ﰡ
مكية وآياتها تسع وثمانون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٧) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨)شرح الكلمات:
حم: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب حم ويقرأ: حا ميم.
والكتاب المبين: أي والقرآن الموضح لطريق الهدى وسبيل السلام.
إنا جعلناه قرآناً عربياً: أي جعلناه قرآنا بلسان العرب يقرأ بلسانهم ويفهم به.
لعلكم تعقلون: أي رجاء أن تعقلوا أيها العرب، ما تؤمرون به وما تنهون عنه.
وإنه في أم الكتاب لدينا: أي في اللوح المحفوظ كتاب المقادير كلِّها عندنا.
لعلي حكيم: أي لذو علو وشأن على الكتب قبله لا يوصل إلى مستواه في علوه ورفعته حكيم أي ذو حكمة بالغة عالية لا يرام مثلها.
أفنضرب عنكم الذكر صفحاً: أنمهلكم فنضرب عنكم الذكر صفحا أي لا ينزل القرآن بأمركم ونهيكم ووعدكم ووعيدكم.
أن كنتم قوماً مسرفين: لأن كنتم قوما مسرفين متجاوزين الحد في الشرك والكفر كلا لا نفعل.
وكم أرسلنا من نبي في الأولين: أي وكثيراً من الأنبياء أرسلناهم في القرون الأولى من الأمم الماضية.
فأهلكنا أشد منهم بطشاً: أي فأنزلنا عذابنا بأشدهم قوة وبطشاً من قومك فأهلكناهم.
معنى الآيات:
حم الله أعلم بمراده به، ﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ (١) أي والقرآن الموضح لكل ما ينجي من عذاب الله ويكسب جنته ورضاه وهذا قسم أقسم الله به، والمقسم عليه قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ أي جعلنا الكتاب المبين الذي هو القرآن عربياً أي بلسان العرب ولغتهم.
وقوله ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ بيان للحكمة في جعل القرآن عربياً أي كي تعقلوا معانيه وتفهموا مراد الله منزله منه فيما يدعوكم إليه فيسهل عليكم العمل به فتكملوا وتسعدوا وقوله ﴿وَإِنَّهُ﴾ أي القرآن ﴿فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾ أي اللوح المحفوظ لدينا عندنا ﴿لَعَلِيٌّ﴾ أي ذو علو وشأن على سائر الكتب قبله حكيم ذو حكمة بالغة عالية لا يرام مثلها.
وقوله تعالى: ﴿أَفَنَضْرِبُ (٢) عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ (٣) قَوْماً مُسْرِفِينَ﴾ أي أنمهلكم فنضرب عنكم الذكر صفحاً فلا ننزل القرآن حتى لا تؤمروا ولا تنهوا من أجل أنكم قوم مسرفون في الشرك والكفر والتكذيب كلا لا نفعل إذ الاستفهام للإنكار عليهم وقوله ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ (٤) نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ﴾ أي وكثيرا من الأنبياء أرسلنا في الأمم السابقة ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي ما أتى أمة من تلك الأمم رسول منا إلا سخروا منه واستهزأوا به، وبما جاءهم به من الإيمان والتوحيد ودعاهم إليه من فعل الصالحات وترك المحرمات إذاً فاصبر على قومك فإنهم سالكون سبيل من سبقهم في الكفر والتكذيب والسخرية والاستهزاء. وقوله تعالى: ﴿فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً﴾ أي أهلكنا من هم أشد بطشا في تلك الأمم الماضية لما كذبوا رسلنا واستهزأوا بهم فكيف بهؤلاء الذين هم أضعف منهم وأقل قوة وقدرة فأحرى بهم أن لا يمتنعوا من عذابنا متى أردنا إنزاله بهم. وقوله ﴿وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ﴾ أي مضى في الآيات القرآنية صفة هلاك الأولين كقوم عاد وثمود وأصحاب مدين والمؤتفكات ألم يكن لقومك في ذلك عبرة لو كانوا يعتبرون؟
٢- الفاء للتفريع والاستفهام إنكاري أي أتحسبون أن إعراضكم عما نزل من هذا الكتاب يبعثنا على أن نقطع عنكم تجدد التذكير بإنزال شيء آخر من القرآن؟ كما لا يجوز أن نضرب عنكم صفحاً فلا ننزل القرآن من أجل إسرافكم في الشرك والتكذيب، الصفح: الإعراض بصفح الوجه أي جانبه وهو أشد الإعراض.
٣- قرأ نافع ﴿إن كنتم﴾ بكسر الهمزة وقرأ حفص ﴿أن كنتم﴾ بأن المصدرية. وإقحام "قوماً" إشارة إلى أن الإسراف صار طبعاً لهم لا يفارقهم.
٤- كم أرسلنا إلى قوله في الأولين تضمن الكلام الإلهي أمرين الأول تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين والثاني تهديد المشركين المسرفين بأنهم يتعرضون للهلاك الذي تعرضت له أمم قبلهم أشد منهم بطشاً وأكثر منهم قوة فأهلكوا وبقوا أثراً بعد عين.
من هداية الآيات:
١- مشروعية الإقسام بالله تعالى.
٢- بيان شرف القرآن الكريم وعلو مكانته على سائر الكتب السابقة.
٣- كون الناس مسرفين في الشرك والفساد لا يمنع وعظهم ونصحهم وإرشادهم.
٤- بيان سنة بشرية وهي أنهم ما يأتيهم من رسول إلا استهزأوا به.
٥- في إهلاك الأقوى دليل على أن إهلاك من هو دونه أحرى وأولى لا سيما مع شدة الكفر.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)
شرح الكلمات:
ولئن سألتهم: أي ولئن سألت هؤلاء المشركين من قومك يا رسولنا.
من خلق السموات والأرض: أي من بدأ خلقهن وأوجدهن ليقولن خلقهن الله ذو العزة والعلم.
الذي جعل لكم الأرض مهدا (١) : أي الله الذي جعل لكم الأرض فراشاً كالمهد للصبي.
لعلكم تهتدون: أي إلى مقاصدكم في أسفاركم.
ماء بقدر: أي على قدر الحاجة ولم يجعله طوفاناً مغرقاً ومهلكاً.
فأنشرنا به بلدة ميتاً: أي فأحيينا به بلدة ميتاً أي لا نبات فيها ولا زرع.
كذلك تخرجون: أي مثل هذا الإحياء للأرض الميتة بالماء تحيون أنتم وتخرجون من قبوركم.
والذي خلق الأزواج كلها: أي خلق كل شيء إذ الأشياء كلها زوج ولم يعرف فرد إلا الله.
وجعل لكم من الفلك والأنعام: أي السفن، والإبل.
لتستووا على ظهوره: أي تستقروا على ظهور ما تركبون.
وما كنا له مقرنين: أي مطيقين ولا ضابطين.
وإنا إلى ربنا لمنقلبون: أي لصائرون إليه راجعون.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد بقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ﴾ أي ولئن سألت يا رسولنا هؤلاء المشركين من قومك قائلاً من خلق السموات والأرض أي من أنشأهن وأوجدهن بعد عدم لبادروك بالجواب قائلين الله ثم هم مع اعترافهم بربوبيته تعالى لكل شيء يشركون في عبادته أصناماً وأوثاناً. في آيات أخرى صرحوا باسم الجلالة الله وفي هذه الآية قالوا: العزيز العليم (١) أي الله ذو العزة التي لا ترام والعلم الذي لا يحاط به. وقوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً﴾ أي فراشاً (٢) وبساطاً كمهد الطفل وهذا من كلام الله تعالى لا من كلام المشركين إذ انتهى كلامهم عند العزيز العليم فلما وصفوه تعالى بصفتي العزة والعلم ناسب ذلك ذكر صفات جليلة أخرى تعريفاً لهم بالله سبحانه وتعالى فقال تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً﴾ أي بساطا وفراشا، وجعل لكم فيها سبلاً أي طرقاً لعلكم تهتدون إلى مقاصدكم لنيل حاجاتكم في البلاد هنا وهناك، والذي نزل من السماء ماء بقدر هو المطر بقدر أي بكميات موزونة على قدر الحاجة منها فلم تكن ضحلة قليلة لا تنفع ولا طوفانا مغرقا مهلكا، وقوله
٢- كون الأرض مهداً لا ينافي كون جسمها كروياً.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير التوحيد بذكر صفات الربوبية المقتضية للألوهية.
