تفسير سورة الرّوم

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الروم من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
سورة الروم مكية، نزلت بعد سورة الانشقاق، وآياتها ٦٠ آية وقد نزلت سورة الروم في السنة التي انتصر فيها الفرس على الروم وكان ذلك قبل الهجرة بسنة.
وسميت هذه السورة بسورة الروم لقوله تعالى في أولها :﴿ ألم*غلبت الروم ﴾. ( الروم : ١-٢ ).
سبب نزول السورة :
قال المفسرونi : بعث كسرى جيشا إلى الروم واستعمل عليهم رجلا يسمى " شهريران " فسار إلى الروم بأهل فارس وظهر عليهم فقتلهم وخرب مدائنهم وقطع زيتونهم، وكان قيصر قد بعث رجلا يدعى " يحنس " فالتقى مع " شهريران " بأذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب فغلبت فارس الروم وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة فشق عليهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الأميون من أهل المجوس على أهل الكتاب من الروم، وفرح كفار مكة وشمتوا، وقالوا للمسلمين : إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم.
فأنزل الله تعالى سورة الروم وفيها ما يفيد أن أهل فارس قد غلبوا في أرض الأردن وفلسطين وهي أقرب البلاد إلى جزيرة العرب، ثم وعد الله بأن ينتصر الروم على الفرس في جولة أخرى خلال بضع سنين. والبضع هو ما بين الثلاث إلى التسع أو العشر، وقد التقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء الأول وغلبت الروم فارس.
وعن أبي سعيد الخدري قال : لما كان يوم بدر غلب المسلمين كفار مكة وأتى المسلمون الخبر بعد ذلك والنبي والمؤمنون بالحديبية بأن الروم قد غلبوا أهل فارسii ففرح المسلمون بذلك، لانتصار أهل الكتاب على عباد الأوثان، فذلك قوله تعالى :﴿ ويومئذ يفرح المؤمنون*بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ﴾. ( الروم : ٤-٥ ).

فصلان مترابطان :


يمضي سياق سورة الروم في فصلين مترابطين :
الفصل الأول : يربط بين نصر المؤمنين والحق الذي تقوم عليه السموات والأرض وما بينهما، ويرتبط به أمر الدنيا والآخرة ويوجه إلى سنة الله فيمن مضى قبلهم من القرون، ويقيس عليها قضية البعث والإعادة ومن ثم يعرض عليهم مشهدا من مشاهد الكون، وآيات الله المبثوثة في ثناياه ودلالة تلك المشاهد وإيحائها للقلوب، ويضرب لهم من أنفسهم ومما ملكت أيمانهم مثلا يكشف عن سخافة فكرة الشرك وقيامها على الأهواء التي لا تستند إلى حق أو علم وينتهي هذا الموضوع بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اتباع الحق الواحد الثابت الواضح طريق الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والتي لا تتبدل ولا تدور مع الهوى، ولا يتفرق متبعوها شيعا وأحزابا كما تفرق الذين اتبعوا الهوى.
ويستغرق هذا الفصل من أول السورة إلى الآية ٢٢.
الفصل الثاني : يكشف هذا الفصل عما في طبيعة الناس من تقلب لا يصلح أن تقام عليه الحياة، ما لم يرتبطوا بمعيار ثابت لا يدور مع الأهواء ويصور حالهم في الرحمة والضر وعند بسط الرزق وقبضه ويستطرد بهذه المناسبة إلى وسائل إنفاق هذا الرزق ويعود إلى قضية الشرك والشركاء فيعرضها من هذه الزاوية فإذا هم لا يرزقون ولا يميتون ولا يحيطون ويربط بين ظهور الفساد في البر والبحر وعمل الناس وكسبهم ويوجههم إلى السير في الأرض والنظر في عواقب المشركين من قبل ومن ثم يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم على الاستقامة على دين الفطرة من قبل أن يأتي اليوم الذي يجزى فيه كل إنسان بما كسبت يداه، ويعود بهم بعد ذلك إلى آيات الله في مشاهد الكون- كما عاد بهم في الفصل الأول- ويعقب على ذلك بأن الهدى هدى الله وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا البلاغ فهو لا يهدي العمي ولا يسمع الصم، ثم يطوف بهم في جولة جديدة في ذات أنفسهم ويذكرهم بأطوار نشأتهم من بدئها إلى منتهاها منذ الطفولة الواهنة الضعيفة إلى الموت والبعث والقيامة ويعرض عليهم مشهدا من مشاهدها ثم ينتهي هذا الموضوع ويختم معه السورة بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصبر على دعوته وما يلقاه من الناس فيها، والاطمئنان إلى ان وعد الله حق لا بد آت فلا يثقله الذين لا يوقنون.
