تفسير سورة الفتح

المنتخب في تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الفتح من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه المنتخب . المتوفي سنة 2008 هـ
تحدثت في افتتاحيتها عن الفتح المبين، الذي يسره الله لرسوله، وعن آثاره العظيمة في انتشار الإسلام، وإعزاز المسلمين، وعن تثبيت اله قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا، وعن عذاب المنافقين والمشركين، بتشككهم في نصر الله لرسوله، وعن إرسال محمد صلى الله عليه وسلم شاهدا ومبشرا، ليتحقق الإيمان بالله. وانتقلت بعد ذلك إلى حديث بيعة أهل الصدق والوفاء لرسوله، وبينت كذب اعتذار المتخلفين عن الخروج مع الرسول، وأنهم تخلفوا لظنهم أن الله لا ينصره، وعرضت لطلبهم الخروج معه للغنائم.
ثم بينت أنهم سيدعون إلى قتال قوم ذوي بأس وقوة، وأنه لا إثم في التخلف عن القتال لعذر صحيح، كما أوضحت عظم الخير الذي وعد الله به من رضي عنهم في بيعة الرضوان، وتكلمت عن فرار الكافرين وهزيمتهم إذا ما قاتلوا المؤمنين، وشرحت حكمة الله في كف الكافرين عن المؤمنين، والمؤمنين عن الكافرين يوم فتح مكة، وأنهت الحديث ببيان الله صدق رسوله رؤياه دخول المسجد الحرام، وأن محمدا والذين آمنوا معه غلاظ على الكفار، متراحمون فيما بينهم، وبيان ما يعرف به المؤمنون، وصفتهم في التوراة، وصفتهم في الإنجيل، ووعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالمغفرة الواسعة والأجر العظيم.

١ - إنا فتحنا لك - يا محمد - فتحا عظيما مبينا بانتصار الحق على الباطل، ليغفر لك الله ما تقدَّم مما يُعَدُّ لمثل مقامك ذنبا، وما تأخر منه، ويكمل نعمته عليك بانتشار دعوتك، ويُثَبِّتَكَ على طريق الله المستقيم، وينصرك الله على أعداء رسالتك نصراً قويا غاليا.
٤- هو الله الذي أنزل الطمأنينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا بها يقينا مع يقينهم، ولله - وحده - جنود السماوات والأرض، يدبِّر أمرها كما يشاء، وكان الله محيطا علمه بكل شيء، ذا حكمة بالغة في تدبير كل شأن.
٥ - ليُدخل الله المؤمنين والمؤمنات بالله ورسوله جنات تجرى من تحتها الأنهار، دائمين فيها، يمحو عنهم سيئاتهم، وكان ذلك الجزاء عند الله فوزاً بالغاً غاية العِظم. وليعذب المنافقين والمنافقات، والمشركين مع الله غيره والمشركات، الظانين بالله ظنا فاسدا. وهو أنه لا ينصر رسوله، عليهم - وحدهم - دائرة السوء، لا يفلتون منها، وغضب الله عليهم وطردهم من رحمته وَهَيَّأ لعذابهم جهنم وساءت نهاية لهم.
٦- ليُدخل الله المؤمنين والمؤمنات بالله ورسوله جنات تجرى من تحتها الأنهار، دائمين فيها، يمحو عنهم سيئاتهم، وكان ذلك الجزاء عند الله فوزاً بالغاً غاية العِظم. وليعذب المنافقين والمنافقات، والمشركين مع الله غيره والمشركات، الظانين بالله ظنا فاسدا. وهو أنه لا ينصر رسوله، عليهم - وحدهم - دائرة السوء، لا يفلتون منها، وغضب الله عليهم وطردهم من رحمته وَهَيَّأ لعذابهم جهنم وساءت نهاية لهم.
٧- ولله جنود السماوات والأرض، يدبِّر أمرها بحكمته كما يشاء، وكان الله غالباً على كل شيء، ذا حكمة بالغة في تدبير كل شأن.
٨- إنا أرسلناك - يا محمد - شاهداً على أمتك وعلى من قبلها من الأمم، ومُبشّراً المتقين بحسن الثواب، ونذيراً للعصاة بسوء العذاب.
٩- لتؤمنوا - أيها المرسل إليكم - بالله ورسوله، وتنصروا الله بنصر دينه، وتعظِّموه مع الإجلال والإكبار، وتنزِّهوه عما لا يليق به غدوة وعشيا.