٢- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٣- معجزة القرآن في الإخبار بالزوجية وقد قرر العلم الحديث نظام الزوجية وحتى في الذرة فهي زوج موجب وسالب.
٤- مشروعية التسمية والذكر عند ركوب ما يركب فإن كان سفينة أو سيارة قال العبد باسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم، وإن كان حيواناً قال عند الشروع باسم الله وإذا استوى قاعدا: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون. (٣)
٢- ﴿وكذلك تخرجون﴾ إن إحياءكم بعد موتكم وخروجكم من الأرض منتثرين فيها كإحياء الأرض بالمطر وانتشار النباتات والزروع فيها فبأي حق تنكرون البعث وتكذبون به؟.
٣- روى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي أن علياً رضي الله عنه أتى بدابة فلما وضع رجله في الركاب قال بسم الله فلما استوى عليها قال الحمد لله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ثم حمد الله ثلاثاً وكبر الله ثلاثاً ثم قال سبحانك لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي ثم ضحك فقيل له مما ضحكت؟ فقال رأيت رسول الله فعل مثل ما فعلت ثم ضحك فقلت مما ضحكت يا رسول الله فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجب الرب تبارك وتعالى من عبده إذا قال ربي اغفر لي ويقول علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري.
شرح الكلمات:
وجعلوا له من عباده جزاء: أي جعل أولئك المشركون المقرون بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض من عباده جزءاً إذ قالوا الملائكة بنات الله.
إن الإنسان لكفور مبين: أي إن الإنسان المعترف بأن الله خلق السموات وجعل من عباده جزءاً هذا الإنسان لكفور مبين أي لكثير الكفر بينه.
وأصفاكم بالبنين: أي خصكم بالبنين وأخلصهم لكم.
بما ضرب للرحمن مثلاً (١) : أي بما جعل للرحمن شبهاً وهو الولد.
أو من ينشأ في الحلية: أي أيجترئون على الله ويجعلون له جزءاً هو البنت التي تربى في الزينة.
وهو في الخصام غير مبين: أي غير مظهر للحجة لضعفه بالأنوثة.
عباد الرحمن إناثاً: أي لأنهم قالوا بنات الله.
أشهدوا خلقهم: أي حضروا خلقهم عندما كان الرحمن يخلقهم.
ستكتب شهادتهم: أي سيكتب قولهم إن الملائكة إناثاً.
ويسألون: أي يوم القيامة عن شهادتهم الباطلة ويعاقبون عليها.
ما لهم بذلك من علم: أي دعواهم أن الله راض عنهم بعبادة الملائكة لا دليل لهم عليه ولا علم.
إن هم إلا يخرصون: أي ما هم إلا يكذبون يتوارثون الجهل عن بعضهم بعضا.
أم آتيناهم كتاباً من قبله: أي أم أنزلنا عليهم كتاب قبل القرآن.
فهم به مستمسكون: أي متمسكون بما جاء فيه، والجواب لم يقع ذلك أبداً.
بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة: أي إنهم لا حجة لهم إلا التقليد الأعمى لآبائهم.
وإنا على آثارهم مهتدون: أي على طريقتهم وملتهم ماشون وهي عبادة غير الله من الملائكة وغيرهم من الأصنام والأوثان.
إلا قال مترفوها: أي متنعموها.
إنا وجدنا آباءنا على أمة: أي ملّة ودين.
وإنا على آثارهم مقتدون: أي على طريقتهم متبعون لهم فيها.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد، والمكذبين إلى التصديق فقال تعالى منكراً عليهم باطلهم موبخاً لهم على اعتقاده والقول به، فقال: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً﴾ أي وجعل أولئك المشركون الجاهلون لله جزءاً أي نصيباً من خلقه حيث قالوا الملائكة بنات الله، وهذا من أكذب الكذب وأكفر الكفر إذ كيف عرفوا أن الملائكة إناث، وأنهم بنات الله، وأنهم يستحقون العبادة مع الله فعبدوهم؟ حقاً إن الإنسان لكفور (١) مبين أي كثير الكفر وكبيره وبينه لا يحتاج فيه إلى دليل وقوله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذَ (٢) مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ (٣) بِالْبَنِينَ﴾ أي أتقولون أيها المشركون المفترون اتخذ الله مما يخلق من
٢- أم اتخذ الميم صلة أي زائدة لتقوية الكلام والاستفهام للتوبيخ والتأنيب.
٣- ﴿أصفاكم﴾ قال القرطبي: اختصكم وأخلصكم بالبنين يقال أصفيته بكذا أي آثرته به وأصفيته الود أخلصته له.
وقوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ (١) غَيْرُ مُبِينٍ﴾ ينكر تعالى عليهم ويوبخهم على كذبهم وسوء فهمهم فيقول: أيجترئون ويبلغون الغاية في سوء الأدب ويجعلون لله من يربى في الزينة لنقصانه وهو البنات، وهو في الخصام غير مبين لخفة عقله حتى قيل ما أدلت امرأة بحجة إلا كانت عليها لا لها. فقوله ﴿غَيْرُ مُبِينٍ﴾ أي غير مظهر للحجة لضعفه بالخِلقة وهي الأنثى والضمير عائد على من في قوله ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأ (٢) ُ فِي الْحِلْيَةِ﴾ أي في الزينة.
وقوله تعالى ﴿وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ (٣) الرَّحْمَنِ إِنَاثاً﴾ أي حيث قالوا الملائكة بنات الله وعبدوهم لذلك طلباً لشفاعتهم والانتفاع بعبادتهم. قال تعالى موبخاً لهم مقيما الحجة على كذبهم: أشهدوا خلقهم أي أحضروا خلقهم عندما كان الله يخلقهم، والجواب لا، ومن أين لهم ذلك وهم ما زالوا لم يخلقوا بعد ولا آباؤهم بل ولا آدم أصلهم عليه السلام وقوله تعالى ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ﴾ هذه وهي قولهم إن الملائكة بنات الله ويسألون عنها ويحاسبون ويعاقبون عليها بأشد أنواع العقاب، لأنها الكذب والافتراء، وعلى؟ إنه على الله، والعياذ بالله وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ (٤) مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾. أي قال أولئك المشركون المفترون لمن أنكر عليه عبادة الملائكة وغيرها من الأصنام قالوا: لو شاء الرحمن منا عدم عبادتهم ما عبدناهم. قال تعالى في الرد عليهم ﴿مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾ أي ليس لهم أي علم برضا الله تعالى بعبادتهم لهم، ما هم في قولهم ذلك إلا يخرصون أي يقولون بالخرص والكذب إذ العلم يأتي من طريق الكتاب أو النبي ولا كتاب عندهم ولا نبي فيهم قال بقولتهم. ولذا قال تعالى منكراً
٢- في الآية دليل على جواز لبس الذهب والحرير للنساء وهو إجماع إلا أن بعض السلف كان ينزه بناته عنه لقول أبي هريرة إياك يا بنية والتحلي بالذهب فإني أخاف عليك اللهب، وقرأ نافع ﴿ينشأ﴾ وقرأ حفص ﴿ينشّأ﴾ فالأول بتخفيف الشين والثاني بتشديدها الأول من: أنشأ والثاني من نشأ.
٣- قرأ نافع عند الرحمن وقرأ حفص عباد الرحمن ولا منافاة والملائكة عند الرحمن في الملكوت الأعلى في حضرة القدس يتلقون خطاب الله مباشرة بلا واسطة وهم في واقع الأمر عباد الرحمن وجملة (الذين هم عند الرحمن إناثا) صفة للملائكة فهي في محل نصب.
٤- قولهم منظور فيه إلى أن مشيئة الله وهي إرادته قسمان إرادة كونية وإرادة تكليفية شرعية فالإرادة الكونية القدرية هذه لا تتخلف أبداً فما شاء الله كان والإرادة الشرعية التكليفية هي التي قد تتخلف لأن الله تعالى وهب عبده إرادة واختياراً وبحسب ما يختاره يكون جزاؤه والمشركون لا علم لهم بهذا فلذا نفى عنهم العلم راداً باطلهم بجهلهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير صفة من صفات الإنسان قبل شفائه بالإيمان والعبادة وهي الكفر والواضح المبين.
