تفسير سورة آل عمران

الصحيح المسبور
تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المعروف بـالصحيح المسبور .
لمؤلفه حكمت بشير ياسين .

سورة آل عمران
فضلها: تقدم ذكره مقروناً بفضل سورة البقرة.
قوله تعالى (الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)
قال الترمذي: حدثنا علي بن خشرم. حدثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله ابن أبي زياد القداح، كذا قال عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) وفاتحة آل عمران (الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ).
(السنن ٥/٥١٧ ح ٣٤٧٨ - ك الدعوات، ب ٦٥) وأخرجه أبو داود (السنن ٢/٨٠ ح ١٤٩٦ - ك الصلاة، ب الدعاء عن مسدد)، وابن ماجه (السنن ٢/١٢٦٧ ح ٣٨٥٥ - ك الدعاء، ب اسم الله الأعظم) عن أبي بكر بن أبي شيبة. كلاهما عن عيسى بن يونس. وأخرجه أحمد (المسند ٦/٤٦١) عن محمد بن بكر. والدارمي (السنن ٢/٤٥٠ - ك فضائل القرآن، ب فضل أول سورة البقرة..) عن أبي عاصم النبيل. وابن أبي حاتم (التفسير ح ٤ - آل عمران/١) من طريق مكي بن إبراهيم، جميعهم عن عبيد الله بن أبي زياد به. قال الترمذي: حسن صحيح. وقد ذكر الإمام أحمد أن شهراً روى عن أسماء بنت يزيد أحاديث حساناً (التهذيب ٤/٣٧٠) فلعل هذا الحديث منها. وقال الألباني: حسن.
(صحيح الترمذي ح ٢٧٦٤).
وانظر الكلام عن الحروف المقطعة في بداية سورة البقرة.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الصحيح عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه (الحي القيوم) قال القائم على كل شيء.
قوله تعالى (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله (نزل عليك الكتاب بالحق) يقول: (القرآن).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه) يقول: القرآن (مصدقا لما بين يديه) من الكتب التي قد خلت من قبله.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد (مصدقا لما بين يديه) قال: لما قبله من كتاب أو رسول.
قوله تعالى (وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ)
قال الإمام أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم: ثنا عمران أبو العوام، عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان".
(المسند (٤/١٠٧)، أخرجه الطبراني (٢٢/٧٥ ح ١٨٥)، وابن أبي حاتم (التفسير - سورة آل عمران، الآية ٣-٤ ح ٣٣٥، وسورة المائدة الآية ٤٤، ٤٦، ٤٨ ح ٦٨، ١٥٠، ١٦٤) من طريق عبد الله بن رجاء عن عمران به. وحسنه السيوطي (فيض القدير مع الجامع الصغير ٣/٥٧).
وقال الألباني: وهذا إسناده حسن ورجاله ثقات، وفي القطان -عمران أبي العوام- كلام يسير، وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعاً نحوه. أخرجه ابن عساكر (٢/١٦٧/١) و (٥/٣٥٢/١) من طريق علي ابن طلحة عنه... (الصحيحة ح ١٥٧٥). وله شاهد آخر من حديث جابر عند ابن مردويه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس) هما كتابان أنزلهما الله، فيهما بيان من الله، وعصمة لمن أخذ به وصدق به، وعمل بما فيه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (وأنزل الفرقان) هو القرآن، أنزله على محمد، وفرق به بين الحق والباطل، فأحل فيه حلاله وحرم فيه حرامه وشرع فيه شرائعه، وحد فيه حدوده، وفرض فيه فرائضه، وبين فيه بيانه وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته.
قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ)
أي إن الله تعالى يعلم كل شيء وقد فصل ذلك في سورة الأنعام وبين أن كل شيء في كتاب مبين كما قال تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) الأنعام: ٥٩.
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء)، قادر والله ربنا أن يصور عباده في الأرحام كيف يشاء، ذكر أو أنثى، أو أسود أو أحمر، تام خلقه أو غير تام.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (العزيز) عزيز في نقمته إذا انتقم. (الحكيم) حكيم في أمره.
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيات مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) إلى قوله (أُولُو الْأَلْبَابِ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: المحكمات: ناسخه، وحلاله، وحرامه، وحدوده وفرائضه وما يؤمن له ويعمل به (وأخر متشابهات) والمتشابهات: منسوخه، ومقدمه ومؤخره، وأمثاله وأقسامه، وما يؤمن به ولا يعمل به.
قال ومسلم: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا يزيد بن إبراهيم التُستري، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " (هو الذيَ أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أمّ الكتاب وأُخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله. والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولوا الألباب) ". قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمّى الله، فاحذروهم".
(صحيح مسلم ٤/٢٠٥٣ ح ٢٦٦٥- ك العلم، ب النهي عن اتباع متشابه القرآن) واللفظ له، (وصحيح البخاري ٨/٢٠٩ ح ٤٥٤٧- ك التفسير- سورة آل عمران).
قال البخاري: حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال. حدثنا خالد عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: "اللهم علِّمه الكتاب".
(الصحيح ١/١٦٩ ح ٧٥)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (المحكمات) : الناسخ الذي يعمل به، ما أحل الله فيه حلاله وحرم فيه حرامه وأما (المتشابهات) : فالمنسوخ الذي لا يعمل به ويؤمن به.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (منه آيات محكمات) ما فيه من الحلال والحرام، وما سوى ذلك فهو (متشابه)، يصدق بعضه بعضاً وهو مثل قوله (وما يضل به إلا الفاسقين) سورة البقرة ٢٦، ومثل قوله (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) سورة الأنعام ١٢٥، ومثل قوله تعالى (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) سورة محمد ١٧.
قوله تعالى (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء تأويله)
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوماً يتدارؤون فقال: "إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضاً، فلا تكذبوا بعضه ببعض فما علمتم منه فقولوا وما جهلتم فكلوه إلى عالمه".
(المصنف ١١/٢١٦-٢١٧ ح ٢٠٣٦٧)، وأخرجه أحمد (المسند ح ٦٧٤١) عن عبد الرزاق به، وصححه محققه. وقال الألباني: صحيح (صحيح الجامع ح ٢٣٧٠).
يتدارؤون: درأ يدرأ درءاً إذا وقع. (النهاية لابن الأثير ٢/١٠٩).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فأما الذين في قلوبهم زيغ) قال: من أهل الشك.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فيحملون المحكم على المتشابه، والمتشابه على المحكم، ويلبسون فلبس الله عليهم.
قال عبد بن حميد: ثنا يونس عن شيبان عن قتادة: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) قال: طلب القوم التأويل فأخطأوا التأويل وأصابوا الفتنة واتبعوا ما تشابه منه فهلكوا بين ذلك.
ويونس هو الأيلي وشيبان وقتادة تقدم ذكرهما في المقدمة وكلهم ثقات وإسناده صحيح.
399
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (فيتبعون ما تشابه منه)، يتبعون المنسوخ والناسخ فيقولون: ما بال هذه الآية عمل بها كذا وكذا مكان هذه الآية، فتركت الأولى وعمل بهذه الأخرى؟ هلا كان العمل بهذه الآية قبل أن تجىء الأولى التي نسخت؟ وما باله يعد العذاب من عمل عملا يعذبه في النار، وفي مكان آخر: من عمله فإنه لم يوجب النار؟.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (ابتغاء الفتنة) قال: إرادة الشرك.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (ابتغاء الفتنة) قال: الشبهات بها أهلكوا.
قوله تعالى (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني تأويله يوم القيامة إلا الله.
قال الطبري حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا خالد بن نزار عن نافع، عن ابن أبي ملكة، عن عائشة قوله: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به) قالت: كان من رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه، ولم يعلموا تأويله.
وسنده حسن.
قال الطبري حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني ابن أبي الزناد قال، قال هشام بن عروة: كان أبي يقول في هذه الآية (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله، ولكنهم يقولون (آمنا به كل من عند ربنا).
وسنده حسن.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال: أنا ممن يعلم تأويله.
400
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) قالوا: (كل من عند ربنا) آمنوا بمتشابهه، وعملوا بمحكمه.
قوله تعالى (ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه)
قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نصر حدثنا أبو أسامة عن أبي حبان عن أبي زرعة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً بلحم، فقال: "إن الله يجمع يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر، تدنوا الشمس منهم -فذكر حديث الشفاعة- فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبي الله وخليله من الأرض اشفع لنا إلى ربك، فيقول- فذكر كذباته-: نفسي نفسي، اذهبوا إلى موسى". تابعه أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(الصحيح ٦/٤٥٥ ح ٣٣٦١- ك الأنبياء، ب يزفون: النسلان في المشي)
قوله تعالى (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك هم وقود النار)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن الكفار بأنهم وقود النار (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة لهم سوء الدار) وليس ما أوتوه في الدنيا من الأموال والأولاد بنافع لهم عند الله ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه كما قال تعالى (ولا تعجبك أمولهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) قال تعالى (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد، متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد).
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا ابن أبي مريم، أنبأ ابن لهيعة، أخبرني ابن الهاد، عن هند بنت الحارث، عن أم الفضل أم عبد الله بن عباس قالت: بينما نحن بمكة قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الليل فنادى: اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت "ثلاثاً، فقام عمر بن الخطاب فقال: نعم، ثم أصبح، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليظهرن
401
الإسلام حتى يرد الكفر إلى موطنه، وليخوضن البحار بالإسلام، وليأتين على الناس زمان يتعلمون القرآن ثم يقولون: قد قرأنا القرآن، وعلمنا فمن هذا الذي هو خير منا، فهل في أولئك خير؟ "قالوا: يا رسول الله فمن أولئك؟ قال: أولئك منكم، فأولئك معهم (وأولئك هم وقود النار).
(التفسير: سورة آل عمران- آية ١٠، ح ١٥٢). وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا ابن لهيعة، فإنه صدوق واختلط بعد احتراق كتبه، لكن تابعه على رواية هذا الحديث عبد العزيز بن أبي حازم، عن يزيد بن الهاد به، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١٢/٢٥٠ ح ١٣٠١٩)، وحسن إسناده المنذري في (الترغيب والترهيب)، وحسنه الألباني (صحيح الترغيب ١/٥٨ ح ١٣٣). ولبعضه شاهد من حديث أنس عند البخاري (الصحيح ٦/١٠٣ ح ٢٨٩٤، ٢٨٩٥)، قال: حدثتني أم حرام...
أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"عجبت من قوم من أمتي يركبون البحر كالملوك على الأسرة " فيكون هذا الحديث حسناً بهذه المتابعة، الشاهد).
وانظر سورة البقرة آية (٢٤) لبيان وقود النار.
قوله تعالى (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا من هؤلاء الذين من قبلهم وما ذنوبهم التي أخذهم الله بها. وبين مواضع أخر أن منهم قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط وقوم شعيب وأن ذنوبهم التي أخذهم بها هي الكفر بالله وتكذيب الرسل وغير ذلك من المعاصي، كعقر ثمود للناقة وكلواط قوم لوط، كتطفيف قوم شعيب للمكيال والميزان، وغير ذلك كما جاء مفصلاً في آيات كثيرة كقوله في نوح وقومه (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون) الآية ونحوها من الآيات وكقوله في قوم هود: (فأرسلنا عليهم الريح العقيم) الآية ونحوها من الآيات وكقوله في قوم صالح: (وأخذ الذين ظلموا الصيحة) الآية ونحوها من الآيات وكقوله في قوم لوط: (فجعلنا عاليها سافلها) الآية، ونحوها من الآيات وكقوله في قوم شعيب: (فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم) ونحوها من الآيات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم)، ذكر الذين كفروا وأفعال تكذيبهم كمثل تكذيب الذين من قبلهم في الجحود والتكذيب.
قوله تعالى (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (وبئس المهاد)، قال: بئسما مهدوا لأنفسهم.
قوله تعالى (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة: (قد كان لكم آية)، عبرة وتفكر.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (قد كان لكم آية في فئتين).
قال: محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، ومشركي قريش يوم بدر.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين)، ذلكم يوم بدر ألف المشركون أو قاربوا، وكان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار)
يقول لقد كان لهم في هؤلاء عبرة وتفكر، أيدهم الله ونصرهم على عدوهم.
قوله تعالى (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة... )
انظر حديث الشيخين عن أبي هريرة مرفوعاً: "تنكح النساء لأربع: لمالها وجمالها وحسبها ودينها...." في تفسير سورة البقرة آية ٢٢١.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديها الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: القنطار اثنا عشر ألف درهم، وألف دينار.
قال الطبري: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا حماد ابن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: القنطار ألف ومئتا أوقية.
وسنده حسن.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة عن الحسن: أن القنطار اثنا عشر ألفاً.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: كنا نحدث أن القنطار ألف رطل من ذهب، أو ثمانون ألفاً من الورق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: القنطار يكون مائة رطل، وهو ثمانية آلاف مثقال.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (القناطير المقنطرة) قال: القنطار سبعون ألف دينار.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة: (القناطير المقنطرة من الذهب والفضة)، والمقنطرة المال الكثير بعضه على بعض.
ولعل هذا الخلاف بسبب اختلاف البلدان، فلكل بلد له مكاييله وأوزانه كالحجاز والشام الكوفة والبصرة ومصر.
قوله تعالى (والخيل المسومة)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: و (الخيل المسومة) : يعني المعلمة.
قال الطبري حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن، قال حدثنا سفيان، قال عن حبيب عن سعيد بن جبير (الخيل المسومة) قال: الراعية، التي ترعى.
ورجاله ثقات وسنده صحيح.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد وفي قوله: (والخيل المسومة) قال: المطهمة حسناً.
المطهم: البارع الجمال (القاموس مادة: ط هـ م)
404
قوله تعالى (والأنعام والحرث)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا كم يدخل تحت لفظ الأنعام من الأصناف، ولكنه قد بين في مواضع أخر أنها ثمانية أصناف هي: الجمل والناقة والثور والبقرة والكبش والنعجة والتيس والعنز كقوله تعالى (ومن الأنعام حمولة وفرشاً) ثم بين الأنعام بقوله (ثمانية أزواج من الضأن اثنين) يعنى الكبش والنعجة (من المعز اثنين) يعني التيس والعنز إلى قوله (من الأبل اثنين) يعني الجمل والناقة (ومن البقر اثنين) يعني: الثور والبقرة، وهذه الثمانية هي المرادة بقوله (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) وهي المشار إليها بقوله (فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا) الآية.
وانظر سورة البقرة آية (٢٠٥).
قوله تعالى (والله عنده حسن المآب)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن السدي: (والله عنده حسن المآب)، يقول: حسن المنقلب، وهي الجنة.
قوله تعالى (وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد)
قال البخاري: حدثنا معاذ بن أسدٍ، أخبرنا عبد الله، أخبرنا مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة يقولون لبيك وسعديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خَلقك. فيقول: أنا أعطيكم أفضلَ من ذلك قالوا: يا رب، وأي شيء أفضلُ من ذلك؟ فيقول: أحلُّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا".
(الصحيح ١١/٤٢٣ ح ٦٥٤٩- ك الرقاق، ب صفة الجنة والنار)، (وأخرجه مسلم ٤/٢١٧٦ ح ٢٨٢٩- ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب إحلال الرضوان على أهل الجنة فلا يسخط عليهم أبداً).
وانظر سورة البقرة آية (٢٥).
405
قوله تعالى (الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار)
في هذه الآية والتي تليها بيان صفة العباد من أهل الجنة المذكورين في الآية السابقة.
قوله تعالى (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين)، (الصادقين) : قوم صدقت أفواههم استقامت قلوبهم وألسنتهم وصدقوا في السر والعلانية (والصابرين) قوم صبروا على طاعة الله، وصبروا عن محارمه (القانتين) هم المطيعين لله.
وانظر سورة البقرة آية (١١٦).
قوله تعالى (والمستغفرين بالأسحار)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغرِّ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: مَن يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له".
(الصحيح ٣/٢٩- ح ١١٤٥- ك التهجد، الدعاء والصلاة من آخر الليل). وأخرجه مسلم (الصحيح- صلاة المسافرين، الترغيب في الدعاء والذكر ١/٥٢١ ح ٧٥٨).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة: (والمستغفرين بالأسحار) هم أهل الصلاة.
قوله تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن السدي: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة) إلى (لا إله إلا هو العزيز الحكيم)، قال: الله يشهد هو والملائكة والعلماء من الناس: أن الدين عند الله الإسلام.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (بالقسط)، بالعدل.
قوله تعالى (إن الدين عند الله الإسلام)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (إن الدين عند الله الإسلام) والإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وهو دين الله الذي شرع لنفسه،: بعث به رسله، ودل عليه أولياءه، لا يقبل غيره، ولا يجزي إلا به.
قوله تعالى (وإن تولوا فإنما عليك البلاغ... )
انظر حديث أبي بكرة المتقدم عند الآية (٢١٧) من سورة البقرة، والآتي تحت الآية (٢) من سورة المائدة. وفيه: "ألا هل بلغت؟ ".
قوله تعالى (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق)
انظر حديث ابن مسعود المتقدم عند الآية (٦١) من سورة البقرة.
قوله تعالى (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيت المدراس على جماعة من اليهود، فدعاهم إلى الله، فقال له نعيم بن عمرو، والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال: على ملة إبراهيم ودينه. فقالا: فإن إبراهيم كان يهودياً! قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فهلموا إلى التوراة، فهي بيننا وبينكم! فأبيا عليه، فأنزل الله عز وجل: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) إلى قوله (وما كانوا يفترون).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) أولئك أعداء الله اليهود، دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم وإلى نبيه ليحكم بينهم وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، ثم تولوا عنه وهم معرضون.
قوله تعالى (ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات)، قالوا: لن تمسنا النار إلا تحلة القسم التي نصبنا فيها العجل، ثم ينقطع القسم والعذاب عنا قال الله عز وجل: (وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون)، أي قالوا: (نحن أبناء الله وأحباؤه).
انظر حديث البخاري عن أبي هريرة عند الآية (٨٠) من سورة البقرة، وفيه سؤال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لليهود: من أهل النار؟ وقولهم: نكون فيها يسيرا… الحديث.
قوله تعالى (تولج الليل في النهار تولج النهار في الليل)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله تعالى (تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل) وقال: ما ينقص من أحدهما في الآخر، يعتقبان أو يتعاقبان.
قوله تعالى (وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي) قال: الناس الأحياء من النطف والنطف ميته، ويخرجها من الناس الأحياء، والأنعام.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة عن الحسن في قوله: (وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي)، يعني المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن والمؤمن عبد حي الفؤاد، والكافر عبد ميت الفؤاد.
قوله تعالى (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: نهى الله سبحانه المؤمنين أن يلاطفوا الكفار أو يتخذوهم وليجة من دون المؤمنين إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين فيظهرون لهم اللطف، ويخالفوهم في الدين، وذلك في قوله (إلا أن تتقوا منهم تقاة).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي: (ومن يفعل ذلك) قال: ومن يفعل هذا فهو مشرك. وبه عن السدي: (فليس من الله في شيء) فقد برئ الله منه.
قوله تعالى (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير)
أخرج ابن حاتم بسنده الحسن عن السدي قال: أخبرهم أنه يعلم ما أسروا من ذلك وما أعلنوا، فقال: (إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه).
