تفسير سورة النّور

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة النور من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
الربع الأخير من الحزب الخامس والثلاثين في المصحف الكريم
سورة النور

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه السورة مدنية باتفاق، وسميت " سورة النور " لكثرة ذكر النور فيها، فقد جاء ضمن آياتها قوله تعالى :﴿ الله نور السموات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ﴾ [ ٥٣ ]، وقوله تعالى :﴿ نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء ﴾، [ ٥٣ ]، وقوله تعالى :﴿ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ﴾ [ ٤٠ ].
ومن دقق النظر في موقع سورة النور بعد سورة الإيمان لا يصعب عليه أن يكتشف المناسبة الموجودة بين السورتين، فقد سبق في سورة المؤمنين المفلحين وصفهم بأنهم ﴿ لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ﴾ [ الآيات : ٥، ٦، ٧ ] كما سبق فيها ما يشير إلى وصف أعداء الإيمان وخصوم الرسالة الإلهية، في الجاهلية وما قبلها، بممارسة عدة أعمال فاحشة لا يرضى عنها الطبع السليم، ولا الشرع القويم، حيث قال تعالى في شأنهم ووصف أعمالهم على وجه الإجمال :﴿ بل قلوبهم في غمرة من هذا، ولهم أعمال من دون ذلك، هم لها عاملون ﴾ [ الآية : ٦٤ ]، وفي طليعة تلك الأعمال المنكرة ممارسة الزنى والتبرج، اللذين لا يتصور معهما إحصان ولا عفاف، فجاءت سورة النور تضع النقط على الحروف، وتبين " آياتها البينات " أسس التربية الخلقية والاجتماعية النظيفة، التي يجب ان يقوم عليها المجتمع الإسلامي والأسرة المسلمة، بصفها الخلية الأولى وحجر الزاوية في بناء ذلك المجتمع، حتى يقضى على الخصال الجاهلية، والمفاهيم الوثنية غير الأخلاقية، قضاء مبرما.
وهكذا أشهرت " سورة النور " الحرب على الزنى وما ألحق به، سواء كان عن طواعية أو إكراه، وحددت طريقة الزواج المشروع وما يلزم اتباعه في شأنه بالنسبة للفقراء والأيامى، وملك اليمين، وأحاطت عرض الأزواج بأكبر الضمانات، حتى لا يلغ أحد في عرض أحد، وبينت الإجراءات الاستثنائية التي يلزم اتخاذها عند صدور القذف من نفس الزوج في عرض زوجته، وبهذه المناسبة تعرضت في عدة آيات لقصة الإفك التي اختلقها المنافقون، وروجوها للقذف في عائشة أم المؤمنين، ثم ما أنزل الله في براءتها ولعن المنافقين، ووصفهم المشين، كما قررت سورة النور حرمة المساكن والبيوت، ومنع دخولها وانتهاك حرمتها للاطلاع على دخائلها، ونصت على طريقة الاستيذان للدخول في البيت، وأوجبت الاستيذان في فترات الخلوة اليومية على أعضاء العائلة أنفسهم ولو كانوا صغارا، ووصفت جملة من الآداب في الزينة واللباس تحافظ عليها المرأة عند الاتصال بمحارمها فضلا عن غيرهم، ولم تهمل آداب الضيافة عند اجتماع ذوي القربى وأصدقائهم حول مائدة واحدة، ولعل هذه المعاني، مجتمعة، هي التي أوحت إلى القرطبي أن يقول : " مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر ". وإلى ما فصلته في هذا المجال من واجبات، وما حضت على اجتنابه من محرمات، وما أذنت به من مباحات، نصت على الحرمة الخاصة والقداسة البالغة التي تتمتع بها بيوت الله لشرف نسبتها إليه، وأعطت للمؤمنين درسا عمليا في آداب مجالسة رسول الله والحديث معه والنداء عليه، وآداب الانصراف من مجلسه الشريف، بعد الاجتماع به والجلوس بين يديه، صلوات الله وسلامه عليه، وتخللت سورة النور آيات كريمة تبرز عجائب صنع الله، مما يذكر بجلاله وعظمته، وقدرته وحكمته، وختمت بتقرير عقيدة ثابتة لا سبيل إلى تجاهلها أو إنكارها، ﴿ ألا إن لله ما في السموات والأرض ﴾ [ الآية : ٦٤ ].

ونظرا لما للموضوعات الرئيسية التي عالجتها هذه السورة بتفصيل، من أهمية بالغة في تنظيم الأسرة المسلمة والمجتمع الإسلامي، وما يعلق عليها الإسلام من نتائج حاسمة بالنسبة لاستمرار وجوده، والحفاظ على كيانه، افتتح كتاب الله هذه السورة بقوله :﴿ بسم الله الرحمن الرحيم سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون ﴾ مما جعل عمر بن الخطاب وعائشة رضي الله عنهما يأمران بتلقين هذه السورة للنساء، حتى تتشبع نفوسهن بما فيها من توجيهات أخلاقية واجتماعية.
ثم شرع كتاب الله فورا في بيان الحكم الصارم الذي شرعه لمقاومة الزنى والقضاء عليه، فقال تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾، و " الجلد " معناه إصابة الجلد بالضرب، ولم تتعرض الآية لهيئة الجالد ولا لهيئة المجلود، ولا لمحل الجلد، ولا لصفة الآلة المجلود بها، وتركت ذلك للسنة والاجتهاد، واتفق العلماء على أن الجلد يكون بالسوط، بشرط أن لا يكون السوط شديدا ولا لينا، وإنما بين بين، اعتمادا على حديث رواه مالك في المطأ مرسلا عن زيد ابن أسلم، ويطبق حكم الجلد على الزاني إذا كان بكرا لم يتزوج بعد، أما المحصن وهو الحر البالغ العاقل الذي قد وطئ في نكاح صحيح فقد اتفق فقهاء الأمصار على أنه يرجم بدلا من أن يجلد، اعتمادا على آية الرجم التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها. ثم قال تعالى :﴿ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ﴾، إشارة إلى وجوب تنفيذ هذه العقوبة كاملة، متى كانت شروطها متوافرة، وحضا على عدم النقص من قدرها فضلا عن تعطيلها بالمرة، لأن الإخلال بها إخلال بدين الله وشرعه النافذ، والمطالب بتنفيذ عقوبة الجلد هو إمام المسلمين ومن ينوب عنه، لا عامة الناس، وسعيا في التأثير على غير الزاني والزانية، حتى لا يقع فيما وقعا فيه، وتشهيرا بهذه الجريمة النكراء، وتنفيرا منها، قال تعالى :﴿ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ﴾.
وأشار كتاب الله إلى أن المؤمن الصالح لا يرتضي لنطفته وذريته إلا الصوالح من النساء، كما أن المؤمنة الصالحة لا ترتضي لعشرتها الزوجية إلا الصالحين من الرجال، بحيث لا يتصور إقبال المؤمنين والمؤمنات على التزوج بالزناة والزانيات، لما في ذلك من مفاسد وأخطار، وآثام وأوزار، وإنما يتصور وقوع هذا النوع من الزواج والرضا به من طرف الفجار والمشركين وحدهم، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ﴾.
وحرصا على حفظ عرض المؤمنات المحصنات، حتى لا يلطخ بسوء، هدد كتاب الله من يتجرأ على قذفهن بالزنى ولم يشهد معه أربعة شهود، بعقوبة الجلد ثمانين جلدة، وبرفض شهادته باستمرار، وباعتباره من الفساق غير العدول، تغليظا لشأن القذف، وردعا عنه بكل حزم وشدة، وذلك قوله تعالى :﴿ والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ﴾
﴿ إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ﴾، ولا خلاف في أن التوبة تسقط الفسق، قال الإمام القشيري : " العقوبة على الزنى شديدة أكيدة، ولكن الله جعل إثبات أمره، وتقرير حكمه، والقطع بكونه على أكثر الناس خصلة عسيرة بعيدة، إذ لا تقبل الشهادة عليه حتى يقول : رأيت ذلك منه في ذلك منها. وذلك أمر ليس بالهين، فسبحان من أعظم العقوبة على تلك الفعلة الفحشاء، ثم جعل الأمر في إثباتها بغاية الكد والعناء ". وقال أبو بكر ( ابن العربي ) المعافري : " كثر الله عدد الشهود في الزنى، على سائر الحقوق، رغبة في الستر على الخلق ".
وعندما يشتد الأمر، ويكون قذف الزوجة بالزنى صادرا عن زوجها نفسه لا عن غيره، دون ان يشهد معه شهود، ينظر في هذه التهمة الخطيرة، على أساس أن يشهد الزوج بالله أربع مرات على صدقه في قذف زوجته بالزنى، وفي الخامسة يشهد أنه يستحق لعنة الله إن كان كاذبا، وبذلك يبرأ من حد القذف، ولا ينسب إليه الولد، ثم تشهد الزوجة بالله أربع مرات على كذبه فيما رماها به، وفي الخامسة تشهد أنها تستحق غضب الله إن كان زوجها صادقا، وبذلك تبرأ من حد الزنى، ويفرق بينهما فلا يجتمعان أبدا ولا يتوارثان، وجرت السنة على أن ابنها في هذه الحالة يدعى إلى أمه ويرثها، كما أنها ترثه، وهذا الحكم المعروف " باللعان " هو الذي شرعه الله في قوله تعالى هنا :﴿ والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ﴾
ثم عقب كتاب الله على ذلك بقوله :﴿ ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم ﴾ قال الإمام القشيري : " أي ولولا فضل الله عليكم ورحمته لبقيتم في هذه الواقعة المعضلة، ولم تهتدوا للخروج من هذه الحالة المشكلة، إذ من الذي يهتدي لمثل هذا الحكم، لولا تعريف سماوي، وأمر نبوي، من الوحي متلقاه، ومن الله مبتداه وإليه منتهاه ؟ ".
وانتقل كتاب الله من الحديث عن القذف الصادر من الأباعد ومن الأقارب، وبيان الحكم الشرعي المطلوب تطبيقه على صوره المختلفة، إلى الحديث عن أكبر وأخطر قذف قام به المنافقون في تاريخ الإسلام، وذلك في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عند منصرفها من إحدى الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ووصولها متأخرة عن موكبه، بسبب اضطرارها إلى الوقوف عن السير، لقضاء حاجتها والبحث، عن عقد نفيس ضاع لها، وقصة هذا القذف هي المعروفة " بقصة الإفك "، والإفك أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء، والبهتان الذي لا تشعر به حتى يفاجئك، والذي تولى كبره هو زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، وقد برأها الله مما قذفها به المنافقون، كما برأ مريم العذراء مما قذفها به اليهود المغرضون، وأقيم حد القذف الشرعي على من روج هذا البهتان العظيم، فقال تعالى :﴿ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ﴾.
