بسم الله الرحمن الرحيم
سورة لقمانسورة لقمان مكية إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة، وهي قوله تعالى :﴿ ولو أنما في الأرض ﴾ إلى تمام الثلاث الآيات١.
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة لقمانسورة لقمان مكية إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة، وهي قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ) إلى تمام الثلاث الآيات.
قوله تعالى ذكره: ﴿الم * تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم﴾ إلى قوله: ﴿عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾.
أي: هذه الآيات آيات الكتاب المحكم هادياً وراحماً الله به من آمن بالله وكتبه ورسله. وإن رفعت " رحمة ". فالتقدير هو هدى ورحمة لمن أحسن لنفسه فآمن بالله
ثم قال: ﴿الذين يُقِيمُونَ الصلاة﴾ أي: يقيمونها بحدودها في أوقاتها.
﴿وَيُؤْتُونَ الزكاة﴾ أي: التي افترض الله عليهم.
﴿وَهُمْ بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ﴾ أي: يصدقون بالبعث بعد الموت والجزاء.
ثم قال تعالى: ﴿أولئك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ﴾ أي: على إيمان.
﴿وأولئك هُمُ المفلحون﴾ أي: الباقون في النعيم/ الفائزون.
ثم قال جل ذكره: ﴿وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾.
قال قتادة: معناه: من يختاره ويستحسنه يعني الغناء.
وروي عنه أنه قال: لعله لا ينفق مالاً ولكن اشتراؤه استحبابه. وكذلك قال مطرف.
وقال ابن مسعود في الآية: " الغِنَاءُ والله الذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، يُرَددِّهُهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ".
وقال ابن عباس: " هُوَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الجَارِيَّةَ المُغَنِّيَة تُغَنِّيهِ لَيْلاً وَنَهَاراً ".
وروى أبو أمامة عن النبي ﷺ أنه قال: " لاَ يَحِلُّ بَيْعُ المُغَنِّيَاتِ وَلاَ شِرَاؤُهُنَّ وَلاَ التِّجَارَةُ بِِهِنَّ وَلاَ أَثْمَانُهُنَّ، وَفِيهِنَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآية " وَمِنَ النَّاسِ... "
روى أنس بن مالك أن النبي ﷺ قال: " مَنْ جَلَسَ إِلَى قَيْنَةٍ يٍسْتَمِعُ مِنْهَا صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وروى مالك عن ابن المنكدر أنه قال: " إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ
روت عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: " مَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ مُغَنِّيَةٌ فَلاَ تُصَلُّوا عَلَيْهِ " رواه مكحول عنها.
وقال ابن عمر: هو الغناء، وكذلك قال عكرمة ومكحول وغيرهم.
والتقدير: على هذا: ومن الناس من يتشتري ذات لهو أو ذا لهو.
وعن الضحاك: إن لهو الحديث: الشرك. ورواه عنه جويبر أنه قال:
وسئل القاسم بن محمد عنه فقال: الغناء باطل، والباطل في النار.
وقال معمر: هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث كان يشتري الكتب التي فيها أخبار فارس والروم، ويقول: محمد يحدثكم عن عناد وثمود وأنا أحدثكم عن فارس والروم، ويستهزئ بالقرآن إذا سمعه.
وروى ابن جريج عن مجاهد في لهو الحديث: أنه الطبل.
وقال ابن عباس: عن القرآن وَذِكْرِ الله، وهو رجل من قريش اشترى جارية مغنية.
وقوله: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي: جعلا منه بأمر الله فعل ذلك.
ثم قال: ﴿وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً﴾ أي: ويتخذ سبيل الله هزؤاً. قاله مجاهد.
وقال قتادة: ويتخذ الآيات هُزُؤاً.
﴿أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ أي: في الآخرة.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَإِذَا تتلى عَلَيْهِءَايَاتُنَا ولى مُسْتَكْبِراً﴾ إلى قوله: ﴿إِلَيَّ المصير﴾.