قال الإمام أحمد: ثنا أبو العلاء الحسن بن سوار ثنا ليث عن معاوية عن أيوب ابن زياد حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة حدثني أبي قال: دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي فقال: أجلسوني. قال: يا بني إنك لا تطعم طعم الإيمان ولم تبلغ حق حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر خيره وشره. قال قلت: يا أبتاه فكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره قال: تعلم ما أخطأك لم يكن يصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك يا بني إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول. إن أول ما خلق الله تبارك وتعالى القلم. ثم قال: اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة. يا بني: إن متّ ولست على ذلك دخلت النار.
(المسند ٥/٣١٧)، وأخرجه أبو داود من طريق أبي حفصة عن عبادة بنحوه. وصححه الألباني (صحيح سنن أبي داود ح ٣٩٣٣).
قوله تعالى (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً) يقول: موفراً.
قوله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)
قال البخاري: حدثنا عبدان أخبرنا أبي عن شعبة عن عمرو بن مُرّة عن سالم بن أبي الجعد عن أنس بن مالك: أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: "ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. قال: أنتَ مع من أحببت".
(الصحيح ١٠/٥٥٧ ح ٦١٧١- ك الأدب، علامة الحب في الله).
قوله تعالى (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين)
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل وعبد الله بن محمد النفيلي، قالا: ثنا سفيان، عن أبي النضر، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا ألفيّن أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو ُنهيت عنه فيقول: لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه".
(السنن ٤/٢٠٠ ح ٤٦٠٥- ك السنة، ب في لزوم السنة)، (وأخرجه الترمذي ٥/٣٧ ح ٢٦٦٣- ك العلم، ب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قتيبة). وابن ماجة (السنن ١/٦-٧ ح ١٣- المقدمة، ب تعظيم حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -... ) عن نصر بن علي الجهضمي.
والحاكم (المستدرك ١/١٠٨) من طريق الشافعي والحميدي، كلهم عن سفيان بن عيينة به. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال البغوي: حديث حسن (شرح السنة ١/٢٠٠)، وقال الألباني: صحيح (صحيح سنن ابن ماجة ح ١٣).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فإن تولوا) يعني الكفار تولوا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)
قال الإمام أحمد: ثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال حدثني النضر بن شميل المازني قال حدثني أبو نعامة قال حدثني أبو هنيدة البراء بن نوفل عن والان العدوي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: أصبح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم فصلى الغداة ثم جلس حتى إذا كان من الضحى ضحك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم جلس مكانه حتى صلى الأولى والعصر والمغرب كل ذلك لا يتكلم حتى صلى العشاء الآخرة ثم قام إلى أهله فقال الناس لأبي بكر لا تسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما شأنه صنع اليوم شيئاً لم يصنعه قط قال: فسأله فقال: "نعم عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا وأمر الآخرة فجمع الأولون والآخرون بصعيد واحد ففظع الناس بذلك حتى انطلقوا إلى آدم عليه السلام والعرق يكاد يلجمهم فقالوا يا آدم أنت أبو البشر وأنت اصطفاك الله عز وجل اشفع لنا إلى ربك قال لقد لقيت مثل الذي لقيتم انطلقوا إلى أبيكم إلى نوح (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) قال: فينطلقون إلى نوح عليه السلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فأنت اصطفاك الله واستجاب لك في دعائه... فذكر الحديث بطوله.
(المسند ١/٤). وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير- آل عمران- آية ٣٣ ح ٣٩٠) عن أحمد بن منصور المروزي عن النضر بن شميل. قال أحمد شاكر: إسناده صحيح (المسند ح ١٥). وأخرجه ابن حبان من طريق النضر بن شميل به (الإحسان ٨/١٣٤-١٣٦ ح ٦٤٤٢). وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجالهم ثقات (مجمع الزوائد ١٠/٣٧٥).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران: آل ياسين وآل محمد يقول الله عز وجل (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه).
قوله تعالى (ذرية بعضها من بعض)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ذرية بعضها من بعض) يقول: في النية والعمل والإخلاص والتوحيد له.
قوله تعالى (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا) الآية كانت امرأة عمران حررت لله ما في بطنها، وكانوا إنما يحررون الذكور، وكان المحرر إذا حرر جعل الكنيسة لا يبرحها، يقوم عليها ويكنسها.
قوله تعالى (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)
المرأة لا تستطيع أن يصنع بها ذلك يعني أن تحرر للكنيسة، فتجعل فيها تقوم عليها وتكنسها فلا تبرحها مما يصيبها من الحيض والأذى، فعند ذلك قالت (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى).
قوله تعالى (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)
قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من مولود يولد إلا والشيطان يَمسّه حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه، إلا مريم وابنها". ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم).
(الصحيح ٨/٦٠ ح ٤٥٤٨- ك التفسير، سورة آل عمران). (وأخرجه مسلم ٤/١٨٣٨ ح ٢٣٦٦- ك الفضائل، ب فضائل عيسى عليه السلام).
قوله تعالى (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن شيبان عن قتادة: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا) قال حُدثنا أنهما كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبها بنو آدم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) قال: سهمهم بقلمه.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) يقول: ضمها إليه.
قوله تعالى (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: في قوله (وجد عندها رزقاً) قال: عنبا وجده زكريا عند مريم يا غير زمانه.
قوله تعالى (قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) يقول: مباركة.
قوله تعالى (فنادته الملائكة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (فنادته الملائكة) وهو جبريل.
قوله تعالى (إن الله يبشرك بيحيى مصدقاً يكلمة من الله)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة: (أن الله يبشرك بيحيى) قال: عبد أحياه الله بالإيمان.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (مصدقاً بكلمة من الله) يقول: مصدقاً بعيسى بن مريم، وعلى سنته ومنهاجه.
قوله تعالى (وسيداً وحصوراً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (وسيداً) إي والله، لسيد في العبادة والحلم والعلم والورع.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (وسيداً) قال: السيد: الكريم على الله. وبه عن مجاهد الحصور: الذي لا يقرب النساء.
قوله تعالى (قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا القدر الذي بلغ من الكبر، ولكنه بين في سورة مريم أنه بلغ من الكبر عتيا. وذلك في قوله تعالى عنه (وقد بلغت من الكبر عتيا) والعتى: اليبس والقحول في المفاصل والعظام من شدة الكبر.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي: (قال رب أنى يكون لي غلام) يقول: من أين.
قوله تعالى (قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا) قال: إيماؤه بشفتيه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إِلَّا رَمْزًا) إلا إيماء.
وانظر لبيان قصة زكريا سورة مريم الآيات (٢-١١) وسورة الأنبياء (٨٩-٩٠).
قوله تعالى (وسبح بالعشي والإبكار)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وسبح بالعشي والإبكار) قال: الإبكار أول الفجر، والعشي ميل الشمس حتى تغيب.
قوله تعالى (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)
انظر قصة مريم سورة مريم الآيات (١٦-٢٩).
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (إن الله اصطفاك وطهرك) قال: جعلك طيبة إيماناً.
قال البخاري: حدثني أحمد بن أبي رجاء حدثنا النضر عن هشام قال: أخبرني أبي قال: سمعت عبد الله بن جعفر قال: سمعت علياً - رضي الله عنه - يقول: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خيرُ نسائها مريم ابنة عمران، وخيرُ نسائها خديجة".
(الصحيح ٦/٤٧٠ ح ٣٤٣٢- ك أحاديث الآنبياء، ب (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك )، (وأخرجه مسلم ٤/١٨٨٦ ح ٢٤٣٠- ك فضائل الصحابة، ب فضائل خديجة).
قال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال: سمعت مرّة الهمداني يُحدِّث عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فضلُ عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون".
(الصحيح ٦/٤٧١-٤٧٢ ح ٣٤٣٣- ك أحاديث الأنبياء، ب قوله تعالى (إذ قالت الملائكة يا مريم) إلى قوله (فإنما يقول له كن فيكون)).
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "حسبك من نساء العالمين: مريم ابنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون".
(المصنف ١١/٤٣٠ ح ٢٠٩١٩)، وأخرجه أيضاً في التفسير (١/١٢٨ ح ٤٠٣) بالإسناد نفسه.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه: الترمذي في جامعه (٥/٧٠٣ ح ٣٨٧٨- ك المناقب، ب فضل خديجة رضي الله عنها)، وأحمد في مسنده (٣/١٣٥)، وأبو يعلى كذلك في مسنده (٥/٣٨٠ ح ٣٠٣٩)، وابن حبان في صحيحه (الإحسان ٩/٧١ ح ٦٩٦٤) والطبراني في الكبير (٢٢/٤٠٢ ح ١٠٠٣)، والحاكم في المستدرك ٣/١٥٧). قال الترمذي: حديث صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ووافقه الذهبي. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر (فتح الباري ٦/٤٧١). وأدخله البغوي في قسم الحسن من "مصابيحه" (انظر المشكاة ٣/١٧٤٥ ح ٦١٨١). وصححه الشيخ الألباني (صحيح الجامع ٣١٤٣ وصحيح الترمذي رقم ٣٠٥٣).
وقد روي عن أنس بلفظ: "خير نساء العالمين... "، أخرجه كذلك ابن أبي عاصم (الآحاد والمثاني ٥/٣٦٤ ح ٢٩٦١)، والطبراني في الكبير (٢٢/٤٠٢ ح ١٠٠٤)، وابن مردويه في تفسيره -كما في تفسير ابن كثير ١/٣٦٢) - ثلاثتهم من طريق أبي جعفر الرازي، عن ثابت، عن أنس به. ويشهد له حديث علي - رضي الله عنه - مرفوعاً: "خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة" أخرجه البخاري (٦/٤٧٠ ح ٣٤٣٢ الفتح) ومسلم (٤/١٨٨٦ ح ٢٤٣٠).
قوله تعالى (يا مريم اقنتي لربك)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يا مريم اقنتى لربك) قال: أطيلي الركوع، يعني القنوت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (اقنتي لربك) أطيعي ربك.
وانظر سورة البقرة آية (١١٦).
قوله تعالى (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (وما كنت لديهم) يعني محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد: (يلقون أقلامهم) زكريا وأصحابه، استهموا بأقلامهم على مريم حين دخلت عليهم.
قوله تعالى (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هذه الكلمة التي أطلقت على عيسى لأنها هي سبب في وجوده من إطلاق السبب وإرادة مسببه، ولكنه بين في موضع آخر أنها لفظة كن وذلك في قوله (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (بكلمة منه) قال: قوله كن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ومن المقربين) يقول: من المقربين عند الله يوم القيامة.
قوله تعالى (ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما كلمهم به في المهد. ولكنه بينه في سورة مريم بقوله (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا).
قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى.
وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلى، فجاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي؟ فقالت: اللهم لا تمته حتى تريَه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرّضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعياً فأمكنته من نفسها، فولدت غلاماً، فقالت مِن جريج، فأَتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبُّوه، فتوضأ وصلى، ثم أتى الغلام فقال: مَن أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلا من طين. وكانت امرأة ترضع ابناً لها من بني إسرائيل، فمرّ رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه"، -قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمُص إصبعه- "ثم مرّ بأمة فقالت اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، هذه الأمة يقولون سرقت زنيت ولم تفعل".
(صحيح البخاري ٦/٥٤٩ ح ٣٤٣٦- ك أحاديث الأنبياء، قول الله (واذكر في الكتاب مريم )). (صحيح مسلم ٤/١٩٧٦-١٩٧٧ بعد رقم ٢٥٥٠- ك البر والصلة، ب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين) يقول: يكلمهم صغيراً وكبيراً.
قوله تعالى (قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر) الآية
قال الشيخ الشنقيطي: أشار في هذه الآية إلى قصة حملها بعيسى وبسطها مبينة في سورة مريم بقوله (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا). إلى آخر القصة وبين النفخ فيها في سورة التحريم والأنبياء، معبراً في التحريم بالنفخ في فرجها، وفي الأنبياء بالنفخ فيها.
قوله تعالى (ويعلمه الكتاب والحكمة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ويعلمه الكتاب والحكمة) قال: الحكمة: السنة.
قوله تعالى (وأبرئ الأكمه والأبرص)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وأبرئ الأكمه) قال: الأكمه: الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل، فهو يتكمه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: الأكمه: الأعمى.
قوله تعالى (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) قال: بما أكلتم البارحة، وما خبأتم منه عيسى ابن مريم يقوله.
قوله تعالى (ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى، وكان قد حرم عليهم فيما جاء به موسى لحوم الإبل والشروب، وأشياء من الطير: الحيتان.
قوله تعالى (وجئتكم بآية من ربكم)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وجئتكم بآية من ربكم) قال ما بين لهم عيسى من الأشياء كلها، وما أعطاه ربه.
قوله تعالى (إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم)
انظر سورة الفاتحة الصراط المستقيم: الإسلام.
قوله تعالى (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ) الآية.
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا الحكمة في ذكر قصة الحواريين مع عيسى ولكنه بين في سورة الصف أن حكمة ذكر قصتهم هي أن تتأسى بهم أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نصرة الله ودينه، ذلك في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله) الآية.
قوله تعالى (قال الحواريون نحن أنصار الله)
قال البخاري: حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز -هو ابن أبي سلمة- عن محمد بن المنكدر عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لكل نبي حواريا، وإن حواريَّ الزبير بن العوام".
(الصحيح ٧/٩٩ ح ٣٧١٩- ك فضائل الصحابة، ب مناقب الزبير بن العوام). وأخرجه مسلم في (الصحيح ٤/١٨٧٩ ح ٢٤١٥- ك فضائل الصحابة ب من فضائل طلحة والزبير) من طريق ابن عيينة، عن ابن المنكدر به.
قوله تعالى (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا مكر اليهود بعيسى ولا مكر الله باليهود، ولكنه بين في موضع آخر أن مكرهم به محاولتهم قتله، وذلك في قوله (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله) وبين أن مكره بهم إلقاؤه الشبه على غير عيسى وإنجاؤه عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وذلك قوله: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) وقوله (وما قتلوه يقينا. بل رفعه الله إليه) الآية.
قوله تعالى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إني متوفيك) يقول: إني مميتك.
قوله تعالى (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)
انظر حديث البخاري ومسلم عن معاوية المتقدم عند الآية (١٢٠) من سورة البقرة، والآتي عند الآية (١٨١) من سورة الأعراف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) هم أهل الإسلام الذين اتبعوه على فطرته وملته وسنته، فلا يزالون طاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة.
قوله تعالى (وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وعملوا الصالحات) يقول: أدوا فرائضي.
قوله تعالى (ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الذكر: القرآن. الحكيم: الذي قد كمل في حكمته.
قوله تعالى (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون)
وقد بين الله تعالى قصة خلق عيسى عليه السلام في سورة مريم آية ١٦-٣٦.
قوله تعالى (الحق من ربك فلا تكن من الممترين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (الحق من ربك فلا تكن من الممترين) يعني: فلا تكن في شك من عيسى أنه كمثل آدم، عبد الله ورسوله، وكلمة الله وروحه.
قوله تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِين)
قال البخاري: حدثنا عباس بن الحسين، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صِلة بن زُفر، عن حذيفة قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُريدان أن يُلاعناه قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل،
فوالله لئن كان نبياً فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدِنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلاً أميناً، ولا تبعث معنا ألا أميناً. فقال: "لأبعثن معكم رجلاً أميناً حق أمين". فاستشرف له أصحابُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح". فلما قام قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذا أمينُ هذه الأمة".
(الصحيح ٧/٦٩٥ ح ٤٣٨٠- ك المغازي، ب قصة أهل نجران)، وأخرجه مسلم (الصحيح - ك فضائل الصحابة، ب فضل أبي عبيدة بن الجراح- ح ٢٤٢٠ من حديث حذيفة).
قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد (وتقاربا في اللفظ) قالا: حدثنا حاتم (وهو ابن إسماعيل) عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرتُ ثلاثاً قالهن له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلن أسُبّه.
لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلى من حمر النعم. سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول له، خَلفه في بعض مغازيه، فقال له عليٌ: يا رسول الله! خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. إلا أنه لا نبوة بعدي". وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويُحبه الله ورسوله" قال فتطاولنا لها فقال: "ادعوا لي عليّا". فأتى به أرمد. فبصق في عينه ودفع الراية إليه. ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: (فقل تعالوا ندع أبناءَنا وأبناءكم) دعا رسول الله - ﷺ - علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: "اللهم! هؤلاء أهلي".
(الصحيح ٤/١٨٧١ ح ٣٢- ك فضائل الصحابه، ب من فضائل علي - رضي الله عنه -).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم) أي في عيسى: أنه عبد الله ورسوله، من كلمة الله وروحه (فقل تعالوا ندع أبناءَنا وأبناءكم) إلى قوله: (على الكاذبين).
قال الطبري: حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لو خرج الذين يباهلون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا.
ورجاله ثقات إلا الحسن فصدوق والإسناد حسن.
قوله تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)
قال البخاري: حدثني إبراهيم بن موسى عن هشام عن معمر ح. وحدثني عبد الله ابن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني عُبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال حدثني ابن عباس قال: حدثني أبو سفيان من فيه إلى في قال: انطلقت في المدّة التي كانت بيني وبين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: قال: فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى هرقل... فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله، إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإنى أدعوك بدعاية الإسلام. أسلم. تسلَم، وأسلمْ يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين. (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله -إلى قوله- اشهدوا بأنا مسلمون) فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عندَه، وكثر اللَّغط، وأمر بنا فأُخرجنا. قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كبشة، إنه يخافه ملكُ بني الأصفر. فما زلت موقناً بأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سيظهر حتى أدخل الله عليَّ الإسلام. قال الزهري: فدعا هرقل عظماء الروم فجمعهم في دار له، فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد، وإن يثبتَ لكم ملككم؟ قال: فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت.
فقال: عليَّ لهم. فدعا بهم فقال: إني إنما اختبرتُ شدتَّكم على دينكم، فقد رأيت منكم الذي أحببتُ، فسجدوا له ورضوا عنه".
(الصحيح ٨/٦٢-٦٣ ح ٤٥٥٣- ك التفسير، سورة آل عمران).
انظر حديث الحاكم عن ابن عباس المتقدم تحت الآية رقم (١٣٦) من سورة البقرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) عدل بيننا وبينكم (ألا نعبد إلا الله) الآية.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: كلمة السواء لا إله إلا الله.
قوله تعالى (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما وجه محاجتهم في إبراهيم، ولكنه بين في موضع آخر أن محاجتهم في إبراهيم هي قول اليهود: إنه يهودي، والنصارى إنه نصراني وذلك في قوله (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله) وأشار إلى ذلك هنا بقوله (والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا) الآية.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا! وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيا! فأنزل الله عز وجل فيهم (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون) : قالت النصارى: كان نصرانيا! وقالت اليهود كان يهوديا فأخبرهم الله أن التوراة والإنجيل ما أنزل إلا من بعده، وبعده كانت اليهودية والنصرانية.
قوله تعالى (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم) يقول: فيما شهدتم ورأيتم وعاينتم (فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) فيما لم تشاهدوا ولم تروا ولم تعاينوا (والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
قوله تعالى (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مُسلماً وما كان من المشركين)
يفسرها قول ابن عباس السابق. وانظر سورة البقرة آية (١٣٥) لبيان كلمة حنيفاً.