٢- وجوب إنكار المنكر ومحاولة تغييره في حدود ما يسمح به الشرع وتتسع له طاقة الإنسان.
٣- بيان حال المشركين العرب في الجاهلية من كراهيتهم البنات خوف العار وذلك لشدة غيرتهم.
٤- بيان ضعف المرأة ونقصانها ولذا تكمل بالزينة، وإن النقص فيها فطري في البدن والعقل معا.
٥- بيان أن من قال قولاً وشهد شهادة باطلة سوف يسأل عنها يوم القيامة ويعاقب عليها.
٦- حرمة القول على الله بدون علم فلا يحل أن ينسب إلى الله تعالى شيء لم ينسبه هو تعالى لنفسه.
٧- حرمة التقليد للآباء وأهل البلاد والمشايخ فلا يقبل قول إلا بدليل من الشرع.
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨) بَلْ
كنا على أمة آبائنا
ويقتدي الآخر بالأول.
وهل يستوي ذو أمة وكفور؟.
شرح الكلمات:
قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم: قال لهم رسولهم: أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بأهدى أي خير مما وجدتم عليه آباءكم هداية إلى الحق والسعادة والكمال.
قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون: أي قال المشركون لرسلهم ردّا عليهم إنا بما أرسلتم به كافرون أي جاحدون منكرون غير معترفين به.
فانظر كيف كان عاقبة المكذبين: أي كانت دماراً وهلاكاً إذا فلا تكترث بتكذيب قومك يا رسولنا.
وإذ قال إبراهيم: أي واذكر إذ قال إبراهيم أبو الأنبياء خليل الرحمن.
إنني براء مما تعبدون: أي بريء مما تعبدون من أصنام لا أعبدها
إلا الذي فطرني فإنه سيهدين: أي لكن الذي خلقني فإني أعبده وأعترف به فإنه سيهديني أي يرشدني إلى ما يكملني ويسعدني في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وجعلها كلمة باقية في عقبه (١) : أي وجعل إبراهيم كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" باقية دائمة في ذريته إذ وصاهم بها كما قال تعالى ووصى بها إبراهيم بنيه.
لعلهم يرجعون: أي رجاء أن يتوبوا إلى الله ويرجعوا إلى توحيده كلما ذكروها وهي لا إله إلا الله.
حتى جاءهم الحق ورسول مبين: أي إلى أن جاء القرآن يحمل الدين الحق، ورسول مبين لا شك في رسالته وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبين لهم طريق الهدى والأحكام الشرعية.
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم: أي وقال هؤلاء المشركون الذين متعناهم بالحياة فلم نعاجلهم، هلاّ نزل هذا القرآن على أحد رجلين من قريتي مكة أو الطائف أي الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بن مسعود الثقفي من الطائف.
أهم يقسمون رحمة ربك: أي ينكر تعالى عليهم هذا التحكم والاقتراح الفاسد فقال أهم يقسمون رحمة ربك إذ النبوة رحمة من أعظم الرحمات. وليس لهم حق في تنبئة أحد إذ هذا من حق الله وحده.
نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا: أي إذا كنا نحن نقسم بينهم معيشتهم فنغني هذا ونفقر هذا ونملك هذا ونعزل هذا، فكيف بالنبوة وهي أجل وأغلى من الطعام والشراب فنحن أحق بها منهم فننبئ من نشاء.
ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً: أي جعلنا هذا غنيا وذاك فقيراً ليتخذ الغني الفقير خادماً يسخره في خدمته بأجرة مقابل عمله.
ورحمة ربك خير مما يجمعون: أي والجنة التي أعدها الله لك ولأتباعك خير من المال الذي يجمع هؤلاء المشركون الكافرون.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى قول المشركين لرسلهم: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ "ملة" ﴿وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾، قال مخبراً عن قول الرسول لأمته المكذبة المقلدة للآباء الظالمين ﴿قَالَ أَوَلَوْ (١) جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ﴾ أي أتتبعون آباءكم ولا تتبعوني ولو جئتكم بأهدى إلى الخير والسعادة مما وجدتم عليه آباءكم، وهذا إنكار من الرسول عليهم في صورة استفهام وهو (٢) توبيخ أيضاً إذ العاقل يتبع الهدى جاء به من جاء قريباً كان أو بعيداً. وقوله تعالى ﴿قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ (٣) بِهِ كَافِرُونَ﴾ هذا قول الأمم المكذبة المشركة لرسلهم أي كل أمة قالت هذا لرسولها: إننا بما أرسلتم به من التوحيد وعقيدة البعث والجزاء والشرع وأحكامه كافرون أي منكرون
٢- هذا الاستفهام تقريري إلا أنه مشوب بالإنكار والتوبيخ.
٣- في قولهم هذا معنى التهكم برسلهم إذ أثبتوا لهم الرسالة وهم مكذبون بها كقول قريش مال هذا الرسول يأكل الطعام.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ (٢) وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ أي واذكر يا رسولنا لقومك قول إبراهيم الذي ينتسبون إليه باطلا لأبيه وقومه: إنني براء مما تعبدون أي إني بريء من آلهتكم التي تعبدونها فلا أعبدها ولا أعترف بعبادتها. وقوله ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ أي لكن أعبد الله الذي خلقني فهو أحق بعبادتي مما لم يخلقني ولم يخلق شيئاً وهو مخلوق أيضا. وقوله ﴿فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ أي يرشدني دائما إلى ما فيه سعادتي وكمالي. وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي وجعل براءته من الشرك والمشركين، وعبادته خاصة بالله رب العالمين جعلها كلمة باقية في ذريته حيث وصاهم بها كما جاء ذلك في سورة البقرة إذ قال تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ﴾ أي بأن لا يعبدوا إلا الله وهي إذاً كلمة لا إله إلا الله ورثها إبراهيم في بنيه لعلهم يرجعون إليها كلما غفلوا ونسوا وتركوا عبادة الله تعالى والإنابة إليه بعوامل الشر والفساد من شياطين الإنس والجن فيذكرون ويتوبون إلى الله تعالى فيوحدونه ويعبدونه فجزى الله إبراهيم عن المؤمنين خيرا. وقوله تعالى: ﴿بَلْ مَتَّعْتُ (٣) هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ﴾ أي بل لم يتحقق ما ترجاه إبراهيم كاملاً إذا أشرك من بنيه من أشرك ومنهم هؤلاء المشركون المعاصرون لك أيها الرسول وآباءهم، ومتعهم بالحياة حتى جاءهم الحق الذي هو هذا القرآن يتلوه هذا الرسول المبين أي الموضح لكل الأحكام والمبين لكل الشرائع. ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾ هكذا قالت قريش لما جاءها الحق الذي هو القرآن الحامل للشرائع والأحكام والرسول المبين لذلك الموضح له قالوا هذا سحر يسحرنا به، وإنا به أي بالقرآن والرسول كافرون أي جاحدون منكرون مكذبون وقالوا أبعد من ذلك في الشطط والغلط وهو ما حكاه تعالى عنهم في قوله: ﴿وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ أي هلاّ نزل هذا القرآن على رجل شريف ذي مكانة مثل الوليد بن المغيرة (٤) في مكة أو عروة بن مسعود في الطائف
٢- لما ادعى المشركون أنهم مقلدون آباءهم في الدين ذكر لهم ما ينبغي أن يقلدوه من آبائهم هو إبراهيم وإسماعيل وإلا فليس الأمر كما يدعون وإنما هم متبعون أهواءهم.
٣- بل للإضراب الإبطالي أي لم يحصل ما رجاه إبراهيم كاملاً بل هناك من لم يرجع إلى التوحيد من ذرية إبراهيم إذ جاء عمرو بن لحيّ بالأصنام وعبدها آباء هؤلاء وهم لها عابدون حتى مجيء الحق ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٤- هذا المشهور من الأقوال في الرجلين ومنهم من قال هما عمير بن عبد ياليل الثقفي من الطائف وعتبة بن ربيعة من مكة وهو قول مجاهد، وقيل عظيم الطائف هو حبيب بن عمرو أما القريتان فلا خلاف في أنهما مكة والطائف لكونهما أكبر مدن تهامة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- من الكمال العقلي أن يبتع المرء الهدى ولو خالفه قومه وأهل بلاده.
