تفسير سورة الفتح

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة الفتح من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
سورة الفتح
آيها تسع وعشرون
هي مدنية، نزلت بعد سورة الجمعة. ووجه مناسبتها لما قبلها :
إن الفتح المراد به النصر مرتب على القتال.
إن في كل منهما ذكرا للمؤمنين والمخلصين والمنافقين المشركين.
إن في السورة السالفة أمرا بالاستغفار، وفي هذه ذكر وقوع المغفرة.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا( ١ )ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما( ٢ )وينصرك الله نصرا عزيزا ﴾( الفتح : ١-٣ ).
تفسير المفردات : أصل الفتح : إزالة الأغلاق، وفتح البلد : دخله عنوة أو صلحا، والمراد بالفتح هنا صلح الحديبية ( والحديبية بئر ) على المشهور، وهو المروي عن ابن عباس وأنس والشعبي والزهري، وسمي هذا فتحا ؛ لأنه كان سببا لفتح مكة، قال الزهري : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، اختلط المشركون بالمسلمين وسمعوا كلا مهم فتمكن الإسلام من قلوبهم ؛ وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير كثر بهم سواد الإسلام، فما مضت تلك السنون إلا والمسلمون قد جاؤوا إلى مكة في عشرة آلاف ففتحوها.
والخلاصة : إنه كان من نتائج هذا الصلح الأمور الآتية :
تم في هذا الصلح ما يسمونه في العصر الحديث ( جس النبض ) لمعرفة قوة العدو ومقدار كفايته وإلى أي حد هي.
معرفة صادقي الإيمان من المنافقين كما علم ذلك من المخلفين فيما يأتي.
إن اختلاط المسلمين بالمشركين حبب الإسلام إلى قلوب كثير منهم فدخلوا في دين الله أفواجا.
مبينا : أي بينا ظاهرا الأمر مكشوف الحال.
المعنى الجملي : نزلت هذه السورة الكريمة حين منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة، لما صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام وحالوا بينه وبين قضاء عمرته، ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة، وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل، فأجابهم إلى ذلك على تكره من جماعة من الصحابة كعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما نحر هديه حيث أحصر ورجع أنزل الله تعالى هذه السورة فيما كان من أمره وأمرهم، وجعل هذا الصلح فتحا لما فيه من المصلحة، ولما آل إليه أمره ؛ فقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : إنكم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح صلح الحديبية. وروى البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب كان يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر : ثكلتك أمك يا عمر، كررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبك، قال عمر : فحركت بعيري حتى تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن، فما لبثت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فقلت : لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال :( لقد أنزلت علي سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس )، ثم قرأ :﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ﴾ ).
وفي صحيح مسلم عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال : لما نزلت ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ﴾ إلى قوله﴿ فوزا عظيما ﴾ مرجعه من الحديبية وهم يخالطهم الحزن والكآبة وقد نحروا الهدي بالحديبية، قال النبي صلى الله عليه وسلم :( لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعها ).
هذا، ولما كان لكل عامل ثمرة يجنيها من عمله، وغاية يبتغيها منه – كان للنبوة نهاية مطلوبة في هذه الحياة وثمرة تتبع هذه النهاية، فنهاية أمر النبوة أن تلتئم الأمور ويجتمع شملها، وتكمل نظمها التي تبنى عليها الحياة الهنية حتى يعيش العالم في طمأنينة وهدوء، ولن يتم ذلك إلا بعد بث الدعوة والجهاد العلمي والعملي بقتال الأعداء وخضد شوكتهم، ومتى تم هذا وأنقذ المستضعفون ودخل الناس في دين الله أفواجا كرها ثم طوعا انتظم أمر النبوة، وأدى الرسول واجبه واستوجب أن يجني ثمرة أعماله، وهي :
مغفرة ما فرط من ذنبه مما يعد ذنبا بالنظر إلى مقامه الشريف.
تمام النعمة باجتماع الملك والنبوة بعد أن كانت له النبوة وحدها.
الهداية إلى الصراط المستقيم في تبليغ الرسالة، وإقامة مراسم الرياسة.
( ٤ )المنعة والعزة ونفاذ الكلمة ورهبة الجانب وحمي الذمار.
فهذا الفتح كان كفيلا بهذه الشؤون الأربعة، فكأنه سبحانه يقول لرسوله : لقد بلغت الرسالة، ونصبت في العمل، وجاهدت بلسانك وسيفك، وجمعت الرجال والكراع والسلاح، وتلطفت وأغلظت، وأخلصت في عملك، وفعلت في وجيز الزمن ما لم ينله مثلك في طويله، حتى تم ما ندبناك له، فلتجن ثمار عملك، ولتقر عينا بما آل إليه أمرك في الدنيا والآخرة.
الإيضاح :﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ﴾ أي إنا فتحنا لك فتحا ظاهرا لا يختلج فيه شك بذلك الصلح الذي تم على يديك في الحديبية، إذ لم يمض إلا القليل من الزمن حتى دخل الناس في دين الله أفواجا، وكان هو السلم الذي فيه رقيت إلى فتح مكة، وتسابق العرب إلى الدخول في الدين زرافات ووحدانا.
المعنى الجملي : نزلت هذه السورة الكريمة حين منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة، لما صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام وحالوا بينه وبين قضاء عمرته، ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة، وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل، فأجابهم إلى ذلك على تكره من جماعة من الصحابة كعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما نحر هديه حيث أحصر ورجع أنزل الله تعالى هذه السورة فيما كان من أمره وأمرهم، وجعل هذا الصلح فتحا لما فيه من المصلحة، ولما آل إليه أمره ؛ فقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : إنكم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح صلح الحديبية. وروى البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب كان يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر : ثكلتك أمك يا عمر، كررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبك، قال عمر : فحركت بعيري حتى تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن، فما لبثت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فقلت : لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال :( لقد أنزلت علي سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس )، ثم قرأ :﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ﴾ ).
وفي صحيح مسلم عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال : لما نزلت ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ﴾ إلى قوله﴿ فوزا عظيما ﴾ مرجعه من الحديبية وهم يخالطهم الحزن والكآبة وقد نحروا الهدي بالحديبية، قال النبي صلى الله عليه وسلم :( لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعها ).
هذا، ولما كان لكل عامل ثمرة يجنيها من عمله، وغاية يبتغيها منه – كان للنبوة نهاية مطلوبة في هذه الحياة وثمرة تتبع هذه النهاية، فنهاية أمر النبوة أن تلتئم الأمور ويجتمع شملها، وتكمل نظمها التي تبنى عليها الحياة الهنية حتى يعيش العالم في طمأنينة وهدوء، ولن يتم ذلك إلا بعد بث الدعوة والجهاد العلمي والعملي بقتال الأعداء وخضد شوكتهم، ومتى تم هذا وأنقذ المستضعفون ودخل الناس في دين الله أفواجا كرها ثم طوعا انتظم أمر النبوة، وأدى الرسول واجبه واستوجب أن يجني ثمرة أعماله، وهي :
مغفرة ما فرط من ذنبه مما يعد ذنبا بالنظر إلى مقامه الشريف.
تمام النعمة باجتماع الملك والنبوة بعد أن كانت له النبوة وحدها.
الهداية إلى الصراط المستقيم في تبليغ الرسالة، وإقامة مراسم الرياسة.
( ٤ )المنعة والعزة ونفاذ الكلمة ورهبة الجانب وحمي الذمار.
فهذا الفتح كان كفيلا بهذه الشؤون الأربعة، فكأنه سبحانه يقول لرسوله : لقد بلغت الرسالة، ونصبت في العمل، وجاهدت بلسانك وسيفك، وجمعت الرجال والكراع والسلاح، وتلطفت وأغلظت، وأخلصت في عملك، وفعلت في وجيز الزمن ما لم ينله مثلك في طويله، حتى تم ما ندبناك له، فلتجن ثمار عملك، ولتقر عينا بما آل إليه أمرك في الدنيا والآخرة.
الإيضاح :﴿ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ﴾ أي ليغفر لك ربك جميع ما فرط منك من الهفوات مما يصح أن يسمى ذنبا بالنظر إلى مقامك الشريف، وإن كان لا يسمى ذنبا بالنظر إلى سواك، ومن ثم قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين.
والمراد غفران الذنوب التي قبل الرسالة والتي بعدها، قاله مجاهد وسفيان الثوري وابن جرير والواحدي وغيرهم.
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن المغيرة بن شعبة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه، فقيل له : أليس قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال :( أفلا أكون عبدا شكورا ؟ ).
قال صاحب الكشاف : فإن قلت كيف جعل فتح مكة علة للمغفرة – قلت لم يجعله علة للمغفرة، ولكنه جعله علة لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة، وهي المغفرة وإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز، كأنه قيل : يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك، لنجمع لك بين عز الدارين، وأغراض الآجل والعاجل اه.
﴿ ويتم نعمته عليك ﴾بإعلاء شأن دينك، وانتشاره في البلاد، ورفع ذكرك في الدنيا والآخرة.
﴿ ويهديك صراطا مستقيما ﴾ أي ويرشدك طريقا من الدين لا اعوجاج فيه، يستقيم بك إلى رضا ربك.
المعنى الجملي : نزلت هذه السورة الكريمة حين منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة، لما صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام وحالوا بينه وبين قضاء عمرته، ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة، وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل، فأجابهم إلى ذلك على تكره من جماعة من الصحابة كعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما نحر هديه حيث أحصر ورجع أنزل الله تعالى هذه السورة فيما كان من أمره وأمرهم، وجعل هذا الصلح فتحا لما فيه من المصلحة، ولما آل إليه أمره ؛ فقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : إنكم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح صلح الحديبية. وروى البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب كان يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر : ثكلتك أمك يا عمر، كررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبك، قال عمر : فحركت بعيري حتى تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن، فما لبثت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فقلت : لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال :( لقد أنزلت علي سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس )، ثم قرأ :﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ﴾ ).
وفي صحيح مسلم عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال : لما نزلت ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ﴾ إلى قوله﴿ فوزا عظيما ﴾ مرجعه من الحديبية وهم يخالطهم الحزن والكآبة وقد نحروا الهدي بالحديبية، قال النبي صلى الله عليه وسلم :( لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعها ).