كقوله تعالى (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين)
قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أحمد، حدثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى عن مسروق، عن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لكل نبي وُلاة من النبيين وإن وليِّى أبي وخليل ربي" ثم قرأ (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين).
وقال الترمذي: حدثنا محمود، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن أبيه عن أبي الضحى عن عبد الله عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثِله، ولم يقل فيه عن مسروق. قال أبو عيسى: هذا أصح من حديث أبي الضحى عن مسروق، وأبو الضحى اسمه مسلم بن صبيح. حدثنا أبو كريب. حدثنا وكيع عن سفيان عن أبيه عن أبي الضحى عن عبد الله عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحو حديث أبي نعيم وليس فيه عن مسروق). سنن الترمذي ٥/٢٢٣- ٢٢٤ ح ٢٩٩٥- ك تفسير القرآن، ب من سورة آل عمران). وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي. وأخرجه الطبري (التفسير ٦/٤٩٨)، والحاكم (المستدرك ٢/٢٩٢-٥٥٣) كلاهما من طريق الثوري به وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقال أحمد شاكر في تعليقه على رواية الطبري: إسناد صحيح متصل).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يقول الله سبحانه (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) وهم المؤمنون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) يقول: الذين اتبعوه على ملته وسنته ومنهاجه وفطرته (وهذا النبي) وهو نبي الله محمد (والذين آمنوا) معه وهم المؤمنون الذين صدقوا نبي الله واتبعوه. كان محمداً رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والذين معه من المؤمنين، أولى الناس بإبراهيم.
قوله تعالى (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون)
بيان هذه الطائفة ورد في الآية (٧٢-٧٣) من السورة نفسها.
قوله تعالى (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون) يقول: تشهدون أن نعت محمد نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كتابكم، ثم تكفرون به وتنكرونه ولا تؤمنون به، وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته.
قوله تعالى (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن الصيف، وعدى بن زيد، والحارث بن عوف بعضهم لبعض: تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية، حتى نلبس عليهم دينهم، لعلهم يصنعون كما نصنع فيرجعوا عن دينهم! فأنزل الله عز وجل فيهم: (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل) إلى قوله (والله واسع عليم).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل) يقول: لم تلبسون اليهودية والنصرانية بالإسلام، وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل غيره، الإسلام، ولا يجزى إلا به.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) كتموا شأن محمد، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم المعروف وينهاهم عن المنكر.
قوله تعالى (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا الذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره) فقال بعضهم لبعض: أعطوهم الرضى بدينهم أول النهار، واكفروا آخره، فإنه أجدر أن يصدقوكم، ويعلموا أنكم قد رأيتم فيهم ما تكرهون، وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار) يهود تقوله. صلت مع محمد صلاة الصبح وكفروا آخر النهار، مكرا منهم، ليُروا الناس أن قد بدت لهم منه الضلالة بعد أن كانوا اتبعوه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (لعلهم يرجعون) يقول: لعلهم يدعون دينهم، ويرجعون إلى الذي أتم عليه.
قوله تعالى (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) هذا قول بعضهم لبعض.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) حسدا من يهود أن تكون النبوة في غيرهم، وإرادة أن يُتبعوا على دينهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) يقول: لما أنزل الله كتابا مثل كتابكم، وبعث نبيا مثل نبيكم، حسدتموهم على ذلك (قل إن الفضل بيد الله) الآية.
قوله تعالى (يختص برحمته من يشاء)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يختص برحمته من يشاء) قال: النبوة، يخص بها من يشاء.
قوله تعالى (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً)
قال البخاري: وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يُسلفه ألف دينار فقال: ائتني بالشهداء أُشهدهم، فقال كفى بالله شهيدا. قال: فائتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلاً. قال: صدقتَ، فدفعها إليه على أجل مسمّى. فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجَّله فلم يجد مركباً، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجّج
موضعها، ثم أتى بها إلى البحر فقال: "اللهْم إنك تعلم أني كنتُ تسلْفتُ فلاناً ألف دينار فسألني كفيلاً فقلت: كفى بالله كفيلاً، فرضي بك. وسألني شهيداً فقلت: كفى بالله شهيداً، فرضى بذلك. وإني جهدت أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإنى أستودعكَهَا. فرمى بها في البحر حتىَ ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركباً قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطباً، فلمّا نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدِم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال: والله ما زِلتُ جاهداً في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدتُ مركباً قبل الذي أتيتُ فيه. قال: هل كنت بعثتَ إليّ بشيء؟ قال: أخبرك أنى لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه. قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثتَ في الخشبة، فانصرف بالألف الدينار راشداً".
(الصحيح ٤/٥٤٨-٥٤٩ ح ٢٢٩١- ك الكفالة، ب الكفالة في القرض والديون... وكذا وقع عند البخاري هنا معلقاً، وقد جاء في موضع آخر موصولاً في رواية أبي ذر، ولم يذكر لفظه وإنما ذكر طرفاً منه فقط (الصحيح ٤/٣٥٠ ح ٢٠٦٣- ك البيوع، ب التجارة في البحر) قال: حدثني عبد الله بن صالح حدثني الليث،.. به. وأخرجه أحمد (المسند ٢/٣٤٨-٣٤٩) عن يونس بن محمد عن الليث به. وتقدم تفسير القنطار في الآية (١٤) من هذه السورة.
وانظر الآية (١٤) من هذه السورة لبيان القنطار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إلا ما دمت عليه قائما) إلا ما طلبته واتبعته.
قوله تعالى (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) الآية قالت اليهود: ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل.
قوله تعالى (بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: اتقى الشرك، (فإن الله يحب المتقين). المتقين: الذين يتقون الشرك.
قوله تعالى (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد بن زياد عن الأعمش قال: سمعت أبا صالح يقول: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل كان له فضل ماء بالطريق، فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إمامه لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط. ورجل أقام سِلعته بعد العصر فقال: والله الذي لا إله غيره لقد أعطيتُ بها كذا وكذا، فصدّقه رجل". ثم قرأ هذه الآية (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً).
(الصحيح ٥/٣٤- ح ٢٣٥٨- ك المساقاة، ب إثم من منع ابن السبيل من الماء)، وأخرجه مسلم (الصحيح ١/١٠٣ ح ١٠٨- الإيمان، ب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار).
قال البخاري: حدثني إسحاق أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوّام، حدثني إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي، سمع عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما يقول: أقام رجل سِلعته فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يُعطها. فنزلت: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً) قال ابن أبي أوفى: "الناجش آكل رباً خائن".
(الصحيح ٥/٢٨٦ ح ٢٦٧٥- الشهادات، باب قوله تعالى (إن الذين يشترون بعهد الله)).
قال البخاري: حدثنا حجاج بن منهال حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من حلف يمين صبرٍ ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان، فأنزل الله تصديق ذلك (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) إلى آخر الآية. قال: فدخل الأشعث بن قيس وقال: ما يحدثك
428
أبو عبد الرحمن؟ قلنا كذا وكذا، قال: فيَّ أنزلت، كانت لي بئر في أرض ابن عمّ لي، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بيِّنتك أو يمينه". فقلت: إذا يحلف يا رسول الله، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان".
(الصحيح ٨/٦٠- ٦١ ك التفسير، ب سورة آل عمران- الآية. ح٤٥٤٩، ٤٥٥٠)، وأخرجه
مسلم (١/١٢٢-١٢٣ح ١٣٣٨- ك الإيمان، ب وعد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار).
قوله تعالى (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد: (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب) قال: يحرفونه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب) حتى بلغ: (وهم يعلمون) وهم أعداء الله اليهود، حرفوا كتاب الله، وابتدعوا فيه وزعموا أنه من عند الله.
قوله تعالى (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانييِن بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك، كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس: أو ذاك تريد منا يا محمد، وإليه تدعونا! أو كما قال، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: معاذ الله أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غيره ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني أو كما قال. فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة) الآية إلى قوله (بعد إذ أنتم مسلمون).
429
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله) يقول: ما كان ينبغي لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة، يأمر عباده أن يتخذوه رباً من دون الله.
قوله تعالى (كونوا ربانيين)
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (كونوا ربانيين) قال: فقهاء. علماء. حكماء.
قوله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب) الآية: هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضا، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم -فيما بلغهم رسلهم- أن يؤمنوا بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويصدقوه وينصروه.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: ثم ذكر ما أخذ عليهم -يعني أهل الكتاب- وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه -يعني بتصديق محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم.
فقال: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة) إلى آخر الآية.
قوله تعالى (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون)
قال ابن كثير: يقول تعالى منكرا على من أراد دينا سوى دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي له أسلم من في السموات والأرض أي استسلم له من فيهما طوعا وكرها كما قال تعالى (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها) الآية، وقال تعالى (أو لم يروا
إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (أفغير دين الله يبغون) الآية، فأما المؤمن فأسلم طائعا فنفعه ذلك وقبل منه، وأما الكافر فأسلم كرها حين لا ينفعه ذلك، ولا يقبل منه.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: (وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون) قال: كل آدمي قد أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده، فهذا الإسلام لو استقام عليه فلما تكلم بهذا صارت حجة عليه، ثم أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرها، ومنهم من شهد أن الله ربي وأنا عبده ثم أخلص له العبودية فهذا الذي أسلم طوعا.
قال الطبري حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان عن منصور عن مجاهد: (وله أسلم من في السموات والأرض) قال: هو كقوله: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) سورة الزمر: ٣٨.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: عبادتهم لي أجمعين طوعا وكرها وهو قوله (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها).
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (طوعا وكرها) قال: سجود المؤمن طائعا، وسجود الكافر وهو كاره.
قوله تعالى (قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم... )
انظر حديث البخاري عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (١٣٦) من سورة البقرة.
وفي الآية نفسها بيان الأسباط عن أبي العالية.
قوله تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من ءامن بالله واليوم الآخر) إلى قوله (ولا هم يحزنون) فأنزل الله عز وجل بعد هذا (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه).
قوله تعالى (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم يُنظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم)
انظر سورة البقرة آية رقم (١٥٩-١٦١).
قال النسائي: أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: حدثنا يزيد -وهو ابن زريع- قال: أنبأنا داود عن عكرمة عن ابن عباس قال كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم تندم فأرسل إلى قومه سلوا لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إن فلانا قد ندم وإنه أمرنا أن نسألك هل له من توبة، فنزلت (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم…)
إلى قوله (غفور رحيم) فأرسل إليه فأسلم.
(السنن ٧/١٠٧ ك تحريم الدم، ب توبة المرتد)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان ١٠/٣٢٩ ح ٤٤٧٧) من طريق بشر بن معاذ العقدي عن يزيد به. قال محققه: إسناده صحيح.
وأخرجه الحاكم في (المستدرك ٢/١٤٢) من طريق حفص بن غياث عن داود بن أبي هند به، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي.
قال الطبري: حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله: (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم) قال: هم أهل الكتاب كانوا يجدون محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتابهم، ويستفتحون به فكفروا بعد إيمانهم.
وسنده حسن.
قوله تعالى (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا) أولئك أعداء الله اليهود، كفروا بالإنجيل وبعيسى، ثم ازدادوا كفرا بمحمد والفرقان.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله: (لن تقبل توبتهم) قال: تابوا من بعض، ولم يتوبوا من الأصل.
قوله تعالى (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة، عن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ح. وحدثني محمد بن معمر، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا سعيد، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "يُجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم. فيقال له: قد كنتَ سُئلت ما هو أيسر من ذلك".
(الصحيح ١١/٤٠٨ ح ٦٥٣٨- ك الرقاق، ب من نوقش الحساب عذب). وأخرجه مسلم (الصحيح ٤/٢١٦٠ ح ٢٨٠٥- ك صفات المنافقين، ب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهباً).
قوله تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)
قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّب. فلما أنزلت (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وقام أبو طلحة فقال يا رسول الله، إن الله يقول (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وأن أحب أموالي إليَّ بيرحاء. وأنها صدقة لله أرجو برّها وذُخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بَخٍ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح. وقد سمعت ما قلتَ وإني
أرى، أن تجعلها في الأقربين". قال، أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. قال عبد الله بن يوسف ورَوح بن عُبادة" ذلك مال رابح". حدثني يحيى بن يحيى قال قرأتُ على مالك: "مال رابح".
(الصحيح ٨/٧١ ح ٤٥٥٤- ك التفسير، سورة آل عمران)، (ومسلم ٣/٢٩٣ ح ١٤٦١- ك الزكاة، ب الزكاة على الأقارب).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) يقول: لن تنالوا بر ربكم حتى تنفقوا مما يعجبكم، ومما تهوون من أموالكم.
قوله تعالى (كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوارة فاتلوها إن كنتم صادقين)
قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو نعيم، عن عبد الله ابن الوليد -وكان يكون في بني عِجل- عن بكير بن شهاب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: "ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله"، فقالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر، قالوا: صدقت.
فأخبرنا عما حرّم إسرائيل على نفسه؟ قال: اشتكى عِرق النسا فلم يجد شيئاً يلائمه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرّمها، قالوا: صدقت.
(السنن ٥/٢٩٤ ح ٣١١٧- ك التفسير، ب ومن سورة الرعد)، وأخرجه أحمد (المسند ح ٢٤٨٣) من طريق عبد الله بن الوليد به. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح ٢٤٩٢). وأخرجه أحمد (المسند ح ٢٤٧١)، والطبري (التفسير ح ١٦٠٥، ٧٤٢٠)، والطبراني (المعجم الكبير ١٢/٢٤٦ ح ١٣٠١٢) من طرق عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن ابن عباس به. قال الهيثمي - بعد أن عزاه لأحمد والطبراني: رجالهما ثقات (مجمع الزوائد ٨/٢٤٢). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
قال البخاري: حدثني إبراهيم بن المنذر حدثنا أبو ضمرة حدثنا موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن اليهود جاءوا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برُجل منهم وامرأة قد زنيا، فقال لهم: "كيف تفعلون بمن زنى منكم؟ ". قالوا: نحمِّمهما ونضربهما. فقال: "لا تجدون في التوراة الرجم؟ " فقالوا: لا نجدُ فيها شيئاً. فقال لهم عبد الله بن سلام: كذبتم، فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فوضَعَ مِدراسها الذي يُدَرِّسها منهم كفّه على آية الرجم، فطفق يقرأ ما دون يده وما وراءها ولا يقرأ آية الرجم، فنزع يده عن آية الرجم فقال؟ ما هذه؟ فلما رأوا ذلك قالوا: هي آية الرجم، فأمر بهما فرجما قريباً من حيث موضع الجنائز عند المسجد، قال: فرأيت صاحبها يجنَأُ عليها، يقيها الحجارة.
(صحيح البخاري ٨/٧٢ ح ٤٥٥٦- ك التفسير- سورة آل عمران)، ومسلم (٣/١٣٢٦ ح ١٦٩٩- ك الحدود، ب رجم العهود وأهل الذمة في الزنى).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة) وإسرائيل، هو يعقوب (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) يقول: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه، فلما أنزل الله التوراة حرم عليهم فيها ما شاء وأحل لهم ما شاء.
قوله تعالى (قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) انظر سورة البقرة آية (١٣٥).
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أسيد بن عاصم، ثنا الحسين يعني: ابن حفص، ثنا سفيان عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو قال عن أبي جبريل بإبراهيم صلى الله عليهما، فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم غدا من منى إلى عرفة، فصلى به الصلاتين: الظهر والعصر ثم وقف له حتى غابت الشمس ثم دفع حتى أتى المزدلفة، فنزل بها، فبات وصلى، ثم صلى كأعجل ما يصلي أحد من المسلمين، ثم وقف به كأبطأ
ما يصلي أحد من المسلمين، ثم دفع منه إلى منى، فرمى وذبح، ثم أوحى الله تعالى إلى محمد أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين.
(التفسير- آل عمران/آية ٩٥- ح ٩٦١). وعزاه الهيثمي للطبراني في الكبير بأسانيد، وقال: رجال بعضها رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٣/٢٥١). ورجاله ثقات إلا الحسين بن حفص محله الصدق، فالإسناد حسن.
قوله تعالى (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا... )
قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا إبراهيم التيمى، عن أبيه عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال قلتُ: يا رسول الله أي مسجد وُضِعَ أول؟ قال: "المسجد الحرام". قلت: ثم أيِّ؟ قال: "ثم المسجد الأقصى" قلتُ كم كان بينهما؟ قال: "أربعون"، ثم قال: "حيثما أدركتكَ الصلاة فصل والأرض لك مسجد".
(الصحيح ٦/٤٥٨ ح ٣٤٢٥- ك أحاديث الأنبياء، قوله تعالى (ووهبنا لداود سليمان)).
قال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن عاصم بن عمر، عن علي بن أبي طالب قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى إذا كنا بحرَّة السقيا التي كانت لسعد ابن أبي وقاص، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ائتوني بِوضوء، فتوضأ ثم قام فاستقبل القبلة، ثم قال: اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك ودعا لأهل مكة بالبركة، وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مُدِّهم وصاعهم مِثلي ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين".
(السنن ٥/٧١٨ ح ٣٩١٤- ك المناقب، ب في فضل المدينة ح ٣٩١٤) وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (١/١٠٥-١٠٦ ح ٢٠٩٠- ك الوضوء، ب استحباب الوضوء للدعاء... ) من حديث شعيب بن الليث عن سعيد بن أبي سعيد به، قال محققه: إسناده صحيح.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان ٩/٦١ ح ٣٧٤٦) من طريق ابن خزيمة به. قال محققه: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة ٢/١٦٤-١٦٦ح ٥٤٣ و٥٤٤) من طرق عن الليث، قال محققه في الموضعين: إسناده صحيح.
قال الضياء المقدسي: قُرئ على أبي أحمد عبد الباقي بن عبد الجبار الهروي -ونحن نسمع- أخبركم أبو شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي -قراءةً عليه وأنت تسمع- أنا أحمد بن محمد بن الخليلي، أنا علي بن أحمد الخزاعي، أنا الهيثم بن كليب الشاشي، ثنا إسماعيل القاضي، ثنا حجاج بن منهال، ثنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، قال: لما قتل عثمان، ذَعرَني ذعراً شديداً، وكان سَلُّ السيف فينا عظيماً، فجلستُ في بيتي، وكانت لي حاجة في السوق لثياب اشتريتها، فخرجت فإذا أنا بنفر في ظلٍ جلوسٍ، نحوٍ من أربعين رجلاً، وإذا سلسلة معلّقة معروضة على الباب، فقلت: لأدخلن فلأنظرن. قال: فذهبتُ لأدخل، فمنعني البواب، فقالوا: دع الرجل. فدخلتُ، فإذا أشراف الناس، وإذا وسادة معروضة، فجلست، فجاء رجلٌ جميل عليه حُلّة ليس عليه قميص ولا عمامة، فإذا هو على - رضي الله عنه - ثم جلس، فلم ينكر من القوم غيري. فقال: سَلوني، ولا تسألوني إلا عما ينفع ويضر. فقال رجل: ما قلتَ حتى أحببتَ أن تقول، أنا أسألك.