ووجه كتاب الله الخطاب إلى فريق من ضعفاء المؤمنين الذين أثرت في نفوسهم بعض التأثير إشاعة عصبة الإفك والنفاق، يعاتبهم ويبين لهم الموقف السليم الذي يجب أن يقفوه من مثل هذه الإشاعات الملفقة، التي يتحتم البحث عن مصدرها، والغرض المقصود منها، والتحري عنها من جميع الوجوه. ونفس هذا الخطاب موجه إلى جميع المؤمنين، بالنسبة لقصة الإفك ولجميع قصص الإفك الأخرى، التي يمكن أن تصدر عن أعداء الإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان، فقال تعالى :﴿ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:ووجه كتاب الله الخطاب إلى فريق من ضعفاء المؤمنين الذين أثرت في نفوسهم بعض التأثير إشاعة عصبة الإفك والنفاق، يعاتبهم ويبين لهم الموقف السليم الذي يجب أن يقفوه من مثل هذه الإشاعات الملفقة، التي يتحتم البحث عن مصدرها، والغرض المقصود منها، والتحري عنها من جميع الوجوه. ونفس هذا الخطاب موجه إلى جميع المؤمنين، بالنسبة لقصة الإفك ولجميع قصص الإفك الأخرى، التي يمكن أن تصدر عن أعداء الإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان، فقال تعالى :﴿ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:ووجه كتاب الله الخطاب إلى فريق من ضعفاء المؤمنين الذين أثرت في نفوسهم بعض التأثير إشاعة عصبة الإفك والنفاق، يعاتبهم ويبين لهم الموقف السليم الذي يجب أن يقفوه من مثل هذه الإشاعات الملفقة، التي يتحتم البحث عن مصدرها، والغرض المقصود منها، والتحري عنها من جميع الوجوه. ونفس هذا الخطاب موجه إلى جميع المؤمنين، بالنسبة لقصة الإفك ولجميع قصص الإفك الأخرى، التي يمكن أن تصدر عن أعداء الإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان، فقال تعالى :﴿ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:ووجه كتاب الله الخطاب إلى فريق من ضعفاء المؤمنين الذين أثرت في نفوسهم بعض التأثير إشاعة عصبة الإفك والنفاق، يعاتبهم ويبين لهم الموقف السليم الذي يجب أن يقفوه من مثل هذه الإشاعات الملفقة، التي يتحتم البحث عن مصدرها، والغرض المقصود منها، والتحري عنها من جميع الوجوه. ونفس هذا الخطاب موجه إلى جميع المؤمنين، بالنسبة لقصة الإفك ولجميع قصص الإفك الأخرى، التي يمكن أن تصدر عن أعداء الإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان، فقال تعالى :﴿ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:ووجه كتاب الله الخطاب إلى فريق من ضعفاء المؤمنين الذين أثرت في نفوسهم بعض التأثير إشاعة عصبة الإفك والنفاق، يعاتبهم ويبين لهم الموقف السليم الذي يجب أن يقفوه من مثل هذه الإشاعات الملفقة، التي يتحتم البحث عن مصدرها، والغرض المقصود منها، والتحري عنها من جميع الوجوه. ونفس هذا الخطاب موجه إلى جميع المؤمنين، بالنسبة لقصة الإفك ولجميع قصص الإفك الأخرى، التي يمكن أن تصدر عن أعداء الإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان، فقال تعالى :﴿ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:ووجه كتاب الله الخطاب إلى فريق من ضعفاء المؤمنين الذين أثرت في نفوسهم بعض التأثير إشاعة عصبة الإفك والنفاق، يعاتبهم ويبين لهم الموقف السليم الذي يجب أن يقفوه من مثل هذه الإشاعات الملفقة، التي يتحتم البحث عن مصدرها، والغرض المقصود منها، والتحري عنها من جميع الوجوه. ونفس هذا الخطاب موجه إلى جميع المؤمنين، بالنسبة لقصة الإفك ولجميع قصص الإفك الأخرى، التي يمكن أن تصدر عن أعداء الإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان، فقال تعالى :﴿ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين ﴾
وندد كتاب الله في ختام هذا الربع بالذين يجدون لذة في ترويج أقوال السوء، ونشر الإشاعات الباطلة عن صالحي المؤمنين، لبلبلة الأفكار ونهش الأعراض، وهددهم بالعذاب الأليم في الدنيا، وهو العقوبة المترتبة على القذف بسائر أنواعه، وبالعذاب في الآخرة وهو عذاب النار، فقال تعالى :﴿ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ﴾ أي هو وحده الذي يعلم مقدار عظم هذا الذنب وانعكاساته على الأفراد والجماعات، وإلى أي حد من الأذى يمكن أن يصل، فردوا الأمور إليه تهتدوا.
وأخيرا جدد الحق سبحانه وتعالى منته على من وقعوا في المحظور، حيث فتح في وجوههم من الرأفة والتوبة أوسع باب، حتى لا يعاجلهم بالعقاب، فقال تعالى :﴿ ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم ﴾.
الربع الأول من الحزب السادس والثلاثين في المصحف الكريم
بعد ان عالج كتاب الله في الربع الماضي قصة الإفك والبهتان العظيم التي لفقها المنافقون، وألقى عليها وعلى بواعثها وانعكاساتها ونتائجها الأضواء الكاشفة، وحذر عامة المؤمنين من الوقوع في شرك الإشاعات الباطلة كيفما كان مصدرها، ورسم لهم طريق مواجهتها ومقاومتها للقضاء عليها في المهد، وجه إليهم الخطاب مرة أخرى في بداية هذا الربع، محذرا إياهم في هذا الموقف وجميع المواقف، من الانقياد للشيطان والسير في ركابه واتباع خطواته، مبينا من جديد أن الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، ويوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس، لا يقود من وثق به، ولا يجر من اتبعه إلا إلى التلبس بالفواحش وممارسة المناكر، فهو دليل شر لا قائد خير، وهو قرين سوء وفساد، لا رفيق هدى ورشاد، وإلى ذلك يشير قوله تعالى هنا :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ﴾.
وبين كتاب الله أن صلاح الصالحين وتقوى المتقين من عباده المؤمنين، لا يتم لأحد منهم على الوجه الأكمل، إلا بتوفيق الله ومعونته، وفضله ورحمته، فقد خلق الإنسان ضعيفا ميالا للشهوات، معرضا لتأثير كثير من النزغات والنزوات ﴿ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم ﴾.
وحض كتاب الله من كان في سعة من الرزق، واستوفى حاجته وحاجة عياله، على أن يبادر إلى إسعاف المحاجين، بما فضل عن التزاماته العائلية وتكاليف الشخصية، وفي الطليعة أولو القربى من ذوي الأرحام والمساكين، وهؤلاء يوجدون في كل عصر، والمهاجرون في سبيل الله الذين تركوا ديارهم وأموالهم بمكة، فرارا من الشرك، قبل أن تقوم دولة الإسلام الأولى، وذلك قوله تعالى :﴿ ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ﴾.
وأشار كتاب الله إلى ما ينبغي أن يكون عليه الموسرون المحسنون من حسن المعاملة للمحتاجين المعسرين، وغض الطرف عن فلتات ألسنتهم، وعدم مؤاخذتهم بما قد يصدر عنهم من أغلاط في تصرفاتهم، ورغبهم في الصفح عنهم ومعاملتهم بمثل ما يرجون أن يعاملهم به ربهم، ما داموا يرغبون هم أيضا في عفو الله وغفرانه، ونيل رضوانه، فقال تعالى :﴿ وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ﴾.
وإذا كان كتاب الله في الربع الماضي قد شدد النكير على المفترين الذين يرمون المحصنات المؤمنات، وبين حد القذف الذي يطبق عليهم إذا لم يشهد معهم أربعة شهداء، وهو أن يجلدوا ثمانين جلدة، فإنه قد عاد في هذا الربع يشدد النكير عليهم أضعافا مضاعفة، " حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعا، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة، وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ستشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا، وأنه سيوفيهم جزاءهم الحق الواجب، الذي هم أهله، حتى يعلموا عند ذلك أنه المبين " وقد أحسن الزمخشري صنعا عندما فسر بهذه العبارات الناصعة قوله تعالى في هذا الصدد :﴿ إن الذين يرمون المحصنات * الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ﴾ ﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون * يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين ﴾. ووصف كتاب الله المحصنات المؤمنات هنا بوصف ( الغافلات )، تنبيها إلى أن الشأن في المحصنات المؤمنات أن يكن سليمات الصدور، نقيات القلوب، ليس فيهن مكر ولا دهاء، ولا يخطر ببالهن تفكير فيما هو من قبيل المنكر والفحشاء، فهن في غفلة عما ينسب إليهن، ولذلك كان وصفهن بهذه الغفلة مدحا لهن، وثناء عليهن.
وإذا كان الوعيد الذي تتضمنه هذه الآيات عاما ونافذا في حق كل من قذف المحصنات المؤمنات على العموم، فإنه يكون نافذا من باب أولى وأحرى في حق من تجرأ على مقام أمهات المؤمنين بالخصوص ولا سيما عائشة بنت الصديق، التي كانت قصة الإفك في حقها سبب النزول بالأخص، وإلى نفس هذا المعنى يشير قوله تعالى في سورة الأحزاب :﴿ إن الذين يوذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ﴾ [ الآية : ٥٧ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وإذا كان كتاب الله في الربع الماضي قد شدد النكير على المفترين الذين يرمون المحصنات المؤمنات، وبين حد القذف الذي يطبق عليهم إذا لم يشهد معهم أربعة شهداء، وهو أن يجلدوا ثمانين جلدة، فإنه قد عاد في هذا الربع يشدد النكير عليهم أضعافا مضاعفة، " حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعا، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة، وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ستشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا، وأنه سيوفيهم جزاءهم الحق الواجب، الذي هم أهله، حتى يعلموا عند ذلك أنه المبين " وقد أحسن الزمخشري صنعا عندما فسر بهذه العبارات الناصعة قوله تعالى في هذا الصدد :﴿ إن الذين يرمون المحصنات * الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ﴾ ﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون * يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين ﴾. ووصف كتاب الله المحصنات المؤمنات هنا بوصف ( الغافلات )، تنبيها إلى أن الشأن في المحصنات المؤمنات أن يكن سليمات الصدور، نقيات القلوب، ليس فيهن مكر ولا دهاء، ولا يخطر ببالهن تفكير فيما هو من قبيل المنكر والفحشاء، فهن في غفلة عما ينسب إليهن، ولذلك كان وصفهن بهذه الغفلة مدحا لهن، وثناء عليهن.
وإذا كان الوعيد الذي تتضمنه هذه الآيات عاما ونافذا في حق كل من قذف المحصنات المؤمنات على العموم، فإنه يكون نافذا من باب أولى وأحرى في حق من تجرأ على مقام أمهات المؤمنين بالخصوص ولا سيما عائشة بنت الصديق، التي كانت قصة الإفك في حقها سبب النزول بالأخص، وإلى نفس هذا المعنى يشير قوله تعالى في سورة الأحزاب :﴿ إن الذين يوذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ﴾ [ الآية : ٥٧ ].

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وإذا كان كتاب الله في الربع الماضي قد شدد النكير على المفترين الذين يرمون المحصنات المؤمنات، وبين حد القذف الذي يطبق عليهم إذا لم يشهد معهم أربعة شهداء، وهو أن يجلدوا ثمانين جلدة، فإنه قد عاد في هذا الربع يشدد النكير عليهم أضعافا مضاعفة، " حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعا، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة، وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ستشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا، وأنه سيوفيهم جزاءهم الحق الواجب، الذي هم أهله، حتى يعلموا عند ذلك أنه المبين " وقد أحسن الزمخشري صنعا عندما فسر بهذه العبارات الناصعة قوله تعالى في هذا الصدد :﴿ إن الذين يرمون المحصنات * الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ﴾ ﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون * يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين ﴾. ووصف كتاب الله المحصنات المؤمنات هنا بوصف ( الغافلات )، تنبيها إلى أن الشأن في المحصنات المؤمنات أن يكن سليمات الصدور، نقيات القلوب، ليس فيهن مكر ولا دهاء، ولا يخطر ببالهن تفكير فيما هو من قبيل المنكر والفحشاء، فهن في غفلة عما ينسب إليهن، ولذلك كان وصفهن بهذه الغفلة مدحا لهن، وثناء عليهن.
