تفسير سورة يونس

التفسير الحديث
تفسير سورة سورة يونس من كتاب التفسير الحديث .
لمؤلفه دروزة . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة يونس
في السورة حكاية أقوال ومواقف عديدة للكفار، وردود عليها وتسفيه لهم على باطل تقاليدهم وسخيف عقائدهم وشدة عنادهم ومكابرتهم، وإفحام لهم في سياق الجدل والمناظرة. وفيها لفت نظر الناس إلى آيات الله ومظاهر قدرته في الكون وتبشير وإنذار بالآخرة وحسابها وثوابها وعقابها، وشرح لأثر الإيمان والكفر في نفوس الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
وبيان لمهمة النبي عليه السلام وطبيعة الرسالة، وتقرير لمسؤولية الناس في الهدى والضلال وتمثيل بما كان بين نوح وقومه وبين موسى وفرعون، وبما كان من مصير البغاة ونجاة المؤمنين وضرب بقوم يونس الذين آمنوا مثلا على ذلك.
والمصحف الذي اعتمدناه يذكر أن الآيات [ ٤٠ و٩٤ ٩٦ ] مدنية، وبعض الروايات تذكر أن من أول السورة إلى رأس الآية الأربعين مكي والباقي مدني١. وقد تكرر مضامين الآيات التي يروي مدنيتها في آيات مكية لا خلاف فيها ؛ كما أن هذه الآيات منسجمة مع سياقها السابق واللاحق ؛ ولذلك فإننا نتوقف في الروايات ونرجح مكية جميع آيات السورة.
وفصول السورة مترابطة متساوقة مما يلهم أنها نزلت متتابعة حتى تمت.
١ انظر تفسير السورة في تفسير القاسمي الموسوم بمحاسن التأويل جـ٩..

تلك : لغويا هي إشارة إلى البعيد في حين أن ( هذه ) للقريب. وقد انطلق بعضهم من هذا الفرق فقال : إنها عنت كتب الله السابقة. غير أن الطبري وآخرين رجحوا أنها في مقام ( هذه )، وأنها إشارة إلى القرآن، وهذا هو الصواب المتوافق مع المطالع المماثلة مثل مطالع سور الشعراء والنمل والقصص التي مرّ تفسيرها.
الحكيم : هنا من الإحكام، والحكمة أيضا منه. وعلى هذا فتعبير ( الحكيم ) بالنسبة لكتاب الله يمكن أن يكون بمعنى ( المحكم ) كما يمكن أن يكون بمعنى ( المحتوي حكمة ) ويمكن أن يكون بالمعنيين معا أي : أنه محكم الأسلوب حكيم المضمون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ الر تِلْكَ ( ١ ) آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ( ٢ ) ١ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ ( ٣ ) عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ ٢ ﴾ [ ١ ـ ٢ ].
روى المفسرون عن ابن عباس وغيره أقوالاّ في صدد ( آلر ). منها : أنها اختصار لجملة ( أنا الله أرى ) أو اختصار لاسم الرحمان، أو من أسماء القرآن، أو قسم أقسم الله به ونرجح بالنسبة لها ما رجحناه لمثيلاتها أنها استرعاء السمع إلى آيات القرآن والإشارة التي أعقبتها ﴿ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾ مما قد يدعم ذلك. وقد تكرر هذا الأسلوب في سور عديدة مرت أمثلة منها. وفي الآية دليل تكرر كثيرا على أن تعبير ( الكتاب ) للقرآن كان يطلق على ما كان ينزل منه تباعا وقبل أن يتم تمامه.
أما الآية الثانية فقد احتوت سؤالا استنكاريا عن استغراب الناس لاختصاص الله تعالى رجلا منهم لينذرهم ويبشر المؤمنين بما لهم عند الله من المنزلة الرفيعة المضمونة، وحكاية لقول الكافرين عن هذا الرجل بأنه لساحر بارع.
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه شيئا في صدد نزول الآيتين. والمتبادر من فحواهما وفحوى ما يأتي بعدهما أنهما في صدد حكاية مواقف وعقائد المشركين والتنديد بها بصورة عامة، والأرجح أنها نزلت في صدد موقف من مواقفهم المتكررة المتجددة.
وقد تكرر ما حكته الآية عن الكفار، وجاء ذلك في سورة الإسراء التي سبقت هذه السورة مباشرة في النزول حسب ما روته الروايات. ولعل التساوق بين أخريات سورة الإسراء وبداية هذه السورة، ثم في ما حكته السورتان من أقوال الكفار ومواقفهم المتشابهة قرائن على صحة رواية نزول هذه السورة بعد تلك السورة.
ولقد احتوت الآية رداً على استغراب الكفار وعجبهم ونسبتهم السحر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وانطوى في هذا الرد تسفيه مفحم لهم، فالساحر يبقى في حدود الأفعال والأقوال والمظاهر الوضيعة الدنيوية التي تمتزج بالخداع والكذب والتخييل، إلى الله ومكارم الأخلاق، ونذيرا للناس حتى يتقوا الله، وبشيرا للمتقين بالمنزلة الكريمة الرفيعة.
وتكرار حكاية أقوال الكفار المتشابهة في سور متعاقبة يفيد أنهم كانوا يكررون هذه الأقوال في كل موقف ومناسبة، فاقتضت حكمة التنزيل تكرار حكايتها للرد عليها وتسفيهها.

قدم صدق : أوجه الأقوال أنها بمعنى فضل ومنزلة رفيعة مضمونة وثابتة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ الر تِلْكَ ( ١ ) آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ( ٢ ) ١ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ ( ٣ ) عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ ٢ ﴾ [ ١ ـ ٢ ].
روى المفسرون عن ابن عباس وغيره أقوالاّ في صدد ( آلر ). منها : أنها اختصار لجملة ( أنا الله أرى ) أو اختصار لاسم الرحمان، أو من أسماء القرآن، أو قسم أقسم الله به ونرجح بالنسبة لها ما رجحناه لمثيلاتها أنها استرعاء السمع إلى آيات القرآن والإشارة التي أعقبتها ﴿ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾ مما قد يدعم ذلك. وقد تكرر هذا الأسلوب في سور عديدة مرت أمثلة منها. وفي الآية دليل تكرر كثيرا على أن تعبير ( الكتاب ) للقرآن كان يطلق على ما كان ينزل منه تباعا وقبل أن يتم تمامه.
أما الآية الثانية فقد احتوت سؤالا استنكاريا عن استغراب الناس لاختصاص الله تعالى رجلا منهم لينذرهم ويبشر المؤمنين بما لهم عند الله من المنزلة الرفيعة المضمونة، وحكاية لقول الكافرين عن هذا الرجل بأنه لساحر بارع.
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه شيئا في صدد نزول الآيتين. والمتبادر من فحواهما وفحوى ما يأتي بعدهما أنهما في صدد حكاية مواقف وعقائد المشركين والتنديد بها بصورة عامة، والأرجح أنها نزلت في صدد موقف من مواقفهم المتكررة المتجددة.
وقد تكرر ما حكته الآية عن الكفار، وجاء ذلك في سورة الإسراء التي سبقت هذه السورة مباشرة في النزول حسب ما روته الروايات. ولعل التساوق بين أخريات سورة الإسراء وبداية هذه السورة، ثم في ما حكته السورتان من أقوال الكفار ومواقفهم المتشابهة قرائن على صحة رواية نزول هذه السورة بعد تلك السورة.
ولقد احتوت الآية رداً على استغراب الكفار وعجبهم ونسبتهم السحر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وانطوى في هذا الرد تسفيه مفحم لهم، فالساحر يبقى في حدود الأفعال والأقوال والمظاهر الوضيعة الدنيوية التي تمتزج بالخداع والكذب والتخييل، إلى الله ومكارم الأخلاق، ونذيرا للناس حتى يتقوا الله، وبشيرا للمتقين بالمنزلة الكريمة الرفيعة.
وتكرار حكاية أقوال الكفار المتشابهة في سور متعاقبة يفيد أنهم كانوا يكررون هذه الأقوال في كل موقف ومناسبة، فاقتضت حكمة التنزيل تكرار حكايتها للرد عليها وتسفيهها.

﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ والأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إلاّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ٣ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ والَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ٤ هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء والْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إلاّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥ إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ ( ١ ) ومَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ٦ ﴾ [ ٣ ٦ ].
في الآيات شرح لموجبات استحقاق الله وحده للعبادة والخضوع والدعوة إليه، وبيان مصير كل الذين يؤمنون برسالة الرجل الذي أرسل إليهم ويعملون الصالحات، وكل الذين يكفرون بها بعد الإنذار والتبشير.
فالله هو رب الناس الحقيقيّ الذي خلق السماوات والأرض والقمر والشمس والليل والنهار بإحكام وإتقان، ويسرها لانتفاعهم بها، وجعل في كل خلق من خلقه آية على قدرته وعظمته وانفراده في تدبير الكون وتصرفه المطلق فيه وصيرورة الناس إليه جميعا، وهو الذي خلقهم أول مرة والقادر على إعادة خلقهم ثانية. فعليهم أن يفكروا ويتدبروا ليظهر لهم ذلك واضحا وليعبدوا وحده. ولسوف يصيرون إليه لتحقيق وعده الحق القاضي بمحاسبتهم على أعمالهم وتكريم المؤمنين الصالحين وعقاب الكافرين بالعذاب الأليم والشراب الشديد الحرارة جزاء كفرهم.
ولا يروي المفسرون كذلك رواية ما في صدد نزول الآيات والمتبادر أنها متصلة بما سبقها بقصد الرد على ما حكته الآيات السابقة من استغراب الكفار مع الشرح والبيان القويين المحكمين.
وظاهر أنه أريد بالآيات لفت نظر السامعين إلى ما ترتكز عليه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي جاء للناس بشيرا ونذيرا من قوة وحق لا يتحمل إنكارا ولا استغراقا ولا نسبة سحر لأنها دعوة إلى الله الذي في كل ظاهرة من ظواهر الكون آية على ربوبيته وعظمته وقدرته وإبداعه ومطلق تصرفه واستحقاقه للعبادة والخضوع وحده إذا ما تفكر المرء فيها، كما أنه أريد بها تبشير المؤمنين وتثبيتهم وتكرار إنذار الكفار وإرهابهم.
ولقد احتوت بعض السور التي سبق تفسيرها ما احتوته هذه الآيات من خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام واستوائه بعد ذلك على العرش، ومن تعاقب الليل والنهار، ومن تقدير دوران القمر في منازل وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار، وهي هنا كما هي في المواضع السابقة بقصد لفت أنظار الناس وأسماعهم إلى ما يشاهدونه ويعرفونه من مظاهر قدرة الله تعالى.
على أن في الآية الأخيرة شيئا جديدا يحتمل تنبيها جديدا، وهو تقرير كون الله قد جعل القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب. فقد يقول قائل : إنه ليس بالقمر وحده يعرف عدد السنين والحساب، بل وإن معرفة ذلك بالشمس أدق وأضبط. فنقول : إن هذه الآية وأمثالها لم ترد في القرآن لذاتها وبسبيل تقرير حقائق فلكية وكونية، وإنما وردت للفت النظر إلى مشاهد الكون ونواميسه ومظاهر قدرة الله وعظمته فيها لإيجاب الاتجاه إليه وعبادته وحده. كما نبهنا على ذلك في مناسبات سابقة. وقد خوطب بها لأول مرة أناس يعرفون حساب السنين بواسطة القمر فخوطبوا بما يشاهدونه ويعرفونه من أجل ذلك القصد. ولقد ظل هذا معروفا يقوم عليه عدد الحساب والسنين. والعبارة القرآنية لا تنفي إمكان معرفة هذا العدد والحساب من الشمس ؛ لأنها كما قلنا لم ترد لتقرير نظرية كونية أو فلكية، ومن الواجب إنهاؤها في هذا النطاق. والله أعلم.
اختلاف الليل والنهار : بمعنى تعاقبهما واحد بعد آخر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣:﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ والأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إلاّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ٣ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ والَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ٤ هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء والْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إلاّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥ إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ ( ١ ) ومَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ٦ ﴾ [ ٣ ٦ ].
في الآيات شرح لموجبات استحقاق الله وحده للعبادة والخضوع والدعوة إليه، وبيان مصير كل الذين يؤمنون برسالة الرجل الذي أرسل إليهم ويعملون الصالحات، وكل الذين يكفرون بها بعد الإنذار والتبشير.
فالله هو رب الناس الحقيقيّ الذي خلق السماوات والأرض والقمر والشمس والليل والنهار بإحكام وإتقان، ويسرها لانتفاعهم بها، وجعل في كل خلق من خلقه آية على قدرته وعظمته وانفراده في تدبير الكون وتصرفه المطلق فيه وصيرورة الناس إليه جميعا، وهو الذي خلقهم أول مرة والقادر على إعادة خلقهم ثانية. فعليهم أن يفكروا ويتدبروا ليظهر لهم ذلك واضحا وليعبدوا وحده. ولسوف يصيرون إليه لتحقيق وعده الحق القاضي بمحاسبتهم على أعمالهم وتكريم المؤمنين الصالحين وعقاب الكافرين بالعذاب الأليم والشراب الشديد الحرارة جزاء كفرهم.
ولا يروي المفسرون كذلك رواية ما في صدد نزول الآيات والمتبادر أنها متصلة بما سبقها بقصد الرد على ما حكته الآيات السابقة من استغراب الكفار مع الشرح والبيان القويين المحكمين.
وظاهر أنه أريد بالآيات لفت نظر السامعين إلى ما ترتكز عليه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي جاء للناس بشيرا ونذيرا من قوة وحق لا يتحمل إنكارا ولا استغراقا ولا نسبة سحر لأنها دعوة إلى الله الذي في كل ظاهرة من ظواهر الكون آية على ربوبيته وعظمته وقدرته وإبداعه ومطلق تصرفه واستحقاقه للعبادة والخضوع وحده إذا ما تفكر المرء فيها، كما أنه أريد بها تبشير المؤمنين وتثبيتهم وتكرار إنذار الكفار وإرهابهم.
ولقد احتوت بعض السور التي سبق تفسيرها ما احتوته هذه الآيات من خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام واستوائه بعد ذلك على العرش، ومن تعاقب الليل والنهار، ومن تقدير دوران القمر في منازل وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار، وهي هنا كما هي في المواضع السابقة بقصد لفت أنظار الناس وأسماعهم إلى ما يشاهدونه ويعرفونه من مظاهر قدرة الله تعالى.
على أن في الآية الأخيرة شيئا جديدا يحتمل تنبيها جديدا، وهو تقرير كون الله قد جعل القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب. فقد يقول قائل : إنه ليس بالقمر وحده يعرف عدد السنين والحساب، بل وإن معرفة ذلك بالشمس أدق وأضبط. فنقول : إن هذه الآية وأمثالها لم ترد في القرآن لذاتها وبسبيل تقرير حقائق فلكية وكونية، وإنما وردت للفت النظر إلى مشاهد الكون ونواميسه ومظاهر قدرة الله وعظمته فيها لإيجاب الاتجاه إليه وعبادته وحده. كما نبهنا على ذلك في مناسبات سابقة. وقد خوطب بها لأول مرة أناس يعرفون حساب السنين بواسطة القمر فخوطبوا بما يشاهدونه ويعرفونه من أجل ذلك القصد. ولقد ظل هذا معروفا يقوم عليه عدد الحساب والسنين. والعبارة القرآنية لا تنفي إمكان معرفة هذا العدد والحساب من الشمس ؛ لأنها كما قلنا لم ترد لتقرير نظرية كونية أو فلكية، ومن الواجب إنهاؤها في هذا النطاق. والله أعلم.

لا يرجون لقاءنا : لا يعتقدون بالبعث الأخروي ولا يحسبون حسابه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ( ١ ) ورَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا واطْمَأَنُّواْ بِهَا والَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ٧ أُوْلَـئِكَ مَأْواهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ٨ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ٩ دَعْواهُمْ ( ٢ ) فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٠ ﴾ [ ٧ ـ ١٠ ].
الآيات متصلة بالسياق اتصال استمرار وتعقيب. فآيات الله في كونه باهرة قائمة، والذين يغفلون عنها ولا يتدبرونها وانشغلوا بمطالب النفس الدنيوية واطمأنوا بها ولا يحسبون حساب الآخرة ولقاء الله تعالى مصيرهم النار بما اقترفوا واكتسبوا. أما الذين تدبروا في آيات الله وتحققوا من لقاء الله وحسبوا حساب الآخرة فآمنوا وعملوا الأعمال الصالحة فلهم جنات النعيم، وكل شغلهم فيها تسبيح الله وحمده وتحية بعضهم بعضا بالسلام.
وقد انطوى في الآيات تقرير أثر الكفر بالله والإيمان به في النفوس، فالأول يحمل صاحبه على الاكتفاء بمتع الحياة وعدم التفكير في العواقب، وإهمال ما عليه من واجبات نحو الله والناس. في حين أن الإيمان بالله إذ يشع في صاحبه ينير بصره وبصيرته ويهديه إلى كل ما فيه خير وصلاح ويحفزه على القيام بواجباته نحو الله والناس والابتعاد عن كل ما يتناقض مع هذه الواجبات حاسبا حساب العاقبة، ومعتقدا أنه صائر إلى الله وواقف بين يديه ومسؤول عن كل ما يقدم من عمل ومجزي عليه بما يستحق. وفي هذا ما فيه من روعة وتلقين جليل مستمر المدى. والمتبادر أن الآيات بالإضافة إلى ما فيها من مشهد أخروي يجب الإيمان به استهدفت بشرى المؤمنين الصالحين وإثارة اغتباطهم وإنذار الكافرين وحملهم على الارعواء.

دعوى : هنا بمعنى دعاء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ( ١ ) ورَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا واطْمَأَنُّواْ بِهَا والَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ٧ أُوْلَـئِكَ مَأْواهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ٨ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ٩ دَعْواهُمْ ( ٢ ) فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٠ ﴾ [ ٧ ـ ١٠ ].
الآيات متصلة بالسياق اتصال استمرار وتعقيب. فآيات الله في كونه باهرة قائمة، والذين يغفلون عنها ولا يتدبرونها وانشغلوا بمطالب النفس الدنيوية واطمأنوا بها ولا يحسبون حساب الآخرة ولقاء الله تعالى مصيرهم النار بما اقترفوا واكتسبوا. أما الذين تدبروا في آيات الله وتحققوا من لقاء الله وحسبوا حساب الآخرة فآمنوا وعملوا الأعمال الصالحة فلهم جنات النعيم، وكل شغلهم فيها تسبيح الله وحمده وتحية بعضهم بعضا بالسلام.
وقد انطوى في الآيات تقرير أثر الكفر بالله والإيمان به في النفوس، فالأول يحمل صاحبه على الاكتفاء بمتع الحياة وعدم التفكير في العواقب، وإهمال ما عليه من واجبات نحو الله والناس. في حين أن الإيمان بالله إذ يشع في صاحبه ينير بصره وبصيرته ويهديه إلى كل ما فيه خير وصلاح ويحفزه على القيام بواجباته نحو الله والناس والابتعاد عن كل ما يتناقض مع هذه الواجبات حاسبا حساب العاقبة، ومعتقدا أنه صائر إلى الله وواقف بين يديه ومسؤول عن كل ما يقدم من عمل ومجزي عليه بما يستحق. وفي هذا ما فيه من روعة وتلقين جليل مستمر المدى. والمتبادر أن الآيات بالإضافة إلى ما فيها من مشهد أخروي يجب الإيمان به استهدفت بشرى المؤمنين الصالحين وإثارة اغتباطهم وإنذار الكافرين وحملهم على الارعواء.

﴿ ولَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ١١ ﴾ [ ١١ ].
احتوت الآية تنويها بحكمة من حكم الله تجاه الجاحدين للقائه. فلو أن الله عجل لهم الشر بدرجة استعجالهم الخير لكان في ذلك هلاكهم وانقضاء أمرهم. ولكن حكمته اقتضت إمهالهم إلى الأجل المعين في علمه حتى يحق عليهم العقاب إذا ظلموا سادرين في غوايتهم وطغيانهم.
ولا يروي المفسرون رواية ما في صدد هذه الآية، وقد تبدو جملة مستقلة عن سابقتها، غير أن تعبير ﴿ لا يرجون لقاءنا ﴾ [ ١١ ] فيها وفي الآيات السابقة يجعل الصلة قائمة بينها وبين هذه الآيات لتحتوي تنديدا بالذين لا يرجون لقاء الله بأسلوب آخر. وقد شرحنا حكمة تأجيل الله عذابهم على النحو الذي شرحناه ؛ لأنه هو المتبادر من روحها ومن مقتضى تلك الحكمة. وهذا المعنى انطوى في آيات عديدة منها ما ورد في سور سابقة، وإطلاق الكلام في الآية يجعلها مستمرة المدى والإنذار والتلقين في كل موقف مماثل في كل ظرف كما هو المتبادر.
﴿ وإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ١٢ ﴾ [ ١٢ ].
في الآية تنديد بخلق بعض الناس والمقصودون هم المسرفون الجاحدون بلقاء الله أيضا على ما تلهم روحها حيث اعتادوا حينما يمسهم ضرّ أن يلحفوا بالاستغاثة بالله تعالى وهم قاعدون وواقفون ومضطجعون. حتى إذا كشف الله عنهم الضرّ نسوه، وكأنهم لم يدعوه ويستغيثوا به، وهذا هو شأن المسرفين في ضلالهم وعمايتهم الذين تزين الوساوس لهم أعمالهم فيرضون عنها مهما كان فيها تناقض وجحود.
ولا يروي المفسرون رواية خاصة في صدد الآية، والمتبادر أنها هي الأخرى استمرار في السياق على سبيل التنديد بالجاحدين بلقاء الله بصيغة أخرى فيها صورة من صور جحودهم وتناقضهم. وفي الآية بيان صريح حاسم في عقيدة العرب بالله وشمول قدرته وكونه المتصرف المطلق في كل شيء والموئل في كل أمر. وإطلاق الكلام في الآية يجعلها هي الأخرى مستمرة المدى والتلقين والإنذار بكل موقف مماثل في كل وقت ومكان.
﴿ ولَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ومَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ١٣ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ١٤ ﴾ [ ١٣ ١٤ ].
في الآيات انتقال من الغائب إلى المخاطب، ومن التعميم إلى التخصيص ؛ حيث وجه الخطاب فيها إلى السامعين بأسلوب تقريري : فالله سبحانه قد أهلك الأمم التي سبقت السامعين حينما ظلموا وانحرفوا، وجاءتهم الرسل بالبينات من الله فلم يؤمنوا ولم يرتدعوا. وهذه هي سنة الله في عقاب المجرمين أمثالهم. وقد جعل الله السامعين خلفاء في الأرض بعد أولئك الهالكين ويسّر لهم أسباب النمو والحياة ليختبرهم فيما يفعلون وفي أي الطرق يسلكون.
والآيات غير منفصلة عن السياق، وفيها استطراد واستمرار في التنديد والإنذار، وانطوى فيها إنذار للجاحدين برسالة النبي صلى الله عليه وسلم بأن عذاب الله يوشك أن يقع عليهم كما وقع على من قبلهم جريا على سنة الله، لأنهم يقفون من رسوله إليهم الذي بعثه بالبينات ويصرون على الظلم والإجرام والجحود كما فعل من قبلهم فكان عقابهم الهلاك.
ومع خصوصية الآيات الزمنية، فإنه يتبادر لنا من روحها أنها تنطوي على إنذار وتنبيه ربانيين مستمرين للأجيال بعد الأجيال بأن على كل جيل يأتي بعد جيل فاسد أن يتعظ بما حل في هذا الجيل الفاسد الذي سبقه نتيجة لفساده وأن يعتبر نفسه في موقف الاختبار وعرضة للهلاك والدمار إن هو لم يتعظ وسار على درب الجيل الفاسد المجرم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ ولَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ومَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ١٣ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ١٤ ﴾ [ ١٣ ١٤ ].
في الآيات انتقال من الغائب إلى المخاطب، ومن التعميم إلى التخصيص ؛ حيث وجه الخطاب فيها إلى السامعين بأسلوب تقريري : فالله سبحانه قد أهلك الأمم التي سبقت السامعين حينما ظلموا وانحرفوا، وجاءتهم الرسل بالبينات من الله فلم يؤمنوا ولم يرتدعوا. وهذه هي سنة الله في عقاب المجرمين أمثالهم. وقد جعل الله السامعين خلفاء في الأرض بعد أولئك الهالكين ويسّر لهم أسباب النمو والحياة ليختبرهم فيما يفعلون وفي أي الطرق يسلكون.
والآيات غير منفصلة عن السياق، وفيها استطراد واستمرار في التنديد والإنذار، وانطوى فيها إنذار للجاحدين برسالة النبي صلى الله عليه وسلم بأن عذاب الله يوشك أن يقع عليهم كما وقع على من قبلهم جريا على سنة الله، لأنهم يقفون من رسوله إليهم الذي بعثه بالبينات ويصرون على الظلم والإجرام والجحود كما فعل من قبلهم فكان عقابهم الهلاك.
ومع خصوصية الآيات الزمنية، فإنه يتبادر لنا من روحها أنها تنطوي على إنذار وتنبيه ربانيين مستمرين للأجيال بعد الأجيال بأن على كل جيل يأتي بعد جيل فاسد أن يتعظ بما حل في هذا الجيل الفاسد الذي سبقه نتيجة لفساده وأن يعتبر نفسه في موقف الاختبار وعرضة للهلاك والدمار إن هو لم يتعظ وسار على درب الجيل الفاسد المجرم.

﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ١٥ قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ ولاَ أَدْرَاكُم بِهِ ( ١ ) فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ١٦ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ١٧ ﴾ [ ١٥ ١٧ ].
في الآيات حكاية لبعض أقوال الكفار ومواقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا يطلبون منه إذا ما تلا عليهم ما يوحيه الله إليه من القرآن أن يأتيهم بقرآن غيره، أو أن يدخل فيه بعض التبديل والتغيير، وحيث أمر بالرد عليهم بأنه لا يمكنه أن يبدل ويغير فيه من عند نفسه وأنه إنما يبلغ ما يوحى إليه من الله عز وجل ويتبعه ويقف عنده، وأنه يعرف ما ينتظره من عذاب الله العظيم لو تجرأ وعصى ربه، وأنه إذ يبلغهم ما يوحى إليه إنما يفعل ما أمره الله الذي لو شاء ما تلاه عليهم ولا أنزله عليه ليبلغه لهم. وأنه لبث فيهم قبل الوحي القرآني عمرا طويلا فلم يصدر منه في هذا الصدد شيء، وأن هذا وحده كاف لإقناعهم بأن ما يبلغهم إياه هو وحي الله وقرآنه لو تمعنوا وتعقلوا وتدبروا.
وانتهت الآيات بتقرير أن ليس أحد أشد ظلما ممن يفتري على الله الكذب في نسبة ما لم يصدر عنه إليه وفي تغيير ما يصدر عنه وتبديله، ولا ممن يكذب بآياته الصادرة عنه، وإنه لا يقدم على هذا إلاّ المجرمون الذين لن يفلحوا.
وقد يتبادر أن التقرير المنطوي في الآية وارد بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية وإلى المجرمين من ناحية أخرى في وقت واحد. وبالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ينطوي على تبرئته من أي احتمال للكذب على الله تعالى فيما يبلغه والله أعلم.
تعليق على قول الكفار
﴿ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ﴾
وجواب القرآن عليه
روى بعض المفسرين١ أن خمسة من رجالات قريش جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلبوا منه الإتيان بقرآن ليس فيه تسفيه لعقولهم وحملة على آلهتهم وتبديل لهجته إذا كان يريد أن يستجيبوا له أو يسكتوا عنه، ويدعوه وشأنه، فأنزل الله الآيات على سبيل حكاية قولهم والرد عليه. وفحوى الآيات يسوغ القول حقا أنها في صدد مشهد مثل هذا المشهد. وبكلمة ثانية يجعل الرواية محتملة الصحة ولو لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. غير أن عطف الآيات على ما قبلها وورود تعبير ﴿ لا يرجون لقاءنا ﴾ الذي تكرر وروده في الآيات السابقة يجعلاننا نرى في الآيات استمرارا للسياق. ونرجح أن المشهد كان قبل نزولها. فحكته الآيات في جملة ما حكاه السياق من مواقف الجاحدين بل إن خطورة المشهد الذي حكته يجعلنا نرجح أن السياق منذ بدء السورة هو تمهيد وتوطئة لحكايته.
ولقد احتوت سورة الإسراء السابقة لهذه السورة في ترتيب النزول آيات ذكرت أن الكفار كادوا يفتنون النبي صلى الله عليه وسلم عما أنزل عليه ليفتري على الله غيره على ما شرحناه في سياقها. فليس بعيدا أن يكون الموقف والمطلب واحدا ولاسيما أن سورة يونس نزلت بعد سورة الإسراء على ما روته الروايات وقامت عليه القرائن أو أن يكون الكفار عادوا فألحوا فيما طلبوه فكان هذا المشهد الذي نزلت الآيات به.
ولقد تكرر في السور السابقة حكاية مشاهد الجدل والحجاج حول القرآن، كما استمر في السور اللاحقة أيضا ؛ مما يدل على أن القرآن كان موضوع حجاج وأخذ ورد دائم بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار، ومما هو طبيعي لأنه أعظم وأقوى مظهر للنبوة والرسالة.
وهذا الجدل المستمر بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار حول القرآن وحكايته فيه يؤيد ما قلناه قبل من أن تعبير ( القرآن ) كان يطلق على ما كان ينزل منه قبل تمامه أولا، ومن أن الفصول المحكمة فيه التي احتوت أسس الدعوة أي وحدة الله والإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء الآخرين وباليوم الآخر والتزام مكارم الأخلاق والأعمال الصالحة وعبادة الله وحده واجتناب الآثام والفواحش والشرك هي التي كان يقصد بها هذا التعبير ويدور حولها الجدل، وتنزل الفصول التدعيمية الأخرى من قصص وأمثال وترغيب وترهيب وتذكير وتنديد وتسفيه لدعمها ثانيا، ولما كان جميع ذلك وحيا ربانيا فقد شملته دفتا المصحف ودخل في نطاق تعبير كلام الله وقرآنه.
والمتمعن في الآيات يلمس صورة رائعة قوية تثير الإجلال والإعظام لصميمية الرسول صلى الله عليه وسلم في إبلاغه أمر الله القرآني ردا على طلب الكفار وإخلاصه وصدقه وعمق إيمانه بأنه إنما كان يبلغ وحي الله النازل عليه وباستشعاره خوفا عظيما تجاه أي احتمال في تبديل أو تعبير أو زيادة أو نقص فيما كان يوحى إليه في سياق إبلاغه وتفهيمه للناس.
وفيها ردّ قوي على من يزعم أن القرآن نابع من نفس النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الآية الثانية صورة من صور نشأة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة من سيرته وخلقه ؛ حيث تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتذكير السامعين بما كان من أمره وحالته قبل نزول الوحي إليه، وبأنهم يعرفونه ويعرفون أنه لم يكن فضوليا ولا مفتريا ولا كذابا ولا مندفعا في أي أمر وحركة، ولا راغبا في البروز والظهور، ولا مترشحا للنبوة، ولا شاعرا ولا خطيبا ولا كاتبا ولا قارئا، وإن هذا لدليل على أنّ ما كان يبلغه ليس منه وإنما هو وحي الله وقرآنه.
ومن غرائب مفارقات مفسري الشيعة أنهم يقولون : إن جملة ( ائت بقرآن غير هذا ) عنت طلب قريش الإتيان بقرآن لا يذكر إمامة علي للمسلمين ويذكر شخصا بديلا عنه٢، وتبدو شدة المفارقة إذا لوحظ أن الآية مكية وسياقها في صدد التنديد بالمشركين وسخف شركهم وحالة الضعف والقلة في المسلمين وكون عليا ما يزال صبيا.
١ انظر الطبري والبغوي والخازن..
٢ انظر التفسير والمفسرون للذهبي جـ ٢ ص ٦٧..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ١٥ قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ ولاَ أَدْرَاكُم بِهِ ( ١ ) فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ١٦ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ١٧ ﴾ [ ١٥ ١٧ ].
في الآيات حكاية لبعض أقوال الكفار ومواقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا يطلبون منه إذا ما تلا عليهم ما يوحيه الله إليه من القرآن أن يأتيهم بقرآن غيره، أو أن يدخل فيه بعض التبديل والتغيير، وحيث أمر بالرد عليهم بأنه لا يمكنه أن يبدل ويغير فيه من عند نفسه وأنه إنما يبلغ ما يوحى إليه من الله عز وجل ويتبعه ويقف عنده، وأنه يعرف ما ينتظره من عذاب الله العظيم لو تجرأ وعصى ربه، وأنه إذ يبلغهم ما يوحى إليه إنما يفعل ما أمره الله الذي لو شاء ما تلاه عليهم ولا أنزله عليه ليبلغه لهم. وأنه لبث فيهم قبل الوحي القرآني عمرا طويلا فلم يصدر منه في هذا الصدد شيء، وأن هذا وحده كاف لإقناعهم بأن ما يبلغهم إياه هو وحي الله وقرآنه لو تمعنوا وتعقلوا وتدبروا.
وانتهت الآيات بتقرير أن ليس أحد أشد ظلما ممن يفتري على الله الكذب في نسبة ما لم يصدر عنه إليه وفي تغيير ما يصدر عنه وتبديله، ولا ممن يكذب بآياته الصادرة عنه، وإنه لا يقدم على هذا إلاّ المجرمون الذين لن يفلحوا.
وقد يتبادر أن التقرير المنطوي في الآية وارد بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية وإلى المجرمين من ناحية أخرى في وقت واحد. وبالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ينطوي على تبرئته من أي احتمال للكذب على الله تعالى فيما يبلغه والله أعلم.
تعليق على قول الكفار
﴿ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ﴾
وجواب القرآن عليه
روى بعض المفسرين١ أن خمسة من رجالات قريش جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلبوا منه الإتيان بقرآن ليس فيه تسفيه لعقولهم وحملة على آلهتهم وتبديل لهجته إذا كان يريد أن يستجيبوا له أو يسكتوا عنه، ويدعوه وشأنه، فأنزل الله الآيات على سبيل حكاية قولهم والرد عليه. وفحوى الآيات يسوغ القول حقا أنها في صدد مشهد مثل هذا المشهد. وبكلمة ثانية يجعل الرواية محتملة الصحة ولو لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. غير أن عطف الآيات على ما قبلها وورود تعبير ﴿ لا يرجون لقاءنا ﴾ الذي تكرر وروده في الآيات السابقة يجعلاننا نرى في الآيات استمرارا للسياق. ونرجح أن المشهد كان قبل نزولها. فحكته الآيات في جملة ما حكاه السياق من مواقف الجاحدين بل إن خطورة المشهد الذي حكته يجعلنا نرجح أن السياق منذ بدء السورة هو تمهيد وتوطئة لحكايته.
ولقد احتوت سورة الإسراء السابقة لهذه السورة في ترتيب النزول آيات ذكرت أن الكفار كادوا يفتنون النبي صلى الله عليه وسلم عما أنزل عليه ليفتري على الله غيره على ما شرحناه في سياقها. فليس بعيدا أن يكون الموقف والمطلب واحدا ولاسيما أن سورة يونس نزلت بعد سورة الإسراء على ما روته الروايات وقامت عليه القرائن أو أن يكون الكفار عادوا فألحوا فيما طلبوه فكان هذا المشهد الذي نزلت الآيات به.
ولقد تكرر في السور السابقة حكاية مشاهد الجدل والحجاج حول القرآن، كما استمر في السور اللاحقة أيضا ؛ مما يدل على أن القرآن كان موضوع حجاج وأخذ ورد دائم بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار، ومما هو طبيعي لأنه أعظم وأقوى مظهر للنبوة والرسالة.
وهذا الجدل المستمر بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار حول القرآن وحكايته فيه يؤيد ما قلناه قبل من أن تعبير ( القرآن ) كان يطلق على ما كان ينزل منه قبل تمامه أولا، ومن أن الفصول المحكمة فيه التي احتوت أسس الدعوة أي وحدة الله والإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء الآخرين وباليوم الآخر والتزام مكارم الأخلاق والأعمال الصالحة وعبادة الله وحده واجتناب الآثام والفواحش والشرك هي التي كان يقصد بها هذا التعبير ويدور حولها الجدل، وتنزل الفصول التدعيمية الأخرى من قصص وأمثال وترغيب وترهيب وتذكير وتنديد وتسفيه لدعمها ثانيا، ولما كان جميع ذلك وحيا ربانيا فقد شملته دفتا المصحف ودخل في نطاق تعبير كلام الله وقرآنه.
والمتمعن في الآيات يلمس صورة رائعة قوية تثير الإجلال والإعظام لصميمية الرسول صلى الله عليه وسلم في إبلاغه أمر الله القرآني ردا على طلب الكفار وإخلاصه وصدقه وعمق إيمانه بأنه إنما كان يبلغ وحي الله النازل عليه وباستشعاره خوفا عظيما تجاه أي احتمال في تبديل أو تعبير أو زيادة أو نقص فيما كان يوحى إليه في سياق إبلاغه وتفهيمه للناس.
وفيها ردّ قوي على من يزعم أن القرآن نابع من نفس النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الآية الثانية صورة من صور نشأة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة من سيرته وخلقه ؛ حيث تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتذكير السامعين بما كان من أمره وحالته قبل نزول الوحي إليه، وبأنهم يعرفونه ويعرفون أنه لم يكن فضوليا ولا مفتريا ولا كذابا ولا مندفعا في أي أمر وحركة، ولا راغبا في البروز والظهور، ولا مترشحا للنبوة، ولا شاعرا ولا خطيبا ولا كاتبا ولا قارئا، وإن هذا لدليل على أنّ ما كان يبلغه ليس منه وإنما هو وحي الله وقرآنه.
ومن غرائب مفارقات مفسري الشيعة أنهم يقولون : إن جملة ( ائت بقرآن غير هذا ) عنت طلب قريش الإتيان بقرآن لا يذكر إمامة علي للمسلمين ويذكر شخصا بديلا عنه٢، وتبدو شدة المفارقة إذا لوحظ أن الآية مكية وسياقها في صدد التنديد بالمشركين وسخف شركهم وحالة الضعف والقلة في المسلمين وكون عليا ما يزال صبيا.
١ انظر الطبري والبغوي والخازن..
٢ انظر التفسير والمفسرون للذهبي جـ ٢ ص ٦٧..