فقال: سلْ، ولا تسأل إلا عما ينفع أو يضر. فقال: ما (الذاريات ذَروا فالحاملات وقْراً. فالجاريات يُسراً. فالمقَسمات أمراً) قال: الملائكة.
(الذاريات ١-٤). ثم قال: أخبرني عن ما أسألك. فقال: سل، ولا تسأل إلا عما ينفع أو يضر. فقال: ما (السقْف المرفوع) قال: السماء. قال: فما (العاصفات عصفاً) قال: الرياح. قال: فما (الجوار الكُنس) ؟ قال: الكواكب. قال: فما (البيت المعمور) ؟ قال: قال علي لأصحابه ما تقولون؟ قالوا: نقول: هو البيت الحرام. قال: بل هو بيت في السماء يقال له: الصراح، حِيال هذا البيت، حرمته في السماء كحرمة هذا في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه، ثم تلا هذه الآية: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا). ثم قال: أما إنه ليس بأول بيت كان، قد كان نوح
437
قبله وكان في البيوت، وكان إبراهيم قبله وفي البيوت، ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة، (فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا) ثم حدث أن إبراهيم -عليه السلام- لما أمر ببناء البيت ضاق به ذرعاً فلم يَدْرِ كيف يبنيه، فأرسل الله السكينة، وهي ريح خجوج لها رأس، فتطوقت له بالحج، فكان يبني عليها كل يوماً سافاً، ومكة شديدة الحر، فلما بلغ الحَجَرَ، قال لإسماعيل: اذهب فالتمس لي حجراً أضعه. فذهب يطوف في الجبال، فجاء جبريل بالحجر فوضعه، فجاء إسماعيل فقال: من أين هذا؟ قال: جاء به من لم يتكل على بنائي وبنائك، فوضعه، فلبث ما شاء الله أن يلبث، ثم انهدم، فبنتْه العمالقة، ثم انهدم فبنته جُرْهُم، ثم انهدم فبنته قريش، فلما أرادوا أن يضعوا الحَجَر تنازعوا في وضعه. قالوا: أول من يخرج من هذا الباب يضعه، فخرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من باب بني شيبة، فأمر بثوب فبسط، ووضع الحجر في وسط الثوب، وأمر من كل فخذٍ رجلاً أن يأخذ ناحية الثوب، فأخذوه فرفعوه، فأخذه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوضعه. فقام رجل آخر فقال: أخبرني عن هذه الآية: (وان امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جُناح عليهما) حتى ختم الآية؟ قال: عن مثل هذا فَسَلوا، هذا العلم، هو الرجل تكون له امرأتان، إحداهما قد عجزت وهي دميمة، فيصالحها أن يأتيها كل يوم، أو ثلاثة، أو أربع. فقام إليه رجل آخر فسأله عن هذه الآية: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن) (النساء ١٢٨). فأقيمت الصلاة فقام. روى قتيبة عن أبي عوانة، عن سماك، عن خالد بن عرعرة قال: سمعت علياً وسأله رجل عن: (الذاريات ذَروا) و (الحاملات وقراً) و (المقسمات).
(المختارة ٢/٦٠ ح ٤٣٨). وحسنه المحقق وهو كما قال، وأخرجه الحاكم من طريق خالد بن عرعرة به منحصراً على الآية المذكورة وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٩٢-٢٩٣).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: "بكة" بك الناس بعضهم بعضا، الرجال والنساء، يصلى بعضهم بين يدي بعض، لا يصح ذلك إلا بمكة.
438
قوله تعالى (فِيهِ آيات بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ومجاهد: (فيه آيات بينات مقام إبراهيم) قال: مقام إبراهيم، من الآيات البينات.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فيه آيات بينات) قال: قدماه في المقام آية بينة. يقول: (ومن دخله كان آمنا) قال: هذا شيء آخر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ومن دخله كان آمنا) وهذا كان في الجاهلية، كان الرجل لو جر كل جريرة على نفسه، ثم لجأ إلى حرم الله، لم يتناول ولم يطلب. فأما في الإسلام فإنه لا يمنع من حدود الله، من سرق فيه قطع، ومن زنى فيه أقيم عليه الحد، ومن قتل فيه قتل.
وعن قتادة: أن الحسن كان يقول: إن الحرم لا يمنع من حدود الله. لو أصاب حداً في غير الحرم، فلجأ إلى الحرم، لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد.
قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل رديف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركتْ أبي شيخاً كبيراً لا يثبُت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "نعم" وذلك في حجة الوداع.
(الصحيح ٣/٣٧٨ ح ١٥١٣- ك الحج، ب وجوب الحج وفضله).
وانظر حديث البخاري تحت الآية رقم (١٢٦) من سورة البقرة.
قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة المعنى، قالا: ثنا يزيد ابن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن أبي سنان، عن ابن عباس أن الأقرع بن حابس سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرة واحدة؟ قال: "بل مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع".
439
قال أبو داود: هو أبو سنان الدؤلي، كذا قال عبد الجليل بن حميد وسليمان ابن كثير جميعاً عن الزهري، وقال عقيل: عن سنان. (السنن ٢/١٣٩ ح ١٧٢١- ك المناسك، ب فرض الحج)، وأخرجه النسائي (٥/١١١- ك المناسك، ب وجوب الحج)، وابن ماجه (ك المناسك، ب فرض الحج رقم ٢٨٨٦)، والحاكم في المستدرك (١/٤٤١ و٤٧٠- ك المناسك) من طرق عن الزهري به.
قال الحاكم: إسناده صحيح، وأبو سنان هذا هو الدؤلي ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وعند بعضهم بدون اسم السائل. وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود ح ١٥١٤).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: السبيل أن يصح بدن العبد، ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يجحف به.
قوله تعالى (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)
صرح في هذه الآية إنه غني عن خلقه وإن كفر من كفر منهم لا يضره شيئاً، وبين هذا المعنى) في مواضع متعددة، كقوله عن نبيه موسى (وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغنى حميد) وقوله (إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر) وقوله (فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد) وقوله (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني) إلى غير ذلك من الآيات، فالله تبارك وتعالى يأمر الخلق وينهاهم، لا لأنه تضره معصيتهم وتنفعه طاعتهم، بل نفع طاعتهم لهم وضرر معصيتهم عليهم، كما قال تعالى (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) وقال (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) وقال (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من كفر بالحج فلم ير حجه برا، ولا تركه مأثما.
قال الطبري: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن المهدي قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في قوله: (ومن كفر) قال: من كفر بالله واليوم الآخر.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
440
قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون)
بيانها في الآية التي تليها.
قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله) يقول: لم تصدون عن الإسلام وعن نبي الله، من آمن بالله، وأنتم شهداء فيما تقرأون من كتاب الله: أن محمدا رسول الله، وأن الإسلام دين الله الذي لا يقبل غيره ولا يجزى إلا به، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين. وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله)
قال ابن كثير: يحذر تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يطيعوا طائفة من أهل الكتاب الذين يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله وما منحهم من إرسال رسوله كما قال تعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسدا من عند أنفسهم) الآية، وهكذا قال هاهنا: (إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) ثم قال تعالى (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) يعني أن الكفر بعيد منكم وحاشاكم منه، فإن آيات الله تنزل على رسوله ليلا ونهارا وهو يتلوها عليكم ويبلغها إليكم، وهذا كقوله تعالى: (وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين) الآية بعدها.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (كيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) قال: علمان بينان: نبي الله وكتاب الله، فأما نبي الله فمضى عليه الصلاة والسلام، وأما كتاب الله فأبقاه الله بين أظهركم رحمة من الله ونعمة فيه حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) قد تقدم الله إليكم فيهم كما تسمعون، وحذركم وأنبأكم بضلالتهم، فلا تأمنوهم على دينكم ولا تنتصحوهم على أنفسكم، فإنهم الأعداء الحسدة الضلال. كيف تأتمنون قوما كفروا بكتابهم، وقتلوا رسلهم، وتحيروا في دينهم، وعجزوا عن أنفسهم؟ أولئك والله هم أهل التهمة والعداوة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسين بن السكن، ثنا أبو زيد النحوي، أنبأ قيسْ ابن الربيع، عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قال: كانت بين الأوس والخزرج حرب في الجاهلية، فبينما هم يوماً جلوس إذ ذكروا ما بينهم حتى غضبوا، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح فنزلت: (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) الآية كلها.
(التفسير- آل عمران آية (١، ١) ح٦٩، ١). وأخرجه الطبري (التفسير ٧/٦٣ ح ٧٥٣٥) عن
أبي كريب عن الحسن بن عطية عن قيس به. وأخرجه البخاري (التاريخ الكبير ٩/٧٦) من طريق إبراهيم
ابن نصر عن الأشجعي عن سفيان الثوري عن الأغر به. والحديث بهذه المتابعات حسن (انظر تفسير ابن أبي
حاتم - الوضع المذكور أعلاه).
قوله تعالى (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا عمرو بن رافع، ثنا سليمان يعني: ابن عامر عن الربيع بن أنس في قوله: (ومن يعتصم بالله) والاعتصام هو: الثقة بالله.
وسنده حسن.
وانظر حديث النواس بن سمعان المتقدم عند الآية (٦) من سورة الفاتحة.
قوله تعالى (يا أيها الدين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا يحيى بن زكرياء، عن الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل وفاته بثلاث يقول: "لا يموتن أحدكم ألا وهو يحسن بالله الظن".
(الصحيح ٤ /٢٢٠٥ ح ٢٨٧٧- ك الجنة وصفة نعيمها، ب الأمر بحسن الظن بالله... ).
قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان. حدثنا أبو داود. أخبرنا شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ هذه الآية (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه".
(السنن ٤/٧٠٦-٧٠٧- ك صفة الجنة، ب ما جاء في صفة شراب أهل النار ح ٢٥٨٥، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه (ابن ماجة- ك الزهد، ب صفة النار ح ٤٣٢٥)، وأحمد في (المسند ١/٣٠٠-٣٠١) وابن حبان في صحيحه (الإحسان ١٦/٥١١ ح ٧٤٧٠) والحاكم في المستدرك (٢/٢٩٤) من طرق عن شعبة به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان وشعبة عن زبيد اليامي، عن مرة، عن عبد الله -هو ابن مسعود- (اتقوا الله حق تقاته) قال: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.
قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح موقوف. وأخرجه الحاكم من طريق مسعر عن زبيد به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٩٤).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (اتقوا الله حق تقاته) أن يجاهدوا في الله حق جهاده ولا يأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا لله، بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إنها لم تنسخ، ولكن (حق تقاته) أن يجاهد في الله حق جهاده، ثم ذكر تأويله الذيَ ذكرناه عنه آنفا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا أنتم مسلمون) ثم أنزل التخفيف واليسر، وعاد بعائدته ورحمته على ما يعلم من ضعف خلقه فقال (فاتقوا الله ما استطعتم) فجاءت هذه الآية، فيها تخفيف وعافية ويسر.
قوله تعالى (... واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)
قال مسلم: حدثني زهير بن حرب. حدثنا جرير عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثاً. فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً. وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال. وإضاعة المال".
(صحيح مسلم ٣/١٣٤٠ ح ١٧١٥- ك الأقضية، ب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة).
قال الترمذي: حدثنا علي بن المنذر كوفي. حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي. أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما".
(السنن ٥/٦٦٣ ح ٣٧٨٨)، أخرجه أحمد (المسند ٣/١٤، ١٧، ٢٦، ٥٩) من طرق عن عطية به. قال الترمذي: حسن غريب. وقال الألباني صحيح (صحيح سنن الترمذي ح ٢٩٨٠). والحديث له شاهد من رواية زيد بن ثابت أخرجه أحمد (٥/١٨٢)، وذكر الحديث الهيثمي ونسبه إلى أحمد ثم قال: إسناده جيد (مجمع الزوائد ٩/١٦٢، ١٦٣) وصححه الألباني (صحيح الجامع ٢/٣١٧).
وانظر حديث ابن ماجة عن أنس الآتي عند الآية (١٠٥) من السورة نفسها.
قال الطبري: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله: (واعتصموا بحبل الله)، قال: حبل الله، القرآن.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
أخرج بن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله: (واعتصموا بحبل الله جميعاً)، يقول اعتصموا بالإخلاص لله وحده.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولا تفرقوا واذكروا نعمه الله عليكم) إن الله عز وجل قد كره لكم الفرقة، وقدم إليكم فيها، حذركموها، ونهاكم عنها، ورضي لكم السمع والطاعة والألفة والجماعة، فارضوا لأنفسكم ما رضى الله لكم إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله.
444
قوله تعالى (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) لم يبين هنا ما بلغته معاداتهم من الشدة، ولكنه بين في موضع آخر أن معاداتهم بلغت من الشدة أمرا عظيماً حتى لو أنفق ما في الأرض كله لإزالتها وللتأليف بين قلوبهم لم يفد شيئاً، وذلك في قوله: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
وانظر حديث البخاري عن عبد الله بن زيد بن عاصم الآتي عند الآية (٦٣) من سورة الأنفال.
قال مسلم: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا جرير (يعني ابن حازم) : حدثنا غيلان بن جرير، عن أبي قيس بن رياح، عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أنه قال: "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت رايةٍ عُميةٍ، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل فقتلة جاهلية. ومن خرج على أمتي، يضرب برَّها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه".
(الصحيح ٣/١٤٧٦-١٤٧٧ ح ١٨٤٨- ك الإمارة، ب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن... ).
قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي، حدثنا عاصم (وهو ابن محمد بن زيد) عن زيد بن محمد، عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية.
فقال: اطرحوا لأبى عبد الرحمن وِسادةً. فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقوله، سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
445
"من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة، لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية".
(الصحيح ٣/١٤٧٨ ح ١٨٥١- ك الإمارة، وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (نعمت الله). عافية الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله: (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم)، كنتم تذابحون يأكل شديدكم ضعيفكم، حتى جاء الله بالإسلام فآخى به بينكم، وألف به بينكم. أما والله الذي لا إله إلا هو إن الألفة لرحمة، إن الفرقة لعذاب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يقول كنتم على طرف النار، من مات منكم أوبق في النار، فبعث الله محُمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستنقذكم به من تلك الحفرة.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (وكنتم على شفا حفرة من النار لأنقذكم منها) أنقذكم الله من الشرك إلى الإَّيمان.
قوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)
قال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الله الأنصاري، عن حذيفة بن اليمان، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".
(السنن ٤/٤٦٨ ح ٢١٦٩- ك الفتن، ب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وقال الألباني: وأخرجه أحمد في مسنده (٥/٣٨٨) من طريق إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو به وانظر (صحيح سنن الترمذي ح ١٧٦٢) وله شاهد أخرجه الطبراني بسنده عن ابن مسعود (المعجم الكبير ١٠/١٨٠ ح ١٠٢٦٧)، وله شواهد ذكرها الهيثمي (مجمع الزوائد ٧/٢٦٦).
446
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: كل آية يذكرها الله في القرآن، فذكر الأمر بالمعروف، فالأمر بالمعروف أنهم دعوا إلى الله وحده وعبادته لا شريك له دعاء من الشرك إلى الإسلام.
وبه عن أبي العالية قال: كل آية ذكرها الله في القرآن، فذكر النهى عن المنكر، النهي عن عبادة الأوثان والشيطان.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (ولتكن منكم أمة يقول ليكن منكم قوم يعني: واحد أو اثنين أو ثلاثة نفر فما فوق ذلك.
(أمة) يقول: إماماً يقتدي به كما قال لإبراهيم كان أمة قانتا يقول: إماماً مطيعاً لربه يقتدي به. قوله: (يدعون إلى الخير) قال: إلى الإسلام.
قوله (يأمرون بالمعروف) يأمرون بطاعة ربهم. قوله (ينهون عن المنكر) وينهون عن معصيته يعني: معصية ربهم.
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن سفيان. ح وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، كلاهما عن قيس ابن مسلم، عن طارق بن شهاب -وهذا حديث أبي بكر- قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة.
فقال: قد ترك ما هنا لك. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
(الصحيح ١/٦٩ ح ٤٩- ك الإيمان، ب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس (وأولئك هم المفلحون) أي: الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما منه هربوا.
قوله تعالى (ولا تكونوا كالذين فرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات)
قال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار. ثنا الوليد بن مسلم. ثنا أبو عمرو.
ثنا قتادة عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة. وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة. كلها في النار إلا واحدة. وهي الجماعة".
(السنن ح ٣٩٩٣- ك الفتن، ب افتراق الأمم)، قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس أيضاً ورواه أبو يعلى الموصلي (مصباح الزجاجة ٢/٢٩٦).
وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة ٢/٣٦٤)، وصححه أحمد شاكر في المسند (١٦/١٦٩) وأشار إلى تصحيح السيوطي له، وأخرجه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ١/١٢٨) وذكره ابن كثير في (٢/٧٦).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) ونحوها هذا في القرآن أمر الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (ولا تكونوا) يعنى للمؤمنين يقول: لا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد موسى فنهى الله تعالى المؤمنين أن يتفرقوا من بعد كفعل اليهود.
قوله تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وتسود وجوه) بين في هذه الآية الكريمة أن من أسباب اسوداد الوجوه يوم القيامة الكفر بعد الإيمان وذلك في قوله (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم) الآية. وبين في موضع آخر أن من أسباب ذلك الكذب على الله تعالى وهو قوله تعالى: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة). وبين في موضع آخر أن من
أسباب ذلك اكتساب السيئات وهو قوله (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً) وبين في موضع آخر أن من أسباب ذلك الكفر والفجور وهو قوله تعالى: (ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة).
قال الترمذي: حدثنا أبو كريب. حدثنا وكيع عن الربيع بن صبيح وحماد بن سلمة عن أبي غالب قال: رأى أبو أمامة رءُوساً منصوبة على درج مسجد دمشق فقال أبو أمامة: كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه، ثم قرأ: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) إلى آخر الآية قلتُ لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً -حتى عدّ سبعاً- ما حدثتكموه.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن وأبو غالب يقال اسمه حزور وأبو أمامة الباهلي اسمه صدي بن عجلان وهو سيد باهلة.
(سنن الترمذي ٥/٢٢٦ ح ٣٠٠٠- ك التفسير، ب ك سورة آل عمران)، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي)، وعزاه الهيثمي للطبراني وقال: رجاله ثقات (مجمع الزوائد ٦/٢٣٤)، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبى (المستدرك ٢/١٤٩-١٥٠)، وذكره ابن كثير وقال: وهذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفاً من كلام الصحابي (التفسير ١/٣٤٦).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الجيد عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) قال: صاروا يوم القيامة فريقين، فقال لمن اسود وجهه، وعيّرهم: (أكفرتم بعد إيمانكم فذقوا العذاب بما كنتم تكفرون) قال: هو الإيمان الذي كان قبل الاختلاف في زمن آدم، حين أخذ منهم عهدهم وميثاقهم وأقروا كلهم بالعبودية وفطرهم على الإسلام، فكانوا أمة واحدة مسلمين. يقول: (أكفرتم بعد إيمانكم) يقول: بعد ذلك الذي كان في زمان آدم. وقال في الآخرين: الذين استقاموا على إيمانهم ذلك، فأخلصوا له الدين والعمل، فبيض الله وجوههم، وأدخلهم في رضوانه وجنته.