٢- وجوب البراءة من الشرك والمشركين وهذا معنى لا إله إلا الله.
٣- فضيلة من يورث أولاده هدى وصلاحاً.
٤- لا يعترض على الله أحد في شرعه وتدبيره إلا كفر والعياذ بالله تعالى.
٥- بيان الحكمة في الغنى والفقر، والصحة والمرض والذكاء والغباء.
وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ
٢- الجملة تعليلية للتفاضل في الرزق أي فاضل بينهم في الغنى والفقر ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً أي يستخدم الغني الفقير في قضاء حاجتة وليأخذ الفقير منه ما يسد به حاجته والسخري هنا بمعنى التسخير للعمل وليس بمعنى السخرية والاستهزاء إذ أجمع السبعة على قراءة ضم السين وعدم كسرها.
شرح الكلمات:
أمة واحدة: أي على الكفر.
ومعارج: أي كالسلم والمصعد الحديث والمعارج جمع معرج وهو المصعد.
عليها يظهرون: أي يعلون عليها إلى السطح.
زخرفاً: أي ذهباً أي لجعلنا لبيوتهم سقفاً من فضة وذهب وكذلك الأبواب والمصاعد والسرر بعضها من فضة وبعضها من ذهب.
وإن كل ذلك: أي وما كل ذلك المذكور.
لما متاع الحياة الدنيا: أي وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا يتمتع به فيها ثم يزول.
والآخرة: أي الجنة ونعيمها خير لأهل الإيمان والتقوى من متاع الدنيا.
معنى الآيات:
لما فضل تعالى الجنة على المال والمتاع الدنيوي في الآيات السابقة قال هنا: ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ أي على الكفر لجعلنا لمن يكفر بالرحمن (يعني نفسه عز وجل) لبيوتهم سقفاً من فضة، ومعارج (١) عليها يظهرون (٢) أي مراقي ومصاعد عليها يعلون إلى الغرف والسطوح من فضة ولجعلنا كذلك لبيوتهم أبواباً وسررا عليها يتكئون من فضة أيضاً، وزخرفاً أي وذهباً أي بعض المذكور من فضة وبعضه من ذهب ليكون أجمل وأبهى من الفضة وحدها، وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا أي وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا يتمتع به الناس ثم يزول ويذهب بزوالهم وذهابهم. والآخرة عند ربك أي الجنة وما فيها من نعيم مقيم للمتقين الذين آمنوا واتقوا الشرك والمعاصي وما عند الله خير مما عند الناس، وما يبقى خير مما يفنى، ولذا قال الحكماء لو كانت الدنيا من ذهب والآخرة من خزف "طين" لاختار العاقل الآخرة على الدنيا، وهو اختيار ما يبقى على ما ينفى.
٢- روي أن نابغة بن جعدة أنشد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلا:
علونا السماء عزة ومهابة
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا.
فغضب الرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إلى أين؟ قال إلى الجنة قال "أجل إن شاء الله" وهنا قال الحسن: والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك فكيف لو فعل؟!
من هداية الآيات:
١- الميل إلى الدنيا وطلب متاعها فطري في الإنسان فلذا لو أعطيها الكافر بكفره لمال إليها كل الناس وطلبوها بالكفر.
٢- هوان الدنيا على الله وعدم الاكتراث بها إذ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء رواه الترمذي وصححه وفي صحيح مسلم: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. (١)
٣- بيان أن الآخرة خير للمتقين.
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠)
شرح الكلمات:
ومن يعش عن ذكر الرحمن: أي يعرض متعاميا متغافلا عن ذكر الرحمن الذي هو القرآن متجاهلا له.
نقيض له شيطاناً: أي نجعل له شيطاناً يلازمه لإضلاله وإغوائه.
فهو له قرين: أي فهو أي من عشا عن ذكر الرحمن قرين للشيطان.
وإنهم ليصدونهم عن السبيل: أي وإن الشياطين المقارنين لهم ليصدون عن طريق الهدى.
ويحسبون أنهم مهتدون: أي ويحسب العاشون عن القرآن وحججه وعن ذكر الرحمن
فلو كانت الدنيا جزاء لمحسن
إذاً لم يكن فيها معاش لظالم
لقد جاع فيها الأنبياء كرامة
وقد شبعت فيها بطون البهائم
بُعد المشرقين: أي كما بين المشرق والمغرب من البعد قال هذا تبرؤاً منه.
ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم: أي ولن ينفعكم اليوم أيها العاشون إذ ظلمتم أنفسكم بالشرك والمعاصي.
أنكم في العذاب مشتركون: اشترككم في العذاب غير نافع لكم.
أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي:: أي إنك يا رسولنا لا تسمع الصم، ولا تهدي العمي والقوم قد أصمهم الله وأعمى أبصارهم لأنهم عشوا عن ذكره.
ومن كان في ضلال مبين: أي كما أنك لا تقدر على هداية من كان في ضلال مبين عن الحق والهدى.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في عرض الهداية على الضالين بالكشف عن أحوالهم وإضاءة الطريق لهم قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ (١) عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ أي يعرض متعاميا متغافلا عن ذكر الرحمن الذي هو القرآن وعبادة الرحمن متجاهلا ذلك نقيض (٢) له شيطاناً أي نسبب له نتيجة إعراضه شيطاناً ونجعله له قريناً لا يفارقه في الدنيا ولا في الآخرة. فهو له قرين دائما. وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ أي وإن القرناء الذين جعلهم تعالى حسب سنته في الأسباب والمسببات للعاشين عن ذكره يصدونهم بالتزيين والتحسين لكل المعاصي حتى انغمسوا في كل اثم وولغوا في كل باطل وشر، وضلوا عن سبيل الهدى والرشد ومع هذا يحسبون أنهم مهتدون وغيرهم هم الظالمون.
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَنَا﴾ (٣) أي يوم القيامة قال العاشي عن ذكر الرحمن يا ليت متمنياً بيني وبينك بعد المشرقين أي يتمنى لو أن بينه وبين قرينه من الشياطين من البعد كما بين المشرق والمغرب. قال تعالى لأولئك العاشين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنفسكم بالشرك والمعاصي في الدنيا أنكم في العذاب مشتركون أي إن اشتراككم في العذاب غير نافع لكم ولا مجدٍ أبدا. وقوله تعالى لرسوله: {أَفَأَنْتَ (٤) تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ
٢- قيض يقيض تقييضاً فالتقييض: الإتاحة وتهيئة شيء لملازمة شيء لعمل حتى يتمه وهو مشتق من اسم جامد وهو قيض البيضة أي القشر المحيط بالمح، وهو لا يفارقه حتى يخرج منها الفرخ فيتم ما أتيح له القيض.
٣- قرأ نافع جاءانا أي من يعش عن ذكر الرحمن والشيطان المقيض له وقرأ حفص بالإفراد جاءنا أي العاشي عن ذكر الرحمن.
٤- الاستفهام إنكاري وفي الآية تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتسجيل أن الكافر أصم وأعمى ويقابله المؤمن يسمع ويبصر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان سنة الله تعالى فيمن يعرض عن ذكر الله فإنه يسبب له شيطاناً يضله ويحرمه الهداية أبدا فيقيم على الذنوب والآثام ضالاً الطريق المنجي المسعد وهو يحسب أنه مهتدٍ، وهذا يتعرض له المعرضون عن الكتاب والسنة كالمبتدعة وأصحاب الأهواء والشهوات والعياذ بالله تعالى.
٢- الاشتراك في العذاب يوم القيامة لا يخففه.
٣- بيان أن من أعماه الله وأصمه حسب سنته في ذلك لا هادي له ولا مسمع له ولا مبصر.
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ (٤٤) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)
شرح الكلمات:
فإما نذهبن بك: أي فإن نذهبن بك أي نميتك (١) قبل تعذيبهم، وما زائدة أدغمت فيها إن الشرطية فصارت إمّا.
فإنا منهم منتقمون: أي معذبوهم في الدنيا وفي الآخرة.
وإما نرينك الذي وعدناهم: أي وإن نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب.
فاستمسك بالذي أوحي إليك: أي دم على استمساكك بالقرآن سواء عجلنا لك بالموعود به أو أخرناه.