ولا أدراكم به : ولا أنزله عليّ لأبلغه لكم ويجعلكم تدرون به.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ١٥ قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ ولاَ أَدْرَاكُم بِهِ ( ١ ) فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ١٦ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ١٧ ﴾ [ ١٥ ١٧ ].
في الآيات حكاية لبعض أقوال الكفار ومواقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا يطلبون منه إذا ما تلا عليهم ما يوحيه الله إليه من القرآن أن يأتيهم بقرآن غيره، أو أن يدخل فيه بعض التبديل والتغيير، وحيث أمر بالرد عليهم بأنه لا يمكنه أن يبدل ويغير فيه من عند نفسه وأنه إنما يبلغ ما يوحى إليه من الله عز وجل ويتبعه ويقف عنده، وأنه يعرف ما ينتظره من عذاب الله العظيم لو تجرأ وعصى ربه، وأنه إذ يبلغهم ما يوحى إليه إنما يفعل ما أمره الله الذي لو شاء ما تلاه عليهم ولا أنزله عليه ليبلغه لهم. وأنه لبث فيهم قبل الوحي القرآني عمرا طويلا فلم يصدر منه في هذا الصدد شيء، وأن هذا وحده كاف لإقناعهم بأن ما يبلغهم إياه هو وحي الله وقرآنه لو تمعنوا وتعقلوا وتدبروا.
وانتهت الآيات بتقرير أن ليس أحد أشد ظلما ممن يفتري على الله الكذب في نسبة ما لم يصدر عنه إليه وفي تغيير ما يصدر عنه وتبديله، ولا ممن يكذب بآياته الصادرة عنه، وإنه لا يقدم على هذا إلاّ المجرمون الذين لن يفلحوا.
وقد يتبادر أن التقرير المنطوي في الآية وارد بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية وإلى المجرمين من ناحية أخرى في وقت واحد. وبالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ينطوي على تبرئته من أي احتمال للكذب على الله تعالى فيما يبلغه والله أعلم.
تعليق على قول الكفار
﴿ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ﴾
وجواب القرآن عليه
روى بعض المفسرين١ أن خمسة من رجالات قريش جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلبوا منه الإتيان بقرآن ليس فيه تسفيه لعقولهم وحملة على آلهتهم وتبديل لهجته إذا كان يريد أن يستجيبوا له أو يسكتوا عنه، ويدعوه وشأنه، فأنزل الله الآيات على سبيل حكاية قولهم والرد عليه. وفحوى الآيات يسوغ القول حقا أنها في صدد مشهد مثل هذا المشهد. وبكلمة ثانية يجعل الرواية محتملة الصحة ولو لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. غير أن عطف الآيات على ما قبلها وورود تعبير ﴿ لا يرجون لقاءنا ﴾ الذي تكرر وروده في الآيات السابقة يجعلاننا نرى في الآيات استمرارا للسياق. ونرجح أن المشهد كان قبل نزولها. فحكته الآيات في جملة ما حكاه السياق من مواقف الجاحدين بل إن خطورة المشهد الذي حكته يجعلنا نرجح أن السياق منذ بدء السورة هو تمهيد وتوطئة لحكايته.
ولقد احتوت سورة الإسراء السابقة لهذه السورة في ترتيب النزول آيات ذكرت أن الكفار كادوا يفتنون النبي صلى الله عليه وسلم عما أنزل عليه ليفتري على الله غيره على ما شرحناه في سياقها. فليس بعيدا أن يكون الموقف والمطلب واحدا ولاسيما أن سورة يونس نزلت بعد سورة الإسراء على ما روته الروايات وقامت عليه القرائن أو أن يكون الكفار عادوا فألحوا فيما طلبوه فكان هذا المشهد الذي نزلت الآيات به.
ولقد تكرر في السور السابقة حكاية مشاهد الجدل والحجاج حول القرآن، كما استمر في السور اللاحقة أيضا ؛ مما يدل على أن القرآن كان موضوع حجاج وأخذ ورد دائم بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار، ومما هو طبيعي لأنه أعظم وأقوى مظهر للنبوة والرسالة.
وهذا الجدل المستمر بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار حول القرآن وحكايته فيه يؤيد ما قلناه قبل من أن تعبير ( القرآن ) كان يطلق على ما كان ينزل منه قبل تمامه أولا، ومن أن الفصول المحكمة فيه التي احتوت أسس الدعوة أي وحدة الله والإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء الآخرين وباليوم الآخر والتزام مكارم الأخلاق والأعمال الصالحة وعبادة الله وحده واجتناب الآثام والفواحش والشرك هي التي كان يقصد بها هذا التعبير ويدور حولها الجدل، وتنزل الفصول التدعيمية الأخرى من قصص وأمثال وترغيب وترهيب وتذكير وتنديد وتسفيه لدعمها ثانيا، ولما كان جميع ذلك وحيا ربانيا فقد شملته دفتا المصحف ودخل في نطاق تعبير كلام الله وقرآنه.
والمتمعن في الآيات يلمس صورة رائعة قوية تثير الإجلال والإعظام لصميمية الرسول صلى الله عليه وسلم في إبلاغه أمر الله القرآني ردا على طلب الكفار وإخلاصه وصدقه وعمق إيمانه بأنه إنما كان يبلغ وحي الله النازل عليه وباستشعاره خوفا عظيما تجاه أي احتمال في تبديل أو تعبير أو زيادة أو نقص فيما كان يوحى إليه في سياق إبلاغه وتفهيمه للناس.
وفيها ردّ قوي على من يزعم أن القرآن نابع من نفس النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الآية الثانية صورة من صور نشأة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة من سيرته وخلقه ؛ حيث تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتذكير السامعين بما كان من أمره وحالته قبل نزول الوحي إليه، وبأنهم يعرفونه ويعرفون أنه لم يكن فضوليا ولا مفتريا ولا كذابا ولا مندفعا في أي أمر وحركة، ولا راغبا في البروز والظهور، ولا مترشحا للنبوة، ولا شاعرا ولا خطيبا ولا كاتبا ولا قارئا، وإن هذا لدليل على أنّ ما كان يبلغه ليس منه وإنما هو وحي الله وقرآنه.
ومن غرائب مفارقات مفسري الشيعة أنهم يقولون : إن جملة ( ائت بقرآن غير هذا ) عنت طلب قريش الإتيان بقرآن لا يذكر إمامة علي للمسلمين ويذكر شخصا بديلا عنه٢، وتبدو شدة المفارقة إذا لوحظ أن الآية مكية وسياقها في صدد التنديد بالمشركين وسخف شركهم وحالة الضعف والقلة في المسلمين وكون عليا ما يزال صبيا.
١ انظر الطبري والبغوي والخازن..
٢ انظر التفسير والمفسرون للذهبي جـ ٢ ص ٦٧..

﴿ ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ ولاَ يَنفَعُهُمْ ويَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاواتِ ولاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ١٨ ﴾ [ ١٨ ].
في الآية تنديد بالمشركين لعبادتهم غير الله الذين لا يقدرون على ضرهم ونفعهم، وحكاية لاعتذارهم بالقول : إنما يتخذونهم شفعاء لدى الله، وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بسؤالهم سؤالاّ فيه تحدّ وسخرية عما إذا كانوا بذلك يخبرون الله تعالى بشيء في السماوات والأرض لا يعلمه الله، ثم انتهت بتنزيه الله عما يشركه المشركون معه.
والضمير في الآية عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة جحودهم ومواقفهم ومطالبهم على ما هو المتبادر، وهي والحالة هذه متصلة بها ولعل التنديد الذي انطوى فيها متصل بما كانوا يطلبونه من النبي صلى الله عليه وسلم من الإتيان بقرآن لا يتعرض لشركائهم ولا يسفه عقولهم، فشركاؤهم لا يضرونهم ولا ينفعونهم وإشراكهم مع الله تعالى في العبادة والدعاء هو سخف يستحق كل التنديد.
مدى عقيدة الشرك عند العرب
ومدى عقيدة التوحيد الإسلامية
وفي الآية صورة واضحة صريحة لمدى عقيدة الشرك العربية، وهي أنهم كانوا يعترفون بالله ويؤمنون بأنه الخالق الرازق المدبر في كل شيء، القادر على كل شيء، ويعتبرون الشركاء الذين كانوا يشركونهم معه في الدعاء والعبادة شفعاء ووسائل زلفى لديه.
ومعظم الآيات التي نددت بعقائد العرب تضمنت هذه الصورة أيضا بوجه عام، وقد مرّت أمثلة عديدة من ذلك بحيث يمكن أن يقال إن هذه العقيدة كانت هي العامة عندهم.
والرد الذي ردت به الآية هنا وفي المناسبات الأخرى انطوى على تسفيه عبادة غير الله والاتجاه إلى غير الله ولو بقصد الاستشفاع والتوسط، وعلى تقرير كون ذلك شركا، وفي هذا تلقين مستمر المدى في صدد عقيدة التوحيد الإسلامية التي لا تتحمل أي ملابسة أو تأويل أو شائبة مهما أُريد تهوينها وتخفيفها ومعها كانت صفة الشفعاء وماهياتهم بحيث يصحّ أن يقال : إنها أنقى من أي ديانة أخرى.
﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إلاّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ ولَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ١٩ ﴾ [ ١٩ ].
تعليق على جملة
﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إلاّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ﴾
تعددت الأقوال في معنى الأمة الواحدة واختلاف الناس. فهناك من أوّل الأمة بالملّة على معنى الدين وقال : إن في الآية تقريرا بأن الناس قد فطروا على فطرة واحدة هي الإسلام لله والتوحيد ابتداء من آدم. فمنهم من يستقيم على هذه الفطرة ومنهم من ينحرف عنها وهذا هو معنى اختلافهم١. وفي القرآن آيات قد تؤيد ذلك منها آية سورة الروم هذه :﴿ فَأَقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ٣٠ ﴾ والحنيف هو الموحد المستقيم على التوحيد وهو الوصف الذي وصف به إبراهيم عليه السلام في آيات كثيرة منها هذه الآية :﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا ولاَ نَصْرَانِيًّا ولَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا ومَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ٦٧ ﴾ آل عمران [ ٦٧ ] وقد وصفت ملة الأنبياء بالأمة الواحدة كما جاء في آية سورة الأنبياء هذه :﴿ إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ٩٢ ﴾ بعد سلسلة ذكر فيها طائفة من الأنبياء ونوّه بما كان من إخلاصهم وإسلامهم أنفسهم لله. وجاء بعد هذه الآية آية تشير إلى اختلاف الناس في الطريقة الدينية بعد كل نبي وهي هذه :﴿ وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون ٩٣ ﴾. وفي سورة المؤمنون آيات مماثلة جاءت في أعقاب سلسلة مماثلة وهي :﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ٥٢ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ٥٣ ﴾.
ومن المفسرين من أوّل ذلك أيضا بالملة الدينية مع تحديد ملة إبراهيم عليه السلام الحنيفية وقال : إن العرب كانوا في الأصل على هذه الملة فانحرفوا عنها إلى الشرك والوثنية وهو معنى الاختلاف٢.
ومنهم٣ من أوّل معنى الأمة الواحدة واختلاف الناس بفطرة ارتباط الناس ببعضهم وحياتهم الاجتماعية، فهم من هذه الناحية أمة واحدة. واختلافهم في مختلف الشؤون الدينية طبيعي تبعا لما بينهم من تفاوت في القوى العقلية والدينية. واستشهد على ذلك بآية سورة البقرة هذه :﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ومُنذِرِينَ و أَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إلاّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ٢١٣ ﴾ مع أن الاختلاف المذكور في الآية هو الاختلاف في الدين على ما تلهمه روحها.
والذي نرجحه على ضوء آيات سورة الروم والأنبياء والمؤمنون أن الآية هي بسبيل تقرير وحدة الفطرة بالنسبة لجميع البشر، وأن المقصود بالآية هو الملة الدينية، حيث يكون المراد من ذلك أن فطرة الاستشعار بوجود الله عز وجل الواحد المدبر الخالق الأزلي الأبدي المحيط بكل شيء المتصرف بكل شيء وبوجوب إسلام النفس إليه هي الأصل في جميع البشر على اختلافهم. وأن ما هم عليه من انحراف عن هذا الأصل هو طارئ نتيجة لاختلاف أهوائهم ومآربهم وحوافزهم، وآية سورة البقرة تدعم هذا أكثر مما تدعم الرأي الثالث.
ومن واجب المسلم أن يؤمن بهذه الحقيقة التي يقررها القرآن في الآية التي نحن في صددها وفي الآيات الأخرى التي أوردناها.
على أنه يتبادر لنا في الوقت نفسه أن في الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن موقف الكفار الجحودي الذي حكته الآيات السابقة. فكأنها تريد التنبيه على أن موقفهم هذا ليس بدعا فقد كان ممن قبلهم تجاه رسلهم أيضا. وأن الله قادر على الانتقام منهم لولا أن حكمته اقتضت تأجيل ذلك إلى أجل معين عنده وقد تكرر مثل هذا الأسلوب من التسلية في مواقف مماثلة مرت أمثلة منه.
على أن من المحتمل مع ذلك أن تكون الآية نزلت ردا على استغراب بدا من الكفار في سياق الجدل والنقاش، حيث يمكن أن يكونوا قالوا إنه كان في إمكان الله تعالى إذا صحت دعوى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل الناس جميعا على طريقة واحدة لا يختلفون فيها، فأريد بها تقرير أن ذلك في نطاق قدرة الله حقا وأن الناس يفطرون على فطرة واحدة أو كانوا على فطرة واحدة وأن اختلافهم إنما طرأ طروءا نتيجة لتباينهم في الأفكار والأخلاق والقوى، وأن حكمة الله تعالى اقتضت أن يتركوا أحرارا في التفكير والاختيار بعد أن يبين لهم رسله طريق الهدى وطريق الضلال، ويدعوهم إلى سلوك الأولى واجتناب الأخرى ليستحق كل منهم ما يستحقه بعدل وحق، ويدعوهم إلى قضاءه إلى أجل معين في علمه، وأن ذلك هو سبب استمرار اختلافهم.
وقد تكرر تقرير هذا بأساليب متنوعة مرت أمثلة منها في مناسبات مماثلة.
هذا، وواضح من كل ما تقدم أن الآية متصلة بالسياق السابق اتصال تعقيب واستطراد ورد. وواو العطف الذي بدأت به مما يؤيد ذلك فضلا عن مضمونها وصلته بموقف الكفار المحكي في الآيات السابقة لها.
١ انظر تفسيرها وتفسير آية البقرة ٢١٣ في تفسير ابن كثير والطبرسي والبغوي مثلا..
٢ المصادر السابقة..
٣ انظر تفسير الآيتين المذكورتين في تفسير المنار للسيد رشيد رضا..
﴿ ويَقُولُونَ لَوْلا ( ١ ) أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ٢٠ ﴾ [ ٢٠ ].
( ١ ) لولا : هنا بمعنى هلا وينطوي فيها معنى التحدي.
وفي الآية حكاية لتحدي الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم باستنزال آية من ربه تصديقا وتأييدا لدعواه، وأمر رباني له بالرد عليهم بأن الغيب والمستقبل بيد الله وأمره بأن يطلب منهم الانتظار ويعلنهم أنه معهم من المنتظرين.
ولا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآية وهي معطوفة على ما سبقها حيث يتبادر أنها استمرار في السياق لتحكي قولا آخر من أقوال الجاحدين وتعجيزهم مع الرد عليهم.
ومثل هذا الطلب تكررت حكايته عنهم كثيرا بصيغ متنوعة مرّ بعضها في السور التي فسرناها، وشرحنا ما يتبادر لنا من حكمة الله في عدم تلبيته طلبهم وتحديهم.
والمتبادر أن الكفار كانوا يرون في مثل هذا التحدي منفذا للتشفي والتعجيز، ومخرجا من المأزق الحرج الذي يضعهم فيه النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن الذي يتلوه عليهم ويفحمهم ويلزمهم به، مقابلة على ذلك بالمثل، ولعل عدم استجابة الله عز وجل لتحديهم وإجابة القرآن عليه بما تكرر وروده في كل موقف من مواقف تحديهم على ما مرّ شرحه في تلك السورة والسور الأخرى وبخاصة سورة الإسراء السابقة في النزول لسورة يونس مما كان يغريهم بتكرار التحدي.
وفي هذا صورة من صور السيرة النبوية في العهد المكي فيها دلالة على ما كان المشركون عليه من قوة الخصومة والجدل والعناد. وهو ما وصفوا به بصراحة في آيات أخرى منها آيات سورة الزخرف هذه :﴿ ولَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ٥٧ وقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُو مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ٥٨ ﴾.
والرد الذي احتوته الآية ينطوي على وعيد، ويتجلى فيه كذلك عظمة تصميم النبي صلى الله عليه وسلم وثبات قلبه وعدم اعتبار التحدي مخرجا له ؛ حيث يؤمر أن يعلن أن الأمر بيد الله حاضره وغائبه، وليس هو إلاّ رسول يقوم بما يؤمر به ويبلغ ما يوحى إليه وينتظر تصريف الله انتظار الواثق المطمئن ويطلب منهم الانتظار معه طلبا منطويا على الإنذار والتهديد.
مكر : الأولى بمعنى مقابلة آيات الله بالجحود والنكران، والثانية بمعنى مقابلة الله لهم بالانتقام السريع.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْر ٌ( ١ ) فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ٢١ هُو الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ٢٢ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٢٣ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وازَّيَّنَتْ وظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ( ٢ ) أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا ( ٣ ) كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ( ٤ )كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ٢٤ ﴾ [ ٢١ ـ ٢٤ ].
معاني الآيات واضحة، وقد احتوت تنديدا بالذين يجحدون فضل الله ويقفون من رسله وآياته موقف المكر والمناوأة، وينقضون ما عاهدوا الله عليه حينما يتهددهم خطر البحر وعواصفه من الإخلاص له وحده بعد أن ينقذهم وينجيهم. وإنذار لهم بأن مرجعهم إليه فيحاسبهم على مكرهم وبغيهم. وتمثيلا لمتاع الحياة الدنيا الخداع في زينته ومظهره، والذي لا يلبث أن يزول بعد أن يكون الإنسان قد ظن أنه ملك منه مشتهاه، وتنبيها للسامعين بأن الله تعالى إنما يفصل الآيات ويضرب الأمثال لمن يريد أن يتدبر ويتفكر.
وأسلوب الآيات هادئ رزين قوي موجه إلى القلوب والعقول معا من شأنه أن ينفذ إلى أعماق ذوي القلوب السليمة والنيات الحسنة. وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الثانية بإعلان الناس بأن الله أسرع مكرا، وفي ما جاء في الآية الرابعة من الهتاف بالناس بأن بغيهم إنما هو عليهم التفاتان قويان في سياق الأسلوب الخطابي يهزان النفس هزا.
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية ما في صدد نزولها. وهي وإن كانت مطلقة التوجيه، فالمتبادر أنها بسبيل التنديد بالكفار الذين حكت الآيات السابقة جحودهم واقترافهم ووقوفهم من آيات الله ورسوله ودعوته موقف الماكر الساخر المتحدي، مع اعترافهم بالله وما يرونه من فضله عليهم ومع ما يكون منهم من الإسراع إلى الاستغاثة به وحده في حالات الخطر والضرر، ومعاهدته على الشكر والإخلاص الدائمين حيث ينقضون بمواقفهم العهد الذي عاهدوه به، وهي على هذا غير منقطعة عن السياق السابق وفيها معنى التعقيب عليه.
وفي الآية تقرير مكرر لاعترافهم بالله وكونه المعاذ والملجأ الحقيقي، القادر وحده على كشف الضرّ والأذى والخطر، والمنفذ وحده من الشدائد.
وليس في التمثيل بمتاع الحياة الدنيا ما يفيد وجوب انصراف الإنسان عن متع الحياة ومطالبها، وكل ما يفيده هو التحذير من الاغترار بها والاستغراق في شهواتها استغراقا يجر إلى الإثم والفواحش وينسى الإنسان واجباته نحو الله والناس التي فيها وحدها السلامة في الدنيا والآخرة، وقد مرّ في سياق تفسير سورة الأعراف التنبيه إلى ما في بعض آياتها من استنكار تحريم زينة الحياة الدنيا والطيبات من الرزق حيث يتمثل في ذلك الضابط القرآني المحكم في هذا الأمر.
ومع ما يفيد شرحنا للآيات من صلة بين فحواها وبين أحوال ومواقف الجاحدين السامعين للقرآن لأول مرة فإن إطلاق العبارة فيها يجعلها شاملة الخطاب والتوجيه والتلقين لكل الناس في كل مناسبة مماثلة وفي كل ظرف ومكان.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْر ٌ( ١ ) فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ٢١ هُو الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ٢٢ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٢٣ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وازَّيَّنَتْ وظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ( ٢ ) أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا ( ٣ ) كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ( ٤ )كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ٢٤ ﴾ [ ٢١ ـ ٢٤ ].
معاني الآيات واضحة، وقد احتوت تنديدا بالذين يجحدون فضل الله ويقفون من رسله وآياته موقف المكر والمناوأة، وينقضون ما عاهدوا الله عليه حينما يتهددهم خطر البحر وعواصفه من الإخلاص له وحده بعد أن ينقذهم وينجيهم. وإنذار لهم بأن مرجعهم إليه فيحاسبهم على مكرهم وبغيهم. وتمثيلا لمتاع الحياة الدنيا الخداع في زينته ومظهره، والذي لا يلبث أن يزول بعد أن يكون الإنسان قد ظن أنه ملك منه مشتهاه، وتنبيها للسامعين بأن الله تعالى إنما يفصل الآيات ويضرب الأمثال لمن يريد أن يتدبر ويتفكر.
وأسلوب الآيات هادئ رزين قوي موجه إلى القلوب والعقول معا من شأنه أن ينفذ إلى أعماق ذوي القلوب السليمة والنيات الحسنة. وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الثانية بإعلان الناس بأن الله أسرع مكرا، وفي ما جاء في الآية الرابعة من الهتاف بالناس بأن بغيهم إنما هو عليهم التفاتان قويان في سياق الأسلوب الخطابي يهزان النفس هزا.
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية ما في صدد نزولها. وهي وإن كانت مطلقة التوجيه، فالمتبادر أنها بسبيل التنديد بالكفار الذين حكت الآيات السابقة جحودهم واقترافهم ووقوفهم من آيات الله ورسوله ودعوته موقف الماكر الساخر المتحدي، مع اعترافهم بالله وما يرونه من فضله عليهم ومع ما يكون منهم من الإسراع إلى الاستغاثة به وحده في حالات الخطر والضرر، ومعاهدته على الشكر والإخلاص الدائمين حيث ينقضون بمواقفهم العهد الذي عاهدوه به، وهي على هذا غير منقطعة عن السياق السابق وفيها معنى التعقيب عليه.
وفي الآية تقرير مكرر لاعترافهم بالله وكونه المعاذ والملجأ الحقيقي، القادر وحده على كشف الضرّ والأذى والخطر، والمنفذ وحده من الشدائد.
وليس في التمثيل بمتاع الحياة الدنيا ما يفيد وجوب انصراف الإنسان عن متع الحياة ومطالبها، وكل ما يفيده هو التحذير من الاغترار بها والاستغراق في شهواتها استغراقا يجر إلى الإثم والفواحش وينسى الإنسان واجباته نحو الله والناس التي فيها وحدها السلامة في الدنيا والآخرة، وقد مرّ في سياق تفسير سورة الأعراف التنبيه إلى ما في بعض آياتها من استنكار تحريم زينة الحياة الدنيا والطيبات من الرزق حيث يتمثل في ذلك الضابط القرآني المحكم في هذا الأمر.
ومع ما يفيد شرحنا للآيات من صلة بين فحواها وبين أحوال ومواقف الجاحدين السامعين للقرآن لأول مرة فإن إطلاق العبارة فيها يجعلها شاملة الخطاب والتوجيه والتلقين لكل الناس في كل مناسبة مماثلة وفي كل ظرف ومكان.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْر ٌ( ١ ) فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ٢١ هُو الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ٢٢ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٢٣ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وازَّيَّنَتْ وظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ( ٢ ) أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا ( ٣ ) كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ( ٤ )كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ٢٤ ﴾ [ ٢١ ـ ٢٤ ].
معاني الآيات واضحة، وقد احتوت تنديدا بالذين يجحدون فضل الله ويقفون من رسله وآياته موقف المكر والمناوأة، وينقضون ما عاهدوا الله عليه حينما يتهددهم خطر البحر وعواصفه من الإخلاص له وحده بعد أن ينقذهم وينجيهم. وإنذار لهم بأن مرجعهم إليه فيحاسبهم على مكرهم وبغيهم. وتمثيلا لمتاع الحياة الدنيا الخداع في زينته ومظهره، والذي لا يلبث أن يزول بعد أن يكون الإنسان قد ظن أنه ملك منه مشتهاه، وتنبيها للسامعين بأن الله تعالى إنما يفصل الآيات ويضرب الأمثال لمن يريد أن يتدبر ويتفكر.
وأسلوب الآيات هادئ رزين قوي موجه إلى القلوب والعقول معا من شأنه أن ينفذ إلى أعماق ذوي القلوب السليمة والنيات الحسنة. وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الثانية بإعلان الناس بأن الله أسرع مكرا، وفي ما جاء في الآية الرابعة من الهتاف بالناس بأن بغيهم إنما هو عليهم التفاتان قويان في سياق الأسلوب الخطابي يهزان النفس هزا.
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية ما في صدد نزولها. وهي وإن كانت مطلقة التوجيه، فالمتبادر أنها بسبيل التنديد بالكفار الذين حكت الآيات السابقة جحودهم واقترافهم ووقوفهم من آيات الله ورسوله ودعوته موقف الماكر الساخر المتحدي، مع اعترافهم بالله وما يرونه من فضله عليهم ومع ما يكون منهم من الإسراع إلى الاستغاثة به وحده في حالات الخطر والضرر، ومعاهدته على الشكر والإخلاص الدائمين حيث ينقضون بمواقفهم العهد الذي عاهدوه به، وهي على هذا غير منقطعة عن السياق السابق وفيها معنى التعقيب عليه.
وفي الآية تقرير مكرر لاعترافهم بالله وكونه المعاذ والملجأ الحقيقي، القادر وحده على كشف الضرّ والأذى والخطر، والمنفذ وحده من الشدائد.
وليس في التمثيل بمتاع الحياة الدنيا ما يفيد وجوب انصراف الإنسان عن متع الحياة ومطالبها، وكل ما يفيده هو التحذير من الاغترار بها والاستغراق في شهواتها استغراقا يجر إلى الإثم والفواحش وينسى الإنسان واجباته نحو الله والناس التي فيها وحدها السلامة في الدنيا والآخرة، وقد مرّ في سياق تفسير سورة الأعراف التنبيه إلى ما في بعض آياتها من استنكار تحريم زينة الحياة الدنيا والطيبات من الرزق حيث يتمثل في ذلك الضابط القرآني المحكم في هذا الأمر.
ومع ما يفيد شرحنا للآيات من صلة بين فحواها وبين أحوال ومواقف الجاحدين السامعين للقرآن لأول مرة فإن إطلاق العبارة فيها يجعلها شاملة الخطاب والتوجيه والتلقين لكل الناس في كل مناسبة مماثلة وفي كل ظرف ومكان.

ظن أهلها أنهم قادرون عليها : اطمأن أصحابها وأهلها بأنهم مالكوها ومستمتعون بها وتيقنوا من ذلك.
حصيدا : هنا بمعنى الإبادة والمحو والتبديد.
كأن لم تغن بالأمس : كأنها لم تكن قائمة موجودة بالأمس والجملة بسبيل التعبير عن شدة التبديد والإبادة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْر ٌ( ١ ) فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ٢١ هُو الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ٢٢ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٢٣ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وازَّيَّنَتْ وظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ( ٢ ) أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا ( ٣ ) كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ( ٤ )كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ٢٤ ﴾ [ ٢١ ـ ٢٤ ].
معاني الآيات واضحة، وقد احتوت تنديدا بالذين يجحدون فضل الله ويقفون من رسله وآياته موقف المكر والمناوأة، وينقضون ما عاهدوا الله عليه حينما يتهددهم خطر البحر وعواصفه من الإخلاص له وحده بعد أن ينقذهم وينجيهم. وإنذار لهم بأن مرجعهم إليه فيحاسبهم على مكرهم وبغيهم. وتمثيلا لمتاع الحياة الدنيا الخداع في زينته ومظهره، والذي لا يلبث أن يزول بعد أن يكون الإنسان قد ظن أنه ملك منه مشتهاه، وتنبيها للسامعين بأن الله تعالى إنما يفصل الآيات ويضرب الأمثال لمن يريد أن يتدبر ويتفكر.
وأسلوب الآيات هادئ رزين قوي موجه إلى القلوب والعقول معا من شأنه أن ينفذ إلى أعماق ذوي القلوب السليمة والنيات الحسنة. وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الثانية بإعلان الناس بأن الله أسرع مكرا، وفي ما جاء في الآية الرابعة من الهتاف بالناس بأن بغيهم إنما هو عليهم التفاتان قويان في سياق الأسلوب الخطابي يهزان النفس هزا.
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية ما في صدد نزولها. وهي وإن كانت مطلقة التوجيه، فالمتبادر أنها بسبيل التنديد بالكفار الذين حكت الآيات السابقة جحودهم واقترافهم ووقوفهم من آيات الله ورسوله ودعوته موقف الماكر الساخر المتحدي، مع اعترافهم بالله وما يرونه من فضله عليهم ومع ما يكون منهم من الإسراع إلى الاستغاثة به وحده في حالات الخطر والضرر، ومعاهدته على الشكر والإخلاص الدائمين حيث ينقضون بمواقفهم العهد الذي عاهدوه به، وهي على هذا غير منقطعة عن السياق السابق وفيها معنى التعقيب عليه.
وفي الآية تقرير مكرر لاعترافهم بالله وكونه المعاذ والملجأ الحقيقي، القادر وحده على كشف الضرّ والأذى والخطر، والمنفذ وحده من الشدائد.
وليس في التمثيل بمتاع الحياة الدنيا ما يفيد وجوب انصراف الإنسان عن متع الحياة ومطالبها، وكل ما يفيده هو التحذير من الاغترار بها والاستغراق في شهواتها استغراقا يجر إلى الإثم والفواحش وينسى الإنسان واجباته نحو الله والناس التي فيها وحدها السلامة في الدنيا والآخرة، وقد مرّ في سياق تفسير سورة الأعراف التنبيه إلى ما في بعض آياتها من استنكار تحريم زينة الحياة الدنيا والطيبات من الرزق حيث يتمثل في ذلك الضابط القرآني المحكم في هذا الأمر.
ومع ما يفيد شرحنا للآيات من صلة بين فحواها وبين أحوال ومواقف الجاحدين السامعين للقرآن لأول مرة فإن إطلاق العبارة فيها يجعلها شاملة الخطاب والتوجيه والتلقين لكل الناس في كل مناسبة مماثلة وفي كل ظرف ومكان.

﴿ واللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ ويَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ٢٥ ﴾[ ٢٥ ].
في الآية إيذان رباني بأن الله تعالى إنما يدعو إلى دار السلام ويهدي بدعوته من استحق الهداية من عباده الصالحين إلى الطريق المستقيم الذي فيه النجاة لهم.
والمتبادر أن الآية بمثابة تعقيب على الآيات السابقة وبخاصة الآية السابقة لها مباشرة التي تقرر أن الله تعالى إنما يفصل آياته لمن يريد أن يتدبر ويتفكر فيها.
وقد أولنا جملة ﴿ ويهدي من يشاء ﴾ بما أولناها به، على ضوء الآيات العديدة الأخرى التي تذكر أن الله يهدي إليه من أنيب وأنه لا يضل إلاّ الفاسقين والظالمين على ما شرحناه في مناسبات سابقة.
ولقد روى الطبري والبغوي عن قتادة أن ( السلام ) في الآية اسم الله، وأن دار السلام هي الجنة. وقال البغوي إلى هذا وقيل : إن الجنة وصفت بدار السلام ؛ لأن أهلها يحيي بعضهم بعضا والملائكة يحيونهم بالسلام على ما جاء في آيات عديدة منها الآية [ ١٠ ] من هذه السورة.
على أنه يتبادر لنا مع ذلك أن التعبير ينطوي على معنى تطمين عام بأن الله تعالى إنما يدعو الناس إلى كل ما فيه سلامتهم ونجاتهم وطمأنينتهم وأمنهم والله أعلم.
يرهق : يغشى أو يلمّ أو يلحق أذى وشدة، والإرهاق أن يحمل الإنسان على ما لا يطيقه، وفي سورة الكهف آية فيها هذا المعنى :﴿ ولا ترهقني من أمري عسرا٧٣ ﴾.
قتر : دخان النار وسخامها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ ( ١ ) وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ( ٢ ) ولاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٢٦ والَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ ( ٣ ) كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٢٧ ﴾ [ ٢٦ ـ ٢٧ ].
في الآيات بينا لمصير المحسنين والمسيئين في الآخرة، فللأولين الحسنى وزيادة، فلا يغشى وجوههم قتر النار ولا تتلوث بسخامها ولا يصيبهم هوان ويكونون خالدين في الجنات، وللآخرين جزاء سيء من جراء عملهم ولهم الذل والهوان، ولن يجدوا لهم من الله عاصما، ويشتد سواد وجوههم من القتر والسخام ويكونون خالدين في النار.
والآيات جاءت كما هو المتبادر معقبة على سابقاتها، وهي والحالة هذه متصلة بها واستمرار لها، وقد انطوى فيها تنويه بالمهتدين المحسنين وتطمين لهم وإنذار للكفار المسيئين وتنديد لهم.
وإطلاق الكلام فيها يجعلها كسابقاتها عامة التوجيه والتبشير والإنذار لكل الناس في كل ظرف كما هو المتبادر.
ولقد روى المفسرون عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم أن الزيادة المذكورة في الآية الأولى هي رؤية الله عز وجل. وأوردوا أحاديث عديدة منها ما ورد في الصحاح ومنها ما لم يرد. ومن الأول حديث رواه الترمذي ومسلم عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد : إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه، قالوا : ألم تبيّض وجوهنا وتنجنا من النار وتدخلنا الجنة ؟ قال : فيكشف الحجاب، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحبّ إليهم من النظر إليه " ١. ومن الثاني حديث عن أبيّ بن كعب جاء فيه " أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال : الحسنى الجنةُ، والزيادةُ والنظرُ إلى وجه الله " ٢.
ولقد أنكر الزمخشري صحة الأحاديث ووصف القول بإمكان رؤية الله تعالى بأنه قول المشبهة ؛ لأن في ذلك تجسيدا لله تنزه عنه سبحانه.
وهذه المسألة من المسائل الخلافية في المذاهب الكلامية الإسلامية وقد شرحناها وعلقنا عليها في سياق تفسير سورة القيامة بما يغني عن التكرار. على أن الطبري والبغوي وغيرهما رووا تأويلات أخرى للكلمة منها أن الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب عزوا إلى علي بن أبي طالب، ومنها أنها زيادة في غفران الله ورحمته ومضاعفة أجر الحسنات أضعافا كثيرة عزوا إلى ابن عباس والحسن وقتادة. وإذا صحت هذه الأقوال، فإن هذا يفيد أن قائليها لم يثبت عندهم الأحاديث التي تفسر الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى.
ويتبادر لنا أن تأويل الكلمة في مقامها بمعنى مضاعفة الأجر وزيادة رحمة الله هو الأوجه، وأن هدف الآيتين على كل حال هو ما نبهنا عليه من تبشير وتطمين للمحسنين وإنذار وترهيب للمسيئين بأسلوبهما القوي ليغتبط الأولون ويستمروا على سيرتهم ويرتدع الآخرون ويثوبوا إلى الله والله أعلم.
وحديث الترمذي ومسلم الذي يعد من الصحاح ليس في صدد تفسير الآية، وفيه مشهد أخروي والواجب على المسلم أن يؤمن بما جاء في القرآن وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من المشاهد الأخروية والوقوف عند ذلك دون تزيد وجدل مع استشفاف الحكمة. ومن الحكمة المتبادرة في الحديث التطمين والتبشير والله أعلم.

