تفسير سورة المرسلات

التفسير الواضح
تفسير سورة سورة المرسلات من كتاب التفسير الواضح .
لمؤلفه محمد محمود حجازي .

سورة المرسلات
وهي مكية وعدد آياتها خمسون آية، وتشمل الكلام على البعث بالقسم عليه ثم ببيان مقدماته، ثم ذكر بعض مظاهر القدرة لله في خلقه، ثم ذكر حال الكفار يوم القيامة، وذكر حال المؤمنين كذلك، وقد ختمت بلوم الكفار على بعض أعمالهم.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ١ الى ٥٠]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤)
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (٧) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩)
وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩)
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤)
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩)
انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (٣١) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤)
هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩)
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠)
801
المفردات:
وَالْمُرْسَلاتِ: فسرها بعضهم بالملائكة المرسلة بأمره تعالى فعصفن في المضي وأسرعن في تنفيذ الأمر كما تعصف الريح، وبعضهم فسرها بالرياح المرسلات بأمره إلى جهات مختلفة، فالعاصفات: السريعات الهبوب والسير. عُرْفاً: إرسالا متتابعا مأخوذ من عرف الفرس، وهو اسم للشعر المتتابع الثابت في محدب الرقبة.
وَالنَّاشِراتِ نَشْراً أى: الرياح التي تنشر السحب في السماء، أو هي الملائكة تنشر الشرائع في الأرض. فَالْفارِقاتِ فَرْقاً: الرياح تفرق السحاب في أجواء الفضاء، أو هي الملائكة تفرق بين الحق والباطل. فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً: هي الرياح تلقى في قلوب الناس ذكرا لمن أرسلها بالخير، أو هي الملائكة تلقى على الأنبياء الذكر
802
من الوحى. طُمِسَتْ: ذهب ضوؤها. فُرِجَتْ: تشققت.
نُسِفَتْ: تفرقت أجزاؤها من نسف الحب بالمنسف: إذا نفضه وذراه.
أُقِّتَتْ: بلغت الوقت المحدود لها. لِيَوْمِ الْفَصْلِ: يوم القيامة. ماءٍ مَهِينٍ: ماء حقير ضعيف. قَرارٍ مَكِينٍ: مستقر حصين وهو الرحم. قَدَرٍ مَعْلُومٍ: زمان معين. فَقَدَرْنا وقدرنا: بمعنى هيأنا وأحكمنا. كِفاتاً كفت الشيء: ضمه وجمعه، كفاتا مصدر له. رَواسِيَ: جبالا ثابتات.
شامِخاتٍ: عاليات مرتفعات. فُراتاً: عذبا. ظِلٍّ المراد به: دخان جهنم. شُعَبٍ: فروع وذوائب. بِشَرَرٍ: جمع شرارة، وهي ما يتطاير من النار. كَالْقَصْرِ: كالدار، والعرب تطلق القصر على البناء الكبير والصغير.
جِمالَتٌ جمع جمال الذي هو جمع جمل، وهو الحيوان المعروف. كَيْدٌ: مكر أو حيلة. ظِلالٍ: جمع ظل.
المعنى:
أقسم الحق- تبارك وتعالى- على وقوع يوم البعث الذي يكذب به المشركون أقسم بالملائكة التي أرسلن بأمره- تعالى- وأمرن بإنفاذه فورا حالة كونها متتابعات فعصفن في المضي فيه تنفذه وأسرعن إسراعا كما تعصف الرياح، وذلك دليل على سرعة الامتثال وأنهم لا يتباطئون في تنفيذ أمره، وأقسم «١» كذلك بالملائكة التي تنشر الموتى أو: التي تنشر أجنحتها في الفضاء هابطات أو صاعدات، أو تنشر الشرائع على الأنبياء فتفرق بين الحق والباطل، فتلقى ذكرا إلى الأنبياء- عليهم السلام- على أن الإلقاء ليس مختصا بجبريل وإنما هو رئيسهم، تلقى هذا لأجل إعذار المحقين في أعمالهم، وإنذار المبطلين كذلك لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
وبعض العلماء يذهب في تفسير الآية مذهبا آخر يتضمن أن المراد بالمذكورات الرياح وعلى ذلك فيكون المعنى:
(١) هنا سؤال: لم عطف بالواو في قوله: والناشرات وعطف بالفاء في غيرها؟ والجواب- والله أعلم- أن الواو تدل على المغايرة في الذات وكأن الله أقسم بطائفتين، الأولى بالمرسلات فالعاصفات والثانية والناشرات فالفارقات فالملقيات، والفاء تدل على ترتيب معاني الصفات في الوجود فكان الإرسال فالعصف، وكان النشر فالفرق فالإلقاء.
803
أقسم- تبارك وتعالى- بالرياح لما لها من الأثر الفعال في حياة العالم بل في وجود هذا الكون، أقسم بها ليلفت النظر إليها كما أقسم بالكواكب في سورة النازعات، وبالخيل في سورة العاديات، على أن الرياح والكواكب والخيل كلها تعدو وتسير وكلها من صنع الجليل القدير جل شأنه.
