تفسير سورة الإنفطار

الهداية الى بلوغ النهاية
تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب الهداية الى بلوغ النهاية المعروف بـالهداية الى بلوغ النهاية .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الانفطار ١ مكية ٢.
١ اسمها عند اليخاري في كتاب التفسير: "سورة (إذا السماء انفطرت) وانظر: الفتح ٨/٦٩٥ قال: وتسمى أيضاً سورة الانفطار. ولعله هو الاسم الأشهر كما في الكشاف ٤/٢٢٧ والمحرر ١٦/٢٤٥ وزاد المسير٩/٤٦ وتفسير القرطبي١٩/٢٤٤. وفتح القدير٤/٣٩٤ وغيرها..
٢ بالإجماع. انظر: المصادر في هامش [١]..

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الانفطار
مكية
- قوله تعالى: ﴿إِذَا السمآء انفطرت﴾ إلى آخرها.
[إذا السماء انفطرت، بمنزلة قوله: ﴿إِذَا السمآء انشقت﴾ [الإنشقاق: ١].
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا الكواكب انتثرت﴾.
أي: تساقطت. قد تقدم ذكر هذا.
8099
- ثم قال تعالى -ayah text-primary">﴿وَإِذَا البحار فُجِّرَتْ﴾.
أي: فجر الله بعضها في بعض.
قال قتادة: " فَجّرَ عَذْبَهَا في مالحها، ومالحها في عذابها ".
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ﴾.
أي: [أثيرت] فاستخرج من فيها من الموتى أحياء.
يقال: بعثر فلان حوض فلان [وبحْثره]: إذا جعل أسفله أعلاه.
قال ابن عباس: ﴿بُعْثِرَتْ﴾: " بُحِثَتْ ".
وقال الفراء: بُعْثِرَتْ فألْقَتْ فألْقَتْ ما فيها من الكنوز والموتى. ولا معنى للكنوز في هذا؛ لأنه يو القيامة، ولا كنز في القبور.
8100
- ثم قال تعالى: -ayah text-primary">﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾.
هذا جواب ﴿إِذَا السمآء انفطرت﴾ وما بعده، أي: علمت كل نفس ما قدمت لذلك اليوم وما أخرت من عمل صال أو سيء.
وقيل: معنى (أخرت)، أي: ما سنت من عمل فيعمل به بعده. (قاله القرظي).
وقيل: معناه: ما قدمت من العمل المفروض فعملت به، وما تركت منه. وهو قول [ابن] عباس وعكرمة وقتادة وابن زيد. أي: [ما] عملت مما فرض عليها، وما تركت فلم تعمل (به).
- ثم قال تعالى: ﴿يا أيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم﴾.
أي: يا أيها الإنسان الكافر بربه، أي شيء غرك بربك الكريم حتى كفرت به وجحدت نعمه؟!
قال الطبري: غَرَّ الناس عدوُّهم المسلط عليهم. وقاله قتادة.
8101
- وقوله: -ayah text-primary">﴿الذي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾.
أي: اخترع خلقك [بعد] إن لم تكن شيئاً فسوى خلقك. ﴿فَعَدَلَكَ﴾ أي: فقومك، فجعل خلقك معتدلاً، (لا) تزيد رجل (على رجل)، ولا يد على يد. ودل على هذا قوله: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: ٤]. ومن خفف ﴿فَعَدَلَكَ﴾ فمعناه: صرفك إلى أي سورة شاء، إما حسنٌ وإما قبيحٌ، وإما طويل وإما قصير.
وقوله: ﴿في أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ﴾.
يدل على هذا المعنى. فقراءة (التشديد أولى [ليفيد] الكلام فائدتين مجددتين، لأن معنى التخفيف هو ما أفاد).
8102
قوله: ﴿في أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ﴾. و ﴿في﴾ متعلقة بِ ﴿رَكَّبَكَ﴾، ولا يحسن أن تتعلق بِ (عدلك) لأنك أنما تقول: عدلت إلى كذا، ولا تقول عدلته في كذا.
وقد غلط الفراء فمنع قراءة التخفيف واستبعادها لإتيان ﴿في﴾ بعد (عدلك)، فظن أن ﴿في﴾ متعلقة بِ (عدلك)، وليست كما ظن.
وقد قيل: إن القراءة بالتشديد هي من هذا المعنى على التكثير، أي: صرفك مرة بعد مرة إلى أي صورة شاء.
وقيل: معنى التخفيف: (أمالك إلى) ما شاء من حسن وقبح وصحة
8103
وسقم.
وقال مجاهد: ﴿في أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ﴾ معناه: في أي شبه أب أو أم أو خال أو عم شاء خلقك.
وقال أبو صالح: معناه: إن شاء في صورة كلب أو خنزير أو حمار. وروي أن النبي ﷺ قال: " إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم، أما قرأت في ﴿في أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ﴾؟! ".
والتقدير في الكلام: في أي صورة ما شاء أن يركبك ﴿رَكَّبَكَ﴾.
وفي حديث آخر أنه قال: " إِنَّ اللهَ - جَلَّ وَعَزَّ - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ النَّسْمَةَ فَجَامَعَ
8104
الرَّجُلُ المَرْأَةَ، طَارَ مَاؤُهُ فِي كُلِّ عَرْقٍ مِنْهَا، ثُمَّ أَحْضَرَ لَهُ آباءَه مِنْ لُدُنِ آدَمَ، ثُمَّ صَوَّرَهُ فِي صُورَةِ وَاحِدٍ [مِنْهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ]: ﴿في أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ﴾ ".