واللفظ للطبري وقد رجحه.
قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن بهز ابن حكيم، عن أبيه، عن جده أنه سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في قوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) قال: "إنكم تُتِمُّون سبعين أمة أنتم خيرُها وأكرمها على الله".
هذا حديث حسن. وقد روى غير واحد هذا الحديث عن بهز بن حكيم نحو هذا ولم يذكروا فيه (كنتم خير أمة أخرجت للناس). (سنن الترمذي ٥/٢٦٦ ح ٣٠٠١)، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي)، وأخرجه الحاكم (٤/٨٤) من طريق عبد الرزاق عن معمر به، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال ابن حجر: وهذا حديث حسن صحيح (الفتح ٨/٧٣). وقال ابن كثير. حديث مشهور (التفسير ٢/٧٨ ط الشعب)، ويشهد له حديث أحمد عن علي بن أبي طالب كما سيأتي عند هذه الآية.
قال أحمد: حدثنا حسين وأبو نعيم قالا: حدثنا إسرائيل عن سماك عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) قال: هم الذين هاجروا مع محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة قال أبو نعيم: مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(المسند رقم ٢٤٦٣) وأخرجه أيضاً برقم (٢٩٨٩، ٢٩٢٨، ٣٣٢١) من طرق عن إسرائيل به، وصححه أحمد شاكر. وأخرجه الحاكم (٢/٢٩٤) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وجَوّد الحافظ ابن حجر إسناد روايتي أحمد والحاكم (فتح الباري ٨/٢٢٥) وعزاه الهيثمي لأحمد والطبراني، وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٦/٣٢٧).
قال أحمد: حدثنا عبد الرحمن حدثنا زهير عن عبد الله -يعني ابن محمد بن عقيل- عن محمد بن علي أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء" فقلنا: يا رسول الله ما هو؟ قال: نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل التراب لي طهوراً، جعلت أمتي خير الأمم".
450
(المسند رقم ٧٦٣) وصححه المحقق. وقال ابن كثير: إسناده حسن التفسير (٢/٧٨) وحسّنه الهيثمي أيضاً (مجمع الزوائد ١/٢٦٠)، وحسنه الحافظ ابن حجر (الفتح ٨/٢٢٥)، وكذا السيوطي (الدر المنثور ٢/٢٩٤).
قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن مصعب، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار عن رفاعة الجهني؛ قال. صدرنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "والذي نفس محمد بيده! ما من عبد يؤمن ثم يُسَدد إلا سُلِك به في الجنة. وأرجو ألاّ يدخلوها حتى تبوَّؤُا أنتم ومَن صَلَحَ من ذراريِّكم، مَسَاكنَ في الجنة. ولقد وعدني ربي، عز وجل، أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب".
(السنن ٤/١٤٣٢-١٤٣٣ ح ٤٢٨٥- ك الزهد، ب صفة أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، وأخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة رقم ٤٧٥)، وابن حبان في صحيحه (الإحسان ١/٤٤٤ ح ٢١٢) من طرق عن الأوزاعي به.
وعزاه الهيثمي إلى الطبراني والبزار وقال: ورجال بعضها عند الطبراني والبزار رجال الصحيح (مجمع الزوائد ١٠/٤٠٨)، وصححه الألباني (صحيح سنن ابن ماجة رقم ٣٤٥٨)، وقال الأرناؤوط في تعليقه على الإحسان: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه أحمد من حديث ثوبان بنحوه، وصححه ابن كثير في (التفسير ٢/٧٩). وله شاهد في صحيح مسلم من حديث ابن عباس (الصحيح ١/١٩٩ ح ٢٢٠).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: تأمرونهم بالمعروف: أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، والإقرار بما أنزل الله، وتقاتلونهم عليه، ولا إله إلا الله هو أعظم المعروف وتنهونهم عن المنكر والمنكر هو التكذيب، وهو أنكر المنكر.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) قال: لم تكن أمة أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمة، فمن ثم قال (كنتم خير أمة أخرجت للناس).
قوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) ذم الله أكثر الناس.
451
قوله تعالى (لن يضروكم إلا أذى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لن يضروكم إلا أذى) يقول: لن يضروكم، إلا أذى تسمعونه منهم.
قوله تعالى (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (إلا بحبل من الله) قال: بعهد (وحبل من الناس) قال: بعهدهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس) يقول: إلا بعهد من الله وعهد من الناس.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (وضربت عليهم المسكنة) قال: المسكنة: الفاقة.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة: (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) اجتنبوا المعصية والعدوان فإن بهما هلك من هلك من قبلكم من الناس.
قوله تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين وما يفعلوا من خير فلن يُكْفَرُوهُ والله عليم بالمتقين)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: لما أسلم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، ومن أسلم من اليهود معهم، فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ورسخوا فيه، قالت أحبار اليهود وأهل الكفار منهم: ما آمن بمحمد ولاتبعه إلا أشرارنا! ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره، فأنزل الله
عز وجل في ذلك من قولهم (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله) إلى قوله: (وأولئك من الصالحين).
واللفظ للطبري.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون). ذكر هنا من صفات هذه الطائفة المؤمنة من أهل الكتاب أنها قائمة. أي: مستقيمة على الحق وأنها تتلو آيات الله آناء الليل وتصلي وتؤمن بالله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وذكر في موضع آخر أنها تتلوا الكتاب حق تلاوته وتؤمن بالله. وهو قوله (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به). ذكر في موضع آخر أنهم يؤمنون بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليهم وأنهم خاشعون لله لا يشترون بآياته ثمنا قليلا وهو قوله (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة) الآية. يقول: ليس كل القوم هلك، قد كان لله فيهم بقية.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد: (أمة قائمة) قال: عادلة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (أمة قائمة) يقول: قائمة على كتَاب الله وحدوده وفرائضه.
قال النسائي: أنا محمد بن رافع، نا أبو النضر، نا أبو معاوية، عن عاصم، عن زرّ، عن ابن مسعود قال: أخّر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة، فقال: "أما إنه ليس من هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم". قال: وأنزلت هذه الآية (ليسوا سواء من أهل الكتاب) حتى بلغ (والله عليم بالمتقين).
453
(التفسير ١/٣٢٠-٣٢١ ح ٩٣ عند تفسير هذه الآية من آل عمران). وأخرجه أحمد (المسند ١/٣٩٦)، والطبري (التفسير رقم ٧٦٦٢)، وابن أبي حاتم (التفسير- آل عمران، ح ١٢٢٦)، والبزار (كشف الأستار ح ٣٧٥)، وابن حبان (الإحسان ٤/٣٩٧-٣٩٨ ح ١٥٣٠). من طرق عن عاصم عن زر به. قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات ليس فيهم غير عاصم بن أبي النجود، وهو مختلف في الاحتجاج به (مجمع الزاوئد ١/٣١٢). وحسَّن السيوطي إسناده (الدر المنثور ٢/٦٥) وكذا فعل محقق الإحسان، وتفسير النسائي. وصححه محقق المسند، ولعله إلى الحسن أقرب لأجل عاصم هذا).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (يتلون آيات الله آناء الليل) أي: ساعات الليل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) يقول: لن يضل عنهم.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال (المتقين) أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته بالتصديق بما جاء منه.
قوله تعالى (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
انظر آية (١٠) من السورة نفسها.
قوله تعالى (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأَهلكتهُ وما ظَلمَهُم الله ولكن أنفسهم يظلمون)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا) قال: نفقة الكافر في الدنيا.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ريح فيها صر) برد.
وانظر سورة البقرة آية (٢٠٥ و٢٦٤).
454
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً... )
قال البخاري: حدثنا أصبغ، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشرّ وتحضُّه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى".
(الصحيح ١٣/٢٠١ ح ٧١٩٨- ك الأحكام، ب بطانة الإمام... ).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق، عن ابن عباس قال: كان رجال من المسلمين يواصلون رجالاً من اليهود، لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية، فأنزل الله عز وجل فيهم ينهاهم عن مباطنتهم، تخوفوا الفتنة عليهم منهم: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) إلى قوله (وتؤمنون بالكتاب كله).
قال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، حدثني أيوب بن محمد الوزان، ثنا عيسى بن يونس، عن أبي حيان التيمي، عن أبي الزنباع، عن أبي دهقانة، قال: قيل لعمر ابن الخطاب إن هاهنا غلاما من أهل الحيرة حافظاً كاتباً، فلو اتخذته كاتباً، قال: قد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين.
ورجاله ثقات تقدم ذكرهم في تفسير ابن أبي حاتم وإسناده صحيح.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (لا يألونكم خبالا) يقول: يضلونكم كما ضلوا فنهاهم أن يستدخلوا المنافقين دون المؤمنين أو يتخذوهم أولياء.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا) في المنافقين من أهل المدينة. نهى الله عز وجل المؤمنين أن يتولوهم.
455
قوله تعالى (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (قد بدت البغضاء من أفواههم) يقول: قد بدت البغضاء من أفواه المنافقين إلى إخوانهم من الكفار، من غشهم للإسلام وأهله، وبغضهم إياهم.
وبه عن قتادة: قوله (ما تخفى صدورهم أكبر) يقول: وما تخفي صدورهم أكبر مما قد أبدوا بألسنتهم.
قوله تعالى (ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله) فوالله إن المؤمن ليحب المنافق يأوي له ويرحمه. ولو أن المنافق يقدر على ما يقدر عليه المؤمن منه، لأباد خضراءه.
قوله تعالى (وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ)، إذا لقوا المؤمنين قالوا: (آمنا) ليس بهم إلا مخافة على دمائهم وأموالهم، فصانعوهم فذلك (وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ)، يقول: مما يجدون في قلوبهم من الغيظ والكراهة لما هم عليه لو يجدون ريحا لكانوا على المؤمنين، فهم كما نعت الله عز وجل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (الأنامل)، أطراف الأصابع.
قوله تعالى (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها)، وإذا رأوا من أهل الإسلام ألفة وجماعة وظهورا على عدوهم، غاظهم ذلك وساءهم، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافا، أو أصيب طرف من أطراف المسلمين، سرهم ذلك وأعجبوا: ابتهجوا به فهم كلما خرج منهم قرن أكذب الله أحدوثته، وأوطأ محلته، وأبطل حجته، وأظهر عورته، فذاك قضاء الله فيمن مضى منهم وفيمن بقى إلى يوم القيامة.
456
قوله تعالى (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال: قال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: "فينا نزلت (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما) قال: نحن الطائفتان: بنو حارثة، وبنو سلمة. وما نحب -وقال سفيان مرة: وما يسرّني- أنها لم تنزل، لقول الله: (والله وليهما).
(الصحيح ٨/٧٣ ح ٤٥٥٨- ك التفسير، سورة آل عمران)، ومسلم في (صحيحه ٤/١٩٤٩- ك فضائل الصحابة، ب من فضائل الأنصار رضي الله عنهم).
قوله تعالى (وعلى الله فليتوكل المؤمنون)
انظر الآية (١٥) من السورة نفسها.
قوله تعالى (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة)
قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك قال: سمعت عياضا الأشعري قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض، وليس عياض هذا بالذي حدث سماكا، قال وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة قال: فكتبنا إليه، إنه قد جاش إلينا الموت واستمددناه، فكتب إلينا أنه قد جاءني كتابكم تستمدوني، وإنى أدلكم على من هو أعز نصرا وأحضر جندا الله عز وجل فاستنصروه، فإن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني، قال فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم أربع فراسخ، قال: وأصبنا أموالا، فتشاوروا، فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل رأس عشرة، قال: وقال أبو عبيدة: من يراهنني. فقال شاب: أنا إن لم تغضب، قال: فسبقه، فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقران وهو خلفه على فرس عربي.
(المسند رقم ٣٤٤) وصححه أحمد شاكر ومحققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركي (١/٤٢٢ ح ٣٤٤) وذكره ابن كثير في تفسيره وعزاه لابن حبان والضياء. وقال: وهذا إسناد صحيح (التفسير ٢/٩٣). وأخرجه ابن حبان في طريق محمد بن جعفر به وحسنه شعيب الأرناؤوط (١١/٨٣-٨٤ ح ٤٧٦٦). وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٦/٢١٣).
العقيصة: الشعر المعقوص وهو نحو في المضفور، وأصل العقص: اللي وإدخال أطراف الشعر في أصوله.
(النهاية لابن الأثير ٣/٢٧٥).
وانظر حديث البراء في صحيح البخاري عند الآية (٢٤٧) سورة البقرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (من فورهم هذا)، يقول: من وجههم هذا.
قوله تعالى (ويأتوكم من فورهم هذا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ويأتوكم من فورهم هذا) قال: غضب لهم، يعني الكفار، فلم يقاتلوهم عند تلك الساعة، وذلك يوم أحد.
قوله تعالى (يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين)
أخرج الطبري بسنده الصحيح مجاهد في قوله: (بخمسة آلاف من الملائكة مسومين)، يقول: معلمين، مجزوزة أذناب خيلهم، ونواصيها - فيها الصوف أو العهن. وذلك التسويم.
قوله تعالى (وما جعله الله إلا بشرى لكم)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وما جعله الله إلا بشرى لكم) يقول: إنما جعلهم ليستبشروا بهم وليطمئنوا إليهم، ولم يقاتلوا معهم يومئذ يعني يوم أحد قال مجاهد: ولم يقاتلوا معهم يومئذ ولا قبله ولا بعده إلا يوم بدر.
قوله تعالى (ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أو يكبتهم)، يقول: يخزيهم (فينقلبوا خائبين).
قوله تعالى (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون)
قال مسلم: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب. حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كسِرت رباعيتة يوم أحد. وشُجَّ في رأسه. فجعل يسلت الدم عنه ويقول: "كيف يفلح قوم شجّوا نبيهم وكَسَروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله؟ " فأنزل الله عز وجل (ليس لك من الأمر شيء).
(الصحيح ١٣/١٤١٧ ح ١٧٩١- ك الجهاد والسير، ب غزوة أحد).
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابنُ شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعوَ لأحد قَنَتَ بعد الركوع فربّما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد: "اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها سنين كسني يوسف. يجهر بذلك. وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللهم العَن فلاناً وفلاناً" -لأحياء من العرب- حتى أنزل الله (ليس لك من الأمر شيء) الآية.
(صحيح البخاري ٨/٧٤ ح/٤٥٦٠- ك التفسير، سورة آل عمران)، (وصحيح مسلم ١/٤٦٦ - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة نحوه).
قوله تعالى (ولله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم)
انظر تفسير آخر سورة البقرة آية (٢٨٤).
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) قال: ربا الجاهلية.
وانظر سورة البقرة آية (٢٧٥-٢٧٩).
قوله تعالى (واتقوا النار التي أعدت للكافرين)
قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي قال: حدثني الأعمش، قال: حدثني خيثمة، عن عدي بن حاتم قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بين الله وبينه ترجمان، ثم ينظر فلا برى شيئاً قدامه، ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النارَ ولو بشق تمرة".
(الصحيح ١١/٤٠٨ ح ٦٥٣٩- ك الرقاق، ب من نوقش الحساب عذب)، (وصحيح مسلم ٢/٧٠٣-٧٠٤- ك الزكاة، ب الحث على الصدقة).
وانظر سورة البقرة آية (٢٤).
قوله تعالى (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون)
انظر سورة آل عمران آية (٣٢).
قوله تعالى (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين)
انظر حديث مسلم عن أبي هريرة الآتي عند الآية (٢١) من سورة التوبة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي، ثنا وكيع عن سعدان الجهني، عن سعد أبي مجاهد الطائي، عن أبي مدله، عن أبي هريرة قال: قلنا: يا رسول الله أخبرنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: "لبنة من فضة ولبنة من ذهب، ملاطها المسك الأذفر، حصباؤها الياقوت واللؤلؤ، ومزاجها الورس والزعفران من يدخلها يخلد فلا يموت وينعم، لا يبؤس لا يبلى شبابهم ولا تحرق ثيابهم".
(التفسير- آل عمران آية ١٣٣ ح ١٤٢٣). وأخرجه أحمد (المسند ٢/٣٠٤- ٣٠٥)، وابن حبان في صحيحه (الإحسان ١٦/٣٩٦ ح ٧٣٨٧) كلاهما من طريق زهير بن معاوية عن سعد الطائي بنحوه مطولاً، وفيه الشاهد. قال أحمد شاكر: إسناده صحيح (المسند ح ٨٠٣٠). وأخرجه بنحو حديث ابن أبي حاتم، أحمد (المسند ٢/٣٦٢)، والطبراني في الأوسط (-كما في المجمع- والبزار في مسنده)، وأبو نعيم في (صفة الجنة ح ١٣٧) من طرق عن عمران القطان، عن قتادة، عن العلاء بن زياد عن أبي هريرة به. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ١٠/٣٩٦). وللحديث شاهد عن أبي سعيد موقوفاً عليه، ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد ١٠/٣٩٧) وعزاه للبزار والطبراني في الأوسط وقال: رجال الموقوف رجال الصحيح، وأبو سعيد لا يقول هذا إلا بتوقيف.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وجنة عرضها السموات والأرض) يعني عرضها كعرض السموات والأرض كما بينه قوله تعالى: في سورة الحديد (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض). وآية آل عمران هذه تبين أن المراد بالسماء في آية الحديد جنسها الصادق بجميع السموات كما هو ظاهر.
قال ابن حبان أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال: أخبرنا المخزومي، قال حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الله الأصم، قال: حدثنا يزيد الأصم. عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا محمد أرأيت جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أرأيت هذا الليل قد كان ثم ليس شيء أين جعل؟ "قال: "فإن الله يفعل ما يشاء".
(الصحيح ح ١٠٣) وأخرجه الحاكم من طريق الأصم عن أبي هريرة وقال: حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه ولا أعلم له علة ووافقه الذهبي (المستدرك ١/٣٦) وذكره الهيثمي وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٦/٣٢٧). وله شاهد رواه أحمد (المسند ٣/٤٤١)، والطبري (التفسير رقم ٨٧٣١) من حديث سعيد بن أبي راشد وفيه تسمية الرجل السائل وهو: هرقل.
وذكره ابن كثير وقال: إسناده لا بأس به (البداية والنهاية ٥/١٥، ١٦).
قوله تعالى (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، قوم أنفقوا في العسر واليسر، والجهد والرخاء، فمن استطاع أن يغلب الشر بالخير فليفعل، ولا قوة إلا بالله. فنعمت والله يا بن آدم، الجرعة تجترعها من صبر وأنت مغيظ، وأنت مظلوم.
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
(الصحيح ١٠/٥٣٥ ح ٦١١٤- ك الأدب، ب الحذر من الغضب)، وأخرجه مسلم (الصحيح ٤/٢٩٤ ح ٢٦٠٩)
وانظر حديث سليمان بن صرد في الصحيحين في تفسير الاستعاذة.
وانظر سورة البقرة آية (١٧٧).
وقال البخاري: حدثنا يحيى بن يوسف أخبرنا أبو بكر -هو ابن عياش- عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أوصِني. قال: "لا تغضب". فردد مراراً، قال: "لا تغضب".
(الصحيح ١٠/٥٣٥ ح ٦١١٦- ك الأدب، ب الحذر من الغضب).