أي: وإذا يتلى على الذي يشتري لهو الحديث القرآن أدبر يستكبر عن سماع الحق، ﴿كَأَنَّ في أُذُنَيْهِ وَقْراً﴾ أي صمماً وثقلاً فهو لا يستطيع أن يسمع ما يتلى عليه.
﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أي: مؤلم، يعني في يوم القيامة، وذلك عذاب النار.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ جَنَّاتُ النعيم﴾.
أي: إن الذين صَدَّقُوا محمداً وما جاء به وعملوا الأعمال الصالحة، لهم بساتين النعيم ما كثين فيها إلى غير نهاية.
﴿وَعْدَ الله حَقّاً﴾ أي: وعدهم الله ذلك [وعداً] حقاً لا خلف فيه.
﴿الحكيم﴾ في تدبيره لخلقه.
ولا يحسن الوقف على: " خالدين فيها " عند سيبويه، لأن الجملة عاملة في: " وَعْدَ الله " إذ هو عنده مصدر مؤكد.
وأجازه أبو حاتم لأنه يضمر فعلاً ينصب به " وعداً الله "، وتقديره: وعدهم الله بذلك وعداً حقاً.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿خَلَقَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾.
قال ابن عباس: عمدها قاف، وهو الجبل المحيط بالدنيا، وهو من زبرجدة خضراء. من زبرجد الجنةن وخضرة السماء منه، وخضرة البحار من السماء، والسماء مقبة على الجبل الذي اسمه قاف، ولكنكم لا ترونه.
وروي عنه أنه قال: لعلها بعمد لا ترونها. وقاله عكرمة.
فيكون ترونها على هذا القول في موضع خفض نعتاً للعمد، والتاء متعلقة
وقال الحسن: لا عمد لها البتة. فيكون " ترونها " على هذا القول في موضع نصب على الحال من السماوات والباء متعلقة بِتَرَوْنها.
ويجوز أن يكون " ترونها " مستأنفاً، أي أنتم ترونها/ فتقف على: " بعير عمد " ولا تقف على القولين الأولين إلا على: " ترونها "، فإذا كان الضمير في ترونها للعمد، فترونها نعت للعمد، وليس ثم عمد، والمعنى فلا عمد مرئية البتة ويحتمل على هذا الوجه، فلا عمد مرئية لكم، أي ثم عمد ولكن لا ترونه.
[فإذا جعلت الضمير في ترونها يعود على السماوات، كان ترونها] حالاً من السماوات.
والمعنى ترون السماوات بغير عمد تمسكها، فلا عمد ثم البتة، كالتأويل الأول.
ثم قال تعالى: ﴿وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾ أي: أن تحرك بكم يميناً وشمالاً، أي: حمل على ظهر الأرض جبالاً ثوابت لئلا تميد بكم.
قال قتادة: لولا ذلك ما أقرت عليها خلقاً.
﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا﴾ أي في الأرض بذلك الماء.
﴿مِن كُلِّ زَوْجٍ﴾ أي: نوع من البنات.
﴿كَرِيمٍ﴾ قال قتادة: حسن.
وقال ابن عباس: من كل لون حسن.
وتأوله الشعبي على الناس لأنهم مخلوقون من الأرض، فمن كان منهم إلى لاجنة فهو الكريم، ومن يصير إلى النار فهو اللئيم.
وتأويله غير في النطفة لأنها مخلوقة من تراب في الأصل.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿هذا خَلْقُ الله﴾ أي فرق في الأرض من كل أنواع الدواب، ثم قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً﴾ أي: هذا الذي تقدم ذكره خلق الله الذي لا تصلح العبادة والألوهية إلاّ له، فأروني أيها المشركون أي شيء خلق الذي عبدتم من دونه.
ثم قال تعالى: ﴿بَلِ الظالمون فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي: هؤلاء المشركون في عبادتهم الأصنام في جور عن الحق وذهاب عن الاستقامة ظاهر لمن تأمله.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحكمة أَنِ اشكر للَّهِ﴾.
وروي عنه أنه كان لقمان الحكيم عبداً حبشياً غليظ الشفتين مصمفح القدمين قاضياً على بني إسرائيل.
