بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الحشروهي مدنية وعن ابن عباس : أنه سماها سورة النضير، والله اعلم.
ﰡ
وَقَوله: ﴿وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾ أَي: الْغَالِب على الْأَشْيَاء، الْحَكِيم فِي الْأُمُور.
وَقَوله: ﴿لأوّل الْحَشْر﴾ قَالَ الْحسن: معنى أول الْحَشْر: هُوَ أَن الشَّام أَرض الْحَشْر والمنشر، وَكَانَ رَسُول الله أجلاهم إِلَى الشَّام، فإجلاءه إيَّاهُم كَانَ هُوَ الْحَشْر الأول، والحشر الثَّانِي يَوْم الْقِيَامَة، وَهُوَ قَول عِكْرِمَة أَيْضا. وَقَالَ عِكْرِمَة: من شكّ أَن الشَّام أَرض الْمَحْشَر فليقرأ قَوْله تَعَالَى: ﴿لأوّل الْحَشْر﴾. وَقيل: إِن بني النَّضِير كَانُوا أول من
وَقَوله: ﴿مَا ظننتم أَن يخرجُوا﴾ مَعْنَاهُ: مَا ظننتم أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ أَن يخرجُوا؛ لأَنهم كَانُوا أعز الْيَهُود بِأَرْض الْحجاز وأمنعهم جانبا.
قَوْله: ﴿وظنوا أَنهم مانعتهم حصونهم من الله﴾ أَي: من عَذَاب الله.
وَقَوله: ﴿فَأَتَاهُم الله من حَيْثُ لم يحتسبوا﴾ قَالَ السدى: هُوَ بقتل كَعْب بن الْأَشْرَف، قَتله مُحَمَّد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ حِين بَعثه رَسُول الله وَكَانَ صديقا لكعب فِي الْجَاهِلِيَّة فَجَاءَهُ لَيْلًا ودق عَلَيْهِ بَاب الْحصن، فَنزل وفاغتاله وَقَتله، وَرُوِيَ أَن مُحَمَّد بن مسلمة قَالَ لكعب: أَلَسْت كنت تعدنا خُرُوج هَذَا النَّبِي؟ وَتقول: هُوَ الضحوك الْقِتَال يركب الْبَعِير، ويلبس الشملة، يجترئ بالكسرة، سَيْفه على عَاتِقه، لَهُ ملاحم وملاحم. فَقَالَ: نعم، وَلَكِن لَيْسَ هُوَ بِذَاكَ. فَقَالَ كذبت يَا عَدو الله، بل حسدتموه.
وَقَوله: ﴿وَقذف فِي قُلُوبهم الرعب﴾ أَي: الْخَوْف، وَقد ثَبت أَن النَّبِي قَالَ: " نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر ".
وَقَوله: ﴿يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم وأيدي الْمُؤمنِينَ﴾ وَقُرِئَ: " يخربون " من
وَقَوله: ﴿فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار﴾ وَالِاعْتِبَار هُوَ النّظر فِي الشَّيْء ليعرف بِهِ جنسه وَمثله. وَقيل مَعْنَاهُ: فانظروا وتدبروا يَا ذَوي الْعُقُول والفهوم، كَيفَ سلط الله الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِم، وسلطهم على أنفسهم؟ وَقد اسْتدلَّ بِهَذِهِ الْآيَة على جَوَاز الْقيَاس فِي الْأَحْكَام، لِأَن الْقيَاس نوع اعْتِبَار؛ إِذْ هُوَ تَعْبِير شَيْء بِمثلِهِ بِمَعْنى جَامع بَينهمَا ليتفقا فِي حكم الشَّرْع.
وَقَوله: ﴿وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب النَّار﴾ أَي: عَذَاب جَهَنَّم.
وَقَوله: ﴿وَمن يشاق الله﴾ أَي: يُخَالف الله ﴿فَإِن الله شَدِيد الْعقَاب﴾.