هذا، ولما كان لكل عامل ثمرة يجنيها من عمله، وغاية يبتغيها منه – كان للنبوة نهاية مطلوبة في هذه الحياة وثمرة تتبع هذه النهاية، فنهاية أمر النبوة أن تلتئم الأمور ويجتمع شملها، وتكمل نظمها التي تبنى عليها الحياة الهنية حتى يعيش العالم في طمأنينة وهدوء، ولن يتم ذلك إلا بعد بث الدعوة والجهاد العلمي والعملي بقتال الأعداء وخضد شوكتهم، ومتى تم هذا وأنقذ المستضعفون ودخل الناس في دين الله أفواجا كرها ثم طوعا انتظم أمر النبوة، وأدى الرسول واجبه واستوجب أن يجني ثمرة أعماله، وهي :
مغفرة ما فرط من ذنبه مما يعد ذنبا بالنظر إلى مقامه الشريف.
تمام النعمة باجتماع الملك والنبوة بعد أن كانت له النبوة وحدها.
الهداية إلى الصراط المستقيم في تبليغ الرسالة، وإقامة مراسم الرياسة.
( ٤ )المنعة والعزة ونفاذ الكلمة ورهبة الجانب وحمي الذمار.
فهذا الفتح كان كفيلا بهذه الشؤون الأربعة، فكأنه سبحانه يقول لرسوله : لقد بلغت الرسالة، ونصبت في العمل، وجاهدت بلسانك وسيفك، وجمعت الرجال والكراع والسلاح، وتلطفت وأغلظت، وأخلصت في عملك، وفعلت في وجيز الزمن ما لم ينله مثلك في طويله، حتى تم ما ندبناك له، فلتجن ثمار عملك، ولتقر عينا بما آل إليه أمرك في الدنيا والآخرة.
الإيضاح :﴿ وينصرك الله نصرا عزيزا ﴾ أي وينصرك على من ناوأك من أعدائك نصرا ذا عز بالغ، لا يدفعه دافع، لما يؤيدك به من بأس، وينيلك من ظفر.
﴿ هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما( ٤ )ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما( ٥ )ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا( ٦ )ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما ﴾( الفتح : ٤-٧ ).
تفسير المفردات : أنزل السكينة : أي خلقها وأوجدها، قال الراغب : إنزال الله تعالى نعمته على عبد : إعطاؤه إياها، إما بإنزال الشيء نفسه كإنزال القرآن، أو بإنزال أسبابه بالهداية إليه كإنزال الحديد ونحوه اه. والسكينة : الطمأنينة والثبات من السكون، إيمانا مع إيمانهم : أي يقينا مع يقينهم، جنود السماوات والأرض : أي الأسباب السماوية والأرضية، /م*
المعنى الجملي : بعد أن أخبر سبحانه بأنه سينصر رسله – بين سبيل النصر بأنه رزقهم ثبات أقدام ليزدادوا يقينا إلى يقينهم، ثم أخبر بأن من سننه أن يسلط بعض عباده على بعض، وهو العليم بالمصالح واستعداد النفوس، وقد وعد المؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار وأوعد عباده الكافرين والمنافقين الذين كانوا يتربصون الدوائر بالمؤمنين – بالعذاب الأليم، وغضب عليهم وطردهم من رحمته.
روى أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ﴾ ( الفتح : ٢ ) مرجعه من الحديبية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على وجه الأرض ) ثم قرأها عليهم، فقالوا : هنيئا مريئا يا رسول الله، لقد بين لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه :﴿ ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار – حتى بلغ – فوزا عظيما ﴾ وأخرجه الشيخان من رواية قتادة.
الإيضاح :﴿ هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ﴾ أي هو الذي أنزل في قلوب المؤمنين طمأنينة وثبات أقدام عند اللقاء ومقاتلة الأعداء ( وهو المسمى في العصر الحديث الروح المعنوية في الجيوش ) ليزدادوا يقينا في دينهم إلى يقينهم برسوخ عقيدتهم واطمئنان نفوسهم بعد أن دهمهم من الحوادث ما من شأنه أن يزعج ذوي الأحلام، ويزلزل العقائد بصد الكفار لهم عن المسجد الحرام ورجوعهم دون بلوغ مقصدهم، ولكن لم يرجع أحد منهم عن الإيمان بعد أن هاج الناس وزلزلوا زلزالا شديدا حتى إن عمر بن الخطاب لم يكن راضيا عن هذا الصلح وقال : ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ وكان للصديق من القدم الثابتة ورسوخ الإيمان ما دل على أنه لا يجارى ولا يبارى.
﴿ ولله جنود السماوات والأرض ﴾ فهو الذي يدبر أمر العالم، ويسلط بعض جنده على بعض، فيجعل جماعة يجاهدون لإعلاء كلمة الحق، ويجعل آخرين يقاتلون في سبيل الشيطان، ولو شاء لأرسل عليهم جندا من السماء فأباد خضراءهم، لكنه سبحانه شرع الجهاد والقتال، لما في ذلك من مصلحة هو عليم بها، وحكمة قد تغيب عنا، وهذا ما عناه بقوله :
﴿ وكان الله عليما حكيما ﴾ فهو لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.
سورة الفتح
آيها تسع وعشرون
هي مدنية، نزلت بعد سورة الجمعة. ووجه مناسبتها لما قبلها :
إن الفتح المراد به النصر مرتب على القتال.
إن في كل منهما ذكرا للمؤمنين والمخلصين والمنافقين المشركين.
إن في السورة السالفة أمرا بالاستغفار، وفي هذه ذكر وقوع المغفرة.
تفسير المفردات : ويكفر عنهم سيئاتهم : أي يغطيها ولا يظهرها.
سورة الفتح
آيها تسع وعشرون
هي مدنية، نزلت بعد سورة الجمعة. ووجه مناسبتها لما قبلها :
إن الفتح المراد به النصر مرتب على القتال.
إن في كل منهما ذكرا للمؤمنين والمخلصين والمنافقين المشركين.
إن في السورة السالفة أمرا بالاستغفار، وفي هذه ذكر وقوع المغفرة.
الإيضاح :﴿ ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ﴾ أي وإنما دبر ذلك ليعرف المؤمنون نعمة الله ويشكروها فيدخلوا الجنة ماكثين فيها أبدا، وليكفر عنهم سيئات أعمالهم بالحسنات التي يعملونها، شكرا لربهم على ما أنعم به عليهم، وكان ذلك ظفرا لهم بما كانوا يرجون ويسعون له، ونجاة مما كانوا يحذرونه من العذاب الأليم، وهذا منتهى ما يرون من منفعة مجلوبة، ومضرة مدفوعة.
سورة الفتح
آيها تسع وعشرون
هي مدنية، نزلت بعد سورة الجمعة. ووجه مناسبتها لما قبلها :
إن الفتح المراد به النصر مرتب على القتال.
إن في كل منهما ذكرا للمؤمنين والمخلصين والمنافقين المشركين.
إن في السورة السالفة أمرا بالاستغفار، وفي هذه ذكر وقوع المغفرة.
تفسير المفردات : والسوء :( بالضم والفتح ) : المساءة، وظن السوء : أي ظن الأمر السوء فيقولون في أنفسهم : لا ينصر الله رسوله والمؤمنين، عليهم دائرة السوء، الدائرة في الأصل الحادثة التي تحيط بمن وقعت عليه، وكثر استعمالها في المكروه، والسوء : العذاب والهزيمة والشر ( وهو بالضم والفتح لغتان ) وقال سيبويه : السوء هنا الفساد، أي عليهم ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين لا يتخطاهم، لعنهم : أي طردهم طردا نزلوا به إلى الحضيض.
سورة الفتح
آيها تسع وعشرون
هي مدنية، نزلت بعد سورة الجمعة. ووجه مناسبتها لما قبلها :
إن الفتح المراد به النصر مرتب على القتال.
إن في كل منهما ذكرا للمؤمنين والمخلصين والمنافقين المشركين.
إن في السورة السالفة أمرا بالاستغفار، وفي هذه ذكر وقوع المغفرة.
الإيضاح :﴿ ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء ﴾ أي وليعذب هؤلاء في الدنيا بإيصال الهم والغم إليهم بسبب علو كلمة المسلمين، وبما يشاهدونه من ظهور الإسلام وقهر المخالفين، وبتسليط النبي صلى الله عليه وسلم عليهم قتلا وأسرا واسترقاقا، وفي الآخرة بعذاب جهنم.
وهم قد كانوا يظنون أن النبي صلى الله عليه وسلم سيغلب، وأن كلمة الكفر ستعلو كلمة الإسلام، ومما ظنوه ما حكاه الله بقوله :﴿ بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ﴾( الفتح : ١٢ ).
وإنما قدم المنافقين على المشركين، لأنهم كانوا أشد ضررا على المؤمنين من الكفار المجاهرين، لأن المؤمن كان يتوقى المجاهر، ويخالط المنافق لظنه إيمانه، وكان يفشي سره إليه، وفي هذا دلالة على أنهم أشد منهم عذابا، وأحق منهم بما أوعدهم الله به.
والخلاصة : إن الفريقين ظنوا أن الله لا ينصر رسوله ولا المؤمنين على الكافرين.
وقد دعا سبحانه عليهم بأن ينزل بهم ما كانوا يظنونه بالمؤمنين من الدوائر وأحداث الزمان فقال :
﴿ عليهم دائرة السوء ﴾أي عليهم تدور الدوائر، وسيحيق بهم ما كانوا يتربصونه بالمؤمنين من قتل وسبي وأسر لا يتخطاهم.
ثم بين ما يستحقونه من الغضب واللعنة فقال :
﴿ وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ﴾ أي ونالهم غضب من الله وأبعدهم فأقصاهم من رحمته، وأعد لهم جهنم يصلونها يوم القيامة، وساءت منزلا يصير إليه هؤلاء المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات.
سورة الفتح
آيها تسع وعشرون
هي مدنية، نزلت بعد سورة الجمعة. ووجه مناسبتها لما قبلها :
إن الفتح المراد به النصر مرتب على القتال.
إن في كل منهما ذكرا للمؤمنين والمخلصين والمنافقين المشركين.
إن في السورة السالفة أمرا بالاستغفار، وفي هذه ذكر وقوع المغفرة.
تفسير المفردات : عزيزا : أي يغلب ولا يغلب.
سورة الفتح
آيها تسع وعشرون
هي مدنية، نزلت بعد سورة الجمعة. ووجه مناسبتها لما قبلها :
إن الفتح المراد به النصر مرتب على القتال.