وقال سعيد بن المسيب: كان لقمان أسوداً من سودان مصر.
وقال ابن عباس: كان عبداً حبشياً.
وروي أنه كان في وقت داود.
وعن عكرمة أنه قال: كان نبياً.
وقال قتادة: الحكمة التي أوتي: الفقه في الإسلام.
قال قتادة: لم يكن نبياً ولم يوح إليه.
وعن مجاهد: أن الحكمة التي أوتي: القرآن.
وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: قال لقمان لابنه: إن الناس قد تطاول عليهم ما يوعدون، وهم إلى الآخرة سراعاً يذهبون، وإنك قد استدبرت الدني منذ كنت، واستقبلت الآخرة، وإن داراً تصير إليها أقرب إليك من دار تخرج عنها، يا بني ليس غنى كصحة ولا نعيم كطيب نفس.
وروى أشهب عن مالك: أن لقمان كان يقول لابنه: اتق الله جهد نفسك.
وروي عنه: أنه كان عبدً حبشياً نجاراً. وقيل: كان خياطاً.
وقيل: كان راعياً، فقال له مولاه: اذبح لنا هذه الشاة فذبحها، فقال له: أخرج أطيب مضغتين فيها، فأخر اللسان والقلب، ثم مكث ما شاء الله، ثم قال له: اذبح لنا هذه الشاة فذبحها، فقال له: أخرج أخبث مضغتين فيها فأخرج اللسان والقلب، فقال له مولاه في ذلك منكراً عليه وممتحناً له: [أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فأخرجتهما وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فيها فأخجرتهما]، فقال لقمان: ليس شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.
وروي أنه أتاه رجل وهو في مجلس أناس يحدثهم فقال: ألست الذي كنت
[قال]: فما بلغ بك ما أمرى؟ قال: صدق الحديث، والصمت عما لا يعنيني.
قال وهب بن منبه: قرأت من حكمته أرجح من عشرة آلاف باب.
وقوله: ﴿أَنِ اشكر للَّهِ﴾ أن بمعنى أي: لا موضع لها.
وأجاز سيبويه أن كون في موضع نصب على معنى بأن أشكر، كما تقول كتبت إليه أن قم، أي: بأن قم.
والمعنى: أن أحمد الله على ما آتاك من الحكمة، فقوله: " أَنْ أشْكُرْ " بيان عن الحكمة لأن من الحكمة التي أوتيها شكر الله على ما أتاه.
ثم قال: ﴿وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ أي: من شكر نعم الله عليه فإنما يشكر
ثم قال: ﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ﴾ أي: ومن كفر نعمة الله فلنفسه أساء، إذ الله تعالى معاقبه على ذلك، وهو غني عن شكره، ولا يزيده شكر العبد في سلطانه ولا ينقص تركه منه.
﴿حَمِيدٌ﴾ أي: محمود على كل حال.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يابني لاَ تُشْرِكْ بالله﴾ أي: واذكر يا محمد إذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك، أي: لا تعبد معه غيره.
﴿إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ أي: الخطأ كبير.
وروي أن اسم ابنه ثاران.
ثم قال: ﴿وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ﴾ أي: يبرهما.
﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ﴾ أي: ضعفاً على ضعف وشدة على شدة، ومنه: " وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي ".
قال ابن عباس: شدة بعد شدة وخلقاً بعد خلق.
وقال الضحاك: ضعفاً على ضعف.
فهذا كله يعني به الحمل، يعني: ضعف الحمل، وضعف الطلق، وضعف النفاس.
وعن ابن عباس أنه قال: مشقة وهن الولد على وهن الوالدة وضعفها.
والوهو في اللغة الضعف: يقال: وَهَنَ يَهِنُ وَوَهُنَ يُوْهَنُ، وَوَهِنَ يَهِنُ مثل وَرِمَ يَرِمُ.
ثم قال تعالى: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ أي: وفطامه من الرضاع في انقضاء عامين مثل وسئل القرية.
﴿أَنِ اشكر لِي﴾ أن بمعنى أي: أو في موضع نصب على ما تقدم.
وكونها بمعى (أي) أحسن.