وَفِي الْقِصَّة: أَن أَصْحَاب رَسُول الله لما حاصروا بني النَّضِير كَانَ بَعضهم يقطع النخيل وَبَعْضهمْ يَتْرُكهَا.
وَفِي رِوَايَة: " أَن النَّبِي أَمرهم بِقطع النخيل، فَخرج الْيَهُود حِين رَأَوْا ذَلِك وَقَالُوا: يَا مُحَمَّد، أَلَسْت تنْهى عَن الْفساد، وَهَذَا من الْفساد، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة ".
وَقد ثَبت بِرِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر " أَن النَّبِي حرق نخيل بني النَّضِير وقطعها، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله﴾ " أَي: بِأَمْر الله، قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الْخَبَر الْمَكِّيّ بن عبد الرَّزَّاق، أخبرنَا جدي، أخبرنَا الْفربرِي، أخبرنَا البُخَارِيّ، عَن قُتَيْبَة، عَن اللَّيْث بن سعد، عَن نَافِع. الْخَبَر. وَفِي رِوَايَة: أَن النَّبِي حرق البويرة، وَقَالَ شَاعِرهمْ شعرًا:
(وَهَان على سراة بني لؤَي | حريق بالبويرة مستطير) |
وَقَوله: ﴿وليخزي الْفَاسِقين﴾ هم الْيَهُود، وإخزاؤهم هُوَ رُؤْيَتهمْ كَيفَ يتحكم الْمُؤْمِنُونَ فِي أَمْوَالهم.
وَقَوله: ﴿فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب﴾ الركاب: الْإِبِل، وَالْمعْنَى: أَن أَمْوَالهم صَارَت إِلَى رَسُول الله من غير إيجافكم بخيل أَو إبل. والإيجاف: الْإِسْرَاع. فَجعل الله تَعَالَى أَمْوَال بني النَّضِير للنَّبِي خَاصَّة، لِأَن النَّبِي ظهر عَلَيْهِم من غير قتال من الْمُسلمين، وَكَانَ يدّخر مِنْهَا قوت سنة لِعِيَالِهِ، وَالْبَاقِي يتَّخذ مِنْهُ الكراع وعدة فِي سَبِيل الله ".
وَفِي تَفْسِير قَتَادَة: أَن الْمُسلمين طلبُوا أَن يقسم بَينهم، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَجعل مَا أَصَابُوهُ للرسول خَاصَّة، وَكَانَ رَسُول الله لما أجلاهم شَرط أَن لَهُم مَا تحمله إبلهم إِلَّا الْحلقَة، يَعْنِي: السِّلَاح.
وَقَوله: ﴿وَلَكِن الله يُسَلط رسله على من يَشَاء﴾ أَي: رَسُوله على من يَشَاء.
وَقَوله: ﴿وَالله على كل شَيْء قدير﴾ أَي: قَادر.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿كي لَا يكون دولة بَين الْأَغْنِيَاء مِنْكُم﴾ أَي: لِئَلَّا يتداوله الْأَغْنِيَاء مِنْكُم. والتداول هُوَ النَّقْل من يَد إِلَى يَد.
وَقَوله: ﴿وَمَا أَتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا﴾ حث الله تَعَالَى الْمُسلمين فِي هَذِه الْآيَة على التَّسْلِيم لأمر الله تَعَالَى وَنَهْيه؛ لِأَن الْمَعْنى وَمَا أَتَاكُم الرَّسُول عَن الله فَخُذُوهُ، وَمَا نهاكم عَن الله فَانْتَهوا.
وَقَوله: ﴿وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب﴾ أَي: الْعقُوبَة.
وَقَوله: ﴿يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا﴾ أَي: يطْلبُونَ فضل الله وَرضَاهُ.
وَقَوله: ﴿وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هم الصادقون﴾ أَي: الصادقون عقدا وقولا وفعلا.