قال ابن ماجة: حدثنا حرملة بن يحيى، ثنا عبد الله بن وهب، حدثني سعيد ابن أبي أيوب عن أبي مرحوم، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من كظم غيظاً، وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيّره في أي الحور شاء".
(السنن - الزهد، باب الحلم ح ٤١٨٦). أخرجه أبو داود والترمذي من طريق سعيد بن أبي أيوب به نحوه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب (السنن- الأدب، ٤/٤٤٨)، (السنن، باب كظم الغيظ)، وقال الألباني: حسن (صحيح ابن ماجة ٢/٤٠٧). وذكره ابن كثير (٢/١٠٢).
قال ابن ماجة: حدثنا زيد بن أخزم ثنا بشر بن عمر، ثنا حماد بن سلمة، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من جرعة أعظم أجراً عند الله، مِنْ جُرعة غيظ، كظمها عبد ابتغاء وجه الله".
(السنن (٢/١٤، ١) ح ٤١٨٩- ك الزهد، ب الحِلْم، وأخرجه أحمد (المسند ح ٦١١٦) من طريق سالم عن ابن عمر به. وصححه أحمد شاكر. قال البوصيري: إسناده صحيح رجاله ثقات (مصباح الزجاجة ٣/٢٩١)، وقال العراقي: رواه ابن ماجه بإسناد جيد (تخريج الإحياء ٤/١٨١٠)، وحسنه السيوطي (الدر المنثور ٢/٣١٧)، وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة ح ٣٣٧٧).
قوله تعالى (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون)
قال الترمذي: حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن علي بن ربيعة عن أسماء بن الحكم الفزاري قال: سمعت عليا يقول: إني كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني به، وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدّقته، وإن حدثني أبو
بكر، وصدق أبو بكر، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من رجل يُذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له. ثم قرأ هذه الآية: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يُصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون).
(السنن ٢/٢٥٧-٢٥٨ ح ٤٠٦- ك الصلاة، ب ما جاء في الصلاة عند التوبة) وقال: حديث حسن. وأخرجه أبو داود (٢/٨٦ ح ١٥٢١- ك الصلاة، ب في الاستغفار) من طريق مسدد عن أبي عوانة به، وأخرجه ابن ماجة (١/٤٤٦ ح ١٣٩٥- ك إقامة الصلاة، ب ما جاء أن الصلاة كفارة) من طريق مسعر وسفيان عن عثمان بن المغيرة به. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان ٢/٣٨٩ ح ٦٢٣) من طريق الفضل بن الحباب عن مسدد به. قال محققه: إسناده حسن. وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة ١/٨٣-٨٧ ح ٩-١١) من طرق عن عثمان بن المغيرة به، وصحح محققه إسناده في المواضع كلها). وقال ابن كثير: حديث حسن (التفسير ١/٤٠٧). وقال ابن حجر. جيد الإسناد (تهذيب التهذيب ١/٢٦٨)، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه لسنن الترمذي. وصححه الألباني في (صحيح الجامع برقم ٥٧٣٨).
قال مسلم: حدثني عبد الأعلى بن حماد، حدثنا حماد بن سلمة، عن إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: "أذنب عبد ذنبا. فقال: اللهم! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلِمَ أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب. فقال: أي ربِّ! اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا. فعَلِمَ أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي ربّ! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً. فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك".
قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة "اعمل ما شئت".
(الصحيح ٤/٢١١٢ ح ٢٧٥٨- ك التوبة، ب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت... ).
463
قال أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا حريز، حدثنا حبان الشرعبي، عن عبد الله بن عَمرو بن العاص، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال وهو على المنبر: "ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذي يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون".
(المسند ح ٦٥٤١) وصححه أحمد شاكر. وقال المنذري: رواه أحمد بإسناد جيد (الترغيب ٣/١٥٥)، وكذا العراقي، وصححه السيوطي في (الجامع الصغير ١/٤٧٥)، وعزاه الهيثمي لأحمد والطبراني وقال: ورجاله رجال الصحيح غير حبان بن يزيد الشرعبي ووثقه ابن حبان (مجمع الزوائد ١٠/١٩١) وصححه الألباني (صحيح الجامع ١/٣٠٨)
قوله تعالى (أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين)
انظر سورة البقرة آية (٢٥).
قوله تعالى (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين)
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (قد خلت من قبلكم سنن) يقول: في الكفار والمؤمنين، والخير والشر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)، يقول: متعهم في الدنيا قليلا، ثم صيرهم إلى النار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (هذا بيان للناس)، وهو هذا القرآن، جعله الله بيانا للناس عامة، وهدى وموعظة للمتقين خصوصا.
قوله تعالى (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، يعزي أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما تسمعون، ويحثهم على قتال عدوهم، وينهاهم عن العجز والوهن في طلب عدوهم في سبيل الله.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (ولا تهنوا) ولا تضعفوا.
464
قوله تعالى (إن يمسسكم قرح فقد من القوم قرح مثله)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) المراد بالقرح الذي مس المسلمين هو ما أصابهم يوم أحد من القتل والجراح كما أشار له تعالى في هذه السورة الكريمة في مواضع متعددة كقوله (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) وقوله (ويتخذ منكم شهداء) الآية. وقوله (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) وقوله (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم) ونحو ذلك من الآيات. وأما المراد بالقرح الذي مس القوم المشركين فيحتمل أنه هو ما أصابهم يوم بدر من القتل والأسر، وعليه فإليه الإشارة بقوله (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان. ذلك لأنهم شاقوا الله رسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب) ويحتمل أيضاً أنه هزيمة المشركين أولا يوم أحد كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى وقد أشار إلى القرحين معا بقوله: (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها).
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) قال: جراح وقتل.
قوله تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) إنه الله لولا الدول ما أوذي المؤمنون، ولكن يدال للكافر من المؤمن، ويبتلى المؤمن بالكافر، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه، ويعلم الصادق من الكاذب.
465
قوله تعالى (وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء)، فكرم الله أولياءه بالشهادة بأيدي عدوهم، ثم تصير حواصل الأمور وعواقبها لأهل طاعة الله.
قوله تعالى (وليمحص الله الذين آمنوا)
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (وليمحص الله الذين آمنوا) قال: ليبتلي.
قوله تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)
قال الشيخ الشنقيطي: أنكر الله في هذه الآية على من ظن أنه يدخل الجنة دون أن يبتلى بشدائد التكاليف التي يحصل بها الفرق بين الصابر المخلص في دينه وبين غيره وأوضح هذا المعنى في آيات متعددة كقوله (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) وقوله (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون) وقوله (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يقتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).
قوله تعالى (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)
قال البخاري: حدثنا بِشر بن محمد قال أخبرنا عبد الله قال: أخبرني معمر ويونس عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
466
أخبرته قالت: أقبل أبو بكر - رضي الله عنه - على فرسه من مسكنه بالسُّنحِ حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، فتيمَّمَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو مسجَّى ببرد حِبرَة- فكشف عن وجهه، ثم أكبّ عليه فقبله، ثم بكى فقال: بِأبي أنت وأمي يا نبي الله، لا يجمع الله عليك موتتين: أما الموتة التي كُتبت عليك فقد مُتّها. قال أبو سلمة: فأخبرني ابنُ عباس رضي الله عنهما أن أبا بكر - رضي الله عنه - خرج وعمر - رضي الله عنه - يُكلّم الناس، فقال: اجلس، فأبى. فقال: اجلس، فأبى، فتشهّد أبو بكر - رضي الله عنه -، فمالَ إليه الناس وتركوا عمرَ، فقال: أما بعدُ فمن كان منكم يعبد محمداً - ﷺ - فإن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت، قال الله تعالى (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين) فوالله لَكأنَّ الناسَ لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر - رضي الله عنه -، فتلقاها منه الناس، فما يُسمع بشرٌ إلا يتلوها.
(الصحيح٣/١٣٦-١٣٧ ك الجنائز - ب الدخول على الميت بعد الموت إذا أُدرج في أكفانه ح/١٢٤١، ١٢٤٢).
قوله تعالى (ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها)
هذه الآية مقيدة بمشيئة الله تعالى وإرادته المذكورة في قوله تعالى (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) الإسراء: ١٨. كما سيأتي تفصيله في سورة هود آية (١٥).
قوله تعالى (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (قاتل معه ربيون كثير) جموع.
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن عاصم، عن زر عن عبد الله: (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير) قال: ألوف.
ورجاله ثقات إلا عاصماً صدوق وإسناده حسن.
قوله تعالى (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا) يقول: ما عجزوا وما اتضعوا لقتل نبيهم (وما استكانوا) يقول: ما ارتدوا عن بصيرتهم ولا عن دينهم، بل قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله.
قوله تعالى (وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحُسنَ ثواب الآخرة والله يحب المحسنين)
قال الطبري: حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي عباس في قول الله (وإسرافنا في أمرنا) قال: خطايانا.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا)، فقرأ حتى بلغ (والله يحب المحسنين)، إي والله، لآتاهم الله الفتح والظهور والتمكين والنصر على عدوهم في الدنيا (وحسن ثواب الآخرة)، يقول: حسن الثواب في الآخرة، هي الجنة.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين. بل الله مولاكم وهو خير الناصرين)
انظر آية (٢٨) من السورة نفسها، وأما الآية (١٥٠) فبيانها في قوله تعالى (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فيتوكل المؤمنون) سورة آل عمران: ١٦٠.
قوله تعالى (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله)
قال البخاري: حدثنا محمد بن سِنان قال حدثنا هُشيم. ح. قال: وحدثني سعيد بن النضر قال أخبرنا هُشيم قال أخبرنا سيار قال حدثنا يزيد -هو ابن صهيب الفقير- قال: أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أُعطيت
خمساً لم يُعطهن أحد قبلي: نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأُحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأُعطت الشفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصّة وبُعثت إلى الناس عامّة".
(الصحيح ١/٥١٩ ح ٣٣٥ - ك التيمم)، وأخرجه مسلم (الصحيح ١/٣٧٠ ح ٥٢١).
قوله تعالى (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسُّونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (تحسونهم) : تقتلونهم.
قال البخاري: حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء - رضي الله عنه - قال: لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جيشاً من الرماة، وأمر عليهم عبد الله وقال: "لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا". فلما لقينا هربوا، حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل، رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة. فقال عبد الله: عهد إلي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا تبرحوا فأبوا، فلما أبوا صرف وجوههم، فأصيب سبعون قتيلاً. وأشرف أبو سفيان فقال أفي القوم محمد؟ فقال: "لا تجيبوه" فقال أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: "لا تجيبوه" فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يكن عمر نفسه فقال: كذبت يا عدو الله أبقى الله عليك ما يخزي. قال أبو سفيان: اعل هبل. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال أجيبوه قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا الله أعلى وأجل قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أجيبوه قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم قال أبو سفيان يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني.
(الصحيح ٧/٤٠٥ ح ٤٠٤٣ - ك المغازي - ب غزوة أحد).
قوله تعالى (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)
قال ابن أبي شيبة: حدثنا أحمد بن المفضل، ثنا أسباط، عن السدي، عن عبد خير، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: ما كنت أرى أن أحداً من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يريد الدنيا، حتى نزل (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة).
(المطالب العالية - المسندة (ق ١٣٢/أ). وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٢/٦٠٥ ح ١٦٤٩)
الطبري (٤/١٣٠)، والطبراني في الأوسط (٢/٢٣٧ ح ١٤٢١) من طرق عن أحمد بن المفضل به.
وهذا الإسناد فيه أسباط بن نصر، وهو (صدوق كثير الخطأ يغرب)، كما قاله ابن حجر رحمه الله (التقريب ص ٩٨). ولكن لم ينفرد بروايته لهذا الأثر، بل روي من طريق آخر عن ابن مسعود، فأخرجه الإمام أحمد في مسنده (١/٤٦٣) ضمن حديث طويل في قصة أحد، من طريق: حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن ابن مسعود، وعطاء وإن كان قد اختلط، إلا أن رواية حماد عنه قبل الاختلاط، وباقي رجال الإسناد ثقات، فيكون الحديث بمجموع هذين الطريقين حسناً إن شاء الله.
وقد حسن إسناده الحافظ العراقي في تخريجه للإحياء (٤/٢١٩)، وقال الهيثمي -بعد أن عزاه للطبراني وأحمد-: ورجال الطبراني ثقات (مجمع الزوائد ٦/٣٢٧-٣٢٨). وصحح إسناده السيوطي (الدر المنثور ٢/٨٦). وانظر: تخريج الحديث والكلام عليه في حاشية ابن أبي حاتم.
قوله تعالى (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم)
قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الرجّالة يوم أُحد عبد الله بن جبير، وأقبلوا منهزمين، فذاك: إذ يدعوهم الرسول في أُخراهم، ولم يبقَ مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غيرُ اثني عشر رجلاً.
(الصحيح ٨/٧٥ ك التفسير - سورة آل عمران - ح/٤٥٦١).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: انحازوا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجعلوا يصعدون في الجبل، والرسول يدعوهم في أخراهم.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة: (غما بغم) قال: الغم الأول: الجراح والقتل، والغم الآخر: حين سمعوا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد قتل فأنساهم الغم الأخير ما أصابهم من الجراح والقتل وما كانوا يرجون من الغنيمة.
قوله تعالى (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم)
قال ابن كثير: يقول تعالى ممتنا على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة وهو النعاس الذي غشيهم وهم مشتملون السلاح في حال همهم وغمهم والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمنة كما قال في سورة الأنفال في قصة بدر (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه) الآية.
قال البخاري: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو يعقوب حدثنا حسين بن محمد حدثنا شيبان عن قتادة حدثنا أنس أن أبا طلحة قال: غشينا النعاسُ ونحن في مصافّنا يوم أحد، قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه.
(الصحيح ٨/٧٦ ح ٤٥٦٢ - ك التفسير- سورة آل عمران).
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا روح بن عبادة، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أبي طلحة قال: رفعتُ رأسي يوم أحد فجعلت أنظر، وما منهم يومئذ أحدٌ إلا يميد تحت حجفته من النعاس، فذلك قوله عز وجل: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً).
حدثنا عبد بن حميد. حدثنا رَوح بن عبادة عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير مثله. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(سنن الترمذي ٥/٢٢٩ ح ٣٠٠٧ - ك التفسير، ب سورة آل عمران)، وأخرجه الحاكم (المستدرك ٢/٢٩٧) وصححه ووافقه الذهبي. وأخرجه المقدسي (المختارة ٣/٦٢ ح ٨٦٦) من طريق الترمذي به، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي).
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو نعيم ووكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن عبد الله بن مسعود قال: النعاس في القتال من الله وفي الصلاة من الشيطان. ورجاله ثقات إلا عاصماً صدوق وإسناده حسن.
471
قوله تعالى (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: معتّب الذي قال يوم أحد: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا، فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم: (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله) إلى آخره القصة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: والطائفة الأخرى المنافقون، ليس لهم هم إلا أنفسهم، أجبن قوم وأرعبه وأخذله للحق، يظنون بالله غير الحق ظنونا كاذبة، إنما هم شك وريبة في أمر الله: (يقولون: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (ظن الجاهلية) قال: ظن أهل الشرك.
قوله تعالى (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا)
قال الضياء المقدسي: أخبرنا أبو هاشم الحسين بن محمد علي الحربادقاني -بأصبهان- أن محمد بن أحمد بن محمد البَاغبان أخبرهم -قراءة عليه- أنا أبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن الذكواني، أنا أبو بكر أحمد بن مردويه الحافظ، نا دَعْلج بن أحمد، نا عبد الله بن الحسن الحراني، نا أبو جعفر النفيلي، نا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، حدثني يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير قال: والله إني لأسمع قول مُعَتب بن قُشير أخي بني عمرو بن عوف، والنُّعاس يغشاني ما أسمعه إلا كالحُلم حين قال: (لو كان لنا من الأمر شيء في ما قُتلنا ها هنا).
(المختارة ٣/٦٠ ح ٨٦٤). وأخرجه ابن أبي حاتم عن طريق ابن إسحاق به، وبينت أن إسناده حسن (التفسير ٢/٦٢٠ ح ١٦٩٧).
472
قوله تعالى (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور رحيم)
قال البخاري: حدثنا عبدان أخبرنا أبو حمزة عن عثمان بن موهب قال: جاء رجلٌ حَجَّ البيتَ فرأى قوماً جلوساً فقال: من هؤلاء القوم؟ قالوا: هؤلاء قُريش. قال: من الشيخ؟ قالوا: ابن عمر. فأتاه فقال: إني سائلُك عن شيء أتحدثّني؟ قال أنشدك بحرمة هذا البيت، أتعلم أنَّ عثمان بن عفان فرّ يوم أحد؟ قال: نعم، قال: فتعلمه تغيّب عن بدرٍ فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: فتعلم أنه تخلّف عن بيعة الرضوان فلم يشهدهما؟ قال: نعم. قال: فكبَّر. قال ابن عمر: تعال لأخبرك ولأبيّن لك عمّا سألتني عنه: أما فراره يومَ أحد فأشهد أن الله عفا عنه.
وأما تغيُّبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكانت مريضةً، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لك أجرَ رجلٍ ممن شهدَ بدراً وسهمه". وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فإنه لو كان أحَدٌ أعزّ ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه فبعث عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهبَ عثمان إلى مكة، فقال: النبي - ﷺ - بيده اليُمنى: "هذه يدُ عثمان"، فضرب بها على يده فقال: "هذه لعثمان".
اذهب بهذا الآن معك".
(الصحيح ٧/٤٢١ - ك المغازي، ب الآية نفسها ح/٤٠٦٦).
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم... )
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن المنافقين إذا مات بعض إخوانهم يقولون لو أطاعونا فلم يخرجوا إلى الغزو ما قتلوا، ولم يبين هنا هل يقولون لهم ذلك قبل السفر إلى الغزو ليثبطوهم أولا؟ ونظير هذه الآية: قوله تعالى: (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا) ولكنه بين في
آيات أخر أنهم يقولون لهم ذلك قبل الغزو ليثبطوهم كقوله (وقالوا لا تنفروا في الحر) الآية. وقوله (قد يعلم المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) وقوله (وإن منكم لمن ليبطئن) إلى غير ذلك من الآيات.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي: (وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض) أما إذا ضربوا في الأرض فهي التجارة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (في قلوبهم)، قال: يخزيهم قولهم لا ينفعهم شيئاً.
قوله تعالى (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون)
انظر آية (١٦٩-١٧١) من السورة نفسها، وانظر سورة البقرة آية (١٥٤).
قوله تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)
انظر سورة التوبة آية (١٢٨) وتفسرها.
قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن أبي بُكر، عن شيبان، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله: "المستشار مؤتمن".
(السنن ح ٣٧٤٥- ك الأدب، ب المستشار مؤتمن) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من طريق عبد الملك بن عمير به، وحسنه الترمذي (انظر تفسير ابن كثير ٢/١٢٩) وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة ٢/٣٠٨).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فإذا عزمت فتوكل على الله) أمر الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا عزم على أمر أن يمضي فيه، ويستقيم على أمر الله ويتوكل على الله.