عاصم : مانع أو ملجأ ويمنع العذاب عن مستحقه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ ( ١ ) وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ( ٢ ) ولاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٢٦ والَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ ( ٣ ) كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٢٧ ﴾ [ ٢٦ ـ ٢٧ ].
في الآيات بينا لمصير المحسنين والمسيئين في الآخرة، فللأولين الحسنى وزيادة، فلا يغشى وجوههم قتر النار ولا تتلوث بسخامها ولا يصيبهم هوان ويكونون خالدين في الجنات، وللآخرين جزاء سيء من جراء عملهم ولهم الذل والهوان، ولن يجدوا لهم من الله عاصما، ويشتد سواد وجوههم من القتر والسخام ويكونون خالدين في النار.
والآيات جاءت كما هو المتبادر معقبة على سابقاتها، وهي والحالة هذه متصلة بها واستمرار لها، وقد انطوى فيها تنويه بالمهتدين المحسنين وتطمين لهم وإنذار للكفار المسيئين وتنديد لهم.
وإطلاق الكلام فيها يجعلها كسابقاتها عامة التوجيه والتبشير والإنذار لكل الناس في كل ظرف كما هو المتبادر.
ولقد روى المفسرون عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم أن الزيادة المذكورة في الآية الأولى هي رؤية الله عز وجل. وأوردوا أحاديث عديدة منها ما ورد في الصحاح ومنها ما لم يرد. ومن الأول حديث رواه الترمذي ومسلم عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد : إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه، قالوا : ألم تبيّض وجوهنا وتنجنا من النار وتدخلنا الجنة ؟ قال : فيكشف الحجاب، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحبّ إليهم من النظر إليه " ١. ومن الثاني حديث عن أبيّ بن كعب جاء فيه " أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال : الحسنى الجنةُ، والزيادةُ والنظرُ إلى وجه الله " ٢.
ولقد أنكر الزمخشري صحة الأحاديث ووصف القول بإمكان رؤية الله تعالى بأنه قول المشبهة ؛ لأن في ذلك تجسيدا لله تنزه عنه سبحانه.
وهذه المسألة من المسائل الخلافية في المذاهب الكلامية الإسلامية وقد شرحناها وعلقنا عليها في سياق تفسير سورة القيامة بما يغني عن التكرار. على أن الطبري والبغوي وغيرهما رووا تأويلات أخرى للكلمة منها أن الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب عزوا إلى علي بن أبي طالب، ومنها أنها زيادة في غفران الله ورحمته ومضاعفة أجر الحسنات أضعافا كثيرة عزوا إلى ابن عباس والحسن وقتادة. وإذا صحت هذه الأقوال، فإن هذا يفيد أن قائليها لم يثبت عندهم الأحاديث التي تفسر الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى.
ويتبادر لنا أن تأويل الكلمة في مقامها بمعنى مضاعفة الأجر وزيادة رحمة الله هو الأوجه، وأن هدف الآيتين على كل حال هو ما نبهنا عليه من تبشير وتطمين للمحسنين وإنذار وترهيب للمسيئين بأسلوبهما القوي ليغتبط الأولون ويستمروا على سيرتهم ويرتدع الآخرون ويثوبوا إلى الله والله أعلم.
وحديث الترمذي ومسلم الذي يعد من الصحاح ليس في صدد تفسير الآية، وفيه مشهد أخروي والواجب على المسلم أن يؤمن بما جاء في القرآن وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من المشاهد الأخروية والوقوف عند ذلك دون تزيد وجدل مع استشفاف الحكمة. ومن الحكمة المتبادرة في الحديث التطمين والتبشير والله أعلم.

زيلنا : فرقنا وحجزنا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا ( ١ ) بَيْنَهُمْ وقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ٢٨ فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ٢٩ هُنَالِكَ تَبْلُو ( ٢ ) كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ ورُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وضَلَّ عَنْهُم ( ٣ ) مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ٣٠ ﴾ [ ٢٨ ـ ٣٠ ].
في الآيات تصوير لما يكون من موقف المحاجة بين الله تعالى من جهة والمشركين من جهة أخرى ؛ حيث يأتي سبحانه بالمشركين والشركاء ويوقفهم بين يديه كلا على حدة، وحيث ينكر الشركاء عبادة المشركين إياهم وصلتهم بهم ويستشهدون الله على براءتهم من ذلك وعدم علمهم بعبادتهم لهم، وحيث ترى بعد ذلك كل نفس نتيجة علمها وتتحمل تبعة ما قدمت، وحيث يقضي الله عز وجل الذي هو مولاهم الحق في أمرهم، وحيث يغيب عن المشركين شركاؤهم الذين كانوا يأملون فيهم الشفاعة والنفع وينكرونهم أو يفرون منهم.
والآيات استمرار للسياق كما هو المتبادر والتصوير قوي مؤثر أُريد به فيما أُريد بيان ما عليه المشركون من خطأ وسخف وما ينتظرهم من هوان وعذاب بسبيل حملهم على الإرعواء والارتداع.
وهذه المرة الثانية التي يحكي فيها جمع المشركين مع شركائهم يوم القيامة وتنصل هؤلاء منهم، حيث حكي ذلك الأول مرة في سورة الفرقان التي مرّ تفسيرها، وقد استلهمنا من آية سورة الفرقان أن الشركاء المعنيين هم الملائكة وقد تلهم الآية التي نحن في صددها هذا أيضا ؛ لأن الشركاء يستشهدون الله على كذب المشركين ويتنصلون منهم. وواجب المسلم أن يؤمن بما أخبر من القرآن من المشهد الأخروي في هذه الآية وأمثالها مع استشفاف الحكمة من ذكره مرارا، والمتبادر أن من هذه الحكمة تسفيه المشركين وجعلهم يتيقنون من عدم جدوى شركهم بهم عند الله ليرتدعوا ويرعووا ويتوبوا. والله أعلم.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا ( ١ ) بَيْنَهُمْ وقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ٢٨ فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ٢٩ هُنَالِكَ تَبْلُو ( ٢ ) كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ ورُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وضَلَّ عَنْهُم ( ٣ ) مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ٣٠ ﴾ [ ٢٨ ـ ٣٠ ].
في الآيات تصوير لما يكون من موقف المحاجة بين الله تعالى من جهة والمشركين من جهة أخرى ؛ حيث يأتي سبحانه بالمشركين والشركاء ويوقفهم بين يديه كلا على حدة، وحيث ينكر الشركاء عبادة المشركين إياهم وصلتهم بهم ويستشهدون الله على براءتهم من ذلك وعدم علمهم بعبادتهم لهم، وحيث ترى بعد ذلك كل نفس نتيجة علمها وتتحمل تبعة ما قدمت، وحيث يقضي الله عز وجل الذي هو مولاهم الحق في أمرهم، وحيث يغيب عن المشركين شركاؤهم الذين كانوا يأملون فيهم الشفاعة والنفع وينكرونهم أو يفرون منهم.
والآيات استمرار للسياق كما هو المتبادر والتصوير قوي مؤثر أُريد به فيما أُريد بيان ما عليه المشركون من خطأ وسخف وما ينتظرهم من هوان وعذاب بسبيل حملهم على الإرعواء والارتداع.
وهذه المرة الثانية التي يحكي فيها جمع المشركين مع شركائهم يوم القيامة وتنصل هؤلاء منهم، حيث حكي ذلك الأول مرة في سورة الفرقان التي مرّ تفسيرها، وقد استلهمنا من آية سورة الفرقان أن الشركاء المعنيين هم الملائكة وقد تلهم الآية التي نحن في صددها هذا أيضا ؛ لأن الشركاء يستشهدون الله على كذب المشركين ويتنصلون منهم. وواجب المسلم أن يؤمن بما أخبر من القرآن من المشهد الأخروي في هذه الآية وأمثالها مع استشفاف الحكمة من ذكره مرارا، والمتبادر أن من هذه الحكمة تسفيه المشركين وجعلهم يتيقنون من عدم جدوى شركهم بهم عند الله ليرتدعوا ويرعووا ويتوبوا. والله أعلم.

تبلو : تختبر وتذوق.
ضل عنهم : غاب عنهم أو بطلت دعواهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا ( ١ ) بَيْنَهُمْ وقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ٢٨ فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ٢٩ هُنَالِكَ تَبْلُو ( ٢ ) كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ ورُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وضَلَّ عَنْهُم ( ٣ ) مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ٣٠ ﴾ [ ٢٨ ـ ٣٠ ].
في الآيات تصوير لما يكون من موقف المحاجة بين الله تعالى من جهة والمشركين من جهة أخرى ؛ حيث يأتي سبحانه بالمشركين والشركاء ويوقفهم بين يديه كلا على حدة، وحيث ينكر الشركاء عبادة المشركين إياهم وصلتهم بهم ويستشهدون الله على براءتهم من ذلك وعدم علمهم بعبادتهم لهم، وحيث ترى بعد ذلك كل نفس نتيجة علمها وتتحمل تبعة ما قدمت، وحيث يقضي الله عز وجل الذي هو مولاهم الحق في أمرهم، وحيث يغيب عن المشركين شركاؤهم الذين كانوا يأملون فيهم الشفاعة والنفع وينكرونهم أو يفرون منهم.
والآيات استمرار للسياق كما هو المتبادر والتصوير قوي مؤثر أُريد به فيما أُريد بيان ما عليه المشركون من خطأ وسخف وما ينتظرهم من هوان وعذاب بسبيل حملهم على الإرعواء والارتداع.
وهذه المرة الثانية التي يحكي فيها جمع المشركين مع شركائهم يوم القيامة وتنصل هؤلاء منهم، حيث حكي ذلك الأول مرة في سورة الفرقان التي مرّ تفسيرها، وقد استلهمنا من آية سورة الفرقان أن الشركاء المعنيين هم الملائكة وقد تلهم الآية التي نحن في صددها هذا أيضا ؛ لأن الشركاء يستشهدون الله على كذب المشركين ويتنصلون منهم. وواجب المسلم أن يؤمن بما أخبر من القرآن من المشهد الأخروي في هذه الآية وأمثالها مع استشفاف الحكمة من ذكره مرارا، والمتبادر أن من هذه الحكمة تسفيه المشركين وجعلهم يتيقنون من عدم جدوى شركهم بهم عند الله ليرتدعوا ويرعووا ويتوبوا. والله أعلم.

﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء والأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ ومَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ومَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ٣١ فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلاّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ( ١ ) ٣٢ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا ( ٢ ) أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ ٣٣ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ( ٣ ) ٣٤ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي ( ٤ ) إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إلاّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٥ ومَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إلاّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ٣٦ ﴾[ ٣١ ٣٦ ].
معاني الآيات واضحة، وقد احتوت الأولى والرابعة والخامسة منها أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه أسئلة استنكارية إلى المشركين عن المتصرف في الكون المدبر لكل أموره الخالق الرازق القادر على إخراج الحي من الميت والميت من الحي، المبدئ المعيد الهادي إلى الحق، وعما إذا كان من شركائهم من يقدر على ذلك، كما احتوت تقريرا بواقع الأمر من اعترافهم بأن الله عز وجل هو وحده الذي يقدر على ذلك ويفعله، وتقريعا لهم على انصرافهم مع ذلك عن مستلزمات هذا الاعتراف وعدم تقواهم الله تعالى ووقوفهم منه موقف الجاحد وإشراكهم معه في الاتجاه والخضوع شركاء عاجزين عن أي شيء من ذلك.
واحتوت الآية الثانية تقريرا ربانيا مباشرا بأن الله الذي يعترفون بشمول قدرته ومطلق تصرفه هو الرب الحق وأن ما دونه هو الضلال المحض.
واحتوت الآية الثالثة تقريرا مماثلا بأن كلمة الله بعدم الهداية والإيمان إنما تحق على الفاسقين.
واحتوت الآية السادسة تقريرا مماثلا كذلك بأن المشركين لا يستندون في شركهم إلى عقل ومنطق وإنما يسيرون وراء الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا.
وقوة الإفحام والإلزام في الآيات ملموسة، وقد ازدادت بكون المشركين لا ينكرون أن الله تعالى هو الرب الأعظم الخالق الرازق المدبر، كما تشير إليه الآية الأولى صراحة وتلهمه الآيات التالية لها.
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية خاصة في نزول الآيات، والمتبادر أنها متصلة بالسياق السابق الذي ظل يحكي مواقف المشركين وعنادهم ويقرعهم وينذرهم، ويلحظ فقط أنها انتقلت من الحكاية إلى توجيه الخطاب مباشرة إليهم مما جرى عليه النظم القرآني كثيرا، ومن المحتمل مع ذلك أن تكون هذه الآيات وما قبلها في صدد مواقف مناظرة وحجاج وجاهية بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين.
تعليق على جملة
﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾
ولقد قال المفسرون١ في تأويل جملة ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ إن الحي هو ما كان فيه نسمة الحياة المتغذية النامية والميت ما لم يكن كذلك. وعلى هذا فالنواة والبذرة والنطفة والبيضة ميتة يخرج الله منها أنواع الحيوان والنبات الحية، ويخرج من هذه الأنواع تلك الأنواع الميتة.
وإلى هذا، فقد ذكروا ما تكرر تقريره في آيات عديدة مرّ بعضها من أن الله ينزل الماء على الأرض الميتة فيحييها بعد موتها كظاهرة من مظاهر مدى هذه الجملة وتأويلها.
والجملة القرآنية على كل حال في صدد تقرير ما يشاهده الناس وتستوعبه أذهانهم للتنويه بقدرة الله تعالى ولسنا نرى والحالة هذه ضرورة لمحاولة التوفيق بين ما جاء في الآيات وتأويلات المفسرين القدماء لها وبين ما عرف فينا عن عالم الأحياء ؛ لأن ذلك ليس من أهداف الآيات القرآنية على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة مماثلة.
ولقد ذكر المفسرون فيما ذكروه من وجوه تأويل الجملة خروج الكافر من صلب المؤمن وخروج المؤمن من صلب الكافر على مجاز كون الكافر بمثابة الميت والمؤمن بمثابة الحي. ونحن نرى في هذا تكلفا وبعدا عن مدى الجملة التي تكررت في القرآن بصيغ متقاربة والتي هي أكثر اتساقا وتوافقا مع التأويلات السابقة.
تعليق على جملة
﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾
والآية الثالثة وهي تقرير أن كلمة الله حقت على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون قد تضمنت قصد تقرير كون الذين لا يؤمنون بالحق ولا يتبعونه والذين يكابرون في الحقائق الباهرة ويتناقضون إنما هم الفاسقون الذين تعمدوا الانحراف والاعوجاج والعناد والجحود وفسدت أخلاقهم ونياتهم فحقت عليهم كلمة الله ولعنته وغضبه. وتضمنت بالتالي قصد تقرير كون فساد الخلق والنية وسوء الطوية في المرء هما اللذان يحولان دون اتباعه الحق. وكون الذين يهتدون بهدي الله هم ذوو النيات الحسنة والطوايا السليمة. وهذا المعنى مما تكرر تقريره صراحة تارة وضمنا تارة في مناسبات عديدة مرّ تفسير بعضها. والجملة بناء على هذا الشرح من قبيل ﴿ وما يضل به إلاّ الفاسقين ﴾ [ البقرة : ٢٦ ] و﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ [ إبراهيم : ٢٧ ] من الضوابط التي يحسن أن يؤول بها العبارات التي تقرر كون كلمة الله حقت على بعض الناس بصيغة مطلقة أي بدون أن تقترن بتعليل الفسق أو الظلم أو الكفر، ويزول بها ما قد يرد من وهم وإشكال على العبارات القرآنية المطلقة.
والجملة وإن جاءت مطلقة لتنطبق على كل فاسق في كل ظرف فإن الآيات التي وردت في سياقها قد وجه الخطاب فيها إلى المشركين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر من نصها، وتكون هي بالنسبة إليهم تسجيلا لواقع أمرهم عند نزولها في حين أن كثيرا منهم قد آمنوا حيث يصح أن يقال في شأنها ما قلناه في شأن أمثالها إنها ليست على التأييد والإطلاق إلاّ بالنسبة لمن ظل كافرا فاسقا ومات كذلك.
١ انظر تفسير الآيات وتفسير سورة آل عمران [٣٧] وسورة الأنعام [٩٥] التي فيها نفس الجملة في تفسير المنار والخازن والطبرسي وابن كثير..
فأنّى تصرفون : فأين تذهبون وتنصرفون في تفكيركم الخاطئ.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء والأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ ومَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ومَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ٣١ فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلاّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ( ١ ) ٣٢ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا ( ٢ ) أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ ٣٣ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ( ٣ ) ٣٤ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي ( ٤ ) إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إلاّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٥ ومَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إلاّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ٣٦ ﴾[ ٣١ ٣٦ ].
معاني الآيات واضحة، وقد احتوت الأولى والرابعة والخامسة منها أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه أسئلة استنكارية إلى المشركين عن المتصرف في الكون المدبر لكل أموره الخالق الرازق القادر على إخراج الحي من الميت والميت من الحي، المبدئ المعيد الهادي إلى الحق، وعما إذا كان من شركائهم من يقدر على ذلك، كما احتوت تقريرا بواقع الأمر من اعترافهم بأن الله عز وجل هو وحده الذي يقدر على ذلك ويفعله، وتقريعا لهم على انصرافهم مع ذلك عن مستلزمات هذا الاعتراف وعدم تقواهم الله تعالى ووقوفهم منه موقف الجاحد وإشراكهم معه في الاتجاه والخضوع شركاء عاجزين عن أي شيء من ذلك.
واحتوت الآية الثانية تقريرا ربانيا مباشرا بأن الله الذي يعترفون بشمول قدرته ومطلق تصرفه هو الرب الحق وأن ما دونه هو الضلال المحض.
واحتوت الآية الثالثة تقريرا مماثلا بأن كلمة الله بعدم الهداية والإيمان إنما تحق على الفاسقين.
واحتوت الآية السادسة تقريرا مماثلا كذلك بأن المشركين لا يستندون في شركهم إلى عقل ومنطق وإنما يسيرون وراء الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا.
وقوة الإفحام والإلزام في الآيات ملموسة، وقد ازدادت بكون المشركين لا ينكرون أن الله تعالى هو الرب الأعظم الخالق الرازق المدبر، كما تشير إليه الآية الأولى صراحة وتلهمه الآيات التالية لها.
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية خاصة في نزول الآيات، والمتبادر أنها متصلة بالسياق السابق الذي ظل يحكي مواقف المشركين وعنادهم ويقرعهم وينذرهم، ويلحظ فقط أنها انتقلت من الحكاية إلى توجيه الخطاب مباشرة إليهم مما جرى عليه النظم القرآني كثيرا، ومن المحتمل مع ذلك أن تكون هذه الآيات وما قبلها في صدد مواقف مناظرة وحجاج وجاهية بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين.
تعليق على جملة
﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾
ولقد قال المفسرون١ في تأويل جملة ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ إن الحي هو ما كان فيه نسمة الحياة المتغذية النامية والميت ما لم يكن كذلك. وعلى هذا فالنواة والبذرة والنطفة والبيضة ميتة يخرج الله منها أنواع الحيوان والنبات الحية، ويخرج من هذه الأنواع تلك الأنواع الميتة.
وإلى هذا، فقد ذكروا ما تكرر تقريره في آيات عديدة مرّ بعضها من أن الله ينزل الماء على الأرض الميتة فيحييها بعد موتها كظاهرة من مظاهر مدى هذه الجملة وتأويلها.
والجملة القرآنية على كل حال في صدد تقرير ما يشاهده الناس وتستوعبه أذهانهم للتنويه بقدرة الله تعالى ولسنا نرى والحالة هذه ضرورة لمحاولة التوفيق بين ما جاء في الآيات وتأويلات المفسرين القدماء لها وبين ما عرف فينا عن عالم الأحياء ؛ لأن ذلك ليس من أهداف الآيات القرآنية على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة مماثلة.
ولقد ذكر المفسرون فيما ذكروه من وجوه تأويل الجملة خروج الكافر من صلب المؤمن وخروج المؤمن من صلب الكافر على مجاز كون الكافر بمثابة الميت والمؤمن بمثابة الحي. ونحن نرى في هذا تكلفا وبعدا عن مدى الجملة التي تكررت في القرآن بصيغ متقاربة والتي هي أكثر اتساقا وتوافقا مع التأويلات السابقة.
تعليق على جملة
﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾
والآية الثالثة وهي تقرير أن كلمة الله حقت على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون قد تضمنت قصد تقرير كون الذين لا يؤمنون بالحق ولا يتبعونه والذين يكابرون في الحقائق الباهرة ويتناقضون إنما هم الفاسقون الذين تعمدوا الانحراف والاعوجاج والعناد والجحود وفسدت أخلاقهم ونياتهم فحقت عليهم كلمة الله ولعنته وغضبه. وتضمنت بالتالي قصد تقرير كون فساد الخلق والنية وسوء الطوية في المرء هما اللذان يحولان دون اتباعه الحق. وكون الذين يهتدون بهدي الله هم ذوو النيات الحسنة والطوايا السليمة. وهذا المعنى مما تكرر تقريره صراحة تارة وضمنا تارة في مناسبات عديدة مرّ تفسير بعضها. والجملة بناء على هذا الشرح من قبيل ﴿ وما يضل به إلاّ الفاسقين ﴾ [ البقرة : ٢٦ ] و﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ [ إبراهيم : ٢٧ ] من الضوابط التي يحسن أن يؤول بها العبارات التي تقرر كون كلمة الله حقت على بعض الناس بصيغة مطلقة أي بدون أن تقترن بتعليل الفسق أو الظلم أو الكفر، ويزول بها ما قد يرد من وهم وإشكال على العبارات القرآنية المطلقة.
والجملة وإن جاءت مطلقة لتنطبق على كل فاسق في كل ظرف فإن الآيات التي وردت في سياقها قد وجه الخطاب فيها إلى المشركين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر من نصها، وتكون هي بالنسبة إليهم تسجيلا لواقع أمرهم عند نزولها في حين أن كثيرا منهم قد آمنوا حيث يصح أن يقال في شأنها ما قلناه في شأن أمثالها إنها ليست على التأييد والإطلاق إلاّ بالنسبة لمن ظل كافرا فاسقا ومات كذلك.
١ انظر تفسير الآيات وتفسير سورة آل عمران [٣٧] وسورة الأنعام [٩٥] التي فيها نفس الجملة في تفسير المنار والخازن والطبرسي وابن كثير..

فسقوا : تمردوا وعصوا وانحرفوا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء والأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ ومَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ومَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ٣١ فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلاّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ( ١ ) ٣٢ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا ( ٢ ) أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ ٣٣ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ( ٣ ) ٣٤ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي ( ٤ ) إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إلاّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٥ ومَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إلاّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ٣٦ ﴾[ ٣١ ٣٦ ].
معاني الآيات واضحة، وقد احتوت الأولى والرابعة والخامسة منها أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه أسئلة استنكارية إلى المشركين عن المتصرف في الكون المدبر لكل أموره الخالق الرازق القادر على إخراج الحي من الميت والميت من الحي، المبدئ المعيد الهادي إلى الحق، وعما إذا كان من شركائهم من يقدر على ذلك، كما احتوت تقريرا بواقع الأمر من اعترافهم بأن الله عز وجل هو وحده الذي يقدر على ذلك ويفعله، وتقريعا لهم على انصرافهم مع ذلك عن مستلزمات هذا الاعتراف وعدم تقواهم الله تعالى ووقوفهم منه موقف الجاحد وإشراكهم معه في الاتجاه والخضوع شركاء عاجزين عن أي شيء من ذلك.
واحتوت الآية الثانية تقريرا ربانيا مباشرا بأن الله الذي يعترفون بشمول قدرته ومطلق تصرفه هو الرب الحق وأن ما دونه هو الضلال المحض.
واحتوت الآية الثالثة تقريرا مماثلا بأن كلمة الله بعدم الهداية والإيمان إنما تحق على الفاسقين.
واحتوت الآية السادسة تقريرا مماثلا كذلك بأن المشركين لا يستندون في شركهم إلى عقل ومنطق وإنما يسيرون وراء الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا.
وقوة الإفحام والإلزام في الآيات ملموسة، وقد ازدادت بكون المشركين لا ينكرون أن الله تعالى هو الرب الأعظم الخالق الرازق المدبر، كما تشير إليه الآية الأولى صراحة وتلهمه الآيات التالية لها.
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية خاصة في نزول الآيات، والمتبادر أنها متصلة بالسياق السابق الذي ظل يحكي مواقف المشركين وعنادهم ويقرعهم وينذرهم، ويلحظ فقط أنها انتقلت من الحكاية إلى توجيه الخطاب مباشرة إليهم مما جرى عليه النظم القرآني كثيرا، ومن المحتمل مع ذلك أن تكون هذه الآيات وما قبلها في صدد مواقف مناظرة وحجاج وجاهية بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين.
تعليق على جملة
﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾
ولقد قال المفسرون١ في تأويل جملة ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ إن الحي هو ما كان فيه نسمة الحياة المتغذية النامية والميت ما لم يكن كذلك. وعلى هذا فالنواة والبذرة والنطفة والبيضة ميتة يخرج الله منها أنواع الحيوان والنبات الحية، ويخرج من هذه الأنواع تلك الأنواع الميتة.
وإلى هذا، فقد ذكروا ما تكرر تقريره في آيات عديدة مرّ بعضها من أن الله ينزل الماء على الأرض الميتة فيحييها بعد موتها كظاهرة من مظاهر مدى هذه الجملة وتأويلها.
والجملة القرآنية على كل حال في صدد تقرير ما يشاهده الناس وتستوعبه أذهانهم للتنويه بقدرة الله تعالى ولسنا نرى والحالة هذه ضرورة لمحاولة التوفيق بين ما جاء في الآيات وتأويلات المفسرين القدماء لها وبين ما عرف فينا عن عالم الأحياء ؛ لأن ذلك ليس من أهداف الآيات القرآنية على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة مماثلة.
ولقد ذكر المفسرون فيما ذكروه من وجوه تأويل الجملة خروج الكافر من صلب المؤمن وخروج المؤمن من صلب الكافر على مجاز كون الكافر بمثابة الميت والمؤمن بمثابة الحي. ونحن نرى في هذا تكلفا وبعدا عن مدى الجملة التي تكررت في القرآن بصيغ متقاربة والتي هي أكثر اتساقا وتوافقا مع التأويلات السابقة.
تعليق على جملة
﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾
والآية الثالثة وهي تقرير أن كلمة الله حقت على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون قد تضمنت قصد تقرير كون الذين لا يؤمنون بالحق ولا يتبعونه والذين يكابرون في الحقائق الباهرة ويتناقضون إنما هم الفاسقون الذين تعمدوا الانحراف والاعوجاج والعناد والجحود وفسدت أخلاقهم ونياتهم فحقت عليهم كلمة الله ولعنته وغضبه. وتضمنت بالتالي قصد تقرير كون فساد الخلق والنية وسوء الطوية في المرء هما اللذان يحولان دون اتباعه الحق. وكون الذين يهتدون بهدي الله هم ذوو النيات الحسنة والطوايا السليمة. وهذا المعنى مما تكرر تقريره صراحة تارة وضمنا تارة في مناسبات عديدة مرّ تفسير بعضها. والجملة بناء على هذا الشرح من قبيل ﴿ وما يضل به إلاّ الفاسقين ﴾ [ البقرة : ٢٦ ] و﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ [ إبراهيم : ٢٧ ] من الضوابط التي يحسن أن يؤول بها العبارات التي تقرر كون كلمة الله حقت على بعض الناس بصيغة مطلقة أي بدون أن تقترن بتعليل الفسق أو الظلم أو الكفر، ويزول بها ما قد يرد من وهم وإشكال على العبارات القرآنية المطلقة.
والجملة وإن جاءت مطلقة لتنطبق على كل فاسق في كل ظرف فإن الآيات التي وردت في سياقها قد وجه الخطاب فيها إلى المشركين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر من نصها، وتكون هي بالنسبة إليهم تسجيلا لواقع أمرهم عند نزولها في حين أن كثيرا منهم قد آمنوا حيث يصح أن يقال في شأنها ما قلناه في شأن أمثالها إنها ليست على التأييد والإطلاق إلاّ بالنسبة لمن ظل كافرا فاسقا ومات كذلك.
١ انظر تفسير الآيات وتفسير سورة آل عمران [٣٧] وسورة الأنعام [٩٥] التي فيها نفس الجملة في تفسير المنار والخازن والطبرسي وابن كثير..

فأنّى تؤفكون : بمعنى " فأنى تصرفون ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء والأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ ومَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ومَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ٣١ فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلاّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ( ١ ) ٣٢ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا ( ٢ ) أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ ٣٣ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ( ٣ ) ٣٤ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي ( ٤ ) إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إلاّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٥ ومَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إلاّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ٣٦ ﴾[ ٣١ ٣٦ ].
معاني الآيات واضحة، وقد احتوت الأولى والرابعة والخامسة منها أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه أسئلة استنكارية إلى المشركين عن المتصرف في الكون المدبر لكل أموره الخالق الرازق القادر على إخراج الحي من الميت والميت من الحي، المبدئ المعيد الهادي إلى الحق، وعما إذا كان من شركائهم من يقدر على ذلك، كما احتوت تقريرا بواقع الأمر من اعترافهم بأن الله عز وجل هو وحده الذي يقدر على ذلك ويفعله، وتقريعا لهم على انصرافهم مع ذلك عن مستلزمات هذا الاعتراف وعدم تقواهم الله تعالى ووقوفهم منه موقف الجاحد وإشراكهم معه في الاتجاه والخضوع شركاء عاجزين عن أي شيء من ذلك.
واحتوت الآية الثانية تقريرا ربانيا مباشرا بأن الله الذي يعترفون بشمول قدرته ومطلق تصرفه هو الرب الحق وأن ما دونه هو الضلال المحض.
واحتوت الآية الثالثة تقريرا مماثلا بأن كلمة الله بعدم الهداية والإيمان إنما تحق على الفاسقين.
واحتوت الآية السادسة تقريرا مماثلا كذلك بأن المشركين لا يستندون في شركهم إلى عقل ومنطق وإنما يسيرون وراء الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا.
وقوة الإفحام والإلزام في الآيات ملموسة، وقد ازدادت بكون المشركين لا ينكرون أن الله تعالى هو الرب الأعظم الخالق الرازق المدبر، كما تشير إليه الآية الأولى صراحة وتلهمه الآيات التالية لها.
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية خاصة في نزول الآيات، والمتبادر أنها متصلة بالسياق السابق الذي ظل يحكي مواقف المشركين وعنادهم ويقرعهم وينذرهم، ويلحظ فقط أنها انتقلت من الحكاية إلى توجيه الخطاب مباشرة إليهم مما جرى عليه النظم القرآني كثيرا، ومن المحتمل مع ذلك أن تكون هذه الآيات وما قبلها في صدد مواقف مناظرة وحجاج وجاهية بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين.
تعليق على جملة
﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾
ولقد قال المفسرون١ في تأويل جملة ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ إن الحي هو ما كان فيه نسمة الحياة المتغذية النامية والميت ما لم يكن كذلك. وعلى هذا فالنواة والبذرة والنطفة والبيضة ميتة يخرج الله منها أنواع الحيوان والنبات الحية، ويخرج من هذه الأنواع تلك الأنواع الميتة.
وإلى هذا، فقد ذكروا ما تكرر تقريره في آيات عديدة مرّ بعضها من أن الله ينزل الماء على الأرض الميتة فيحييها بعد موتها كظاهرة من مظاهر مدى هذه الجملة وتأويلها.
والجملة القرآنية على كل حال في صدد تقرير ما يشاهده الناس وتستوعبه أذهانهم للتنويه بقدرة الله تعالى ولسنا نرى والحالة هذه ضرورة لمحاولة التوفيق بين ما جاء في الآيات وتأويلات المفسرين القدماء لها وبين ما عرف فينا عن عالم الأحياء ؛ لأن ذلك ليس من أهداف الآيات القرآنية على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة مماثلة.
ولقد ذكر المفسرون فيما ذكروه من وجوه تأويل الجملة خروج الكافر من صلب المؤمن وخروج المؤمن من صلب الكافر على مجاز كون الكافر بمثابة الميت والمؤمن بمثابة الحي. ونحن نرى في هذا تكلفا وبعدا عن مدى الجملة التي تكررت في القرآن بصيغ متقاربة والتي هي أكثر اتساقا وتوافقا مع التأويلات السابقة.
تعليق على جملة
﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾
والآية الثالثة وهي تقرير أن كلمة الله حقت على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون قد تضمنت قصد تقرير كون الذين لا يؤمنون بالحق ولا يتبعونه والذين يكابرون في الحقائق الباهرة ويتناقضون إنما هم الفاسقون الذين تعمدوا الانحراف والاعوجاج والعناد والجحود وفسدت أخلاقهم ونياتهم فحقت عليهم كلمة الله ولعنته وغضبه. وتضمنت بالتالي قصد تقرير كون فساد الخلق والنية وسوء الطوية في المرء هما اللذان يحولان دون اتباعه الحق. وكون الذين يهتدون بهدي الله هم ذوو النيات الحسنة والطوايا السليمة. وهذا المعنى مما تكرر تقريره صراحة تارة وضمنا تارة في مناسبات عديدة مرّ تفسير بعضها. والجملة بناء على هذا الشرح من قبيل ﴿ وما يضل به إلاّ الفاسقين ﴾ [ البقرة : ٢٦ ] و﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ [ إبراهيم : ٢٧ ] من الضوابط التي يحسن أن يؤول بها العبارات التي تقرر كون كلمة الله حقت على بعض الناس بصيغة مطلقة أي بدون أن تقترن بتعليل الفسق أو الظلم أو الكفر، ويزول بها ما قد يرد من وهم وإشكال على العبارات القرآنية المطلقة.
والجملة وإن جاءت مطلقة لتنطبق على كل فاسق في كل ظرف فإن الآيات التي وردت في سياقها قد وجه الخطاب فيها إلى المشركين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر من نصها، وتكون هي بالنسبة إليهم تسجيلا لواقع أمرهم عند نزولها في حين أن كثيرا منهم قد آمنوا حيث يصح أن يقال في شأنها ما قلناه في شأن أمثالها إنها ليست على التأييد والإطلاق إلاّ بالنسبة لمن ظل كافرا فاسقا ومات كذلك.
١ انظر تفسير الآيات وتفسير سورة آل عمران [٣٧] وسورة الأنعام [٩٥] التي فيها نفس الجملة في تفسير المنار والخازن والطبرسي وابن كثير..