والمعنى: وعهدنا إليه أن أشكر نعتمي عليك، وأشكر لوالديك تربيتهما لك، ومحنتهما فيك.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ على أَن تُشْرِكَ بِي﴾ إلى قوله: ﴿وإلى الله عَاقِبَةُ الأمور﴾.
أي: وأن جاهداك أيها الإنسان والداك على أن تشرك بي في العبادة ما لا تعلم أنه لي شريك، فلا تطعهما فيما أراداك عليه من الشرك.
﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا مَعْرُوفاً﴾ أي: بالطاعة لهما فيما لا إثم عليك فيه.
﴿واتبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ أي: واسلك طريق من تاب ورجع عن شركه إلى الإسلام.
قال قتادة: " مَنَ أَنَابَ إِلَيّ " أقبل إلي.
قال الليث: نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقاص، كان بَرّاً بأمه، فلما أسلم كلمها بعض قومها أن تكلمه أن يرجع إلى دينه، فقالت: أنا أكفيكموه، فكلمته في
قال الليث: فصارت له ولغيره وأن لا يطاع أحد في شرك ولا في معصية لله.
وروي أنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنهـ فهو الذي أناب إلى الله، وأمر الله أن يتبع سبيله، وذلك أن أبا بكر حين أسلم أتاه عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأتاه قبل ذلك عثمان وطلحة والزبير رضي الله عنهم، فسألوه هل أسلم؟ فقال: نعم، فنزلت ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اليل سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الآخرة﴾ الآية إلى قوله:
قوله: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ أي: مصيركم بعد مماتكم.
﴿فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي: فأخبركم بجميع ما كنتم تعملون في الدنيا من خير وشر، ثم أجازيكم عليه.
وهذه القصة كلها معترضة فيما بين كلام لقمان لابنه، وإنما جاز الاعتراض هنا لأنها أيضاً مما كان وصى به لقمان ولده، فجعلها الله جل ذكره خبراً من عنده لنا لنتبعها ونعمل بها، مما دعل على ذلك قوله تعالى عن لقمان أنه قال لولده: ﴿يابني إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ﴾ أي: إن القصة التي سألتني عنها/ أو المسألة.
روي أنه كان يسأل والده عن ذكل، فجرى الإضمار عن سؤال ولده له.
وقيل: التقدير: إن الخطيئة أو المعصية إن تكن مثقال حبة. هذا على قراءة من نصب " مثقال حبة " فأما من رفع. فلا إضمار في " كان " عنده، ورفع إلقاء ثبت في
فالمعنى على الرفع: إن الخطيئة إن تك حبة، أي إن وقعت حبة من خرذل. ويجوز أن يكون الخبر محذوفاً -، والتقدير: إن تك حبة خرذل في موضع يأت بها الله.
والتقدير في هذا كله: زنة حبة من خير أو شر.
ثم قال: ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السماوات أَوْ فِي الأرض﴾.
روي أن ابن لقمان سأل لقمان فقال: أرأيت الحبة تكون في مثل البحر أمن يعلمها الله فأعمله أن يعلمها في أخفى الموضع لأن الحبة في الصخرة أخفى منها في السماء.
وهذا مثل لأعمال العباد، أن الله يأتي بأعمالهم يوم القيامة.
روي أن لقمان لما وعظ ابنه هذه الموعظة أتى بحبة خرذل فألقاها في اليرموك -
ويروي أن عائشة رضي الله عنها: " تصَّدقَتْ بحبة عنب فقالت لها مولاتها بُرَيْرَةُ يا أُمَّ المؤمنين: أي شيء حبة عنب؟ فقالت لها عائشة: كم ترين فيها من مثقال ذرة ".
ويقل: إن الصخرة هنا هي الصخرة الخضراء التي على ظهر الحوت وهو النون الذي ذكره الله تعالى في قوله: نون والقلم والحوت في السماء والسماء على ظهر صفاة، والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة في الريح، وهي الصخرة التي
وقال قتادة: " فتكن في صخرة " أي: في جبل من الجبال.
وقيل: معنى ﴿يَأْتِ بِهَا الله﴾ بعلمها الله.
