَثَلُ الَّذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ﴾ مثل أَمْوَال الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم ﴿ابتغآء مَرْضَاتِ الله﴾ طلب رضَا الله ﴿وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ تَصْدِيقًا وَحَقِيقَة ويقيناً من قُلُوبهم بالثواب ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ﴾ بُسْتَان ﴿بِرَبْوَةٍ﴾ بمَكَان مُرْتَفع مستو ﴿أَصَابَهَا وَابِلٌ﴾ مطر شَدِيد كثير ﴿فَآتَتْ أُكُلَهَا﴾ أخرجت ثَمَرهَا ﴿ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ﴾ مطر كثير ﴿فَطَلٌّ﴾ فرش مثل الرذاذ يَعْنِي الندى وَهَذَا مثل نَفَقَة الْمُؤمن إِذا كَانَ بالإخلاص والخشية قَليلَة أَو كَثِيرَة يُضَاعف ثَوَابهَا كَمَا يُضَاعف ثَمَرَة الْبُسْتَان ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ تنفقون ﴿بَصِير﴾
﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ﴾ يتَمَنَّى أحدكُم ﴿أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ﴾ بُسْتَان ﴿مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ كروم ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَار﴾ تطرد الْأَنْهَار من تَحت شَجَرهَا ومساكنها وغرفها ﴿لَهُ فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿مِن كُلِّ الثمرات﴾ من ألوان الثمرات ﴿وَأَصَابَهُ الْكبر وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ﴾ عجزة عَن الْحِيلَة ﴿فَأَصَابَهَآ﴾ يَعْنِي تِلْكَ الْجنَّة ﴿إِعْصَارٌ﴾ يَعْنِي ريح حَار أَو بَارِد ﴿فِيهِ نَارٌ فاحترقت كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الْآيَات﴾ العلامات بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ لكَي تَتَفَكَّرُوا فِي أَمْثَال الْقُرْآن وَهَذَا مثل الْكَافرين فِي الْآخِرَة يكونُونَ بِلَا حِيلَة وَلَا رُجُوع إِلَى الدُّنْيَا كَمَا أَن هَذَا الْكَبِير بَقِي بِلَا حِيلَة وَلَا رُجُوع إِلَى قوته وشبابه
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ﴾ من حلالات ﴿مَا كَسَبْتُمْ﴾ مَا جمعتم من الذَّهَب وَالْفِضَّة ﴿وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْض﴾ من النَّبَات يَعْنِي الْحُبُوب وَالثِّمَار ﴿وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبيث﴾ لَا تعمدوا إِلَى الرَّدِيء من أَمْوَالكُم ﴿مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ﴾ بقابلية يَعْنِي الرَّدِيء إِذا كَانَ لكم حق على صَاحبكُم
38
﴿إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ﴾ تتغمضوا فِيهِ وتتركوا بعض حقكم كَذَلِك لَا يقبل الله الرَّدِيء مِنْكُم ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ الله غَنِيٌّ﴾ عَن نفقاتكم ﴿حَمِيدٌ﴾ مَحْمُود فِي فعاله وَيُقَال يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي الجزيل نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل بِالْمَدِينَةِ صَاحب الحشف
39
﴿الشَّيْطَان يَعِدُكُمُ الْفقر﴾ يخوفكم الْفقر عِنْد الصَّدَقَة ﴿وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء﴾ بِمَنْع الزَّكَاة ﴿وَالله يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِنْهُ﴾ لذنوبكم بأعطاء الزَّكَاة ﴿وفضلا﴾ خلفا وثوبا فِي الْآخِرَة ﴿وَالله وَاسِعٌ﴾ بالخلف وَالْمَغْفِرَة للذنوب ﴿عَلِيمٌ﴾ بنياتكم وصدقاتكم
ثمَّ ذكر كرامته فَقَالَ ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَة مَن يَشَاء﴾ يَعْنِي النُّبُوَّة لمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَيُقَال تَفْسِير الْقُرْآن وَيُقَال إِصَابَة القَوْل وَالْفِعْل والرأي ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَة﴾ إِصَابَة القَوْل وَالْفِعْل والرأي ﴿فَقَدْ أُوتِيَ﴾ أعطي ﴿خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ﴾ يتعظ بأمثال الْقُرْآن وَالْحكمَة ﴿إِلاَّ أُوْلُواْ الْأَلْبَاب﴾ ذَوُو الْعُقُول من النَّاس