إن في كل منهما ذكرا للمؤمنين والمخلصين والمنافقين المشركين.
إن في السورة السالفة أمرا بالاستغفار، وفي هذه ذكر وقوع المغفرة.
الإيضاح :﴿ ولله جنود السماوات والأرض ﴾ من الملائكة والإنس والجن، والصيحة والرجفة والحجارة والزلازل والخسف والغرق ونحو ذلك – أنصارا على أعدائه إن أمرهم بإهلاكهم أهلكوهم وسارعوا مطيعين لذلك.
وفائدة إعادة هذه الجملة : بيان أن لله جنودا للرحمة وجنودا للعذاب، فذكرهم أولا بيانا لإنزالهم للرحمة، وأنهم يدخلون الجنة مكرمين معظمين، وذكرهم ثانيا بيانا لإنزال العذاب على الكافرين في نار جهنم كما قال :﴿ عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ﴾( التحريم : ٦ ).
روي أنه لما جرى صلح الحديبية قال ابن أبي : أيظن محمد أنه إذا صالح أهل مكة أو فتحها لا يبقى له عدو، فأين فارس والروم – فبين سبحانه أن جنود السماوات والأرض أكثر من فارس والروم.
﴿ وكان الله عزيزا حكيما ﴾ أي وكان الله غالبا فلا يرد بأسه، حكيما فيما دبره لخلقه.
خلاصة ما سلف :
إنه قد ترتب على هذا الفتح أربعة أشياء للنبي صلى الله عليه وسلم :
مغفرة الذنوب.
اجتماع الملك والنبوة.
الهداية إلى الصراط المستقيم.
العزة والمنعة.
وفاز المؤمنون بأربعة أشياء :
الطمأنينة والوقار.
ازدياد الإيمان.
دخول الجنات.
تكفير السيئات.
وجازى الكفار بأربعة أشياء :
العذاب.
الغضب.
اللعنة.
دخول جهنم.
سورة الفتح
آيها تسع وعشرون
هي مدنية، نزلت بعد سورة الجمعة. ووجه مناسبتها لما قبلها :
إن الفتح المراد به النصر مرتب على القتال.
إن في كل منهما ذكرا للمؤمنين والمخلصين والمنافقين المشركين.
إن في السورة السالفة أمرا بالاستغفار، وفي هذه ذكر وقوع المغفرة.
﴿ إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا( ٨ )لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا( ٩ )إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ﴾( الفتح : ٨-١٠ ).
تفسير المفردات : شاهدا : أي على أمتك لقوله تعالى :﴿ ويكون الرسول عليكم شهيدا ﴾ ( البقرة : ١٤٣ ). ومبشرا : أي بالثواب على الطاعة، ونذيرا : أي بالعذاب على المعصية.
المعنى الجملي : بعد أن أتم الكلام على ما لكل من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من الثمرات التي ترتبت على عمله – أعقبه بما يعمهما معا، فذكر أنه أرسل رسوله شاهدا على أمته، ومبشرا لها بالثواب، ومنذرا إياها بالعقاب، ثم أبان أن فائدة هذا الإرسال هو الإيمان بالله وتعظيمه وتسبيحه غدوة وعشيا ونصرة دينه، ثم ذكر بيعة الحديبية ( قرية صغيرة على أقل من مرحلة من مكة، سميت باسم بئر هناك ) وأن الذين بايعوا هذه البيعة إنما بايعوا الله ونصروا دينه، وأن من نقض منهم العهد فوبال ذلك عائد إليه، ولا يضرن إلا نفسه، ومن أوفى بهذا العهد فسينال الأجر العظيم، والثواب الجزيل.

بيعة الرضوان = بيعة الشجرة :

سبب هذه البيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي حين نزل الحديبية، فبعثه إلى قريش بمكة ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له، فعقروا جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله، فمنعه الأحابيش ( واحدهم أحبوش، وهو الفوج من قبائل شتى ) فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه، فقال : إني أخافهم على نفسي، لما أعرف من عداوتي إياهم وما بمكة عدوي( قبيلته بنو عدي ) ولكني أدلك على رجل هو أعزبها مني وأحب إليهم – عثمان بن عفان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة فجعله في جواره حتى فرغ من رسالته لعظماء قريش، ثم احتبسوه عندهم، فشاع بين المسلمين أن عثمان قد قتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا نبرح حتى نناجز القوم )، ودعا الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، وبايعه القوم على ألا يفروا أبدا إلا جد بن قيس الأنصاري، فأرعب ذلك المشركين وأرسلوا داعين إلى الموادعة والصلح، وكان قد أتى رسول الله أن الذي بلغه من أمر عثمان كذب، فتم الصلح ومشى بعضهم إلى بعض على أن يحج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام القابل ويدخل مكة.
روى البخاري من حديث قتادة قلت لسعيد بن المسيب : كم كان الذين شهدوا بيعة الرضوان ؟ قال : خمس عشرة مائة، والمشهور الذي رواه غير واحد أنهم كانوا أربع عشرة مائة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإيضاح :﴿ إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا* لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ﴾أي إنا أرسلناك أيها الرسول شاهدا على أمتك بما أجابوك فيما دعوتهم إليه مما أرسلتك به إليهم، مبشرا لهم بالجنة إن أجابوك إلى ما دعوتهم إليه من الدين القيم، ونذيرا لهم عذاب الله إن تولوا وأعرضوا عما جئتهم به من عنده، فآمنوا بالله ورسوله وانصروا دينه وعظموه وسبحوه في الغدو والعشي.
تفسير المفردات : وتعزروه : أي تنصروه، وتوقروه : أي تعظموه، بكرة : أي أول النهار، وأصيلا : أي آخر النهار، والمراد جميع النهار، إذ من سنن العرب أن يذكروا طرفي الشيء ويريدوا جميعه، كما يقال شرقا وغربا لجميع الدنيا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإيضاح :﴿ إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا* لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ﴾أي إنا أرسلناك أيها الرسول شاهدا على أمتك بما أجابوك فيما دعوتهم إليه مما أرسلتك به إليهم، مبشرا لهم بالجنة إن أجابوك إلى ما دعوتهم إليه من الدين القيم، ونذيرا لهم عذاب الله إن تولوا وأعرضوا عما جئتهم به من عنده، فآمنوا بالله ورسوله وانصروا دينه وعظموه وسبحوه في الغدو والعشي.
تفسير المفردات : يبايعونك : أي يوم الحديبية إذ بايعوه على الموت في نصرته والذب عنه كما روي عن سلمة بن الأكوع وغيره، أو على ألا يفروا من قريش كما روي عن ابن عمر وجابر، إنما يبايعون الله، لأن المقصود من بيعة الرسول وطاعته طاعة الله وامتثال أوامره، يد الله فوق أيديهم : أي نصرته إياهم أعلى وأقوى من نصرتهم إياه، كما يقال اليد لفلان : أي الغلبة والنصرة له، نكث : أي نقض، يقال أوفى بالعهد ووفى به : إذا أتمه، وقرأ الجمهور ( عليه )بكسر الهاء، وضمها حفص، لأنها هاء هو وهي مضمومة فاستصحب ذلك كما في له وضربه.
سورة الفتح
آيها تسع وعشرون
هي مدنية، نزلت بعد سورة الجمعة. ووجه مناسبتها لما قبلها :
إن الفتح المراد به النصر مرتب على القتال.
إن في كل منهما ذكرا للمؤمنين والمخلصين والمنافقين المشركين.
إن في السورة السالفة أمرا بالاستغفار، وفي هذه ذكر وقوع المغفرة.
الإيضاح :﴿ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ﴾ أصل البيعة العقد الذي يعقده الإنسان على نفسه من بذل الطاعة للإمام والوفاء بالعهد الذي التزمه له، والمراد بها هنا بيعة الرضوان بالحديبية، وقد بايعه جماعة من الصحابة على ألا يفروا، منهم معقل بن يسار، أي إن الذين يبايعونك بالحديبية من أصحابك على ألا يفروا عند لقاء العدو، ولا يولوهم الأدبار، إنما يبايعون الله ببيعتهم إياك، وقد ضمن لهم الجنة بوفائهم له بذلك.
ثم أكد ما سلف بقوله :
﴿ يد الله فوق أيديهم ﴾ أي نعمة الله عليهم بالهداية فوق ما صنعوا من البيعة كما قال تعالى :﴿ يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ﴾ ( الحجرات : ١٧ ).
﴿ فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ﴾ أي فمن نقض العهد الذي عقده مع النبي صلى الله عليه وسلم فإن ضرر ذلك راجع إليه ولا يضرن إلا نفسه.
﴿ ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ﴾ أي ومن وفى بعهد البيعة فله الأجر والثواب في الآخرة، وسيدخله جنات يجد فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
﴿ سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا( ١١ )بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا( ١٢ )ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا( ١٣ )ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما ﴾( الفتح : ١١-١٤ ).
تفسير المفردات : المخلفون : واحدهم مخلف، وهو المتروك في المكان خلف الخارجين منه، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم : أي إن كلامهم من طرف اللسان غير مطابق لما في القلب فهو كذب صراح، والملك : إمساك بقوة وضبط ؛ تقول ملكت الشيء إذا دخل تحت ضبطك دخولا تاما، ومنه لا أملك رأس بعيري : إذ لم تستطع إمساكه إمساكا تاما، والمراد بالضر : ما يضر من هلاك الأهل والمال وضياعهما، وبالنفع : ما ينفع من حفظ المال والأهل،
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه حال المنافقين فيما سلف وبين أن الله غضب عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاب السعير – أردف ذلك ذكر قبائل من العرب جهينة ومزينة وغفار وأشجع والديل وأسلم – تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استنفرهم عام الحديبية حين أراد السير إلى مكة معتمرا، وساق معه الهدي ليعلم أنه لا يريد حربا، واعتلوا بأن أموالهم وأهليهم قد شغلتهم، لكنهم في حقيقة أمرهم كانوا ضعاف الإيمان خائفين من مقاتلة قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة وهم الأحابيش، وقالوا : كيف نذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم ؟ وقالوا : لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذا السفر، ففضحهم الله في هذه الآية وأخبر بأنه أعد لهؤلاء وأمثالهم نارا موقدة تطلع على الأفئدة، وأعد للمؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، وهو ذو مغفرة لمن أقلع من ذنبه، وأناب إلى ربه.