وإذا كان الوعيد الذي تتضمنه هذه الآيات عاما ونافذا في حق كل من قذف المحصنات المؤمنات على العموم، فإنه يكون نافذا من باب أولى وأحرى في حق من تجرأ على مقام أمهات المؤمنين بالخصوص ولا سيما عائشة بنت الصديق، التي كانت قصة الإفك في حقها سبب النزول بالأخص، وإلى نفس هذا المعنى يشير قوله تعالى في سورة الأحزاب :﴿ إن الذين يوذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ﴾ [ الآية : ٥٧ ].

وكما نبه كتاب الله في الربع الماضي إلى ما للمشاركة والمجانسة من أثر في الحياة الزوجية إذ قال :﴿ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ﴾ [ النور : ٣ ]، زاد هذا المعنى إيضاحا وتوكيدا في هذا الربع، فقال تعالى :﴿ الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ﴾ قال ابن كثير : " وما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي طيبة، لأنه أطيب من كل طيب من البشر، ولو كانت خبيثة لما صلحت له، لا شرعا ولا قدرا، ولهذا قال تعالى :﴿ أولئك مبرءون مما يقولون ﴾، والإشارة هنا إلى الطيبين والطيبات أي هم بعداء عما يقوله أهل الإفك والعدوان ﴿ لهم مغفرة ورزق كريم ﴾. وقال جار الله الزمخشري : لقد برأ الله أربعة بأربعة : برأ يوسف بلسان الشاهد ﴿ وشهد شاهد من أهلها ﴾ [ يوسف : ٢٦ ]، وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه ﴿ كالذين أذوا موسى فبرأه الله مما قالوا ﴾ [ الأحزاب : ٦٩ ]، وبرأ مريم بإنطاق ولدها حتى نادى من حجرها ﴿ إني عبد الله أتاني الكتاب ﴾ [ مريم : ٣٠ ]، وبرأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر، مثل هذه التبرئة، بهذه المبالغات، فانظر كم بينها وبين تبرئه أولئك، وما ذاك إلا لإظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتنبيه على إنافة محل سيد ولد آدم وخيرة الأولين والآخرين، وحجة الله على العالمين ".
وتصدى كتاب الله لتحديد النظام الذي يجب أن يتبع عند تزاور المسلمين، في بيوتهم، وغشيان بعضهم منازل بعض، وما يلزم لذلك من سبق الاستئذان، حتى لا يقتحم أحد منهم منزل الآخر دون رضاه، فيتصرف في ملك الغير بغير إذنه تصرف الغاصب المتغلب، على خلاف الشرع والطبع، لا سيما وأن من أوجب واجبات المسلم أن لا يطلع على عورة أخيه، ولا تسبق عينيه إلى ما لا يحل نظره إليه، خصوصا الشؤون الداخلية التي جرت العادة بالتستر عليها، وعدم السماح بالكشف عنها، وحول هذه المعاني يدور قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون ﴾ أي أن الاستيذان ثم التسليم خير للمستأذن وخير لأهل البيت، فلا المستأذن يفاجأ من طرف أهل البيت بما يكره، ولا أهل البيت يفاجأون من طرف المستأذن بما يكرهون.
ثم قال تعالى :﴿ فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ﴾ أي حتى تجدوا من يأذن لكم، فالبيت محجوب، لما فيه، وبما فيه، سواء كان الباب مغلقا أو مفتوحا، لأن الشرع قد أغلقه بتحريم الدخول إليه، حتى يفتحه إذن صاحبه، ثم قال تعالى :﴿ وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا ﴾ قال سعيد بن جبير : " أي لا تقفوا على الأبواب "، وحيث نهى الله عن ذلك لأنه يجلب الكراهة، وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها كقرع الباب بعنف مثلا، ثم قال تعالى تزكية وتوكيدا للانصراف عند عدم الإذن بالدخول، وصدور الأمر بالرجوع :﴿ هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ﴾ وفي هذا المعنى يقول عليه السلام : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فلينصرف ".
أما البيوت غير المسكونة، مما جرى العرف دخول الناس إليه لمنفعتهم دون إذن، كالمآوي التي يقصدها الطلبة للنزول، ومحطات الأسفار التي يقصدها المسافرون للاستراحة، وقيساريات التجار التي يقصدها الزبناء للبيع والشراء، والخرب العاطلة، التي يهرع إليها الحاقنون لقضاء الحاجة عند عدم وجود أماكن مخصصة لذلك، فلا يحتاج دخولها إلى الاستئذان، وكذلك البيوت المعدة للضيافة إذا أذن للضيف فيها أول مرة كفى، هذه بعض الأمثلة التي فسر بها المفسرون معنى قول الله تعالى هنا :﴿ ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم ﴾ وبذلك أصبحت مستثناة من المساكن الخاصة، التي لا بد للراغب في دخولها من الاستئذان، ولو كان أهلها غائبين عن المكان.
والمراد " بالمتاع " الوارد في هذه الآية ﴿ فيها متاع لكم ﴾ عموم الانتفاع. وتحذيرا من استعمال هذه الرخصة في غير محلها، والتذرع بها إلى ما لم يأذن به الله قال تعالى معقبا عليها :﴿ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ﴾.
وقبل ان يحدد كتاب الله ما ينبغي أن يكون عليه حال المؤمنات من الستر والعفاف بالنسبة للمحارم وغير المحارم، وجه الخطاب أولا إلى الرجال والنساء بوجوب غض البصر وصرفه عن النظر، وذلك حتى لا ينظر الرجال بشهوة إلى غير أزواجهم، ولا ينظر النساء بشهوة إلى غير أزواجهن، فالنظر سهم مسموم من سهام إبليس، والواجب صرفه سريعا عما يشتهى، ما دام ليس في الإمكان الاحتراس منه. وقد سأل جرير بن عبد الله البجلي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " نظرة الفجأة "، فأمره رسول الله أن يصرف بصره، كما ورد في صحيح مسلم، و " صرف البصر " قد يكون إلى الأرض وقد يكون إلى جهة أخرى. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : " يا علي، لا تتبع النظرة النظرة،
فإن لك الأولى، وليس لك الآخرة " رواه أبو داود والترمذي. وإلى جانب الأمر بغض البصر ألح كتاب الله من جديد على التزام العفة وحفظ الفرج من طرف الرجال والنساء، وبديهي أن هذا الحفظ لا يتحقق إلا بتفادي كل متعة خبيثة خارج الحياة الزوجية الطاهرة، كيفما كان نوعها وشكلها، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٠:وقبل ان يحدد كتاب الله ما ينبغي أن يكون عليه حال المؤمنات من الستر والعفاف بالنسبة للمحارم وغير المحارم، وجه الخطاب أولا إلى الرجال والنساء بوجوب غض البصر وصرفه عن النظر، وذلك حتى لا ينظر الرجال بشهوة إلى غير أزواجهم، ولا ينظر النساء بشهوة إلى غير أزواجهن، فالنظر سهم مسموم من سهام إبليس، والواجب صرفه سريعا عما يشتهى، ما دام ليس في الإمكان الاحتراس منه. وقد سأل جرير بن عبد الله البجلي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " نظرة الفجأة "، فأمره رسول الله أن يصرف بصره، كما ورد في صحيح مسلم، و " صرف البصر " قد يكون إلى الأرض وقد يكون إلى جهة أخرى. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي :" يا علي، لا تتبع النظرة النظرة،
فإن لك الأولى، وليس لك الآخرة " رواه أبو داود والترمذي. وإلى جانب الأمر بغض البصر ألح كتاب الله من جديد على التزام العفة وحفظ الفرج من طرف الرجال والنساء، وبديهي أن هذا الحفظ لا يتحقق إلا بتفادي كل متعة خبيثة خارج الحياة الزوجية الطاهرة، كيفما كان نوعها وشكلها، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ﴾


﴿ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ﴾.
وبعد هذا التمهيد تناول كتاب الله بالتفصيل ما يجب على المؤمنات ستره من اطرافهن وما يسمح لهن بإظهاره من زينتهن، وبين من هم الذين لا جناح عليهم إذا شاهدوا تلك الزينة بالخصوص، فقال تعالى :﴿ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ﴾ إشارة إلى أنه لا يسوغ للمؤمنات أن يظهرن شيئا من الزينة للأجانب عنهن، ما عدا الشيء الذي يتعذر إخفاؤه من الزينة الظاهرة، مثل الكحل والخاتم وظاهر الثياب، والمراد " بالأجانب " هنا كل الأشخاص الذين لا يعتبرهم الشرع من المحارم، ثم قال تعالى :﴿ وليضربن بخمرهن على جيوبهن ﴾ إشارة إلى وجوب ستر النحر والصدر حتى لا يرى منه شيء، على خلاف ما كان عليه الأمر في الجاهلية، قال مقاتل : " على جيوبهن " أي على صدورهن، يعني مواضع جيوبهن، فقد كانت الجيوب عند العرب تجعل في الثوب عند الصدر، أما الوجه والكفان فلا مانع من كشفهما وعدم سترهما، لأن كشفهما مقبول في العبادة، فما بالك بما هو من قبيل العادة. و " الخمر " جمع خمار، وهو في الأصل ما يغطى به الرأس.
ثم قال تعالى مبينا محارم المرأة ومن ألحق بهم، ممن يجوز لها أن تظهر بزينتها الخفية أمامهم، لكن من غير تبرج :﴿ ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ﴾ أي أزواجهن ﴿ أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن * أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ﴾ ومعنى " الإربة " الحاجة، والمراد " بالتابعين " هنا الأتباع من الأجراء والخدم الذين لا شهوة لهم في النساء مطلقا، لمانع طبيعي أو طارئ، أو لا طمع لهم في مخدوماتهم لأنهم غير أكفاء لهن ﴿ أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ﴾ أي الأطفال الصغار الذين لا عهد لهم ولا معرفة بشؤون النساء، والذين لم يصلوا إلى طور البلوغ. وإنما رخص للمحارم بالنظر إلى ما ليس بظاهر من زينة النساء المؤمنات، للضرورة التي تدعوهن إلى مداخلتهم ومخالطتهم أغلب الوقت، ولقلة توقع الفتنة والنظر إليهن بالشهوة من جهتهم، بسبب المحرمية والقرابة القريبة.
ثم نبه كتاب الله مرة أخرى إلى أنه لا ينبغي للنساء المؤمنات إذا كان شيء من زينتهن مستورا أن يلفتن إليه أنظار الرجال، بوسيلة أو بأخرى عند خروجهن، صيانة لأعراضهن وحفاظا على كرامتهن، وهذا المعنى هو المراد بقوله تعالى :﴿ ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ﴾ و " الضرب بالرجل " في هذه الآية يشير على ما كانت عليه المرأة في الجاهلية عندما كانت تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت، إذ تضرب الأرض برجلها، ليسمع الرجال طنينه، فنهى الله المؤمنات عن ذلك، وينصب هذا النهي على من فعل ما يشبه ذلك بنعله أو حذائه من الرجال. وليضع كتاب الله حدا فاصلا لما كان متعارفا ومتبعا في الجاهلية من طرف الرجال والنساء، قال تعالى :﴿ وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ﴾. ومن لطائف التفسير في هذه الآية ربط الزمخشري لها بالأحكام السابقة ربطا وثيقا، حيث قال في تحليلها : " إن أوامر الله ونواهيه في كل باب لا يكاد العبد الضعيف يقدر على مراعاتها، وإن ضبط نفسه واجتهد، ولا يخلو من تقصير يقع منه، فلذلك وصى المؤمنين جميعا بالتوبة والاستغفار، وبتأميل الفلاح إذا تابوا واستغفروا ".
وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن حالة من لم يتزوج، أو تزوج، وفقد الزوج، من الرجال والنساء وعليهم يطلق لفظ " الأيامى " فدعاهم إلى الإقبال على الزواج، كما نبه إلى تمكين من لا يزالون في ملك اليمين فرصة التحرير، من حق الزواج، ماداموا على حالة ظاهرة من الصلاح، مشيرا بذلك، من طرف خفي، إلى أن صلاحهم لا بد أن يجلب لهم العطف والمودة والإحسان من الغير، ولا سيما من مواليهم الذين ينزلونهم منزلة أولادهم، فيعوض الله لهم ما كان ناقصا، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ﴾.
أما الذين تعذر عليهم الزواج، ممن لم يجد وسيلة للحصول على المهر والنفقة بالمرة، أو وجد اليسير من الصداق والنفقة، لكن لم يجد الزوجة التي تقبل ذلك، أو عاقه عن الزواج عذر آخر من الأعذار القاهرة، فقد دعاهم كتاب الله إلى ملازمة العفة والصبر عن الشهوة، في انتظار توافر الشروط وزوال الموانع، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ﴾. قال جار الله الزمخشري مبينا بلاغة القرآن في هذا السياق : " وما أحسن ما رتب هذه الأوامر، حيث أمر بما يعصم من الفتنة ويبعد عن مواقعة المعصية، وهو غض البصر، ثم النكاح الذي يحصن به الدين، ويقع به الاستغناء بالحلال عن الحرام، ثم بالحمل على النفس الأمارة بالسوء وعزفها ( أي صرفها ) عن الطموح إلى الشهوة، عند العجز عن النكاح، إلى أن يرزق القدرة عليه ".
وعاد كتاب الله إلى الاهتمام بمشاكل " ملك اليمين "، فحض على إحدى الوسائل العملية لتحرير الرقاب، ألا وهي الاتفاق مع المملوك ملك يمين على قدر مقسط من المال يؤديه لمولاه، تعويضا عن الحق الذي له عليه، وهذا الاتفاق هو الذي يطلق عليه اسم " المكاتبة " في هذا الموضوع. ودعا كتاب الله الموسرين من المسلمين، من الموالي وغيرهم، إلى مساعدة المكاتبين على تحرير أنفسهم ببذل العون لهم على التحرر، من مال الله الذي آتاهم، علاوة على ما هو مخصص في بيت المال لتحرير الرقاب من موارد الزكاة في الإسلام، وبذلك يتمكن المكاتب من أن يشتغل ويكتسب ويتحرر ويتزوج إذا شاء، فيكون ذلك أعف له وأكرم، وهذا المعنى هو الذي يتضمنه قوله تعالى :﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ﴾ أي أمانة وصلاحا ﴿ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾.
ثم تصدى كتاب الله للقضاء على ما كان معروفا في بعض أوساط الجاهلية من تسخير الإماء لممارسة البغاء، من أجل ما يدره على مالكي رقابهن، فحرم كتاب الله ذلك تحريما باتا، لأن البغاء حرام في الإسلام في جميع الأحوال، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ﴾، فالمراد " بالفتيات " هنا الإماء، على حد قوله عليه السلام :( ليقل أحدكم فتاي وفتاتي، ولا يقل عبدي وأمتي ) وإنما قيل " إن أردن تحصنا " تصويرا لحالة الإكراه، حيث إن إكراههن على البغاء لا يتصور إلا عند إرادتهن للتحصن، وليس معنى ذلك إباحة البغاء عند الرغبة فيه وعدم الإكراه عليه، وقوله تعالى :﴿ لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ﴾ إشارة إلى الدافع الخسيس الذي كان يدفع بعض مالكي الإماء في الجاهلية إلى استغلالهن في ممارسة البغاء، وقد كان رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول على رأس الذين يتاجرون في عرض إمائه، فوقف الإسلام له ولأمثاله بالمرصاد، وقضى على ما كان سائدا في عهد الجاهلية من الانحراف والفساد. ثم قال تعالى في نفس السياق :﴿ ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ﴾ أي غفور لهن ما أكرهن عليه، وإثمهن على من أكرههن، وفي الحديث المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".
وختم هذا الربع بتبيين الحكمة فيما تضمنته هذه السورة المدنية من تشريعات كلها تأسيس وتأصيل، مصحوبة بكثير من البيان والتفصيل، سعيا في هداية الخلق، وتمييزا للطيب من الخبيث والباطل من الحق، فقال تعالى :﴿ ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم ﴾ يشير إلى قصة عائشة، المماثلة لقصة مريم وقصة يوسف عليهما السلام ﴿ وموعظة للمتقين ﴾.
الربع الثاني من الحزب السادس والثلاثين في المصحف الكريم
بعد أن عرض كتاب الله في الآيات السابقة من هذه السورة ما يجب أن يكون عليه نظام الأسرة المسلمة، التي هي الخلية الأولى للمجتمع الإسلامي، وحجر الزاوية في بناء الدولة الإسلامية، وبعد أن رفع الستار عن الحكمة الربانية التي تكمن وراء تلك التشريعات والتوجيهات، إذ قال تعالى في ختام الربع الماضي :﴿ ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين ﴾ لفت كتاب الله أنظار البشرية جمعاء، إلى أن الإنسان بالرغم مما رزقه الله من عقل لا يمكن له أن يستغني عن الاستنارة بنور الله في تدبير شؤونه الخاصة والعامة، وكما أن " الطبيعة " إنما تسير بانتظام وفقا للنواميس والسنن التي وضعها الله فيها وأودعها إياها، فلا بد للإنسان وهو كائن مخير إذا أراد أن يسير في حياته سيرا متئدا موفقا سعيدا، من التزام الشرائع الإلهية، التي هي بالنسبة إليه مثل النواميس الكونية بالنسبة للطبيعة المسخرة، وقد وصف كتاب الله الهداية الإلهية بكونها نورا يخرج الناس من الظلمات في عدة آيات، منها قوله تعالى :﴿ هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور ﴾ [ الحديد : ٩ ]، وقوله تعالى :﴿ الله ولي الذين آمنوا يخرجكم من الظلمات إلى النور ﴾ [ البقرة : ٢٥٧ ]، وقوله تعالى :﴿ كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ﴾ [ إبراهيم : ١ ]، وقوله تعالى :﴿ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نورا نهدي به من يشاء من عبادنا ﴾ [ الشورى : ٥٢ ]، وقوله تعالى :﴿ فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ﴾ [ الأعراف : ١٥٧ ]، وقوله تعالى :﴿ قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ﴾ [ المائدة : ١٥ ]. وعلى ضوء هذا المعنى يكون قوله تعالى في بداية هذا الربع :﴿ الله نور السموات والأرض ﴾ تعقيبا مناسبا على جميع آيات الأحكام التي سبق تفسيرها من سورة النور المدنية في الربعين الماضيين، ويكون مرتبطا بها كلها في سياق واحد، ومن نسق واحد، وأضيف لفظ ( النور ) في هذه الآية إلى السماوات والأرض للدلالة على سعة إشراقه وإنارته، وقوة انتشاره وإضاءته، إذ يستضيء به أهل السماوات والأرض جميعا، فنور الله لازم لتدبير شؤون الإنسان كيفما كان، كما هو لازم لتسخير بقية الأكوان، والعالم كله علويه وسفليه مشحون بالأنوار، ما بين أنوار روحية وعقلية، وأنوار مادية وحسية. قال ابن عباس في تفسير هذه الآية ﴿ الله نور السموات والأرض ﴾ : " الله هادي السموات والأرض، فهم بنوره يهتدون، وبهدايته من حيرة الضلالة ينجون ".
وكما من الله على المؤمنين من عباده بنور من عنده يكون لهم في حياتهم قرينا وخفيرا، إذ قال تعالى في سورة الزمر :﴿ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ﴾ [ الآية : ٢٢ ] ضرب كتاب الله هنا أروع الأمثال لذلك النور الإلهي الذي يهتدي به المؤمن في كل حين، فشبه حاله وهو يقتبس من نور الله بالمشكاة، وهي الكوة غير النافذة التي يتوسطها مصباح قوي الضوء، شديد الإنارة، وهذا المصباح من زجاج شفاف في غاية اللمعان، والزيت الذي يوقد منه هذا المصباح أشد الزيوت صفاء وإشراقا، وجلاء وبريقا، حتى أنه ليكاد ينير ما حوله ببريقه وحده دون أن يوقده أحد، لأن الشجرة التي يستخلص منها ذلك الزيت شجرة مباركة، تتلقى من الهواء الذي تنمو فيه ما يساعدها على النضج التام، حتى يكون حملها أجود حمل، ودهنها أصفى دهن. قال ابن عطية " إنها في وسط الشجر لا تصيبها الشمس طالعة ولا غاربة، بل تصيبها بالغداة والعشي ". وهكذا تعاونت المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت، مما ضرب الله به المثل، على تقوية هذا النور أضعافا مضاعفة، وواضح أن المصباح إذا كان في مكان ضيق كالمشكاة الممثل بها هنا كان أضوأ له وأجمع لنوره، بخلاف المكان المتسع، فإن الضوء ينبث فيه وينتشر، فيضعف أثره ويتضاءل، وإلى هذه المعاني مجتمعة يشير قوله تعالى في إيجاز وإعجاز :﴿ مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور ﴾، قال أبي بن كعب في تفسير هذه الآيات مع الاقتصار على أهم الفقرات : " هذا مثل المؤمن، فالمشكاة نفسه، والزجاجة قلبه، والمصباح ما جعله الله فيه من الإيمان والقرآن، ﴿ يوقد من شجرة مباركة ﴾ هي شجرة الإخلاص لله وحده ﴿ لا شرقية ولا غربية ﴾ هي خضراء ناعمة، لا تصيبها الشمس على أي حال كانت، لا إذا طلعت ولا إذا غربت، وكذلك المؤمن يحترس من أن يصيبه شيء من الفتن، وقد يبتلى بها فيثبته الله فيها، فهو بين أربع خلال : " إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر، وإن قال صدق، وإن حكم عدل " ﴿ يكاد زيتها يضيء ﴾ أي يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يتبين له، لموافقته إياه، وإلى هذا المعنى ينظر قوله صلى الله عليه وسلم :( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) ﴿ نور على نور ﴾ فهو يتقلب في خمسة أنوار : قوله نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره يوم القيامة إلى النور، أي مصداقا لقوله تعالى :﴿ يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ﴾ [ الحديد : ١٢ ]، انتهى ما رواه المفسرون عن أبي بن كعب في تفسير هذه الآيات. والمراد بمدخل المؤمن ومخرجه هنا سره وعلانيته. ثم قال تعالى :﴿ يهدي الله لنوره من يشاء ﴾ أي يوفق لإصابة الحق من يشاء من عباده، إما اعتمادا على الذكر الحكيم، أو استنادا إلى العقل السليم، أو استئناسا بالفطرة التي فطر الله الناس عليها، فنزلوا عند حكمها مضطرين كلما تحاكموا إليها. ونبه كتاب الله في نهاية هذا السياق إلى أن الغاية من ضرب المثل الذي تضمنته الآيات السابقة هي تصوير الأثر البالغ، الذي يحدثه النور الإلهي، عندما تتخلل أضواؤه زوايا قلب المؤمن، فتنيره من كل جانب، فالأمر يتعلق بتقريب الانفعالات الروحية، والظواهر النفسية، إلى الأفهام العادية، تيسيرا على عامة الناس، وتسهيلا لإدراك الحقائق حتى يزول عنها وعنهم كل التباس، أما الحق سبحانه وتعالى فهو غني عن ضرب المثل، لأنه يعلم ما ظهر وما بطن منذ الأزل، وذلك قوله تعالى :﴿ ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ﴾.