وَقَوله: ﴿تبوءوا الدَّار وَالْإِيمَان﴾ أَي: استوطنوا الْمَدِينَة، وقبلوا الْإِيمَان. وَقيل: تبوءوا الدَّار أَي: أعدُّوا الديار للمهاجرين وواسوهم فِي كل مَالهم.
وَقَوله: ﴿وَالْإِيمَان﴾ أَي: جعلُوا دُورهمْ دور الْإِيمَان، وَذَلِكَ بإظهارهم الْإِيمَان فِيمَا بَينهم، فَإِن قيل: كَيفَ يَسْتَقِيم قَوْله: ﴿من قبلهم﴾ وَالْأَنْصَار إِنَّمَا آمنُوا من بعد الْمُهَاجِرين؟ وَالْجَوَاب أَن قَوْله: ﴿من قبلهم﴾ ينْصَرف إِلَى تبوء الدَّار لَا إِلَى الْإِيمَان وَالثَّانِي أَن قَوْله ﴿من قبلهم﴾ وَإِن انْصَرف إِلَى الْإِيمَان فَالْمُرَاد مِنْهُ قبل هجرتهم؛ لِأَن الْأَنْصَار كَانُوا قد آمنُوا قبل هجرتهم.
وَقَوله: ﴿يحبونَ من هَاجر إِلَيْهِم﴾ أَي: من أهل مَكَّة وَغَيرهم.
وَقَوله: ﴿وَلَا يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا﴾ قَالَ قَتَادَة: وَعند كثير من الْمُفَسّرين مَعْنَاهُ: حسدا مِمَّا أعْطوا، وَقيل: ضيقا فِي قُلُوبهم مِمَّا أعطي الْمُهَاجِرين، وَهُوَ بِمَعْنى الأول. وَقد ذكرنَا مَا أعْطى رَسُول الله الْمُهَاجِرين من أَمْوَال بني النَّضِير، فَالْمَعْنى ينْصَرف إِلَيْهِم.
وَقَوله: ﴿ويؤثرون على أنفسهم﴾ أَي: يقدمُونَ الْمُهَاجِرين على أنفسهم.
وَقَوله: ﴿وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة﴾ أَي: فقر وحاجة. وَمن الْمَعْرُوف بِرِوَايَة أبي هُرَيْرَة أَن بعض الْأَنْصَار أضَاف رجلا من الْفُقَرَاء، وَلم يكن عِنْده فضل عَمَّا يَأْكُلهُ وَيَأْكُل أَهله وصبيانه. وَفِي رِوَايَة: أَن ذَلِك الرجل كَانَ جَاع ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يجد شَيْئا، وَطلب رَسُول الله لَهُ شَيْئا فِي بيُوت أَزوَاجه وَلم يجد، فأضافه هَذَا الْأنْصَارِيّ، حمله إِلَى بَيته وَقَالَ لأَهله: نومي الصبية وأطفئي السراج [بعلة] الْإِصْلَاح، فَفعلت ذَلِك، وَجعلا يمدان أَيْدِيهِمَا ويضربان على (الصحفة) ؛ ليظن الضَّيْف أَنَّهُمَا يأكلان، وَلَا يأكلان ففعلا ذَلِك وَأكل الضَّيْف حَتَّى شبع، فَلَمَّا غَدا
وَمن الْمَعْرُوف أَن النَّبِي قَالَ للْأَنْصَار: " إِنَّكُم لتكثرون عِنْد الْفَزع، وتقلون عِنْد الطمع ".