ويستغرق هذا الفصل من الآية ٣٣ إلى آخر السورة.
الأفكار العامة للسورة
الفكرة الرئيسية في سورة الروم هي الكشف عن الارتباطات الوثيقة بين أحوال الناس وأحداث الحياة وماضي البشرية وحاضرها ومستقبلها، وسنن الوجود ونواميس الكون ومن خلال هذه الارتباطات يبدو أن كل حركة وكل حالة وكل نصر وكل هزيمة كلها مرتبطة برباط وثيق محكومة بقانون دقيق وأن مرد الأمر فيها كله لله :﴿ لله الأمر من قبل ومن بعد... ﴾ ( الروم : ٤ ) وهذه هي الحقيقة الأولى التي يؤكدها القرآن كله بوصفها الحقيقة الموجهة في هذه العقيدة، الحقيقة التي تنشأ عنها جميع التصورات والمشاعر والقيم والتقديرات والتي بدونها لا يستقيم تصور ولا تقدير.
وهناك أفكار متعددة مبثوتة في ثنايا السورة منها :
ذكر أخبار القرون الماضية، وذكر قيام الساعة وآيات التوحيد والحجج المترادفة الدالة على الذات والصفات وبيان البعث يوم القيامة، وتمثيل حال المؤمنين والكافرين وتقرير المؤمنين على الإيمان والأمر بالمعروف والإحسان إلى ذوي القربى ووعد الثواب على أداء الزكاة والإخبار عن ظهور الفساد في البر والبحر، وعن آثار القيامة، وذكر عجائب الصنع في السحاب والأمطار وظهور آثار الرحمة في إنبات النبات وظهور الربيع وذكر إصدار الكفار على الكفر، وتخليق الله الخلق مع الضعف والعجز وإحياء الخلق بعد الموت والحشر والنشر وتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم.
عالمية الدعوة الإسلامية :
لم يقف القرآن في سورة الروم عند حادث هزيمة الروم أمام الفرس ثم الوعد بغلبة الروم على الفرس. ولكنه انطلق من ذكر هذه الحادثة ليربط بين سنة الله في نصر العقيدة السماوية والحق الكبير الذي قامت عليه السماوات والأرض وما بينهما وليصل بين ماضي البشرية وحاضرها ومستقبلها.
ثم يستطرد إلى الحياة الآخرة ومشاهدها ثم يطوف بالمسلمين في مشاهد الكون ومشاهد النفس وأحوال البشر وعجائب الفطر، ومن ثم يرتفع تصورهم لحقيقة الارتباطات وحقيقة العلاقات في هذا الكون الكبير ويشعرون بدقة السنن التي تحكم هذا الكون وتصرف أحداث الحياة وتحدد مواضع النصر ومواضع الهزيمة.
وفي ظل ذلك التصور الواسع الشامل تنكشف عالمية هذه الدعوة وارتباطها بأوضاع العالم كله من حولها.
ويدرك المسلم موقفه وموقف أمته في ذلك الخضم الهائل ويعرف قيمته وقيمة عقيدته في حساب الناس وحساب الله فيؤدي حينئذ دوره على بصيرة وينهض بتكاليفه في ثقة وطمأنينة واهتمام.
***
سورة الروم مكية وآياتها ستون نزلت بعد سورة الانشقاق
وقد بدئت سورة العنكبوت قبلها بالجهاد وختمت به، وبدئت سورة الروم بما يفيد أن الله ينصر المؤمنين واشتملت سورة الروم على أدلة التوحيد والنظر في الآفاق والأنفس وهي معان ذكرت في سورة العنكبوت.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ آلم( ١ ) غلبت الروم( ٢ ) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون( ٣ ) في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون( ٤ ) بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم( ٥ ) وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون( ٦ ) يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون( ٧ ) ﴾
التفسير :
﴿ آلم ﴾
حروف للتحدي والإعجاز وبيان أن الخلق عاجزون عن الإتيان بمثل القرآن مع أنه مكون من حروف عربية ينطقون بها ويتكلمون بها وقيل : هي حروف تشير إلى أسماء الله تعالى أو صفاته، وقيل إنها أدوات للتنبيه كالجرس الذي يقرع فيتنبه التلاميذ إلى دخول المدرسة.