﴿وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ﴾ فِي سَبِيل الله ﴿أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ﴾ فِي طَاعَة الله فوفيتم بِهِ ﴿فَإِنَّ الله يَعْلَمُهُ﴾ يقبله إِذا كَانَ لله ويثيب عَلَيْهَا ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ﴾ للْمُشْرِكين ﴿مِنْ أَنْصَارٍ﴾ من مَانع من عَذَاب الله
ثمَّ ذكر صَدَقَة السِّرّ وَالْعَلَانِيَة لقَولهم أَيهمَا أفضل فَقَالَ ﴿إِن تُبْدُواْ﴾ إِن تظهروا ﴿الصَّدقَات﴾ الْوَاجِبَة ﴿فَنِعِمَّا هِيَ﴾ فَنعم شَيْئا هِيَ ﴿وَإِن تُخْفُوهَا﴾ تسروها يَعْنِي التَّطَوُّع ﴿وَتُؤْتُوهَا﴾ تعطوها ﴿الفقرآء﴾ أَصْحَاب الصّفة ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من الْعَلَانِيَة وَكِلَاهُمَا مَقْبُول مِنْكُم ﴿وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ﴾ ذنوبكم بِقدر صَدقَاتكُمْ ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ تعطون من الصَّدَقَة {خَبِيرٌ
! ثمَّ رخص الصَّدَقَة على فُقَرَاء أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين لقَولهم أَيجوزُ لنا يَا رَسُول الله أَن نصدق على ذَوي قرابتنا من غير أهل ديننَا سَأَلت عَن ذَلِك أَسمَاء بنت أبي بكر وَيُقَال بنت أبي النَّضر فَقَالَ الله لنَبيه ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ فِي الدّين هدى فُقَرَاء أهل الْكتاب ﴿وَلَكِن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾ لدينِهِ ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ﴾ من مَال على الْفُقَرَاء ﴿فَلأَنفُسِكُمْ﴾ ثَوَاب ذَلِك ﴿وَمَا تُنفِقُونَ﴾ على الْفُقَرَاء فَلَا تنفقون ﴿إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ الله﴾ طلب مرضاة الله ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ﴾ من مَال على فُقَرَاء أَصْحَاب الصّفة ﴿يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ يوفر إِلَيْكُم ثَوَاب ذَلِك فِي الْآخِرَة ﴿وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ لَا ينقص من حسناتكم وَلَا يُزَاد على سَيِّئَاتكُمْ
﴿لِلْفُقَرَآءِ الَّذين أُحصِرُواْ﴾ يَقُول إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء الَّذين حبسوا أنفسهم ﴿فِي سَبِيلِ الله﴾ فِي طَاعَة الله فِي مَسْجِد الرَّسُول وهم أَصْحَاب الصّفة ﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً﴾ سيراً ﴿فِي الأَرْض﴾ بِالتِّجَارَة ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِل﴾ لَا يعرفهُمْ ﴿أَغْنِيَآءَ مِنَ التعفف﴾ من التجمل ﴿تَعْرِفُهُم﴾ يَا مُحَمَّد ﴿بِسِيمَاهُمْ﴾ بحليتهم ﴿لاَ يَسْأَلُونَ النَّاس إِلْحَافاً﴾ يَقُول إلحاحاً وَلَا غير إلحاح ﴿وَمَا تُنفِقُواْ﴾ على فُقَرَاء أَصْحَاب الصّفة ﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ من مَال ﴿فَإِنَّ الله بِهِ﴾ بِالْمَالِ وبنياتكم ﴿عَلِيمٌ﴾
﴿الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم﴾ فِي الصَّدَقَة ﴿بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سِرّاً﴾ فِي السِّرّ ﴿وَعَلاَنِيَةً﴾ فِي الْعَلَانِيَة ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ ثوابهم ﴿عِندَ رَبِّهِمْ﴾ فِي الْجنَّة ﴿وَلَا خوف عَلَيْهِم﴾ بالدوام ﴿وَلَا هم يَحْزَنُونَ﴾ إِذا حزن غَيرهم نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَليّ بن أبي طَالب
ثمَّ ذكر عُقُوبَة آكل الرِّبَا فَقَالَ ﴿الَّذين يَأْكُلُونَ الرِّبَا﴾ استحلالاً ﴿لاَ يَقُومُونَ﴾ من قُبُورهم يَوْم الْقِيَامَة ﴿إِلاَّ كَمَا يَقُومُ﴾ فِي الدُّنْيَا
39