الإيضاح :﴿ سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا ﴾ أي أيها الرسول سيقول لك الذين تخلفوا عن صحبتك والخروج معك في سفرك حين سرت إلى مكة معتمرا زائرا بيت الله الحرام وعاقبتهم على التخلف : شغلنا عن الخروج معك معالجة أموالنا وإصلاح معايشنا وأهلونا، إذ لم يكن لنا من يقوم بتدبير شؤونهم وقضاء حاجهم، فاطلب لنا المغفرة من ربك، إذ لم يكن تخلفنا عن عصيان لك، ولا مخالفة لأمرك.
فرد الله عليهم وكذبهم بقوله :
﴿ يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ﴾ أي إنهم لم يكونوا صادقين في اعتذارهم بأن الامتناع كان لهذا السبب، لأنهم إنما تخلفوا اعتقادا منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين يغلبون بدليل قوله بعد :﴿ بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ﴾.
ثم أمر رسوله أن يرد عليهم حين اعتذروا بتلك الأباطيل فقال :
﴿ قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا ﴾ أي قل لهم : إنكم بعلمكم هذا تحترسون من الضر وتتركون أمر الله ورسوله وتقعدون طلبا للسلامة، ولكن لو أراد الله بكم ضرا لا ينفعكم قعودكم شيئا، أو أراد بكم نفعا فلا راد له، إذ من ذا الذي يمنع من قضائه ؟
وهذا رد عليهم حين ظنوا أن التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضر ويجلب لهم النفع.
ثم أبان لهم أنه عليم بجميع نواياهم وأن ما أظهروه من العذر هو غير ما أبطنوه من الشك والنفاق فقال :
﴿ بل كان الله بما تعملون خبيرا ﴾ فيعلم أن تخلفكم لم يكن لما أظهرتم من المعاذير، بل كان شكا ونفاقا كما فصل ذلك بقوله :
تفسير المفردات : ينقلب : أي يرجع، إلى أهليهم : أي عشائرهم وذوي قرباهم، بورا : أي هالكين لفساد عقائدكم وسوء نياتكم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه حال المنافقين فيما سلف وبين أن الله غضب عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاب السعير – أردف ذلك ذكر قبائل من العرب جهينة ومزينة وغفار وأشجع والديل وأسلم – تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استنفرهم عام الحديبية حين أراد السير إلى مكة معتمرا، وساق معه الهدي ليعلم أنه لا يريد حربا، واعتلوا بأن أموالهم وأهليهم قد شغلتهم، لكنهم في حقيقة أمرهم كانوا ضعاف الإيمان خائفين من مقاتلة قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة وهم الأحابيش، وقالوا : كيف نذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم ؟ وقالوا : لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذا السفر، ففضحهم الله في هذه الآية وأخبر بأنه أعد لهؤلاء وأمثالهم نارا موقدة تطلع على الأفئدة، وأعد للمؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، وهو ذو مغفرة لمن أقلع من ذنبه، وأناب إلى ربه.
الإيضاح :﴿ بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ﴾ أي إن تخلفكم لم يكن لما أبديتم من الأسباب، بل إنكم اعتقدتم أن الرسول والمؤمنين سيقتلون وتستأصل شأفتهم، فلا يرجعون إلى أهليهم أبدا، وزين لكم الشيطان ذلك الظن حتى قعدتم عن صحبته، وظننتم أن الله لن ينصر محمدا وصحبه المؤمنين على أعدائهم، بل سيغلبون ويقتلون، وبلغ الأمر بكم أن قلتم : إن محمدا وأصحابه أكلة رأس( قليلو العدد ) فأين يذهبون ؟ وقد صرتم بما قلتم قوما هلكى لا تصلحون لشيء من الخير، مستوجبين سخط الله وشديد عقابه.
تفسير المفردات : سعيرا : أي نارا مسعورة موقدة ملتهبة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه حال المنافقين فيما سلف وبين أن الله غضب عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاب السعير – أردف ذلك ذكر قبائل من العرب جهينة ومزينة وغفار وأشجع والديل وأسلم – تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استنفرهم عام الحديبية حين أراد السير إلى مكة معتمرا، وساق معه الهدي ليعلم أنه لا يريد حربا، واعتلوا بأن أموالهم وأهليهم قد شغلتهم، لكنهم في حقيقة أمرهم كانوا ضعاف الإيمان خائفين من مقاتلة قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة وهم الأحابيش، وقالوا : كيف نذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم ؟ وقالوا : لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذا السفر، ففضحهم الله في هذه الآية وأخبر بأنه أعد لهؤلاء وأمثالهم نارا موقدة تطلع على الأفئدة، وأعد للمؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، وهو ذو مغفرة لمن أقلع من ذنبه، وأناب إلى ربه.
الإيضاح : ثم أخبر سبحانه عما أعده للكافرين به فقال :
﴿ ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا ﴾ أي ومن لم يصدق بما أخبر الله به ويقر بصدق ما جاء به رسوله من الحق من عنده، فإنا أعتدنا له سعيرا من النار تستعر عليه في جهنم إذا وردها يوم القيامة جزاء كفره.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه حال المنافقين فيما سلف وبين أن الله غضب عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاب السعير – أردف ذلك ذكر قبائل من العرب جهينة ومزينة وغفار وأشجع والديل وأسلم – تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استنفرهم عام الحديبية حين أراد السير إلى مكة معتمرا، وساق معه الهدي ليعلم أنه لا يريد حربا، واعتلوا بأن أموالهم وأهليهم قد شغلتهم، لكنهم في حقيقة أمرهم كانوا ضعاف الإيمان خائفين من مقاتلة قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة وهم الأحابيش، وقالوا : كيف نذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم ؟ وقالوا : لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذا السفر، ففضحهم الله في هذه الآية وأخبر بأنه أعد لهؤلاء وأمثالهم نارا موقدة تطلع على الأفئدة، وأعد للمؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، وهو ذو مغفرة لمن أقلع من ذنبه، وأناب إلى ربه.
الإيضاح : ثم بين قدرته على ذلك وأنه يفعل ما يشاء لا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه فقال :
﴿ ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ﴾ أي ولله السلطان والتصرف في السماوات والأرض، فلا يقدر أحد أن يدفعه عما أراد بكم من تعذيب على نفاقكم إن أصررتم عليه، أو منعه من العفو عنكم إن أنتم تبتم من نفاقكم وكفركم.
وهذا حسم لأطماعهم في استغفاره صلى الله عليه وسلم لهم وهم على هذه الحال.
ثم أطمعهم في مغفرته وعفوه إن تابوا وأنابوا إليه فقال :
﴿ وكان الله غفورا رحيما ﴾ أي وكان الله كثير المغفرة والرحمة، يختص من يشاء بمغفرته ورحمته دون من عداهم من الكافرين فهم بمعزل عن ذلك.
وفي الآية حث لهؤلاء المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على التوبة والمراجعة إلى أمر الله في طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وطلب المبادرة بها، فإن الله يغفر للتائبين ويرحمهم إذا أنابوا إليه، وأخلصوا العمل له.
﴿ سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا ﴾( الفتح : ١٥ ).
تفسير المفردات : المراد بالمغانم : مغانم خيبر، فإنه عليه الصلاة والسلام رجع من الحديبية في ذي الحجة من سنة خمس وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم، ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها وغنم أموالا كثيرة خصهم بها والمراد بتبديل كلام الله الشركة في المغانم دون أن ينصروا دين الله ويعلوا كلمته،
يفقهون : أي يفهمون والمراد بالفهم القليل فهمهم لأمور الدنيا دون أمور الدين.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه اعتذارهم عن التخلف فيما سلف بأنه إنما كان لمعالجة معايشهم وصلاح أموالهم، وما كان له من سبب آخر يقعدهم عن نصرته – أعقب ذلك بما يكذبهم في هذه المعذرة، فإنهم قد طلبوا السير مع النبي صلى الله عليه وسلم في وقعة خيبر لما يتوقعونه من مغانم يأخذونها، ولو كانت التعلة السالفة حقا ما طلبوا السير معه بحال.
ثم أخبر بأن الله سبحانه رفض طلبهم الذهاب مع رسول الله إلى خيبر، فقالوا : إن ذلك حسد من المؤمنين لهم أن ينالوا شيئا من الغنيمة، فرد الله عليهم ما قالوا، وأبان أنهم قوم ماديون لا يسعون إلا للدنيا، ولا يفهمون ما يعلي شأن الدين ويرفع قدره.
الإيضاح :﴿ سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ﴾ أي سيقول لك الذين تخلفوا عنك في عمرة الحديبية واعتلوا بشغلهم بأموالهم وأهليهم : دعونا نتبعكم ونسر معكم إلى غزو خيبر، حين توقعوا ما سيكون فيها من مغانم. وفي هذا وعد للمبايعين الموافقين بالغنيمة، وللمتخلفين المخالفين بالحرمان.
﴿ يريدون أن يبدلوا كلام الله ﴾ فإنه تعالى وعد أهل الحديبية بمغانم خيبر وحدهم لا يشاركهم فيها غيرهم من الأعراب، فقد جاء في صحيح الأخبار :( إن الله وعد أهل الحديبية أن يعوضهم من مغانم مكة مغانم خيبر إذا قفلوا موادعين لا يصيبون شيئا.
ثم أمر رسوله أن يقول لهم إقناطا وتيئيسا من الذهاب معه إلى خيبر.
﴿ قل لن تتبعونا ﴾ أي لا تأذن لهم في الخروج معك معاقبة لهم من جنس ذنبهم فإن امتناعهم عن الخروج إلى الحديبية ما حصل إلا لأنهم كانوا يتوقعون المغرم وهو جلاد العدو ومصاولته، ولا يتوقعون المغنم، فلما انعكست الآية في خيبر طلبوا ذلك فعاقبهم الله بطردهم من المغانم.
ثم أكد هذا المنع بقوله :
﴿ كذلكم قال الله من قبل ﴾ أي هكذا قال الله لنا من قبل مرجعنا من الحديبية إليكم : إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية معنا، ولستم ممن شهدها، فليس لكم أن تتبعونا لأن غنيمتها لغيركم.