١٠- إن الذين يعاهدونك - على بذل الطاقة لنصرتك - إنما يعاهدون الله، قوة الله معك فوق قوتهم، فمن نقض عهدك بعد ميثاقه، فلا يعود ضرر ذلك إلا على نفسه، ومَن وفي بالعهد الذي عاهد الله عليه - بإتمام بيعتك - فسيعطيه الله ثوابا بالغا غاية العظم.
١١- سيقول لك من خلَّفهم النفاق من سكان البادية - إذا رجعت من سفرك - : شغلتنا عن الخروج معك أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا. يقولون بألسنتهم غير ما في قلوبهم، قل ردا عليهم : فمن يملك لكم من الله شيئا يدفع عنكم قضاءه، إن أراد بكم ما يضركم، أو أراد بكم ما ينفعكم ؟ بل كان الله بكل ما تعملون محيطاً.
١٢- بل ظننتم أن لن يرجع الرسول والمؤمنون من غزوهم إلى أهليهم أبداً، فتخلفتم، وزُيِّن ذلك الظن في قلوبكم، وظننتم الظن الفاسد في كل شئونكم. وكنتم في علم الله قوما هالكين، مستحقين لسخطه وعقابه.
١٣- ومن لم يؤمن بالله ورسوله، فإنا هيَّأنا للكافرين ناراً موقدة ذات لهب.
١٤- ولله - وحده - ملك السماوات والأرض يدبره تدبير قادر حكيم، يغفر الذنوب لمن يشاء، ويعذب بحكمته من يشاء، وكان الله عظيم المغفرة واسع الرحمة.
١٥- سيقول هؤلاء الذين أقعدهم النفاق عن الخروج معك من سكان البادية : إذا انطلقتم إلى مغانم وعدكم الله بها لتأخذوها، دعونا نتَّبعكم إليها. يريدون بذلك تغيير وعد الله بأن تلك الغنائم لا تكون للمخلَّفين الذين قعدوا عن الجهاد وإنما تكون للذين خرجوا مع رسول الله يوم الحديبية، قل لهم - يا محمد - : لن تتبعونا. فحكم الله أن هذه الغنائم لمن خرج إلى الغزو مع رسوله، أما المخلَّفون فسيقولون : لم يأمركم الله بذلك، بل تحسدوننا أن نشارككم، وهم بمقولتهم عاجزون عن إدراك أن أمر الله لا بد أن ينفذ.
١٦- قل للمتخلفين عن الخروج من أهل البادية : ستدعوْن إلى قتال قوم ذوى شدة قوية في الحرب، فإن تَسْتَجيبوا لهذه الدعوة يعطكم الله الغنيمة في الدنيا، والثواب في الآخرة، وإن تعرضوا عنها كما أعرضتم من قبل يُعذبكم الله عذابا بالغ الألم.
١٧- ليس على الأعمى إثم في التَّخلف عن قتال الكفار، ولا على الأعرج إثم، ولا على المريض إثم كذلك، حيث لا يستطيعون، ومن يطع الله ورسوله في كل أمر ونهى يُدخله جنات فسيحات تجرى من تحتها الأنهار، ومن يعرض عن طاعة الله ورسوله يعذبه عذابا بالغ الألم.
١٨ - لقد رضي الله عن المؤمنين حين يعاهدونك مختارين تحت الشجرة، فعلم ما في قلوبهم من الإخلاص والوفاء لرسالتك، فأنزل الطمأنينة عليهم وأعطاهم بصدقهم في البيعة وإتمام الصلح عِزا عاجلا. ومغانم كثيرة وعدهم الله بها يأخذونها، وكان الله غالبا على كل شيء، ذا حكمة بالغة في كل ما قضاه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨:١٨ - لقد رضي الله عن المؤمنين حين يعاهدونك مختارين تحت الشجرة، فعلم ما في قلوبهم من الإخلاص والوفاء لرسالتك، فأنزل الطمأنينة عليهم وأعطاهم بصدقهم في البيعة وإتمام الصلح عِزا عاجلا. ومغانم كثيرة وعدهم الله بها يأخذونها، وكان الله غالبا على كل شيء، ذا حكمة بالغة في كل ما قضاه.
٢٠ - وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها في الوقت المقدَّر لها، فعجَّل لكم هذه - وهو ما وعدكم به من الغنائم - ومنع أذى الناس عنكم، ولتكون آية للمؤمنين على صدق وعد الله لهم.
ويهديكم طريقا مستقيما بطاعته واتباع رسوله، ومغانم أخرى لم تقدروا عليها قد حفظها الله لكم فأظفركم بها، وكان الله على كل شيء تام القدرة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:٢٠ - وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها في الوقت المقدَّر لها، فعجَّل لكم هذه - وهو ما وعدكم به من الغنائم - ومنع أذى الناس عنكم، ولتكون آية للمؤمنين على صدق وعد الله لهم.