قوله تعالى (وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة..)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن عمرو قال: كان علَى ثَقَل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل يقال له كَركرَة، فمات، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هو في النار"، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلّها، قال أبو عبد الله قال ابن سلام: كركرة يعني بفتح الكاف، وهو مضبوط كذا.
(صحيح البخاري ٦/٢١٦ ح ٣٠٧٤- ك الجهاد، ب القليل من الغلول). ثَقَل: يقال لكل خطير نفيس (النهاية لابن الأثير ١/٢١٦).
وقال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة عن أبي حميد الساعدي أنه أخبره أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعمل عاملاً فجاءه العامل حين فرغ من عمله فقال: يا رسول الله، هذا لكم، وهذا أهدي لي. فقال له: "أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرتَ أيهدى لك أم لا؟ ثم قام رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشية بعد الصلاة فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال، "أما بعدُ فما بال العامل نستعمله، فيأتينا فيقول: هذا من عملكم وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يُهدىَ له أم لا؟ فوالذي نفسُ محمد بيده، لا يغل أحدكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه: إن كان بعيراً جاء به له رُغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاة جاء بها تَيعر. فقد بلغتُ.
قال أبو حميد: ثم رفع رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده حتى إنا لننظر إلى عفرةِ إبطيه. قال أبو حميد: وقد سمع ذلك معي زيد بن ثابت من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسلوه.
(الصحيح ١١/٥٣٢ ح ٦٦٣٦- ك الأيمان والنذور، ب كيف يمين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -).
قال البخاري: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن أبي حيان قال: حدثني أبو زرعة قال: حدثني أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قام فينا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر الغلول فعظّمه وعظّم أمره، قال: "لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك. وعلى رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك. وعلى رقبته صامت فيقول: نجا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك. أو على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك. وقال أيوب عن أبي حيان فرس له حمحمة".
(الصحيح ٦/٢١٤-٢١٥ - ك الجهاد والسير، ب الغلول وقول الله عز وجل (الآية ح/٣٠٧٣).
قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم
475
خيبر فلم نغنم ذهباً ولا فضة إلا الأموال والثياب والمتاع فأهدى رجل من بني الضُّبيب، يقال له فارعة بن زيد لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غلاماً يقال له مِدعم، فوجَّه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى وادي القرى حتى إذا كان بوادي القرى بينما مِدعم يحط رحلاً لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سهم عائر فقتله، فقال الناس هنيئاً له الجنة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً، فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: شراك من نار أو شِراكان من نار.
(الصحيح ١١/٦٠٠ ح ٦٧٠٧- ك الأيمان والنذور، ب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزروع، الأمتعة). وأخرجه مسلم في (صحيحه ١/١٠٨ ح ١٨٣- ك الإيمان، ب غلظ تحريم الغلول).
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع بن الجراح، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عديِّ بن عميرة الكندي، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطاً فما فوقه، كان غلولاً يأتي به يوم القيامة. قال: فقام إليه رجل أسود، من الأنصار. كأني أنظر إليه. فقال: يا رسول الله! اقبل عني عملك. قال ومالك؟. قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: وأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره. فما أُوتي منه أخذ، وما نهى عنه انتهى.
(الصحيح ٣/١٤٦٥ ح ١٨٣٣- ك الإمارة، ب تحريم هدايا العمال).
قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا عكرمة بن عمار، قال حدثني سماك الحنفي، أبو زميل، قال: حدثني عبد الله بن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لمّا كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مرّوا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال رسوا الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كلا، إني رأيته في النار، في بردة غلّها، أو عباءة". ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا ابن الخطاب! اذهب فناد في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون". قال فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون".
(الصحيح ١/١٠٧-١٠٨ ح ١١٤- ك الإيمان، ب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه).
476
قال الدارمي: حدثنا محمد بن عيينه ثنا أبو إسحاق الفزاري عن عبد الرحمن ابن عياش عن سليمان بن موسى عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "أدوا الخياط والمخيط وإياكم والغلول، فإنه عار على أهله يوم القيامة).
(السنن ٢/٢٢٩-٢٣٠- ك السير، ب ما جاء أنه قال: أد الخياط والمخيط). وأخرجه أحمد (المسند ٥/٣١٣) من طريق أبي إسحاق الفزاري بإسناده نحوه، وابن حبان في صحيحه (الموارد رقم ١٩٣) والحاكم (المستدرك ٣/٤٩) وسكت هو والذهبي. قال الألباني: إسناد حسن رجاله كلهم ثقات. (السلسلة الصحيحة ٢/٧١٧).
قال الترمذي: حدثنا قتيبة. حدثنا عبد الواحد بن زياد. عن خصيف حدثنا مِقسم قال: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية (ما كان لنبي أن يغل) في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر. فقال بعض الناس: لعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذها، فأنزل الله (ما كان لنبي أن يغل) إلى آخر الآية.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وقد روى عبد السلام بن حرب عن خصيف نحو هذا، وروى بعضهم هذا حديث عن خصيف عن مقسم، ولم يذكر فيه عن ابن عباس.
(سنن الترمذي ٥/٢٣٠ ح/٣٠٠٩- ك التفسير، ب سورة آل عمران) وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي). وأخرجه ابن مردويه (كما في تفسير ابن كثير ٢/١٣٠)، والواحدي في (أسباب النزول ص ١٠٨) كلاهما من طريق أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس نحوه، وفيه متابعة لخصيف ومقسم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ما كان لنبي أن يغل)، قال: أن يخون.
قوله تعالى (أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله) الآية
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية أن من اتبع رضوان الله ليس كمن باء بسخط منه لأن همزة الإنكار بمعنى النفي ولم يذكر هنا صفة من اتبع رضوان الله ولكن أشار إلى بعضها في موضع آخر وهو قوله (الذين قال لهم الناس إن
477
الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) وأشار إلى بعض صفات من باء بسخط من الله بقوله (ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب خالدون) وبقوله هنا (ومن يغلل يأت بما غل) الآية.
قوله تعالى (هم درجات عند الله)
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (درجات عند الله) قال: هي كقوله (لهم درجات عند ربهم) سورة الأنفال آية: ٤.
قوله تعالى (لقد مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)
انظر سورة البقرة آية (١٢٩).
قوله تعالى (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير)
قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الرماة يوم أحد عبد الله بن جبير فأصابوا منّا سبعين، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيراً، وسبعين قتيلاً. قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال.
(صحيح البخاري ٧/٣٥٧ ح/٣٩٨٦ - ك المغازي).
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) ذكر في الآية الكريمة أن ما أصاب المسلمين يوم أحد إنما جاءهم من قبل أنفسهم، ولم يبين تفصيل ذلك هنا ولكنه
فصله في موضع آخر وهو قوله: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم). وهذا هو الظاهر في معنى الآية، لأن خير ما يبين به القرآن: القرآن.
قال الضياء المقدسي: أخبرنا أبو المجد، زاهر بن أحمد بن حامد الثقفي -بأصبهان- أن سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي أخبرهم -قراءة عليه- أنا أحمد بن محمد بن أحمد بن النُّعمان، أنا محمد بن إبراهيم بن علي، ثنا أبو يعلى، أحمد بن علي، ثنا زهير، ثنا أبو نوح، ثنا عكرمة بن عمار العجلي، ثنا سماك أبو زُميل قال: حدثني ابن عباس، قال: حدثني عمر ابن الخطاب، نحو حديث عمر بن يونس في قصة بدر. وزاد أبو نوح في حديثه قال: فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذِهم الفِداء، فقُتل منهم سبعون، وفرّ أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكُسرت رباعيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهُشّمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، وأنزل الله عز وجل: (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) بأخذكم الفداء.
هذه الزيادة لم يخرجها مسلم، وقد روى من طرق عمر بن ويونس عن عكرمة حديثاً طويلاً في قصة بدر. وأبو نوح اسمه: عبد الرحمن بن غزوان، أخرج له البخاري. (المختارة ١/٢٨٠-٢٨١ ح ١٧٠).
وصححه محقق المختارة، وسنده حسن، ولبعضه شواهد في الصحيح.
قوله تعالى (وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين) أي في غزوة أحد، وانظر آية (١٧٢-١٧٤) من السورة نفسها.
قوله تعالى (وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، وبسنده الحسن عن السدي: هم عبد الله بن أُبيّ وأصحابه.
قوله تعالى (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون)
انظر سورة البقرة آية (٨).
قوله تعالى (قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: (إن كنتم صادقين) بما يقولونه إنه كما يقولون.
قوله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يَلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يُضيع أجر المؤمنين)
قال الشيخ الشنقيطى: نهى الله تبارك وتعالى في هذه الآية عن ظن الموت بالشهداء وصرح بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وأنهم فرحون بما آتاهم الله من فصله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ولم يبين هنا هل حياتهم البرزخ يدرك أهل الدنيا حقيقتها أو لا؟ ولكنه بين من سورة البقرة أنهم لا يدركونها بقوله (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) لأن نفي الشعور يدل على نفس الإدراك من باب أولى كما هو ظاهر).
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة. كلاهما عن أبي معاوية.
ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا جرير وعيسى بن يونس، جميعا عن الأعمش.
ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير (واللفظ له). حدثنا أسباط وأبو معاوية. قالا: حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مُرّة، عن مسروق. قال: سألنا عبد الله (هو ابن مسعود) عن هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) قال: أما أنا قد سألنا عن ذلك، فقال: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت. ثم تأوى إلى تلك القناديل، فاطّلع إليهم ربهم اطّلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: (أيّ شيء نشتهي؟ ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات. فلمّا رأوا أنهم لن يتركوا مِن أن يُسألوا، قالوا: يا رب! نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا.
(الصحيح ٣/١٥٠٢-١٥٠٣ ح ١٨٨٧ - ك الإمارة، ب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة).
قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن شعبة، عن قتادة، وحميد، عن أنس بن مالك، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرُّها أنها ترجع إلى الدنيا. ولا أن لها الدنيا وما فيها.
إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيُقتل في الدنيا، لِما يرى من فضل الشهادة".
(الصحيح ٣/١٤٩٨ ح ١٨٧٧ - ك الإمارة، ب فضل الشهادة في سبيل الله).
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن إدريس، عن محمد ابن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لمّا أُصيب إخوانكم بأُحد جعل الله أرواحهم في جَوفِ طير خُضر تردُ أنهار الجنة: تأكل من ثمارها، وتأوى إلى قناديل من ذهب مُعلّقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنّا أحياء في الجنة نُرزَق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب؟ فقال الله سبحانه: أنا أبلغهم عنكم، قال فأنزل الله (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) إلى آخر الآية.
(السنن ٣/١٥ ح ٢٥٢٠ - ك الجهاد، ب في فضل الشهادة)، وفي إسناده ابن إسحاق ولم يصرح بالسماع ولكنه لا يضر لأنه صرح في رواية أحمد (المسند ١/٢٦٦). وأخرجه أحمد في (مسنده رقم ٢٣٨٩) بإسناد أبي داود به، وصححه أحمد شاكر وأخرجه الحاكم في (المستدرك ٢/٢٩٧-٢٩٨ - ك التفسير، تفسير سورة آل عمران) من طريق مسدد بن قطن عن عثمان بن أبي شيبة به، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في (صحيح سنن أبي داود).
قال الترمذي: حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، حدثنا موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري قال: سمعت طلحة بن خراش قال: سمعتُ جابر بن عبد الله يقول: لقيني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال لي: "يا جابر مالي أراك منكسراً؟ ".
قلتُ: يا رسول الله استُشهد أبي قُتل يوم أُحد، وترك عيالاً ودَيناً، قال: "أفلا أُبشرك بما لقي الله به أباك؟ ". قال: قلتُ: بلى يا رسول الله. قال: "ما كلّم اللهُ أحداً قطّ إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمّه كِفاحاً. فقال: يا عبدي تَمنّ عليّ أُعطك. قال: يا رب تُحييني فأُقتل فيك ثانية. قال الربّ
481
عزّ وجل: إنه قد سبق منى (أنهم إليها لا يُرجعون) قال: وأُنزلت هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً) الآية.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه (سنن الترمذي ٥/٢٣٠-٢٣١ ح/٣٠١٠ - ك التفسير، ب سورة آل عمران). وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي). وأخرجه ابن ماجة في (سننه - ك الجهاد، ب فضل الشهادة في سبيل الله ح ٢٨٠٠) وابن حبان في صحيحه (الإحسان ١٥/٤٩٠-٤٩١ ح٧٠٢٢) والحاكم في (المستدرك ٣/٢٠٣-٢٠٤ - ك معرفة الصحابة، ب ذكر مناقب اليمان بن جابر... ) وصحح إسناده ووافقه الذهبي. وأخرجه أبو يعلى، وصححه المحقق (المسند ٤/٦ ح ٢٠٠٢).
وانظر حديث ابن عباس في مسند أحمد في تفسير سورة البقرة آية (١٥٤).
قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أن بن مالك - رضي الله عنه - قال: دعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الذين قَتَلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين غداة، على رِعل وذكوان وعُصيّة عَصَتِ الله ورسوله. قال أنس: أُنزل في الذين قُتلوا بِبئر معونة قرآن قرأناه ثم نُسخ بعد: بلغوا قومنا أن قد لقينا ربّنا فرضي عنّا ورضينا عنه.
(الصحيح ٦/٣٧-٣٨ ح ٢٨١٤ - ك الجهاد والسير، ب فضل قول الله تعالى (الآية)).
قوله تعالى (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم)
قال البخاري: حدثنا محمد حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتّقَوا أجر عظيم) قالت لِعروة: يا ابن أختي، كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر. لما أصابَ رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أصابَ يومَ أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا، قال: من يذهب في أثرهم فانتدب منهم سبعون رجلاً. قال: كان فيهم أبو بكر والزبير.
(صحيح البخاري ٧/٤٣٢ ح ٤٠٧٧ - ك الغازي، ب (الذين استجابوا..)).
482
قوله تعالى (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)
قال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس -أراه قال- حدثنا أبو بكر عن أبي
حَصين عن أبي الضحى عن ابن عباس (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قالوا: (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل).
(صحيح البخاري ٨/٧٧ ح ٤٥٦٣ - ك التفسير، سورة آل عمران، ب (الدين قال لهم الناس)).
قوله تعالى (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (فانقلبوا بنعمة من الله) أما النعمة فهي العافية.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل) قال: والفضل ما أصابوا من التجارة والأجر.
قوله تعالى (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) يخوف والله المؤمن بالكافر، ويرهب المؤمن بالكافر.
قوله تعالى (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر)
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) يعني: أنهم المنافقون.
قوله تعالى (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئاً ولهم عذاب أليم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئاً) قال هم المنافقون.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله: (اشتروا) استحبوا الضلالة على الهدى.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: (ولهم عذاب أليم) قال: الأليم الموجع في القرآن كله.
قوله تعالى (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أنه يملي للكافرين ويمهلهم لزيادة الإثم عليهم وشدة العذاب وبين في موضع آخر: أنه لا يمهلهم متنعمين هذا الإمهال إلا بعد أن يبتليهم بالبأساء والضراء، فإذا لم يتضرعوا أفاض عليهم النعم وأمهلهم حتى يأخذهم بغتة، كقوله (وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون) وقوله (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا -إلى قوله- أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) وبين في موضع آخر أن ذلك الاستدراج من كيده المتين وهو قوله (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين).
قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان عن الأعمش، عن خيثمة عن الأسود قال، قال عبد الله: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها وقرأ: (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) وقرأ: (نزلاً من عند الله وما عند الله خير للأبرار).
(ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأخرجه الحاكم من طريق الأعمش به. (المستدرك ٢/٢٩٨).
قوله تعالى (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يقول للكفار ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الكفر حتى يميز الخبيث من الطيب، فيميز أهل السعادة من أهل الشقاوة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) قال: ميز بينهم يوم أحد المنافق من المؤمن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه) يعني الكفار. يقول: لم يكن الله ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من ضلالة (حتى يميز الخبيث من الطيب) يميز بينهم في الجهاد والهجرة.
قوله تعالى (ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء)
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء) قال: يخلصهم لنفسه.
قوله تعالى (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة... )
قال البخاري: حدثني عبد الله بن منُير سمع أبا النضر حدثنا عبد الرحمن -هو ابن عبد الله بن دينار- عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثل له ماله شُجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بِلهْزِمتيه -يعني بشدقيه- يقول: أنا مالك، أنا كنزك. ثم تلا هذه الآية (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله) إلى آخر الآية.
(الصحيح ٨/٧٨ ح ٤٥٦٥ - ك التفسير - سورة آل عمران، ب (ولا يحسبن الذين يبخلون)).
قوله تعالى (والله بما تعملون خبير)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (خبير) قال: خبير بخلقه.
قوله تعالى (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: دخل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - بيت المدراس، فوجد من يهود ناسا كثيراً قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص، كان من علمائهم
وأحبارهم ومعه حبر يقال له أشيع. فقال أبو بكر - رضي الله عنه - لفنحاص: ويحك يا فنحاص: اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل قال فنحاص: والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن الربا ويعطيناه ولو كان عنا غنيا ما أعطانا الربا فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة، وقال: والذي نفسي بيده، لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت عنقك يا عدو الله فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين. فذهب فنحاص إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا محمد، انظر ما صنع بي صاحبك فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكر: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله، إن عدو الله قال قولاً عظيماً، زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال، فضربت وجهه. فجحد ذلك فنحاص وقال: ما قلت ذلك فأنزل الله تبارك تعالى فيما قال فنحاص، رداً عليه وتصديقاً لأبي بكر: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق) وفي قول أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور). سورة آل عمران (١٨٦).
قوله تعالى (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد في قوله: (فإن كذبوك) قال: اليهود.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك) قال: يعزي نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)
قال ابن كثير: يخبر تعالى إخبارا عاما يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت كقوله تعالى: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد. حدثنا يزيد بن هارون وسعيد بن عامر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن موضع سوط في الجنة لخير من الدنيا وما فيها، اقرءوا إن شئتم: (فمن زحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(سنن الترمذي ٥/٢٣٢-٢٣٣ ح/٣٠١٣ - ك التفسير، ب سورة آل عمران) وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي)، وأخرجه الحاكم (المستدرك ٢/٢٩٩ - ك التفسير، سورة آل عمران).
وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي إلى الطبراني في (الأوسط) وقال: ورجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد ١٠/٤١٥) وعنده: خير مما بين السماء والأرض.
وأخرجه البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد بلفظه ولكن بدون ذكر الآية (الصحيح - ك بدء الخلق، ب ما جاء في صفة الجنة ح ٣٢٥٠).
وانظر حديث مسلم عن عبد الله بن عمرو الآتي عند الآية (٢٩) من سورة النساء.