ثم أخبر بأنهم سيردون عليك مقالك السابق﴿ كذلكم قال الله من قبل ﴾ فقال :
﴿ فسيقولون بل تحسدوننا ﴾ أي إن الله ما قال ذلك من قبل، بل أنتم تحسدوننا أن نصيب معكم مغنما، ومن ثم منعتمونا.
فرد عليهم اتهام رسوله وصحبه بالحسد فقال :
﴿ بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا ﴾ أي ما الأمر كما يقول هؤلاء المنافقون من الأعراب من أنكم تمنعونهم عن اتباعكم حسدا منكم لهم على أن يصيبوا معكم من العدو مغنما، بل إنما كان لأنهم لا يفقهون من أمر الدين إلا قليلا، ولو فقهوا ما قالوا ذلك لرسوله وللمؤمنين، بعد أن أخبرهم بأن الله منعهم غنائم خيبر.
وفي هذا إشارة إلى أن ردهم حكم الله، وإثبات الحسد لرسوله والمؤمنين – ناشئ من الجهل وقلة التدبر.
﴿ قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما( ١٦ )ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما ﴾ ( الفتح : ١٦-١٧ ).
تفسير المفردات : قال الزهري ومقاتل وجماعة : المراد بالقوم أولى البأس الشديد بنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب، وقال قتادة : هم هوازن وغطفان، وقال ابن عباس ومجاهد : هم أهل فارس، وقال الحسن : هم فارس والروم، قال ابن جرير : إنه لم يقم دليل من نقل ولا من عقل على تعيين هؤلاء القوم، فلندع الأمر على إجماله دون حاجة إلى التعيين ا. ه. والبأس : النجدة وشدة المراس في القتال.
المعنى الجملي : بعد أن رفض سبحانه إشراك المتخلفين في قتال خيبر عقابا لهم على تقاعدهم عن نصرة الله ورسوله في الحديبية – أردف ذلك بيان أن باب القتال لا يزال مفتوحا أمامكم، فإن شئتم أن تبرهنوا على ما لكم من بلاء في ميدان القتال فاستعدوا فستندبون إلى مواجهة قوم أولي بأس ونجدة، فإما أن يسلموا وإما أن تبارزوهم حتى تبيدوا خضراءهم ولا تبقوا منهم ديارا ولا نافخ نار، فإن أجبتم داعي الله أثابكم على ما فعلتم جزيل الأجر، وإن نكصتم على أعقابكم كما فعلتم من قبل فستجزون العذاب الأليم، ثم ذكر الأعذار المبيحة للتخلف عن الجهاد، ومنها ما هو لازم كالعمي والعرج، ومنها ما هو عارض يطرأ ويزول كالمرض، ثم أعقب ذلك بالترغيب في الجهاد والوعيد بالعذاب الأليم من مذلة في الدنيا، ونار موقدة في الآخرة لمن نكل عنه وأقبل على الدنيا، وترك ما يقربه من ربه.
الإيضاح :﴿ قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون ﴾أي قل لهؤلاء المخلفين الذين تقدم ذكرهم – إنكم ستندبون إلى قتال قوم من أولي البأس والنجدة، فعليكم أن تخيروهم بين أمرين : إما السيف، وإما الإسلام. وهذا حكم عام في مشركي العرب والمرتدين يجب اتباعه.
ثم وعدهم إذا أجابوا بقوله :
﴿ فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا ﴾أي فإن تستجيبوا وتنفروا للجهاد وتؤدوا ما طلب منكم أداؤه – يؤتكم ربكم الأجر الحسن، والثواب الجزيل، فتنالوا المغانم في الدنيا، وتدخلوا الجنة في الآخرة.
كما أوعد من نكص على عقبه بقوله :
﴿ وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما ﴾ أي وإن تعصوا ربكم فتدبروا عن طاعته، وتخالفوا أمره، فتتركوا قتال أولي النجدة والبأس إذا دعيتم إلى قتالهم، كما عصيتموه في أمره إياكم بالمسير مع رسوله صلى الله عليه وسلم إلى مكة يعذبكم العذاب الأليم بالمذلة في الدنيا، والنار في الآخرة.
تفسير المفردات : الحرج : الإثم والذنب.
المعنى الجملي : بعد أن رفض سبحانه إشراك المتخلفين في قتال خيبر عقابا لهم على تقاعدهم عن نصرة الله ورسوله في الحديبية – أردف ذلك بيان أن باب القتال لا يزال مفتوحا أمامكم، فإن شئتم أن تبرهنوا على ما لكم من بلاء في ميدان القتال فاستعدوا فستندبون إلى مواجهة قوم أولي بأس ونجدة، فإما أن يسلموا وإما أن تبارزوهم حتى تبيدوا خضراءهم ولا تبقوا منهم ديارا ولا نافخ نار، فإن أجبتم داعي الله أثابكم على ما فعلتم جزيل الأجر، وإن نكصتم على أعقابكم كما فعلتم من قبل فستجزون العذاب الأليم، ثم ذكر الأعذار المبيحة للتخلف عن الجهاد، ومنها ما هو لازم كالعمي والعرج، ومنها ما هو عارض يطرأ ويزول كالمرض، ثم أعقب ذلك بالترغيب في الجهاد والوعيد بالعذاب الأليم من مذلة في الدنيا، ونار موقدة في الآخرة لمن نكل عنه وأقبل على الدنيا، وترك ما يقربه من ربه.
الإيضاح : ثم ذكر الأعذار المبيحة للتخلف عن القتال فقال :
﴿ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ﴾ أي لا إثم على ذوي الأعذار إذا تخلفوا عن الجهاد وشهود الحرب مع المؤمنين إذا هم لقوا عدوهم للعلل التي بهم، والأسباب التي تمنعهم من شهودها كالعمى والعرج والمرض.
روي أنه لما نزل قوله :﴿ وإن تتولوا كما توليتم ﴾ الآية. قال أهل الزمانة : كيف بنا يا رسول الله فأنزل الله :﴿ ليس على الأعمى حرج ﴾ الآية.
وقال مقاتل : عذر الله أهل الزمانة الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية.
ثم رغب سبحانه في الجهاد وطاعة الله ورسوله، وأوعد على تركه بقوله :
﴿ ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما ﴾ أي ومن يطع الله ورسوله فيجيب الداعي إلى حرب أعدائه أهل الشرك دفاعا عن دينه وإعلاء لكلمته – يدخله يوم القيامة جنات تجري من تحتها الأنهار، ومن يعص الله ورسوله فيتخلف عن القتال إذا دعي إليه – يعذبه عذابا موجعا في نار جهنم.
﴿ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا( ١٨ )ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما ﴾( الفتح : ١٨-١٩ ).
تفسير المفردات : الرضا : ما يقابل السخط، يقال رضي عنه ورضي به ورضيته، والمراد بالمؤمنين أهل الحديبية، ورضاه عنهم لمبايعتهم رسوله صلى الله عليه وسلم، والشجرة : سمرة ( شجرة طلح - وهي المعروفة الآن بالسنط ) بايع المؤمنون تحت ظلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما في قلوبهم : أي من الصدق والإخلاص في المبايعة، والسكينة : الطمأنينة والأمن وسكون النفس، فتحا قريبا : هو فتح خيبر عقب انصرافهم من الحديبية كما علمت.
المعنى الجملي : بعد أن بين حال المخلفين فيما سلف – عاد إلى بيان حال المبايعين الذين ذكرهم فيما تقدم بقوله :﴿ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ﴾ فأبان رضاهم عنه لأجل تلك البيعة، لما علم من صدق إيمانهم، وإخلاصهم في بيعتهم، وأنزل عليهم طمأنينة ورباطة جأش وجازاهم بمغانم كثيرة أخذوها من خيبر بعد عودتهم من الحديبية، وكان الله عزيزا : أي غالبا على أمره، موجدا أفعاله وأقواله على مقتضى الحكمة.
عن سلمة بن الأكوع قال :( بينا نحن قائلون، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيها الناس : البيعة البيعة، نزل روح القدس، فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه، فذلك قوله تعالى :﴿ لقد رضي الله عن المؤمنين ﴾. فبايع لعثمان بإحدى يديه على الأخرى، فقال الناس هنيئا لابن عفان، يطوف بالبيت ونحن هنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف )أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه.
وأخرج البخاري عن سلمة أيضا قال :( بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قيل : علي أي شيء كنتم تبايعون يومئذ ؟ قال : على الموت ).
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة ) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي.
الإيضاح :﴿ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ﴾ أخبر سبحانه عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا تحت الشجرة بيعة الرضوان، وقد عرفت أنهم كانوا أربع عشرة مائة، كما عرفت أسباب هذه البيعة.
ولما أراد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلموا هذه الشجرة بعد ذلك كثر اختلافهم فيها، فلما اشتبهت عليهم وصار كل واحد يشير إلى شجرة غير التي يشير إليها الآخر، قال عمر : سيروا ذهبت الشجرة، وقال ابن عمر : ما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، وكانت رحمة من الله.
وعن نافع قال : بلغ عمر أن أناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف.
﴿ فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ﴾ أي فعلم ما في قلوبهم من الصدق والسمع والطاعة، فأنزل عليهم الطمأنينة وسكون النفس ورباطة الجأش وأعطاهم جزاء ما وهبوه من الطاعة – فتح خيبر عقب انصرافهم من الحديبية كما علمت.
تفسير المفردات : مغانم كثيرة : هي مغانم خيبر، وكانت خيبر أرضا ذات عقار وأموال قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المقاتلة فأعطى لفارس سهمين والراجل سهما، عزيزا : أي غالبا، حكيما : أي يفعل على مقتضى الحكمة في تدبير خلقه.
المعنى الجملي : بعد أن بين حال المخلفين فيما سلف – عاد إلى بيان حال المبايعين الذين ذكرهم فيما تقدم بقوله :﴿ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ﴾ فأبان رضاهم عنه لأجل تلك البيعة، لما علم من صدق إيمانهم، وإخلاصهم في بيعتهم، وأنزل عليهم طمأنينة ورباطة جأش وجازاهم بمغانم كثيرة أخذوها من خيبر بعد عودتهم من الحديبية، وكان الله عزيزا : أي غالبا على أمره، موجدا أفعاله وأقواله على مقتضى الحكمة.
عن سلمة بن الأكوع قال :( بينا نحن قائلون، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيها الناس : البيعة البيعة، نزل روح القدس، فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه، فذلك قوله تعالى :﴿ لقد رضي الله عن المؤمنين ﴾. فبايع لعثمان بإحدى يديه على الأخرى، فقال الناس هنيئا لابن عفان، يطوف بالبيت ونحن هنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف )أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه.