وَقَوله: ﴿وَمن يُوقَ شح نَفسه﴾ أَي: بخل نَفسه ﴿فَأُولَئِك هم المفلحون﴾ أَي: السُّعَدَاء الفائزون. وَعَن ابْن مَسْعُود أَن رجلا قَالَ لَهُ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن أعطي من مَالِي شَيْئا أفتخش الْبُخْل. قَالَ: ذَلِك الْبُخْل، وَبئسَ الشَّيْء الْبُخْل، وَإِنَّمَا الشُّح أَن تَأْخُذ المَال من غير حَقه. وَقيل: الْبُخْل أَن يبخل بِمَالِه نَفسه وَالشح أَن يبخل بِمَال غَيره وَقَالَ مقَاتل بن سُلَيْمَان وَمن يُوقَ شح نَفسه أَي: حرص نَفسه. وَقيل: هوى نَفسه. وَقَالَ سعيد بن جُبَير: هُوَ منع الزَّكَاة. وَعَن ابْن زيد: هُوَ أَن يَأْخُذ مَا لَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ، وَيمْنَع مَا لَا يجوز لَهُ مَنعه.
وَقَوله: ﴿يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا﴾ أَي: خِيَانَة وحقدا، وَفِي الْآيَة دَلِيل على أَن الترحم للسلف
وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: لَيْسَ لمن يَقع فِي الصَّحَابَة وَيذكرهُمْ بالسوء فِي الْفَيْء نصيب، وتلا هَذِه الْآيَات الثَّلَاث. وَرُوِيَ أَن عمر بن عبد الْعَزِيز سُئِلَ عَمَّا جرى بَين الصَّحَابَة من الْقِتَال وَسَفك الدِّمَاء فَقَالَ: تِلْكَ دِمَاء طهر الله يَدي عَنْهَا، فَلَا أحب أَن أغمس لساني فِيهَا.
من الْمَعْرُوف أَن النَّبِي قَالَ: " إِذا ذكر أَصْحَابِي فأمسكوا، وَإِذا ذكر الْقدر فأمسكوا " وَالْمرَاد بِهِ الْإِمْسَاك عَن ذكر المساوئ لَاعن ذكر المحاسن. وَفِي بعض الرِّوَايَات: " إِذا ذكر النُّجُوم فأمسكوا ".
وَقَوله: ﴿رَبنَا إِنَّك رءوف رَحِيم﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿يَقُولُونَ لإخوانهم الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنهم بَنو النَّضِير، قَالَ لَهُم المُنَافِقُونَ ذَلِك قبل أَن أجلوا.
وَالْقَوْل الآخر: أَنهم بَنو قُرَيْظَة، قَالَ لَهُم المُنَافِقُونَ ذَلِك بعد أَن أَجلي بَنو النَّضِير.
وَقَوله: ﴿لَئِن أخرجتم لَنخْرجَنَّ مَعكُمْ﴾ أَي: لَئِن أخرجتم من الْمَدِينَة لَنخْرجَنَّ مَعكُمْ فِي الْقِتَال.
وَقَوله: ﴿وَلَا نطيع فِيكُم أحدا أبدا﴾ أَي: لَا نطيع مُحَمَّدًا فِيكُم.
وَقَوله: ﴿وَإِن قوتلتم لننصرنكم﴾ مَعْنَاهُ: وَلَئِن قاتلكم [مُحَمَّدًا] لنكونن مَعكُمْ فِي الْقِتَال.
وَقَوله: ﴿وَالله يشْهد إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ﴾ أَي: فِي هَذَا القَوْل.
وَقَوله: ﴿وَلَئِن قوتلوا لَا ينصرونهم﴾ أَي: لَئِن قوتل الْيَهُود لَا ينصرهم المُنَافِقُونَ.
وَقَوله: ﴿وَلَئِن نصروهم ليولن الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ﴾ فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: ﴿لَا ينصرونهم﴾ ثمَّ قَالَ ﴿وَلَئِن نصروهم﴾ وَإِذا أخبر الله تَعَالَى أَنهم لَا ينصرونهم كَيفَ يجوز أَن ينصروهم؟ وَالْجَوَاب من وُجُوه: أَحدهَا: أَن قَوْله: ﴿لَا ينصرونهم﴾ فِي قوم من الْمُنَافِقين، وَقَوله: ﴿وَلَئِن نصروهم﴾ أَي: فِي قوم آخَرين مِنْهُم، وهم الَّذين لم يَقُولُوا ذَلِك القَوْل.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿لَا ينصرونهم﴾ أَي: طائعين.