إنك على صراط مستقيم: أي إنك على طريق الحق والهدى فواصل سيرك.
وإنه لذكر لك ولقومك: أي وإن القرآن لشرف لك وشرف لقومك.
وسوف تسألون: أي عن القرآن أي عن العمل به بتطبيق شرائعه وإبلاغه لغيركم.
واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا: أي اسأل مؤمني أهل الكتابين التوراة والإنجيل.
أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون: أي هل جعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون والجواب لم نجعل أبداً فليفهم هذا مشركو مكة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة كفار قريش إلى الإيمان والتوحيد فقوله تعالى ﴿فَإِمَّا (١) نَذْهَبَنَّ بِكَ﴾ أي إن نذهب بك أي نخرجك من بين أظهرهم فإنا منهم منتقمون أي فنعذبهم كما عذبنا الأمم من قبلهم عندما يخرجون رسولهم أو نرينك الذي وعدناهم من نصرك عليهم وغلبتك لهم فإنا عليهم مقتدرون أي قادرون على أن نفعل بهم ذلك.
وقوله تعالى: ﴿فَاسْتَمْسِكْ (٢) بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أي فتمسك يا رسولنا بما يأمرك به هذا القرآن الذي أوحاه إليك ربك إنك على صراط مستقيم وهو الإسلام الذي لا يشقى من تمسك به فعاش عليه ومات عليه. وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ﴾ أي وأن القرآن الذي أوحي إليك وأمرت بالتمسك به هو ذكر لك أي شرف لك وأي شرف (٣) ولقومك من قريش كذلك إذا آمنوا به وعملوا بما جاء فيه وسوف تسألون (٤) عن العمل به وتطبيق أحكامه والالتزام بشرائعه.
٢- فاستمسك الفاء تفريعية عما قبلها والآية تحض على التمسك بالإسلام تشريعاً وعملاً.
٣- هذه الآية كآية الأنبياء وهي: ﴿لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم﴾ ومنشأ هذا الشرف هو أن قريشا نزل القرآن بلغتها فكل الناس محتاجون إلى معرفة لغتهم ليعرفوا ما طلب منهم من عقائد وعبادات وآداب فبهذا شرفت قريش.
٤- من فسر السؤال بالعمل هو حق وكذا من فسره بالشكر فهو حق لأن شكر العلم العمل به وتعليمه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- من سنة الله في الأمم إذا أخرج الرسولَ قومُه مكرها انتقم الله تعالى له منهم فأهلكهم.
٢- صدق وعد الله تعالى لرسوله فإنه ما توفاه حتى أقر عينه بنصره على أعدائه.
٣- وجوب التمسك بالكتاب والسنة اعتقاداً وعملاً.
٤- شرف هذه الأمة بالقرآن فإن أضاعَتْه أضاعها الله وأذلهّا وقد فَعَلَ.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآياتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (٤٧) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠)
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا: أي أرسلناه بالمعجزات الدالة على صدق رسالته.
إلى فرعون وملأه: أي وقومه من القبط.
إذا هم منها يضحكون: أي سخرية واستهزاء.
وما نريهم من آية: أي آيات العذاب كالطوفان.
إلا هي أكبر من أختها: أي من قرينتها التي قبلها من الآيات.
وقالوا يا أيها الساحر: أي أيها العالم بالسحر المتبحر فيه.
بما عهد عندك: أي من كشف العذاب عنا إن آمنا.
إنا لمهتدون: أي إن كشفت عنا العذاب إنا مؤمنون.
إذا هم ينكثون: أي ينقضون عهدهم فلم يؤمنوا.
معنى الآيات:
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾ إيراد هذا القصص هنا كان لمشابهة حال قريش بحال فرعون من جهة إذ قال رجال قريش لم لا يكون الرسول من ذوي المال والجاه كالوليد بن المغيرة أو عروة بن مسعود وقال فرعون: أم أنا خير من هذا الذي هو مهين أي حقير يعني موسى عليه السلام.
ومن جهة أخرى كان لتسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الصبر كما صبر موسى وهو أحد أولي العزم الخمسة فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا﴾ أي بحججنا الدالة على صدق موسى في رسالته إلى فرعون وقومه بأن يعبدوا الله ويتركوا عبادة غيره، وإن يرسلوا مع موسى بني إسرائيل ليذهب بهم إلى أرض المعاد "فلسطين" فلما جاءهم قال إني رسول رب العالمين جئتكم لآمركم بعبادة الله وحده وترك عبادة من سواه، إذ لا يستحق العبادة إلا الله. فطالبوه بالآيات على صدق دعواه فلما جاءهم بالآيات العظام فاجأوه بالضحك منها والسخرية والاستهزاء بها وهو معنى قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآياتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ﴾ (١).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا﴾ (٢) أي وما نري فرعون وملأه من آية إلا هي أكبر دلالة على صدق موسى من الآية التي سبقها. قال تعالى {وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ
٢- الأخت هنا بمعنى المشاكلة والمجانسة النوعية كما يقال هذه صاحبة تلك أي قريبة منها في المعنى والكبر والمراد به الكبر في الدلالة على صدق موسى وصحة دعوته إذ المعجزات تتفاوت في العظمة كما قال الشاعر:
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم
مثل النجوم التي يسري بها الساري
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- الآيات دليل على صدق من جاء بها، ولكن لا تستلزم الإيمان ممن شاهدها.
٢- قد يؤاخذ الله الأفراد أو الجماعات بالذنب المرة بعد المرة لعلهم يتوبون إليه.
٣- حرمة خلف الوعد ونكث العهد، وأنهما من آيات النفاق وعلاماته.
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦)
٢- هذا جرياً على اعتقاد الأقباط وهو أن لكل أمة أو قبيلة رباً خاصاً بها لذا قالوا لموسى ادع لنا ربك.
ونادى فرعون في قومه: أي نادى فيهم افتخاراً وتبجحا بما عنده.
وهذه الأنهار تجري من تحتي: أي من النيل تجري من تحت قصوري.
أفلا تبصرن: أي عظمتي وما أنا عليه من الجلال والكمال.
أم أنا خير: أي من موسى الذي هو مهين ولا يكاد يبين أي يفصح لِلثُّغة التي في لسانه.
فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب: أي هلاّ ألقي عليه أسورة من ذهب من قِبَل الذي أرسله.
أو جاء معه الملائكة مقترنين: أي أو جاءت الملائكة يتبع بعضها بعضاً تشهد له بالرسالة.
فاستخف قومه فأطاعوه: أي استفز فرعون قومه أي قال لهم ما حركهم به فخفوا لطاعته.
إنهم كانوا قوما فاسقين: أي أطاعوه لكونهم قوماً فاسقين ففسقهم هو علة طاعتهم.
فلما آسفونا انتقمنا منهم: أي فلما أغضبونا انتقمنا منهم.
فجعلناهم سلفا: أي فرعون وقومه سلفاً أي سابقين ليكونوا عبرة لمن بعدهم.
ومثلاً للآخرين: أي يتمثلون بحالهم فلا يقدمون على مثل فعلهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في قصة موسى مع فرعون قال تعالى: ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ (١) فِي قَوْمِهِ﴾ لأجل الافتخار والتطاول إرهاباً للناس قال يا قوم أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار أي أنهار النيل (٢) تجري من تحتي (٣) أي من تحت قصوره، أفلا يبصرون فإذا أبصرتم فقولوا أنا خير (٤) من هذا الذي هو مهين أي حقير يتولى الخدمة بنفسه، ولا يكاد يبين أي يفصح بلسانه لعلة به وهي اللثغة أم هو؟. فلولا ألقي عليه أساورة (٥) من ذهب أي هلاّ ألقى عليه من أرسله أساورة من ذهب أو بعث معه الملائكة مقترنين يشهدون له بالرسالة. قال تعالى: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ﴾ أستفزهم بقوله هذا وحركهم فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين، والفاسق جبان خواف يستجيب بسرعة للباطل إن كان ممن يخاف عادة كالحاكم الظالم.
٢- هذه الأنهار هي فروع النيل وهي أربعة هي نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنّيس.
٣- جائز أن تكون الأنهار له تسلط على مصابها فلذا هدد قومه بذلك.