وأخرج البخاري عن سلمة أيضا قال :( بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قيل : علي أي شيء كنتم تبايعون يومئذ ؟ قال : على الموت ).
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة ) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي.
الإيضاح :﴿ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾ أي وعوضهم في العاجل مما رجوا الظفر به من غنائم أهل مكة بقتالهم – فتح خيبر، فأخذوا أموال يهودها وعقارهم وكان كثيرا، وخصهم بأهل بيعة الرضوان لا يشركهم فيه سواهم.
﴿ وكان الله عزيزا حكيما ﴾ وكان الله ذا عزة في انتقامه ممن انتقم من أعدائه، حكيما في تدبير أمور خلقه وتصريفه إياهم فيما شاء من قضائه.
﴿ وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما( ٢٠ )وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا( ٢١ )ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا( ٢٢ )سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا( ٢٣ )وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا ﴾( الفتح : ٢٠-٢٤ ).
تفسير المفردات : المغانم الكثيرة : ما وعد به المؤمنون إلى يوم القيامة، فعجل لكم هذه : أي مغانم خيبر، أيدي الناس : أي أيدي اليهود عن المدينة بعد خروج الرسول منها إلى الحديبية، آية : أي أمارة للمؤمنين يعرفون بها :
صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.
حياطة الله لرسوله وللمؤمنين وحراسته لهم في مشهدهم ومغيبهم.
معرفة المؤمنين الذين سيأتون بعد أن كلاءته تعالى ستعمهم أيضا ما داموا على الجادة، الصراط المستقيم : هو الثقة بفضل الله والتوكل عليه فيما تأتون وما تذرون،
المعنى الجملي : بعد أن وعدهم فيما سلف بمغانم خيبر- أردف ذلك بيان أن ما آتاهم من الفتح والمغانم ليس هو الثواب وحده، بل الجزاء أمامهم، وإنما عجل لهم هذه لتكون علامة على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم وحياطته له، وحراسته للمؤمنين وليثبتكم على الإسلام، وليزيدكم بصيرة، وسيؤتيكم مغانم أخرى من فارس والروم وغيرهما ما كنتم تقدرون عليها لولا الإسلام، فقد كانت بلاد العرب شبه مستعمرات لهذه الدول فأقدرهم الله عليها بعز الإسلام.
ثم ذكر أنه لو قاتلكم أهل مكة ولم يصالحوكم لانهزموا ولم يجدوا وليا ولا نصيرا يدافع عنهم، وتلك هي سنة الله من غلبة المؤمنين، وخذلان الكافرين، ثم امتن على عباده المؤمنين بأنه كف أيدي المشركين عنهم، فلم يصل إليهم منهم سوء، وكف أيدي المؤمنين من المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، فصان كلا من الفريقين عن الآخر، وأوجد صلحا فيه خيرة للمؤمنين، وعافية لهم في الدنيا والآخرة.
الإيضاح :﴿ وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم، ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما ﴾ أي وعدكم الله مغانم كثيرة من غنائم أهل الشرك إلى يوم القيامة، ولكن عجل لكم مغانم خيبر، وكف أيدي اليهود عن المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية وخيبر قاله قتادة واختاره ابن جرير الطبري، لتشكروه ولتكون أمارة للمؤمنين يعلمون بها أن الله حافظهم وناصرهم على أعدائهم على قلة عددهم، وليهديكم صراطا مستقيما بانقيادكم لأمره، وموافقتكم رسوله صلى الله عليه وسلم، ويزيدكم يقينا بصلح الحديبية وفتح خيبر.
روى إياس بن سلمة قال : حدثني أبي قال :( خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم ثم قال :
تالله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا فثبت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينة علينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من هذا ؟ ) قال : أنا عامر، قال :( غفر لك ربك ( وما استغفر لأحد إلا استشهد ) قال : فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له، يا نبي الله لو أمتعتنا بعامر، فلما قدمنا خيبر خرج قائدهم مرحب يخطر بسيفه ويقول :
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحرب أقبلت تلتهب
فبرز له عامر بن عثمان فقال :
قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فرجع سيف عامر على نفسه، فقطع أكحله ( الأكحل : عرق في اليد ) فكانت فيها نفسه، قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلت : يا رسول الله بطل عمل عامر، فقال :( من قال ذلك ؟ ) قلت : ناس من أصحابك، قال :( من قال ذلك ؟ بل له أجره مرتين )، ثم أرسلني إلى علي وهو أرمد وقال :( لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله )، فأتيت عليا فجئت به أقوده وهو أرمد حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفل في عينيه فبرئ وأعطاه الراية، فخرج مرحب وقال :
أنا الذي سمتني أمي مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
فقال علي كرم الله وجهه :
أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره
أكيلكم بالسيف كيل السندره١
قال : فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.
تفسير المفردات : وأخرى : أي مغانم أخرى هي مغانم فارس والروم، أحاط الله بها : أي أعدها لكم وهي تحت قبضته يظهر عليها من أراد.
المعنى الجملي : بعد أن وعدهم فيما سلف بمغانم خيبر- أردف ذلك بيان أن ما آتاهم من الفتح والمغانم ليس هو الثواب وحده، بل الجزاء أمامهم، وإنما عجل لهم هذه لتكون علامة على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم وحياطته له، وحراسته للمؤمنين وليثبتكم على الإسلام، وليزيدكم بصيرة، وسيؤتيكم مغانم أخرى من فارس والروم وغيرهما ما كنتم تقدرون عليها لولا الإسلام، فقد كانت بلاد العرب شبه مستعمرات لهذه الدول فأقدرهم الله عليها بعز الإسلام.
ثم ذكر أنه لو قاتلكم أهل مكة ولم يصالحوكم لانهزموا ولم يجدوا وليا ولا نصيرا يدافع عنهم، وتلك هي سنة الله من غلبة المؤمنين، وخذلان الكافرين، ثم امتن على عباده المؤمنين بأنه كف أيدي المشركين عنهم، فلم يصل إليهم منهم سوء، وكف أيدي المؤمنين من المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، فصان كلا من الفريقين عن الآخر، وأوجد صلحا فيه خيرة للمؤمنين، وعافية لهم في الدنيا والآخرة.
الإيضاح :﴿ وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ﴾ أي ووعدكم الله فتح بلاد أخرى لم تقدروا عليها، قد حفظها لكم حتى تفتحوها، ومنعها من غيركم حتى تأخذوها كفارس والروم، أقدركم عليهم بعز الإسلام وقد كنتم قبل ذلك مستضعفين أمامهم لا تستطيعون دفعهم عن أنفسكم.
﴿ وكان الله على كل شيء قديرا ﴾ أي وكان الله على كل ما يشاء من الأشياء ذا قدرة لا يتعذر عليه شيء.
تفسير المفردات : لولوا الأدبار : أي لانهزموا، والولي الحارس الحامي، والنصير : المعين والمساعد، سنة الله : أي سن سبحانه غلبة أنبيائه سنة قديمة فيمن مضى من الأمم كما قال :﴿ لأغلبن أنا ورسلي ﴾( المجادلة : ٢١ )
المعنى الجملي : بعد أن وعدهم فيما سلف بمغانم خيبر- أردف ذلك بيان أن ما آتاهم من الفتح والمغانم ليس هو الثواب وحده، بل الجزاء أمامهم، وإنما عجل لهم هذه لتكون علامة على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم وحياطته له، وحراسته للمؤمنين وليثبتكم على الإسلام، وليزيدكم بصيرة، وسيؤتيكم مغانم أخرى من فارس والروم وغيرهما ما كنتم تقدرون عليها لولا الإسلام، فقد كانت بلاد العرب شبه مستعمرات لهذه الدول فأقدرهم الله عليها بعز الإسلام.
ثم ذكر أنه لو قاتلكم أهل مكة ولم يصالحوكم لانهزموا ولم يجدوا وليا ولا نصيرا يدافع عنهم، وتلك هي سنة الله من غلبة المؤمنين، وخذلان الكافرين، ثم امتن على عباده المؤمنين بأنه كف أيدي المشركين عنهم، فلم يصل إليهم منهم سوء، وكف أيدي المؤمنين من المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، فصان كلا من الفريقين عن الآخر، وأوجد صلحا فيه خيرة للمؤمنين، وعافية لهم في الدنيا والآخرة.
الإيضاح :﴿ ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا ﴾ يقول سبحانه مبشرا عباده المؤمنين بأنه لو ناجزهم المشركون لنصرهم عليهم ولانهزم جيش الكفر فارا مدبرا لا يجد وليا يتولى رعايته ويكلؤه ويحرسه، ولا نصيرا يساعده، لأنه محارب لله ولرسوله ولحزبه المؤمنين.
المعنى الجملي : بعد أن وعدهم فيما سلف بمغانم خيبر- أردف ذلك بيان أن ما آتاهم من الفتح والمغانم ليس هو الثواب وحده، بل الجزاء أمامهم، وإنما عجل لهم هذه لتكون علامة على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم وحياطته له، وحراسته للمؤمنين وليثبتكم على الإسلام، وليزيدكم بصيرة، وسيؤتيكم مغانم أخرى من فارس والروم وغيرهما ما كنتم تقدرون عليها لولا الإسلام، فقد كانت بلاد العرب شبه مستعمرات لهذه الدول فأقدرهم الله عليها بعز الإسلام.
ثم ذكر أنه لو قاتلكم أهل مكة ولم يصالحوكم لانهزموا ولم يجدوا وليا ولا نصيرا يدافع عنهم، وتلك هي سنة الله من غلبة المؤمنين، وخذلان الكافرين، ثم امتن على عباده المؤمنين بأنه كف أيدي المشركين عنهم، فلم يصل إليهم منهم سوء، وكف أيدي المؤمنين من المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، فصان كلا من الفريقين عن الآخر، وأوجد صلحا فيه خيرة للمؤمنين، وعافية لهم في الدنيا والآخرة.
الإيضاح :﴿ سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ﴾ أي هذه هي سنة الله في خلقه، ما تقابل الكفر والإيمان في موطن فيصل إلا نصر الله المؤمنين على الكافرين ورفع الحق ووضع الباطل كما نصر يوم بدر أولياءه المؤمنين على قلة عددهم وعددهم، وكثرة المشركين وكثرة عددهم.