يهدّي : يهتدي.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء والأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ ومَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ومَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ٣١ فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلاّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ( ١ ) ٣٢ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا ( ٢ ) أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ ٣٣ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ( ٣ ) ٣٤ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي ( ٤ ) إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إلاّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٥ ومَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إلاّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ٣٦ ﴾[ ٣١ ٣٦ ].
معاني الآيات واضحة، وقد احتوت الأولى والرابعة والخامسة منها أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه أسئلة استنكارية إلى المشركين عن المتصرف في الكون المدبر لكل أموره الخالق الرازق القادر على إخراج الحي من الميت والميت من الحي، المبدئ المعيد الهادي إلى الحق، وعما إذا كان من شركائهم من يقدر على ذلك، كما احتوت تقريرا بواقع الأمر من اعترافهم بأن الله عز وجل هو وحده الذي يقدر على ذلك ويفعله، وتقريعا لهم على انصرافهم مع ذلك عن مستلزمات هذا الاعتراف وعدم تقواهم الله تعالى ووقوفهم منه موقف الجاحد وإشراكهم معه في الاتجاه والخضوع شركاء عاجزين عن أي شيء من ذلك.
واحتوت الآية الثانية تقريرا ربانيا مباشرا بأن الله الذي يعترفون بشمول قدرته ومطلق تصرفه هو الرب الحق وأن ما دونه هو الضلال المحض.
واحتوت الآية الثالثة تقريرا مماثلا بأن كلمة الله بعدم الهداية والإيمان إنما تحق على الفاسقين.
واحتوت الآية السادسة تقريرا مماثلا كذلك بأن المشركين لا يستندون في شركهم إلى عقل ومنطق وإنما يسيرون وراء الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا.
وقوة الإفحام والإلزام في الآيات ملموسة، وقد ازدادت بكون المشركين لا ينكرون أن الله تعالى هو الرب الأعظم الخالق الرازق المدبر، كما تشير إليه الآية الأولى صراحة وتلهمه الآيات التالية لها.
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية خاصة في نزول الآيات، والمتبادر أنها متصلة بالسياق السابق الذي ظل يحكي مواقف المشركين وعنادهم ويقرعهم وينذرهم، ويلحظ فقط أنها انتقلت من الحكاية إلى توجيه الخطاب مباشرة إليهم مما جرى عليه النظم القرآني كثيرا، ومن المحتمل مع ذلك أن تكون هذه الآيات وما قبلها في صدد مواقف مناظرة وحجاج وجاهية بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين.
تعليق على جملة
﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾
ولقد قال المفسرون١ في تأويل جملة ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ إن الحي هو ما كان فيه نسمة الحياة المتغذية النامية والميت ما لم يكن كذلك. وعلى هذا فالنواة والبذرة والنطفة والبيضة ميتة يخرج الله منها أنواع الحيوان والنبات الحية، ويخرج من هذه الأنواع تلك الأنواع الميتة.
وإلى هذا، فقد ذكروا ما تكرر تقريره في آيات عديدة مرّ بعضها من أن الله ينزل الماء على الأرض الميتة فيحييها بعد موتها كظاهرة من مظاهر مدى هذه الجملة وتأويلها.
والجملة القرآنية على كل حال في صدد تقرير ما يشاهده الناس وتستوعبه أذهانهم للتنويه بقدرة الله تعالى ولسنا نرى والحالة هذه ضرورة لمحاولة التوفيق بين ما جاء في الآيات وتأويلات المفسرين القدماء لها وبين ما عرف فينا عن عالم الأحياء ؛ لأن ذلك ليس من أهداف الآيات القرآنية على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة مماثلة.
ولقد ذكر المفسرون فيما ذكروه من وجوه تأويل الجملة خروج الكافر من صلب المؤمن وخروج المؤمن من صلب الكافر على مجاز كون الكافر بمثابة الميت والمؤمن بمثابة الحي. ونحن نرى في هذا تكلفا وبعدا عن مدى الجملة التي تكررت في القرآن بصيغ متقاربة والتي هي أكثر اتساقا وتوافقا مع التأويلات السابقة.
تعليق على جملة
﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾
والآية الثالثة وهي تقرير أن كلمة الله حقت على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون قد تضمنت قصد تقرير كون الذين لا يؤمنون بالحق ولا يتبعونه والذين يكابرون في الحقائق الباهرة ويتناقضون إنما هم الفاسقون الذين تعمدوا الانحراف والاعوجاج والعناد والجحود وفسدت أخلاقهم ونياتهم فحقت عليهم كلمة الله ولعنته وغضبه. وتضمنت بالتالي قصد تقرير كون فساد الخلق والنية وسوء الطوية في المرء هما اللذان يحولان دون اتباعه الحق. وكون الذين يهتدون بهدي الله هم ذوو النيات الحسنة والطوايا السليمة. وهذا المعنى مما تكرر تقريره صراحة تارة وضمنا تارة في مناسبات عديدة مرّ تفسير بعضها. والجملة بناء على هذا الشرح من قبيل ﴿ وما يضل به إلاّ الفاسقين ﴾ [ البقرة : ٢٦ ] و﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ [ إبراهيم : ٢٧ ] من الضوابط التي يحسن أن يؤول بها العبارات التي تقرر كون كلمة الله حقت على بعض الناس بصيغة مطلقة أي بدون أن تقترن بتعليل الفسق أو الظلم أو الكفر، ويزول بها ما قد يرد من وهم وإشكال على العبارات القرآنية المطلقة.
والجملة وإن جاءت مطلقة لتنطبق على كل فاسق في كل ظرف فإن الآيات التي وردت في سياقها قد وجه الخطاب فيها إلى المشركين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر من نصها، وتكون هي بالنسبة إليهم تسجيلا لواقع أمرهم عند نزولها في حين أن كثيرا منهم قد آمنوا حيث يصح أن يقال في شأنها ما قلناه في شأن أمثالها إنها ليست على التأييد والإطلاق إلاّ بالنسبة لمن ظل كافرا فاسقا ومات كذلك.
١ انظر تفسير الآيات وتفسير سورة آل عمران [٣٧] وسورة الأنعام [٩٥] التي فيها نفس الجملة في تفسير المنار والخازن والطبرسي وابن كثير..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء والأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ ومَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ومَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ٣١ فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلاّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ( ١ ) ٣٢ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا ( ٢ ) أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ ٣٣ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ( ٣ ) ٣٤ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي ( ٤ ) إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إلاّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٥ ومَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إلاّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ٣٦ ﴾[ ٣١ ٣٦ ].
معاني الآيات واضحة، وقد احتوت الأولى والرابعة والخامسة منها أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه أسئلة استنكارية إلى المشركين عن المتصرف في الكون المدبر لكل أموره الخالق الرازق القادر على إخراج الحي من الميت والميت من الحي، المبدئ المعيد الهادي إلى الحق، وعما إذا كان من شركائهم من يقدر على ذلك، كما احتوت تقريرا بواقع الأمر من اعترافهم بأن الله عز وجل هو وحده الذي يقدر على ذلك ويفعله، وتقريعا لهم على انصرافهم مع ذلك عن مستلزمات هذا الاعتراف وعدم تقواهم الله تعالى ووقوفهم منه موقف الجاحد وإشراكهم معه في الاتجاه والخضوع شركاء عاجزين عن أي شيء من ذلك.
واحتوت الآية الثانية تقريرا ربانيا مباشرا بأن الله الذي يعترفون بشمول قدرته ومطلق تصرفه هو الرب الحق وأن ما دونه هو الضلال المحض.
واحتوت الآية الثالثة تقريرا مماثلا بأن كلمة الله بعدم الهداية والإيمان إنما تحق على الفاسقين.
واحتوت الآية السادسة تقريرا مماثلا كذلك بأن المشركين لا يستندون في شركهم إلى عقل ومنطق وإنما يسيرون وراء الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا.
وقوة الإفحام والإلزام في الآيات ملموسة، وقد ازدادت بكون المشركين لا ينكرون أن الله تعالى هو الرب الأعظم الخالق الرازق المدبر، كما تشير إليه الآية الأولى صراحة وتلهمه الآيات التالية لها.
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية خاصة في نزول الآيات، والمتبادر أنها متصلة بالسياق السابق الذي ظل يحكي مواقف المشركين وعنادهم ويقرعهم وينذرهم، ويلحظ فقط أنها انتقلت من الحكاية إلى توجيه الخطاب مباشرة إليهم مما جرى عليه النظم القرآني كثيرا، ومن المحتمل مع ذلك أن تكون هذه الآيات وما قبلها في صدد مواقف مناظرة وحجاج وجاهية بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين.
تعليق على جملة
﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾
ولقد قال المفسرون١ في تأويل جملة ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ إن الحي هو ما كان فيه نسمة الحياة المتغذية النامية والميت ما لم يكن كذلك. وعلى هذا فالنواة والبذرة والنطفة والبيضة ميتة يخرج الله منها أنواع الحيوان والنبات الحية، ويخرج من هذه الأنواع تلك الأنواع الميتة.
وإلى هذا، فقد ذكروا ما تكرر تقريره في آيات عديدة مرّ بعضها من أن الله ينزل الماء على الأرض الميتة فيحييها بعد موتها كظاهرة من مظاهر مدى هذه الجملة وتأويلها.
والجملة القرآنية على كل حال في صدد تقرير ما يشاهده الناس وتستوعبه أذهانهم للتنويه بقدرة الله تعالى ولسنا نرى والحالة هذه ضرورة لمحاولة التوفيق بين ما جاء في الآيات وتأويلات المفسرين القدماء لها وبين ما عرف فينا عن عالم الأحياء ؛ لأن ذلك ليس من أهداف الآيات القرآنية على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة مماثلة.
ولقد ذكر المفسرون فيما ذكروه من وجوه تأويل الجملة خروج الكافر من صلب المؤمن وخروج المؤمن من صلب الكافر على مجاز كون الكافر بمثابة الميت والمؤمن بمثابة الحي. ونحن نرى في هذا تكلفا وبعدا عن مدى الجملة التي تكررت في القرآن بصيغ متقاربة والتي هي أكثر اتساقا وتوافقا مع التأويلات السابقة.
تعليق على جملة
﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾
والآية الثالثة وهي تقرير أن كلمة الله حقت على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون قد تضمنت قصد تقرير كون الذين لا يؤمنون بالحق ولا يتبعونه والذين يكابرون في الحقائق الباهرة ويتناقضون إنما هم الفاسقون الذين تعمدوا الانحراف والاعوجاج والعناد والجحود وفسدت أخلاقهم ونياتهم فحقت عليهم كلمة الله ولعنته وغضبه. وتضمنت بالتالي قصد تقرير كون فساد الخلق والنية وسوء الطوية في المرء هما اللذان يحولان دون اتباعه الحق. وكون الذين يهتدون بهدي الله هم ذوو النيات الحسنة والطوايا السليمة. وهذا المعنى مما تكرر تقريره صراحة تارة وضمنا تارة في مناسبات عديدة مرّ تفسير بعضها. والجملة بناء على هذا الشرح من قبيل ﴿ وما يضل به إلاّ الفاسقين ﴾ [ البقرة : ٢٦ ] و﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ [ إبراهيم : ٢٧ ] من الضوابط التي يحسن أن يؤول بها العبارات التي تقرر كون كلمة الله حقت على بعض الناس بصيغة مطلقة أي بدون أن تقترن بتعليل الفسق أو الظلم أو الكفر، ويزول بها ما قد يرد من وهم وإشكال على العبارات القرآنية المطلقة.
والجملة وإن جاءت مطلقة لتنطبق على كل فاسق في كل ظرف فإن الآيات التي وردت في سياقها قد وجه الخطاب فيها إلى المشركين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر من نصها، وتكون هي بالنسبة إليهم تسجيلا لواقع أمرهم عند نزولها في حين أن كثيرا منهم قد آمنوا حيث يصح أن يقال في شأنها ما قلناه في شأن أمثالها إنها ليست على التأييد والإطلاق إلاّ بالنسبة لمن ظل كافرا فاسقا ومات كذلك.
١ انظر تفسير الآيات وتفسير سورة آل عمران [٣٧] وسورة الأنعام [٩٥] التي فيها نفس الجملة في تفسير المنار والخازن والطبرسي وابن كثير..

﴿ ومَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ ولَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ٣٧ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٣٨ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ ولَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ( ١ ) كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ٣٩ ﴾[ ٣٧ ٣٩ ].
تعليق على الآية
﴿ ومَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ ﴾
والآيتين التاليتين لها
لا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات والمتبادر أنها جاءت معقبة على ما قبلها ؛ لتنفي أي احتمال وشبهة بكون القرآن مفترى على الله تعالى، ولتؤكد بأنه موحى من ربّ العالمين من دون ريب، وأنه جاء مصدقا للكتب التي سبقته ومتطابقا معها، وفيه تفصيل وتطابق للمبادئ والأسس التي قامت عليها مما فيه البرهان القاطع على صدق صدوره عن الله عز وجل، ولتتحدى الكافرين في دعواهم افتراء النبي صلى الله عليه وسلم له بأن يأتوا بمثل سورة من سوره إن كانوا صادقين في دعواهم بأنه من صنعه، وأن يستعينوا على ذلك بكل من يستطيعون ويريدون. ولتقرر بعد هذا حقيقة الواقع من أمرهم : فهم إنما سارعوا إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ونسبة افتراء القرآن إليه اعتباطا ومكابرة، ودون أن يتدبروا محتوياته ويتمعنوا في مضامينه ويحيطوا بما فيه من علم وحقائق مغترين بعدم سرعة وقوعهم بسوء العاقبة الذي وعدوا بأن مآلهم إليه. وإن هذا كان شأن الذين كذبوا الرسل من قبلهم، وقد انتهت بلفت النظر إلى ما كان من عاقبة الظالمين المكذبين الأولين لفتا يتضمن الإنذار والوعيد للسامعين المكذبين.
وأسلوب الآيات قوي نافذ في توكيدها وفي تحديها وفي تقريرها للواقع من أمر المكذبين كما هو واضح. وبداية الآية الأولى تتضمن مع النفي تقرير كون مثل هذا القرآن الذي احتوى ما احتواه من مبادئ وتعليمات سامية فيها صلاح البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة لا يعقل أن يكون مفترى.
ولقد قررت سورة الإسراء السابقة في النزول لهذه السورة عجز جميع الإنس والجن عن الإتيان بمثل القرآن ولو اجتمعوا وتعاونوا، وهنا تحدت الآيات الكفار القائلين بأنه مفترى بالإتيان بشيء منه بأسلوب قوي مفحم، وقد تكرر هذا أكثر من مرة في سور عديدة أخرى قبل هاتين السورتين وبعدهما ؛ لأن الكفار ما فتئوا يخوضون في القرآن منذ أوائل نزوله وينسبون افتراءه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو اقتباسه من أساطير الأولين أو الاستعانة عليه بأناس آخرين على ما شرحناه في سياق سورة الفرقان، فيتكرر نزول الآيات لتتحداهم وترد عليهم في الوقت نفسه ردودا قوية مع تقرير عجزهم المطلق بأسلوب المستعلي الواثق من ذلك كما جاء في سورة الإسراء السابقة لهذه السورة وكما جاء بعد هذه السورة في آيات سورة هود هذه :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُورٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ١٣ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وأَن لاَّ إِلَهَ إلاّ هُو فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٤ ﴾ وآيات سورة الطور هذه :﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَولَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ ٣٣ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ٣٤ ﴾ وفي آيات البقرة هذه :﴿ وإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٢٣ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ ولَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ٢٤ ﴾ هذا بالإضافة إلى آيات أخرى فيها ردود نافذة إلى أعماق النفس بغير أسلوب التحدي مثل آية سورة الشورى هذه :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ و يَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ ويُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ٢٤ ﴾ ومثل آيات سورة الأحقاف هذه :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُو أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وبَيْنَكُمْ وهُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٨ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ومَا أَنَا إلاّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ٩ ﴾.
تعليق على جملة
﴿ صبار شكور ﴾
وصيغة الجملة في الآية الأولى تأتي لأول مرة بأسلوبها القوي متضمنة تنويها بمن يتحلى بهذين الخلقين، وحثّا على التحلي بهما. ثم تكرر في آيات أخرى. ولقد علقنا على خلقي الصبر والشكر في مناسبات سابقة فلا ضرورة للإعادة. غير أننا رأينا أن نورد حديثين أوردهما ابن كثير في سياق تفسير الآيات التي جاءت فيها هذه الصيغة، والحديثان متقاربان مع زيادة في أحدهما وهو الذي يرويه الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عجبت من قضاء الله تعالى للمؤمن إن أصابه خير حمد ربه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر، وإن المؤمن ليؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى في امرأته ". وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة هذه الصيغة : " عجبا للمؤمن لا يقضي الله تعالى قضاء إلاّ كان خيرا له. إن أصابه سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك إلاّ للمؤمن ". وينطوي في الحديثين توضيح نبوي للجملة القرآنية، وحث للمسلمين على أن يكونوا من الأشداء في الصبر في الضراء الشكورين للسراء.
ومن تحصيل الحاصل أن نقول : إن الحث على الصبر لا يشمل حثا ما للمؤمن على الصبر على ظلم أو عدوان وإنما الصبر المطلوب من المؤمن هو الصبر على المصائب والحوائج التي لا يكون فيها عدوان وبغي من أحد. وفي سورة الشورى وصف للمؤمنين بأنهم إذا وقع عليهم بغي انتصروا منه أي قاوموه وانتقموا من البغاة ﴿ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ٣٩ ﴾.
وجملة " وليس ذلك إلاّ للمؤمن " في آخر الحديث الثاني ذات مغزى عظيم، حيث انطوى فيها تقرير كون المؤمن يبتغي بصبره وشكره رضاء الله ويأمل فيه، فيكون له الرضاء والأجر الربانيان خلافا لغير المؤمن بالله فإنه نادرا ما تجعله أخلاقه يقابل المصائب بالصبر والنعم بالشكر. ولا يكون له مدد من إيمان يجعله يفعل ذلك أملا في رحمة الله ورضائه.
تعليق على كلمة ( سورة )
هذا، وبمناسبة ورود كلمة ( سورة ) هنا لأول مرة نقول : إن المفسرين قالوا : إما أن تكون الكلمة من سور المدينة، حيث يحيط السور بكل ما فيها، وتحيط السورة بكل ما فيها من آيات القرآن، وإما أنها من السورة التي بمعنى المنزلة أو المرتبة، وإما أنها من السؤر الذي بمعنى البقية، وفي لسان العرب : السورة هي منزلة من البناء، ومنه : سورة القرآن ؛ لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى، ومهما يكن من أصل اشتقاقها اللغوي وأصل معناها، فإن السياق الذي وردت فيه هذه الكلمة في القرآن يدل دلالة لا ريب فيها على أنها تعني مجموعة مستقلة وكاملة من الآيات والفصول القرآنية، وأن هذا المعنى كان مفهوما ومألوفا في الوسط العربي الذي خوطب بالقرآن لأول مرة، وأن تقسيم القرآن إلى المجموعات التي سميت سورا كان نتيجة لذلك أيضا.
ولما كانت هذه الكلمة قد وردت بعد نزول طائفة كبيرة من القرآن المكي فمن الممكن أن يقال : إن كثيرا من السور القرآنية كان في هذا العهد قائم الشخصية، وفي سورة هو التي يجيء ترتيبها في روايات النزول بعد سورة يونس تحدّ للكفار بعشر سور مما فيه تأييد لما نقول. هذا عدا ما يلهم ذلك كثير من السور ذات المطالع والخواتم البارزة التي سبقت هذه السورة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٧:﴿ ومَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ ولَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ٣٧ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٣٨ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ ولَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ( ١ ) كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ٣٩ ﴾[ ٣٧ ٣٩ ].
تعليق على الآية
﴿ ومَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ ﴾
والآيتين التاليتين لها
لا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات والمتبادر أنها جاءت معقبة على ما قبلها ؛ لتنفي أي احتمال وشبهة بكون القرآن مفترى على الله تعالى، ولتؤكد بأنه موحى من ربّ العالمين من دون ريب، وأنه جاء مصدقا للكتب التي سبقته ومتطابقا معها، وفيه تفصيل وتطابق للمبادئ والأسس التي قامت عليها مما فيه البرهان القاطع على صدق صدوره عن الله عز وجل، ولتتحدى الكافرين في دعواهم افتراء النبي صلى الله عليه وسلم له بأن يأتوا بمثل سورة من سوره إن كانوا صادقين في دعواهم بأنه من صنعه، وأن يستعينوا على ذلك بكل من يستطيعون ويريدون. ولتقرر بعد هذا حقيقة الواقع من أمرهم : فهم إنما سارعوا إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ونسبة افتراء القرآن إليه اعتباطا ومكابرة، ودون أن يتدبروا محتوياته ويتمعنوا في مضامينه ويحيطوا بما فيه من علم وحقائق مغترين بعدم سرعة وقوعهم بسوء العاقبة الذي وعدوا بأن مآلهم إليه. وإن هذا كان شأن الذين كذبوا الرسل من قبلهم، وقد انتهت بلفت النظر إلى ما كان من عاقبة الظالمين المكذبين الأولين لفتا يتضمن الإنذار والوعيد للسامعين المكذبين.
وأسلوب الآيات قوي نافذ في توكيدها وفي تحديها وفي تقريرها للواقع من أمر المكذبين كما هو واضح. وبداية الآية الأولى تتضمن مع النفي تقرير كون مثل هذا القرآن الذي احتوى ما احتواه من مبادئ وتعليمات سامية فيها صلاح البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة لا يعقل أن يكون مفترى.
ولقد قررت سورة الإسراء السابقة في النزول لهذه السورة عجز جميع الإنس والجن عن الإتيان بمثل القرآن ولو اجتمعوا وتعاونوا، وهنا تحدت الآيات الكفار القائلين بأنه مفترى بالإتيان بشيء منه بأسلوب قوي مفحم، وقد تكرر هذا أكثر من مرة في سور عديدة أخرى قبل هاتين السورتين وبعدهما ؛ لأن الكفار ما فتئوا يخوضون في القرآن منذ أوائل نزوله وينسبون افتراءه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو اقتباسه من أساطير الأولين أو الاستعانة عليه بأناس آخرين على ما شرحناه في سياق سورة الفرقان، فيتكرر نزول الآيات لتتحداهم وترد عليهم في الوقت نفسه ردودا قوية مع تقرير عجزهم المطلق بأسلوب المستعلي الواثق من ذلك كما جاء في سورة الإسراء السابقة لهذه السورة وكما جاء بعد هذه السورة في آيات سورة هود هذه :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُورٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ١٣ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وأَن لاَّ إِلَهَ إلاّ هُو فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٤ ﴾ وآيات سورة الطور هذه :﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَولَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ ٣٣ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ٣٤ ﴾ وفي آيات البقرة هذه :﴿ وإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٢٣ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ ولَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ٢٤ ﴾ هذا بالإضافة إلى آيات أخرى فيها ردود نافذة إلى أعماق النفس بغير أسلوب التحدي مثل آية سورة الشورى هذه :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ و يَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ ويُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ٢٤ ﴾ ومثل آيات سورة الأحقاف هذه :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُو أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وبَيْنَكُمْ وهُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٨ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ومَا أَنَا إلاّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ٩ ﴾.
تعليق على جملة
﴿ صبار شكور ﴾
وصيغة الجملة في الآية الأولى تأتي لأول مرة بأسلوبها القوي متضمنة تنويها بمن يتحلى بهذين الخلقين، وحثّا على التحلي بهما. ثم تكرر في آيات أخرى. ولقد علقنا على خلقي الصبر والشكر في مناسبات سابقة فلا ضرورة للإعادة. غير أننا رأينا أن نورد حديثين أوردهما ابن كثير في سياق تفسير الآيات التي جاءت فيها هذه الصيغة، والحديثان متقاربان مع زيادة في أحدهما وهو الذي يرويه الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عجبت من قضاء الله تعالى للمؤمن إن أصابه خير حمد ربه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر، وإن المؤمن ليؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى في امرأته ". وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة هذه الصيغة :" عجبا للمؤمن لا يقضي الله تعالى قضاء إلاّ كان خيرا له. إن أصابه سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك إلاّ للمؤمن ". وينطوي في الحديثين توضيح نبوي للجملة القرآنية، وحث للمسلمين على أن يكونوا من الأشداء في الصبر في الضراء الشكورين للسراء.
ومن تحصيل الحاصل أن نقول : إن الحث على الصبر لا يشمل حثا ما للمؤمن على الصبر على ظلم أو عدوان وإنما الصبر المطلوب من المؤمن هو الصبر على المصائب والحوائج التي لا يكون فيها عدوان وبغي من أحد. وفي سورة الشورى وصف للمؤمنين بأنهم إذا وقع عليهم بغي انتصروا منه أي قاوموه وانتقموا من البغاة ﴿ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ٣٩ ﴾.
وجملة " وليس ذلك إلاّ للمؤمن " في آخر الحديث الثاني ذات مغزى عظيم، حيث انطوى فيها تقرير كون المؤمن يبتغي بصبره وشكره رضاء الله ويأمل فيه، فيكون له الرضاء والأجر الربانيان خلافا لغير المؤمن بالله فإنه نادرا ما تجعله أخلاقه يقابل المصائب بالصبر والنعم بالشكر. ولا يكون له مدد من إيمان يجعله يفعل ذلك أملا في رحمة الله ورضائه.
تعليق على كلمة ( سورة )
هذا، وبمناسبة ورود كلمة ( سورة ) هنا لأول مرة نقول : إن المفسرين قالوا : إما أن تكون الكلمة من سور المدينة، حيث يحيط السور بكل ما فيها، وتحيط السورة بكل ما فيها من آيات القرآن، وإما أنها من السورة التي بمعنى المنزلة أو المرتبة، وإما أنها من السؤر الذي بمعنى البقية، وفي لسان العرب : السورة هي منزلة من البناء، ومنه : سورة القرآن ؛ لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى، ومهما يكن من أصل اشتقاقها اللغوي وأصل معناها، فإن السياق الذي وردت فيه هذه الكلمة في القرآن يدل دلالة لا ريب فيها على أنها تعني مجموعة مستقلة وكاملة من الآيات والفصول القرآنية، وأن هذا المعنى كان مفهوما ومألوفا في الوسط العربي الذي خوطب بالقرآن لأول مرة، وأن تقسيم القرآن إلى المجموعات التي سميت سورا كان نتيجة لذلك أيضا.
ولما كانت هذه الكلمة قد وردت بعد نزول طائفة كبيرة من القرآن المكي فمن الممكن أن يقال : إن كثيرا من السور القرآنية كان في هذا العهد قائم الشخصية، وفي سورة هو التي يجيء ترتيبها في روايات النزول بعد سورة يونس تحدّ للكفار بعشر سور مما فيه تأييد لما نقول. هذا عدا ما يلهم ذلك كثير من السور ذات المطالع والخواتم البارزة التي سبقت هذه السورة.

ولما يأتهم تأويله : جمهور المفسرين يؤولون الجملة بمعنى ( لما يروا بعد تحقيق ما يوعدون به من مصير وعذاب ) والكلمة من آل بمعنى صار إليه من عاقبة وعقبى. وليست هنا بمعنى تفسيره ومعناه، وتأويل الجمهور سديد.
وقد مرّ مثل هذا التعبير بهذا المعنى في سورة الأعراف التي مرّ تفسيرها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٧:﴿ ومَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ ولَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ٣٧ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٣٨ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ ولَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ( ١ ) كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ٣٩ ﴾[ ٣٧ ٣٩ ].
تعليق على الآية
﴿ ومَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ ﴾
والآيتين التاليتين لها
لا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات والمتبادر أنها جاءت معقبة على ما قبلها ؛ لتنفي أي احتمال وشبهة بكون القرآن مفترى على الله تعالى، ولتؤكد بأنه موحى من ربّ العالمين من دون ريب، وأنه جاء مصدقا للكتب التي سبقته ومتطابقا معها، وفيه تفصيل وتطابق للمبادئ والأسس التي قامت عليها مما فيه البرهان القاطع على صدق صدوره عن الله عز وجل، ولتتحدى الكافرين في دعواهم افتراء النبي صلى الله عليه وسلم له بأن يأتوا بمثل سورة من سوره إن كانوا صادقين في دعواهم بأنه من صنعه، وأن يستعينوا على ذلك بكل من يستطيعون ويريدون. ولتقرر بعد هذا حقيقة الواقع من أمرهم : فهم إنما سارعوا إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ونسبة افتراء القرآن إليه اعتباطا ومكابرة، ودون أن يتدبروا محتوياته ويتمعنوا في مضامينه ويحيطوا بما فيه من علم وحقائق مغترين بعدم سرعة وقوعهم بسوء العاقبة الذي وعدوا بأن مآلهم إليه. وإن هذا كان شأن الذين كذبوا الرسل من قبلهم، وقد انتهت بلفت النظر إلى ما كان من عاقبة الظالمين المكذبين الأولين لفتا يتضمن الإنذار والوعيد للسامعين المكذبين.
وأسلوب الآيات قوي نافذ في توكيدها وفي تحديها وفي تقريرها للواقع من أمر المكذبين كما هو واضح. وبداية الآية الأولى تتضمن مع النفي تقرير كون مثل هذا القرآن الذي احتوى ما احتواه من مبادئ وتعليمات سامية فيها صلاح البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة لا يعقل أن يكون مفترى.
ولقد قررت سورة الإسراء السابقة في النزول لهذه السورة عجز جميع الإنس والجن عن الإتيان بمثل القرآن ولو اجتمعوا وتعاونوا، وهنا تحدت الآيات الكفار القائلين بأنه مفترى بالإتيان بشيء منه بأسلوب قوي مفحم، وقد تكرر هذا أكثر من مرة في سور عديدة أخرى قبل هاتين السورتين وبعدهما ؛ لأن الكفار ما فتئوا يخوضون في القرآن منذ أوائل نزوله وينسبون افتراءه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو اقتباسه من أساطير الأولين أو الاستعانة عليه بأناس آخرين على ما شرحناه في سياق سورة الفرقان، فيتكرر نزول الآيات لتتحداهم وترد عليهم في الوقت نفسه ردودا قوية مع تقرير عجزهم المطلق بأسلوب المستعلي الواثق من ذلك كما جاء في سورة الإسراء السابقة لهذه السورة وكما جاء بعد هذه السورة في آيات سورة هود هذه :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُورٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ١٣ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وأَن لاَّ إِلَهَ إلاّ هُو فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٤ ﴾ وآيات سورة الطور هذه :﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَولَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ ٣٣ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ٣٤ ﴾ وفي آيات البقرة هذه :﴿ وإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٢٣ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ ولَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ٢٤ ﴾ هذا بالإضافة إلى آيات أخرى فيها ردود نافذة إلى أعماق النفس بغير أسلوب التحدي مثل آية سورة الشورى هذه :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ و يَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ ويُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ٢٤ ﴾ ومثل آيات سورة الأحقاف هذه :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُو أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وبَيْنَكُمْ وهُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٨ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ومَا أَنَا إلاّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ٩ ﴾.
تعليق على جملة
﴿ صبار شكور ﴾
وصيغة الجملة في الآية الأولى تأتي لأول مرة بأسلوبها القوي متضمنة تنويها بمن يتحلى بهذين الخلقين، وحثّا على التحلي بهما. ثم تكرر في آيات أخرى. ولقد علقنا على خلقي الصبر والشكر في مناسبات سابقة فلا ضرورة للإعادة. غير أننا رأينا أن نورد حديثين أوردهما ابن كثير في سياق تفسير الآيات التي جاءت فيها هذه الصيغة، والحديثان متقاربان مع زيادة في أحدهما وهو الذي يرويه الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عجبت من قضاء الله تعالى للمؤمن إن أصابه خير حمد ربه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر، وإن المؤمن ليؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى في امرأته ". وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة هذه الصيغة :" عجبا للمؤمن لا يقضي الله تعالى قضاء إلاّ كان خيرا له. إن أصابه سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك إلاّ للمؤمن ". وينطوي في الحديثين توضيح نبوي للجملة القرآنية، وحث للمسلمين على أن يكونوا من الأشداء في الصبر في الضراء الشكورين للسراء.
ومن تحصيل الحاصل أن نقول : إن الحث على الصبر لا يشمل حثا ما للمؤمن على الصبر على ظلم أو عدوان وإنما الصبر المطلوب من المؤمن هو الصبر على المصائب والحوائج التي لا يكون فيها عدوان وبغي من أحد. وفي سورة الشورى وصف للمؤمنين بأنهم إذا وقع عليهم بغي انتصروا منه أي قاوموه وانتقموا من البغاة ﴿ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ٣٩ ﴾.
وجملة " وليس ذلك إلاّ للمؤمن " في آخر الحديث الثاني ذات مغزى عظيم، حيث انطوى فيها تقرير كون المؤمن يبتغي بصبره وشكره رضاء الله ويأمل فيه، فيكون له الرضاء والأجر الربانيان خلافا لغير المؤمن بالله فإنه نادرا ما تجعله أخلاقه يقابل المصائب بالصبر والنعم بالشكر. ولا يكون له مدد من إيمان يجعله يفعل ذلك أملا في رحمة الله ورضائه.
تعليق على كلمة ( سورة )
هذا، وبمناسبة ورود كلمة ( سورة ) هنا لأول مرة نقول : إن المفسرين قالوا : إما أن تكون الكلمة من سور المدينة، حيث يحيط السور بكل ما فيها، وتحيط السورة بكل ما فيها من آيات القرآن، وإما أنها من السورة التي بمعنى المنزلة أو المرتبة، وإما أنها من السؤر الذي بمعنى البقية، وفي لسان العرب : السورة هي منزلة من البناء، ومنه : سورة القرآن ؛ لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى، ومهما يكن من أصل اشتقاقها اللغوي وأصل معناها، فإن السياق الذي وردت فيه هذه الكلمة في القرآن يدل دلالة لا ريب فيها على أنها تعني مجموعة مستقلة وكاملة من الآيات والفصول القرآنية، وأن هذا المعنى كان مفهوما ومألوفا في الوسط العربي الذي خوطب بالقرآن لأول مرة، وأن تقسيم القرآن إلى المجموعات التي سميت سورا كان نتيجة لذلك أيضا.
ولما كانت هذه الكلمة قد وردت بعد نزول طائفة كبيرة من القرآن المكي فمن الممكن أن يقال : إن كثيرا من السور القرآنية كان في هذا العهد قائم الشخصية، وفي سورة هو التي يجيء ترتيبها في روايات النزول بعد سورة يونس تحدّ للكفار بعشر سور مما فيه تأييد لما نقول. هذا عدا ما يلهم ذلك كثير من السور ذات المطالع والخواتم البارزة التي سبقت هذه السورة.

﴿ وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ ومِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ ورَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ ٤٠ وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي ولَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ٤١ ﴾ [ ٤٠ ٤١ ].
تعليق على آية
﴿ وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ ومِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ ﴾
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه كذلك رواية في مناسبة نزول الآيتين، وهما معطوفتان على ما قبلهما فتكونان والحالة هذه استمرارا للسياق. وقد قال بعض المفسرين١ : إن الآية الأولى تضمنت معنى التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث تقرر أنه إذا كان من قومه من لا يؤمن بما جاء به فإن منهم من آمن وسوف يؤمن به، وعلى هذا يكون الخطاب الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيهه موجها للمكذبين فقط ليعلنهم في ما إذا أصروا على تكذيبهم أن كلا منهم يتحمل تبعة عمله وكلا منهم بريء مما يعمله الآخر. وبعض المفسرين قالوا٢ : إن الآيتين في صدد الكفار المكذبين، وإن الآية الأولى تضمنت تقرير أن من الكفار من يؤمن في سرّه بصدق القرآن وصحة الرسالة وإنما يكذب عنادا ومكابرة، ومنهم من لا يؤمن ولا يصدق.
ويلحظ أن الآيتين معطوفتان على الآيات السابقة لهما التي يدور الكلام فيها على الكفار وتكذيبهم وتقريعهم، وأن الضمائر فيهما عائدة إليهم أيضا، وفحوى الآية الثانية قاصر على ما تلهمه روحها على الفريق الكافر فقط، وليس فيها ما يفيد تقسيمهم إلى مؤمن صادق وكافر، وهذا يجعلنا نرجح قول الفريق الثاني من المفسرين.
وهناك روايات تذكر أن منهم من كان يقرّ في قرارة نفسه أن القرآن كلام الله ولكنه يعلن تكذيبه مدارة للناس أو عنادا كمثل الروايات التي رويت عن الوليد بن المغيرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فقال : لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى. وكان من نبهاء قريش فعلم بقوله أبو جهل فذهب إليه يؤنبه ويعاتبه ويثير غضبه على النبي صلى الله عليه وسلم حتى تراجع٣. وفي رواية أخرى أن الوليد جاء إلى أبي بكر رضي الله عنه فسأله عن القرآن فتلا عليه منه ما تيسر فجاء إلى رجال قريش فقال : يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة ( يعني النبي صلى الله عليه وسلم ) فوالله ما هو بشعر ولا بسحر ولا يهذي من الجنون، وإن قوله لمن كلام الله، فخاف رجال قريش أن يؤمن ويعدي غيره، فجاء إليه أبو جهل يعيره ويوبخه ويثير حميته حتى تراجع٤.
وفي بعض الآيات القرآنية دلالة ما على ذلك أيضا، مثل آية سورة القصص التي جاء فيها :﴿ وقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾ [ ٥٧ ] حيث تلهم هذه الجملة أن قائليها كانوا يعتقدون في أنفسهم بصدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم والوحي القرآني ولكنهم كانوا يخافون على مركز مكة وما يدرّه عليهم من منافع ويضمنه لهم من أمن. ومثل آية الزخرف التي جاء فيها :﴿ وقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ٣١ ﴾ حيث تلهم هذه الجملة أن قائليها كانوا يعتقدون بصحة الوحي القرآني ولكنهم أنفوا من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم واستكبروا لأن الله لم ينزل القرآن على زعيم كبير من مكة أو الطائف. بل إن مفاوضات رجال قريش للنبي صلى الله عليه وسلم التي أشارت إليها سورة الإسراء [ ٧٣ ] السابقة لهذه في التفسير وآية سورة القلم [ ٩ ] وما روي في صددهما على ما شرحناه في تفسير السورتين لتؤيد ذلك أيضا.
وفي الآيتين تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن موقف تكذيب المكذبين وإنذار لهم. فعليه أن يتبرأ من عملهم ويعلنهم أنهم وحدهم الذين يتحملون تبعته إذا أصروا على تكذيبه وأن لا يحمل نفسه همّا. وربه أعلم بالمفسدين الذين إنما يقفون موقف التكذيب لفساد أخلاقهم ولإفساد غيرهم وهو القادر عليهم.
وقد يلمح في الآية الثانية بالإضافة إلى ما ذكرناه مبدأ حرية التدين الذي قررته سورة ( الكافرون ) وعلقنا عليه بما فيه الكفاية.
والمصحف الذي اعتمدنا عليه يروي أن الآية الأولى من الآيتين مدنية. وهذا غريب جدا فهي شديدة الانسجام مع الآية الثانية ومع السياق السابق معنى وسبكا، ومضمونها متصل بظروف ومشاهد العهد المكي ولم نر ما اطلعنا عليه من كتب التفسير تأييدا لذلك وكل هذا يسوغ الشك في الرواية.
ولقد روى المفسرون عن بعض التابعين أن الآية الثانية منسوخة بآيات القتال. وهذا يذكر في سياق كل آية مكية مماثلة. والمتبادر أن هذا إنما يصح بالنسبة إلى من يقف موقف العدوان من الإسلام والمسلمين وحسب وقد شرحنا هذا الأمر في سياق سورة ( الكافرون ) شرحا وافيا.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والمنار وابن كثير والخازن والبغوي..
٢ انظر تفسير الآيات في تفسير القاسمي والطبرسي والزمخشري..
٣ انظر تفسير سورة المدثر في تفسير البغوي..
٤ انظر تفسير السورة المذكورة في تفسير ابن كثير..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٠:﴿ وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ ومِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ ورَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ ٤٠ وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي ولَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ٤١ ﴾ [ ٤٠ ٤١ ].
تعليق على آية
﴿ وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ ومِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ ﴾
ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه كذلك رواية في مناسبة نزول الآيتين، وهما معطوفتان على ما قبلهما فتكونان والحالة هذه استمرارا للسياق. وقد قال بعض المفسرين١ : إن الآية الأولى تضمنت معنى التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث تقرر أنه إذا كان من قومه من لا يؤمن بما جاء به فإن منهم من آمن وسوف يؤمن به، وعلى هذا يكون الخطاب الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيهه موجها للمكذبين فقط ليعلنهم في ما إذا أصروا على تكذيبهم أن كلا منهم يتحمل تبعة عمله وكلا منهم بريء مما يعمله الآخر. وبعض المفسرين قالوا٢ : إن الآيتين في صدد الكفار المكذبين، وإن الآية الأولى تضمنت تقرير أن من الكفار من يؤمن في سرّه بصدق القرآن وصحة الرسالة وإنما يكذب عنادا ومكابرة، ومنهم من لا يؤمن ولا يصدق.
ويلحظ أن الآيتين معطوفتان على الآيات السابقة لهما التي يدور الكلام فيها على الكفار وتكذيبهم وتقريعهم، وأن الضمائر فيهما عائدة إليهم أيضا، وفحوى الآية الثانية قاصر على ما تلهمه روحها على الفريق الكافر فقط، وليس فيها ما يفيد تقسيمهم إلى مؤمن صادق وكافر، وهذا يجعلنا نرجح قول الفريق الثاني من المفسرين.
وهناك روايات تذكر أن منهم من كان يقرّ في قرارة نفسه أن القرآن كلام الله ولكنه يعلن تكذيبه مدارة للناس أو عنادا كمثل الروايات التي رويت عن الوليد بن المغيرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فقال : لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى. وكان من نبهاء قريش فعلم بقوله أبو جهل فذهب إليه يؤنبه ويعاتبه ويثير غضبه على النبي صلى الله عليه وسلم حتى تراجع٣. وفي رواية أخرى أن الوليد جاء إلى أبي بكر رضي الله عنه فسأله عن القرآن فتلا عليه منه ما تيسر فجاء إلى رجال قريش فقال : يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة ( يعني النبي صلى الله عليه وسلم ) فوالله ما هو بشعر ولا بسحر ولا يهذي من الجنون، وإن قوله لمن كلام الله، فخاف رجال قريش أن يؤمن ويعدي غيره، فجاء إليه أبو جهل يعيره ويوبخه ويثير حميته حتى تراجع٤.
وفي بعض الآيات القرآنية دلالة ما على ذلك أيضا، مثل آية سورة القصص التي جاء فيها :﴿ وقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾ [ ٥٧ ] حيث تلهم هذه الجملة أن قائليها كانوا يعتقدون في أنفسهم بصدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم والوحي القرآني ولكنهم كانوا يخافون على مركز مكة وما يدرّه عليهم من منافع ويضمنه لهم من أمن. ومثل آية الزخرف التي جاء فيها :﴿ وقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ٣١ ﴾ حيث تلهم هذه الجملة أن قائليها كانوا يعتقدون بصحة الوحي القرآني ولكنهم أنفوا من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم واستكبروا لأن الله لم ينزل القرآن على زعيم كبير من مكة أو الطائف. بل إن مفاوضات رجال قريش للنبي صلى الله عليه وسلم التي أشارت إليها سورة الإسراء [ ٧٣ ] السابقة لهذه في التفسير وآية سورة القلم [ ٩ ] وما روي في صددهما على ما شرحناه في تفسير السورتين لتؤيد ذلك أيضا.
وفي الآيتين تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن موقف تكذيب المكذبين وإنذار لهم. فعليه أن يتبرأ من عملهم ويعلنهم أنهم وحدهم الذين يتحملون تبعته إذا أصروا على تكذيبه وأن لا يحمل نفسه همّا. وربه أعلم بالمفسدين الذين إنما يقفون موقف التكذيب لفساد أخلاقهم ولإفساد غيرهم وهو القادر عليهم.
وقد يلمح في الآية الثانية بالإضافة إلى ما ذكرناه مبدأ حرية التدين الذي قررته سورة ( الكافرون ) وعلقنا عليه بما فيه الكفاية.
والمصحف الذي اعتمدنا عليه يروي أن الآية الأولى من الآيتين مدنية. وهذا غريب جدا فهي شديدة الانسجام مع الآية الثانية ومع السياق السابق معنى وسبكا، ومضمونها متصل بظروف ومشاهد العهد المكي ولم نر ما اطلعنا عليه من كتب التفسير تأييدا لذلك وكل هذا يسوغ الشك في الرواية.
ولقد روى المفسرون عن بعض التابعين أن الآية الثانية منسوخة بآيات القتال. وهذا يذكر في سياق كل آية مكية مماثلة. والمتبادر أن هذا إنما يصح بالنسبة إلى من يقف موقف العدوان من الإسلام والمسلمين وحسب وقد شرحنا هذا الأمر في سياق سورة ( الكافرون ) شرحا وافيا.
١ انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والمنار وابن كثير والخازن والبغوي..
٢ انظر تفسير الآيات في تفسير القاسمي والطبرسي والزمخشري..
٣ انظر تفسير سورة المدثر في تفسير البغوي..
٤ انظر تفسير السورة المذكورة في تفسير ابن كثير..