٤- أم أنا خير (أم) المنقطعة بمعنى بل للإضراب الانتقالي والتقدير بل أنا خير والاستفهام تقريري أراد تفضيل نفسه على موسى عليه السلام والمهين: الذليل الذي لم يكن من بيوت الشرف والجاه.
٥- قرأ نافع والجمهور أساورة جمع أسوار لغة في سوار، وقرأ حفص أسورة جمع سوار والمراد من قوله ألقي عليه أساورة يريد إن كان ملكاً أو رسولا كما يزعم لم لا يلقى إليه من السماء أساورة كالتي يلبسها ملوك فارس ومصر، أو تأتي معه الملائكة يشهدون له بالرسالة بما يدعي وكل هذا من باب دفع معرة الهزيمة التي لحقته.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- ذم الفخر والمباهاة إذ هما من صفات المتكبرين والظالمين.
٢- الاحتقار للفقراء والازدراء بهم من صفات الجبارين الظلمة المتكبرين.
٣- الفسق يجعل صاحبه مطية لكل ظالم أداة يسخره كما يشاء.
٤- التحذير من غضب الرب تبارك وتعالى فإنه متى غضب انتقم فبطش.
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢)
شرح الكلمات:
ولما ضرب ابن مريم مثلا: أي ولما جعل عيسى بن مريم مثلا، والضارب ابن الزبعري.
إذا قومك منه يصدون: أي إذ المشركون من قومك يصدون أي يضحكون فرحاً بما سمعوا.
ما ضربوه لك إلا جدلا: أي ما جعلوه أي المثل لك إلا خصومة بالباطل لعلمهم أن ما لغير العاقل فلا يتناول اللفظ عيسى عليه السلام.
بل هم قوم خصمون: أي شديدو الخصومة.
إن هو إلا عبد أنعمنا عليه: أي ما هو أي عيسى إلا عبد أنعمنا عليه بالنبوة.
وجعلناه مثلا لبني إسرائيل: أي لوجوده من غير أب كان مثلا لبني إسرائيل لغرابته يستدل به على قدرة الله على ما يشاء.
ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة: أي ولو نشاء لأهلكناكم وجعلنا بدلكم ملائكة.
في الأرض يخلفون: أي يعمرون الأرض ويبعدون الله فيها يخلفونكم فيها بعد إهلاككم.
وإنه لعلم للساعة: أي وإن عيسى عليه السلام لعلم للساعة تُعلم بنزوله إذا نزل.
فلا تمترن بها: أي لا تشكن فيها أي في إثباتها ولا في قربها.
واتبعون هذا صراط مستقيم: أي وقل لهم اتبعون على التوحيد هذا صراط مستقيم وهو الإسلام.
ولا يصدنكم الشيطان: أي ولا يصرفنكم الشيطان عن الإسلام.
إنه لكم عدو مبين: أي إن الشيطان لكم عدو بين العدواة فلا تتبعوه.
معنى الآيات:
قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ روي أن ابنَ الزبعري قال لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما نزلت آية الأنبياء إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها ورادون قال: أهذا لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم، فقال ابن الزبعري خصمتك ورب الكعبة، أليست النصارى يعبدون المسيح واليهود يعبدون العزير وبنو مليح يعبدون الملائكة فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم، ففرح بها المشركون وضحكوا وضجوا بالضحك مرتفعة أصواتهم بذلك ونزلت في هذه الحادثة الآية: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ (١) مَثَلاً﴾ أي ولما جعل ابن الزبعري عيسى بن مريم مثلاً إذ جعله مشابها للأصنام من حيث أن النصارى اتخذوه إلهاً وعبدوه من دون الله، وقال فإذا كان عيسى والعزير
وقوله ﴿إِنْ هُوَ﴾ أي عيسى ﴿إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ بالنبوة والرسالة، ﴿وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ﴾ يستدلون به على قدرة الله وأنه عز وجل على كل ما يشاء قدير إذ خلقه من غير أب كما خلق آدم من تراب ثم قال له كن فكان.
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ﴾ أي ولو نشاء لأهلكناكم يا بني آدم ولم نبق منكم أحدا. وجعلنا بدَلَكم في الأرض ملائكة يخلقونكم فيها فيعمرونها ويعبدون الله تعالى فيها ويوحدونه ولا يشركون به سواه.
وقوله ﴿وَإِنَّهُ (٢) لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ أي إن عيسى عليه السلام لعلامة للساعة أي إن نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان علامة على قرب الساعة. فلا تمترن بها أي فلا تشكّن في إتيانها فإنها آتية وقريبة. وقوله واتبعون أي وقل لهم يا رسولنا واتبعون على التوحيد وما جئتكم به من الهدى هذا صراط مستقيم أي الإسلام القائم على التوحيد الذي نزل به القرآن وجاء به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولا يصدنكم الشيطان عن الإسلام بوساوسه وإغوائه فيصرفكم عن التوحيد والإسلام إنه لكم عدو مبين وليس أدل على عدوانه من أنه أخرج آدم بإغوائه من الجنة حسداً له وبغياً عليه. فمثل هذا العدو لا يصح أبداً الاستماع إليه والمشي وراءه واتباع خطواته. ومن يتبع خطواته يهلك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان أن قريشا أوتيت الجدل والقوة في الخصومة.
٢- ذم الجدل لغير إحقاق حق أو إبطال باطل وفي الحديث ما ضل قوم بعد هُدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل.
٣- شرف عيسى وعلو مكانته وأن نزوله إلى الأرض علامة كبرى من علامات قرب الساعة.
٤- تقرير البعث والجزاء.
٥- حرمة اتباع الشيطان لأنه يضل ولا يهدي.
٢- وجائز أن يكون الضمير في (وإنه) عائد إلى القرآن أو إلى المنزّل عليه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بعثت أنا والساعة كهاتين وقرن بين السبابة والوسطى مشيراً إليهما". وما في التفسير مروي عن كبار التابعين مجاهد وقتادة وابن عباس الصاحب الجليل رضي الله عنهما ولذا قدمته في التفسير.
شرح الكلمات:
ولما جاء عيسى بالبينات: أي ولما جاء عيسى بن مريم إلى بني إسرائيل بالمعجزات والشرائع.
قال قد جئتكم بالحكمة: أي قال لبنى إسرائيل قد جئتكم بالنبوة وشرائع الإنجيل.
ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه: أي وجئتكم لأبين لكم ما اختلفتم فيه من أحكام التوراة من أمر الدين وغيره.
فاتقوا الله وأطيعون: أي خافوا الله وأطيعون فيما أبلغكموه عن الله من الأمر والنهى.
إن الله ربي وربكم فاعبدوه: أي إن الله إلهي وإلهكم فاعبدوه بحبه وتعظيمه والذلة له.
هذا صراط مستقيم: أي تقوى الله وطاعة الرسول وعبادة الله بما شرع هو الإسلام المعبر عنه بالصراط المستقيم.
فاختلف الأحزاب من بينهم: أي في شأن عيسى أهو الله: أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة.
فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم: أي فويل للذين كفروا بما قالوا في عيسى من الكذب والباطل.
هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون: أي ما ينتظر هؤلاء الأحزاب مع إصرارهم على ما قالوه في عيسى إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فجأة وهم لا يشعرون.
معنى الآيات:
بعد أن ذكر تعالى جدل المشركين في مكة وفرحهم بالباطل الذي قاله ابن الزبعري في شأن
قال تعالى ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ أي مؤلم فتوعدهم الرب تعالى بالويل الذي هو واد يسيل في جهنم بما يتجمع من صديد فروج أهل النار وأبدانهم من دماء وقروح وأوساخ وهو عذاب يوم القيامة الأليم توعد هؤلاء الظالمين بما قالوا في عيسى عبد الله ورسوله عليه السلام وقال تعالى: ﴿هَلْ (٤) يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ﴾ أي ما ينظرون إلا الساعة لأنهم ما تابوا إلى الله ولا راجعوا الحق فيما قالوه في عيسى بل أصروا: اليهود يصفونه بأخس الصفات والنصارى يصفونه بالألوهية التي هي حق الله رب عيسى ورب العالمين أن تأتيهم بغتة أي فجأة وهم لا يشعرون لأنهم مشغولون بالذرة والهدرجين والاستعمار والتجارة والانغماس في الشهوات كما هو واقع ومشاهد اليوم. وصدق الله العظيم.