وكما فصل كتاب الله في الربع الماضي ما يلزم تطبيقه من الأحكام على بيوت الناس المسكونة وغير المسكونة، مما هو داخل في ملكهم الخاص، تناول في هذا الربع بيوت الله في الأرض، التي هي قطعة من الملأ الأعلى في الملأ الأدنى، وهي بيوت عامة مفتوحة الأبواب في وجوه كافة المؤمنين والمؤمنات، وتصدق على جميع المساجد حيثما كانت وأينما كانت، فقال تعالى :﴿ في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ﴾ والمراد " بالإذن " هنا الأمر، أي أمر الله أن ترفع.
ورفع بيوت الله يدل على معنيين جليلين :
المعنى الأول الأمر بتشييدها وبنائها لتؤدي الرسالة المنوطة بها في الدين على أحسن وجه، فكلمة ( رفع ) تستعمل بمعنى بنى، كما في قوله تعالى :﴿ أنتم أشد خلقا أم السماء، بناها، رفع سمكها فسواها ﴾ [ النازعات : ٢٧، ٢٨ ]، وقوله تعالى :﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ﴾ [ البقرة : ١٢٧ ] وهذا هو الرفع الحسي.
المعنى الثاني الأمر بتعظيمها وتطهيرها من الأنجاس والأقذار، على غرار ما ورد في قوله تعالى :﴿ وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ﴾ [ الحج : ٢٦ ] وهذا هو الرفع المعنوي.
ويندرج تحت المعنى الأول وهو الأمر بتشييدها وبناءها اتخاذ المطاهر حولها، وإجراء المياه بها، حتى يتمكن الوافدون عليها من الطهارة والصلاة، وقد كانت قريبا من مسجد رسول الله آبار يستقون منها، فيشربون ويتطهرون ويتوضأون.
ويندرج تحت المعنى الثاني وهو الأمر بتعظيمها وتطهيرها من الأنجاس تنظيفها وتطييبها وتبخيرها أيام الجمع، كما كان يفعل عمر بن الخطاب كل جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنزيهها عن كل ما فيه رائحة مستكرهة، كالإتيان إليها عقب أكل البصل والثوم، وتفادي كل ما يمكن أن يجلب لها القذارة والنجاسة، فلا يسمح بالبصاق ولا بالتنخم ولا بالتمخط فوق أرضها ولا فوق فرشها، ولا يسمح بدخول المجانين وصغار الأطفال إليها خوفا من تدنيسها، ولا بمرور الحائض أو حامل اللحم النيء بها، خوفا من تلويثها بدم الحيض أو الدم المتقاطر من اللحم، ولا يقام فيها حد ولا قصاص، خوفا مما يمكن أن يرشح من المجلود أو المقطوع، ولا يدخلها أحد وقد أشهر سلاحه، تفاديا لما يمكن أن يصيب المصلين من سلاحه إذا غفل عنه، وينبغي البدء بالرجل اليمنى عند دخول أبوابها، والمبادرة بالسلام على روادها، والقيام بصلاة ركعتين تحية للمسجد فور دخولها، كما ينبغي تجنب كل ما فيه أذى لبقية المصلين، فلا يتخطى الداخل إليها رقاب الناس، ولا يضيق على أحد منهم في الصف، ولا يمر بين يدي أحد وهو يصلي، ولا يفرقع أصابعه، ولا يعبث بشيء من جسده، قال القرطبي في كتابه ( الجامع لأحكام القرآن ) :" " إن كل من تأذى به جيرانه في المسجد، بأن يكون ذرب اللسان سفيها عليهم، أو كان ذا رائحة قبيحة لا تريمه ( أي لا تفارقه ) لسوء صناعته، أو ذا عاهة مؤذية كالجذام وشبهه، وكل ما يتأذى به الناس، كان لهم إخراجه، ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول ". وبهذا البيان الشافي لرفع بيوت الله حسيا ومعنويا يتضح للجميع معنى قوله تعالى هنا :﴿ في بيوت أذن الله أن ترفع ﴾.
أما قوله تعالى :﴿ ويذكر فيها اسمه ﴾ فهو تحديد دقيق لرسالة بيوت الله التي أنيطت بها، وأقيمت من أجلها، بحيث لا يسوغ التخلي عنها بحال، وكل ما يتصل بها يجب استعباده في جميع الأحوال، ولذلك نهي عن التحدث فيها باللغو والرفث والخنى، ونهى عن إنشاد الشعر في جنباتها إذا كان لا يتضمن ثناء على الله ورسوله، ولا يؤدي غرضا شرعيا ملائما لأغراضها، ونهى عن البيع والشراء داخلها، ونهى عن مباشرة الخصومات والمحاكمات والمشاجرات ورفع الأصوات بين جدرانها، ونهى عن المبيت والنوم بها إلا عند الضرورة القصوى لغريب أو عابر سبيل، وقد كان عمر رضي الله عنه يفتش المسجد بعد العشاء فلا يترك فيه أحدا، كل ذلك حرصا على أن تظل بيوت الله مقصورة على ما أنشئت من أجله، ألا وهو ذكر الله وتمجيده وتنزيهه، والتعريف بمظاهر قدرته وحكمته، وتبليغ الرسالة الإلهية المتضمنة لهدايته، والدعوة إلى عبادته وطاعته، وتمكين النوع الإنساني من بلوغ سعادته. وواضح أن الأمور التي نهى عنها الشرع في هذا المقام كلها منافية لذكر الله، لأنها تشوش على الذاكرين والذاكرات ذكرهم، فلا يطمئن لهم بال، وتصرف فكرهم عن الاستغراق والتأمل فيما لله من نعوت الجلال والجمال.
وبعد أن وصف كتاب الله في الآيات السابقة نوره الذي أشرقت به السماوات والأرض، وضرب المثل لنوره عندما يغشى قلب المؤمن فيخرجه من الظلمات إلى النور، وبين انه سبحانه يهدي لنوره من يشاء، تناول بالذكر فريقين اثنين لا ثالث لهما : الفريق الأول هم المهتدون الذين ملأ النور الإلهي قلوبهم فقبلوا الهداية الإلهية، والفريق الثاني هم الذين لم يلج ذلك النور قلوبهم فرفضوا هدايته رفضا باتا، فعن فريق المهتدين الذين تعد عمارة بيوت الله من أبرز صفاتهم، دون أن ينسوا نصيبهم من الدنيا، ولا أن تلهيهم دنياهم عن الدين، قال تعالى منوها بهم مبشرا إياهم بالفوز في الدنيا والآخرة :﴿ يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار * ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾، وإطلاق ( الرجال ) عليهم في هذه الآية لا يعني استثناء النساء المؤمنات من هذا الفضل العظيم، فالنساء شقائق الرجال في كل خير وفضل ﴿ والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ﴾ [ الأحزاب : ٣٥ ]، وإنما أنثى عليهم كتاب الله ووصفهم بكونهم " رجالا "، إشعارا بما لهم من عزائم ماضية، وهمم عالية، واستعمل لفظ " الرجال " في هذا المقام كما استعمله في مقامات أخرى مماثلة، عندما قال تعالى :﴿ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ﴾ [ الأحزاب : ٢٣ ]، وعندما قال تعالى :﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المطهرين ﴾ [ التوبة : ١٠٨ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٧:وبعد أن وصف كتاب الله في الآيات السابقة نوره الذي أشرقت به السماوات والأرض، وضرب المثل لنوره عندما يغشى قلب المؤمن فيخرجه من الظلمات إلى النور، وبين انه سبحانه يهدي لنوره من يشاء، تناول بالذكر فريقين اثنين لا ثالث لهما : الفريق الأول هم المهتدون الذين ملأ النور الإلهي قلوبهم فقبلوا الهداية الإلهية، والفريق الثاني هم الذين لم يلج ذلك النور قلوبهم فرفضوا هدايته رفضا باتا، فعن فريق المهتدين الذين تعد عمارة بيوت الله من أبرز صفاتهم، دون أن ينسوا نصيبهم من الدنيا، ولا أن تلهيهم دنياهم عن الدين، قال تعالى منوها بهم مبشرا إياهم بالفوز في الدنيا والآخرة :﴿ يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار * ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾، وإطلاق ( الرجال ) عليهم في هذه الآية لا يعني استثناء النساء المؤمنات من هذا الفضل العظيم، فالنساء شقائق الرجال في كل خير وفضل ﴿ والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ﴾ [ الأحزاب : ٣٥ ]، وإنما أنثى عليهم كتاب الله ووصفهم بكونهم " رجالا "، إشعارا بما لهم من عزائم ماضية، وهمم عالية، واستعمل لفظ " الرجال " في هذا المقام كما استعمله في مقامات أخرى مماثلة، عندما قال تعالى :﴿ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ﴾ [ الأحزاب : ٢٣ ]، وعندما قال تعالى :﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المطهرين ﴾ [ التوبة : ١٠٨ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٧:وبعد أن وصف كتاب الله في الآيات السابقة نوره الذي أشرقت به السماوات والأرض، وضرب المثل لنوره عندما يغشى قلب المؤمن فيخرجه من الظلمات إلى النور، وبين انه سبحانه يهدي لنوره من يشاء، تناول بالذكر فريقين اثنين لا ثالث لهما : الفريق الأول هم المهتدون الذين ملأ النور الإلهي قلوبهم فقبلوا الهداية الإلهية، والفريق الثاني هم الذين لم يلج ذلك النور قلوبهم فرفضوا هدايته رفضا باتا، فعن فريق المهتدين الذين تعد عمارة بيوت الله من أبرز صفاتهم، دون أن ينسوا نصيبهم من الدنيا، ولا أن تلهيهم دنياهم عن الدين، قال تعالى منوها بهم مبشرا إياهم بالفوز في الدنيا والآخرة :﴿ يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار * ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾، وإطلاق ( الرجال ) عليهم في هذه الآية لا يعني استثناء النساء المؤمنات من هذا الفضل العظيم، فالنساء شقائق الرجال في كل خير وفضل ﴿ والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ﴾ [ الأحزاب : ٣٥ ]، وإنما أنثى عليهم كتاب الله ووصفهم بكونهم " رجالا "، إشعارا بما لهم من عزائم ماضية، وهمم عالية، واستعمل لفظ " الرجال " في هذا المقام كما استعمله في مقامات أخرى مماثلة، عندما قال تعالى :﴿ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ﴾ [ الأحزاب : ٢٣ ]، وعندما قال تعالى :﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المطهرين ﴾ [ التوبة : ١٠٨ ].