﴿ ومِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ ولَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ ٤٢ ومِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ ولَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ ٤٣ ﴾ [ ٤٢ ٤٣ ].
لا يروي المفسرون كذلك رواية ما في نزول هاتين الآيتين وهما معطوفتان على ما قبلهما، والمتبادر أنهما استمرار للسياق والتنديد. وقد وجه الخطاب فيهما للنبي صلى الله عليه وسلم أيضا كسابقتيهما فمن الكفار من يستمع إلى ما يتلوه من قرآن، ولكنه يقف منه كالأصم الذي لا يسمع، وليس عليه أن يسمع الصمّ الذين لا يسمعون ولا يعقلون ما يقال لهم. ومنهم من ينظر إليه ولكنه يقف كالأعمى فلا يرى أعلام نبوته وصدق مظهرها فيما يقول ويفعل، وليس عليه أن يهدي العمي الذين لا يبصرون.
وظاهر أن الآيتين بسبيل تصوير شدة إصرار الكفار على العناد ولمكابرة بالرغم مما يسمعونه من حجج القرآن وروحانيته ويرونه من دلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم في صميميته ودعوته وأفعاله وتفرغه لها وإشفاقه عليهم من غضب الله ونقمته. ويلمح فيهما أيضا قصد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وإيذانه بأنه قد قام بواجبه وأنه غير مكلف بعمل المستحيل من إسماع من لا يستطيع السمع وإراءة من لا يستطيع الرؤية وإقناع المكابرة العنيد الصادر عن سوء النية وخبث الطوية.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:﴿ ومِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ ولَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ ٤٢ ومِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ ولَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ ٤٣ ﴾ [ ٤٢ ٤٣ ].
لا يروي المفسرون كذلك رواية ما في نزول هاتين الآيتين وهما معطوفتان على ما قبلهما، والمتبادر أنهما استمرار للسياق والتنديد. وقد وجه الخطاب فيهما للنبي صلى الله عليه وسلم أيضا كسابقتيهما فمن الكفار من يستمع إلى ما يتلوه من قرآن، ولكنه يقف منه كالأصم الذي لا يسمع، وليس عليه أن يسمع الصمّ الذين لا يسمعون ولا يعقلون ما يقال لهم. ومنهم من ينظر إليه ولكنه يقف كالأعمى فلا يرى أعلام نبوته وصدق مظهرها فيما يقول ويفعل، وليس عليه أن يهدي العمي الذين لا يبصرون.
وظاهر أن الآيتين بسبيل تصوير شدة إصرار الكفار على العناد ولمكابرة بالرغم مما يسمعونه من حجج القرآن وروحانيته ويرونه من دلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم في صميميته ودعوته وأفعاله وتفرغه لها وإشفاقه عليهم من غضب الله ونقمته. ويلمح فيهما أيضا قصد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وإيذانه بأنه قد قام بواجبه وأنه غير مكلف بعمل المستحيل من إسماع من لا يستطيع السمع وإراءة من لا يستطيع الرؤية وإقناع المكابرة العنيد الصادر عن سوء النية وخبث الطوية.

﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ ( ١ ) النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( ٢ ) ٤٤ ﴾ [ ٤٤ ].
( ١ ) لا يظلم : بمعنى لا يجور.
( ٢ ) أنفسهم يظلمون : ينحرفون عن جادة الحق فيضرون أنفسهم ويجورون عليها.
المتبادر أن الآية جاءت معقبة على الآيات السابقة، وبسبيل تقرير كون الله تعالى إذا جازى المكذبين الذين وصفت مواقفهم في الآيات السابقة فإنما يكون ذلك بسبب هذه المواقف التي ظلموا بها أنفسهم.
وفي الآية توكيد لمبدأ قرآني تكرر وروده وهو مسؤولية الناس عن أعمالهم التي يعملونها نتيجة لاختيارهم وكسبهم.
ومن العجيب أن الخازن رغم ما في الآية من صراحة حاسمة قال : إن الآية تعني أن الله تعالى إذا كتب الشقاء والعذاب على أحد فلا يعد ظلما ؛ لأنه يفعل ذلك بمقتضى كونه صاحب التصرف المطلق في عباده، وأن ابن كثير قال شيئا من ذلك خلافا للطبري والطبرسي والبغوي والزمخشري الذين فسروا الآية بما يتفق مع ظاهرها الحاسم الذي شرحنا مداه.
ومن العجيب أن ابن كثير مع ما قاله قد أورد حديثا رواه مسلم عن أبي ذر : " أن النبي صلى الله عليه وسلم يروي عن ربه أنه قال : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلاّ نفسه ". حيث ينطوي في الحديث توكيد لذلك المبدأ وتساوق مع ظاهر الآية ومع تفسير الطبري والبغوي والطبرسي والزمخشري.
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إلاّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ ومَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ٤٥ ﴾ [ ٤٥ ].
المتبادر أن الآية استمرار للسياق والحديث عن الكفار المكذبين أيضا، وقد تضمنت تقرير كونهم حين يحشرهم الله إليه بعد موتهم سيندهشون لأنهم يشعرون أنهم لم يكادوا يغيبون إلاّ ساعة من النهار، وسيعرف بعضهم بعضا كأنما هم حديثو عهد بالفراق. وسيتحققون من أنهم قد خابوا وخسروا ؛ لأنهم كذبوا بلقاء الله والبعث الأخروي ولم يهتدوا بهدى الله.
وفي الآية إنذار قوي للكفار استهدف فيما استهدفه بثّ اليقين فيهم بالبعث وحملهم على الندم والارعواء، بالإضافة إلى ما فيها من حقيقة إيمانية.
وقد تكرر فحوى الآية بصيغ متقاربة أكثر من مرة بعد هذه السورة لتوكيد ما استهدفته من إنذار وتقرير ما تضمنته من حقيقة إيمانية.
﴿ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ ٤٦ ﴾ [ ٤٦ ].
الآية استمرار للسياق والحديث عن الكفار أيضا كما هو المتبادر. وقد وجه الخطاب فيها للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لتقول له سواء أراه الله تحقيق بعض ما وعدهم الله من عذاب الدنيا وغضبه، أم توفاه قبل ذلك فإليه مرجعهم أولا وأخرا. وهو شهيد على ما يفعلون، وموفيهم حسابهم كما يستحقون.
وقد احتوت الآية تسلية وتطمينا للنبي صلى الله عليه وسلم كما احتوت إنذارا للكفار أيضا.
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ٤٧ ﴾ [ ٤٧ ].
تعليق على جملة
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ﴾
ولا يروي المفسرون رواية ما في صدد الآية، وهي معطوفة على ما قبلها بحيث يصح القول : إنها غير منقطعة عن السياق وبمثابة تعقيب عليه وقد روى المفسرون عن أهل التأويل من التابعين تأويلين أو احتمالين لمدى الآية، الأول : أن يكون صدد الحياة الأخرى فتكون بسبيل تقرير أن الله تعالى يحاسب يوم القيامة كل أمة بحضور رسولها فيقضى فيها بالحق ودون ما ظلم. وفي القرآن آيات تقرر هذا المفهوم عامة وخاصة مثل آيات سورة الزمر هذه :﴿ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاواتِ ومَن فِي الْأَرْضِ إلاّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ ٦٨ وأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ووُضِعَ الْكِتَابُ وجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ والشُّهَدَاء وقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ٦٩ ﴾ ومثل آيات سورة النساء هذه :﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ويُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ٤٠ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا ٤١ يَوْمَئِذٍ يَودُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوى بِهِمُ الأَرْضُ ولاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا ٤٢ ﴾.
والثاني : أن تكون في صدد الحياة الدنيا فتكون بسبيل تقرير سنة الله في إرسال الرسل للأمم. فإذا جاء إلى أمة رسول يكون قد تعين بذلك مصيرها بالحق دونما ظلم حيث يكون نصيب المؤمنين الصالحين النجاة ونصيب المكذبين المسيئين الخسران.
ومع وجاهة كل من الاحتمالين فنحن نميل إلى ترجيح التأويل أو الاحتمال الثاني ؛ لأنه متصل برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وموقف المكذبين، وفيه إعلان لهؤلاء بأنهم لم يبق لهم عذر ولا مناص بعد بعثة رسول منهم إليهم، وأنهم أمام خطتين يتحتم عليهم اختيار إحداهما ويكون مصيرهم منوطا بهذا الاختيار، فإما الإيمان والنجاة وإما التكذيب والخسران، وهذا هو قضاء الله العادل الذي لا ظلم فيه ولا إجحاف. وفيه بالتالي إنذار لهم ودعوة لهم إلى الارعواء وعدم إضافة الفرصة فيندمون ولات ساعة مندم.
والآية من ناحية ما تدعم ما ذكرناه في سياق آية سورة فاطر :﴿ وإن من أمة إلاّ خلا فيها نذير٢٤ ﴾ من كون حكمة الله تعالى وسنته جرتا على إرسال الرسل إلى كل أمة في كل ظرف. ولا نرى هذا متعارضا مع حكمة الله تعالى التي شاءت أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين كما نصت على ذلك آية سورة الأحزاب [ ٤٠ ] حيث صار عليه صلوات الله وسلامه رسولا لكل البشر إلى يوم القيامة.
﴿ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٤٨ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا ولاَ نَفْعًا إلاّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ٤٩ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ٥٠ أَثُمَّ إِذَا مَا وقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وقَدْ كُنتُم بِه تَسْتَعْجِلُونَ ٥١ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلاّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ٥٢ ﴾ [ ٤٨ ٥٢ ].
في الآية الأولى حكاية لتساؤل الكفار عن موعد تحقيق ما يوعدون به. وفي الثانية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم قائلا إنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا وكل شيء منوط بمشيئة الله تعالى، وإن لكل أمة أجلا عنده لا تستأخر عنه ساعة ولا تستقدم، وفي الآية الثالثة وما بعدها أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الكفار بالمقابلة عن استعجالهم لعذاب الله وغضبه الذي قد يأتيهم ليلا أو نهارا، وعمّا إذا كانوا يظنون أنه إذا وقع عليهم يبقى لهم مجال للإيمان، وبإعلانهم أن هذا لن يتيسر لهم وأن عذاب الله إذا وقع عليهم يكون قد قضى في أمرهم ولم يبق إلاّ أن يخلدوا في النار جزاء ما كسبت أيديهم.
ولا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات، فإما أن تكون حكاية مشهد وجاهي جديد بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين بعد الآيات السابقة التي فيها وعيد لهم وحكاية لمواقفهم، فنزلت بعده، وإما أن تكون حكاية مشهد سابق للسياق كله سيق في صدد حكاية مواقف المشركين وأقوالهم. وعدم رواية خاصة في نزولها يجعلنا نرجح الاحتمال الثاني فتكون الآيات والحالة هذه استمرارا للسياق.
وسؤال الكفار الذي حكته الآية الأولى ينطوي كما هو ملموح على تحدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم على استهتارهم بما يوعدون به.
وقد جاء الرد القرآني في الآية الثالثة وما بعدها قويا لاذعا ينطوي على التوكيد الحاسم بتحقيق وعد الله.
وقد وجه الخطاب فيه إلى القلوب والعقول معا، ونوقش الكفار فيه مناقشة محكمة من شأنها أن تبعث الخوف في نفوسهم من فوات الفرصة ووقوعهم في حسرة الندامة، وهو ما استهدفته الآيات في جملة ما استهدفته.
وهذا السؤال من الكفار بنفس أسلوب التحدي والاستهتار قد تكرر صدوره من الكفار لتكرر الوعيد والإنذار لهم، حيث كانوا كلما وعدوا وأنذروا بعذاب الله قابلوا ذلك بالاستخفاف والسؤال الاستنكاري. وفي هذا صورة لما كان يتكرر وقوعه بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ ورد وتشاد.
وفي الآية الثانية تتجلى صورة رائعة لصميمية النبي صلى الله عليه وسلم حيث يؤمر فيعلن عن نفسه وفي موقف تحدي الكفار له بأنه ليس له من الأمر شيء حتى فيما يتعلق بنفسه، وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والإنذار دون أن يذهله تحدي الكفار وتعجيزهم عن واجبه والاستمرار فيه، وقد تكررت هذه الصورة الرائعة نتيجة لتكرر الموقف نفسه. وقد جاء مثل هذه الصورة في الآية [ ١٨٨ ] من سورة الأعراف التي مرّ تفسيرها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٨:﴿ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٤٨ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا ولاَ نَفْعًا إلاّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ٤٩ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ٥٠ أَثُمَّ إِذَا مَا وقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وقَدْ كُنتُم بِه تَسْتَعْجِلُونَ ٥١ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلاّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ٥٢ ﴾ [ ٤٨ ٥٢ ].
في الآية الأولى حكاية لتساؤل الكفار عن موعد تحقيق ما يوعدون به. وفي الثانية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم قائلا إنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا وكل شيء منوط بمشيئة الله تعالى، وإن لكل أمة أجلا عنده لا تستأخر عنه ساعة ولا تستقدم، وفي الآية الثالثة وما بعدها أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الكفار بالمقابلة عن استعجالهم لعذاب الله وغضبه الذي قد يأتيهم ليلا أو نهارا، وعمّا إذا كانوا يظنون أنه إذا وقع عليهم يبقى لهم مجال للإيمان، وبإعلانهم أن هذا لن يتيسر لهم وأن عذاب الله إذا وقع عليهم يكون قد قضى في أمرهم ولم يبق إلاّ أن يخلدوا في النار جزاء ما كسبت أيديهم.
ولا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات، فإما أن تكون حكاية مشهد وجاهي جديد بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين بعد الآيات السابقة التي فيها وعيد لهم وحكاية لمواقفهم، فنزلت بعده، وإما أن تكون حكاية مشهد سابق للسياق كله سيق في صدد حكاية مواقف المشركين وأقوالهم. وعدم رواية خاصة في نزولها يجعلنا نرجح الاحتمال الثاني فتكون الآيات والحالة هذه استمرارا للسياق.
وسؤال الكفار الذي حكته الآية الأولى ينطوي كما هو ملموح على تحدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم على استهتارهم بما يوعدون به.
وقد جاء الرد القرآني في الآية الثالثة وما بعدها قويا لاذعا ينطوي على التوكيد الحاسم بتحقيق وعد الله.
وقد وجه الخطاب فيه إلى القلوب والعقول معا، ونوقش الكفار فيه مناقشة محكمة من شأنها أن تبعث الخوف في نفوسهم من فوات الفرصة ووقوعهم في حسرة الندامة، وهو ما استهدفته الآيات في جملة ما استهدفته.
وهذا السؤال من الكفار بنفس أسلوب التحدي والاستهتار قد تكرر صدوره من الكفار لتكرر الوعيد والإنذار لهم، حيث كانوا كلما وعدوا وأنذروا بعذاب الله قابلوا ذلك بالاستخفاف والسؤال الاستنكاري. وفي هذا صورة لما كان يتكرر وقوعه بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ ورد وتشاد.
وفي الآية الثانية تتجلى صورة رائعة لصميمية النبي صلى الله عليه وسلم حيث يؤمر فيعلن عن نفسه وفي موقف تحدي الكفار له بأنه ليس له من الأمر شيء حتى فيما يتعلق بنفسه، وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والإنذار دون أن يذهله تحدي الكفار وتعجيزهم عن واجبه والاستمرار فيه، وقد تكررت هذه الصورة الرائعة نتيجة لتكرر الموقف نفسه. وقد جاء مثل هذه الصورة في الآية [ ١٨٨ ] من سورة الأعراف التي مرّ تفسيرها.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٨:﴿ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٤٨ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا ولاَ نَفْعًا إلاّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ٤٩ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ٥٠ أَثُمَّ إِذَا مَا وقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وقَدْ كُنتُم بِه تَسْتَعْجِلُونَ ٥١ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلاّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ٥٢ ﴾ [ ٤٨ ٥٢ ].
في الآية الأولى حكاية لتساؤل الكفار عن موعد تحقيق ما يوعدون به. وفي الثانية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم قائلا إنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا وكل شيء منوط بمشيئة الله تعالى، وإن لكل أمة أجلا عنده لا تستأخر عنه ساعة ولا تستقدم، وفي الآية الثالثة وما بعدها أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الكفار بالمقابلة عن استعجالهم لعذاب الله وغضبه الذي قد يأتيهم ليلا أو نهارا، وعمّا إذا كانوا يظنون أنه إذا وقع عليهم يبقى لهم مجال للإيمان، وبإعلانهم أن هذا لن يتيسر لهم وأن عذاب الله إذا وقع عليهم يكون قد قضى في أمرهم ولم يبق إلاّ أن يخلدوا في النار جزاء ما كسبت أيديهم.
ولا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات، فإما أن تكون حكاية مشهد وجاهي جديد بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين بعد الآيات السابقة التي فيها وعيد لهم وحكاية لمواقفهم، فنزلت بعده، وإما أن تكون حكاية مشهد سابق للسياق كله سيق في صدد حكاية مواقف المشركين وأقوالهم. وعدم رواية خاصة في نزولها يجعلنا نرجح الاحتمال الثاني فتكون الآيات والحالة هذه استمرارا للسياق.
وسؤال الكفار الذي حكته الآية الأولى ينطوي كما هو ملموح على تحدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم على استهتارهم بما يوعدون به.
وقد جاء الرد القرآني في الآية الثالثة وما بعدها قويا لاذعا ينطوي على التوكيد الحاسم بتحقيق وعد الله.
وقد وجه الخطاب فيه إلى القلوب والعقول معا، ونوقش الكفار فيه مناقشة محكمة من شأنها أن تبعث الخوف في نفوسهم من فوات الفرصة ووقوعهم في حسرة الندامة، وهو ما استهدفته الآيات في جملة ما استهدفته.
وهذا السؤال من الكفار بنفس أسلوب التحدي والاستهتار قد تكرر صدوره من الكفار لتكرر الوعيد والإنذار لهم، حيث كانوا كلما وعدوا وأنذروا بعذاب الله قابلوا ذلك بالاستخفاف والسؤال الاستنكاري. وفي هذا صورة لما كان يتكرر وقوعه بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ ورد وتشاد.
وفي الآية الثانية تتجلى صورة رائعة لصميمية النبي صلى الله عليه وسلم حيث يؤمر فيعلن عن نفسه وفي موقف تحدي الكفار له بأنه ليس له من الأمر شيء حتى فيما يتعلق بنفسه، وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والإنذار دون أن يذهله تحدي الكفار وتعجيزهم عن واجبه والاستمرار فيه، وقد تكررت هذه الصورة الرائعة نتيجة لتكرر الموقف نفسه. وقد جاء مثل هذه الصورة في الآية [ ١٨٨ ] من سورة الأعراف التي مرّ تفسيرها.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٨:﴿ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٤٨ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا ولاَ نَفْعًا إلاّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ٤٩ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ٥٠ أَثُمَّ إِذَا مَا وقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وقَدْ كُنتُم بِه تَسْتَعْجِلُونَ ٥١ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلاّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ٥٢ ﴾ [ ٤٨ ٥٢ ].
في الآية الأولى حكاية لتساؤل الكفار عن موعد تحقيق ما يوعدون به. وفي الثانية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم قائلا إنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا وكل شيء منوط بمشيئة الله تعالى، وإن لكل أمة أجلا عنده لا تستأخر عنه ساعة ولا تستقدم، وفي الآية الثالثة وما بعدها أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الكفار بالمقابلة عن استعجالهم لعذاب الله وغضبه الذي قد يأتيهم ليلا أو نهارا، وعمّا إذا كانوا يظنون أنه إذا وقع عليهم يبقى لهم مجال للإيمان، وبإعلانهم أن هذا لن يتيسر لهم وأن عذاب الله إذا وقع عليهم يكون قد قضى في أمرهم ولم يبق إلاّ أن يخلدوا في النار جزاء ما كسبت أيديهم.
ولا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات، فإما أن تكون حكاية مشهد وجاهي جديد بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين بعد الآيات السابقة التي فيها وعيد لهم وحكاية لمواقفهم، فنزلت بعده، وإما أن تكون حكاية مشهد سابق للسياق كله سيق في صدد حكاية مواقف المشركين وأقوالهم. وعدم رواية خاصة في نزولها يجعلنا نرجح الاحتمال الثاني فتكون الآيات والحالة هذه استمرارا للسياق.
وسؤال الكفار الذي حكته الآية الأولى ينطوي كما هو ملموح على تحدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم على استهتارهم بما يوعدون به.
وقد جاء الرد القرآني في الآية الثالثة وما بعدها قويا لاذعا ينطوي على التوكيد الحاسم بتحقيق وعد الله.
وقد وجه الخطاب فيه إلى القلوب والعقول معا، ونوقش الكفار فيه مناقشة محكمة من شأنها أن تبعث الخوف في نفوسهم من فوات الفرصة ووقوعهم في حسرة الندامة، وهو ما استهدفته الآيات في جملة ما استهدفته.
وهذا السؤال من الكفار بنفس أسلوب التحدي والاستهتار قد تكرر صدوره من الكفار لتكرر الوعيد والإنذار لهم، حيث كانوا كلما وعدوا وأنذروا بعذاب الله قابلوا ذلك بالاستخفاف والسؤال الاستنكاري. وفي هذا صورة لما كان يتكرر وقوعه بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ ورد وتشاد.
وفي الآية الثانية تتجلى صورة رائعة لصميمية النبي صلى الله عليه وسلم حيث يؤمر فيعلن عن نفسه وفي موقف تحدي الكفار له بأنه ليس له من الأمر شيء حتى فيما يتعلق بنفسه، وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والإنذار دون أن يذهله تحدي الكفار وتعجيزهم عن واجبه والاستمرار فيه، وقد تكررت هذه الصورة الرائعة نتيجة لتكرر الموقف نفسه. وقد جاء مثل هذه الصورة في الآية [ ١٨٨ ] من سورة الأعراف التي مرّ تفسيرها.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٨:﴿ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٤٨ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا ولاَ نَفْعًا إلاّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ٤٩ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ٥٠ أَثُمَّ إِذَا مَا وقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وقَدْ كُنتُم بِه تَسْتَعْجِلُونَ ٥١ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلاّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ٥٢ ﴾ [ ٤٨ ٥٢ ].
في الآية الأولى حكاية لتساؤل الكفار عن موعد تحقيق ما يوعدون به. وفي الثانية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم قائلا إنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا وكل شيء منوط بمشيئة الله تعالى، وإن لكل أمة أجلا عنده لا تستأخر عنه ساعة ولا تستقدم، وفي الآية الثالثة وما بعدها أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الكفار بالمقابلة عن استعجالهم لعذاب الله وغضبه الذي قد يأتيهم ليلا أو نهارا، وعمّا إذا كانوا يظنون أنه إذا وقع عليهم يبقى لهم مجال للإيمان، وبإعلانهم أن هذا لن يتيسر لهم وأن عذاب الله إذا وقع عليهم يكون قد قضى في أمرهم ولم يبق إلاّ أن يخلدوا في النار جزاء ما كسبت أيديهم.
ولا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات، فإما أن تكون حكاية مشهد وجاهي جديد بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين بعد الآيات السابقة التي فيها وعيد لهم وحكاية لمواقفهم، فنزلت بعده، وإما أن تكون حكاية مشهد سابق للسياق كله سيق في صدد حكاية مواقف المشركين وأقوالهم. وعدم رواية خاصة في نزولها يجعلنا نرجح الاحتمال الثاني فتكون الآيات والحالة هذه استمرارا للسياق.
وسؤال الكفار الذي حكته الآية الأولى ينطوي كما هو ملموح على تحدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم على استهتارهم بما يوعدون به.
وقد جاء الرد القرآني في الآية الثالثة وما بعدها قويا لاذعا ينطوي على التوكيد الحاسم بتحقيق وعد الله.
وقد وجه الخطاب فيه إلى القلوب والعقول معا، ونوقش الكفار فيه مناقشة محكمة من شأنها أن تبعث الخوف في نفوسهم من فوات الفرصة ووقوعهم في حسرة الندامة، وهو ما استهدفته الآيات في جملة ما استهدفته.
وهذا السؤال من الكفار بنفس أسلوب التحدي والاستهتار قد تكرر صدوره من الكفار لتكرر الوعيد والإنذار لهم، حيث كانوا كلما وعدوا وأنذروا بعذاب الله قابلوا ذلك بالاستخفاف والسؤال الاستنكاري. وفي هذا صورة لما كان يتكرر وقوعه بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ ورد وتشاد.
وفي الآية الثانية تتجلى صورة رائعة لصميمية النبي صلى الله عليه وسلم حيث يؤمر فيعلن عن نفسه وفي موقف تحدي الكفار له بأنه ليس له من الأمر شيء حتى فيما يتعلق بنفسه، وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والإنذار دون أن يذهله تحدي الكفار وتعجيزهم عن واجبه والاستمرار فيه، وقد تكررت هذه الصورة الرائعة نتيجة لتكرر الموقف نفسه. وقد جاء مثل هذه الصورة في الآية [ ١٨٨ ] من سورة الأعراف التي مرّ تفسيرها.

يستنبئونك : يستخبرون منك ويسألونك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ويَسْتَنبِئُونَكَ ( ١ ) أَحَقٌّ هُو قُلْ إِي ورَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ و مَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ ٥٣ ولَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ٥٤ ألاّ إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ ألاّ إِنَّ وعْدَ اللّهِ حَقٌّ و لَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٥٥ هُو يُحْيِي ويُمِيتُ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٥٦ ﴾ [ ٥٣ ـ ٥٦ ]
الآيات تحكي سؤال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كان ما يتوعدهم به القرآن من البعث والحساب الأخروي حقا وصدقا بأسلوب الذي يريد التوثق أو يبالغ في الإنكار والشك ويظن أن الوعيد تهويش وتخويف، وتأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوكيد ذلك وكونه حقا وكونهم لن يعجزوا الله ولن يخرجوا عن شمول قدرته وإحاطته، وتحكي ما سوف يكون عليه حال الكفار يوم القيامة من الشدة والفزع والندامة حين يرون العذاب ويسمعون قضاء الله العادل الرهيب فيهم حتى لو كان واحد منهم جميع ما في الأرض لقدمه فدية عن نفسه، وتهتف بالناس مؤكدة بأن وعد الله حقّ لا ريب فيه وهو قادر على تحقيقه كل القدرة ؛ لأنه الذي له ما في السماوات والأرض والذي يحيي ويميت وإليه مرجع الناس على كل حال.
ولا يروي المفسرون رواية ما في صدد نزول الآيات وهي معطوفة على سابقاتها حيث يصح القول إنها متصلة بالآيات السابقة سياقا موضوعا حيث تستمر في حكاية أقوال ومواقف الكفار، وترد عليهم مقرعة منددة منذرة متوعدة بأسلوب قوي استهدف فيما استهدفه إثارة الخوف والارعواء في نفوسهم.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ويَسْتَنبِئُونَكَ ( ١ ) أَحَقٌّ هُو قُلْ إِي ورَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ و مَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ ٥٣ ولَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ٥٤ ألاّ إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ ألاّ إِنَّ وعْدَ اللّهِ حَقٌّ و لَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٥٥ هُو يُحْيِي ويُمِيتُ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٥٦ ﴾ [ ٥٣ ـ ٥٦ ]
الآيات تحكي سؤال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كان ما يتوعدهم به القرآن من البعث والحساب الأخروي حقا وصدقا بأسلوب الذي يريد التوثق أو يبالغ في الإنكار والشك ويظن أن الوعيد تهويش وتخويف، وتأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوكيد ذلك وكونه حقا وكونهم لن يعجزوا الله ولن يخرجوا عن شمول قدرته وإحاطته، وتحكي ما سوف يكون عليه حال الكفار يوم القيامة من الشدة والفزع والندامة حين يرون العذاب ويسمعون قضاء الله العادل الرهيب فيهم حتى لو كان واحد منهم جميع ما في الأرض لقدمه فدية عن نفسه، وتهتف بالناس مؤكدة بأن وعد الله حقّ لا ريب فيه وهو قادر على تحقيقه كل القدرة ؛ لأنه الذي له ما في السماوات والأرض والذي يحيي ويميت وإليه مرجع الناس على كل حال.
ولا يروي المفسرون رواية ما في صدد نزول الآيات وهي معطوفة على سابقاتها حيث يصح القول إنها متصلة بالآيات السابقة سياقا موضوعا حيث تستمر في حكاية أقوال ومواقف الكفار، وترد عليهم مقرعة منددة منذرة متوعدة بأسلوب قوي استهدف فيما استهدفه إثارة الخوف والارعواء في نفوسهم.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ويَسْتَنبِئُونَكَ ( ١ ) أَحَقٌّ هُو قُلْ إِي ورَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ و مَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ ٥٣ ولَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ٥٤ ألاّ إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ ألاّ إِنَّ وعْدَ اللّهِ حَقٌّ و لَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٥٥ هُو يُحْيِي ويُمِيتُ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٥٦ ﴾ [ ٥٣ ـ ٥٦ ]
الآيات تحكي سؤال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كان ما يتوعدهم به القرآن من البعث والحساب الأخروي حقا وصدقا بأسلوب الذي يريد التوثق أو يبالغ في الإنكار والشك ويظن أن الوعيد تهويش وتخويف، وتأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوكيد ذلك وكونه حقا وكونهم لن يعجزوا الله ولن يخرجوا عن شمول قدرته وإحاطته، وتحكي ما سوف يكون عليه حال الكفار يوم القيامة من الشدة والفزع والندامة حين يرون العذاب ويسمعون قضاء الله العادل الرهيب فيهم حتى لو كان واحد منهم جميع ما في الأرض لقدمه فدية عن نفسه، وتهتف بالناس مؤكدة بأن وعد الله حقّ لا ريب فيه وهو قادر على تحقيقه كل القدرة ؛ لأنه الذي له ما في السماوات والأرض والذي يحيي ويميت وإليه مرجع الناس على كل حال.
ولا يروي المفسرون رواية ما في صدد نزول الآيات وهي معطوفة على سابقاتها حيث يصح القول إنها متصلة بالآيات السابقة سياقا موضوعا حيث تستمر في حكاية أقوال ومواقف الكفار، وترد عليهم مقرعة منددة منذرة متوعدة بأسلوب قوي استهدف فيما استهدفه إثارة الخوف والارعواء في نفوسهم.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ويَسْتَنبِئُونَكَ ( ١ ) أَحَقٌّ هُو قُلْ إِي ورَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ و مَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ ٥٣ ولَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ٥٤ ألاّ إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ ألاّ إِنَّ وعْدَ اللّهِ حَقٌّ و لَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٥٥ هُو يُحْيِي ويُمِيتُ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٥٦ ﴾ [ ٥٣ ـ ٥٦ ]
الآيات تحكي سؤال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كان ما يتوعدهم به القرآن من البعث والحساب الأخروي حقا وصدقا بأسلوب الذي يريد التوثق أو يبالغ في الإنكار والشك ويظن أن الوعيد تهويش وتخويف، وتأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوكيد ذلك وكونه حقا وكونهم لن يعجزوا الله ولن يخرجوا عن شمول قدرته وإحاطته، وتحكي ما سوف يكون عليه حال الكفار يوم القيامة من الشدة والفزع والندامة حين يرون العذاب ويسمعون قضاء الله العادل الرهيب فيهم حتى لو كان واحد منهم جميع ما في الأرض لقدمه فدية عن نفسه، وتهتف بالناس مؤكدة بأن وعد الله حقّ لا ريب فيه وهو قادر على تحقيقه كل القدرة ؛ لأنه الذي له ما في السماوات والأرض والذي يحيي ويميت وإليه مرجع الناس على كل حال.
ولا يروي المفسرون رواية ما في صدد نزول الآيات وهي معطوفة على سابقاتها حيث يصح القول إنها متصلة بالآيات السابقة سياقا موضوعا حيث تستمر في حكاية أقوال ومواقف الكفار، وترد عليهم مقرعة منددة منذرة متوعدة بأسلوب قوي استهدف فيما استهدفه إثارة الخوف والارعواء في نفوسهم.

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وهُدًى ورَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ٥٧ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُو خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ٥٨ ﴾ [ ٥٧ ٥٨ ].
هتفت الآية الأولى بالناس لافتة نظرهم إلى ما جاءهم من ربهم من موعظة على لسان رسوله ؛ ليبين لهم الحق من الباطل ويشفي صدورهم من الحيرة ونفوسهم من القلق ويكون للمؤمنين به الهدى والرحمة والسكينة والطمأنينة، وأمرت الآية الثانية النبي صلى الله عليه وسلم بتقرير ما انطوى في ذلك من فضل الله ورحمته مما هو الأجدر بإثارة فرح الناس واستبشارهم والأفضل من كل ما يشغلهم من متاع الدنيا وما يحوزونه من أعراضها.
والمتبادر أن الآيتين ليستا منقطعتين عن السياق السابق، وأنهما جاءتا معقبتين على ما سبق من الإنذار، وبسبيل دعوة السامعين إلى إدراك فضل الله ورحمته في إرسال الرسل إليهم وتنزيل ما فيه الشفاء والموعظة لهم عليهم، وأسلوبهما رائع عظيم. وقد انطوى فيهما تنويه بأثر الإيمان في النفوس وما يوجده من لذة روحية تفوق كل لذة وتستحق أن يضحى في سبيلها بكل متاع زائل. فليست راحة المرء ولذته فيما يمكن أن يجمعه من حطام الدنيا ويستمتع به من متع إذ أن كثيرا ما يوجد مع هذا منغصات وآلام، وإنما هما في طمأنينة القلب وسكينة النفس ونور اليقين وراحة الضمير وكل هذا إنما يتيسر الإيمان ويتحقق للمؤمنين الصادقين في إيمانهم، وفي هذا تلقين جليل مستمر المدى.
وقد قال الطبرسي : إن الآية الثانية أمرت النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة المؤمنين للفرح والسرور بما شملهم الله من رحمته ومنحهم من فضله، وتوكيد كون ما حصلوا عليه من ذلك هو خير مما يتمتع به الكفار ويملكونه ويجمعونه. ولا يخلو هذا من وجاهة، ولا يتعارض مع ما شرحناه من مداها المستمر التلقين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٧:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وهُدًى ورَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ٥٧ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُو خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ٥٨ ﴾ [ ٥٧ ٥٨ ].
هتفت الآية الأولى بالناس لافتة نظرهم إلى ما جاءهم من ربهم من موعظة على لسان رسوله ؛ ليبين لهم الحق من الباطل ويشفي صدورهم من الحيرة ونفوسهم من القلق ويكون للمؤمنين به الهدى والرحمة والسكينة والطمأنينة، وأمرت الآية الثانية النبي صلى الله عليه وسلم بتقرير ما انطوى في ذلك من فضل الله ورحمته مما هو الأجدر بإثارة فرح الناس واستبشارهم والأفضل من كل ما يشغلهم من متاع الدنيا وما يحوزونه من أعراضها.
والمتبادر أن الآيتين ليستا منقطعتين عن السياق السابق، وأنهما جاءتا معقبتين على ما سبق من الإنذار، وبسبيل دعوة السامعين إلى إدراك فضل الله ورحمته في إرسال الرسل إليهم وتنزيل ما فيه الشفاء والموعظة لهم عليهم، وأسلوبهما رائع عظيم. وقد انطوى فيهما تنويه بأثر الإيمان في النفوس وما يوجده من لذة روحية تفوق كل لذة وتستحق أن يضحى في سبيلها بكل متاع زائل. فليست راحة المرء ولذته فيما يمكن أن يجمعه من حطام الدنيا ويستمتع به من متع إذ أن كثيرا ما يوجد مع هذا منغصات وآلام، وإنما هما في طمأنينة القلب وسكينة النفس ونور اليقين وراحة الضمير وكل هذا إنما يتيسر الإيمان ويتحقق للمؤمنين الصادقين في إيمانهم، وفي هذا تلقين جليل مستمر المدى.
وقد قال الطبرسي : إن الآية الثانية أمرت النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة المؤمنين للفرح والسرور بما شملهم الله من رحمته ومنحهم من فضله، وتوكيد كون ما حصلوا عليه من ذلك هو خير مما يتمتع به الكفار ويملكونه ويجمعونه. ولا يخلو هذا من وجاهة، ولا يتعارض مع ما شرحناه من مداها المستمر التلقين.