﴿إِنَّ الله لَطِيفٌ﴾ أي: باستخراجها.
﴿خَبِيرٌ﴾ أي: يمكن ومستقرها لا يخفى عليه شيء.
ثم قال تعالى: ﴿يابني أَقِمِ الصلاة﴾ أي: بحدودها في أوقاتها.
﴿وَأْمُرْ بالمعروف﴾ أي: آمر الناس بطاعة الله.
﴿وانه عَنِ المنكر﴾ أي: إنه الناس عن معصية الله.
﴿واصبر على مَآ أَصَابَكَ﴾ أي: من أذى الناس ومحن الدني في ذات الله إذا أنت أمرتهم بالطاعة ونهيتهم عن المصعية.
﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمور﴾ أي: إن الصبر على ذلك مما أمر الله له من الأمور عزماً.
ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ أي: لا تعرض بوجهك، على من كلمك تكبراً واستخفافاً.
وأصله من الصعر وهو داء يأخذ الإبل في أعناقها. ورؤوسها، تلتوي منه
قال ابن عباس: معناه لا تتكبر فتحقر عباد الله وتعرض عنهم بوجهك، إذا كلموك وهو معنى قول مجاهد والضحاك.
وعن مجاهد أنه قال: هو الرجل يكون بينه وبين أخيه إحْنَةٌ فيراه فيعرض عنه فنهاه عن ذلك.
وقال النخعي: هو التشدق.
ثم قال: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً﴾.
قال الضحاك: لا تمش بالخيلاء.
﴿إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ أي: كل متكبر مفتخر بما أعطى وهو لا يشكر الله.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿واقصد فِي مَشْيِكَ﴾ أي: تواضع في مشيك إذا مشيت، ولا تستكبر ولا تستعجل ولكن اتئد.
قال مجاهد: واقصد في مشيك التواضع.
وقال قتادة: نهاه عن الخيلاء.
وقال يزيد بن أبي حبيب: نهاه عن السرعة.
ثم قال: ﴿واغضض مِن صَوْتِكَ﴾ أي: اخفض منه واجعله قصداً إذا/ تكلمت.
وقيل: معناه إذا ناجيت ربك لا تصح، وبالخفاء دعا زكرياء ربه.
قال قتادة: أمره بالاقتصاد في صوته.
ثم قال: ﴿إِنَّ أَنكَرَ الأصوات لَصَوْتُ الحمير﴾.
قال قتادة: أوله زفير وآخره شهيق.
قال عكرمة: معناه إن شر الأصوات.
وقال الحسن: معنها إن أشد لاأصوات.
قال ابن زيد: لو كان رفع الصوت خيراً ما جعله للحمير.
ووحج الصوت لأنه مصدر.
وفي الحديث: " ما صاح حِمَارٌ ولا نَبَحَ كَلْبٌ إلا أن يرَى شَيْطَاناً ".
ثم قال تعالى: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾.
[من جمع النعم ظهرة وباطنة حالا]. ومن وحد جعلها نعتاً.
وقال ابن عباس في توحيد النعمة: هي الإسلام.
وقال مجاهد: هي لا إله إلا الله.
وروي ذلك أيضاً عن ابن عباس.
فيكون المعنى: ظاهرة على الألسن وعلى الأبدان والجوارح عملاً، وباطنة في القلوب اعتقاداً ومعرفة.
وروى الضحاك، عن ابن عباس أنه سأل النبي ﷺ عن ذلك فقال: " الظاهرة
ثم قال تعالى: ﴿وَمِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله﴾.
أي: يخاصم في تويحد الله وإخلاصه العبادة له بغير علم عنده لما يخاصم به ﴿وَلاَ هُدًى﴾ أي: ولا إيمان يبين به صحة ما يقول ﴿وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾ أي: ولا تنزيل من الله عنده بما يدعي يبين به صحة دعواه.
قال ابن عباس: هو النضر بن الحارث.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَآ أَنزَلَ الله﴾ أي: وإذا قيل لهؤلاء المجادلين في الله بـ غير علم: اتبعوا ما أنزل الله على رسوله من القرآن.
