تفسير سورة الأحقاف

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب تفسير القشيري المعروف بـلطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ

سورة الأحقاف
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».
«بِسْمِ اللَّهِ» كلمة للقلوب سالبة، للعقول غالبة، للمطيعين واهبة، للعارفين ناهبة.. فالذين يهبهم فلهم لطفه، والذين ينهبهم فمن محقه فهو عنه خلفه «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢)
حميت قلوب أهل عنايتى فصرفت عنها خواطر التجويز، وثبّتها في مشاهد اليقين بنور التحقيق فلاحت فيها شواهد البرهان فأضفنا إليها لطائف الإحسان فكمل منالها من عين الوصلة، وغذيناهم بنسيم الأنس في ساحات القربة.
«الْعَزِيزِ» : المعزّ للمؤمنين بإنزال الكتاب عليهم.
«الْحَكِيمِ»، المحكم لكتابه عن التبديل والتحويل.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٣]
ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣)
الكافرون معرضون عن موضع الإنذار، مقيمون على حدّ الإصرار
(١) وفي ذلك يقول شاعرهم:
ألست لى خلفا؟ كفى شرفا فما وراءك لى قصد ولا أمل
ويقول أبو حمزة موضحا كيف أن هذا الموت في سبيل محبوبه عين الحياة:
وتحيى محبا أنت في الحب حتفه وذا عجب.. كون الحياة مع الحتف!
(اللمع السراج ص ٣٢٥).
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٤]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤)
أرونى.. أي أثر فيهم في الملك، أو القدرة على النفع والضر؟ إن كانت لكم حجّة فأظهروها، أو دلالة فبيّنوها.. وإذ قد عجزتم عن ذلك فهلّا رجعتم عن غيّكم وأقلعتم؟
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٥]
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥)
من أشدّ ضلالا ممّن عبد الجماد الذي ليس له حياة ولا له في النفع أو الضر إثبات؟
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٦]
وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦)
إذا حشر الناس للحساب وقعت العداوة بين الأصنام وعابديها.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٧]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)
رموا رسلنا بالسّحر ثم بالافتراء والمكر.. قل- يا محمد- كفى بالله بينى وبينكم شهيدا أنتم أشركتم به، وأنا أخلصت له توحيدا. وما كنت بدعا من الرسل فلست بأول رسول أرسل، ولا بغير ما جاءوا به من أصول التوحيد جئت، إنما أمرتكم بالإخلاص في التوحيد، والصدق في العبودية، والدعاء إلى محاسن الأخلاق.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٩]
قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩)
وهذا قبل أن نزل قوله تعالى: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ» «١».
وفي الآية دليل على فساد قول أهل القدر والبدع حيث قالوا: «إيلام البرىء قبيح في العقل». لأنه لو لم يجز ذلك لكان يقول: أعلم- قطعا- أنى رسول الله، وأنى معصوم..
فلا محالة يغفر لى، ولكنه قال: وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم ليعلم أن الأمر أمره، والحكم حكمه، وله أن يفعل بعباده ما يريد «٢».
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ١٠ الى ١١]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١)
«٣» تبيّن له أنه لا عذر لهم بحال، ولا أمان لهم من عقوبة الله. وما يستروحون إليه من حججهم عند أنفسهم كلّها- في التحقيق- باطل. وأخبر أن الكفار قالوا: لو كان هذا الذي يقوله
(١) آية (٢) سورة الفتح وبنزولها نسخت هذه الآية، وزال فرح المشركين واليهود والمنافقين الذين كانوا يقولون: كيف نتبع نبيا لا يدرى ما يفعل به ولا بنا وأنه لا فضل له علينا، ولولا أنه ابتدع الذي يقوله من تلقاء نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به- وبنزول هذه الآية أرغم الله أنوفهم، وقالت الصحابة: هنيئا لك يا رسول الله! وهنيئا لنا! [.....]
(٢) القشيري ينكر أن يذهب البشر إلى التماس تعليلات للأفعال الإلهية لأن أفعال الله سبحانه لا تخضع للأغراض، فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فهو يعود بالأمر كله إلى الحكمة والإرادة الإلهيتين، وطالما هما في غير نطاق الإنسانية فلا ينبغى إخضاعهما للمفاهيم الإنسانية من حسن وقبح، وخير وشر لأن هذه المفاهيم متأثرة بالمصلحة والغرض.. والله منزه عن ذلك، فله أن يفعل بعباده ما يشاء، وإذا كان رب الأسرة لا يقودها إلا إلى الخير فما ظنك برب البرية وخالق كل شىء؟!