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وحلالا قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ٥٩ ومَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ ٦٠ ﴾ [ ٥٩ ٦٠ ].
في الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الكفار بأسلوب تنديدي عما إذا كانوا يستندون في تحليلهم وتحريمهم رزق الله الذي رزقهم إياه إلى إذن الله وتعاليمه أم أنهم يفترون عليه، والسؤال يتضمن تقرير كون ذلك منهم افتراء على الله. وفي الآية الثانية إنذار للذين يفترون على الله. فهل يظنون أنهم ينجون من عذاب الله ونكاله يوم القيامة. والسؤال يتضمن نفي نجاتهم وقد ذكرت الفقرة الثانية من الآية بأسلوب تنديدي بما يغدقه الله من فضله على الناس وبعدم شكر أكثرهم لفضله إذ يقفون من آياته ورسله موقف الجاحد المناوئ.
والآيتان تنطويان على تقرير كون زعم المشركين بأن ما يحرمونه وما يحللونه نسبة إلى الله هو افتراء عليه وبدون أي سند وأنهم بذلك لا يتلقون نعم الله وأفضاله على وجهها الحقّ ويسيئون استعمالها.
ولا يروي المفسرون رواية ما في صدد نزول الآيتين، والمتبادر أنهما فصل من الفصول التي ما فتئت تحكي أقوال المشركين ومواقفهم على سبيل التنديد والتسفيه والإفحام. فهما والحالة هذه ليستا منقطعتين عن السياق وتوجيه الخطاب إلى مخاطبين كانوا يخاطبون قبلهما وهم الكفار قرينة على ذلك.
والآية الأولى تنطوي على صورة من صور ما كان عليه العرب من تقاليد دينية حيث كانوا يحرمون بعض الأنعام في ظروف خاصة، أو يحظرونها على فريق ويبيحونها لفريق، ويعتبرون ذلك من التقاليد الدينية التي أمر الله بها وجرى الأجداد والآباء عليها، وقد احتوت سورتا المائدة والأنعام آيات عديدة في صدد هذه التقاليد التي سوف نشرحها في سياق تفسير السورتين اللتين إحداهما في هذا الجزء.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وحلالا قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ٥٩ ومَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ ٦٠ ﴾ [ ٥٩ ٦٠ ].
في الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الكفار بأسلوب تنديدي عما إذا كانوا يستندون في تحليلهم وتحريمهم رزق الله الذي رزقهم إياه إلى إذن الله وتعاليمه أم أنهم يفترون عليه، والسؤال يتضمن تقرير كون ذلك منهم افتراء على الله. وفي الآية الثانية إنذار للذين يفترون على الله. فهل يظنون أنهم ينجون من عذاب الله ونكاله يوم القيامة. والسؤال يتضمن نفي نجاتهم وقد ذكرت الفقرة الثانية من الآية بأسلوب تنديدي بما يغدقه الله من فضله على الناس وبعدم شكر أكثرهم لفضله إذ يقفون من آياته ورسله موقف الجاحد المناوئ.
والآيتان تنطويان على تقرير كون زعم المشركين بأن ما يحرمونه وما يحللونه نسبة إلى الله هو افتراء عليه وبدون أي سند وأنهم بذلك لا يتلقون نعم الله وأفضاله على وجهها الحقّ ويسيئون استعمالها.
ولا يروي المفسرون رواية ما في صدد نزول الآيتين، والمتبادر أنهما فصل من الفصول التي ما فتئت تحكي أقوال المشركين ومواقفهم على سبيل التنديد والتسفيه والإفحام. فهما والحالة هذه ليستا منقطعتين عن السياق وتوجيه الخطاب إلى مخاطبين كانوا يخاطبون قبلهما وهم الكفار قرينة على ذلك.
والآية الأولى تنطوي على صورة من صور ما كان عليه العرب من تقاليد دينية حيث كانوا يحرمون بعض الأنعام في ظروف خاصة، أو يحظرونها على فريق ويبيحونها لفريق، ويعتبرون ذلك من التقاليد الدينية التي أمر الله بها وجرى الأجداد والآباء عليها، وقد احتوت سورتا المائدة والأنعام آيات عديدة في صدد هذه التقاليد التي سوف نشرحها في سياق تفسير السورتين اللتين إحداهما في هذا الجزء.

﴿ ومَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ ومَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ و لاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إلاّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ( ١ ) ومَا يَعْزُبُ ( ٢ ) عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ ( ٣ ) فِي الأَرْضِ ولاَ فِي السَّمَاء ولاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ ولا أَكْبَرَ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ٦١ ﴾ [ ٦١ ].
( ١ ) تفيضون فيه : تخوضون وتكثرون الحديث فيه.
( ٢ ) يعزب : يغيب أو يضيع أو يذهب.
( ٣ ) ذرّة : لغة هي واحدة من صغار النمل. وقد تكرر ورودها في القرآن للتعبير عن أخف شيء وزنا.
الضمير في فعلي ( تكون ) و( تتلو ) عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ما قاله المفسرون. أما الضمائر الواردة في الفقرات الأخرى فهي عائدة إلى المخاطبين بالقرآن كما هو ظاهر.
وعلى كل حال، فالآية بسبيل تقرير شمول علم الله تعالى وإحاطته بكل شيء : فما من شأن يكون فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وما من مجلس يتلو فيه قرآنا، وما من عمل يعمله السامعون، وما من حديث يخوضون فيه إلاّ هو مشهود من الله سبحانه وعلمه محيط به ومعلوم له ما فيه من نوايا ومقاصد، فهو لا يعزب عن علمه وإحاطته شيء في الأرض ولا في السماء ولو كان مثقال الذرة في الضؤولة أو أقل أو أكبر.
والآية معطوفة على ما قبلها وفيها معنى التعقيب على الآيات السابقة لها مباشرة. وفيها إنذار للناس في كل ظرف ومكان ليكون ما يقولون ويعملون مما يرضي الله ولا يسخطه.
﴿ ألاّ إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولاَ هُمْ يَحْزَنُونَ٦٢ الَّذِينَ آمَنُواْ وكَانُواْ يَتَّقُونَ ٦٣ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ٦٤ ﴾ [ ٦٢ ٦٤ ].
في الآيات هتاف تنويهي بأولياء الله تعالى وتطمين لهم بأنهم لا خوف عليهم ولا حزن وتعريفهم بأنهم المؤمنون المتقون، وإعلان البشرى لهم في الحياة الدنيا والآخرة وتقرير كون ذلك حقا لهم عند الله الذي لا تبديل لكلماته، وفي هذا ما فيه من الفوز العظيم.
تعليق على الآية
﴿ ألاّ إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
والآيتين التاليتين لها وما روي في صدد ذلك من أحاديث
روح الآيات ومضمونها متسقان مع الآيات السابقة سياقا وموضوعا كما يتبادر عند التمعن فيها. فقد نددت الآيات السابقة بالمفترين على الله المكذبين لرسالة نبيه وقرآنه وأنذرتهم فجاءت هذه لتنوّه بالذين استجابوا لهذه الرسالة وتولوا الله ورسوله. وبذلك يصح القول إنها جزء من السياق ولاسيما أنه لم ترو رواية خاصة في نزولها.
وجمع الإيمان مع التقوى في الآيات جدير بالتنبيه والتنويه، من حيث كون الإيمان أمرا قلبيا وغيبيا وكون التقوى برهانا عليه يعني التزام كل ما أمر الله ورسوله به وكل ما نهيا عنه لينال المؤمن رضاء الله تعالى ويتفادى غضبه ولا يمكن أن تصحّ دعوى الإيمان إلاّ به. ومن حيث إن التقوى بالتالي هي أعظم مظاهره على ما شرحناه شرحا أوفى في سياق سورة العلق.
وفي كتب التفسير١ بعض الأحاديث في سياق هذه الآيات.
ومن ذلك في صدد الآية الأولى حديث في صيغ عديدة روى صيغة منها أبو داود عن عمر جاء فيها : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء ويَغبطهم الأنبياءُ والشهداءُ يوم القيامة بمكانتهم من الله. قالوا : يا رسول الله أخبرنا من هم وما أعمالُهم فإنا نحبّهم لذلك. قال هم قوم تحابّوا في الله بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها. فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرأ ﴿ ألاّ إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾٢.
ويتبادر لنا أن الحديث لا يعني أن الفئة المذكورة فيها أعظم من الأنبياء والشهداء، وكل ما يعنيه أنهم ذوو منزلة عظمى عند الله يمكن أن ينالها غير هاتين الطبقتين اللتين تكونان قلة على كل حال بالنسبة للمؤمنين الصالحين في الأجيال المتعاقبة التي لا تحصى إلى يوم القيامة. ومع واجب الإيمان بما يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشاهد الأخروية والأمور المغيبة فحكمة الحديث المتبادرة هي الحثّ على نيل هذه الدرجة بالتحلي بما فيها من صفات لا بد من أن الإيمان والتقوى منطويات فيها والتنويه بمن ينالها.
وفي صدد الآية الثالثة حديث في صيغ عديدة روى واحدة منها الترمذي والحاكم وصححها جاء فيه : " قال رجل من أهل مصر سألت أبا الدرداء عن هذه الآية قال : ما سألني عنها أحد منذُ سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها قال : ما سألني عنها أحد منذ أنزلت فهي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له " ٣.
ويلحظ أن هذه الآية معطوفة على سابقتيها ومبشرة بحسن منزلة أولياء الله في الدنيا والآخرة. ولا تبدو حكمة لتفسير البشرى الموعودة بالرؤيا الصالحة إلا أن يكون أريد بذلك زيادة التطمين والبشرى، والله أعلم.
ولقد تطرق السيد رشيد رضا والسيد جمال القاسمي في تفسيرهما في سياق تفسير الآيات إلى الفئة التي اعتاد العوام أن يلقبوها ولي الله ويرووا عنها النوادر والكرامات ويلجأوا إليها لإخبارهم بالغيبيات وكشف ما يلم بهم من ملمات ويتخذوا قبورها مزارات وأماكن عبادة وتوسل واستغاثة وينذروا لها النذور. واعتاد أفراد منها أن يصنفوا أنفسهم صنوفا كالأقطاب والأوتاد والمرشدين، وأن يتزيوا بأزياء خاصة، ويتظاهروا بمظاهر عجيبة كثيرا ما تتناقض مع ما يقتضيه الإيمان والتقوى وأحكام القرآن والسنة، وينبهوا على أن الآيات لا تعني فئة محددة مثل هذه الفئة وحذروا الناس من ذلك، وهذا حق وسديد. فليس في الآيات ولا في الأحاديث سند لمثل هذه المظاهر والمزاعم قد ينخدع بها الناس والتي قد يقعون بها في مزالق الشرك والله تعالى أعلم.
١ انظر كتب تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والخازن، وقد استوعبها الطبري..
٢ التاج جـ ٥ ص ٧٦..
٣ التاج جـ ٤ ص ١٢٩..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٢:﴿ ألاّ إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولاَ هُمْ يَحْزَنُونَ٦٢ الَّذِينَ آمَنُواْ وكَانُواْ يَتَّقُونَ ٦٣ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ٦٤ ﴾ [ ٦٢ ٦٤ ].
في الآيات هتاف تنويهي بأولياء الله تعالى وتطمين لهم بأنهم لا خوف عليهم ولا حزن وتعريفهم بأنهم المؤمنون المتقون، وإعلان البشرى لهم في الحياة الدنيا والآخرة وتقرير كون ذلك حقا لهم عند الله الذي لا تبديل لكلماته، وفي هذا ما فيه من الفوز العظيم.
تعليق على الآية
﴿ ألاّ إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
والآيتين التاليتين لها وما روي في صدد ذلك من أحاديث
روح الآيات ومضمونها متسقان مع الآيات السابقة سياقا وموضوعا كما يتبادر عند التمعن فيها. فقد نددت الآيات السابقة بالمفترين على الله المكذبين لرسالة نبيه وقرآنه وأنذرتهم فجاءت هذه لتنوّه بالذين استجابوا لهذه الرسالة وتولوا الله ورسوله. وبذلك يصح القول إنها جزء من السياق ولاسيما أنه لم ترو رواية خاصة في نزولها.
وجمع الإيمان مع التقوى في الآيات جدير بالتنبيه والتنويه، من حيث كون الإيمان أمرا قلبيا وغيبيا وكون التقوى برهانا عليه يعني التزام كل ما أمر الله ورسوله به وكل ما نهيا عنه لينال المؤمن رضاء الله تعالى ويتفادى غضبه ولا يمكن أن تصحّ دعوى الإيمان إلاّ به. ومن حيث إن التقوى بالتالي هي أعظم مظاهره على ما شرحناه شرحا أوفى في سياق سورة العلق.
وفي كتب التفسير١ بعض الأحاديث في سياق هذه الآيات.
ومن ذلك في صدد الآية الأولى حديث في صيغ عديدة روى صيغة منها أبو داود عن عمر جاء فيها :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء ويَغبطهم الأنبياءُ والشهداءُ يوم القيامة بمكانتهم من الله. قالوا : يا رسول الله أخبرنا من هم وما أعمالُهم فإنا نحبّهم لذلك. قال هم قوم تحابّوا في الله بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها. فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرأ ﴿ ألاّ إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾٢.
ويتبادر لنا أن الحديث لا يعني أن الفئة المذكورة فيها أعظم من الأنبياء والشهداء، وكل ما يعنيه أنهم ذوو منزلة عظمى عند الله يمكن أن ينالها غير هاتين الطبقتين اللتين تكونان قلة على كل حال بالنسبة للمؤمنين الصالحين في الأجيال المتعاقبة التي لا تحصى إلى يوم القيامة. ومع واجب الإيمان بما يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشاهد الأخروية والأمور المغيبة فحكمة الحديث المتبادرة هي الحثّ على نيل هذه الدرجة بالتحلي بما فيها من صفات لا بد من أن الإيمان والتقوى منطويات فيها والتنويه بمن ينالها.
وفي صدد الآية الثالثة حديث في صيغ عديدة روى واحدة منها الترمذي والحاكم وصححها جاء فيه :" قال رجل من أهل مصر سألت أبا الدرداء عن هذه الآية قال : ما سألني عنها أحد منذُ سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها قال : ما سألني عنها أحد منذ أنزلت فهي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له " ٣.
ويلحظ أن هذه الآية معطوفة على سابقتيها ومبشرة بحسن منزلة أولياء الله في الدنيا والآخرة. ولا تبدو حكمة لتفسير البشرى الموعودة بالرؤيا الصالحة إلا أن يكون أريد بذلك زيادة التطمين والبشرى، والله أعلم.
ولقد تطرق السيد رشيد رضا والسيد جمال القاسمي في تفسيرهما في سياق تفسير الآيات إلى الفئة التي اعتاد العوام أن يلقبوها ولي الله ويرووا عنها النوادر والكرامات ويلجأوا إليها لإخبارهم بالغيبيات وكشف ما يلم بهم من ملمات ويتخذوا قبورها مزارات وأماكن عبادة وتوسل واستغاثة وينذروا لها النذور. واعتاد أفراد منها أن يصنفوا أنفسهم صنوفا كالأقطاب والأوتاد والمرشدين، وأن يتزيوا بأزياء خاصة، ويتظاهروا بمظاهر عجيبة كثيرا ما تتناقض مع ما يقتضيه الإيمان والتقوى وأحكام القرآن والسنة، وينبهوا على أن الآيات لا تعني فئة محددة مثل هذه الفئة وحذروا الناس من ذلك، وهذا حق وسديد. فليس في الآيات ولا في الأحاديث سند لمثل هذه المظاهر والمزاعم قد ينخدع بها الناس والتي قد يقعون بها في مزالق الشرك والله تعالى أعلم.
١ انظر كتب تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والخازن، وقد استوعبها الطبري..
٢ التاج جـ ٥ ص ٧٦..
٣ التاج جـ ٤ ص ١٢٩..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٢:﴿ ألاّ إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولاَ هُمْ يَحْزَنُونَ٦٢ الَّذِينَ آمَنُواْ وكَانُواْ يَتَّقُونَ ٦٣ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ٦٤ ﴾ [ ٦٢ ٦٤ ].
في الآيات هتاف تنويهي بأولياء الله تعالى وتطمين لهم بأنهم لا خوف عليهم ولا حزن وتعريفهم بأنهم المؤمنون المتقون، وإعلان البشرى لهم في الحياة الدنيا والآخرة وتقرير كون ذلك حقا لهم عند الله الذي لا تبديل لكلماته، وفي هذا ما فيه من الفوز العظيم.
تعليق على الآية
﴿ ألاّ إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
والآيتين التاليتين لها وما روي في صدد ذلك من أحاديث
روح الآيات ومضمونها متسقان مع الآيات السابقة سياقا وموضوعا كما يتبادر عند التمعن فيها. فقد نددت الآيات السابقة بالمفترين على الله المكذبين لرسالة نبيه وقرآنه وأنذرتهم فجاءت هذه لتنوّه بالذين استجابوا لهذه الرسالة وتولوا الله ورسوله. وبذلك يصح القول إنها جزء من السياق ولاسيما أنه لم ترو رواية خاصة في نزولها.
وجمع الإيمان مع التقوى في الآيات جدير بالتنبيه والتنويه، من حيث كون الإيمان أمرا قلبيا وغيبيا وكون التقوى برهانا عليه يعني التزام كل ما أمر الله ورسوله به وكل ما نهيا عنه لينال المؤمن رضاء الله تعالى ويتفادى غضبه ولا يمكن أن تصحّ دعوى الإيمان إلاّ به. ومن حيث إن التقوى بالتالي هي أعظم مظاهره على ما شرحناه شرحا أوفى في سياق سورة العلق.
وفي كتب التفسير١ بعض الأحاديث في سياق هذه الآيات.
ومن ذلك في صدد الآية الأولى حديث في صيغ عديدة روى صيغة منها أبو داود عن عمر جاء فيها :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء ويَغبطهم الأنبياءُ والشهداءُ يوم القيامة بمكانتهم من الله. قالوا : يا رسول الله أخبرنا من هم وما أعمالُهم فإنا نحبّهم لذلك. قال هم قوم تحابّوا في الله بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها. فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرأ ﴿ ألاّ إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾٢.
ويتبادر لنا أن الحديث لا يعني أن الفئة المذكورة فيها أعظم من الأنبياء والشهداء، وكل ما يعنيه أنهم ذوو منزلة عظمى عند الله يمكن أن ينالها غير هاتين الطبقتين اللتين تكونان قلة على كل حال بالنسبة للمؤمنين الصالحين في الأجيال المتعاقبة التي لا تحصى إلى يوم القيامة. ومع واجب الإيمان بما يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشاهد الأخروية والأمور المغيبة فحكمة الحديث المتبادرة هي الحثّ على نيل هذه الدرجة بالتحلي بما فيها من صفات لا بد من أن الإيمان والتقوى منطويات فيها والتنويه بمن ينالها.
وفي صدد الآية الثالثة حديث في صيغ عديدة روى واحدة منها الترمذي والحاكم وصححها جاء فيه :" قال رجل من أهل مصر سألت أبا الدرداء عن هذه الآية قال : ما سألني عنها أحد منذُ سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها قال : ما سألني عنها أحد منذ أنزلت فهي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له " ٣.
ويلحظ أن هذه الآية معطوفة على سابقتيها ومبشرة بحسن منزلة أولياء الله في الدنيا والآخرة. ولا تبدو حكمة لتفسير البشرى الموعودة بالرؤيا الصالحة إلا أن يكون أريد بذلك زيادة التطمين والبشرى، والله أعلم.
ولقد تطرق السيد رشيد رضا والسيد جمال القاسمي في تفسيرهما في سياق تفسير الآيات إلى الفئة التي اعتاد العوام أن يلقبوها ولي الله ويرووا عنها النوادر والكرامات ويلجأوا إليها لإخبارهم بالغيبيات وكشف ما يلم بهم من ملمات ويتخذوا قبورها مزارات وأماكن عبادة وتوسل واستغاثة وينذروا لها النذور. واعتاد أفراد منها أن يصنفوا أنفسهم صنوفا كالأقطاب والأوتاد والمرشدين، وأن يتزيوا بأزياء خاصة، ويتظاهروا بمظاهر عجيبة كثيرا ما تتناقض مع ما يقتضيه الإيمان والتقوى وأحكام القرآن والسنة، وينبهوا على أن الآيات لا تعني فئة محددة مثل هذه الفئة وحذروا الناس من ذلك، وهذا حق وسديد. فليس في الآيات ولا في الأحاديث سند لمثل هذه المظاهر والمزاعم قد ينخدع بها الناس والتي قد يقعون بها في مزالق الشرك والله تعالى أعلم.
١ انظر كتب تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والخازن، وقد استوعبها الطبري..
٢ التاج جـ ٥ ص ٧٦..
٣ التاج جـ ٤ ص ١٢٩..

العزة : هنا بمعنى القوة والعظمة والملك الشامل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ولاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ ( ١ ) لِلّهِ جَمِيعًا هُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ٦٥ إلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوات ومَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إلاّ الظَّنَّ وإِنْ هُمْ إلاّ يَخْرُصُونَ ( ٢ ) ٦٦ هُو الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ والنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ٦٧ ﴾ [ ٦٥ ـ ٦٧ ].
تأمر الآيات النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يحزن من أقوال الكفار وتطمئنه بأن الكرامة والعزة والعظمة لله في كل ظرف وحال وهو سميع لكل ما يقال عليم بكل ما يجري، وتقرر هاتفة بأن كل من في السماوات ومن في الأرض ملك لله خاضعون له، وبأن الكفار الذين يدعون غيره لا يدعون في الحقيقة أحدا دعاء الواثق المستيقن من صحة وجوده وشركته مع الله وإنما هم متوهمون توهما ومخمنون تخمينا. وتشير إلى مظهر من مظاهر قدرة الله كدليل على كونه المتصرف وحده في الكون فهو الذي جعل الليل مظلما ليسكنوا فيه وجعل النهار منيرا ليسعوا فيه. وفي هذه آيات ربانية لمن يريد أن يسمع ويرى ويتدبر الأمر دونما عناد ومكابرة.
والآيات كما هو المتبادر من روحها وعطفها على ما سبقها مفصلة بالسياق، وفيها استمرار لحكاية مواقف الكفار، وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم وتقرير واقع الأمر من شرك المشركين.
ولقد كان المشركون يعترفون بكون الله تعالى هو وحده خالق الكون ومدبره ومبدع نواميسه المتصرف فيه، فجاءت الآية الثالثة تذكر مظهرا من مظاهر ذلك مذكرة منددة، ولقد جرى النظم القرآني على ذكر بعض المظاهر الكونية دون بعض على سبيل الاستشهاد والتذكير ولا تعني حصرا، وما احتوته الآية الثالثة من هذا الباب.

يخرصون : يخمنون تخمينا لا يقين فيه ويظنون ظنا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ولاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ ( ١ ) لِلّهِ جَمِيعًا هُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ٦٥ إلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوات ومَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إلاّ الظَّنَّ وإِنْ هُمْ إلاّ يَخْرُصُونَ ( ٢ ) ٦٦ هُو الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ والنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ٦٧ ﴾ [ ٦٥ ـ ٦٧ ].
تأمر الآيات النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يحزن من أقوال الكفار وتطمئنه بأن الكرامة والعزة والعظمة لله في كل ظرف وحال وهو سميع لكل ما يقال عليم بكل ما يجري، وتقرر هاتفة بأن كل من في السماوات ومن في الأرض ملك لله خاضعون له، وبأن الكفار الذين يدعون غيره لا يدعون في الحقيقة أحدا دعاء الواثق المستيقن من صحة وجوده وشركته مع الله وإنما هم متوهمون توهما ومخمنون تخمينا. وتشير إلى مظهر من مظاهر قدرة الله كدليل على كونه المتصرف وحده في الكون فهو الذي جعل الليل مظلما ليسكنوا فيه وجعل النهار منيرا ليسعوا فيه. وفي هذه آيات ربانية لمن يريد أن يسمع ويرى ويتدبر الأمر دونما عناد ومكابرة.
والآيات كما هو المتبادر من روحها وعطفها على ما سبقها مفصلة بالسياق، وفيها استمرار لحكاية مواقف الكفار، وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم وتقرير واقع الأمر من شرك المشركين.
ولقد كان المشركون يعترفون بكون الله تعالى هو وحده خالق الكون ومدبره ومبدع نواميسه المتصرف فيه، فجاءت الآية الثالثة تذكر مظهرا من مظاهر ذلك مذكرة منددة، ولقد جرى النظم القرآني على ذكر بعض المظاهر الكونية دون بعض على سبيل الاستشهاد والتذكير ولا تعني حصرا، وما احتوته الآية الثالثة من هذا الباب.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ولاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ ( ١ ) لِلّهِ جَمِيعًا هُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ٦٥ إلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوات ومَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إلاّ الظَّنَّ وإِنْ هُمْ إلاّ يَخْرُصُونَ ( ٢ ) ٦٦ هُو الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ والنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ٦٧ ﴾ [ ٦٥ ـ ٦٧ ].
تأمر الآيات النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يحزن من أقوال الكفار وتطمئنه بأن الكرامة والعزة والعظمة لله في كل ظرف وحال وهو سميع لكل ما يقال عليم بكل ما يجري، وتقرر هاتفة بأن كل من في السماوات ومن في الأرض ملك لله خاضعون له، وبأن الكفار الذين يدعون غيره لا يدعون في الحقيقة أحدا دعاء الواثق المستيقن من صحة وجوده وشركته مع الله وإنما هم متوهمون توهما ومخمنون تخمينا. وتشير إلى مظهر من مظاهر قدرة الله كدليل على كونه المتصرف وحده في الكون فهو الذي جعل الليل مظلما ليسكنوا فيه وجعل النهار منيرا ليسعوا فيه. وفي هذه آيات ربانية لمن يريد أن يسمع ويرى ويتدبر الأمر دونما عناد ومكابرة.
والآيات كما هو المتبادر من روحها وعطفها على ما سبقها مفصلة بالسياق، وفيها استمرار لحكاية مواقف الكفار، وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم وتقرير واقع الأمر من شرك المشركين.
ولقد كان المشركون يعترفون بكون الله تعالى هو وحده خالق الكون ومدبره ومبدع نواميسه المتصرف فيه، فجاءت الآية الثالثة تذكر مظهرا من مظاهر ذلك مذكرة منددة، ولقد جرى النظم القرآني على ذكر بعض المظاهر الكونية دون بعض على سبيل الاستشهاد والتذكير ولا تعني حصرا، وما احتوته الآية الثالثة من هذا الباب.

إن عندكم من سلطان بهذا : ليس عندكم برهان ولا حجة على هذا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ ولَدًا سُبْحَانَهُ هُو الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوات ومَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا ( ١ ) أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ٦٨ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ٦٩ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ٧٠ ﴾ [ ٦٨ ـ ٧٠ ].
تحكي الآيات عقيدة المشركين باتخاذ الله ولدا وتنزهه عن ذلك وتقرر أنه غني عنه لأن له ما في السماوات والأرض وليس في حاجة إلى ولد يساعده أو ولي ينصره أو شريك يسنده، وتؤكد بأن ما يقولونه غير مستند إلى علم وبرهان، وإنما هو كذب وافتراء على الله، وتنذرهم بأن مرجعهم إلى الله بعد متاع الحياة الدنيا القصير فيذيقهم جزاء افترائهم وكذبهم عذابه الشديد.
والآيات كذلك متصلة بالسياق كما هو المتبادر. وفيها تزييف لعقيدة اتخاذ الله ولدا بأسلوب قوي المنطق والإلزام.
والمتبادر أن ما حكته عن هذه العقيدة يعني عقيدة المشركين بأن الملائكة بنات الله وكلمة الولد تطلق على الذكر والأنثى والمفرد والجمع.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ ولَدًا سُبْحَانَهُ هُو الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوات ومَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا ( ١ ) أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ٦٨ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ٦٩ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ٧٠ ﴾ [ ٦٨ ـ ٧٠ ].
تحكي الآيات عقيدة المشركين باتخاذ الله ولدا وتنزهه عن ذلك وتقرر أنه غني عنه لأن له ما في السماوات والأرض وليس في حاجة إلى ولد يساعده أو ولي ينصره أو شريك يسنده، وتؤكد بأن ما يقولونه غير مستند إلى علم وبرهان، وإنما هو كذب وافتراء على الله، وتنذرهم بأن مرجعهم إلى الله بعد متاع الحياة الدنيا القصير فيذيقهم جزاء افترائهم وكذبهم عذابه الشديد.
والآيات كذلك متصلة بالسياق كما هو المتبادر. وفيها تزييف لعقيدة اتخاذ الله ولدا بأسلوب قوي المنطق والإلزام.
والمتبادر أن ما حكته عن هذه العقيدة يعني عقيدة المشركين بأن الملائكة بنات الله وكلمة الولد تطلق على الذكر والأنثى والمفرد والجمع.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ ولَدًا سُبْحَانَهُ هُو الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوات ومَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا ( ١ ) أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ٦٨ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ٦٩ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ٧٠ ﴾ [ ٦٨ ـ ٧٠ ].
تحكي الآيات عقيدة المشركين باتخاذ الله ولدا وتنزهه عن ذلك وتقرر أنه غني عنه لأن له ما في السماوات والأرض وليس في حاجة إلى ولد يساعده أو ولي ينصره أو شريك يسنده، وتؤكد بأن ما يقولونه غير مستند إلى علم وبرهان، وإنما هو كذب وافتراء على الله، وتنذرهم بأن مرجعهم إلى الله بعد متاع الحياة الدنيا القصير فيذيقهم جزاء افترائهم وكذبهم عذابه الشديد.
والآيات كذلك متصلة بالسياق كما هو المتبادر. وفيها تزييف لعقيدة اتخاذ الله ولدا بأسلوب قوي المنطق والإلزام.
والمتبادر أن ما حكته عن هذه العقيدة يعني عقيدة المشركين بأن الملائكة بنات الله وكلمة الولد تطلق على الذكر والأنثى والمفرد والجمع.

أَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وشُرَكَاءكُمْ : تفاوضوا واتفقوا مع شركائكم على الموقف وأجمعوا كلمتكم فيه.
غمة : مستورا أو مبهما أو مغطى.
اقضوا إليّ : أبلغوني بما تقررون أو اقضوا عليّ.
ولا تنظروني : ولا تمهلوني.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وشُرَكَاءكُمْ ( ١ ) ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ( ٢ ) ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ ( ٣ ) ولاَ تُنظِرُونِ ( ٤ ) ٧١ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلاّ عَلَى اللّهِ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٧٢ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ ومَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ ( ٥ ) وأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ َيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ ٧٣ ﴾ [ ٧١ ـ ٧٣ ].
تعليق على قصة
نـوح عليه السـلام
هذه الآيات حلقة من سلسلة قصصية جاءت على العادة القرآنية التي جرت عقب أكثر مواقف الجدل والحجاج والتعجيز والتحدي التي كانت تقوم بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار لتضرب لهم المثل وتذكرهم بمواقف ومصائر من سبقهم من أمثالهم فهي والحالة هذه متصلة بالسياق السابق اتصال تعقيب وتذكير.
والحلقة تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يذكرهم بنبأ نوح وما كان من نجاته مع من آمن معه وهلاك الكافرين، والآيات واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر، وفيها بشرى وتثبيت وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وإنذار للكفار.
والبداية بدئت بها السلسلة تؤكد ما قلناه مرارا من هدف القصص القرآنية وحكمة تكرارها، فالقصص للعبرة والتذكير والتمثيل والتكرار لتجدد المواقف وتكررها.
وقصة نوح عليه السلام مقتضبة هنا، ولقد جاءت هذه القصة مفصلة في سور كما جاءت مقتضبة في سور أخرى حسب مقتضى حكمة التنزيل، ولقد سبق شرح لقصة نوح في سور سبق تفسيرها فلم يعد ضرورة لشرح جديد.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وشُرَكَاءكُمْ ( ١ ) ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ( ٢ ) ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ ( ٣ ) ولاَ تُنظِرُونِ ( ٤ ) ٧١ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلاّ عَلَى اللّهِ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٧٢ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ ومَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ ( ٥ ) وأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ َيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ ٧٣ ﴾ [ ٧١ ـ ٧٣ ].
تعليق على قصة
نـوح عليه السـلام
هذه الآيات حلقة من سلسلة قصصية جاءت على العادة القرآنية التي جرت عقب أكثر مواقف الجدل والحجاج والتعجيز والتحدي التي كانت تقوم بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار لتضرب لهم المثل وتذكرهم بمواقف ومصائر من سبقهم من أمثالهم فهي والحالة هذه متصلة بالسياق السابق اتصال تعقيب وتذكير.
والحلقة تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يذكرهم بنبأ نوح وما كان من نجاته مع من آمن معه وهلاك الكافرين، والآيات واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر، وفيها بشرى وتثبيت وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وإنذار للكفار.
والبداية بدئت بها السلسلة تؤكد ما قلناه مرارا من هدف القصص القرآنية وحكمة تكرارها، فالقصص للعبرة والتذكير والتمثيل والتكرار لتجدد المواقف وتكررها.
وقصة نوح عليه السلام مقتضبة هنا، ولقد جاءت هذه القصة مفصلة في سور كما جاءت مقتضبة في سور أخرى حسب مقتضى حكمة التنزيل، ولقد سبق شرح لقصة نوح في سور سبق تفسيرها فلم يعد ضرورة لشرح جديد.

خلائف : خلفاء في الأرض بعد الهالكين منهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وشُرَكَاءكُمْ ( ١ ) ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ( ٢ ) ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ ( ٣ ) ولاَ تُنظِرُونِ ( ٤ ) ٧١ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلاّ عَلَى اللّهِ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٧٢ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ ومَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ ( ٥ ) وأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ َيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ ٧٣ ﴾ [ ٧١ ـ ٧٣ ].
تعليق على قصة
نـوح عليه السـلام
هذه الآيات حلقة من سلسلة قصصية جاءت على العادة القرآنية التي جرت عقب أكثر مواقف الجدل والحجاج والتعجيز والتحدي التي كانت تقوم بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار لتضرب لهم المثل وتذكرهم بمواقف ومصائر من سبقهم من أمثالهم فهي والحالة هذه متصلة بالسياق السابق اتصال تعقيب وتذكير.
والحلقة تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يذكرهم بنبأ نوح وما كان من نجاته مع من آمن معه وهلاك الكافرين، والآيات واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر، وفيها بشرى وتثبيت وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وإنذار للكفار.
والبداية بدئت بها السلسلة تؤكد ما قلناه مرارا من هدف القصص القرآنية وحكمة تكرارها، فالقصص للعبرة والتذكير والتمثيل والتكرار لتجدد المواقف وتكررها.
وقصة نوح عليه السلام مقتضبة هنا، ولقد جاءت هذه القصة مفصلة في سور كما جاءت مقتضبة في سور أخرى حسب مقتضى حكمة التنزيل، ولقد سبق شرح لقصة نوح في سور سبق تفسيرها فلم يعد ضرورة لشرح جديد.

﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ ( ١ ) عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ ٧٤ ﴾ [ ٧٤ ].
( ١ ) نطبع : بمعنى نختم ونغلق، والطبع والختم على القلوب تعبير مجازي يراد به معنى إغلاقها عن فهم ما يخاطب به أصحابها.
في الآية إشارة مقتضبة إلى ما كان من إرسال الله الرسل إلى أقوامهم من بعد نوح عليه السلام، وإلى ما كان من تكذيبهم للرسل كما كذب الذين من قبلهم وعدم إيمانهم.
وخاتمة الآية تقرر أن المعتدين هم الذين كذبوا أولا وآخرا أي أن انحرافهم وفسادهم هما اللذان ساقاهم إلى الكفر والتكذيب ؛ ولذلك طبع الله على قلوبهم. والعبارة من باب عبارة آية سابقة في هذه السورة وهي :﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ٣٣ ﴾ وما قلناه في سياقها يقال هنا بطبيعة الحال فلا حاجة إلى التكرار.
وقد هدفت الآية إلى تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم بذكرها مواقف ذوي النيات السيئة الناشرين من الأمم السابقة من رسلهم ليعرف من ذلك أن مواقف ذوي النيات السيئة من قومه ليست بدعا.
﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

أن يفتنهم : أن يعذبهم ويردهم عن الإيمان قهرا.
من المسرفين : المتجاوزين الحدّ في العتوّ والبغي.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

تبوّءا : هيأا واختارا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

عدوا : عدوانا واعتداء.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

بوّأنا : مكّنا وخوّلنا وهيأنا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:﴿ ثم َّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ٧٥ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ٧٧ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا و تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ومَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ٧٨ وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ٧٩ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ٨٠ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ٨١ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ( ١ ) وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ( ٢ ) ٨٣ وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ونَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٨٦ وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وأَخِيهِ أَن تَبَوءَا ( ٣ ) لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ٨٧ وقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ ومَلأهُ زِينَةً وَأَمْوالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ولاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ٨٩ وجَاوزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا ( ٤ ) حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ و أَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩٠ آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ٩١ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ٩٢ وَلَقَدْ بَوأْنَا ( ٥ ) بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوأَ صِدْقٍ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٩٣ ﴾ [ ٧٥ ٩٣ ].
تعليق على آيات قصة موسى
وفرعون وبني إسرائيل
والآيات هي الحلقة الثالثة من سلسلة القصص، وفيها قصة رسالة موسى وهرون عليهما السلام إلى فرعون وقومه ونتائجها. ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد ورد ت هذه القصة سور سابقة مسهبة ومقتضبة، وهي هنا بين بين، حسب ما اقتضته حكمة التنزيل.
ومن الجديد فيها ذكر إيمان ذرية من قوم موسى به. وقد تعدد تأويل ذلك حيث أوله بعضهم بأنهم بنو إسرائيل في زمن موسى على اعتبارهم ذرية من قومه، وحيث أوله بعضهم بأنهم من نسل بني إسرائيل من القبطيات أو من نسل الأقباط من الإسرائيليات. ورجح الطبري الأول وهو الأوجه، وقد ذكر إيمان بني إسرائيل برسالة موسى ضمنا في السور التي سبق تفسيرها وذكر في سفري الخروج والعدد اللذين ذكر فيهما رسالة موسى عليه السلام مفصلة.
ومن الجديد أمر الله لموسى وهرون بأن يبنوا لقومهما بيوتا يجعلونها قبلة، وقد تعدد تأويل ذلك كذلك حيث أولها بعضهم بجعلها في اتجاه الكعبة وبعضهم بجعلها مساجد لأنهم كانوا يخافون أن يصلوا لله وحده في معابدهم السابقة. وكلا التأويلين وارد من ناحية الدلالة اللفظية ولم ترد إشارة إلى ذلك في الأسفار المتداولة اليوم، ونعتقد أنه لا بد من أن يكون شيء ما يفيد ما قصدته الجملة القرآنية واردا في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
ومن الجديد حكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاء بني إسرائيل لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين. ثم دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه بطمس أموالهم والتشديد على قلوبهم لأنهم لن يؤمنوا ما لم يروا عذاب الله الأليم. ولم يرد ذلك في الأسفار المتداولة. ونعتقد كذلك أنه لا بد من أن يكون واردا في أسفار أخرى. ولقد روى الطبري وغير واحد عن قتادة أن حروثهم صارت حجارة وعن مجاهد أن الله قد حول ما يملكون من أموال وحروث إلى حجارة وأن هذا هو معنى الطمس. ونعتقد أن هذا مما كان يخبر به اليهود استنادا إلى أسفار وقراطيس كانوا يتداولونها.
ولقد أوّل المؤولون جملة ﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥ ﴾ بمعنى لا تنصرهم علينا حتى لا يظنوا أنهم على حق ونحن على باطل، وهو تأويل وجيه.
ومن الجديد ما حكي عن فرعون عند غرقه من إعلان الإيمان بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وخطاب الله التنديدي له وإيذانه بأنه سينجي بدنه ليكون آية لمن بعده. ولم يرد هذا في الأسفار المتداولة ونعتقد أنه واردا في أسفار وقراطيس يهودية أخرى، وكان مما يتداوله اليهود وبقية ما جاء في الآيات جاء ما يتساوق معه في سور سبق تفسيرها وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
ومن واضع العبرة في الآيات بالإضافة إلى مقام ورودها في حلقة قصصية بعد ذكر مواقف كفار العرب للتمثيل لهم وتذكيرهم وإنذارهم والتنديد بهم وتثبت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتطمينهم بصورة عامة حكاية إعلان موسى للسحرة بأن ما جاؤوا به من السحر سيبطله الله ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين. حيث ينطوي في هذا شجب السحر والشعوذة والفساد مما فيه تلقين مستمر المدى. ومثل هذا أيضا في جملة ﴿ ويُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨٢ ﴾. وحكاية حث موسى قومه على التوكل على الله إن كانوا آمنوا حقا ودعاؤهم لله بتنجيتهم من الكافرين وعدم جعلهم فتنة للظالمين حيث ينطوي في هذا تثبت وتطمين وتعليم للنبي والمؤمنين تجاه مواقف المشركين. وحكاية عدم قبول الله إيمان فرعون عند غرقه حيث ينطوي في هذا تمثيل إنذاري للكفار بالحقيقة التي عرفها فرعون القوي بالنسبة إليهم وبعدم نفعه معرفته لها ؛ لأنها جاءت بعد فوات الوقت. وحكاية دعاء موسى وهرون على فرعون وملأه واستجابة الله لدعائهما حيث ينطوي في هذا إنذار للكفار أيضا. وحكاية إيذان الله عز وجل بأنه بوّأ بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وقومه مكانة عزيزة ورزقهم من الطيبات قبل أن يختلفوا وينحرفوا حيث ينطوي في هذا تبشير وتحذير للمسلمين.
ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾.
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله ؛ لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من نقاش وحجاج، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني، فأُريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى حد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.

مِنَ الْمُمْتَرِينَ : من الشاكين المجادلين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ( ١ ) ٩٤ ولاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٩٥ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٩٦ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٩٧ ﴾ [ ٩٤ ـ ٩٧ ].
تعليق على الآية
﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ﴾
والآيات الثلاث التالية لها
في الآيات خطاب رباني موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إذا كان في شك من صحة ما أنزل عليه فعليه أن يسأل الذين يقرؤون الكتب السماوية المنزّلة قبله ليتأكد من ذلك، وتوكيد بأن ما جاءه هو الحق من ربه، ونهي عن الشك والمراء فيه، وعن الوقوف منه موقف المكذبين بآيات الله الشاكين في صدقها فيكون من الخاسرين. وتقرير رباني بأن الذين حقّ عليهم قضاء الله لا يصدقون ولا يؤمنون مهما سمعوا من الآيات ورأوا من الدلائل حتى يروا العذاب الأليم وحينئذ لا يكون تصديقهم مجديا.
ولا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات، والمصحف الذي اعتمدنا عليه يروي أن الآيات الثلاث الأولى مدنيات ولم نطلع على تأييد لهذه الرواية. والملحوظ أنها تضمنت معنى التعقيب على الآيات السابقة وأنها منسجمة مع السياق الذي قبلها والذي بعدها وأن الآية الرابعة بخاصة متصلة بها بل متممة لها. وكل هذا يسوغ الشك في صحة الرواية وتقرير كون الآيات الثلاث متصلة بالسياق واستمرار له.
وصيغة الآية الأولى تتضمن تقريرا إيجابيا بأن المطلعين على الكتب السماوية السابقة سيشهدون حتما بصحة ما أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم، وتلهم الوثوق واليقين التامين للسامع أيضا. أما الآيتان الأخيرتان فإنهما ليستا في صدد تصوير شدة عناد الكفار وجحودهم، وقد تكررت هذه المعاني بمثل هذا الأسلوب وعلقنا عليها في مناسبات مماثلة بما فيه الكفاية.
وعلى كل حال فإن الأولى أن تفسر على ضوء الآية [ ٣٣ ] من هذه السورة التي جاء فيها ﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ٣٣ ﴾ والتي شرحناها شرحا شافيا يغني عن التكرار وأمثالها التي فيها تقييد لما جاء مطلقا في الآيات.
ولقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون عن ابن عباس وغيره من أهل التأويل في مدى الجملة الأولى من الآية الأولى. فمن ذلك أنها في صدد نبوة النبي وصفاته. ومن ذلك أنها في صدد ما أوحي إلى النبي من القرآن. ونحن نرجح القول الثاني لاتصاله بسياق الآيات.
وتعددت الأقوال كذلك التي يرويها المفسرون في المخاطب في الآيتين الأولى والثانية حيث روي أنه النبي صلى الله عليه وسلم كما روي أنه السامع مطلقا، أو أنه المسلم بخاصة. وقد خرج أصحاب القول الأول ذلك على اعتبار أنه على سبيل التثبيت والتطمين وبثّ اليقين، ونفوا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم شك أو سأل، بل ورووا عن قتادة أنه قال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا أشك ولا أسأل ". ومع أن القول الثاني وارد ووجيه فإننا نرجح القول الأول بقرينة العبارة ﴿ مما أنزلنا إليك ﴾ التي يبدو منها بكل قوة أنها موجهة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مع قولنا إن هذا الأسلوب من أساليب القرآن المألوفة ومنه آيات سورة القصص [ ٨٦ ـ٨٨ ] التي مر تفسيرها. ومع تصويبنا بكل قوة تخريج القائلين بالقول الأول ونفيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أي شك وسؤال. ومع قولنا : إن من واجب المسلم الإيماني استبعاد احتمال انبثاق أي شك ومراء وتكذيب في نفس النبي صلى الله عليه وسلم فيما أنزل إليه لأن ذلك مناقض للعصمة النبوية الواجب الإيمان بها. وللإيمان العميق النبوي بصدق نبوته، وبما كان يوحى إليه والذي امتلأ به قلبه. وللإسلام التام الذي أسلم به نفسه لربّه وللاستغراق الشديد الذي استغرقه في مهمته العظمى وللكمال النفسي والخلقي الذي تحلى به وجعله أهلا لاصطفاء الله له للرسالة العظمى مما قررته آيات كثيرة بأساليب متنوعة مرت أمثلة منها وعلقنا عليها في سور سبق تفسيرها.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ( ١ ) ٩٤ ولاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٩٥ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٩٦ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٩٧ ﴾ [ ٩٤ ـ ٩٧ ].
تعليق على الآية
﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ﴾
والآيات الثلاث التالية لها
في الآيات خطاب رباني موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إذا كان في شك من صحة ما أنزل عليه فعليه أن يسأل الذين يقرؤون الكتب السماوية المنزّلة قبله ليتأكد من ذلك، وتوكيد بأن ما جاءه هو الحق من ربه، ونهي عن الشك والمراء فيه، وعن الوقوف منه موقف المكذبين بآيات الله الشاكين في صدقها فيكون من الخاسرين. وتقرير رباني بأن الذين حقّ عليهم قضاء الله لا يصدقون ولا يؤمنون مهما سمعوا من الآيات ورأوا من الدلائل حتى يروا العذاب الأليم وحينئذ لا يكون تصديقهم مجديا.
ولا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات، والمصحف الذي اعتمدنا عليه يروي أن الآيات الثلاث الأولى مدنيات ولم نطلع على تأييد لهذه الرواية. والملحوظ أنها تضمنت معنى التعقيب على الآيات السابقة وأنها منسجمة مع السياق الذي قبلها والذي بعدها وأن الآية الرابعة بخاصة متصلة بها بل متممة لها. وكل هذا يسوغ الشك في صحة الرواية وتقرير كون الآيات الثلاث متصلة بالسياق واستمرار له.
وصيغة الآية الأولى تتضمن تقريرا إيجابيا بأن المطلعين على الكتب السماوية السابقة سيشهدون حتما بصحة ما أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم، وتلهم الوثوق واليقين التامين للسامع أيضا. أما الآيتان الأخيرتان فإنهما ليستا في صدد تصوير شدة عناد الكفار وجحودهم، وقد تكررت هذه المعاني بمثل هذا الأسلوب وعلقنا عليها في مناسبات مماثلة بما فيه الكفاية.
وعلى كل حال فإن الأولى أن تفسر على ضوء الآية [ ٣٣ ] من هذه السورة التي جاء فيها ﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ٣٣ ﴾ والتي شرحناها شرحا شافيا يغني عن التكرار وأمثالها التي فيها تقييد لما جاء مطلقا في الآيات.
ولقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون عن ابن عباس وغيره من أهل التأويل في مدى الجملة الأولى من الآية الأولى. فمن ذلك أنها في صدد نبوة النبي وصفاته. ومن ذلك أنها في صدد ما أوحي إلى النبي من القرآن. ونحن نرجح القول الثاني لاتصاله بسياق الآيات.
وتعددت الأقوال كذلك التي يرويها المفسرون في المخاطب في الآيتين الأولى والثانية حيث روي أنه النبي صلى الله عليه وسلم كما روي أنه السامع مطلقا، أو أنه المسلم بخاصة. وقد خرج أصحاب القول الأول ذلك على اعتبار أنه على سبيل التثبيت والتطمين وبثّ اليقين، ونفوا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم شك أو سأل، بل ورووا عن قتادة أنه قال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا أشك ولا أسأل ". ومع أن القول الثاني وارد ووجيه فإننا نرجح القول الأول بقرينة العبارة ﴿ مما أنزلنا إليك ﴾ التي يبدو منها بكل قوة أنها موجهة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مع قولنا إن هذا الأسلوب من أساليب القرآن المألوفة ومنه آيات سورة القصص [ ٨٦ ـ٨٨ ] التي مر تفسيرها. ومع تصويبنا بكل قوة تخريج القائلين بالقول الأول ونفيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أي شك وسؤال. ومع قولنا : إن من واجب المسلم الإيماني استبعاد احتمال انبثاق أي شك ومراء وتكذيب في نفس النبي صلى الله عليه وسلم فيما أنزل إليه لأن ذلك مناقض للعصمة النبوية الواجب الإيمان بها. وللإيمان العميق النبوي بصدق نبوته، وبما كان يوحى إليه والذي امتلأ به قلبه. وللإسلام التام الذي أسلم به نفسه لربّه وللاستغراق الشديد الذي استغرقه في مهمته العظمى وللكمال النفسي والخلقي الذي تحلى به وجعله أهلا لاصطفاء الله له للرسالة العظمى مما قررته آيات كثيرة بأساليب متنوعة مرت أمثلة منها وعلقنا عليها في سور سبق تفسيرها.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ( ١ ) ٩٤ ولاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٩٥ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٩٦ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٩٧ ﴾ [ ٩٤ ـ ٩٧ ].
تعليق على الآية
﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ﴾
والآيات الثلاث التالية لها
في الآيات خطاب رباني موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إذا كان في شك من صحة ما أنزل عليه فعليه أن يسأل الذين يقرؤون الكتب السماوية المنزّلة قبله ليتأكد من ذلك، وتوكيد بأن ما جاءه هو الحق من ربه، ونهي عن الشك والمراء فيه، وعن الوقوف منه موقف المكذبين بآيات الله الشاكين في صدقها فيكون من الخاسرين. وتقرير رباني بأن الذين حقّ عليهم قضاء الله لا يصدقون ولا يؤمنون مهما سمعوا من الآيات ورأوا من الدلائل حتى يروا العذاب الأليم وحينئذ لا يكون تصديقهم مجديا.
ولا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات، والمصحف الذي اعتمدنا عليه يروي أن الآيات الثلاث الأولى مدنيات ولم نطلع على تأييد لهذه الرواية. والملحوظ أنها تضمنت معنى التعقيب على الآيات السابقة وأنها منسجمة مع السياق الذي قبلها والذي بعدها وأن الآية الرابعة بخاصة متصلة بها بل متممة لها. وكل هذا يسوغ الشك في صحة الرواية وتقرير كون الآيات الثلاث متصلة بالسياق واستمرار له.
وصيغة الآية الأولى تتضمن تقريرا إيجابيا بأن المطلعين على الكتب السماوية السابقة سيشهدون حتما بصحة ما أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم، وتلهم الوثوق واليقين التامين للسامع أيضا. أما الآيتان الأخيرتان فإنهما ليستا في صدد تصوير شدة عناد الكفار وجحودهم، وقد تكررت هذه المعاني بمثل هذا الأسلوب وعلقنا عليها في مناسبات مماثلة بما فيه الكفاية.
وعلى كل حال فإن الأولى أن تفسر على ضوء الآية [ ٣٣ ] من هذه السورة التي جاء فيها ﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ٣٣ ﴾ والتي شرحناها شرحا شافيا يغني عن التكرار وأمثالها التي فيها تقييد لما جاء مطلقا في الآيات.
ولقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون عن ابن عباس وغيره من أهل التأويل في مدى الجملة الأولى من الآية الأولى. فمن ذلك أنها في صدد نبوة النبي وصفاته. ومن ذلك أنها في صدد ما أوحي إلى النبي من القرآن. ونحن نرجح القول الثاني لاتصاله بسياق الآيات.
وتعددت الأقوال كذلك التي يرويها المفسرون في المخاطب في الآيتين الأولى والثانية حيث روي أنه النبي صلى الله عليه وسلم كما روي أنه السامع مطلقا، أو أنه المسلم بخاصة. وقد خرج أصحاب القول الأول ذلك على اعتبار أنه على سبيل التثبيت والتطمين وبثّ اليقين، ونفوا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم شك أو سأل، بل ورووا عن قتادة أنه قال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا أشك ولا أسأل ". ومع أن القول الثاني وارد ووجيه فإننا نرجح القول الأول بقرينة العبارة ﴿ مما أنزلنا إليك ﴾ التي يبدو منها بكل قوة أنها موجهة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مع قولنا إن هذا الأسلوب من أساليب القرآن المألوفة ومنه آيات سورة القصص [ ٨٦ ـ٨٨ ] التي مر تفسيرها. ومع تصويبنا بكل قوة تخريج القائلين بالقول الأول ونفيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أي شك وسؤال. ومع قولنا : إن من واجب المسلم الإيماني استبعاد احتمال انبثاق أي شك ومراء وتكذيب في نفس النبي صلى الله عليه وسلم فيما أنزل إليه لأن ذلك مناقض للعصمة النبوية الواجب الإيمان بها. وللإيمان العميق النبوي بصدق نبوته، وبما كان يوحى إليه والذي امتلأ به قلبه. وللإسلام التام الذي أسلم به نفسه لربّه وللاستغراق الشديد الذي استغرقه في مهمته العظمى وللكمال النفسي والخلقي الذي تحلى به وجعله أهلا لاصطفاء الله له للرسالة العظمى مما قررته آيات كثيرة بأساليب متنوعة مرت أمثلة منها وعلقنا عليها في سور سبق تفسيرها.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ( ١ ) ٩٤ ولاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٩٥ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٩٦ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ٩٧ ﴾ [ ٩٤ ـ ٩٧ ].
تعليق على الآية
﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ﴾
والآيات الثلاث التالية لها
في الآيات خطاب رباني موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إذا كان في شك من صحة ما أنزل عليه فعليه أن يسأل الذين يقرؤون الكتب السماوية المنزّلة قبله ليتأكد من ذلك، وتوكيد بأن ما جاءه هو الحق من ربه، ونهي عن الشك والمراء فيه، وعن الوقوف منه موقف المكذبين بآيات الله الشاكين في صدقها فيكون من الخاسرين. وتقرير رباني بأن الذين حقّ عليهم قضاء الله لا يصدقون ولا يؤمنون مهما سمعوا من الآيات ورأوا من الدلائل حتى يروا العذاب الأليم وحينئذ لا يكون تصديقهم مجديا.
ولا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآيات، والمصحف الذي اعتمدنا عليه يروي أن الآيات الثلاث الأولى مدنيات ولم نطلع على تأييد لهذه الرواية. والملحوظ أنها تضمنت معنى التعقيب على الآيات السابقة وأنها منسجمة مع السياق الذي قبلها والذي بعدها وأن الآية الرابعة بخاصة متصلة بها بل متممة لها. وكل هذا يسوغ الشك في صحة الرواية وتقرير كون الآيات الثلاث متصلة بالسياق واستمرار له.
وصيغة الآية الأولى تتضمن تقريرا إيجابيا بأن المطلعين على الكتب السماوية السابقة سيشهدون حتما بصحة ما أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم، وتلهم الوثوق واليقين التامين للسامع أيضا. أما الآيتان الأخيرتان فإنهما ليستا في صدد تصوير شدة عناد الكفار وجحودهم، وقد تكررت هذه المعاني بمثل هذا الأسلوب وعلقنا عليها في مناسبات مماثلة بما فيه الكفاية.
وعلى كل حال فإن الأولى أن تفسر على ضوء الآية [ ٣٣ ] من هذه السورة التي جاء فيها ﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ٣٣ ﴾ والتي شرحناها شرحا شافيا يغني عن التكرار وأمثالها التي فيها تقييد لما جاء مطلقا في الآيات.
ولقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون عن ابن عباس وغيره من أهل التأويل في مدى الجملة الأولى من الآية الأولى. فمن ذلك أنها في صدد نبوة النبي وصفاته. ومن ذلك أنها في صدد ما أوحي إلى النبي من القرآن. ونحن نرجح القول الثاني لاتصاله بسياق الآيات.
وتعددت الأقوال كذلك التي يرويها المفسرون في المخاطب في الآيتين الأولى والثانية حيث روي أنه النبي صلى الله عليه وسلم كما روي أنه السامع مطلقا، أو أنه المسلم بخاصة. وقد خرج أصحاب القول الأول ذلك على اعتبار أنه على سبيل التثبيت والتطمين وبثّ اليقين، ونفوا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم شك أو سأل، بل ورووا عن قتادة أنه قال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا أشك ولا أسأل ". ومع أن القول الثاني وارد ووجيه فإننا نرجح القول الأول بقرينة العبارة ﴿ مما أنزلنا إليك ﴾ التي يبدو منها بكل قوة أنها موجهة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مع قولنا إن هذا الأسلوب من أساليب القرآن المألوفة ومنه آيات سورة القصص [ ٨٦ ـ٨٨ ] التي مر تفسيرها. ومع تصويبنا بكل قوة تخريج القائلين بالقول الأول ونفيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أي شك وسؤال. ومع قولنا : إن من واجب المسلم الإيماني استبعاد احتمال انبثاق أي شك ومراء وتكذيب في نفس النبي صلى الله عليه وسلم فيما أنزل إليه لأن ذلك مناقض للعصمة النبوية الواجب الإيمان بها. وللإيمان العميق النبوي بصدق نبوته، وبما كان يوحى إليه والذي امتلأ به قلبه. وللإسلام التام الذي أسلم به نفسه لربّه وللاستغراق الشديد الذي استغرقه في مهمته العظمى وللكمال النفسي والخلقي الذي تحلى به وجعله أهلا لاصطفاء الله له للرسالة العظمى مما قررته آيات كثيرة بأساليب متنوعة مرت أمثلة منها وعلقنا عليها في سور سبق تفسيرها.

﴿ فَلَوْلاَ ( ١ ) كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إلاّ ( ٢ ) قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ومَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ٩٨ ﴾ [ ٩٨ ].
( ١ ) فلولا : هنا بمعنى هلا للحض وقيل للتنديد١.
( ٢ ) إلاّ : هنا بمعنى لكنّ ٢.
في الآية تنديد بالقرى أو الأمم السابقة التي أهلكها الله لعدم إيمانها، فلو آمنت لكان إيمانها نفعها ونجاها من عذاب الله. وتذكير بقوم يونس الذين آمنوا فكشف الله عنهم العذاب الذي كاد يحيق بهم ويخزيهم، ومتعهم متاعا حسنا إلى أجلهم المعين في علم الله.
وقد جاءت الآية على ما هو المتبادر معقبة على ما سبقها تعقيب تنديد وحض معا وتضمنت إنذار للسامعين بما كان من أمر القرى السابقة، وحثا لهم على أن يتلافوا أمرهم قبل فوات الوقت كما فعل قوم يونس فينجوا من عذاب الله وهلاكه.
وروح الآية تلهم أن شأن قوم يونس لم يكن مجهولا من السامعين وهو ما نبهنا عليه وشرحناه في تفسير سورة القلم، وبذلك تستحكم العبرة في التمثيل والتذكير.
ولقد أورد المفسرون في سياق هذه الآية قصة يونس مسهبة مروية عن أهل الأخبار والتابعين. وما أوردوه متطابق في جملته مع ما ورد في سفر يونان من الأسفار المتداولة اليوم الذي ورد فيه قصة يونس مما فيه دلالة أخرى، على أن هذه القصة كانت متداولة ومعروفة في زمن النبي صلى عليه وسلم بتفصيلها الوارد في السفر المذكور.
ولقد شرحنا شيئا من هذه القصة في سياق سورة القلم التي وردت في إشارة إلى يونس عليه السلام بعبارة صاحب الحوت ومما رأينا فيه الكفاية. ولم نر أن نجاري المفسرين فنسرد هذه القصة بإسهاب ؛ لأن القرآن إنما أورد منها ما فيه تحقيق الغاية من القصص القرآني وهو العبرة والتذكير.
١ انظر تفسير الآية في تفسير الطبرسي والبغوي والزمخشري..
٢ انظر تفسير الآية في تفسير الطبرسي والبغوي والزمخشري..
﴿ لَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ٩٩ ومَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إلاّ بِإِذْنِ اللّهِ ويَجْعَلُ الرِّجْسَ ( ١ ) عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ١٠٠ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ ومَا تُغْنِي الآيَاتُ والنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ١٠١ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إلاّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ١٠٢ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا ( ٢ ) عَلَيْنَا نُنجِ ( ٣ ) الْمُؤْمِنِينَ ١٠٣ ﴾ [ ٩٩ ١٠٣ ].
في الآيات تقرير رباني بأن الله تعالى لو شاء لآمن من في الأرض جميعا، وسؤال للنبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كان هو مع ذلك يريد أن يرغم الناس جميعا على الإيمان، وتقرير رباني آخر بأنه ليس لأحد أن يؤمن إلاّ بإذن الله وتوفيقه، وأن الذين لا يعقلون ولا يتدبرون في دعوة الله وآياته يتعرضون لخزي الله وخذلانه وغضبه وعذابه، وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بلفت نظر الناس إلى ما في السماوات والأرض من آيات الله، وتقرير بأن الذين لا يؤمنون لا يمكن أن ينتفعوا بآيات الله ونذره ولن يجدي ذلك فيهم، وتساؤل عما إذا كان كل ما ينتظره الجاحدون هو عذاب الله الذي حلّ في أمثالهم من قبل، وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم باستمهالهم وإعلانهم بأنه منتظر معهم أمر الله، وإشارة إلى أن الله تعالى سينجي رسله والذين آمنوا معهم حينما يحين وقوع العذاب على الكفار ويتحقق وعيده لهم، وأن ذلك حق لهم عليه.
تعليق على الآية
﴿ ولَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ﴾
والآيات الأربع التالية لها
ولم يرو المفسرون رواية ما في صدد نزول الآيات، والمتبادر أنها هي الأخرى جاءت معقبة على الفصول السابقة التي حكت أقوال الكفار ومواقفهم وحجاجهم ثم على الفصول القصصية التذكيرية والتمثيلية التي أعقبتها بقصد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم، وإدخال الطمأنينة على قلبه وتخفيف حزنه من عدم إيمان أكثر الناس الذي كان شديد الحرص عليه من جهة، والتنديد بالكفار وعقولهم وغفلتهم عما في السماوات والأرض من آيات الله الباهرة الدالة على وحدانيته واستحقاقه وحده للعبادة والخضوع ووصف شدة عنادهم وتصميمهم على عدم الإيمان من جهة، وتبشير النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالنجاة من جهة.
وعلى ضوء هذا الشرح المستلهم بقوة من فحوى الآيات وروحها لا يبقى محل للتوهم بما قد يفيده ظاهر نص الآية الأولى والآية الثالثة من كون عدم إيمان الذين لم يؤمنوا هو بسبب عدم مشيئة الله. فالله لم يشأ أن يقرهم على الإيمان وهو قادر بل تركهم لتمييزهم واختيارهم ليستحقوا الثواب والعقاب عدلا.
ومثل هذه التقريرات والتنبيهات والتطمينات والإنذارات تكرر كثيرا لنفس المقاصد مما مرت أمثلة منه في السور التي سبق تفسيرها.
والآيات الأولى والثانية تضمنتا بالإضافة إلى ما ذكرناه طبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم وهي دعوة الناس وإرشادهم وتبشيرهم وإنذارهم ثم تركهم إلى عقولهم وضمائرهم من دون إلحاح ولا تشديد. وتقرير كونه ليس عليه من ذلك مسؤولية ولا تثريب. فالناس فريقان إزاء الدعوة فذوو العقول السليمة والنيات الحسنة هم الذين يدركون ما فيها من حق وخير فيستجيبون إليها. وذوو العقول السقيمة والنيات السيئة يقفون منها موقف المعاند المكابر. وهذا التفاوت والتباين مظهر من مظاهر حكمة الله وخلقه. والله قادر على جعل الناس جميعهم مؤمنين ولكن حكمته شاءت تركهم إلى عقولهم وضمائرهم. وقد تكرر تقرير هذا بأساليب متنوعة مرت أمثلة منها في سور سبق تفسيرها أيضا.
ولقد آمن بعد هذه الآيات كثيرون من الذين وصفوا بما وصفوا فيها حيث يصح أن يقال : إن الآيات من ناحية ما قد احتوت تسجيلا لواقع الأمر عند نزولها بالإضافة إلى ما احتوته من تقريرات وانطوى فيها من مقاصد وتنبيهات.
الرجس : هنا بمعنى الخزي والخذلان أو العذاب.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٩:﴿ لَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ٩٩ ومَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إلاّ بِإِذْنِ اللّهِ ويَجْعَلُ الرِّجْسَ ( ١ ) عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ١٠٠ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ ومَا تُغْنِي الآيَاتُ والنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ١٠١ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إلاّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ١٠٢ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا ( ٢ ) عَلَيْنَا نُنجِ ( ٣ ) الْمُؤْمِنِينَ ١٠٣ ﴾ [ ٩٩ ١٠٣ ].
في الآيات تقرير رباني بأن الله تعالى لو شاء لآمن من في الأرض جميعا، وسؤال للنبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كان هو مع ذلك يريد أن يرغم الناس جميعا على الإيمان، وتقرير رباني آخر بأنه ليس لأحد أن يؤمن إلاّ بإذن الله وتوفيقه، وأن الذين لا يعقلون ولا يتدبرون في دعوة الله وآياته يتعرضون لخزي الله وخذلانه وغضبه وعذابه، وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بلفت نظر الناس إلى ما في السماوات والأرض من آيات الله، وتقرير بأن الذين لا يؤمنون لا يمكن أن ينتفعوا بآيات الله ونذره ولن يجدي ذلك فيهم، وتساؤل عما إذا كان كل ما ينتظره الجاحدون هو عذاب الله الذي حلّ في أمثالهم من قبل، وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم باستمهالهم وإعلانهم بأنه منتظر معهم أمر الله، وإشارة إلى أن الله تعالى سينجي رسله والذين آمنوا معهم حينما يحين وقوع العذاب على الكفار ويتحقق وعيده لهم، وأن ذلك حق لهم عليه.
تعليق على الآية
﴿ ولَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ﴾
والآيات الأربع التالية لها
ولم يرو المفسرون رواية ما في صدد نزول الآيات، والمتبادر أنها هي الأخرى جاءت معقبة على الفصول السابقة التي حكت أقوال الكفار ومواقفهم وحجاجهم ثم على الفصول القصصية التذكيرية والتمثيلية التي أعقبتها بقصد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم، وإدخال الطمأنينة على قلبه وتخفيف حزنه من عدم إيمان أكثر الناس الذي كان شديد الحرص عليه من جهة، والتنديد بالكفار وعقولهم وغفلتهم عما في السماوات والأرض من آيات الله الباهرة الدالة على وحدانيته واستحقاقه وحده للعبادة والخضوع ووصف شدة عنادهم وتصميمهم على عدم الإيمان من جهة، وتبشير النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالنجاة من جهة.
وعلى ضوء هذا الشرح المستلهم بقوة من فحوى الآيات وروحها لا يبقى محل للتوهم بما قد يفيده ظاهر نص الآية الأولى والآية الثالثة من كون عدم إيمان الذين لم يؤمنوا هو بسبب عدم مشيئة الله. فالله لم يشأ أن يقرهم على الإيمان وهو قادر بل تركهم لتمييزهم واختيارهم ليستحقوا الثواب والعقاب عدلا.
ومثل هذه التقريرات والتنبيهات والتطمينات والإنذارات تكرر كثيرا لنفس المقاصد مما مرت أمثلة منه في السور التي سبق تفسيرها.
والآيات الأولى والثانية تضمنتا بالإضافة إلى ما ذكرناه طبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم وهي دعوة الناس وإرشادهم وتبشيرهم وإنذارهم ثم تركهم إلى عقولهم وضمائرهم من دون إلحاح ولا تشديد. وتقرير كونه ليس عليه من ذلك مسؤولية ولا تثريب. فالناس فريقان إزاء الدعوة فذوو العقول السليمة والنيات الحسنة هم الذين يدركون ما فيها من حق وخير فيستجيبون إليها. وذوو العقول السقيمة والنيات السيئة يقفون منها موقف المعاند المكابر. وهذا التفاوت والتباين مظهر من مظاهر حكمة الله وخلقه. والله قادر على جعل الناس جميعهم مؤمنين ولكن حكمته شاءت تركهم إلى عقولهم وضمائرهم. وقد تكرر تقرير هذا بأساليب متنوعة مرت أمثلة منها في سور سبق تفسيرها أيضا.
ولقد آمن بعد هذه الآيات كثيرون من الذين وصفوا بما وصفوا فيها حيث يصح أن يقال : إن الآيات من ناحية ما قد احتوت تسجيلا لواقع الأمر عند نزولها بالإضافة إلى ما احتوته من تقريرات وانطوى فيها من مقاصد وتنبيهات.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٩:﴿ لَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ٩٩ ومَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إلاّ بِإِذْنِ اللّهِ ويَجْعَلُ الرِّجْسَ ( ١ ) عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ١٠٠ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ ومَا تُغْنِي الآيَاتُ والنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ١٠١ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إلاّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ١٠٢ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا ( ٢ ) عَلَيْنَا نُنجِ ( ٣ ) الْمُؤْمِنِينَ ١٠٣ ﴾ [ ٩٩ ١٠٣ ].
في الآيات تقرير رباني بأن الله تعالى لو شاء لآمن من في الأرض جميعا، وسؤال للنبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كان هو مع ذلك يريد أن يرغم الناس جميعا على الإيمان، وتقرير رباني آخر بأنه ليس لأحد أن يؤمن إلاّ بإذن الله وتوفيقه، وأن الذين لا يعقلون ولا يتدبرون في دعوة الله وآياته يتعرضون لخزي الله وخذلانه وغضبه وعذابه، وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بلفت نظر الناس إلى ما في السماوات والأرض من آيات الله، وتقرير بأن الذين لا يؤمنون لا يمكن أن ينتفعوا بآيات الله ونذره ولن يجدي ذلك فيهم، وتساؤل عما إذا كان كل ما ينتظره الجاحدون هو عذاب الله الذي حلّ في أمثالهم من قبل، وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم باستمهالهم وإعلانهم بأنه منتظر معهم أمر الله، وإشارة إلى أن الله تعالى سينجي رسله والذين آمنوا معهم حينما يحين وقوع العذاب على الكفار ويتحقق وعيده لهم، وأن ذلك حق لهم عليه.
تعليق على الآية
﴿ ولَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ﴾
والآيات الأربع التالية لها
ولم يرو المفسرون رواية ما في صدد نزول الآيات، والمتبادر أنها هي الأخرى جاءت معقبة على الفصول السابقة التي حكت أقوال الكفار ومواقفهم وحجاجهم ثم على الفصول القصصية التذكيرية والتمثيلية التي أعقبتها بقصد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم، وإدخال الطمأنينة على قلبه وتخفيف حزنه من عدم إيمان أكثر الناس الذي كان شديد الحرص عليه من جهة، والتنديد بالكفار وعقولهم وغفلتهم عما في السماوات والأرض من آيات الله الباهرة الدالة على وحدانيته واستحقاقه وحده للعبادة والخضوع ووصف شدة عنادهم وتصميمهم على عدم الإيمان من جهة، وتبشير النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالنجاة من جهة.
وعلى ضوء هذا الشرح المستلهم بقوة من فحوى الآيات وروحها لا يبقى محل للتوهم بما قد يفيده ظاهر نص الآية الأولى والآية الثالثة من كون عدم إيمان الذين لم يؤمنوا هو بسبب عدم مشيئة الله. فالله لم يشأ أن يقرهم على الإيمان وهو قادر بل تركهم لتمييزهم واختيارهم ليستحقوا الثواب والعقاب عدلا.
ومثل هذه التقريرات والتنبيهات والتطمينات والإنذارات تكرر كثيرا لنفس المقاصد مما مرت أمثلة منه في السور التي سبق تفسيرها.
والآيات الأولى والثانية تضمنتا بالإضافة إلى ما ذكرناه طبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم وهي دعوة الناس وإرشادهم وتبشيرهم وإنذارهم ثم تركهم إلى عقولهم وضمائرهم من دون إلحاح ولا تشديد. وتقرير كونه ليس عليه من ذلك مسؤولية ولا تثريب. فالناس فريقان إزاء الدعوة فذوو العقول السليمة والنيات الحسنة هم الذين يدركون ما فيها من حق وخير فيستجيبون إليها. وذوو العقول السقيمة والنيات السيئة يقفون منها موقف المعاند المكابر. وهذا التفاوت والتباين مظهر من مظاهر حكمة الله وخلقه. والله قادر على جعل الناس جميعهم مؤمنين ولكن حكمته شاءت تركهم إلى عقولهم وضمائرهم. وقد تكرر تقرير هذا بأساليب متنوعة مرت أمثلة منها في سور سبق تفسيرها أيضا.
ولقد آمن بعد هذه الآيات كثيرون من الذين وصفوا بما وصفوا فيها حيث يصح أن يقال : إن الآيات من ناحية ما قد احتوت تسجيلا لواقع الأمر عند نزولها بالإضافة إلى ما احتوته من تقريرات وانطوى فيها من مقاصد وتنبيهات.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٩:﴿ لَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ٩٩ ومَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إلاّ بِإِذْنِ اللّهِ ويَجْعَلُ الرِّجْسَ ( ١ ) عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ١٠٠ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ ومَا تُغْنِي الآيَاتُ والنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ١٠١ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إلاّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ١٠٢ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا ( ٢ ) عَلَيْنَا نُنجِ ( ٣ ) الْمُؤْمِنِينَ ١٠٣ ﴾ [ ٩٩ ١٠٣ ].
في الآيات تقرير رباني بأن الله تعالى لو شاء لآمن من في الأرض جميعا، وسؤال للنبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كان هو مع ذلك يريد أن يرغم الناس جميعا على الإيمان، وتقرير رباني آخر بأنه ليس لأحد أن يؤمن إلاّ بإذن الله وتوفيقه، وأن الذين لا يعقلون ولا يتدبرون في دعوة الله وآياته يتعرضون لخزي الله وخذلانه وغضبه وعذابه، وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بلفت نظر الناس إلى ما في السماوات والأرض من آيات الله، وتقرير بأن الذين لا يؤمنون لا يمكن أن ينتفعوا بآيات الله ونذره ولن يجدي ذلك فيهم، وتساؤل عما إذا كان كل ما ينتظره الجاحدون هو عذاب الله الذي حلّ في أمثالهم من قبل، وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم باستمهالهم وإعلانهم بأنه منتظر معهم أمر الله، وإشارة إلى أن الله تعالى سينجي رسله والذين آمنوا معهم حينما يحين وقوع العذاب على الكفار ويتحقق وعيده لهم، وأن ذلك حق لهم عليه.
تعليق على الآية
﴿ ولَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ﴾
والآيات الأربع التالية لها
ولم يرو المفسرون رواية ما في صدد نزول الآيات، والمتبادر أنها هي الأخرى جاءت معقبة على الفصول السابقة التي حكت أقوال الكفار ومواقفهم وحجاجهم ثم على الفصول القصصية التذكيرية والتمثيلية التي أعقبتها بقصد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم، وإدخال الطمأنينة على قلبه وتخفيف حزنه من عدم إيمان أكثر الناس الذي كان شديد الحرص عليه من جهة، والتنديد بالكفار وعقولهم وغفلتهم عما في السماوات والأرض من آيات الله الباهرة الدالة على وحدانيته واستحقاقه وحده للعبادة والخضوع ووصف شدة عنادهم وتصميمهم على عدم الإيمان من جهة، وتبشير النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالنجاة من جهة.
وعلى ضوء هذا الشرح المستلهم بقوة من فحوى الآيات وروحها لا يبقى محل للتوهم بما قد يفيده ظاهر نص الآية الأولى والآية الثالثة من كون عدم إيمان الذين لم يؤمنوا هو بسبب عدم مشيئة الله. فالله لم يشأ أن يقرهم على الإيمان وهو قادر بل تركهم لتمييزهم واختيارهم ليستحقوا الثواب والعقاب عدلا.
ومثل هذه التقريرات والتنبيهات والتطمينات والإنذارات تكرر كثيرا لنفس المقاصد مما مرت أمثلة منه في السور التي سبق تفسيرها.
والآيات الأولى والثانية تضمنتا بالإضافة إلى ما ذكرناه طبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم وهي دعوة الناس وإرشادهم وتبشيرهم وإنذارهم ثم تركهم إلى عقولهم وضمائرهم من دون إلحاح ولا تشديد. وتقرير كونه ليس عليه من ذلك مسؤولية ولا تثريب. فالناس فريقان إزاء الدعوة فذوو العقول السليمة والنيات الحسنة هم الذين يدركون ما فيها من حق وخير فيستجيبون إليها. وذوو العقول السقيمة والنيات السيئة يقفون منها موقف المعاند المكابر. وهذا التفاوت والتباين مظهر من مظاهر حكمة الله وخلقه. والله قادر على جعل الناس جميعهم مؤمنين ولكن حكمته شاءت تركهم إلى عقولهم وضمائرهم. وقد تكرر تقرير هذا بأساليب متنوعة مرت أمثلة منها في سور سبق تفسيرها أيضا.
ولقد آمن بعد هذه الآيات كثيرون من الذين وصفوا بما وصفوا فيها حيث يصح أن يقال : إن الآيات من ناحية ما قد احتوت تسجيلا لواقع الأمر عند نزولها بالإضافة إلى ما احتوته من تقريرات وانطوى فيها من مقاصد وتنبيهات.