تفسير المفردات : أيديهم عنكم : أي أيدي كفار مكة، وأيديكم عنهم ببطن مكة، يعني بالحديبية، أظفركم عليهم : أي على كلمته وجعلكم ذوي غلبة عليهم، فإن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة إلى الحديبية ؛ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على جند فهزمهم حتى أدخلهم حيطان مكة ثم عاد.
المعنى الجملي : بعد أن وعدهم فيما سلف بمغانم خيبر- أردف ذلك بيان أن ما آتاهم من الفتح والمغانم ليس هو الثواب وحده، بل الجزاء أمامهم، وإنما عجل لهم هذه لتكون علامة على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم وحياطته له، وحراسته للمؤمنين وليثبتكم على الإسلام، وليزيدكم بصيرة، وسيؤتيكم مغانم أخرى من فارس والروم وغيرهما ما كنتم تقدرون عليها لولا الإسلام، فقد كانت بلاد العرب شبه مستعمرات لهذه الدول فأقدرهم الله عليها بعز الإسلام.
ثم ذكر أنه لو قاتلكم أهل مكة ولم يصالحوكم لانهزموا ولم يجدوا وليا ولا نصيرا يدافع عنهم، وتلك هي سنة الله من غلبة المؤمنين، وخذلان الكافرين، ثم امتن على عباده المؤمنين بأنه كف أيدي المشركين عنهم، فلم يصل إليهم منهم سوء، وكف أيدي المؤمنين من المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، فصان كلا من الفريقين عن الآخر، وأوجد صلحا فيه خيرة للمؤمنين، وعافية لهم في الدنيا والآخرة.
الإيضاح :﴿ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ﴾ أي إن الله كف أيدي المشركين الذين كانوا خرجوا على عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية يلتمسون غرتهم ليصيبوا منهم، فبعث رسول الله سرية، فأتى بهم أسرى، ثم خلى سبيلهم ولم يقتلهم منة منه وفضلا.
روى أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والنسائي في آخرين عن أنس قال :( لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح من جبل التنعيم ( التنعيم : موضع بين مكة وسرف ) فدعا عليهم فأخذوا فعفا عنهم فنزلت هذه الآية :﴿ وهو الذي كف أيديهم ﴾الخ.
وروى أحمد عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنهما قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن، وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان علي بن أبي طالب وسهيل بن عمرو بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه :( اكتب بسم الله الرحمن الرحيم )، فأخذ سهيل بيده وقال : ما نعرف الرحمن الرحيم، اكتب في قضيتنا ما نعرف. قال :( اكتب باسمك اللهم ) وكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة، فأمسك سهيل بن عمرو وبيده وقال : لقد ظلمناك إن كنت رسوله، اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال : اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ؛ فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هل جئتم في عهد أحد ؟ وهل جعل لكم أحد أمانا ؟ ) فقالوا : لا، فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى :﴿ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ﴾الآية.
﴿ وكان الله بما تعملون بصيرا ﴾ أي وكان الله بأعمالكم وأعمالهم بصيرا لا يخفى عليه شيء منها، وهو مجازيكم ومجازيهم بها.
﴿ هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما( ٢٥ )إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما ﴾( الفتح : ٢٥-٢٦ ).
تفسير المفردات : الهدي : ما يقدم قربانا لله حين أداء مناسك الحج أو العمرة، معكوفا : أي محبوسا تقول عكفت الرجل عن حاجته : إذا حبسته عنها، محله : أي المكان الذي يسوغ فيه نحره وهو منى، والوطء : الدوس، والمراد به الإهلاك، وفي الحديث :( اللهم اشدد وطأتك على مضر )، والمعرة : المكروه والمشقة، من عره إذا عراه ودهاه بما يكره والتزيل : التفرق والتميز.
المعنى الجملي : بعد أن أبان فيما سلف أن الله كف أيدي المؤمنين عن الكافرين، وكف أيدي الكافرين عن المؤمنين – عين هنا مكان الكف وهو البيت الحرام الذي صدوا المؤمنين عنه، ومنعوا الهدي معكوفا أن يبلغ محله، والسبب الذي لأجله كفوهم هو كفرهم بالله، ثم أخبرهم بأنه لولا أن يقتلوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لا علم لهم بهم فيلزمهم العار والإثم – لأذن لهم في دخول مكة، ولقد كان الكف ومنع التعذيب عن أهل مكة ليدخل الله في دين الإسلام من يشاء منهم بعد الصلح وقبل دخولها، وليمنعن الأذى عن المؤمنين منهم، ولو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما بالقتل والسبي حين جعلوا في قلوبهم أنفة الجاهلية التي تمنع من الإذعان للحق، ولكن أنزل الله الثبات والوقار على رسوله وعلى المؤمنين فامتنعوا أن يبطشوا بهم، وألزمهم الوفاء بالعهد وكانوا أحق بذلك من غيرهم إذ اختارهم الله لدينه وصحبة نبيه.
روي أنه لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم بعثوا سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ليسألوه أن يرجع في عامه على أن تخلي قريش مكة من العام القابل ثلاثة أيام فأجابهم وكتبوا بينهم كتابا، فقال عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه :( اكتب بسم الله الرحمن الرحيم )، فقالوا : لا نعرف هذا ؛ اكتب باسمك الله، ثم قال عليه السلام :( اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله أهل مكة ) فقالوا : لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة، فقال صلى الله عليه وسلم :( اكتب ما يريدون )فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك وأن يبطشوا بهم، فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا واحتملوا كل هذا، وقد تقدم ذلك برواية أخرى.
الإيضاح :﴿ هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ﴾أي هم الذين جحدوا توحيد الله وصدوكم أيها المؤمنون بالله عن دخول المسجد الحرام وصدوا الهدي محبوسا أن يبلغ محل نحره وهو الحرم عنادا منهم وبغيا، وكان رسول الله ساق معه حين خرج إلى مكة في سفرته تلك سبعين بدنة.
﴿ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ﴾أي ولولا هؤلاء الذين يكتمون إيمانهم خيفة على أنفسهم – وهم بين أظهرهم – لسلطناكم عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم، ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات من لا تعرفونهم حين القتل، ولو قتلتموهم للحقتكم المعرة والمشقة، بما يلزمكم في قتلهم من كفارة وعيب.
والخلاصة : إنه لولا وجود مؤمنين مختلطين بالمشركين غير متميزين منهم – لوقع ما كان جزاءهم لصدهم وكفرهم، ولو حصل ذلك لزمكم العيب ؛ إذ يقول المشركون إن المسلمين قتلوا أهل دينهم.
﴿ ليدخل الله في رحمته من يشاء ﴾ أي وقد حال بينكم وبين قتالهم لدخول مكة : إخراج المؤمنين من بين أظهرهم، وليدخل في دينه من يشاء منهم قبل أن تدخلوها.
عن أبي جمعة جنيد بن سبع قال : قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار كافرا وقاتلت معه آخر النهار مسلما، وفينا نزلت :﴿ ولولا رجال ﴾الخ. وكنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتين. وفي رواية ابن أبي حاتم :( كنا ثلاثة رجال وتسع نسوة ) أخرجه الطبراني وأبو يعلى وابن مردويه.
﴿ لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ﴾أي لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم لسلطناكم عليهم فقتلتموهم قتلا ذريعا.
تفسير المفردات : الحمية : الأنفة، يقال : حميت من كذا حمية إذا أنفت منه وداخلك منه عار، والمراد بها ثوران القوة الغضبية، وحمية الجاهلية : حمية في غير موضعها لا يؤديها دليل ولا برهان، وكلمة التقوى هي : لا إله إلا الله، وأهلها : أي المستأهلين.
المعنى الجملي : بعد أن أبان فيما سلف أن الله كف أيدي المؤمنين عن الكافرين، وكف أيدي الكافرين عن المؤمنين – عين هنا مكان الكف وهو البيت الحرام الذي صدوا المؤمنين عنه، ومنعوا الهدي معكوفا أن يبلغ محله، والسبب الذي لأجله كفوهم هو كفرهم بالله، ثم أخبرهم بأنه لولا أن يقتلوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لا علم لهم بهم فيلزمهم العار والإثم – لأذن لهم في دخول مكة، ولقد كان الكف ومنع التعذيب عن أهل مكة ليدخل الله في دين الإسلام من يشاء منهم بعد الصلح وقبل دخولها، وليمنعن الأذى عن المؤمنين منهم، ولو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما بالقتل والسبي حين جعلوا في قلوبهم أنفة الجاهلية التي تمنع من الإذعان للحق، ولكن أنزل الله الثبات والوقار على رسوله وعلى المؤمنين فامتنعوا أن يبطشوا بهم، وألزمهم الوفاء بالعهد وكانوا أحق بذلك من غيرهم إذ اختارهم الله لدينه وصحبة نبيه.
روي أنه لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم بعثوا سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ليسألوه أن يرجع في عامه على أن تخلي قريش مكة من العام القابل ثلاثة أيام فأجابهم وكتبوا بينهم كتابا، فقال عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه :( اكتب بسم الله الرحمن الرحيم )، فقالوا : لا نعرف هذا ؛ اكتب باسمك الله، ثم قال عليه السلام :( اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله أهل مكة ) فقالوا : لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة، فقال صلى الله عليه وسلم :( اكتب ما يريدون )فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك وأن يبطشوا بهم، فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا واحتملوا كل هذا، وقد تقدم ذلك برواية أخرى.
الإيضاح : ولما بين شرط استحقاقهم للعذاب بين وقته فقال :
﴿ إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ﴾ أي لعذبناهم حين جعلوا في قلوبهم أنفة الجاهلية، فامتنع سهيل بن عمرو أن يكتب في كتاب الصلح الذي بين رسول الله والمشركين ﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾وأن يكتب فيه ( محمد رسول الله ) وامتنع هو وقومه أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عامه هذا المسجد الحرام، فأنزل الله الصبر والطمأنينة على رسوله، ففهم عن الله مراده وجرى على ما يرضيه، وأنزله على المؤمنين فألزمهم أمره وقبلوه، وحماهم من همزات الشياطين، وألزمهم كلمة التوحيد والإخلاص لله في العمل، وكانوا أحق بها، وكانوا أهلها، إذ هم أهل الخير والصلاح.