وعن فريق الضالين الذين حبطت أعمالهم فأصبحت هباء منثورا، وخسروا أنفسهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى منددا بهم، وضاربا المثل لخسرانهم المبين وخيبتهم المرة :﴿ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب * أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ﴾ و " القاع " ما انبسط من الأرض واتسع ولم يكن فيه نبت، وفيه يكون السراب، وجمعه " قيعة " كما قال تعالى هنا :﴿ أعمالهم كسراب بقيعة ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٩:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٧:وبعد أن وصف كتاب الله في الآيات السابقة نوره الذي أشرقت به السماوات والأرض، وضرب المثل لنوره عندما يغشى قلب المؤمن فيخرجه من الظلمات إلى النور، وبين انه سبحانه يهدي لنوره من يشاء، تناول بالذكر فريقين اثنين لا ثالث لهما : الفريق الأول هم المهتدون الذين ملأ النور الإلهي قلوبهم فقبلوا الهداية الإلهية، والفريق الثاني هم الذين لم يلج ذلك النور قلوبهم فرفضوا هدايته رفضا باتا، فعن فريق المهتدين الذين تعد عمارة بيوت الله من أبرز صفاتهم، دون أن ينسوا نصيبهم من الدنيا، ولا أن تلهيهم دنياهم عن الدين، قال تعالى منوها بهم مبشرا إياهم بالفوز في الدنيا والآخرة :﴿ يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار * ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾، وإطلاق ( الرجال ) عليهم في هذه الآية لا يعني استثناء النساء المؤمنات من هذا الفضل العظيم، فالنساء شقائق الرجال في كل خير وفضل ﴿ والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ﴾ [ الأحزاب : ٣٥ ]، وإنما أنثى عليهم كتاب الله ووصفهم بكونهم " رجالا "، إشعارا بما لهم من عزائم ماضية، وهمم عالية، واستعمل لفظ " الرجال " في هذا المقام كما استعمله في مقامات أخرى مماثلة، عندما قال تعالى :﴿ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ﴾ [ الأحزاب : ٢٣ ]، وعندما قال تعالى :﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المطهرين ﴾ [ التوبة : ١٠٨ ].

وعن فريق الضالين الذين حبطت أعمالهم فأصبحت هباء منثورا، وخسروا أنفسهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى منددا بهم، وضاربا المثل لخسرانهم المبين وخيبتهم المرة :﴿ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب * أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ﴾ و " القاع " ما انبسط من الأرض واتسع ولم يكن فيه نبت، وفيه يكون السراب، وجمعه " قيعة " كما قال تعالى هنا :﴿ أعمالهم كسراب بقيعة ﴾


﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾
ثم عقب كتاب الله على وصفه للفريقين فقال :﴿ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ﴾.
وفتح كتاب الله في وجوه الجاحدين والمكذبين مرة أخرى باب الموعظة الحسنة، عسى أن ينظروا ويعتبروا ويرجعوا عن ضلالهم القديم، فقال تعالى :﴿ ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:وفتح كتاب الله في وجوه الجاحدين والمكذبين مرة أخرى باب الموعظة الحسنة، عسى أن ينظروا ويعتبروا ويرجعوا عن ضلالهم القديم، فقال تعالى :﴿ ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:وفتح كتاب الله في وجوه الجاحدين والمكذبين مرة أخرى باب الموعظة الحسنة، عسى أن ينظروا ويعتبروا ويرجعوا عن ضلالهم القديم، فقال تعالى :﴿ ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ﴾

﴿ ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:وفتح كتاب الله في وجوه الجاحدين والمكذبين مرة أخرى باب الموعظة الحسنة، عسى أن ينظروا ويعتبروا ويرجعوا عن ضلالهم القديم، فقال تعالى :﴿ ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:وفتح كتاب الله في وجوه الجاحدين والمكذبين مرة أخرى باب الموعظة الحسنة، عسى أن ينظروا ويعتبروا ويرجعوا عن ضلالهم القديم، فقال تعالى :﴿ ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ﴾
ثم قال تعالى مقيما الحجة عليهم بعد هذا البيان القاطع :﴿ لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ﴾.
وانتقل كتاب الله إلى تحديد معيار دقيق لا يتخلف يميز المؤمنين من المنافقين، والمهتدين من الضالين، ألا وهو النظر إلى موقف كلا الفريقين من التحاكم إلى الله ورسوله، فمن تقبل حكم الله ورسوله، بالطاعة والإذعان، سواء كان له أو عليه، إيمانا منه بأن الله تعالى هو أحكم الحاكمين، ولا يظلم ربك أحدا، كان مؤمنا حقا وصدقا، ومن رفض حكم الله ورسوله متى كان ذلك الحكم عليه لا له، وإذا كان له لا عليه أظهر الطاعة والإذعان، كان منافقا خارجا عن حظيرة الإيمان. وللكشف عن كلتا الحالتين والموقفين يقول الله تعالى في ختام هذا الربع :﴿ ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٧:وانتقل كتاب الله إلى تحديد معيار دقيق لا يتخلف يميز المؤمنين من المنافقين، والمهتدين من الضالين، ألا وهو النظر إلى موقف كلا الفريقين من التحاكم إلى الله ورسوله، فمن تقبل حكم الله ورسوله، بالطاعة والإذعان، سواء كان له أو عليه، إيمانا منه بأن الله تعالى هو أحكم الحاكمين، ولا يظلم ربك أحدا، كان مؤمنا حقا وصدقا، ومن رفض حكم الله ورسوله متى كان ذلك الحكم عليه لا له، وإذا كان له لا عليه أظهر الطاعة والإذعان، كان منافقا خارجا عن حظيرة الإيمان. وللكشف عن كلتا الحالتين والموقفين يقول الله تعالى في ختام هذا الربع :﴿ ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٧:وانتقل كتاب الله إلى تحديد معيار دقيق لا يتخلف يميز المؤمنين من المنافقين، والمهتدين من الضالين، ألا وهو النظر إلى موقف كلا الفريقين من التحاكم إلى الله ورسوله، فمن تقبل حكم الله ورسوله، بالطاعة والإذعان، سواء كان له أو عليه، إيمانا منه بأن الله تعالى هو أحكم الحاكمين، ولا يظلم ربك أحدا، كان مؤمنا حقا وصدقا، ومن رفض حكم الله ورسوله متى كان ذلك الحكم عليه لا له، وإذا كان له لا عليه أظهر الطاعة والإذعان، كان منافقا خارجا عن حظيرة الإيمان. وللكشف عن كلتا الحالتين والموقفين يقول الله تعالى في ختام هذا الربع :﴿ ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٧:وانتقل كتاب الله إلى تحديد معيار دقيق لا يتخلف يميز المؤمنين من المنافقين، والمهتدين من الضالين، ألا وهو النظر إلى موقف كلا الفريقين من التحاكم إلى الله ورسوله، فمن تقبل حكم الله ورسوله، بالطاعة والإذعان، سواء كان له أو عليه، إيمانا منه بأن الله تعالى هو أحكم الحاكمين، ولا يظلم ربك أحدا، كان مؤمنا حقا وصدقا، ومن رفض حكم الله ورسوله متى كان ذلك الحكم عليه لا له، وإذا كان له لا عليه أظهر الطاعة والإذعان، كان منافقا خارجا عن حظيرة الإيمان. وللكشف عن كلتا الحالتين والموقفين يقول الله تعالى في ختام هذا الربع :﴿ ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٧:وانتقل كتاب الله إلى تحديد معيار دقيق لا يتخلف يميز المؤمنين من المنافقين، والمهتدين من الضالين، ألا وهو النظر إلى موقف كلا الفريقين من التحاكم إلى الله ورسوله، فمن تقبل حكم الله ورسوله، بالطاعة والإذعان، سواء كان له أو عليه، إيمانا منه بأن الله تعالى هو أحكم الحاكمين، ولا يظلم ربك أحدا، كان مؤمنا حقا وصدقا، ومن رفض حكم الله ورسوله متى كان ذلك الحكم عليه لا له، وإذا كان له لا عليه أظهر الطاعة والإذعان، كان منافقا خارجا عن حظيرة الإيمان. وللكشف عن كلتا الحالتين والموقفين يقول الله تعالى في ختام هذا الربع :﴿ ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٧:وانتقل كتاب الله إلى تحديد معيار دقيق لا يتخلف يميز المؤمنين من المنافقين، والمهتدين من الضالين، ألا وهو النظر إلى موقف كلا الفريقين من التحاكم إلى الله ورسوله، فمن تقبل حكم الله ورسوله، بالطاعة والإذعان، سواء كان له أو عليه، إيمانا منه بأن الله تعالى هو أحكم الحاكمين، ولا يظلم ربك أحدا، كان مؤمنا حقا وصدقا، ومن رفض حكم الله ورسوله متى كان ذلك الحكم عليه لا له، وإذا كان له لا عليه أظهر الطاعة والإذعان، كان منافقا خارجا عن حظيرة الإيمان. وللكشف عن كلتا الحالتين والموقفين يقول الله تعالى في ختام هذا الربع :﴿ ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ﴾
الربع الثالث من الحزب السادس والثلاثين في المصحف الكريم
سبق لنا في الآيات الأخيرة من الربع الماضي أن كتاب الله حدد معيارا دقيقا للتمييز بين المؤمنين الصادقين الذي خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم فاستجابوا لله ورسوله، والمنافقين الذين في قلوبهم مرض، ممن درجوا على المراوغة والكذب والتكذيب، وذلك المعيار هو ما يظهر على هذا الفريق أو ذاك من الرضا أو السخط، ومن الثقة أو الشك، ومن الإقبال أو الإعراض، عندما يدعى للتحاكم إلى الله ورسوله، فلا يكون من الفريق الأول إلا القبول والسمع والطاعة، ولا يكون من الفريق الثاني إلا التحفظ والتردد والتمرد ﴿ أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ﴾.
ومضيا في نفس السياق، واستمرارا في نفس الموضوع، أخبرنا كتاب الله في بداية هذا الربع بالأثر البالغ الذي أحدثته الآيات السابقة في نفوس المنافقين حيث كشفت عنهم الستار، وفضحت ما ينطوون عليه من الجحود والإنكار، فلم يسعهم إلا أن يلجأوا إلى الأيمان المغلظة يقسمون بها، ويكثرون منها، ليؤكدوا إيمانهم وطاعتهم، وليخادعوا الله ورسوله والمؤمنين إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وكان من بين ما أقسموا عليه، للدلالة على إخلاصهم وصدق إيمانهم، أنهم على كامل الاستعداد، لمفارقة المال والأهل والأولاد، والخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل الجهاد، لكن الوحي الإلهي سجل عليهم مرة أخرى نفاقهم فيما يدلون به من أيمان كاذبة، وعرف رسوله بأن الطاعة التي يعلنونها لا فائدة من ورائها، لأنها مشكوك في أمرها، ومدخولة من أصلها، وأنهم مهما حاولوا إخفاء حقيقتهم، فإن الله تعالى مطلع على سرائرهم، لأنه يعلم السر وأخفى، وإلى ذلك يشير قوله تعالى هنا :﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم ﴾ أي طاقة ما قدروا أن يحلفوا ﴿ لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون ﴾.
ثم أعاد كتاب الله الكرة داعيا الناس جميعا إلى طاعة الله وطاعة رسوله، مبينا أن الإعراض عن الدعوة الإلهية، والهداية الربانية، لا يعفي أحدا من مسؤولياته، وكما أن الرسول عليه السلام قد حمله الله رسالة لن يستطيع التخلي عنها، ولا بد له من تبليغها أحب من أحب وكره من كره فإن كل فرد من أفراد البشر قد حمله الله أمانة الدين الحق، وهي أمانة لا يسوغ له التفريط فيها، ولا يسمح له بخيانتها وتجاهل أمرها، بل هو مسؤول عن صيانتها والحفاظ عليها وممارسة مقتضياتها قولا وعملا، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ﴾ أي على الرسول ﴿ ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين ﴾.