﴿ غلبت الروم*في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون*في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ﴾.
المفردات :
الروم : قوم من الفرنج يستوطنون الجنوب الشرقي من أوربا ويقول المؤرخون إنهم عرفوا باسم جد لهم اسمه روم أو رومي من ذرية يافث بن نوح.
التفسير :
غلبت فارس الروم.
﴿ في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ﴾
المفردات :
في أدنى الأرض : في أقرب أرضهم من الروم أو من أهل مكة الذين يساق إليهم الحديث.
من بعد غلبهم : من بعد كونهم مغلوبين.
التفسير :
في أقرب أرضهم إلى فارس أو في أقرب أرضهم إلى بلاد العرب، وهي الأردن وفلسطين.
ولما بلغ الخبر أهل مكة فرحوا بذلك وشمتوا في المسلمين، وقالوا : أنتم والنصارى أهل كتاب، ونحن وفارس وثنيون وقد ظهر إخواننا على إخوانكم ولنظهرن عليكم.
فتحدث القرآن الكريم بأن الروم ستعاود الكرة، وستنتصر على الفرس خلال بضع سنين والبضع من ثلاث إلى تسع سنوات وقد تم ذلك بعد ٧ سنوات من هزيمة الروم أمام الفرس، وانتصر الروم على الفرس وجاءت الأخبار بذلك إلى المسلمين، بعد عودتهم من صلح الحديبية وتحقق وعد الله وهو سبحانه لا يخلف الميعاد.
وكان أبو بكر الصديق قد اتفق مع أبي ابن خلف على رهان خلاصته أن الروم إذا غلبت الفرس يدفع أبي ابن خلف لأبي بكر بعير، وإذا غلبت الفرس الروم يدفع أبو بكر لأبي بن خلف مائة بعير.
ومات أبي بن خلف في غزوة أحد فلما تم نصر الروم على الفرس في صلح الحديبية دفع ورثة أبي بن خلف لأبي بكر مائة بعير وجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتصدق بها وكان ذلك قبل أن ينزل تشريع تحريم الرهان إلا في صور معينة.
﴿ في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد يومئذ يفرح المؤمنون ﴾.
المفردات :
في بضع سنين : البضع : من الثلاث إلى التسع.
التفسير :
أي : تم النصر خلال السبع سنين وكان ذلك بأمر الله وتدبيره فليست الغلبة دائما بحسب القوة والكثرة، بل هناك سنن وضعها الله للغلبة والنصر ومن هذه السنن :
أخذ العدة، وإعداد القوة والاستعانة بالله، فالنصر من عند الله :﴿ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ﴾. ( البقرة : ٢٤٩ ).
ومن تدبير الله أن جعل هذه الأمم الكبيرة تتهارش وتتحارب مع بعضها حتى تضعفا معا، ثم يأتي الإسلام بقوته الفكرية والمادية فينتصر على الفرس وعلى الروم وعلى غيرهما.
وعندما انتصرت الروم على فارس فرح المؤمنون بانتصار أهل الكتاب من الروم على الفرس الوثنيين والله تعالى ينصر من يشاء فلا معقب لأمره وهو العزيز الغالب الرحيم بعباده المؤمنين.
﴿ بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ﴾.
التفسير :
سيفرح المؤمنون بهذا النصر الذي نصر الله فيه الروم النصارى، أصحاب قيصر ملك الشام على فارس أصحاب كسرى الوثنيين المجوس، والله هو المنتقم من أعدائه المعز لأوليائه الرحيم بعباده.
قال العلماء : نزلت الآيات حين غلب سابور ملك الفرس على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة، وأقاصي بلاد الروم وهجم على هرقل ملك الروم حتى ألجأه إلى القسطنطينة، وحاصره فيها مدة طويلة ثم عادت الدولة لهرقل فبعد نزول سورة الروم سنة ٦٢٢م ببضع سنين أحرز هرقل أول نصر حاسم للروم على الفرس في نينوى على نهر دجلة، وانسحب الفرس لذلك من حصارهم للقسطنطينية ولقى كسرى أبرويز مصرعه سنة ٦٢٨ م على يد ولده ( شيرويه ).