﴿قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا﴾ من عبادة الأوثان.
قال الله جل ذكره: ﴿أَوَلَوْ كَانَ الشيطان يَدْعُوهُمْ إلى عَذَابِ السعير﴾. هذا على التوبيخ له: أي: أَوَلَوْ كان الأمر هكذا أكان يجب لهم أن يتبعوه.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ أي: من يتذلل إلى الله بالعبادة وهو مطيع لما أمره الله به فقد استمسك بالأمر الأوثق الذي لا يخاف معه، أي: يمسك من رضى الله تعالى بما لا يخاف معه غداً عذاباً.
قال ابن عباس: العروة الوثقى: لا إله إلا الله.
﴿وإلى الله عَاقِبَةُ الأمور﴾ أي: إليه ترجع أمور الخلق فيجازيهم بأعمالهم.
أي: لا يغمك يا محمد كفر من كفر ولم يؤمن، فإن رجوعه إلى الله فيخبره بسور عمله ويجازيه عليه، وهذا مثل قوله " ﴿فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: ٨] ".
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ أي: يعلم ما تكنه صدورهم من الكفر بالله.
ثم تعالى: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً﴾ أي: يمهلهم في الدنيا إمهالاً قليلاً ووقتاً قليلاً.
﴿ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ أي: يلجئهم إلى الدخول في عذاب النار - نعوذ بالله منها -.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله﴾ أي: إن سألت يا محمد هؤلاء المشركين من قومك من خلق السماوات والأرض؟ أقروا بأنه الله، فقل يا محمد عند إقرارهم بذلك: الحمد لله: أي الذي خلق ذلك وتفرج به لأنهم لم يخلقوا شيئاً.
﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي: لا يعلمون من يجب له الحم والشكر.
ثم قال تعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السماوات والأرض﴾ أي يملكها.
﴿إِنَّ الله هُوَ الغني﴾: أي: عن خلقه. ﴿الحميد﴾ أي المحمود على نعمه.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ﴾. أي: ولو أن شجرة الأرض كلها بريت أقلاماً، والبحر لها مداد، ويمدها سبعة أبحر مداداً - أي الأقلام - ﴿مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله﴾.
" وما " عملت فيه، أو على موضع " ما "، إذ لم يظهر فيه الإعراب.
قال قتادة: قال المشركون: هذا الكلام يوشك أن ينفد/ فنزلت هذه الآية. وروي أن هذه الآية نزلت على النبي ﷺ في سبب مجادلة كانت من اليهود له.
قال ابن عباس: " قالت أحبار يهود للنبي ﷺ بالمدينة: يا محمد أرأَيْتَ قَوْلُكَ " وَمَا أُوتِيتُم مِنَ العِلْمِ إلاَّ قَلِيلاً إِيَّانَا تُرِيدُ أَمْ قَوْمُكَ؟ فقالَ النبي ﷺ: " كَلاَّ "، قالوا: ألسْتَ تَتْلُو فِيما جَاءَك أنَّا قَد أوتينَا التَّوراة فيها بيان كل شيء؟ فقال النبي ﷺ:
وهذا معنى قول عكرمة.
ويروى أن النبي ﷺ ق قال لهم: " وَقَدْ أَتَاكُم اللهُ ما أن عَمِلْتُم بِهِ انْتَفَعْتُم وهو في عِلْمِ الله قَلِيلٌ ".
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الله عَزِيزٌ﴾ أي: ذو عزة في انتقامه ممن أشرك به وادعى معه إلهاً غيره، ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبيره خلقه.
ثم قال تعالى: ﴿مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ أي: ما خلقكم إلا كخلق نفس واحدة ولا بعثكم إلا كبعث نفس واحدة، لأنه إنما يقول للشيء كن فيكون قليلاً كان أو كثيراً. هذا معنى قول مجاهد.
ثم قال: ﴿إِنَّ الله سَمِيعٌ﴾ أي: سامع لما يقوله المشركون وغيرهم، ﴿بَصِيرٌ﴾ بأعمال الخلق كلهم.