﴿الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ﴾ يتخبله ﴿الشَّيْطَان مِنَ الْمس﴾ من الْجُنُون ﴿ذَلِكَ﴾ التخبل عَلامَة آكل الرِّبَا فِي الْآخِرَة ﴿بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البيع مِثْلُ الرِّبَا﴾ الزِّيَادَة فِي آخر البيع بَعْدَمَا حل الْأَجَل كالزيادة فِي أول البيع إِذا بعث بِالنَّسِيئَةِ ﴿وَأَحَلَّ الله البيع﴾ الزِّيَادَة الأولى ﴿وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ الزِّيَادَة الْأَخِيرَة ﴿فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ﴾ نهي من ربه عَن الرِّبَا ﴿فَانْتهى﴾ عَن الرِّبَا ﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مَا مضى قبل التَّحْرِيم ﴿وَأَمْرُهُ﴾ فِيمَا بَقِي من عمره ﴿إِلَى الله﴾ إِن شَاءَ عصمه وَإِن شَاءَ خذله ﴿وَمَنْ عَادَ﴾ بعد التَّحْرِيم إِلَى قَوْله إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا ﴿فَأُولَئِك أَصْحَاب النَّار﴾ أهل النَّار ﴿هم فِيهَا خَالدُونَ﴾ دائمون إِلَى مَا شَاءَ الله إِذا كَانُوا مُخلصين
40
﴿يَمْحَقُ الله الرِّبَا﴾ يهْلك وَيذْهب ببركته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ﴿وَيُرْبِي﴾ يقبل ويضاعف ﴿الصَّدقَات﴾ الْوَاجِبَة والتطوع إِذا كَانَ لله ﴿وَالله لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ﴾ كَافِر جَاحد بِتَحْرِيم الرِّبَا ﴿أَثِيمٍ﴾ فَاجر بِأَكْلِهِ
﴿إِنَّ الَّذين آمَنُواْ﴾ بِاللَّه وَرُسُله وَكتبه وبتحريم الرِّبَا ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَتركُوا الرِّبَا ﴿وَأَقَامُواْ الصَّلَاة﴾ أَتموا الصَّلَوَات الْخمس بِمَا يجب فِيهَا ﴿وَآتَوُاْ الزَّكَاة﴾ أعْطوا زَكَاة أَمْوَالهم ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ ثوابهم ﴿عِندَ رَبِّهِمْ﴾ فِي الْجنَّة ﴿وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ إِذا ذبح الْمَوْت ﴿وَلَا هم يَحْزَنُونَ﴾ إِذا أطبقت النَّار
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ يَعْنِي ثقيفا ومسعودا وخبيبا وَعبد يَا ليل وَرَبِيعَة ﴿اتَّقوا الله﴾ اخشوا الله فِي الرِّبَا ﴿وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ اتْرُكُوا مَا بَقِي لكم من الرِّبَا على بني مَخْزُوم ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ إِذا كُنْتُم مُصدقين بِتَحْرِيم الرِّبَا
﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ﴾ لم تتركوا الرِّبَا ﴿فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ﴾ فَاسْتَعدوا للعذاب من الله فِي الْآخِرَة بالنَّار وَالْعَذَاب من رَسُوله فِي الدُّنْيَا بِالسَّيْفِ ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ﴾ من الرِّبَا ﴿فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ الَّتِي لكم على بني مَخْزُوم ﴿لاَ تَظْلِمُونَ﴾ على أحد إِذا لم تَطْلُبُوا الزِّيَادَة ﴿وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾ لَا يظلمكم أحد إِذا أعطوكم رُءُوس أَمْوَالكُم وَيُقَال لَا تظْلمُونَ لَا تنقصون وَلَا تظْلمُونَ لَا تنقصون بديونكم
﴿وَإِن كَانَ﴾ بديونكم بني مَخْزُوم ﴿ذُو عُسْرَةٍ﴾ شدَّة ﴿فَنَظِرَةٌ﴾ فأجلوهم ﴿إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ إِلَى أَن يتيسروا ﴿وَأَن تَصَدَّقُواْ﴾ عَلَيْهِم برؤوس أَمْوَالكُم فَهُوَ ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من الْأَخْذ وَالتَّأْخِير ﴿إِن كُنْتُمْ﴾ إِذْ كُنْتُم ﴿تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك
﴿وَاتَّقوا يَوْماً﴾ اخشوا عَذَاب يَوْم ﴿تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ توفى﴾ توفر ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ برة وفاجرة ﴿مَّا كَسَبَتْ﴾ مَا عملت من خير أَو شَرّ ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم
ثمَّ علمهمْ مَا يَنْبَغِي لَهُم فِي معاملتهم فَقَالَ ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِاللَّه وَالرَّسُول ﴿إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ إِلَى وَقت مَعْلُوم ﴿فاكتبوه﴾ يَعْنِي الدّين ﴿وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ﴾ بَين الدَّائِن والمديون ﴿كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾ بِالْقِسْطِ ﴿وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ﴾ بَين الدَّائِن والمديون (كَمَا عَلَّمَهُ الله) الْكِتَابَة (فَلْيَكْتُبْ) بِلَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان الْكتاب ﴿وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق﴾ وليملل أَي ليبين الْمَدْيُون على الْكَاتِب مَا عَلَيْهِ من الدّين ﴿وَلْيَتَّقِ الله رَبَّهُ﴾ وليخش الْمَدْيُون ربه ﴿وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً﴾ وَلَا ينقص مِمَّا عَلَيْهِ من الدّين شَيْئا فِي الْإِمْلَاء ﴿فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق﴾ يَعْنِي الْمَدْيُون
40
سَفِيهاً) جَاهِلا بالإملاء ﴿أَوْ ضَعِيفاً﴾ عَاجِزا بالإملاء ﴿أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ﴾ لَا يحسن ﴿أَن يُمِلَّ هُوَ﴾ على الْكَاتِب ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ﴾ ولي المَال وَهُوَ الدَّائِن ﴿بِالْعَدْلِ﴾ بِلَا زِيَادَة ﴿واستشهدوا﴾ على حقوقكم ﴿شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ﴾ من أحراركم حُرَّيْنِ مُسلمين مرضين ﴿فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدآء﴾ من أهل الثِّقَة بِالشَّهَادَةِ ﴿أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا﴾ أَن تنسى إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ ﴿فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا﴾ الَّتِي لم تنس الشَّهَادَة ﴿الْأُخْرَى﴾ الَّتِي نسيت ﴿وَلاَ يَأْبَ الشهدآء﴾ عَن إِقَامَة الشَّهَادَة ﴿إِذَا مَا دُعُواْ﴾ إِلَى الْحُكَّام ﴿وَلاَ تسأموا﴾ لَا تملوا ﴿أَن تَكْتُبُوهُ﴾ أَن لَا تكتبوه يَعْنِي الدّين ﴿صَغِيراً أَو كَبِيراً﴾ قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا ﴿إِلَى أَجَلِهِ﴾ إِلَى وقته ﴿ذَلِكُمْ﴾ الَّذِي ذكرت لكم من الْكِتَابَة للدّين ﴿أقسط عِنْد الله﴾ اصوب وَأَعْدل عِنْد لله ﴿وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ﴾ أبين للشَّاهِد بِالشَّهَادَةِ إِذا نسي ﴿وَأدنى﴾ أَحْرَى لكم ﴿أَلاَّ ترتابوا﴾ تَشكوا بِالدينِ وَالْأَجَل ﴿إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً﴾ حَالَة ﴿تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ يدا بيد ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ حرج ﴿أَن تكتبوه﴾ يَعْنِي التِّجَارَة ﴿وَأشْهدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ بالأجل ﴿وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ﴾ بِالْكِتَابَةِ ﴿وَلاَ شَهِيدٌ﴾ بِالشَّهَادَةِ أَي لَا تجبروهما على ذَلِك ﴿وَإِن تَفْعَلُواْ﴾ الضرار ﴿فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ مَعْصِيّة مِنْكُم ﴿وَاتَّقوا الله﴾ أَي اخشوا الله فِي الضرار ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ الله﴾ مَا يصلح لكم فِي الْمُعَامَلَة ﴿وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من صلاحكم وَغَيره ﴿عَلِيمٌ﴾
41
﴿وَإِن كُنتُمْ على سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً﴾ أَو آلَة الْكِتَابَة ﴿فرهان مَقْبُوضَة﴾ فليقرض الدَّائِن من الْمَدْيُون رهنا بِدِينِهِ ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً﴾ بِالدينِ بِلَا رهن ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤتمن﴾ بِالدينِ ﴿أَمَانَتَهُ﴾ حق صَاحبه ﴿وَلْيَتَّقِ الله رَبَّهُ﴾ وليخش الْمَدْيُون فِي أَدَاء الدّين ﴿وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَة﴾ عِنْد الْحُكَّام ﴿وَمَن يَكْتُمْهَا﴾ يَعْنِي الشَّهَادَة ﴿فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ فَاجر قلبه ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من كتمان الشَّهَادَة وإقامتها ﴿عَلِيمٌ﴾