أقسم بالرياح التي أرسلت بعد ركودها تحمل السحب وتلقح الشجر، وتحمل البذر، وتدفع السفن، إلى غير ذلك، وهذه الرياح التي أرسلت متتابعة الهبوب كشعر الفرس الذي ينبت في محدب رقبته، وهي بعد الإرسال تأخذ في العصف بشدة، فالعصف عقب الإرسال، ولذا عطف بالفاء.
وأقسم بالرياح الناشرات «١» نشرا التي تنشر السحب وتبسطها في الفضاء، وبعد ذلك تأخذ في تفريقها وتوزيعها على من يشاء من عباده وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ [الأعراف ٥٧] وهذه الرياح بعد أن تفرق السحب وتوزعها على من يشاء تلقى في قلوب الناس ذكر الله- سبحانه وتعالى- الذي أرسلها ومن عليهم بها، وهذا معنى قوله تعالى فَالْفارِقاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً والناس حينما يذكرون الله وقت هبوب الرياح وحملها للسحب، منهم من يذكر الله مؤمنا به وبصفاته، ومصدقا بوحيه ورسله وكتبه فيكون هذا عذرا له عند ربه في محو سيئاته، ومنهم من يكون ذكره بمثابة الإنذار له بسوء حيث ينسب هبوب الرياح وسقوط الأمطار لغير الله كالطواغيت والأصنام أو الأنواء والكواكب كما كانوا يقولون: مطرنا بنوء كذا.
أقسم الله بهذه الرياح على أن ما توعدون به من البعث والثواب والعقاب واقع لا محالة.
مقدمات البعث: فإذا النجوم طمست، وذهب ضوؤها بعد أن كانت مضيئة وإذا السماء فرجت وتشققت أجزاؤها بعد أن كانت ملتحمة متينة الوضع والتركيب قوية الجاذبية. إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق ١] وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً [النبأ ١٩] وإذ
(١) ويظهر أن العطف بالواو على هذا المعنى لتباين صفة العصف مع النشر، بخلاف غيرها فكأن القرآن نزل تغاير الصفة منزلة تغاير الذات على هذا.
804
الجبال التي كانت ثوابت ورواسى تقلع من أصلها، وتفرق أجزاؤها، وتذرى في الرياح كأنها نسفت بالمناسيف وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً [سورة النبأ آية ٢٠] وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا [سورة الواقعة آية ٥].
وهذا وصف للعالم يوم القيامة أو قبله بقليل، وليس هناك أحد يعفى من السؤال حتى الرسل والأنبياء فإنه يوقت لهم وقت لا يتعدونه ليشهدوا على أنفسهم بالبلاغ، ويشهدوا على أممهم، مبرئين أنفسهم من تبعة التقصير في التبليغ، وهذا معنى وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ أى: أجلت ليوم خاص، وكأن سائلا سأل عن ذلك اليوم الموعود؟
فأجيب: ليوم الفصل الذي ليس بالهزل، وما أدراك؟ أى: ما أعلمك به أيها الإنسان؟ ما يوم الفصل! أى: ما كنهه وحقيقته؟ وإنه لعجيب منك أن تلهو عنه ولا تعمل له.
فإذا النجوم طمست وإذا السماء فرجت «١»، فعندئذ تعلمون صدق الوحى في إثبات البعث، وتعلمون حينئذ مقدار ضلالكم وأن الويل والهلاك والثبور لكم.
بعض مظاهر القدرة التي تلقى في قلوب الكفار والمكذبين الروع بعد الكلام على يوم القيامة وأهواله: ألم نهلك الأولين من قوم عاد وثمود وغيرهم ممن كذبوا بالرسل ولم يؤمنوا بالله وباليوم الآخر وأنتم تعلمون ذلك! ثم بعد ذلك أتبعناهم قوما آخرين، كانوا بعدهم في الزمن، وكذبوا مثلهم، والمراد أقروا «٢» بذلك فاعتبروا به، وتنبهوا له، واحذروا أن تكونوا مثلهم، فإن مثل ذلك الفعل الذي فعلناه مع غيركم نفعله بالمجرمين الذين يكذبون بيوم الدين، ويل يومئذ للمكذبين وهلاك لهم وأى هلاك؟! وهذه الجملة كررت هنا عشر مرات لأن السورة تضمنت ذكر نعم ونقم، فكان إذا ذكرهم الله بنعمة أو خوفهم من نقمة أكد التذكير أو التخويف بذكر الهلاك والثبور المعد للمكذبين يوم القيامة ردعا لهم عن الغفلة وحثا لهم على التصديق وعمل الخير.
ألم نخلقكم من ماء ضعيف حقير؟ فعلى أى شيء تتكبرون عن الإيمان بالله واليوم الآخر؟ ألم يخلق الله الإنسان من منى يمنى؟ ثم كان علقة فمضغة... إلخ، كل ذلك،
(١) وهذا إشارة إلى جواب إذا.
(٢) وهذا إشارة إلى أن الهمزة للتقرير، وكذا الاستفهام فيما سيأتى.