٢- أي اتقوا الشرك ولا تعبدوا إلا الله وحده ومن قال هذا فكيف يكون إلهاً يُعبَد وهو عبد يَعبُد ويوحد؟.
٣- ومن اختلافاتهم التي نعيت عليهم اختلاف فرق النصارى من النسطورية والملكية واليعقوبية اختلفوا في عيسى فقالت النسطورية هو ابن الله وقالت اليعقوبية هو الله وقالت الملكية ثالث ثلاثة أحدهم الله قاله الكلبي وغيره.
٤- الجملة مستأنفة بيانياً لما تقدم مما يثير في النفس تساؤلا فكان الجواب أن العذاب آت وأهله ما ينظرون إلا الساعة وأهل العذاب هم المختلفون من أهل الكتاب والمشركين إذ الجميع ظلموا بالشرك والكفر والتكذيب والآية تدعوهم إلى التوبة لينجوا من العذاب الأليم.
من هداية الآيات:
١- بيان رسالة عيسى إلى بني إسرائيل.
٢- وجوب التقوى لله وطاعة الرسول، وتوحيد الله في عبادته.
٣- بيان شؤم الخلاف، وما يجره من التوغل في الكفر والفساد.
٤- وعيد الله لليهود والنصارى الذين لم يدخلوا في الإسلام بالويل وهو عذاب يوم أليم.
الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٦٧) يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (٧٣)
شرح الكلمات:
الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو: أي الأحباء يوم إذ تأتيهم الساعة بغتة.
إلا المتقين: فإن محبتهم تدوم لهم لأنها كانت في الله وطاعته.
يا عباد لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون: أي ينادون فيقال لهم لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون بل تحبرون أي تسرون وتكرمون.
يطاف عليهم بصحاف من ذهب: أي يطوف عليهم الملائكة بقصاع من ذهب وفيها الطعام وأكواب من ذهب فيها الشراب اللذيذ.
وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين: أي في الجنة ما تشتهيه الأنفس تلذذاً وتلذ الأعين نظراً إليه.
وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون: أي يقال لهم وهذه هي الجنة التي أورثكموها الله بأعمالكم
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر أحداث الساعة قال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ (١) بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ أي إذا جاءت الساعة الأخلاء أي الأحباء في الدنيا يوم إذ تأتي الساعة بعضهم لبعض عدو فتنقطع تلك الخلة والمودة وتصبح عداء لأنها كانت على معصية الله تعالى وقوله إلا المتقين أي الله عز وجل بفعل أوامره وترك نواهيه فإن مودتهم وخلتهم لا تنقطع لأنها كانت محبة في الله وما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل يناديهم ربهم بقوله ﴿يَا عِبَادِ (٢) لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ (٣) وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾، ويصفهم بقوله ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا﴾ أي بالقرآن ﴿وَكَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ أي منقادين لله ظاهراً وباطناً، ويقول لهم ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ﴾ أي أنتم وزوجاتكم المؤمنات تفرحون وتسرون وقوله تعالى: ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ﴾ بيان لنعيم الجنة الذي ينعمون به وهو أنه يطاف عليهم بصحاف من ذهب (٤) وهي قصاع، فيها ألذ الطعام وأشهاه، وأكواب من ذهب أيضاً فيها ألذ الشراب والأكواب جمع كوب وهو إناء لا عروة له ولا خرطوم حتى يمكن الشرب منه من أي جهة من جهاته وفيها أي في الجنة ما تشتهيه الأنفس من سائر المستلذات، وتلذ الأعين من سائر المرئيات ويقال لهم لكم ما تشتهون وأنتم فيها خالدون لا تخرجون منها ولا تموتون فيها.
وقوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ﴾ (٥) أي وهذه هي الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون من الصالحات والخيرات، وجه الوراثة أن الله تعالى خلق لكل إنسان منزلين أحدهما في الجنة والثاني في النار فكل من دخل الجنة ورث منزل أحد دخل النار فهذا أوجه التوارث والباء في بما
٢- قرأ نافع والجمهور يا عبادي بالياء بعد الدال وهي ياء المتكلم وقرأ حفص بحذفها تخفيفا لدلالة اللفظ والسياق عليها.
٣- روي أن المنادي لما يقول يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون يرفع أهل العرصة رؤوسهم فيقول المنادي الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين فينكس أهل الأديان رؤوسهم إلا المسلمين.
٤- في الصحيحين عن حذيفة أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة". وفي صحيح مسلم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون. قالوا فمال الطعام؟ قال جشأ ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد والتكبير.
٥- أشار إليها بلام البعد لعلوها وعظيم منازلها وسمو درجاتها.
وقوله تعالى: ﴿لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ (١) مِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ أي يقال لهم هذا إكراما لهم وإسعاداً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- كل خلة يوم القيامة تنقطع إلا خلة كانت في الله ولله سبحانه وتعالى، ولذا ينبغي أن تكون المودة في الدنيا لله لا لغيره تعالى.
٢- بيان فضل التقوى وشرف المتقين الذين يتقون الشرك والمعاصي.
٣- بيان أن الرجل يجمع الله بينه وبين زوجته المسلمة في الجنة.
٤- بيان نعيم أهل الجنة من طعام وشراب وسائر المستلذات.
٥- الإيمان والعمل الصالح سبب في دخول الجنة كما أن الشرك والمعاصي سبب في دخول النار.
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (٧٨) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠)
شرح الكلمات:
إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون: أي إن الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي في جهنم خالدون لا يخرجون ولا يموتون.
لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون: أي لا يخفف عنهم العذاب وهم فيه ساكتون سكوت يأس.
قال إنكم ماكثون: أي أجابهم بعد ألف سنة مضت على دعوتهم بقوله إنكم ما كثون أي مقيمون في عذاب جهنم دائما.
لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون: أي علة بقائكم أنا جئناكم بالحق على لسان رسولنا والحق التوحيد وعبادة الله بما شرع فكره أكثركم الحق.
أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون: أي أحكموا في الكيد للنبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنا محكمون كيدنا في إهلاكهم.
ورسلنا لديهم يكتبون: أي وملائكتنا من الحفظة يكتبون ما يسرون وما يعلنون.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى الجنة ونعيمها ذكر في هذه الآيات النار وعذابها وهذا هو الترغيب والترهيب الذي امتاز به أسلوب القرآن في الدعوة إلى الله تعالى وهداية الخلق إلى الإصلاح قال تعالى ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ (١) ﴾ أي الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها بالشرك والمعاصي هؤلاء في عذاب جهنم خالدون، لا يفتر عنهم العذاب أي لا يخفف وهم فيه أي في العذاب مبلسون أي ساكتون آيسون قانطون. وقال تعالى ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ﴾ في تعذيبنا لهم بهذا العذاب ولكن كانوا هم الظالمين، حيث داسوا أنفسهم بالشرك والمعاصي.
وقوله تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا (٢) رَبُّكَ﴾ يخبر تعالى أن أصحاب ذلك العذاب الدائم الذي لا يفتر فيخفف نادوا مالكاً خازن النار وقالوا له ليمتنا ربك فنستريح من العذاب فأجابهم مالك بعد ألف (٣) سنة قائلاً قال أي ربي إنكم ماكثون أي في عذاب جهنم، وعلل لهذا الحكم بالمكث أبداً فقال: ﴿لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ﴾ أي أرسلنا إليكم رسولنا بالحق يدعوكم إليه وهو الإيمان والعمل الصالح المزكي للنفوس فكره أكثركم (٤) ذلك فلم تؤمنوا ولم تعملوا صالحاً مؤثرين شهوات الدنيا على الآخرة فمتم على الشرك والكفر فهذا جزاء الكافرين.
٢- قال ابن مسعود وأبو الدرداء قرأ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ونادوا يا مال أي رخم الاسم المنادى بحذف الحرف الأخير منه وهو شائع في كلام العرب فيقال في مالك مال وفي حارث يا حار وفي فاطمة فاطم قال الشاعر:
يا حار لا أرثين منكم بداهية
لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك
وقال آخر:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
٣- روى هذا الترمذي وهناك رواية أخرى في ذكر المدة التي يجابون بعدها.