وَقَوله: ﴿وَلَئِن نصروهم﴾ أَي: مكرهين.
وَالْوَجْه الثَّالِث: أَن قَوْله: ﴿لَا ينصرونهم﴾ أَي: لَا يدومون على نَصرهم. وَقَوله: ﴿وَلَئِن نصروهم﴾ أَي: نصروهم فِي الِابْتِدَاء.
وَالْوَجْه الرَّابِع كَمَا قَالَه الزّجاج: هُوَ أَنهم لَا ينصرونهم على مَا قَالَ الله تَعَالَى، وَقَوله: ﴿وَلَئِن نصروهم﴾ أَي: قصدُوا نصرتهم، لولوا الأدبار أَي: انْهَزمُوا، وَذَلِكَ بِمَا يلقِي الله تَعَالَى فِي قُلُوبهم من الرعب.
وَقَوله: ﴿ثمَّ لَا ينْصرُونَ﴾ أَي: لَا ينصر الْيَهُود.
وَقَوله: ﴿ذَلِك بِأَنَّهُم قوم لَا يفقهُونَ﴾ أَي: لَا يعلمُونَ عَظمَة الله وَقدرته فيخافون مِنْهُ.
قَوْله: ﴿بأسهم بَينهم شَدِيد﴾ قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي أَنهم يَقُولُونَ فِيمَا بَينهم: لنفعلن كَذَا ولنفعلن كَذَا.
وَقَوله: ﴿تحسبهم جَمِيعًا وَقُلُوبهمْ شَتَّى﴾ يَعْنِي: أَن الْمُنَافِقين قطّ لَا يخلصون للْيَهُود، وَلَا الْيَهُود لِلْمُنَافِقين.
وَقَوله: ﴿ذَلِك بِأَنَّهُم قوم لَا يعْقلُونَ﴾ أَي: لَا يتدبرون بعقولهم، فهم بِمَنْزِلَة من
وَقَوله: {فَلَمَّا كفر قَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْك إِنِّي أَخَاف الله رب الْعَالمين﴾ هَذَا مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا تراءت الفئتان نكص على عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُم إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ إِنِّي أَخَاف الله وَالله شَدِيد الْعقَاب﴾ وَقيل: إِن خَوفه من الْعقُوبَة فِي الدُّنْيَا لَا من الْعقُوبَة فِي الْآخِرَة. وَقيل: هُوَ الْخَوْف من الْعقُوبَة فِي الْآخِرَة إِلَّا أَن خَوفه لَا يَنْفَعهُ لعدم الْإِيمَان. وَقيل: إِن الْآيَة نزلت فِي جَمِيع الْكفَّار لَا فِي كَافِر مَخْصُوص، وَالْمَشْهُور هُوَ القَوْل الأول.
وَقَوله: ﴿وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمين﴾ أَي: الْكَافرين.
وَقَوله: ﴿وَاتَّقوا الله إِن الله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ الْأَمر بالتقوى على طَرِيق التَّأْكِيد.
وَقَوله: {أُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ﴾ أَي: الخارجون عَن طَاعَة الله.
وَقَوله: ﴿خَاشِعًا﴾ أَي: ذليلا، وَقيل: متصدعا أَي: متشققا من خشيَة الله.
وَقَوله: ﴿وَتلك الْأَمْثَال نَضْرِبهَا للنَّاس لَعَلَّهُم يتفكرون﴾ أَي: يتدبرون.
