تفسير سورة المرسلات

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة المرسلات من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٧٧ شرح إعراب سورة المرسلات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣)
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) قال أبو جعفر: قد ذكرنا في هذه الآيات أقوالا، ونزيد ذلك شرحا وبيانا. قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى ثنا وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن أبي العبيدين عن ابن مسعود في قول الله عزّ وجلّ: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) قال: الرياح فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) قال: الريح وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) قال: الريح. قال أبو جعفر: وقد روي عن ابن مسعود أنه قال الْمُرْسَلاتِ الملائكة: والقول بأنها الرياح قول ابن عباس وأبي صالح ومجاهد وقتادة وفَالْعاصِفاتِ الرياح وذلك عن ثلاثة من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وَالنَّاشِراتِ قد روي عن ابن مسعود أنها الملائكة والرواية الأولى أنها الريح قول ابن عباس، وعن أبي صالح أن النَّاشِراتِ المطر.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٤]
فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤)
عن ابن مسعود وابن عباس أنها الملائكة، وروى سعيد عن قتادة فَالْفارِقاتِ فَرْقاً قال القرآن فرّق بين الحقّ والباطل، والتقدير على هذا: فالآيات الفارقات.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٥]
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥)
عن ابن مسعود وابن عباس قالا: الملائكة. قال قتادة: الملائكة تلقي الذّكر إلى الأنبياء عليهم السّلام، وعن أبي صالح في بعض هذه، قال الأنبياء. قال أبو جعفر: قد ذكرنا أن الصفة في هذا أقيمت مقام الموصوف فلهذا وقع الاختلاف فإذا كان التقدير:
وربّ المرسلات فالمعنى واحد والقسم بالله جلّ وعزّ، وإذا زدنا هذا شرحا قلنا قد ذكرنا ما قيل إنها الرياح وأنها الملائكة وأنها الرسل عليهم السّلام ولم نجد حجّة قاطعة تحكم لأحد هذه الأقوال فوجب أن يردّ إلى عموم الظاهر فيكون عاما لهذه الأشياء
كلها. عُرْفاً منصوب على الحال إذا كان معناه متتابعة وإذا كان معناه والملائكة المرسلات بالعرف أي بأمر الله جلّ وعزّ وطاعته وكتبه، فالتقدير بالعرف فحذف الباء فتعدّى الفعل، كما أنشد سيبويه: [البسيط] ٥١٦-
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نشب «١»
عَصْفاً ونَشْراً وفَرْقاً مصادر تفيد التوكيد فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً مفعول به.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٦]
عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦)
قراءة أبي عمرو والأعمش وحمزة والكسائي، وقرأ أهل الحرمين وابن عامر وعاصم عُذْراً بإسكان الذال «أو نذرا» بضم الذال، ويروى عن زيد بن ثابت والحسن «عذرا أو نذرا» «٢» بضم الذالين فإسكانهما جميعا على أنهما مصدران كما تقول: شكرته شكرا، ويجوز أن يكون الأصل فيهما الضمّ فحذفت الضمة استثقالا لها، وضمهما جميعا على أنهما جمع عذير ونذير، ويجوز أن يكونا مصدرين مثل شغلته شغلا. وعذير بمعنى اعذار كما قال: [الوافر] ٥١٧-
أريد حباءه ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد «٣»
أي إعذارك وكما قال: [الهزج] ٥١٨-
نذير الحيّ من عدوان كانوا حيّة الأرض «٤»
قال أبو جعفر: هكذا ينشد هذان البيتان بالنصب، وأنشد سيبويه: [الطويل] ٥١٩-
عذيرك من مولى إذا نمت لم ينم يقول الخنا أو تعتريك زنابره «٥»
أي عذيرك من هذا.
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٢٢، والبحر المحيط ٨/ ٣٩٦، وتيسير الداني ١٧٧.
(٢) الشاهد لعمرو بن معدي كرب في ديوانه ١٠٧، والكتاب ١/ ٣٣٢، والأغاني ١٠/ ٢٦، وحماسة البحتري ٧٤، والحماسة الشجرية ١/ ٤٠، وخزانة الأدب ٦/ ٣٦١، والدرر ٣/ ٨، وسمط اللآلي ٦٣، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٢٩٥، وعجزه لعلي بن أبي طالب في لسان العرب (عذر)، وبلا نسبة في شرح المفصّل ٢/ ٢٦، وهمع الهوامع ١/ ١٦٩.
(٣) الشاهد لذي الإصبع العدواني في ديوانه ٤٦، والاشتقاق ٢٦٩، والأغاني ٣/ ٨٥، وأمالي الزجاجي ١/ ٢٢١، والحيوان ٤/ ٢٣٣، وخزانة الأدب ٥/ ٢٨٦، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٢٩٨، والشعر والشعراء ٢/ ٧١٢، ولسان العرب (عذر) و (جيا)، والمقاصد النحوية ٤/ ٣٦٤، وبلا نسبة في الكتاب ١/ ٣٠٣، ولسان العرب (عدا)، وأمالي المرتضى ١/ ٢٥٠.
(٤) الشاهد بلا نسبة في الكتاب ١/ ٣٧٤، وشرح الشواهد للشنتمري ١/ ١٥٨.
(٥) انظر الكتاب ٣/ ١١٩.