﴿ وكان الله بكل شيء عليما ﴾ سواء أكان من المؤمنين أم من الكفار فيجازي كلا بما عمل.
﴿ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا( ٢٧ )هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ﴾( الفتح : ٢٧-٢٨ ).
تفسير المفردات : الرؤيا : هي رؤيا منام وحلم، وصدق الله رسوله الرؤيا : أي صدقه في رؤياه ولم يكذبه، محلقين رؤوسكم ومقصرين : أي يحلق بعضكم ويقصر بعض آخر بإزالة بعض الشعر.
المعنى الجملي : رأى عليه الصلاة والسلام في المنام. وهو بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه يدخل المسجد الحرام هو وأصحابه آمنين، منهم من يحلق ومنهم من يقصر، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنهم داخلون مكة عامهم هذا، فلما انصرفوا لم يدخلوا شق ذلك عليهم، وقال المنافقون : أين رؤياه التي رآها ؟ فأنزل الله هذه الآية ودخلوا في العام المقبل.
ومما روي أن عمر بن الخطاب قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ألست نبي الله حقا ؟ قال :( بلى )، قلت : فلم نعطى الدنية في ديننا إذن ؟قال :( إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري )، قلت : أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال :( بلى )، قال :( فأخبرتك أنك تأتيه العام ؟ )، قلت : لا، قال :( فإنك آتيه ومتطوف به ). قال : فأتيت أبا بكر فقلت : يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا ؟ قال : بلى، قلت : ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى. قلت : فلم نعطى الدنية في ديننا ؟ قال : أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه – سر على نهجه – فوالله إنه لعلى الحق، قلت : أليس كان يحدثنا أنه سيأتي البيت ويطوف به ؟ قال : بلى. قال : فأخبرك أنه آتيه العام ؟ قلت : لا، قال : فإنك تأتيه وتطوف به.
الإيضاح :﴿ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ﴾أي لقد صدق الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم رؤياه التي أراها إياه أنه يدخل هو وأصحابه البيت الحرام آمنين لا يخافون أهل الشرك، محلقا بعضهم ومقصرا بعضهم الآخر، فعلم جل ثناؤه ما لم تعلموا، وذلك هو علمه تعالى بما بمكة من الرجال والنساء المؤمنين الذين لم يعلمهم المؤمنون، ولو دخلوها هذا العام لوطئوهم بالخيل والرجل، فأصابتهم منهم معرة بغير علم، فردهم الله عن مكة من أجل ذلك، فجعل من دون دخولهم المسجد فتحا قريبا هو صلح الحديبية وفتح خيبر، لتستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر اليوم الموعود.
تفسير المفردات : ليظهره على الدين كله : أي ليعليه على سائر الأديان حقها وباطلها، وأصل الإظهار جعل الشيء باديا ظاهرا للرائي ثم شاع استعماله في الإعلاء.
المعنى الجملي : رأى عليه الصلاة والسلام في المنام. وهو بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه يدخل المسجد الحرام هو وأصحابه آمنين، منهم من يحلق ومنهم من يقصر، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنهم داخلون مكة عامهم هذا، فلما انصرفوا لم يدخلوا شق ذلك عليهم، وقال المنافقون : أين رؤياه التي رآها ؟ فأنزل الله هذه الآية ودخلوا في العام المقبل.
ومما روي أن عمر بن الخطاب قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ألست نبي الله حقا ؟ قال :( بلى )، قلت : فلم نعطى الدنية في ديننا إذن ؟قال :( إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري )، قلت : أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال :( بلى )، قال :( فأخبرتك أنك تأتيه العام ؟ )، قلت : لا، قال :( فإنك آتيه ومتطوف به ). قال : فأتيت أبا بكر فقلت : يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا ؟ قال : بلى، قلت : ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى. قلت : فلم نعطى الدنية في ديننا ؟ قال : أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه – سر على نهجه – فوالله إنه لعلى الحق، قلت : أليس كان يحدثنا أنه سيأتي البيت ويطوف به ؟ قال : بلى. قال : فأخبرك أنه آتيه العام ؟ قلت : لا، قال : فإنك تأتيه وتطوف به.
الإيضاح : ثم أكد صدق الرسول في الرؤيا بقوله :
﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ﴾ أي هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الإسلام، ليبطل به المثل كلها بنسخ سائر الديانات، وإظهار فساد العقائد الزائفات، حتى لا يكون دين سواه.
ولما كان هذا وعدا لا بد من تحققه أعقبه بقوله :
﴿ وكفى بالله شهيدا ﴾ على أن ما وعده من إظهار دينه على جميع الأديان كائن لا محالة.
وفي هذا تسلية له على ما وقع من سهيل بن عمرو، إذ لم يرض بكتابة ( محمد رسول الله ) وقال ما قال.
﴿ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ﴾( الفتح : ٢٩ ).
تفسير المفردات : أشداء : واحدهم شديد، رحماء : واحدهم رحيم، فضلا : أي ثوابا، والسيماء والسيمياء من السومة ( بالضم ) وهي العلامة قال :
غلام رماه الله بالحسن يافعا له سيمياء لا تشق على البصر
مثلهم : أي وصفهم العجيب الجاري مجرى الأمثال في الغرابة، والشطء : فروخ الزرع، وهو ما خرج منه وتفرع في شاطئيه : أي جانبيه وجمعه أشطاء، وشطأ الزرع وأشطأ : إذا أخرج فراخه، وهو في الحنطة والشعير والنخل وغيرها، وآزره : أعانه وقواه وأصله من المؤازرة وهي المعاونة، واستوى على سوقه : أي استقام على قصبه وأصوله، والسوق، واحدها ساق.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أنه أرسل رسوله بالهدى ودين الإسلام، ليعلي شأنه على سائر الأديان أردف هذا بيان حال الرسول والمرسل إليهم، فوصفهم بأوصاف كلها مدائح لهم، وذكرى لمن بعدهم، وبها سادوا الأمم، وامتلكوا الدول، وقبضوا على ناصية العالم أجمع، وهي :
إنهم غلاظ على من خالف دينهم وناوأهم العداء، رحماء فيما بينهم.
إنهم جعلوا الصلاة والإخلاص لله ديدنهم في أكثر أوقاتهم.
إنهم يرجون بعملهم الثواب من ربهم والزلفى إليه ورضاه عنهم.
إنهم لهم سيمى يعرفون بها، فلهم نور في وجوههم، وخشوع وخضوع يعرفه أولو الفطن.
إن الإنجيل ضرب بشأنهم المثل فقال : سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
ذاك أنهم في بدء الإسلام كانوا قليلي العدد ثم كثروا واستحكموا وترقى أمرهم يوما فيوما حتى أعجب الناس بهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قام وحده ثم قواه الله بمن معه كما يقوي الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتوالد منها.
الإيضاح :﴿ محمد رسول الله ﴾أي إن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله بلا شك ولا ريب مهما أنكر المنكرون، وافترى الجاحدون.
﴿ والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ﴾ أي إن صحابته الذين معه غليظة قلوبهم على الكفار، رقيقة قلوب بعضهم على بعض، لينة أنفسهم لهم، هينة عليهم.
ونحو الآية قوله :﴿ فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ﴾ ( المائدة : ٥٤ )، وقوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ﴾( التوبة : ١٢٣ )، وفي الحديث :( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر )وقوله صلى الله عليه وسلم :( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه ) وعلى هذا جاء قوله :
حليم إذا ما الحلم زين أهله على أنه عند العدو مهيب
﴿ تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ﴾ أي تراهم دائبين على الصلاة مخلصين لله محتسبين فيها الأجر وجزيل الثواب عنده طالبين رضاه عنهم﴿ ورضوان من الله أكبر ﴾ ( التوبة : ٧٢ ).
﴿ سيماهم في وجوههم من أثر السجود ﴾ أي لهم سمت حسن وخشوع وخضوع يظهر أثره في الوجوه، ومن ثم قيل : إن للحسنة نورا في القلب، وضياء في الوجه وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الناس. وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه، وفلتات لسانه.
روي عن عمر أنه قال : من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائنا ما كان ).
والخلاصة : إن كل ما يفعله المرء أو يتصوره يظهر على صفحات الوجه، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله أصلح الله عز وجل ظاهره للناس.
ثم أخبر سبحانه أنه نوه بفضلهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة فقال :
﴿ ذلك مثلهم في التوراة ﴾ أي هذه الصفة التي وصفت لكم من صفات أتباع محمد صلى الله عليه وسلم هي صفتهم في التوراة.
﴿ ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ﴾ أي إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يكونون قليلين ثم يزدادون ويكثرون ويستغلظون كزرع أخرج فراخه التي تتفرع على جانبيه كما يشاهد في الحنطة والشعير وغيرهما، فيقوى ويتحول من الدقة إلى الغلظ، ويستقيم على أصوله، فيعجب به الزراع لقوته وكثافته وغلظه وحسن منظره.
والخلاصة : إن هذا مثل ضربه الله لبدء الإسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوي واستحكم وأعجب الناس.
روى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أرحم أمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي، وأفرضهم زيد، وأقرؤهم أبي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ).
ثم بين أنه إنما جعلهم كذلك.
﴿ ليغيظ بهم الكفار ﴾ أي إنه تعالى نماهم وأكثر عددهم ليغيظ بهم الكفار، إذ يعتقدون أن الله متم بهم نوره ولو أبى الجاحدون.
تنبيه : هذه أوصاف الأمة الإسلامية أيام عزها، فانظر الآن وتأمل في تخاذلها وجهلها حتى أصبحت مثلا في الخمول والجهل، وأصبحت زرعا هشيما تذروه الرياح، فكيف يجتمع عصفه وتبنه ؟
ولعل الله يبدل الحال غير الحال ويخضر الزرع بعد ذبوله، وتعود الأمة سيرتها الأولى مهيبة مرعية الجانب مخشية القوة.
﴿ وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ﴾ أي وعد سبحانه هؤلاء الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم أن يغفر ذنوبهم ويجزل أجرهم بإدخالهم جنات النعيم، ووعد الله حق وصدق لا يخلف ولا يبدل.
وكل من اقتفى أثر الصحابة فهو في حكمهم، ولهم السبق والفضل والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد.
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ( نصفه ) رضي الله عنهم وأرضاهم.
خاتمة : هذه السورة آخر القسم الأول من القرآن الكريم وهو المطول، وسيأتي القسم الثاني، وهو المفصل.
Icon