حقا : منصوبة على أنها مفعول مطلق لفعل مضمر تقديره يحق علينا حق.
ننج : مخففة من ننجي.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٩:﴿ لَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ٩٩ ومَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إلاّ بِإِذْنِ اللّهِ ويَجْعَلُ الرِّجْسَ ( ١ ) عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ١٠٠ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ ومَا تُغْنِي الآيَاتُ والنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ١٠١ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إلاّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ١٠٢ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا ( ٢ ) عَلَيْنَا نُنجِ ( ٣ ) الْمُؤْمِنِينَ ١٠٣ ﴾ [ ٩٩ ١٠٣ ].
في الآيات تقرير رباني بأن الله تعالى لو شاء لآمن من في الأرض جميعا، وسؤال للنبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كان هو مع ذلك يريد أن يرغم الناس جميعا على الإيمان، وتقرير رباني آخر بأنه ليس لأحد أن يؤمن إلاّ بإذن الله وتوفيقه، وأن الذين لا يعقلون ولا يتدبرون في دعوة الله وآياته يتعرضون لخزي الله وخذلانه وغضبه وعذابه، وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بلفت نظر الناس إلى ما في السماوات والأرض من آيات الله، وتقرير بأن الذين لا يؤمنون لا يمكن أن ينتفعوا بآيات الله ونذره ولن يجدي ذلك فيهم، وتساؤل عما إذا كان كل ما ينتظره الجاحدون هو عذاب الله الذي حلّ في أمثالهم من قبل، وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم باستمهالهم وإعلانهم بأنه منتظر معهم أمر الله، وإشارة إلى أن الله تعالى سينجي رسله والذين آمنوا معهم حينما يحين وقوع العذاب على الكفار ويتحقق وعيده لهم، وأن ذلك حق لهم عليه.
تعليق على الآية
﴿ ولَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ﴾
والآيات الأربع التالية لها
ولم يرو المفسرون رواية ما في صدد نزول الآيات، والمتبادر أنها هي الأخرى جاءت معقبة على الفصول السابقة التي حكت أقوال الكفار ومواقفهم وحجاجهم ثم على الفصول القصصية التذكيرية والتمثيلية التي أعقبتها بقصد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم، وإدخال الطمأنينة على قلبه وتخفيف حزنه من عدم إيمان أكثر الناس الذي كان شديد الحرص عليه من جهة، والتنديد بالكفار وعقولهم وغفلتهم عما في السماوات والأرض من آيات الله الباهرة الدالة على وحدانيته واستحقاقه وحده للعبادة والخضوع ووصف شدة عنادهم وتصميمهم على عدم الإيمان من جهة، وتبشير النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالنجاة من جهة.
وعلى ضوء هذا الشرح المستلهم بقوة من فحوى الآيات وروحها لا يبقى محل للتوهم بما قد يفيده ظاهر نص الآية الأولى والآية الثالثة من كون عدم إيمان الذين لم يؤمنوا هو بسبب عدم مشيئة الله. فالله لم يشأ أن يقرهم على الإيمان وهو قادر بل تركهم لتمييزهم واختيارهم ليستحقوا الثواب والعقاب عدلا.
ومثل هذه التقريرات والتنبيهات والتطمينات والإنذارات تكرر كثيرا لنفس المقاصد مما مرت أمثلة منه في السور التي سبق تفسيرها.
والآيات الأولى والثانية تضمنتا بالإضافة إلى ما ذكرناه طبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم وهي دعوة الناس وإرشادهم وتبشيرهم وإنذارهم ثم تركهم إلى عقولهم وضمائرهم من دون إلحاح ولا تشديد. وتقرير كونه ليس عليه من ذلك مسؤولية ولا تثريب. فالناس فريقان إزاء الدعوة فذوو العقول السليمة والنيات الحسنة هم الذين يدركون ما فيها من حق وخير فيستجيبون إليها. وذوو العقول السقيمة والنيات السيئة يقفون منها موقف المعاند المكابر. وهذا التفاوت والتباين مظهر من مظاهر حكمة الله وخلقه. والله قادر على جعل الناس جميعهم مؤمنين ولكن حكمته شاءت تركهم إلى عقولهم وضمائرهم. وقد تكرر تقرير هذا بأساليب متنوعة مرت أمثلة منها في سور سبق تفسيرها أيضا.
ولقد آمن بعد هذه الآيات كثيرون من الذين وصفوا بما وصفوا فيها حيث يصح أن يقال : إن الآيات من ناحية ما قد احتوت تسجيلا لواقع الأمر عند نزولها بالإضافة إلى ما احتوته من تقريرات وانطوى فيها من مقاصد وتنبيهات.

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ ولَكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ١٠٤ وأَنْ أَقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ١٠٥ ولاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ ولاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ١٠٦ وإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إلاّ هُو وإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وهُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ١٠٧ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ومَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوكِيلٍ ١٠٨ واتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ و َاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وهُو خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ١٠٩ ﴾ [ ١٠٤ ١٠٩ ].
الآيات واضحة المعاني ولا تحتاج إلى أداء آخر، ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزولها. والمتبادر أنها جاءت خاتمة لفصول المناظرة والحجاج التي احتوتها آيات السورة فصلا بعد فصل. ومعقبة على الآيات السابقة لها مباشرة ومؤيدة لما انطوى فيها من أهداف، وهي خاتمة قوية محكمة. وقد احتوت شرحا جديدا لمهمة النبي صلى الله عليه وسلم وتقريرا لطبيعة رسالته، وبأسلوب واضح قوي ومؤثر من جهة، وتطمينا للنبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيتا له وبثاّ للسكينة في روعه من جهة أخرى. وفي الآية [ ١٠٨ ] دعم قوي للتأويل الذي أولنا به جملة :﴿ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ﴾ التي وردت في الآيات السابقة. فالله قد أنزل للناس الحق بواسطة رسوله ثم تركهم لاختيارهم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضل عليها.
وفي الآيات نهي موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرك وإنذار له بأنه إن فعل يكون ظالما، وقد ورد في آيات سابقة قريبة شيء مماثل لذلك كما جاء شيء من مثل ذلك في آخر سورة القصص التي مر تفسيرها وعلقنا عليه بما يزيل أي توهم باحتمال وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم. وما قلناه هناك يقال هنا بطبيعة الحال.
تعليق على كلمة الحنيف
وبمناسبة ورود كلمة ( حنيفا ) لأول مرة نقول : إن هذه الكلمة قد تكررت كثيرا في القرآن، وبخاصة في صدد وصف ملة إبراهيم عليه السلام، ووردت بدون ذكره أيضا كما هو الأمر هنا. وقد قال المفسرون : إنها من ( حنف ) بمعنى مال أو انحرف وإنها في القرآن بمعنى المنحرف عن الشرك إلى التوحيد، كما قالوا : إنها من الأضداد تجيء بمعنى استقام كما تجيء بمعنى مال أو انحرف١. وقد ورد في كتب اللغة اشتقاق ( تحنف ) مرادفا لكلمة تحنث أي تعبد وتورع كما ذكرت الكتب العربية كلمة ( الحنيفية ) وصفا لملة إبراهيم عليه السلام٢. ولقد أعاد بعض المستشرقين وأبدوا في أصل الكلمة ومدلولها ومعناها. ومنهم من ذهب إلى أنها كانت تعني مذهبا دينيا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبيئته، وأنه كان هناك طائفة أو فرقة تسمى ( الحنفاء ) ومنهم من قال : إنها الكلمة الأعجمية دون أن يذكروا اسم اللغة المقتبسة منها. ومنهم من قال : إنها منحوتة من ( بني حنيفة ) التي ظهر فيها مسيلمة النبي الكذاب، وإنها تعني الدين الذي دعا إليه. بل ومنهم من زعم أن معناها لم يكن مجلوا تمام الجلاء في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم.
وننبه إلى أن روح ومضمون الآيات التي وردت فيها وبخاصة التي لم يرد ذكر إبراهيم عليه السلام فيها مثل الآية التي نحن في صددها، ومثل آية سورة الحج هذه :﴿ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ومَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ٣١ ﴾ يلهمان أن معناها الاستقامة على توحيد الله والاتجاه إليه وحده وعدم الشرك به بصورة عامة، والقول : إن معناها لم يكن مجلوا في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم وقاحة أكثر منها أي شيء آخر، ويظهر هذا في وضوح معنى الكلمة في آيات القرآن التي وردت فيها. والقول إنها أعجمية غريب وبخاصة إذا لاحظنا أن العرب كانوا يتسمون باشتقاقها ويعنون ما يريدون من التسمية كالأحنف والحنفاء، والقول إنها منحوتة من بني حنيفة سخيف ؛ لأن الكلمة استعملت في القرآن قبل ظهور مسيلمة بني حنيفة.
على أن استعمالها في وصف ملة إبراهيم عليه السلام وفي مقام التعبير عن التوحيد والاستقامة عليها أو الانحراف عن الشرك والدين الباطل وفي مقام التعبد والتورع يدل على أنها كانت تستعمل قبل نزول القرآن في معنى ديني خاص أو وصف ديني خاص، ولا نستبعد أن تكون أطلقت أو أطلق جمعها على الذين تخلوا عن دين الجاهلية وشركها ووثنيتها واتجهوا إلى الله وعبدوه على ملة إبراهيم الحنيفية، أو ما ظنوه كذلك موحدين غير مشركين على ما ذكرته الروايات وفصلناه في كتابنا عصر النبي صلى الله عليه وبيئته قبل البعثة٣.
١ انظر تفسير آية البقرة [١٣٥] في تفسير الطبرسي والزمخشري والمنار..
٢ انظر مادة حنف في أساس البلاغة للزمخشري وفي لسان العرب..
٣ انظر عصر النبي صلى الله عليه وبيئته قبل البعثة ص ٤١٩ ـ ٤٣٤..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٤:﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ ولَكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ١٠٤ وأَنْ أَقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ١٠٥ ولاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ ولاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ١٠٦ وإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إلاّ هُو وإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وهُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ١٠٧ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ومَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوكِيلٍ ١٠٨ واتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ و َاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وهُو خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ١٠٩ ﴾ [ ١٠٤ ١٠٩ ].
الآيات واضحة المعاني ولا تحتاج إلى أداء آخر، ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزولها. والمتبادر أنها جاءت خاتمة لفصول المناظرة والحجاج التي احتوتها آيات السورة فصلا بعد فصل. ومعقبة على الآيات السابقة لها مباشرة ومؤيدة لما انطوى فيها من أهداف، وهي خاتمة قوية محكمة. وقد احتوت شرحا جديدا لمهمة النبي صلى الله عليه وسلم وتقريرا لطبيعة رسالته، وبأسلوب واضح قوي ومؤثر من جهة، وتطمينا للنبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيتا له وبثاّ للسكينة في روعه من جهة أخرى. وفي الآية [ ١٠٨ ] دعم قوي للتأويل الذي أولنا به جملة :﴿ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ﴾ التي وردت في الآيات السابقة. فالله قد أنزل للناس الحق بواسطة رسوله ثم تركهم لاختيارهم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضل عليها.
وفي الآيات نهي موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرك وإنذار له بأنه إن فعل يكون ظالما، وقد ورد في آيات سابقة قريبة شيء مماثل لذلك كما جاء شيء من مثل ذلك في آخر سورة القصص التي مر تفسيرها وعلقنا عليه بما يزيل أي توهم باحتمال وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم. وما قلناه هناك يقال هنا بطبيعة الحال.
تعليق على كلمة الحنيف
وبمناسبة ورود كلمة ( حنيفا ) لأول مرة نقول : إن هذه الكلمة قد تكررت كثيرا في القرآن، وبخاصة في صدد وصف ملة إبراهيم عليه السلام، ووردت بدون ذكره أيضا كما هو الأمر هنا. وقد قال المفسرون : إنها من ( حنف ) بمعنى مال أو انحرف وإنها في القرآن بمعنى المنحرف عن الشرك إلى التوحيد، كما قالوا : إنها من الأضداد تجيء بمعنى استقام كما تجيء بمعنى مال أو انحرف١. وقد ورد في كتب اللغة اشتقاق ( تحنف ) مرادفا لكلمة تحنث أي تعبد وتورع كما ذكرت الكتب العربية كلمة ( الحنيفية ) وصفا لملة إبراهيم عليه السلام٢. ولقد أعاد بعض المستشرقين وأبدوا في أصل الكلمة ومدلولها ومعناها. ومنهم من ذهب إلى أنها كانت تعني مذهبا دينيا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبيئته، وأنه كان هناك طائفة أو فرقة تسمى ( الحنفاء ) ومنهم من قال : إنها الكلمة الأعجمية دون أن يذكروا اسم اللغة المقتبسة منها. ومنهم من قال : إنها منحوتة من ( بني حنيفة ) التي ظهر فيها مسيلمة النبي الكذاب، وإنها تعني الدين الذي دعا إليه. بل ومنهم من زعم أن معناها لم يكن مجلوا تمام الجلاء في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم.
وننبه إلى أن روح ومضمون الآيات التي وردت فيها وبخاصة التي لم يرد ذكر إبراهيم عليه السلام فيها مثل الآية التي نحن في صددها، ومثل آية سورة الحج هذه :﴿ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ومَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ٣١ ﴾ يلهمان أن معناها الاستقامة على توحيد الله والاتجاه إليه وحده وعدم الشرك به بصورة عامة، والقول : إن معناها لم يكن مجلوا في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم وقاحة أكثر منها أي شيء آخر، ويظهر هذا في وضوح معنى الكلمة في آيات القرآن التي وردت فيها. والقول إنها أعجمية غريب وبخاصة إذا لاحظنا أن العرب كانوا يتسمون باشتقاقها ويعنون ما يريدون من التسمية كالأحنف والحنفاء، والقول إنها منحوتة من بني حنيفة سخيف ؛ لأن الكلمة استعملت في القرآن قبل ظهور مسيلمة بني حنيفة.
على أن استعمالها في وصف ملة إبراهيم عليه السلام وفي مقام التعبير عن التوحيد والاستقامة عليها أو الانحراف عن الشرك والدين الباطل وفي مقام التعبد والتورع يدل على أنها كانت تستعمل قبل نزول القرآن في معنى ديني خاص أو وصف ديني خاص، ولا نستبعد أن تكون أطلقت أو أطلق جمعها على الذين تخلوا عن دين الجاهلية وشركها ووثنيتها واتجهوا إلى الله وعبدوه على ملة إبراهيم الحنيفية، أو ما ظنوه كذلك موحدين غير مشركين على ما ذكرته الروايات وفصلناه في كتابنا عصر النبي صلى الله عليه وبيئته قبل البعثة٣.
١ انظر تفسير آية البقرة [١٣٥] في تفسير الطبرسي والزمخشري والمنار..
٢ انظر مادة حنف في أساس البلاغة للزمخشري وفي لسان العرب..
٣ انظر عصر النبي صلى الله عليه وبيئته قبل البعثة ص ٤١٩ ـ ٤٣٤..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٤:﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ ولَكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ١٠٤ وأَنْ أَقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ١٠٥ ولاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ ولاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ١٠٦ وإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إلاّ هُو وإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وهُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ١٠٧ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ومَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوكِيلٍ ١٠٨ واتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ و َاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وهُو خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ١٠٩ ﴾ [ ١٠٤ ١٠٩ ].
الآيات واضحة المعاني ولا تحتاج إلى أداء آخر، ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزولها. والمتبادر أنها جاءت خاتمة لفصول المناظرة والحجاج التي احتوتها آيات السورة فصلا بعد فصل. ومعقبة على الآيات السابقة لها مباشرة ومؤيدة لما انطوى فيها من أهداف، وهي خاتمة قوية محكمة. وقد احتوت شرحا جديدا لمهمة النبي صلى الله عليه وسلم وتقريرا لطبيعة رسالته، وبأسلوب واضح قوي ومؤثر من جهة، وتطمينا للنبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيتا له وبثاّ للسكينة في روعه من جهة أخرى. وفي الآية [ ١٠٨ ] دعم قوي للتأويل الذي أولنا به جملة :﴿ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ﴾ التي وردت في الآيات السابقة. فالله قد أنزل للناس الحق بواسطة رسوله ثم تركهم لاختيارهم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضل عليها.
وفي الآيات نهي موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرك وإنذار له بأنه إن فعل يكون ظالما، وقد ورد في آيات سابقة قريبة شيء مماثل لذلك كما جاء شيء من مثل ذلك في آخر سورة القصص التي مر تفسيرها وعلقنا عليه بما يزيل أي توهم باحتمال وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم. وما قلناه هناك يقال هنا بطبيعة الحال.
تعليق على كلمة الحنيف
وبمناسبة ورود كلمة ( حنيفا ) لأول مرة نقول : إن هذه الكلمة قد تكررت كثيرا في القرآن، وبخاصة في صدد وصف ملة إبراهيم عليه السلام، ووردت بدون ذكره أيضا كما هو الأمر هنا. وقد قال المفسرون : إنها من ( حنف ) بمعنى مال أو انحرف وإنها في القرآن بمعنى المنحرف عن الشرك إلى التوحيد، كما قالوا : إنها من الأضداد تجيء بمعنى استقام كما تجيء بمعنى مال أو انحرف١. وقد ورد في كتب اللغة اشتقاق ( تحنف ) مرادفا لكلمة تحنث أي تعبد وتورع كما ذكرت الكتب العربية كلمة ( الحنيفية ) وصفا لملة إبراهيم عليه السلام٢. ولقد أعاد بعض المستشرقين وأبدوا في أصل الكلمة ومدلولها ومعناها. ومنهم من ذهب إلى أنها كانت تعني مذهبا دينيا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبيئته، وأنه كان هناك طائفة أو فرقة تسمى ( الحنفاء ) ومنهم من قال : إنها الكلمة الأعجمية دون أن يذكروا اسم اللغة المقتبسة منها. ومنهم من قال : إنها منحوتة من ( بني حنيفة ) التي ظهر فيها مسيلمة النبي الكذاب، وإنها تعني الدين الذي دعا إليه. بل ومنهم من زعم أن معناها لم يكن مجلوا تمام الجلاء في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم.
وننبه إلى أن روح ومضمون الآيات التي وردت فيها وبخاصة التي لم يرد ذكر إبراهيم عليه السلام فيها مثل الآية التي نحن في صددها، ومثل آية سورة الحج هذه :﴿ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ومَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ٣١ ﴾ يلهمان أن معناها الاستقامة على توحيد الله والاتجاه إليه وحده وعدم الشرك به بصورة عامة، والقول : إن معناها لم يكن مجلوا في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم وقاحة أكثر منها أي شيء آخر، ويظهر هذا في وضوح معنى الكلمة في آيات القرآن التي وردت فيها. والقول إنها أعجمية غريب وبخاصة إذا لاحظنا أن العرب كانوا يتسمون باشتقاقها ويعنون ما يريدون من التسمية كالأحنف والحنفاء، والقول إنها منحوتة من بني حنيفة سخيف ؛ لأن الكلمة استعملت في القرآن قبل ظهور مسيلمة بني حنيفة.
على أن استعمالها في وصف ملة إبراهيم عليه السلام وفي مقام التعبير عن التوحيد والاستقامة عليها أو الانحراف عن الشرك والدين الباطل وفي مقام التعبد والتورع يدل على أنها كانت تستعمل قبل نزول القرآن في معنى ديني خاص أو وصف ديني خاص، ولا نستبعد أن تكون أطلقت أو أطلق جمعها على الذين تخلوا عن دين الجاهلية وشركها ووثنيتها واتجهوا إلى الله وعبدوه على ملة إبراهيم الحنيفية، أو ما ظنوه كذلك موحدين غير مشركين على ما ذكرته الروايات وفصلناه في كتابنا عصر النبي صلى الله عليه وبيئته قبل البعثة٣.
١ انظر تفسير آية البقرة [١٣٥] في تفسير الطبرسي والزمخشري والمنار..
٢ انظر مادة حنف في أساس البلاغة للزمخشري وفي لسان العرب..
٣ انظر عصر النبي صلى الله عليه وبيئته قبل البعثة ص ٤١٩ ـ ٤٣٤..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٤:﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ ولَكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ١٠٤ وأَنْ أَقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ١٠٥ ولاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ ولاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ١٠٦ وإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إلاّ هُو وإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وهُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ١٠٧ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ومَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوكِيلٍ ١٠٨ واتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ و َاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وهُو خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ١٠٩ ﴾ [ ١٠٤ ١٠٩ ].
الآيات واضحة المعاني ولا تحتاج إلى أداء آخر، ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزولها. والمتبادر أنها جاءت خاتمة لفصول المناظرة والحجاج التي احتوتها آيات السورة فصلا بعد فصل. ومعقبة على الآيات السابقة لها مباشرة ومؤيدة لما انطوى فيها من أهداف، وهي خاتمة قوية محكمة. وقد احتوت شرحا جديدا لمهمة النبي صلى الله عليه وسلم وتقريرا لطبيعة رسالته، وبأسلوب واضح قوي ومؤثر من جهة، وتطمينا للنبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيتا له وبثاّ للسكينة في روعه من جهة أخرى. وفي الآية [ ١٠٨ ] دعم قوي للتأويل الذي أولنا به جملة :﴿ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ﴾ التي وردت في الآيات السابقة. فالله قد أنزل للناس الحق بواسطة رسوله ثم تركهم لاختيارهم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضل عليها.
وفي الآيات نهي موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرك وإنذار له بأنه إن فعل يكون ظالما، وقد ورد في آيات سابقة قريبة شيء مماثل لذلك كما جاء شيء من مثل ذلك في آخر سورة القصص التي مر تفسيرها وعلقنا عليه بما يزيل أي توهم باحتمال وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم. وما قلناه هناك يقال هنا بطبيعة الحال.
تعليق على كلمة الحنيف
وبمناسبة ورود كلمة ( حنيفا ) لأول مرة نقول : إن هذه الكلمة قد تكررت كثيرا في القرآن، وبخاصة في صدد وصف ملة إبراهيم عليه السلام، ووردت بدون ذكره أيضا كما هو الأمر هنا. وقد قال المفسرون : إنها من ( حنف ) بمعنى مال أو انحرف وإنها في القرآن بمعنى المنحرف عن الشرك إلى التوحيد، كما قالوا : إنها من الأضداد تجيء بمعنى استقام كما تجيء بمعنى مال أو انحرف١. وقد ورد في كتب اللغة اشتقاق ( تحنف ) مرادفا لكلمة تحنث أي تعبد وتورع كما ذكرت الكتب العربية كلمة ( الحنيفية ) وصفا لملة إبراهيم عليه السلام٢. ولقد أعاد بعض المستشرقين وأبدوا في أصل الكلمة ومدلولها ومعناها. ومنهم من ذهب إلى أنها كانت تعني مذهبا دينيا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبيئته، وأنه كان هناك طائفة أو فرقة تسمى ( الحنفاء ) ومنهم من قال : إنها الكلمة الأعجمية دون أن يذكروا اسم اللغة المقتبسة منها. ومنهم من قال : إنها منحوتة من ( بني حنيفة ) التي ظهر فيها مسيلمة النبي الكذاب، وإنها تعني الدين الذي دعا إليه. بل ومنهم من زعم أن معناها لم يكن مجلوا تمام الجلاء في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم.
وننبه إلى أن روح ومضمون الآيات التي وردت فيها وبخاصة التي لم يرد ذكر إبراهيم عليه السلام فيها مثل الآية التي نحن في صددها، ومثل آية سورة الحج هذه :﴿ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ومَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ٣١ ﴾ يلهمان أن معناها الاستقامة على توحيد الله والاتجاه إليه وحده وعدم الشرك به بصورة عامة، والقول : إن معناها لم يكن مجلوا في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم وقاحة أكثر منها أي شيء آخر، ويظهر هذا في وضوح معنى الكلمة في آيات القرآن التي وردت فيها. والقول إنها أعجمية غريب وبخاصة إذا لاحظنا أن العرب كانوا يتسمون باشتقاقها ويعنون ما يريدون من التسمية كالأحنف والحنفاء، والقول إنها منحوتة من بني حنيفة سخيف ؛ لأن الكلمة استعملت في القرآن قبل ظهور مسيلمة بني حنيفة.
على أن استعمالها في وصف ملة إبراهيم عليه السلام وفي مقام التعبير عن التوحيد والاستقامة عليها أو الانحراف عن الشرك والدين الباطل وفي مقام التعبد والتورع يدل على أنها كانت تستعمل قبل نزول القرآن في معنى ديني خاص أو وصف ديني خاص، ولا نستبعد أن تكون أطلقت أو أطلق جمعها على الذين تخلوا عن دين الجاهلية وشركها ووثنيتها واتجهوا إلى الله وعبدوه على ملة إبراهيم الحنيفية، أو ما ظنوه كذلك موحدين غير مشركين على ما ذكرته الروايات وفصلناه في كتابنا عصر النبي صلى الله عليه وبيئته قبل البعثة٣.
١ انظر تفسير آية البقرة [١٣٥] في تفسير الطبرسي والزمخشري والمنار..
٢ انظر مادة حنف في أساس البلاغة للزمخشري وفي لسان العرب..
٣ انظر عصر النبي صلى الله عليه وبيئته قبل البعثة ص ٤١٩ ـ ٤٣٤..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٤:﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ ولَكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ١٠٤ وأَنْ أَقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ١٠٥ ولاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ ولاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ١٠٦ وإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إلاّ هُو وإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وهُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ١٠٧ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ومَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوكِيلٍ ١٠٨ واتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ و َاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وهُو خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ١٠٩ ﴾ [ ١٠٤ ١٠٩ ].
الآيات واضحة المعاني ولا تحتاج إلى أداء آخر، ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزولها. والمتبادر أنها جاءت خاتمة لفصول المناظرة والحجاج التي احتوتها آيات السورة فصلا بعد فصل. ومعقبة على الآيات السابقة لها مباشرة ومؤيدة لما انطوى فيها من أهداف، وهي خاتمة قوية محكمة. وقد احتوت شرحا جديدا لمهمة النبي صلى الله عليه وسلم وتقريرا لطبيعة رسالته، وبأسلوب واضح قوي ومؤثر من جهة، وتطمينا للنبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيتا له وبثاّ للسكينة في روعه من جهة أخرى. وفي الآية [ ١٠٨ ] دعم قوي للتأويل الذي أولنا به جملة :﴿ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ﴾ التي وردت في الآيات السابقة. فالله قد أنزل للناس الحق بواسطة رسوله ثم تركهم لاختيارهم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضل عليها.
وفي الآيات نهي موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرك وإنذار له بأنه إن فعل يكون ظالما، وقد ورد في آيات سابقة قريبة شيء مماثل لذلك كما جاء شيء من مثل ذلك في آخر سورة القصص التي مر تفسيرها وعلقنا عليه بما يزيل أي توهم باحتمال وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم. وما قلناه هناك يقال هنا بطبيعة الحال.
تعليق على كلمة الحنيف
وبمناسبة ورود كلمة ( حنيفا ) لأول مرة نقول : إن هذه الكلمة قد تكررت كثيرا في القرآن، وبخاصة في صدد وصف ملة إبراهيم عليه السلام، ووردت بدون ذكره أيضا كما هو الأمر هنا. وقد قال المفسرون : إنها من ( حنف ) بمعنى مال أو انحرف وإنها في القرآن بمعنى المنحرف عن الشرك إلى التوحيد، كما قالوا : إنها من الأضداد تجيء بمعنى استقام كما تجيء بمعنى مال أو انحرف١. وقد ورد في كتب اللغة اشتقاق ( تحنف ) مرادفا لكلمة تحنث أي تعبد وتورع كما ذكرت الكتب العربية كلمة ( الحنيفية ) وصفا لملة إبراهيم عليه السلام٢. ولقد أعاد بعض المستشرقين وأبدوا في أصل الكلمة ومدلولها ومعناها. ومنهم من ذهب إلى أنها كانت تعني مذهبا دينيا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبيئته، وأنه كان هناك طائفة أو فرقة تسمى ( الحنفاء ) ومنهم من قال : إنها الكلمة الأعجمية دون أن يذكروا اسم اللغة المقتبسة منها. ومنهم من قال : إنها منحوتة من ( بني حنيفة ) التي ظهر فيها مسيلمة النبي الكذاب، وإنها تعني الدين الذي دعا إليه. بل ومنهم من زعم أن معناها لم يكن مجلوا تمام الجلاء في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم.
وننبه إلى أن روح ومضمون الآيات التي وردت فيها وبخاصة التي لم يرد ذكر إبراهيم عليه السلام فيها مثل الآية التي نحن في صددها، ومثل آية سورة الحج هذه :﴿ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ومَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ٣١ ﴾ يلهمان أن معناها الاستقامة على توحيد الله والاتجاه إليه وحده وعدم الشرك به بصورة عامة، والقول : إن معناها لم يكن مجلوا في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم وقاحة أكثر منها أي شيء آخر، ويظهر هذا في وضوح معنى الكلمة في آيات القرآن التي وردت فيها. والقول إنها أعجمية غريب وبخاصة إذا لاحظنا أن العرب كانوا يتسمون باشتقاقها ويعنون ما يريدون من التسمية كالأحنف والحنفاء، والقول إنها منحوتة من بني حنيفة سخيف ؛ لأن الكلمة استعملت في القرآن قبل ظهور مسيلمة بني حنيفة.
على أن استعمالها في وصف ملة إبراهيم عليه السلام وفي مقام التعبير عن التوحيد والاستقامة عليها أو الانحراف عن الشرك والدين الباطل وفي مقام التعبد والتورع يدل على أنها كانت تستعمل قبل نزول القرآن في معنى ديني خاص أو وصف ديني خاص، ولا نستبعد أن تكون أطلقت أو أطلق جمعها على الذين تخلوا عن دين الجاهلية وشركها ووثنيتها واتجهوا إلى الله وعبدوه على ملة إبراهيم الحنيفية، أو ما ظنوه كذلك موحدين غير مشركين على ما ذكرته الروايات وفصلناه في كتابنا عصر النبي صلى الله عليه وبيئته قبل البعثة٣.
١ انظر تفسير آية البقرة [١٣٥] في تفسير الطبرسي والزمخشري والمنار..
٢ انظر مادة حنف في أساس البلاغة للزمخشري وفي لسان العرب..
٣ انظر عصر النبي صلى الله عليه وبيئته قبل البعثة ص ٤١٩ ـ ٤٣٤..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٤:﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ ولَكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ١٠٤ وأَنْ أَقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ١٠٥ ولاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ ولاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ١٠٦ وإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إلاّ هُو وإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وهُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ١٠٧ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ومَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوكِيلٍ ١٠٨ واتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ و َاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وهُو خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ١٠٩ ﴾ [ ١٠٤ ١٠٩ ].
الآيات واضحة المعاني ولا تحتاج إلى أداء آخر، ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزولها. والمتبادر أنها جاءت خاتمة لفصول المناظرة والحجاج التي احتوتها آيات السورة فصلا بعد فصل. ومعقبة على الآيات السابقة لها مباشرة ومؤيدة لما انطوى فيها من أهداف، وهي خاتمة قوية محكمة. وقد احتوت شرحا جديدا لمهمة النبي صلى الله عليه وسلم وتقريرا لطبيعة رسالته، وبأسلوب واضح قوي ومؤثر من جهة، وتطمينا للنبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيتا له وبثاّ للسكينة في روعه من جهة أخرى. وفي الآية [ ١٠٨ ] دعم قوي للتأويل الذي أولنا به جملة :﴿ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ﴾ التي وردت في الآيات السابقة. فالله قد أنزل للناس الحق بواسطة رسوله ثم تركهم لاختيارهم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضل عليها.
وفي الآيات نهي موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرك وإنذار له بأنه إن فعل يكون ظالما، وقد ورد في آيات سابقة قريبة شيء مماثل لذلك كما جاء شيء من مثل ذلك في آخر سورة القصص التي مر تفسيرها وعلقنا عليه بما يزيل أي توهم باحتمال وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم. وما قلناه هناك يقال هنا بطبيعة الحال.
تعليق على كلمة الحنيف
وبمناسبة ورود كلمة ( حنيفا ) لأول مرة نقول : إن هذه الكلمة قد تكررت كثيرا في القرآن، وبخاصة في صدد وصف ملة إبراهيم عليه السلام، ووردت بدون ذكره أيضا كما هو الأمر هنا. وقد قال المفسرون : إنها من ( حنف ) بمعنى مال أو انحرف وإنها في القرآن بمعنى المنحرف عن الشرك إلى التوحيد، كما قالوا : إنها من الأضداد تجيء بمعنى استقام كما تجيء بمعنى مال أو انحرف١. وقد ورد في كتب اللغة اشتقاق ( تحنف ) مرادفا لكلمة تحنث أي تعبد وتورع كما ذكرت الكتب العربية كلمة ( الحنيفية ) وصفا لملة إبراهيم عليه السلام٢. ولقد أعاد بعض المستشرقين وأبدوا في أصل الكلمة ومدلولها ومعناها. ومنهم من ذهب إلى أنها كانت تعني مذهبا دينيا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبيئته، وأنه كان هناك طائفة أو فرقة تسمى ( الحنفاء ) ومنهم من قال : إنها الكلمة الأعجمية دون أن يذكروا اسم اللغة المقتبسة منها. ومنهم من قال : إنها منحوتة من ( بني حنيفة ) التي ظهر فيها مسيلمة النبي الكذاب، وإنها تعني الدين الذي دعا إليه. بل ومنهم من زعم أن معناها لم يكن مجلوا تمام الجلاء في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم.
وننبه إلى أن روح ومضمون الآيات التي وردت فيها وبخاصة التي لم يرد ذكر إبراهيم عليه السلام فيها مثل الآية التي نحن في صددها، ومثل آية سورة الحج هذه :﴿ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ومَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ٣١ ﴾ يلهمان أن معناها الاستقامة على توحيد الله والاتجاه إليه وحده وعدم الشرك به بصورة عامة، والقول : إن معناها لم يكن مجلوا في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم وقاحة أكثر منها أي شيء آخر، ويظهر هذا في وضوح معنى الكلمة في آيات القرآن التي وردت فيها. والقول إنها أعجمية غريب وبخاصة إذا لاحظنا أن العرب كانوا يتسمون باشتقاقها ويعنون ما يريدون من التسمية كالأحنف والحنفاء، والقول إنها منحوتة من بني حنيفة سخيف ؛ لأن الكلمة استعملت في القرآن قبل ظهور مسيلمة بني حنيفة.
على أن استعمالها في وصف ملة إبراهيم عليه السلام وفي مقام التعبير عن التوحيد والاستقامة عليها أو الانحراف عن الشرك والدين الباطل وفي مقام التعبد والتورع يدل على أنها كانت تستعمل قبل نزول القرآن في معنى ديني خاص أو وصف ديني خاص، ولا نستبعد أن تكون أطلقت أو أطلق جمعها على الذين تخلوا عن دين الجاهلية وشركها ووثنيتها واتجهوا إلى الله وعبدوه على ملة إبراهيم الحنيفية، أو ما ظنوه كذلك موحدين غير مشركين على ما ذكرته الروايات وفصلناه في كتابنا عصر النبي صلى الله عليه وبيئته قبل البعثة٣.
١ انظر تفسير آية البقرة [١٣٥] في تفسير الطبرسي والزمخشري والمنار..
٢ انظر مادة حنف في أساس البلاغة للزمخشري وفي لسان العرب..
٣ انظر عصر النبي صلى الله عليه وبيئته قبل البعثة ص ٤١٩ ـ ٤٣٤..

Icon