[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٧]

إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (٧)
أي من البعث والحساب والمجازاة. وهذا جواب القسم و «ما» هاهنا بمعنى الذي مفصولة من «إنّ»، ولا يجوز أن تكون هاهنا فاصلة و «لا» زائدة ألا ترى أن في خبرها اللام المؤكدة لخبر إنّ وحذفت الهاء لطول الاسم، والتقدير أن الذي توعدونه لواقع من الحساب والثواب والعقاب.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٨]
فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨)
رفعت النجوم بإضمار فعل مثل هذا لأن إذا هاهنا بمنزلة حروف المجازاة فإن قال قائل: قد قال سيبويه «١» في قول الله جلّ وعزّ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم: ٣٦] «إذا» جواب بمنزلة الفاء، وإنما صارت جوابا بمنزلة الفاء لأنها لا يبتدأ بها كما لا يبتدأ بالفاء. فقد ابتدئ بها هاهنا، وأنت تقول: إذا قمت قمت مبتدأ. قال أبو جعفر: فلم أعلم أحدا غلط سيبويه في هذا، والحجة له أنّ «إذا» كانت للمفاجأة لم يبتدأ بها نحو قوله: إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ وإذا كانت بمعنى المجازاة ابتدئ بها ولكن قد عوض سيبويه بأن الفاء تدخل عليها فكيف تكون عوضا منها؟
فالجواب أنها إنما تدخل توكيدا، وجواب فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ وقيل الفاء محذوفة، وقيل الجواب محذوف.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ١١]
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١)
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ «٢» بهمزة وتشديد القاف، وقرأ عيسى بن عمر النحوي وخالد بن إلياس أُقِّتَتْ بهمزة وتخفيف القاف، وقرأ أبو عمرو «وقّتت» بواو وتشديد القاف، وقرأ الحسن وأبو جعفر «وقتت» بواو وتخفيف القاف. قال أبو جعفر: الأصل فيها الواو لأنه مشتق من الوقت قال جلّ وعزّ: كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً [النساء: ١٠٣] فهذا من وقتت مخففة إلّا أن الواو تستثقل فيها الضمة فتبدل فيها همزة، وقد ذكر سيبويه اللغتين وقّتت وأقّتت فلم يقدّم إحداهما على الأخرى فإذا كانتا فصيحتين فالأولى اتباع السواد.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ١٢ الى ١٣]
لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣)
لِيَوْمِ الْفَصْلِ قيل: حذف الفعل الذي تتعلق به اللام والتمام لأي يوم أجّلت ثم أضمر فعل أجلت ليوم الفصل، وقيل: ليوم الفصل بدل وأعدت اللام مثل لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وقيل: اللام بمعنى إلى.
(١) انظر القراءات المختلفة في تيسير الداني ١٧٧، والبحر المحيط ٨/ ٣٩٦، ومعاني الفراء ٣/ ٢٢٢.
(٢) انظر البحر المحيط: ٨/ ٣٩٧. [.....]

[سورة المرسلات (٧٧) : آية ١٤]

وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤)
«ما» الأولى والثانية في موضع رفع بالابتداء.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ١٥]
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥)
أي الذين يكذبون بيوم القيامة وما فيه.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ١٦ الى ١٧]
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧)
وقرأ الأعرج أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ «١» جزم نُتْبِعُهُمُ لأنه عطف على نهلك قال أبو جعفر: هذا لحن، وقال أبو حاتم: هذا لحن، وذكر إسماعيل أنه لا يجوز. قال أبو جعفر: «ثم» من حروف العطف وإنما معناه من جهة المعنى وهو في المعنى غير مستحيل لأنه قد قيل في معنى أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ أنهم قوم نوح وعاد وثمود، وأن الآخرين قوم إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم وأصحاب مدين وفرعون. قال أبو جعفر: فعلى هذا تصحّ القراءة بالجزم.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ١٨]
كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨)
أي كذلك سنتي فيمن أقام على الإجرام أن أهلكه بإجرامه.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ١٩]
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩)
أي لمن كذّب بما أخبر الله جلّ وعزّ وبقدرته على ما يشاء.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٢٠ الى ٢٣]
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣)
ويجوز إدغام القاف في الكاف وعن ابن عباس «مهين» ضعيف. وقرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش وحمزة فَقَدَرْنا «٢» مخفّفة، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع والكسائي فَقَدَرْنا مشددة والأشبه التخفيف لأن بعده فَنِعْمَ الْقادِرُونَ وليس بعده المقدّرون على أن القراءة بالتشديد حسنة لأنه قد حكي أنهما لغتان بمعنى واحد. يقال: قدر وقدره. وقد قال: نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ [الواقعة: ٦٠] ولا ينكر أن تأتي لغتان بمعنى واحد في موضع واحد، قال: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً [الطارق: ١٧] وقال الشاعر: [البسيط] ٥٢٠-
وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلّا الشّيب والصّلعا «٣»
(١) انظر تيسير الداني ١٧٧.
(٢) مرّ الشاهد رقم (٢١٨).
(٣) انظر مختصر ابن خالويه ١٦٧.
وقد قيل: معنى فقدرنا النطفة والعلقة والمضغة، وقال الضحاك: فقدرنا فملكنا.
فَنِعْمَ الْقادِرُونَ رفع بنعم، والتقدير: فنعم القادرون نحن.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٢٤]
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤)
بقدرة الله جلّ وعزّ على هذه الأشياء وغيرها.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٢٥]
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥)
يقال: كفته إذا جمعه وأحرزه فالأرض تجمع الناس على ظهرها أحياء وفي بطنها أمواتا. واشتقاق هذا من الكفتة وهي وعاء الشيء وكذا الكفتة.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٢٦]
أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦)
نصب على الحال أي نكفتهم في هذه الحال، ويجوز أن يكون منصوبا بوقوع الفعل عليه أي تكفت الأحياء والأموات.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٢٧]
وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧)
وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يقول جبالا مشرفات، قال: وماءً فُراتاً عذبا وروى عنه عكرمة «ماء فراتا» سيحان وجيحان والفرات والنيل، قال: وكل ماء عذب في الدنيا فمن هذه الأنهار الأربعة.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩)
انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) أي يقال لهم، وزعم يعقوب الحضرمي أن بعض القراء قرأ «انطلقوا» بفتح اللام على أنه فعل ماضي، وأما الأول فلم يختلف فيها.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٣١]
لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (٣١)
لا ظَلِيلٍ نعت لظلّ أي غير ظليل من الحرّ ولا يقي لهب النار.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٣٢]
إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢)
إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ لغة أهل الحجاز كما قال: [الوافر] ٥٢١-
وتوقد ناركم شررا ويرفع لكم في كلّ مجمعة لواء «١»
(١) الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ٨٥، ولسان العرب (جمع)، وتاج العروس (جمع)، وديوان المفضليات ٥٦.
75
ولغة بني تميم شرار، كَالْقَصْرِ «١» يقرأ على ثلاثة أوجه فقراءة العامة كَالْقَصْرِ، وعن ابن عباس وجماعة من أصحابه كَالْقَصْرِ بفتح الصاد، وعن سعيد بن جبير روايتان في إحداهما كَالْقَصْرِ والأخرى كَالْقَصْرِ كما قرئ على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل بن إسحاق قال نصر بن علي قال: ثنا يزيد بن زريع ثنا يونس عن الحسن أنها ترمي بشرر كَالْقَصْرِ بكسر القاف. قال نصر: وحدّثنا أبي ثنا يونس عن الحسن بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ قال: أصول النخل. قال أبو جعفر: والقصر بفتح القاف وإسكان الصاد في معناه قولان. روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كَالْقَصْرِ قال: يقول: كالقصر العظيم وكذا قال محمد بن كعب هو القصر من القصور. وقال أبو عبيد عن حجاج عن هارون قال: القصر الخشب الجزل مثل جمرة وجمر وتمر وتمر. قال أبو جعفر: وأصحّ من هذا عن الحسن كما قرئ على إبراهيم ابن موسى عن إسماعيل عن نصر قال: ثنا يزيد ثنا يونس عن الحسن قال: «كالقصر» واحد القصور. قال أبو جعفر: فهذا قول بيّن والعرب تشبه الناقة والجمل بالقصر كما قال: [البسيط] ٥٢٢-
كأنها برج روميّ يشيّده بان بجصّ وآجرّ وأحجار «٢»
فأما القصر فقال مجاهد وقتادة: هو أصول النخل، وروى عبد الرّحمن بن عابس عن ابن عباس قال: القصر الخشبة تكون ثلاثة أذرع أو أكثر ودون ذلك. قال أبو جعفر: وهذا أصح ما قيل فيه ومنه قيل: قصّار لأنه يعمل بمثل هذا الخشب، والقصر بهذا المعنى يكون جمع قصرة وقد سمع من العرب حاجة وحوج، ويجوز أن يكون جمع قصرة وقد سمع حلقة وحلق فقال: الشرر جماعة والقصر واحد فكيف شبهت به؟
الجواب أن يكون واحدا يدلّ على جمع أو جمع قصرة أو يراد به الفعل أي كعظيم القصر وتكلم الفراء «٣» في أن الأولى أن يقرأ «كالقصر» بإسكان الصاد لأن الآيات على هذا. ألا ترى أن بعده «صفر»، واحتجّ بقراءة القراء: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ [القمر: ٦] بضم الكاف لأن الآيات كذا، وفي موضع آخر فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً [الطلاق: ٨] بإسكان الكاف فقال: فقد أجمع القراء على تحريك الأولى وإسكان الثانية قال أبو جعفر: وهذا غلط قبيح قد قرأ عبد الله بن كثير يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ
بإسكان الكاف. وهذا الذي جاء به من اتفاق الآيات لا يستتب ولا ينقاس.
(١) انظر البحر المحيط ٨/ ٣٩٨.
(٢) الشاهد للأخطل التغلبي في ديوانه ٧٦، وتفسير الطبري ١٩/ ٣٠.
(٣) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٢٤.
76