ولقد كانت هاتان الدولتان مسيطرتين على العالم القديم، فارس في الشرق والروم في الغرب وكانتا تتنازعان السيادة على بلاد الشام وغيرها. iii
﴿ وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾.
التفسير :
إذا أخبر الحق سبحانه خبرا تحقق، وإذا وعد وعدا فقد صدق وإذا أخبر عن غيب وقع مصداقه واستبان للجاحدين من نور إشراقه ما يؤيد صدق القرآن وإعجازه، وتحقق سائر ما أخبر به كذلك من ظهور الإسلام على الدين كله وزهوق الباطل وعلو الحق وجعل المستضعفين أئمة، وإيراثهم أرض عدوهم إلى غير ذلك.
وما ألطف ما قال الزبير الكلائي، رأيت غلبة فارس الروم ثم رأيت غلبة الروم فارس، ثم رأيت غلبة المسلمين على فارس والروم، كل ذلك في خمس عشرة سنة، من أواخر غلبة فارس إلى أوائل غلبة المسلمين. iv
لقد وعد الله أن ينصر رسله وأن يؤيد المؤمنين وان يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، والله تعالى لا يخلف وعده.
﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾.
أي : بحكمته في كونه وأفعاله المحكمة، الجارية على وفق العدل لجهلهم وعدم تفكرهم.
وقال في ظلال القرآن :
وتحقيق هذا الوعد طرف من الناموس الأكبر الذي لا يتغير. ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ ولو بدا في الظاهر أنهم علماء وأنهم يعرفون الكثير، ذلك أن علمهم سطحي بظواهر الحياة ولا يتعمق في سننتها الثابتة وقوانينها الأصيلة ولا يدرك نواميسها الكبرى وارتباطاتها الوثيقة اه.
﴿ يعلمون ظاهر من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ﴾.
المفردات :
ظاهر الحياة الدنيا : هو ما يشاهدونه من زخارفها ولذاتها الموافقة لشهواتهم التي تستدعي انهماكهم فيها وعكوفهم عليها.
العزيز : الغالب.
التفسير :
أي أكثر الناس لهم علم ظاهر بالدنيا وعلومها المادية كتدبير شؤون المعيشة وتحصيل الأموال والكسب من تجارة وزراعة وصناعة وغيرها، ولكنهم غافلون عن أمور الدين والآخرة ولا ينظرون إلى المستقبل وما ينتظرهم من نعيم مقيم إن آمنوا وعملوا الصالحات أو عذاب مهين إن كفروا وعصوا ربهم.
قال الزمخشري في تفسير الكشاف :
أفاد قوله تعالى :﴿ يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا... ﴾ أن للدنيا ظاهرا وباطنا، فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها وباطنها وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها إليها بالطاعة والأعمال الصالحة اه.
ولله در القائل :
ومن البلية أن ترى لك صاحبا في صورة الرجل السميع المبصر
فطن بكل مصيبة في ماله وإذا أصيب بدينه لم يشعر
***
﴿ أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون( ٨ ) أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون( ٩ ) ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوء أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون( ١٠ ) ﴾
المفردات :
في أنفسهم : أي تفكرا عميقا لا تفكرا ظاهريا أو لم يتفكروا في أمر أنفسهم فإنها أقرب إليهم من غيرها فبالتفكر يرجعون عن غفلتهم.
بالحق : بالعدل والحكمة.
وأجل مسمى : وقت سماه الله لابد من الانتهاء إليه وهو قيام الساعة.
بلقاء ربهم : بالبعث بعد الموت.
كافرون : جاحدون يحسبون أن الدنيا بداية ونهاية وأن الآخرة لا تكون.
تمهيد :
هذه الآيات مرتبطة بما قبلها تتضمن تهديد المشركين وحثهم على التفكر والنظر في المخلوقات الدالة على وجود الله تعالى، فهو سبحانه الخالق الرازق لا إله غيره ولا رب سواه، وما صدر عنهم من إنكار الإله وإنكار البعث وغفلتهم عن الآخرة.
التفسير :
﴿ أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ﴾.