قوله تعالى (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعنّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين سيبتلون في أموالهم وأنفسهم، وسيسمعون الأذى الكثير من أهل الكتاب والمشركين، وأنهم إن صبروا على ذلك البلاء والأذى واتقوا الله، فإن صبرهم وتقاهم من عزم الأمور، أي: من الأمور التي ينبغي العزم والتصميم عيها لوجوبها. وقد بين في
موضع آخر أن من جملة هذا البلاء: الخوف والجوع وأن البلاء في الأنفس والأموال هو النقص فيها، وأوضح فيه نتيجة الصبر المشار إليها هنا بقوله (فإن ذلك من عزم الأمور) وذلك الموضع هو قوله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة ابن الزبير أن أسامة بن زيد رضي الله عنها أخبره: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركب على حمار على قطيفة فَدَ كية، وأردف أسامة بن زيد وراءه، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، قال: حتى مرّ بمجلس فيه عبد الله بن أبيّ ابن سلول، وذلك قبل أن يُسلم عبد الله بن أبي، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشَيتِ المجلس عجاجة الدابة حمّر عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه ثم قال: "لا تُغبِّروا علينا فسلّم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم ثم وقف فنزل، فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبيّ ابن سلول: أيها المرء، إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً فلا تؤذينا به في مجلسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا، فإنا نحب ذلك. فاتسبِّ المسلمون والمشركون واليهودُ حتى كادوا يتشاورون، فلم ينزل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخفضهم حتى سكنوا. ثم ركب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا سعد أسلم تسمع ما قال أبو حُباب -يريد عبد الله بن أبي- قال كذا وكذا. قال سعد بن عُبادة: يا رسول الله أعف عنه واصفح عنه، فوالذي أنزل عليك الكتاب، لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك ولقد اصطلح أهل هذه البُحيرة على أن يتوّجوه
488
فيعصبونه بالعصابة، فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرِق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله، ويصطبرون على الأذى، قال الله عز وجل: (ولتسمعن من الذين أُوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً) الآية. وقال الله: (ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم) إلى آخر الآية. وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتأوّل العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم، فلما غزا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدراً فقتل الله به صناديد كفّار قريش قال ابن أبيّ ابنُ سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توجّه، فبايعوا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الإسلام، فأسلموا".
(الصحيح ٨/٧٨-٧٩ ح ٤٥٦٦ - ك التفسير - سورة آل عمران، قوله تعالى: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب). توجه: أقبل (القاموس مادة: وج هـ).
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، ثنا عبد الرحمن بن صالح ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا: ثنا يوسف يعنيان ابن بكير، ثنا ابن إسحاق، فحدثني محمد ابن أبي محمد. عن عكرمة أنه حدثه، عن ابن عباس قال: نزل في أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً)
وحسنه الحافظ ابن حجر (فتح الباري ٨/٢٣١).
قوله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا بها ثمنا قليلا فبئس ما يشترون لا تحسبن الذين يفرحون بما أَتوا ويحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قوله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) إلى قوله: (عذاب أليم) يعني: فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار.
489
قال مسلم: حدثنا زهير بن حرب وهارون بن عبد الله (واللفظ لزهير) قالا: حدثنا حجّاج بن محمد عن ابن جريج. أخبرني ابن أبي مليكة؛ أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره، أن مروان قال: اذهب. يا رافع! (لبوّابه) إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئ منّا فرح بما أَتَى، وأحبّ أن يُحمد بما لم يفعل، معذّباً لنُعذّبن أجمعون، قال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب. ثم تلا ابن عباس: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) هذه الآية. وتلا ابن عباس: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أَتَوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا). وقال ابن عباس: سألهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شيء، فكتموه إيّاه. وأخبروه بغيره. فخرجوا قد أَروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه. واستحمدوا بذلك إليه. وفرحوا بما أَتَوا، من كِتمانهم إياه، ما سألهم عنه.
(الصحيح ٤/٢١٤٣ ح ٢٧٧٨ - ك صفات المنافقين وأحكامهم). وأخرج البخاري (الصحيح - التفسير - ب و (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) ح ٤٥٦٨).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم) الآية، هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم شيئاً فليعلمه، وإياكم وكتمان العلم، فإن كتمان العلم هلكة، ولا يتكلفن رجل ما لا علم له به، فيخرج من دين الله فيكون من المتكلفين، كان يقال: "مثل علم لا يقال به، كمثل كنز لا ينفق منه! ومثل حكمة لا تخرج، كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب (وكان يقال) طوبى لعالم ناطق، وطوبى لمستمع واع". هذا رجل علم علماً فعلمه وبذله ودعا إليه، ورجل سمع خيراً فحفظه ووعاه وانتفع به.
490
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا إدريس أبو أسامة، والسياق لابن إدريس، عن يحيى بن أيوب الهجلي، عن الشعبي في قوله: (فنبذوه وراء ظهورهم) قال: قد كانوا يقرأونه ولكنهم نبذوا العمل به.
ورجاله ثقات إلا يحيى لا بأس به فالإسناد حسن.
وانظر حديث: "من سئل عن علم فكتمه أُلجم بلجام من نار". في تفسير سورة البقرة آية (١٥٩).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فبئس ما يشترون) قال: تبديل اليهود التوراة.
قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر قال حدثني زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خرج رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الغزو تخلَّفوا عنه وفرِحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، فإذا قدم رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبُّوا أن يحمدوا بما لم يَفعلوا، فنزلت (لا تحسبن الذين يفرَحون) الآية.
(صحيح البخاري ٨/٨١ ح ٤٥٦٧ - ك التفسير - سورة آل عمران، ب (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا)) و (صحيح مسلم ٤/٢١٤٢ - ك صفات المنافقين وأحكامهم).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا) قال: يهود، فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب وحمدهم إياهم عليه، ولا تملك يهود ذلك.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قوله (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) أن يقول الناس لهم علماء وليسوا بأهل علم لم يحملوهم على خير ولا هدى ويحبون أن يقول الناس قد فعلوا.
491
قوله تعالى (ولله ملك السموات والأرض والله على كل شيء قدير)
انظر سورة البقرة آية (١١٧).
قوله تعالى (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)
قال ابن حبان: أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن زكريا، عن إبراهيم بن سويد النخعي، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، قالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا، فقال: أقول يا أمه كما قال الأول: زر غباً تزدد حباً.
قال: فقالت: دعونا من رطانتكم هذه. قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: فسكتت ثم قالت. لما كان ليلة من الليالي قال: "يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي". قالت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما سرّك. قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي. قالت: فلم يزل يبكي حتى بلَّ حجره، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكى حتى بلَّ الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكى، قال: "يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد نزلت عليَّ الليلة آية، ويل لمن قرأها ويتفكر فيها (إن في خلق السموات والأرض) الآية كلها.
(الإحسان ٢/٣٢٩ ح ٦٢٠ - طبعة الأرناؤوط)، وأخرجه أبو الشيخ في كتاب (أخلاق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ص١٦٠) من طريق عثمان بن أبي شيبة به. وهذا الإسناد رجاله ثقات أئمة، وعبد الملك بن أبي سليمان، وإن تكلم فيه البعض، فإن ثناء الأئمة عليه ووصفه بالحفظ والإتقان مستفيض مشهور (النظر: تهذيب الكمال ١٨/٣٢٢-٣٢٨). فيكون الحديث من هذا الطريق حسناً إن شاء الله. ومع ذلك فللحديث طريق آخر: أخرجه ابن مردويه، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا -كما في تفسير ابن كثير (١/٤٤٠) - من طرق، عن أبي جناب الكلبي، عن عطاء به نحوه. -وأخرجه الأصبهاني في (الترغيب والترهيب ١/٢٨٦ ح ٦٣٩) من طريق ابن مردويه- وأبو جناب وإن كان مدلساً، إلا أن أبا الشيخ أخرجه من طريقه مصرحاً فيه بالسماع (أخلاق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ص١٦٠) فنزول الخشية من تدليسه، وبذلك يكون هذا الطريق متابعة قوية لطريق ابن حبان المتقدم، ويتأكد بذلك حسن الحديث كما قدمنا. وقد قوى إسناده الأرناؤوط في حاشية (الإحسان)، وحكم بحسنه الشيخ محمد رزق في (موسوعة فضائل القرآن ١/٢١٩ ح ٩٠).
قال مسلم: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسماعيل بن مسلم، حدثنا أبو المتوكل؛ أن ابن عباس حدثه، أنه بات عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة. فقام نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من آخر الليل. فخرج فنظر في السماء. ثم تلا هذه الآية في آل عمران (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار) حتى بلغ (فقنا عذاب النار) ثم رجع إلى البيت فتسوّك وتوضأ. ثم قام فصلى. ثم اضطجع. ثم قام فخرج نظر إلى السماء فتلا هذه الآية. ثم رجع فتسوك فتوضأ. ثم قام فصلى.
(الصحيح ١/٢٢١ ح ٢٥٦- ك الطهارة، ب السواك).
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا معن بن عيسى عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى عبد الله بن عباس أن عبد الله ابن عباس أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهي خالته- قال: فاضطجعتُ في عرض الوِسادة: واضطجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأهله في طولها، فنام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم استيقظ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجعل يمسح النومَ من وجهه بيديه، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شَنّ معلقة فتوضأ منها فأحسن وُضوءه ثم قام يصلى. فصنعتُ مثل ما صنَع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح.
(الصحيح ٨/٨٤-٨٥ ح ٤٥٧١- ك التفسير- سورة آل عمران، ب (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته)).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (الذين يذكرون الله قياماً وقعودا وعلى جنوبهم) وهذه حالات كلها يا ابن آدم، اذكر الله وأنت
قائم فإن لم تستطع فاذكره وأنتَ قاعد، فإن لم تستطع فاذكره وأنت على جانبك يسر من الله وتخفيف.
قوله تعالى (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار بن الحارث، ثنا مؤمل، ثنا حماد بن سلمة عن قتادة، عن أنس في قوله: (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) قال: من تدخل في النار فقد أخزيته.
ورجاله ثقات سوى مؤمل صدوق فالإسناد حسن.
قوله تعالى (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان) إلى قوله (وتوفنا مع الأبرار) سمعوا دعوة من الله فأجابوها فأحسنوا الإجابة فيها، وصبروا عليها. ينبئكم الله عن مؤمن الإنس كيف قال، وعن مؤمن الجن كيف قال. فأما مؤمن الجن فقال: (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) وأما مؤمن الإنس فقال (إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا) الآية.
قوله تعالى (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض... )
قال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت رجلاً من ولد أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: قالت أم سلمة: يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله تعالى (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى).
(التفسير ١/١٤٤ ح ٤٩٨). وأخرجه الترمذي في جامعه (٥/٢٣٧ ح ٣٠٢٣- ك التفسير، ب ومن سورة النساء)، والشافعي من سنن حرملة -كما في (المعرفة) للبيهقي (٣/١٢٠ ح ١٧٦٤٤)،
والحاكم في (المستدرك ٢/٣٠٠- تسمية ولد أم سلمة بـ (سلمة بن أبي سلمة). وهذا الحديث إسناده صحيح، ووافقه الذهبي. ورجاله أئمة ثقات. وقد وقع تصريح ابن عيينة بالإخبار في روايه الشافعي، فزالت الخشية من احتمال تدليسه، هذا مع احتمال الأئمة لتدليسه؛ حيث كان لا يدلس إلا عن ثقة.
(انظر طبقات المدلسين ص ٢٣).
قوله تعالى (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب)
قال الطبري حدثنا عبد الرحمن بن وهب قال، حدثنا عمى عبد الله بن وهب قال، حدثني عمرو بن الحارث: أن أبا عشانة المعافري حدثه: أنه سمع عبد الله ابن عمرو بن العاص يقول: لقد سمعت رسول الله يقول: إن أول ثلة تدخل الجنة لفقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان، لم تقض حتى يموت وهي في صدره، وإن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول: "أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا، وأوذوا في سبيلي، وجاهدوا في سبيلي؟ ادخلوا الجنة"، فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب، وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون: "ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار، ونقدس لك، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا".
فيقول الرب جل ثناؤه: "هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي". فتدخل الملائكة عليهم من كل باب: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) سورة الرعد: ٢٤.
(أخرجه الإمام أحمد في (المسند ٦٥٧٠) والحاكم في (المستدرك ٢/٧١-٧٢) كلاهما من طريق عبد الله بن وهب به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد ١٠/٢٥٩) ونسبه للطبراني أيضا وقال ورجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي عشانه وهو ثقة).
قوله تعالى (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد. متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد)
قال ابن كثير: يقول تعالى لا تنظر إلى ما هؤلاء الكفار مترفون فيه من النعمة والغبطة والسرور، فعما قليل يزول هذا كله عنهم ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة. فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجا وجميع ما هم فيه (متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد) وهذه الآية كقوله تعالى: (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد) وقال تعالى (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) وقال تعالى (نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) وقال تعالى (فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) أي: قليلا، وقال تعالى (أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) والله ما غروا نبي الله، ولا وكل إليهم شيئا من أمر الله حتى قبضه الله على ذلك.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) يقول: ضربهم في البلاد.
قوله تعالى (وما عند الله خير للأبرار)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما عنده للأبرار ولكنه بين في موضع آخر: أنه النعيم، وهو قوله (إن الأبرار لفي نعيم) وبين في موضع آخر: أن من جملة ذلك النعيم: الشرب من كأس ممزوجة بالكافور وهو قوله (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا).
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن خيثمة، عن الأسود قال: قال عبد الله: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا الموت خير لها، لئن كان برا لقد قال الله: (وما عند الله خير الأبرار).
(ورجاله ثقات، وأخرجه الحاكم من طريق الأعمش به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٩٨).
قوله تعالى (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن طائفة من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالله حق الإيمان، ويؤمنون بما أنزل على محمد مع ما هم مؤمنون به من الكتب المتقدمة أنهم خاشعون لله أي مطيعون له خاضعون متذللون بين يديه لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أي لا يكتمون ما بأيديهم من البشارة بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر صفته ومبعثه وصفة أمته، وهؤلاء هم خيرة أهل الكتاب وصفوتهم سواء كانوا يهودا أو نصارى. وقد قال تعالى في سورة القصص (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) الآية. وقد قال تعالى (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به) الآية. وقد قال تعالى (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) وقال تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) وقال تعالى (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) وهذه الصفات توجد في اليهود ولكن قليلا كما وجد في عبد الله بن سلام وأمثاله ممن آمن من أحبار
اليهود ولم يبلغوا عشرة أنفس، وأما النصارى منهم يهتدون وينقادون للحق كما قال تعالى (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) إلى قوله تعالى: (فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) الآية.
قال البخاري: حدثنا أبو الربيع، حدثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء عن جابر - رضي الله عنه - قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين مات النجاشي: "مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحَمة".
(الصحيح ٧/٢٣٠ ح ٣٨٧٧- ك مناقب الأنصار- ب موت النجاشي).
قال الضياء: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن مكي بن أبي الرجاء -بأصبهان- أن مسعود بن الحسن الثّقفي أخبرهم، أنا أحمد بن عبد الرحمن الذكواني، أنا أبو بكر أحمد بن موسى الحافظ، نا محمد بن عبد الله بن إبراهيم (ح). وأخبرنا أبو طاهر معاوية بن علي بن معاوية الصّوفي- إجازة- أنا الحسن بن أحمد الحداد، أنا أبو نعيم، أنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، قالا: نا إبراهيم بن أحمد بن عمر، نا أبي، ثنا مؤمل بن إسماعيل، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البُناني، عن أنس بن مالك، قال: لمّا مات النجاشي، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "استغفروا لأخيكم".
فقال بعضُ الناس: تأمرنا أن نستغفر له وقد مات بأرض الحبشة؟ فنزلت: (إن من أهل الكتاب لمَن يؤمن بالله وما أنزل إليكم).
اللفظ للطبراني والآخر بمعناه قال الطبراني: لم يروه عن حماد إلا مؤمل. (وقد رواه حميد عن أنس ا. هـ. (المختارة ٥/٤٠-٤١ ح ١٦٤٨، ١٦٤٩) ولفظه: "قوموا صلوا على أخيكم النجاشي".
(المختارة ٦/٦١ ح ٢٠٣٧) ورواية الطبراني في (الأوسط ٣/٣٢٣ ح ٢٦٨٨) قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني ورجال الطبراني ثقات. (مجمع الزوائد ٣/٣٨).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) : من اليهود والنصارى وهم مسلمة أهل الكتاب.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن منير سمع أبا النضر، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يرُوحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها".
(الصحيح ٦/١٠٠ ح ٢٨٩٢- ك الجهاد والسير، ب فضل رباط يوم سبيل الله..).
قال مسلم: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي، حدثنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا ليث (يعني ابن سعد) عن أيوب بن موسى، عن مكحول، عن شرحبيل بن السمط، عن سلمان. قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه: إن مات، جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأُجرى عليه رزقه، وأمن الفتّان".
(الصحيح ٣/١٥٢٠ ح ١٩١٣- ك الإمارة، ب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل).
قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر. جميعاً عن إسماعيل بن جعفر. قال ابن أيوب. حدثنا إسماعيل. أخبرني العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات"؟ قالوا: بلى. يا رسول الله! قال: "إسباغ الوُضوء على المكاره. وكثرة الخطا إلى المساجد. وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط".
(الصحيح ١/٢١٩ ح ٢٥١- ك الطهارة، ب فضل إسباغ الوضوء على المكاره).
قال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور، ثنا عبد الله بن وهب، حدثني أبو هانيء، عن عمرو بن مالك، عن فضالة بن عبيد، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كل الميت يختم على عمله، إلا المرابط، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من فتان القبر".
499
(السنن ٣/٩ ح ٢٥٠٠- ك الجهاد، ب في فضل الرباط)، وأخرجه الحاكم (المستدرك ٢/٧٩- ك الجهاد). من طريق أحمد بن نجدة القرشي، عن سعيد بن منصور به. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الترمذي (السنن ٤/١٦٥ ح ١٦٢١). (فضائل الجهاد، ب ما جاء في فضل من مات مرابطاً). وأحمد في المسند (٦/٢٠)، وابن حبان في صحيحه (الإحسان ١٠/٤٨٤ ح ٤٦٢٤)، والحاكم في المستدرك (٢/١٤٤) من طرق عن حيوة بن شريح عن أبي هانئ به. قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الألباني: صحيح (صحيح سنن الترمذي ح ١٣٢٢).
قال الحاكم: حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني، ثنا أحمد بن نجدة القرشي، ثنا سعيد بن منصور، ثنا ابن المبارك، أنبا مصعب بن ثابت، حدثني داود بن صالح قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية (اصبروا وصابروا ورابطوا) قال: قلت، لا. قال: يا ابن أخي إني سمعت أبا هريرة يقول: لم يكن في زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزو يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة.
(المستدرك ٢/٣٠١- ك التفسير، تفسير سورة آل عمران وصححه ووافقه الذهبي).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا) أي: اصبروا على طاعة الله، وصابروا أهل الضلالة ورابطوا في سبيل الله (واتقوا الله لعلكم تفلحون).
قال البخاري: وزادنا عمرو قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة: إن أعطى رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش. طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع".
(الصحيح ٦/٨١ الفتح ح ٢٨٨٧- ك الجهاد والسير، ب الحراسة في الغزو في سبيل الله). وهكذا وقعت هذه الرواية عند البخاري من شيخه عمرو، وهو ابن مرزوق. قال ابن حجر: وقد صرح بسماعه منه في مواضع أخرى. (الفتح ٦/٨٢)، وإنما عطف البخاري على رواية سابقة فيها ذكر ما يتعلق بالحراسة والجهاد.
500
Icon