٤- الذين كرهوا الحق هم الرؤساء حفاظاً على مراكزهم وأما الأتباع فلم يكرهوا الحق ولكن اتبعوا الرؤساء فماتوا على الشرك والكفر فدخلوا النار معهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان عقوبة الإجرام على النفس بالشرك والمعاصي.
٢- عذاب الآخرة لا يطاق ولا يقادر قدره يدل عليه طلبهم الموت ليستريحوا منه وما هم بميتين.
٣- أكبر عامل من عوامل كراهية الحق حب الدنيا والشهوات البهيمية في الأكل والشرب والنكاح هذه التي تكرّه إلى صاحبها الدين وشرائعه التي قد تقيد من الإسراف في ذلك.
قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥)
٢- السر: ما يسرونه في أنفسهم من وسائل المكر بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبالنجوى ما يتناجون به بينهم في ذلك بحديث خفي.
قل إن كان للرحمن ولد: أي قل يا رسولنا لهؤلاء المشركين الزاعمين أن الملائكة بنات الله إن كان للرحمن ولد فرضاً.
فأنا أول العابدين: أي فأنا أول من يعبده تعظيما لله وإجلالاً ولكن لا ولد له فلا عبادة إذاً لغيره.
سبحان رب السموات: أي تنزّه وتقدس.
عما يصفون: أي عما يصفون به الله تعالى من أن له ولداً وشركاء.
فذرهم يخوضوا ويلعبوا: أي اتركهم يا رسولنا يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم.
وهو الذي في السماء إله: أي معبود في السماء.
وفي الأرض إله: أي ومعبود في الأرض.
وتبارك الذي له ملك السموات: أي تعاظم وجل جلال الذي له ملك السموات.
وعنده علم الساعة: أي عنده علم وقت مجيئها.
معنى الآيات:
سبق أن بكّت تعالى المشركين في دعواهم أن الملائكة بنات الله وتوعدهم بالعذاب على قولهم الباطل وهنا قال لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قل لهم إن كان للرحمن (١) ولد كما تفترون فرضاً وتقديراً فأنا أول العابدين له (٢)، ولكن لم يكن للرحمن ولد. فلم أكن لأعبد غير الله تعالى، هذا ما دل عليه قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾. وقوله: ﴿سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ نزه تعالى نفسه وقدسها وهو رب السموات والأرض ورب العرش أي مالك ذلك كله وسلطانه عليه جميعه عما يصفه المشركون به من أن له ولداً وشركاء. وهنا قال تعالى لرسوله إذا أصروا على باطلهم من الشرك والكذب على الله والافتراء عليه فذرهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون وهو يوم عذابهم المعد لهم وذلك يوم القيامة.
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾ أي معبود في السماء ومعبود في الأرض أي معظم غاية التعظيم، ومحبوب غاية الحب ومتذلل له غاية الذل في الأرض والسماء وهو الحكيم في صنعه وتدبيره العليم بأحوال خلقه فهل مثله تعالى يفتقر إلى زوجة وولد تعالى
٢- له أي لذلك الولد لأن تعظيم الولد تعظيم للوالد إلا أنه لا ولد له ولا ينبغي له لغناه المطلق.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- مشروعية التلطف في الخطاب والتنزل مع المخاطب لإقامة الحجة عليه كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ وكما هنا قل إن كان للرحمن ولد من باب الفرض والتقدير فأنا أول العابدين له ولكن لا ولد له فلا أعبد غيره سبحانه وتعالى.
٢- تهديد المشركين بعذاب يوم القيامة.
٣- إقامة البراهين على بطلان نسبة الولد إلى الله تعالى.
وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)
شرح الكلمات:
ولا يملك الذين يدعون: أي يعبدونهم.
من دونه: أي من دون الله.
الشفاعة: أي لأحدٍ.
إلا من شهد بالحق: أي لكن الذي شهد بالحق فوحد الله تعالى على علم هذا الذي تناله شفاعة الملائكة والأنبياء.
فأنى يؤفكون: أي كيف يصرفون عن الحق بعد معرفته.
وقيله: أي قول النبي يا رب إن هؤلاء.
وقل سلام فسوف: أي أمري سلام منكم، فسوف تعلمون عاقبة كفركم.
معنى الآيات:
لما أعلم تعالى في الآية السابقة أن رجوع الناس إليه يوم القيامة، وكان المشركون يزعمون أن آلهتهم من الملائكة وغيرها تشفع لهم يوم القيامة واتخذوا هذا ذريعة لعبادتهم فأعلمهم تعالى في هذه الآية (٨٦) أن من يدعونهم بمعنى يعبدونهم من الأصنام والملائكة وغيرهم (١) من دون الله لا يملكون الشفاعة لأحد، فالله وحده هو الذي يملك الشفاعة ويعطيها لمن يشاء هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ﴾ وقوله تعالى ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أي استثنى الله تعالى أن من شهد بالحق أي بأنه لا إله إلا الله، وهو يعلم ذلك علماً يقيناً فهذا قد يشفع له الملائكة أو الأنبياء فقال عز وجل ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (٢) بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم فالموحدون تنالهم الشفاعة بإذن الله تعالى. وقوله تعالى ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ﴾ أي ولئن سألت هؤلاء المشركين من خلقهم لأجابوك قائلين الله. فسبحان الله كيف يقرون بتوحيد الربوبية وينكرون توحيد العبادة فلذا قال تعالى: ﴿فَأَنَّى (٣) يُؤْفَكُونَ﴾ أي كيف يصرفون عن الحق بعد معرفته يعرفون أن الله هو الخالق لهم ويعبدون غيره ويتركون عبادته.
وقوله ﴿وَقِيلِهِ (٤) يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ﴾ أي ويعلم تعالى قيل رسوله وشكواه وهي يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون لما شاهد من عنادهم وتصلبهم شكاهم إلى ربه تعالى فأمره ربه عز وجل أن يصفح (٥) عنهم أي يتجاوز عما يلقاه منهم من شدة وعنت وأن يقول لهم سلام وهو سلام متاركة لا سلام تحية وتعظيم أي قل لهم أمري سلام. فسوف تعلمون (٦) عاقبة هذا الإصرار على الكفر والتكذيب فكان هذا منه تهديداً لهم بذكر ما ينتظرهم من أليم العذاب إن ماتوا على كفرهم.
٢- وهم يعلمون الجملة حالية وفي هذا دليل على أن من لم يفهم معنى لا إله إلا الله ويقولها لا تنفعه ولا ينال بها الشفاعة يوم القيامة إذ لا بد من فهمه ماذا نفى وماذا أثبت ولذا إيمان المقلد اختلف في صحته أهل العلم.
٣- أنى اسم استفهام عن المكان فمحله نصب على الظرفية أي إلى أي مكان يصرفون؟ وماضي يؤفكون أفك يأفك أفكاً على وزن ضرب يضرب ضرباً وأفكه كضربه.
٤- هذا على قراءة نافع وهي نصب قيله أما على قراءة حفص فقيله مجرور عطفاً على قوله وعنده علم الساعة وعلم قيل رسوله كذا. وهو (قيل) مصدر قال كالقول، وأصله قول فعل بمعنى مفعول كذبح بمعنى مذبوح والضمير في قيله يعود إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ هو القائل يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون لطول ما دعاهم وهم معرضون عن الحق مصرون على الكفر.
٥- مثل هذا (فاصفح وقل سلام) منسوخ بآيات القتال التي نزلت بالمدينة النبوية بعد الهجرة.
٦- قرأ نافع تعلمون بالتاء وقرأ حفص والجمهور يعلمون بالياء فالأول مما أمر الله تعالى رسوله أن يقوله للمشركين، والثاني على أنه وعد من الله تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه ينتقم من المكذبين.
من هداية الآيات:
١- لا يملك الشفاعة يوم القيامة أحدٌ إلا الله تعالى فمن أذن له شفع ومن لم يأذن له لا يشفع، ولا يشَّفَعُ إلا لأهل التوحيد خاصة أما أهل الشرك والكفر فلا شفاعة لهم.
٢- مشركو العرب على عهد النبوة موحدون في الربوبية مشركون في العبادة.
٣- مشروعية الصفح والتجاوز عند العجز عن إقامة الحدود وإعلاء كلمة الله تعالى.