وَقَوله: ﴿هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿القدوس﴾ أيك الطَّاهِر، وَقيل: المنزه من كل نقص وعيب، وَقيل القدوس: الْمُقَدّس، يَعْنِي: يقدسه الْمَلَائِكَة ويسبحونه، وَفِي تَسْبِيح الْمَلَائِكَة: سبوح
(دَعَوْت رب الْعِزَّة القدوسا | دُعَاء من لَا يقرع الناقوسا﴾ |
وَقَوله: ﴿الْمُؤمن﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه يُؤمن الْمُؤمنِينَ من النَّار وَالْعَذَاب. وَالْآخر: أَن الْمُؤمنِينَ أمنُوا من ظلمه فَهُوَ مُؤمن. وَالْقَوْل الثَّالِث: أَنه شهد لنَفسِهِ بالوحدانية، فَهُوَ مُؤمن بِهَذَا الْمَعْنى، وشهادته لنَفسِهِ بالوحدانية هُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ﴾
وَقَوله: ﴿الْمُهَيْمِن﴾ قَالَ قَتَادَة: أَي: الشَّهِيد. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ الْأمين، وَمعنى كَونه أَمينا: أَنه لَا يضيع أَعمال الْعباد، فَكَأَن أَعمال الْعباد فِي أَمَانَته لَا يضيعها. وَقيل: هُوَ الرَّقِيب. وَقيل: إِن الْمُهَيْمِن أَصله المؤيمن إِلَّا أَنه قد قلبت الْهمزَة هَاء مثل قَوْلهم: أرقت المَاء وهرقته.
وَقَوله: ﴿الْعَزِيز﴾ أَي الْغَالِب. وَقيل: القاهر. وَقيل: المنيع.
وَقَالَ الشَّاعِر فِي الْمُهَيْمِن.
(مليك على عرش السَّمَاء مهيمن | [لعزته] تعنو الْوُجُوه وتسجد) |
يُقَال: نَخْلَة جبارَة إِذا كَانَت طَوِيلَة لَا يُوصل إِلَيْهَا بِالْأَيْدِي.
قَوْله: ﴿المتكبر﴾ أَي: الْكَبِير. وَقيل: المتكبر هُوَ الَّذِي أَعلَى نَفسه وعظمها، وَهَذَا ممدوح فِي صِفَات الله، مَذْمُوم فِي صِفَات الْخلق؛ لِأَن الْخلق لَا يخلون عَن نقيصة، فَلَا يَلِيق بهم إعظامهم أنفسهم وإعلاؤهم إيَّاهُم، وَالله تَعَالَى لَا يجوز عَلَيْهِ نقص فَيصح مدحه لنَفسِهِ وإعظامه.
وَقيل: مدح نَفسه ليعلم خلقه مدحهم إِيَّاه ليثيبهم عَلَيْهِ، إِذْ لَا يجوز أَن يعود إِلَيْهِ ضرّ وَلَا نفع.
وَقَوله: ﴿سُبْحَانَ الله عَمَّا يشركُونَ﴾ قد بَينا فِي كثير من الْمَوَاضِع.
وَقَوله: ﴿البارئ﴾ قيل: هُوَ فِي معنى الْخَالِق على طَرِيق التَّأْكِيد، وَقيل: إِن مَعْنَاهُ المحيي بعد الإماتة. قَالَ الشَّاعِر:
(وكل نفس على سلامتها | يميتها الله ثمَّ يبرؤها) |
وَقَوله: ﴿المصور﴾ هُوَ التَّصْوِير الْمَعْلُوم يصور كل خلق على مَا يَشَاء. وَقيل:
وَقَوله تَعَالَى: ﴿لَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى﴾ الْحسنى: هُوَ تَأْنِيث الْأَحْسَن، وَهِي هَاهُنَا بِمَعْنى الْعليا.
وَقَوله: ﴿يسبح لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾ ظَاهر الْمَعْنى. وَقد ورد فِي بعض المسانيد بِرِوَايَة ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِن اسْم الله الْأَعْظَم فِي ثَلَاث آيَات من آخر سُورَة الْحَشْر ". وَالله أعلم.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء تلقونَ إِلَيْهِم بالمودة وَقد كفرُوا﴾تَفْسِير سُورَة الممتحنة
وَهِي مَدَنِيَّة، وَالله أعلم