805
وهو في رحم أمه، قد وضع في قرار مكين، وإن الأطباء وعلماء التشريح قد وقفوا على تفسير الآية عمليا، وأن الرحم بالنسبة للجنين مكان حصين ومستقر أمين، وكان فيه مع هذا إلى قدر معلوم، وزمان محدود فإذا حان وقت خروجه تفتحت الأبواب، ولانت العظام، واتسع القرار المكين لنزول الجنين، ألا ترى أن ربك قدر ذلك وهيأه تهيئة العليم الحكيم القوى القادر؟ فنعم القادرون المقدرون بالحمد والثناء، والمراد الله جل جلاله وتقدست أسماؤه.
ألم نجعل الأرض كفاتا؟ أى: تكفتكم وتضمكم حالة كونكم أحياء وأمواتا؟! يا سبحان الله أليس هذا من عجائب قدرة الله أن جعل الأرض مستقرّا للإنسان على ظهرها يحيى ويتقلب ويسير، وهي- إذا مات- تضمه في بطنها، وتوارى سوأته وتكرم جسده. فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ [سورة المائة آية ٣١].
أليس من نعم الله على خلقه أن جعل الأرض تضمهم إليها حالة كونهم أحياء وأمواتا؟ وجعلنا في الأرض رواسى ثابتات، وأطوارا شامخات، كان لها أثر كبير في إنزال المطر ولذا جاء بعد هذا: وأسقيناكم ماء عذبا فراتا، ويل يومئذ وهلاك شديد للمكذبين الذين يكذبون بنعم ربك، ويكذبون بيوم الدين.
الكفار يوم القيامة: يقال لهم: انطلقوا إلى عذاب كنتم به تكذبون، فهذه جهنم التي يكذب بها الكافرون، وانطلقوا إلى ظل!! يا سبحان الله، الظل الذي يتفيؤه الإنسان ويتخذه مقيلا لراحته هو الظل الممدود الذي لا ينفذ منه حر ولا قر، ولا نار ولا لهب، وهذا هو الظل المعد لأصحاب اليمين، أما الظل المعد للكفار فعذاب أليم، ودخان من يحموم لا بارد ولا كريم، هو ظل ذو ثلاث شعب، فهو يحبس الأنفاس، ويكوى بالنار، ويرمى بالشرار، ظل ليس ظليلا واقيا من وهج الشمس أو لفح النار وليس يقي من اللهب، ظل ناره ترمى بشرر كالقصر أو الجمالات الصفر، فهو ظل جهنمى والعياذ بالله فهو نوع من العذاب شديد، فهو دخان أسود قاتم يملأ الخافقين منعقد من نار تلظى، وانظر إلى وصف الشرر بأنه كالبيت في الضخامة ثم هو كالجمال في الشكل والخفة وسرعة الحركة واللون، وإنه لحقا تنزيل رب العالمين!! ويل يومئذ
806
للمكذبين، هذا يوم لا ينطق فيه الكافر بما ينفعه أصلا، أو عند ذلك لا يتكلم أبدا، ولا يؤذن له فيعتذر «١» ويل يومئذ للمكذبين.
هذا يوم الفصل، والقضاء بالعدل، هذا يوم جمعناكم فيه مع الأولين السابقين لكم في الزمن أو المكانة، فهل تستطيعون أن تفلتوا؟! فإن كان لكم كيد به تستطيعون شيئا فافعلوا وكيدوني، يا ويلكم أيها المكذبون! وويل يومئذ للمكذبين!! حال المتقين: إن المتقين الذين اتقوا ربهم وخافوا يوما كان شره مستطيرا هم في ظلال وعيون، أى: قريبون من العيون، تجرى من تحتهم الأنهار فلا يتعبون، وعندهم فواكه كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، فواكه مما يشتهون، ويقال لهم تكريما: كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون، ولا غرابة في ذلك، إنا كذلك نجزى المحسنين، ويل يومئذ للمكذبين الذين يقال لهم في الدنيا: كلوا كما تأكل الأنعام، وتمتعوا قليلا فإنا نستدرجكم إلى يوم الدين، كلوا وتمتعوا بدنياكم، وغدا حسابكم إنكم مجرمون، ويل يومئذ للمكذبين، وكان من سوءاتهم أنه إذا قيل لهم: اركعوا لله ربكم، واعبدوه وحده، ولا تشركوا به شيئا لا يركعون، وقيل: المراد بالركوع ركوع الصلاة.
ويل يومئذ للمكذبين! الويل لهم والهلاك لهم والثبور، حيث لم يشكروا النعم ولم يخافوا النقم فالويل لهم ثم الويل لهم!! إذا كان الأمر كذلك وأنهم لم يؤمنوا بهذا الحديث العجيب، فبأى حديث بعده يؤمنون؟؟ إذ هو الكتاب الكامل الذي جمع فأوعى، وهكذا المغضوب عليهم يقضون حياتهم لا ينتفعون بحكمة ولا يهتدون بنور.
(١) قرئت بالرفع لأن نصبها يشعر بأنهم قد يعتذرون لو أذن لهم، والقرآن يريد لمن يصفهم أنهم لا يعتذرون أصلا أو لم يؤذن لهم.
807
Icon