وليعرف المؤمنون المستقبل المشرق الذي ينتظرهم، ويتصوروا دنيا الإسلام الواسعة التي ستحتضن دينهم وحضارتهم، وما ستكون عليه دار الإسلام رغم سعتها وامتدادها عبر القارات من أمن واستقرار، ورفاهية وازدهار، أكد كتاب الله لهم بأقوى صيغ التأكيد أن ذلك أمر واقع، ليس له من دافع، كأنهم يرونه رأي العين، فقال تعالى :﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ﴾. لكن هذا الوعد الإلهي الذي هو حق وصدق وعد مقيد لا مطلق، فهو مرتبط بأمرين اثنين : الأمر الأول الإيمان، والأمر الثاني العمل الصالح. والإيمان يستلزم الإيمان بالله وبوحدانيته، وهي تتضمن وحدة الكون عموما، ووحدة النوع الإنساني خصوصا، ووحدة الرسالة الإلهية بالأخص، والإيمان بالله يستلزم الإيمان بدينه وشريعته، والإيمان بعدله وحكمته، والإيمان برقابته والخضوع لمراقبته، والإيمان ببعث ممارسة كل ما فيه خير وبر وصلاح، للفرد والجماعة، ومقاومة كل ما فيه شر وأذى وفساد بالنسبة لهما جميعا.
وقد نصر الله عبده، وأنجز لرسوله وللمؤمنين الصالحين وعده، فقامت لدين الحق دولة كبرى لا تغيب عنها الشمس، وهذا الدين قادر بما فيه من طاقات كامنة على أن يقيم اليوم دولة أخرى كما أقامها بالأمس، فالوعد الإلهي مستمر وقائم على الدوام، لكل من آمن بالله ثم استقام، وبقدر ما يتحقق من هذين الشرطين أو من أجزائهما يكون من حق المؤمنين انتظار وعد الله كليا أو جزئيا، لكن بقدر ما يطرأ من إهمالهما يتخلف عنهم وعد الله، فتنحط منزلتهم، بعدما رفعهم الله مكانا عليا.
ولتوضيح جملة من مقتضيات الإيمان والعمل الصالح تولى كتاب الله الحديث عنها في نفس السياق فقال :﴿ يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون * وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ﴾، ونبه كتاب الله خلال هذه الآية نفسها على أن المؤمنين الذين أنعم الله عليهم، مطالبون بشكر نعمه، وإلى أنهم لا يستحقون وصف الإيمان الكامل إلا إذا استعملوا نعمه فيما منحت لأجله، فلم يكفروا بها ولم يتنكروا لها، ولم يستعملوها في غير وجهها، وإلا انقلب وصفهم بالإيمان والمؤمنين، إلى وصفهم بالفسق والفاسقين، والفاسق من إذا استغنى تجبر وطغى، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها وبغى، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٥:وليعرف المؤمنون المستقبل المشرق الذي ينتظرهم، ويتصوروا دنيا الإسلام الواسعة التي ستحتضن دينهم وحضارتهم، وما ستكون عليه دار الإسلام رغم سعتها وامتدادها عبر القارات من أمن واستقرار، ورفاهية وازدهار، أكد كتاب الله لهم بأقوى صيغ التأكيد أن ذلك أمر واقع، ليس له من دافع، كأنهم يرونه رأي العين، فقال تعالى :﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ﴾. لكن هذا الوعد الإلهي الذي هو حق وصدق وعد مقيد لا مطلق، فهو مرتبط بأمرين اثنين : الأمر الأول الإيمان، والأمر الثاني العمل الصالح. والإيمان يستلزم الإيمان بالله وبوحدانيته، وهي تتضمن وحدة الكون عموما، ووحدة النوع الإنساني خصوصا، ووحدة الرسالة الإلهية بالأخص، والإيمان بالله يستلزم الإيمان بدينه وشريعته، والإيمان بعدله وحكمته، والإيمان برقابته والخضوع لمراقبته، والإيمان ببعث ممارسة كل ما فيه خير وبر وصلاح، للفرد والجماعة، ومقاومة كل ما فيه شر وأذى وفساد بالنسبة لهما جميعا.
وقد نصر الله عبده، وأنجز لرسوله وللمؤمنين الصالحين وعده، فقامت لدين الحق دولة كبرى لا تغيب عنها الشمس، وهذا الدين قادر بما فيه من طاقات كامنة على أن يقيم اليوم دولة أخرى كما أقامها بالأمس، فالوعد الإلهي مستمر وقائم على الدوام، لكل من آمن بالله ثم استقام، وبقدر ما يتحقق من هذين الشرطين أو من أجزائهما يكون من حق المؤمنين انتظار وعد الله كليا أو جزئيا، لكن بقدر ما يطرأ من إهمالهما يتخلف عنهم وعد الله، فتنحط منزلتهم، بعدما رفعهم الله مكانا عليا.
ولتوضيح جملة من مقتضيات الإيمان والعمل الصالح تولى كتاب الله الحديث عنها في نفس السياق فقال :﴿ يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون * وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ﴾، ونبه كتاب الله خلال هذه الآية نفسها على أن المؤمنين الذين أنعم الله عليهم، مطالبون بشكر نعمه، وإلى أنهم لا يستحقون وصف الإيمان الكامل إلا إذا استعملوا نعمه فيما منحت لأجله، فلم يكفروا بها ولم يتنكروا لها، ولم يستعملوها في غير وجهها، وإلا انقلب وصفهم بالإيمان والمؤمنين، إلى وصفهم بالفسق والفاسقين، والفاسق من إذا استغنى تجبر وطغى، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها وبغى، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ﴾.


﴿ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ﴾
ويلتقي مع هذه الآيات حول نفس المعنى قول الله تعالى في سورة الحج :﴿ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور ﴾ [ الآية : ٤١ ] فهذه هي الضمانات الكبرى والدائمة، لتمكين المؤمنين في الأرض، طولها والعرض.
ثم قال تعالى توكيدا لوعده الذي لا يتخلف ولو بعد حين، وتهوينا لشأن الكفر والكافرين والشرك والمشركين، مما قد يعتبره ضعفاء الإيمان عائقا في طريق المؤمنين، وسدا في وجه ما ينتظرونه من الفتح المبين :﴿ لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير ﴾.
وتتميما لما شرعه كتاب الله في شأن بيوت السكنى الخاصة، والظروف التي يجب فيها الاستئذان لدخولها، أو الانصراف عنها، لما لها من حرمة لا يسوغ التطاول عليها بحال، مما تضمنته الآيات السابقة في الربع الثالث من هذا الحزب، أضاف كتاب الله في هذا الربع الثالث أحكاما أخرى تخص من يعيشون داخل العائلة من الأطفال والخدم، وهذه الأحكام تقتضي إلزام من هم في ملك اليمين من الفتيات والفتيان، وإلزام من هم دون البلوغ من أطفال العائلة بالاستئذان، في ثلاث فترات خلال اليوم والليلة : قبل صلاة الفجر، وعند الظهيرة، وبعد صلاة العشاء. أما قبل صلاة الفجر فلأن الوقت في العادة وقت القيام من المضاجع، وطرح ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة، وأما عند الظهيرة فلأنها وقت وضع الثياب للقيلولة، وأما بعد صلاة العشاء قبل النوم فلأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم. وقد سمى كتاب الله كل فترة من هذه الفترات " عورة " لأن الشأن في الناس ان يقل تسترهم وتحفظهم فيها، مما قد يؤدي على كشف العورة، فلا بد للطوافين بالبيت من الخدم والأطفال، أن يستأذنوا في هذه الأحوال. أما بعد هذه الفترات الثلاث التي هي وقت التكشف غالبا فيسمح لهم بالدخول من غير استئذان، لضرورة العيش المشترك، والمخالطة والمداخلة في عين المكان، وذلك قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض ﴾ أي أن المنزل الواحد مشترك يطوف فيه البعض على البعض ﴿ كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ﴾.
لكن إذا خرج الأطفال من مرحلة الطفولة ودخلوا مرحلة البلوغ أصبح الاستئذان واجبا في كل وقت، لا في تلك الفترات الثلاث وحدها، وطبق عليهم ما يطبق على الكبار من بقية الأولاد والأقارب، وذلك قوله تعالى :﴿ وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم ﴾. ويشي قوله تعالى في هذه الآية :﴿ كما استأذن الذين من قبلهم ﴾ إلى الحكم الذي تضمنه قوله تعالى في الربع الأول من هذا الحزب :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ﴾ [ الآية : ٢٧ ] قال عطاء : " واجب على الناس ان يستأذنوا إذا احتملوا، أحرارا أو عبيدا ".
وبمناسبة ما أمر به كتاب الله هنا من التحفظ في الأوقات التي هي مظنة كشف العورة، وهو أمر شامل للرجال والنساء، وبعد أن بين الحكم الأصلي في زينة النساء، بما فيها الزينة الظاهرة والزينة الخفية، وحدد الموقف الذي يجب عليهن اتخاذه بالنسبة للمحارم والأجانب في الربع الأول من هذا الحزب، ابتداء من قوله تعالى :﴿ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ﴾ عاد كتاب الله في هذا الربع إلى نفس الموضوع، ليبين الحكم الخاص " بالقواعد " من النساء، وهن اللواتي لم يبق لهن تشوف إلى الزواج لكبر سنهن، وعدم الافتتان بهن، وانصراف الأعين عنهن، لا سيما إذا انقطع عنهن الحيض ويئسن من الولد، فأباح لهن ما لم يبحه لغيرهن، وأزال عنهن كلفة التحفظ المتعب لهن، وبين أنهن ليس عليهن من الحجر في التستر ما يجب على غيرهن من النساء، وذلك بالنسبة لثيابهن الظاهرة كالجلباب والرداء، لكن بالرغم من هذه الرخصة التي منحها كتاب الله للقواعد من النساء، عندما يحتجن إلى التخفف من ظاهر الثياب، نبههن إلى أن الأولى والأفضل هو ملازمة التستر الكامل كغيرهن من المؤمنات. كما نبههن إلى تفادي كل ما يقصد به التبرج أو يحمل عليه، والمراد " بالتبرج " تكلف إظهار ما يجب إخفاؤه من الزينة، بقصد إثارة شهوة الرجال، إذ كم من سيدة بلغت من الكبر عتيا تكون حريصة على التبرج والظهور بمظهر الفتنة والجمال. وإلى هذه المعاني مجتمعة يشير قوله تعالى في إيجاز وإعجاز :﴿ والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم ﴾.
