تفسير سورة الشورى

المحرر في أسباب نزول القرآن
تفسير سورة سورة الشورى من كتاب المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة المعروف بـالمحرر في أسباب نزول القرآن .
لمؤلفه خالد بن سليمان المزيني .

سورة الشورى
١٥٣ - قال الله تعالى: (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج الإمام أحمد والبخاري عن طاووس قال: سأل رجل ابن عبَّاسٍ المعنى، عن قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) فقال سعيد بن جبير: قرابة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ابن عبَّاسٍ: عجلتَ إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن بطن من قريش إلا لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهم قرابة، فنزلت: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) إلا أن تصلوا قرابةَ ما بيني وبينكم.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية، وقد ذكر الحديث بهذا اللفظ الطبري ثم قال: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قل يا محمد للذين يمارونك في الساعة من مشركي قومك، لا أسألكم أيها القوم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به، والنصيحة التي أنصحكم ثواباً وجزاءً وعوضاً من أموالكم تعطوننيه (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) اهـ.
أما سائر المفسرين كالبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن
859
عاشور فقد ذكروا ألفاظًا قريبة من هذا لكنها خالية من ذكر النزول.
قال ابن كثير: (قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش لا أسألكم على هذا البلاع والنصح لكم مالاً تعطونيه، وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني، وتذروني أبلغ رسالات ربي، إن لم تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن التصريح بنزول الآية لهذا السبب لا يصح لأمور:
١ - أنه لا يعرف حدث بعينه نزلت عليه الآية، ومن المعلوم أن السبب المصطلح عليه لا بد أن يقترن به حدث أو سؤال، وهذا لا دليل عليه هنا.
٢ - أن المفسرين لا يذكرون أن هذا سبب نزولها باستثناء الطبري، الذي ذكر هذا الحديث ضمن رواياته، وإعراض المفسرين عنه قرينة تدل على عدم ثبوته عندهم.
٣ - أنه قد جاء عند البخاري في إحدى روايات الحديث: (فقال ابن عبَّاسٍ: عجلت، إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال: (إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة). ولم يذكر الآية هنا.
وفي رواية أخرى: (فنزلت عليه: إلا أن تصلوا قرابةً بيني وبينكم).
قال ابن حجر في شرحه للرواية الثانية: (كذا وقع هنا من رواية يحيى وهو القطان عن شعبة، ووقع في التفسير (يعني الرواية التي قبلها) من رواية محمد بن جعفر وهو غندر عن شعبة بلفظ: (إلا كان له فيهم قرابة فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة) وهذه الرواية واضحة، والأولى مشكلة لأنها
860
توهم أن المذكور بعد قوله: (فنزلت) من القرآن وليس كذلك، وقد مشى بعض الشراح على ظاهره فقال: كان هذا قرآناً فنسخ، وقال غيره يحتمل أن هذا الكلام معنى الآية فندسب إلى النزول مجازاً. قلت: والذي يظهر لي أن الضمير في قوله فنزلت، للآية المسؤول عنها وهي قوله: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) وقوله: (إلا أن تصلوا) كلام ابن عبَّاسٍ تفسير لقوله تعالى: (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) فعرف بهذا أن المراد ذكر بعض الآية بالمعنى على جهة التفسير) اهـ.
وقد أطنب ابن حجر في الحديث عن سبب نزولها.
وبهذا يتبين أن الحديث عن سبب النزول غير محفوظ، وإنما نزلت الآية ابتداءً لغرض كف أذى المشركين عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن لم يكن بسبب النبوة فبسبب القربى.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية لعدم الدليل على ذلك من لفظ الحديث أو سياقه مع الآيات والله أعلم.
* * * * *
861
سورة الزخرف
863
Icon