﴿للَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض﴾ من الْخلق والعجائب يَأْمر عباده بِمَا يَشَاء ﴿وَإِن تُبْدُواْ﴾ تظهروا ﴿مَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ مَا فِي قُلُوبكُمْ وَهُوَ حَدِيث النَّفس بعد الوسوسة قبل الإبداء ﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾ تسروه ﴿يُحَاسِبْكُمْ﴾ يجازِكم ﴿بِهِ الله﴾ وَكَذَلِكَ النسْيَان بعد الذّكر وَالْخَطَأ بعد الصَّوَاب والاستكراه بعد الِاجْتِهَاد ﴿فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ﴾ لمن تَابَ من سَائِر الذُّنُوب ﴿وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ﴾ من لم يتب ﴿وَالله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الْمَغْفِرَة وَالْعَذَاب ﴿قَدِيرٌ﴾ فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة اشْتَدَّ على الْمُؤمنِينَ مَا فِي هَذِه الْآيَة
فَلَمَّا عرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السَّمَاء سجد لرَبه فَقَالَ الله مدحاً لنَبيه ﴿آمن الرَّسُول﴾ صدق الرَّسُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن وَمَا فِيهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبارَة عَن الله ﴿والمؤمنون كُلٌّ﴾ أَي كل وَاحِد مِنْهُم (آمَنَ بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
41
﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾ يَقُولُونَ لَا نكفر بِأحد من رسله ﴿وَقَالُوا﴾ أَيْضا ﴿سَمِعْنَا﴾ قَول رَبنَا ﴿وَأَطَعْنَا﴾ أَمر رَبنَا أَي سمعا وَطَاعَة لربنا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿غُفْرَانَكَ﴾ نَسْأَلك الْمَغْفِرَة عَن حَدِيث النَّفس ﴿رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿وَإِلَيْكَ الْمصير﴾ الْمرجع بعد الْمَوْت
42
فَقَالَ الله ﴿لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً﴾ من الطَّاعَة ﴿إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ إِلَّا طاقتها ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ من الْخَيْر وَترك حَدِيث النَّفس وَالنِّسْيَان وَالْخَطَأ والاستكراه ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت﴾ من الشَّرّ وَحَدِيث النَّفس وَالنِّسْيَان وَالْخَطَأ والاستكراه ثمَّ علمهمْ كَيفَ يدعونَ رَبهم حَتَّى يرفع عَنْهُم حَدِيث النَّفس وَالْخَطَأ وَالنِّسْيَان والاستكراه فَقَالَ لَهُم قُولُوا ﴿رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ﴾ طَاعَتك ﴿أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ فِي أَمرك ﴿رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً﴾ عهد تحرم علينا الطَّيِّبَات بتركنا ذَلِك ﴿كَمَا حَمَلْتَهُ﴾ حرمته ﴿عَلَى الَّذين مِن قَبْلِنَا﴾ من بني إِسْرَائِيل بنقضهم عَهْدك فِي الطَّيِّبَات لُحُوم الْإِبِل وشحوم الْبَقر وَغير ذَلِك ﴿رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿وَلاَ تُحَمِّلْنَا﴾ أَي لَا تحمل علينا أَيْضا ﴿مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ مَا لَا رَاحَة لنا فِيهِ وَلَا مَنْفَعَة وَهُوَ الاستكراه ﴿واعف عَنَّا﴾ ذَلِك ﴿واغفر لَنَا﴾ ذَلِك ﴿وارحمنآ﴾ بذلك ﴿أَنتَ مَوْلاَنَا﴾ أولى بِنَا ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافرين﴾ وَيُقَال واعف عَنَّا من المسخ كَمَا مسخت قوم عِيسَى واغفر لنا من الْخَسْف كَمَا خسفت بقارون وارحمنا من الْقَذْف كَمَا قذفت قوم لوط فَلَمَّا دعوا بِهَذَا الدُّعَاء رفع الله عَنْهُم حَدِيث النَّفس وَالنِّسْيَان وَالْخَطَأ والاستكراه وَعَفا عَنْهُم من الْخَسْف وَالْمَسْخ وَالْقَذْف وَلمن اتبعهم بذلك
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا آل عمرَان وَهِي كلهَا مَدَنِيَّة آياتها مِائَتَا آيَة وكلماتها ثَلَاث آلَاف وَأَرْبَعمِائَة وَسِتُّونَ وحروفها أَرْبَعَة عشر ألفا وَخَمْسمِائة وَخمْس وَعِشْرُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى
Icon