[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٣٣]

كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣)
قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش بن عيسى وطلحة وحمزة والكسائي «كأنه جماله صفر» «١» وعن ابن عباس «جمالات صفر» «٢» بضم الجيم فالقراءة الأولى تكون جمع جمال أو جمالة وجمالة جمع جمل كحجر وحجارة، وجمالات يجوز أن يكون بمعنى جمال كما يقال: رخل ورخال وظئر وظؤار والتاء لتأنيث الجماعة إلا أن أهل التفسير يقولون: هي حبال السفن منهم ابن عباس وسعيد بن جبير إلّا أن علي بن أبي طلحة روى عن ابن عباس، قال: قطع النحاس ويجوز أن يكون مشتقا من الشيء المجمل.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٣٥]
هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥)
مبتدأ وخبره، وزعم الفراء «٣» أن القراء اجتمعت على رفع يوم. قال أبو جعفر:
وهذا قريب مما تقدّم. روي عن الأعرج والأعمش أنهما قرءا هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ بالنصب وفي نصبه قولان: أحدهما أنه ظرف أي هذا الذي ذكرنا في هذا اليوم، والقول الآخر ذكره الفراء يكون «يوم» مبنيا. وهذا خطأ عند الخليل وسيبويه «٤» لا تبنى الظروف عندهما مع الفعل المستقبل لأنه معرب وإنما يبنى مع الماضي، كما قال: [الطويل] ٥٢٣- على حين عاتبت المشيب على الصّبا «٥»
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٣٦]
وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦)
عطف، وزعم الفراء «٦» أنه اختير فيه الرفع لتتفق الآيات.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٣٨]
هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨)
مبتدأ وخبره جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ نسق على الكاف والميم.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٣٩]
فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩)
حذفت الياء لأن النون صارت عوضا منها لأنها مكسورة وهو رأس آية.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٤١]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١)
ومن كسر العين كره الضمة مع الياء.
(١) انظر تيسير الداني ١٧٧.
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ٣٩٨، ومعاني الفراء ٣/ ٢٢٥.
(٣) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٢٥.
(٤) انظر الكتاب ٣/ ١٣٦.
(٥) مرّ الشاهد رقم (١٢٩).
(٦) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٢٦.

[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٤٢]

وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢)
الأصل يشتهونه حذفت الهاء الاسم.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٤٣]
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)
أي يقال لهم هذا.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٤٤]
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤)
الكاف في موضع نصب أي جزاء كذلك.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦)
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا متصل بما يليه أي قيل للمكذبين كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا أي وقتا قليلا وتمتعا قليلا.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٤٨]
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨)
قال الفراء: وإذا قيل لهم صلّوا، وقال غيره: كان الركوع أشدّ الأشياء على العرب حتى أسلم بعضهم وامتنع من أن يركع.
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ٥٠]
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠)
وقعت الباء قبل أي والاستفهام له صدر الكلام لأن حروف الخفض مع ما بعدها بمنزلة شيء واحد. ألا ترى أن قولك: نظرت إلى زيد، ونظرت زيدا بمعنى واحد؟
Icon