(٣) هو عبد الله بن سلام عند الجمهور، ولهذا قيل إن هذه الآية مدنية لأن إسلامه كان بالمدينة. وروى أنه سأل النبي عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبى: ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه. ؟ فقال الرسول (ص) : أول أشراط الساعة نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأول طعام أهل الجنة زيادة كبد حوت، وأما الولد فاذا سبق ماء الرجل نزعه وإن سبق ماء المرأة نزعته. فقال: أشهد أنك رسول الله حقا. (صحيح البخاري ح ٢ ص ٢٢٦).
من الحشر والنشر حقّا لم تتقاصر رتبتنا عند الله عن رتبة أحد، ولتقدّمنا- فى الاستحقاق- على الكلّ. ولمّا لم يجدوا لهذا القول دليلا صرّحوا:
«فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ».
ولقد بعث الله أنبياءه- عليهم السلام- وأنزل عليهم الكتب، وبيّن في كلّ كتاب، وعلى لسان كلّ رسول بأنه يبعث محمدا رسولا، ولكن القوم الذين في عصر نبيّنا- صلى الله عليه وسلم- كتموه، وحسدوه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ١٣]
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣)
مضى تفسير الاستقامة. وإنّ من خرج على الإيمان والاستقامة حظى بكلّ كرامة، ووصل إلى جزيل السلامة.
وقيل: السين فى «الاستقامة» سين الطّلب وإن المستقيم هو الذي يبتهل إلى الله تعالى فى أن يقيمه على الحق، ويثبّته على الصدق.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ١٥]
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥)
.. أمر الإنسان برعاية حقّ والديه على جهة الاحترام، لما لهما عليه من حق التربية والإنعام، وإذا لم يحسن الإنسان حرمة من هو من جنسه فهو عن حسن مراعاة سيّده أبعد. ولو لم يكن فى هذا الباب إلا قوله- صلى الله عليه وسلم: «رضا الرب من رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما» لكان ذلك كافيا. ورعاية حق الوالد من حيث الاحترام، ورعاية حق الأم من حيث الشفقة والإكرام. ووعد الله على برّ الوالدين قبول الطاعة بقوله جلّ ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ١٦]
أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦)
فقبول الطاعة وغفران الزّلّة مشروطان ببرّ الوالدين. وقد ذمّ الله- سبحانه- الذي
يتصف في حقهما بالتأفّف، وفي ذلك تنبيه على ما وراء ذلك من أي تعنّف، وعلى أنّ الذي يسلك ذلك يكون من أهل الخسران، وبالتالى يكون ناقص الإيمان.
وسبيل العبد في رعاية حق الوالدين أن يصلح ما بينه وبين الله، فحينئذ يصلح ما بينه وبين غيره- على العموم، وأهله- على الخصوص.
وشرّ خصال الولد في رعاية حق والديه أن يتبرّم بطول حياتهما، ويتأذّى بما يحفظ من حقهما. وعن قريب يموت الأصل ويبقى النسل، ولا بدّ من أن يتبع النسل الأصل «١»، وقد قالوا في هذا المعنى.
رويدك إن الدهر فيه كفاية... لتفريق ذات البين.. فانتظر الدهرا «٢»
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٢٠]
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠)
سبيل العبد ألا ينسى في كل حال معبوده، وأن يتذكر أنه معه في همّه وسروره، وفي مناجاته عند رخائه وبلائه. فإن اتفق أن حصل له أنس، وغلب عليه رجاء وبسط ثم هجم على قلبه قبض أو مسّه خوف.. فليخاطب ربّه حتى لا يكون من جملة من قيل له: «أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا... »
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٢١]
وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١)
«٣»
(١) أي أن أولاده سوف يعاملونه بالكيفية التي عامل بها أبويه.