ويهديكم طريقا مستقيما بطاعته واتباع رسوله، ومغانم أخرى لم تقدروا عليها قد حفظها الله لكم فأظفركم بها، وكان الله على كل شيء تام القدرة.

٢٢- ولو قاتلكم الذين كفروا من أهل مكة، ولم يعقدوا معكم صلحا، لفروا منهزمين رُعْبا منكم، ثم لا يجدون أي وليّ يلي أمرهم، ولا أي نصير ينصرهم.
٢٣- سَنَّ الله سُنَّة قد مضت من قبل في خلقه أن تكون العاقبة لرسله وللمؤمنين، ولن تجد لسنة الله تغييراً.
٢٤- وهو الله - وحده - الذي منع أيدي الكفار من إيذائكم وأيديكم من قتالهم بوسط مكة من بعد أن أقدركم عليهم، وكان الله بكل ما تعملون بصيرا.
٢٥ - أهل مكة هم الذين كفروا ومنعوكم من دخول المسجد الحرام، ومنعوا الهدى الذي سقتموه محبوسا معكم على التقرب به من بلوغ مكانه الذي ينحر فيه، ولولا كراهة أن تُصيبوا رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات بين الكفار بمكة أخفوا إيمانهم فلم تعلموهم فتقتلوهم بغير علم بهم، فيلحقكم بقتلهم عار وخزي، ولهذا كان منع القتال في هذا اليوم حتى يحفظ الله من كانوا مستخفين بإسلامهم بين كفار مكة. لو تميز المؤمنون لعاقبنا الذين أصروا على الكفر منهم عقابا بالغ الألم، حين جعل الذين كفروا في قلوبهم الأنفة أنفة الجاهلية، فأنزل الله طمأنينته على رسوله وعلى المؤمنين، وألزمهم كلمة الوقاية من الشرك والعذاب، وكانوا أحق بها وأهلاً لها. وكان علم الله محيطا بكل شيء.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:٢٥ - أهل مكة هم الذين كفروا ومنعوكم من دخول المسجد الحرام، ومنعوا الهدى الذي سقتموه محبوسا معكم على التقرب به من بلوغ مكانه الذي ينحر فيه، ولولا كراهة أن تُصيبوا رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات بين الكفار بمكة أخفوا إيمانهم فلم تعلموهم فتقتلوهم بغير علم بهم، فيلحقكم بقتلهم عار وخزي، ولهذا كان منع القتال في هذا اليوم حتى يحفظ الله من كانوا مستخفين بإسلامهم بين كفار مكة. لو تميز المؤمنون لعاقبنا الذين أصروا على الكفر منهم عقابا بالغ الألم، حين جعل الذين كفروا في قلوبهم الأنفة أنفة الجاهلية، فأنزل الله طمأنينته على رسوله وعلى المؤمنين، وألزمهم كلمة الوقاية من الشرك والعذاب، وكانوا أحق بها وأهلاً لها. وكان علم الله محيطا بكل شيء.
٢٧- لقد صدق الله رسوله رؤياه دخول المسجد الحرام بتحققها. أقسم : لتدخلن المسجد الحرام - إن شاء الله - آمنين عدوكم، بين محلق رأسه ومقصر، وغير خائفين، فعلم سبحانه الخير الذي لم تعلموه في تأخير دخول المسجد الحرام، فجعل من قبل دخولكم فتحا قريبا.
٢٨- هو الله الذي أرسل رسوله بالإرشاد الواضح ودين الإسلام ليعليه على الأديان كلها، وكفي بالله شهيدا على ذلك.
٢٩- محمد رسول الله وأصحابه الذين معه أشداء أقوياء على الكفار، متراحمون، متعاطفون فيما بينهم، تُبصرهم راكعين ساجدين كثيرا، يرجون بذلك ثوابا عظيما من الله ورضوانا عميما، علامتهم خشوع ظاهر في وجوههم من أثر الصلاة كثيرا، ذلك هو وصفهم العظيم في التوراة، وصفتهم في الإنجيل كصفة زرع أخرج أول ما ينشق عنه، فآزره، فتحول من الدقة إلى الغلظ، فاستقام على أصوله، يُعجب الزراع بقوته، وكان المؤمنون كذلك، ليغيظ الله بقوتهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة تمحو جميع ذنوبهم، وثوابا بالغا غاية العظم.
Icon