- ثم قال: ﴿كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين﴾.
أي: ليس الأمر - أيها الكافرون - على ما تقولون من أنكم على الحق في عبادتكم غيرَ الله، لكنكم تكذبون بالجزاء والبعث والجنة والنار. ودل على ذلك قوله: ﴿يا أيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم﴾ (أي: ما غرك في عبادتك غير ربك الكريم) الذي خلقك فسواك فعدلك.
وقيل: ﴿كَلاَّ﴾ / بمعنى " حَقَّاً هَذَا "، أو بمعنى " أَلاَ ". ولذلك، لم ير أبو
8105
حاتم الوقف (عليها)، وأجازه نصير.
وقيل: المعنى ليس كما غررت به، بل تكذب بالدين.
وقال مجاهد: ﴿بالدين﴾: " بالحساب ".
وقال قتادة " ﴿بالدين﴾: " يوم شدة، يوم يدين الله (العباد) بأعمالهم ".
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ﴾.
أي: وإن عليكم أيها الناس رقباء حافظين لأعمالكم حتى تدانوا بها يوم القيامة.
ثم وصف الحافظين فقال:
- ﴿كِرَاماً كَاتِبِينَ﴾.
أي: كراماً على الله يكتبون أعمالكم.
8106
قال مجاهد: يُوكِل بكل إنسان ملكين، ملكاً عن يمينه يكتب الخير، وملكاً عن شماله يكتب الشر.
- وقوله: ﴿يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾.
أي: يعلم هؤلاء الحفظة ما تفعلون من خير وشر [فيحصونه] عليكم.
قال أبو عبد الرحمن السلم]: إن الملك يأتي أحدكم كل غدوة بصيحفة بيضاء، فإذا صلى الغدوة [فليمل] فيها خيراً، فإذا طلعت الشمس فليقم لحاجته، فإذا صلى العصر فليمل فيها خيراً. فإنه أملى في أول [صحيفته] وآخرها
8107
خيراً (كان) عسى أن يكفر ما بينهما.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ﴾.
أي: إن الذين بروا بأداء فرائض الله واجتناب محارمه لفي نعيم الجنان يوم القيامة.
وقيل: إنما سموا أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء.
- ثم (قال) تعالى: ﴿وَإِنَّ الفجار لَفِي جَحِيمٍ﴾ ﴿يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ (الدين)﴾.
أتى بلفظ التأنيث في ﴿يَصْلَوْنَهَا﴾ حملاً على تأنيث النار، أي: يَصْلَى الفجار
8108
الجحيم يوماً يدان فيه العباد (بأعمالهم.
وقال ابن عباس: " ﴿يَوْمَ الدين﴾) من أسماء يوم القيامة، [عظمه] الله وحذره عباده ".
- ثم قال تعالى: ﴿وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ﴾.
أي: وما هؤلاء الفجار عن الجحيم بخارجين أبداً [فغائبين] عنها، [لكنهم] مخلدون فيها أبداً.
- ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين * ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ (مَا يَوْمُ الدين)﴾.
أي: وما أشعرك يا محمد، أي شيء يوم الدين!، ثم كرره معظماً له محذراً (منه) عباده.
وقيل: إن هذا ليس بتكرير. ومعناه: وما أدراك، يا محمد، ما في يوم الدين من
8109
العذاب للفجار!، وما أدراك ما في يوم الدين من النعيم للأبرار!.
ثم فسر بعض شأن ذلك القيوم فقال:
- ﴿يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً...﴾.
أي: ذلك اليوم يوم لا تملك فيه نفس لنفس نفعاً ولا ضراً. ومن رفع ﴿يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ﴾ جعله بدلاً مما قبله، أي على إضمار مبتدأ، أي: [هو يوم لا تملك].
واختار الفراء والكسائي [الرفيع فيه] لأنه مضاف إلى مستقبل، ولو كان مضافاً إلى ماض لآثروا الفتح، فهو عندهم في الاختيار مُعَرَّبٌ إذا أضيف إلى
8110
معرب، ومبني إذا أضيف إلى مبني.
ويجوز في المستقبل من البناء على الفتح مثل ما جاز في الماضي. ومن فتح ﴿يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ﴾ فعلى الظرف، أي: [الدين] في يوم تملك.
ولا يجوز عند الخليل وسيبويه: أن يكون مبنياً وهو [مضاف] إلى معربٍ، إنما يجوز ذلك إذا أضيف إلى ماضٍ.
وأجاز الفراء أن يكون مبنياً وإن كان مضافاً إلى معرب، وأن يكون منصوباً معربا، وأن يكون مبنياً - في موضع نصب على الظرف، وفي موضع رفع على إضمار مبتدأ.
- ثم قال تعالى: ﴿والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾.
أي: والأمر كله - يوم الدين - لله (أي)، ليس لأحد من خلقه أمر ولا نهي يومئذ.
8111
ومن رفع ﴿يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ﴾ على البدل من ﴿يَوْمَ﴾ مرفوع قبله أو فتحه - وهو في موضع رفع على البدل منه أيضاً - أو نصبه على البدل من ﴿يَصْلَوْنَهَا (يَوْمَ الدين)﴾، لم يبتدئ به. ومن رفعه على إضمار مبتدأ أو نصبه على إضمار فعل بمعنى: اذكر يوم لا تملك، أو فَتَحَه وهو في موضع رفع على إضمار مبتدأ، أبتدأ به.
8112
Icon