(٢) إذا لا حظنا اهتمام القشيري هنا برعاية حقوق الأبوين، وإذا نذكرنا أنه في موضع آخر يرى أن حقوق الشيوخ والمربين لا تقل عن ذلك «لأن الوالدين يربون الأشباح، والشيوخ يربون الأرواح» علمنا أن هذه الإشارة موجهة إلى المريدين بنفس الدرجة الموجهة إلى العموم.
(٣) الأحقاف- ج حقف وهي رمال عظام معوجة لا تبلغ أن تكون جبالا. وقال الكلبي: أحقاف الجبل ما نضب عنه الماء زمن الغرق. وهناك اختلاف في مكان ديار عاد يرجع إليه في كتب التفسير.
أخبر بالشرح عن قصة هود وقومه عاد وما جرى بينهم من الخطاب، وتوجّه عليهم من العتاب، وأخذهم بأليم العذاب.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٢٦]
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦)
فلم يغن عنهم ما آتيناهم وانظروا كيف أهلكناهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٢٩]
وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩)
كان رسول الله ﷺ مبعوثا إلى الجنّ كما كان مبعوثا إلى الإنس. وإن قوما أتوه ليلة الجن «١» وآمنوا به، ورجعوا إلى قومهم فأخبروهم، وآمن قوم منهم فاليوم في الجن مؤمنون، وفيهم كافرون.
«فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا... » الصيحة على الباب وفوق البساط غيبة ولهذا لما حضر الجنّ بساط خدمته- صلى الله عليه وسلم- تواصوا فيما بينهم بحفظ الأدب، وقالوا لما حضروا بساطه: «أَنْصِتُوا»، فأهل الحضور صفتهم الذبول والسكون، والهيبة والوقار. والثوران أو الانزعاج يدل على غيبة أو قلّة تيقّظ أو نقصان اطلاع «٢». «فَلَمَّا قُضِيَ..» يعنى الوحى «وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ» وأخبروهم بما رأوه وسمعوه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٣١]
يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١)
(١) حدث ابن مسعود عن هذه الليلة، وأبان كيف سمع- وقد كان وحده بصحبة النبي وهو يقرأ القرآن- لغطا وغمغمة، وشاهد أمثال النسور تهوى وتمشى في رفرفها... إلخ.
(٢) هنا نجد القشيري ينصح بالكتمان ولا يرى الإفصاح، وقد سئل الجنيد في ذلك فأجاب: «وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ (أنظر بحث هذه القضية في كتابنا «نشأة التصوف الإسلامى» ط المعارف ص ٢٢٩).
يقال الإجابة على ضربين: إجابة لله، وإجابة للداعى فإجابة الداعي بشهود الواسطة- وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. وإجابة الله بالجهر إذا بلغته الرسالة على لسان السفير، وبالسّرّ إذا حصلت التعريفات من الواردات على القلب فمستجيب بنفسه ومستجيب بقلبه ومستجيب بروحه ومستجيب بسرّه. ومن توقف عن دعاء الداعي إيّاه، ولم يبادر بالاستجابة هجر فيما كان يخاطب به «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٣٣]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣)
الرؤية هنا بمعنى العلم.
«وَلَمْ يَعْيَ» أي ولم يعجز ولم يضعف.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٣٤]
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤)
ثم يقال لهم على سبيل تأكيد إلزام الحجة:
«أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ؟ قالُوا: بَلى وَرَبِّنا. قالَ: فَذُوقُوا الْعَذابَ... »
جزاء لكم على كفركم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٣٥]
فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥)
(١) هكذا في م وهي في ص (يطالب به) وكلاهما مقبول في السياق فالدعاء خطاب ومطالبة للمدعو.
م (٢٦) لطائف الإشارات- ج ٣-
401
أو لو الجد والصبر والحزم. وجاء في التفسير أنهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليهم وسلم. وقيل: هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام. وقيل: منهم يعقوب وأيوب ويونس.
والصبر هو الوقوف لحكم الله، والثبات من غير بثّ ولا استكراه.
قوله جل ذكره: «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ».
ويقال مدّة الخلق: من مبتدأ وقتهم إلى منتهى آجالهم بالإضافة إلى الأزليّة «١» كلحظة بل هي أقلّ إذ الأزل لا ابتداء له ولا انتهاء.. وأي خطر لما حصل في لحظة.. خيرا كان أو شرّا؟!
(١) بالإضافة إلى- بالنسبة إلى.
402
Icon