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل﴾. أي يزيد من كل واحد في الآخر، فينقص من أحدهما بمقدار ما زاد في الآخر.
﴿وَأَنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي: ذو خبر بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها. والمراد بها الخطاب المشركون.
ثم قال عالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الحق﴾. أي: هو الخالق الحق لا ما تعبدون. ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الباطل﴾ أي: ما تعبدون من الأصنام والأوثان هو الباطل الذي يضمحل ويفنى.
ثم قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الله هُوَ العلي﴾ أي: ذو العلو على كل شيء، وكل من دونه متذلل منقاد له، ﴿الكبير﴾ أي: الذي كل شيء يتصاغر له.
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفلك تَجْرِي فِي البحر بِنِعْمَةِ الله﴾ أي: السفن تجري في البحر بنعمة الله على خلقه. ﴿لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ﴾ أي: من حججه وقدرته فتتعظوا.
وقد قيل: نعمة الله ها هنا الريح التي تجري السفن بها.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ﴾ أي: إن في جري الفلك في البحر لعلامات وحججاً على قدرة الله وضعف ما تدعون من دونه.
﴿لِّكُلِّ صَبَّارٍ﴾ أي: لكم من صبر نفسه عن محارم الله وشكر على نعمة. قال مطرف: إن من أحب عباد الله إليه الصبور الشكور.
وقال قتادة: إن من أحب عباد الله إليه من إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل﴾. أي: وإذا غشي هؤلاء الذين يشركون بالله غيرهم في حال ركوبهم لابحر موج كالظلم، شبه سواد كثرة الماء وتراكب بعضه على بعض بالظلم، وهي الظل جمع ظلة.
وقال الفراء: الظل هنا: السحاب.
﴿دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ أي: إذا غشيهم الموج فخافوا الغرق فزعوا إلى الله بالدعاء مخلصين له لا يشركون به هنا لك شيئاً، ولا يستغيثون بغيره.
﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر﴾ أي: نجاهم من ذلك الموج والغرق فصاروا في البر.
﴿فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ﴾ أي: في قوله وإقراره بربه، وهو مضمر للكفر بعد ذلك، وقال أبن زيد: المقتصد على صلاح من الأمر. وفي الكلام حذف، كأنه قال: ومنهم كافر بربه الذي نجاه من الغرق. ودل على ذلك قوله: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ أي: وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلا كل غدار عنيد. فدل الجحود المذكور على الكفر المحذوف.
والختر عند العرب أشد.
ثم قال ﴿يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ﴾. أي: اتقوه في قبول طاعته والعمل بمرضاته، ﴿واخشوا يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً﴾ يعني: وخافوا يوم القيامة فإنه يوم لا يشفع فيه أحد لأحد إلا بالإيمان والأعمال الصالحة.
﴿إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾ أي: إن مجيء هذا اليوم الذي يجازي الناس فيه بأعمالهم حق.
﴿فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا﴾ أي: لا يخدعنّكم نُزهَتُها ولذاتها فتميلوا إليها، وتدعوا الاستعداد لما فيه خلاصكم من عذاب الله تعالى ونعيمكم أبداً.
﴿وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور﴾. أي: ولا يخدعكم بالله خادع، فالغرور هو كل ما غر من إنسان أو شيطان. ومن ضم الغين جعله مصدراً.
وقيل: هو أن تعمل المعصية وتتمنى المغفرة، قاله أبن جبير.
﴿وَيُنَزِّلُ الغيث﴾: أي: لا يعلم متى ينزله.
﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرحام﴾ أي: لا يُعْلَمُ ذلك غيره.
﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً﴾ أي: ما تعمل من خير وشر.
﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ أي: في أي مكان يلحقها أجلها فتموت فيه، كل ذلك لا يعلمه إلا الله.
﴿إِنَّ الله عَلَيمٌ﴾ أي: ذو علم بكل الأشياء، ﴿خَبِيرٌ﴾ بما هو كائن وما كان. وقال النبي ﷺ " مفاتح الغَيب خَمْسة. ثم قرأ هذه الآية.. ".