وانتقل كتاب الله إلى موضوع له علاقة وثيقة بالحياة الاجتماعية عموما والحياة العائلية خصوصا، ألا وهو موضوع آداب المائدة وحسن الضيافة بالنسبة للأقارب والأصدقاء، ومهد له بالحديث عن ذوي العاهات والأعذار، الذين لا ينبغي ان يكونوا في المجتمع الإسلامي أقل من غيرهم في التقدير والاعتبار، إذ لا يصح عزلهم عن الحياة الاجتماعية بالمرة، لما يجلبه لهم ذلك من الشعور بالغضاضة والمرارة والحسرة، فقال تعالى :﴿ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ﴾، ثم بين البيوت التي تطيب أنفس أهلها بأكل من يدخل عليهم، لزيارتهم، وصلة الرحم معهم، والسؤال عن أحوالهم، لما بينهم من عطف متبادل ودم مشترك، وهي بيوت الأخوات، وبيوت الأمهات، وبيوت الإخوان، وبيوت الأخوات، وبيوت الأعمام، وبيوت العمات، وبيوت الأخوال، وبيوت الخالات، وإلى هذه البيوت أشار قوله تعالى هنا :﴿ ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم ﴾، ويضاف إلى الأقرباء الذين تطيب نفوس أقربائهم بضيافتهم والأكل من طعامهم من لهم مع الشخص رابطة عمل وخدمة، أو علاقة نيابة وتكليف، فهؤلاء يجوز لهم ان يأكلوا مما تحت أيديهم، مما هو في ملك مخدوميهم، إذا لم يرتبوا لهم أجرة على عملهم، وختم كتاب الله هذه السلسلة بالأصدقاء الصادقين الذين تعتبر بيوتهم بمنزلة بيوت الأقرباء، فقال تعالى :﴿ أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ﴾. وإذا كانت بيوت الأولاد لم تذكر صراحة في هذه الآية فإن قوله تعالى في بدايتها :﴿ ولا على أنفسكم ان تأكلوا من بيوتكم ﴾ يتضمنها من باب أولى وأحرى، لأن سبب الرخصة الذي هو القرابة، يتحقق في الولد أكثر من بقية القرابات الأخرى.
ونبه كتاب الله إلى أنه لا حرج على العيال والأقرباء، والضيوف والأصدقاء في أن يأكلوا مجتمعين أو متفرقين حسب الظروف، وإن كان الاجتماع على مائدة واحدة أبرك وآنس، وأجلب للألفة، وذلك قوله تعالى :﴿ ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ﴾، وحض الزائرين على البدء بتحية أهل البيت الذين جاؤوا لزيارتهم والسلام عليهم، فقال تعالى :﴿ فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ﴾ يعني إخوانكم الذين هم بمنزلة أنفسكم ﴿ تحية من عند الله مباركة طيبة ﴾، قال جار الله الزمخشري : " ووصفها بالبركة والطيب، لأنها دعوة مؤمن لمؤمن، يرجى بها من الله زيادة الخير وطيب الرزق ".
وفي نهاية هذا الربع شرع الله للمؤمنين أصلا أساسيا وحيويا لتنظيم حياتهم العامة، ففرض عليهم إذا دعاهم رسول الله لجمع خطير بقصد النظر والتشاور في أمر جليل يعم نفعه أو ضرره، سلما أو حربا أن لا ينصرف أحد منهم عن الجمع قبل أن ينفض، إلا بعد استئذانه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصدور الإذن له منه بالفعل، على أن يكون ذلك من أجل عذر طارئ مقبول، وإلا لم يفارق الجمع بالمرة، إذ ما دام الغرض من الجمع لم يتم فليس للتفرق معنى، ووكل كتاب الله إلى رسوله تقدير ظروف الراغب في الانصراف بعد الاستئذان، فإن رأى ما يبرر رغبته أذن له، وإلا فلا، وقد كشف كتاب الله الستار عن سلوك المنافقين في هذا المجال، حيث كانوا ينصرفون من الجمع متسللين، فقال تعالى في شأنهم وسيأتي ذلك في بداية الربع القادم ﴿ قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ﴾ [ النور : ٦٣ ] وأمر الله جميعهم بان لا يخرج احد منهم حتى ينفض الجمع الذي دعا إليه رسول الله، عند استنفاد الغرض منه، وبذلك يتبين إيمان المؤمن ونفاق المنافق، وواضح أن هذا الأصل الأصيل الذي شرعه الله لرسوله وطبقه في حياته يسري من بعده على خلفائه الراشدين وأمراء المؤمنين وأئمة المسلمين، وما داموا جميعا مأمورين بممارسة الشورى بمقتضى قوله تعالى ﴿ وشاروهم في الأمر ﴾ [ آل عمران : ١٥٩ ]، وقوله تعالى :﴿ وأمرهم شورى بينهم ﴾ [ الشورى : ٣٨ ] فالمشاورون بدورهم مأمورون بالمشاركة في الجمع الذي يدعونه إليه من البداية إلى النهاية، لتقديم ما عندهم من رأي وتجربة، والمساهمة في تقليب كافة وجوه النظر، إلى أن ينجلي للجميع الرأي المعتبر.
وإلى هذا النظام الأساسي الذي وضعه كتاب الله لحياة المسلمين العامة يشير قوله تعالى في الآيات الأخيرة من هذا الربع فيقول :﴿ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم ﴾.
الربع الأخير من الحزب السادس والثلاثين في المصحف الكريم
في نهاية الربع الماضي حث كتاب الله السابقين الأولين، الذين نالوا من العناية الإلهية أوفر نصيب، بصحبة خاتم الأنبياء والمرسلين، وكذلك من يأتي بعدهم من كافة المؤمنين، على عدم الانصراف من أي جمع إسلامي عام تعالج فيه الشؤون العامة للمسلمين، إلى أن ينتهي الجمع إلى النتيجة التي التأم من أجلها، وأمرهم بأن لا يفارق أي واحد منهم مقر الجمع، إلا بإذن صريح من رسول الله الذي هو رئيس الجماعة الإسلامية الأول والأصيل، وواضح أن هذا التوجيه الإلهي ينسحب بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى على خلفائه من بعده، وذلك قوله تعالى :﴿ وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ﴾.
وبعد ان استوفى كتاب الله في الستين آية التي مضت من سورة النور المدنية جملة الضوابط التي تضبط الحياة الخاصة والحياة العامة للأسرة المسلمة، الصغرى والكبرى، وما يلزم أن تطبقه من التعليمات الدقيقة في علاقاتها الاجتماعية والسياسية، سواء فيما بين أفرادها بعضهم مع بعض، أو فيما بين الراعي منهم والرعية، حذر كتاب الله من التمرد على تلك الضوابط والمخالفة لتلك التعليمات، مبينا ما يؤدي إليه عدم اتباعها والخروج عليها والإعراض عنها من أسوأ العواقب، في الدنيا والآخرة، فقال تعالى :﴿ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ﴾ لأن اعتقاد ما هو مخالف لقول الله كفر، وفعل ما هو مخالف لأمره معصية. وتصدق هذه الآية الكريمة أيضا على الاجتماعات التي تعقد للنظر في ( أمر جامع ) تتوقف عليه مصلحة المسلمين العامة، طبقا لأصول الإسلام الثابتة، فلا يسوغ الخروج على مقرراتها، ولا مخالفة توجيهاتها، إذ الغرض الأساسي منها متى دعا إليها الرسول وصالحو المؤمنين هو الحصول على الإجماع والاتفاق، وتفادي الخلاف والشقاق، ومتى وقع الخروج عليها منيت الأمة بالانحلال والفشل، وأصيبت الدولة بمختلف الأدواء والعلل. ومن قوله تعالى هنا :﴿ فليحذر الذين يخالفون عن أمره ﴾ [ الآية : ٦٣ ]، استنبط المحققون من علماء الأصول أن " الأمر " صريح في الاقتضاء والطلب، وأن كونه للوجوب إنما يؤخذ من توجه اللوم والذم، وترتيب العقاب على مخالفته.
وفي بداية هذا الربع كشف كتاب الله النقاب عن حقيقة فريق من الناس ضعاف الإيمان لا تهمهم شؤون المسلمين العامة، ولا يحملون لرؤسائهم المسلمين في قلوبهم وقارا، لكن تضطرهم الظروف إلى حضور مثل هذه الجموع كي لا يوصموا بالعار، حتى إذا ما حضروها أحسوا في أنفسهم بالضيق والملل، وحاولوا التسلل منها في خفية عن الأنظار، وإلى هذه الطائفة التي في قلبها مرض، وجه كتاب الله تحذيره الصريح، إذ قال تعالى :﴿ قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ﴾، إشارة إلى أنه إذا غفلت عين الرئيس المسلم الذي يرأس الجمع، أو غفلت أعين المسلمين المجتمعين فيه، عن تسلل أولئك المذبذبين، وخروجهم من الجمع مختفين مستترين، دون اعتذار ولا استئذان، حذرا من الفضيحة والهوان، فإن الله تعالى الذي يعلم السر والنجوى لا يخفى عليه من أمرهم شيء، وسيحاسبهم، بمقتضى علمه، على ما في ضمائرهم حسابا عسيرا. وكلمة ( لواذا ) في هذه الآية من الملاوذة، وهي أن تستتر بشيء مخافة من يراك، وقد كان المنافقون أول من دشن على عهد الرسالة هذا النوع من الالتواء والمخاتلة، فتركوه سنة لمن بعدهم.
وفي سياق الحديث عن " الأمر الجامع " الذي يدعو الرسول إلى حضوره وتدور حوله المناقشة والحوار نبه كتاب الله إلى أن مخاطبة رسوله الأعظم يجب ان تكون مصحوبة بالأدب اللائق بمقامه الكريم، ويشمل ذلك اللقب الذي يدعى به، واللهجة التي يخاطب بها، فلا يدعى إلا بوصفه " رسول الله " ولا يدعى إلا برفق ولين، دون تهجم أو رفع للصوت، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ﴾ على غرار قوله تعالى في سورة الحجرات :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ﴾ [ الآية : ٢ ]، وقد استحسن العلماء ملاحظة هذا المعنى في مخاطبة ذوي الخطط والولايات المختلفة، حيث يفضل أن يدعى كل واحد منهم بلقب خطته تكريما له، ومن ذلك الخليفة والأمير والوزير، وهكذا، كما نبه على ذلك القاضي أبو بكر ( ابن العربي ).
ويمكن أن يكون المراد بقوله تعالى :﴿ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ﴾ هو أن الجمع الذي يوجه الرسول الدعوة لحضوره يجب أن ينال من الاهتمام والاعتبار ما لا تحظى به دعوات غيره من الناس، ولذلك لا يسوغ التخلف عن حضوره إلا لعذر مشروع، ولا تجوز مفارقته إلا بإذن صريح، ويقاس عليه ما يدعو إليه من الاجتماعات المتعلقة بالمصالح العامة أمراء المؤمنين، ورؤساء المسلمين، ولا مانع من أن تحمل هذه الآية على كلا المعنيين، إذ لا تعارض بينهما ولا تناقض، ويكون ذلك من باب الإيجاز والإعجاز.
﴿ أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
ثم ذكر كتاب الله كل من في قلوبهم مرض، ممن يخيل إليهم أنهم بمنجاة من رقابته وسطوته، أنه لا يخفى عليه من أحوالهم شيء، وإن بالغوا في التستر بها، والتظاهر بغيرها، وأنه سينبئهم بما عملوا ويؤاخذهم عليه، فقال تعالى :﴿ ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم ﴾، إذ كيف يخفى عليه أمرهم وجميع ما في السماوات والأرض في قبضته، خلقا وملكا وعلما، وواضح أن لفظ ( قد ) في قوله تعالى هنا :﴿ قد يعلم ما أنتم عليه ﴾ لا يعني في هذا السياق إلا توكيد علمه سبحانه بما هم عليه من المخالفة والنفاق، وكما أفاد لفظ ( قد ) في قوله تعالى من قبل :﴿ قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ﴾ تحقيق علمه سبحانه بهم وتوكيده، أفاد لفظ ( قد ) هنا نفس المعنى، والمغزى المراد من توكيد العلم في كلتا الآيتين هو توكيد الوعيد الذي تتضمنه الواحدة تلو الأخرى، حسبما نبه على ذلك جار الله الزمخشري.
Icon