أي أغفل هؤلاء الناس عن التأمل في أنفسهم تأملا عميقا كيف خلقهم الله ومنحهم العقل والفكر ليتأملوا في خلق السماء والأرض وما بينهما من فضاء وهواء وتكامل في الخلق، فهذا الكون لم يخلق إلا بالحق والعدل ووجد لغاية محددة واجل مسمى، ثم تنتهي هذه الحياة الدنيا لتبدأ مرحلة أخرى من الموت والبعث والحشر والحساب والجزاء.
﴿ وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ﴾.
أي أكثر الناس في انشغال تام بدنياهم ولذائذهم، غافلون عن آخرتهم أو جاحدون كافرين، بينما القليل من الناس مؤمن بالله مصدق بالآخرة وبالبعث والحساب والجزاء.
قال القرطبي : وفي هذه الآية تنبيه على الفناء وعلى أن لكل مخلوق أجلا، وعلى ثواب المحسن وعقاب المسيء اه.
تمهيد :
هذه الآيات مرتبطة بما قبلها تتضمن تهديد المشركين وحثهم على التفكر والنظر في المخلوقات الدالة على وجود الله تعالى، فهو سبحانه الخالق الرازق لا إله غيره ولا رب سواه، وما صدر عنهم من إنكار الإله وإنكار البعث وغفلتهم عن الآخرة.
﴿ أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾.
المفردات :
أشد منهم قوة : كعاد وثمود.
البينات : المعجزات والآيات الواضحات.
التفسير :
السير في الأرض قد يكون بالجسم للسياحة والتأمل وقد يكون بالعقل واستقراء التاريخ، أي أو لم يحركوا عقولهم وأفهامهم ونظرهم في سماع أخبار الماضين من الأمم السابقة والقرون السالفة الذين عمروا في الأرض أكثر من أهل مكة، وكانوا أكثر من أهل مكة أموالا وأولادا وعمرانا.
ولما جاءتهم رسلهم كنوح وهود وصالح وموسى وعيسى ﴿ بالبينات ﴾، بالرسالات والمعجزات، كذبوا رسلهم فاستحقوا العذاب والعقاب وما كانا الله ليظلمهم فيما حل بهم من عذاب ونكال ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم حين جحدوا آيات الله وكفروا بها فاستحقوا ما نزل بهم من العذاب.
تمهيد :
هذه الآيات مرتبطة بما قبلها تتضمن تهديد المشركين وحثهم على التفكر والنظر في المخلوقات الدالة على وجود الله تعالى، فهو سبحانه الخالق الرازق لا إله غيره ولا رب سواه، وما صدر عنهم من إنكار الإله وإنكار البعث وغفلتهم عن الآخرة.
﴿ ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون ﴾.
المفردات :
أساءوا السوأى : كذبوا والسوأى تأنيث الأسوأ أي الأقبح أي كان عاقبة المكذبين النار.
التفسير :
جعل الله عاقبة المكذبين لرسله، والجاحدين للإيمان بكتبه وأنبيائه، العقوبة التي هي أسوأ العقوبات وهي الهلاك في الدنيا أو النار في الآخرة أو هما معا.
﴿ أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون ﴾.
أي أوقعنا بهم العذاب لأنهم كذبوا بآيات الله المنزلة على رسله واستخفوا بها.
﴿ وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ﴾. ( هود : ٨ ).
***
﴿ الله يبدؤا الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون( ١١ ) ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون( ١٢ ) ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين( ١٣ ) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون( ١٤ ) فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون( ١٥ ) وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون( ١٦ ) ﴾
التفسير :
﴿ الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون ﴾.
الله تعالى خلق هذا الخلق وأنشأنه من العدم، فبيد القدرة الإلهية رفع الله السماء وبسط الأرض وأرسى الجبال وسخر الهواء والرياح والأمطار والشمس والقمر والليل والنهار، وهو سبحانه قادر على الإعادة والحشر والحساب والجزاء فالإعادة أهون من البدء. قال تعالى :﴿ كما بدأكم تعودون ﴾. ( الأعراف : ٢٩ ).
وعند الله الملتقى في الآخرة فيكون الجزاء والثواب والعقاب، قال تعالى :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾. ( الزلزلة : ٧-٨ ).
﴿ ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ﴾.
المفردات :
يبلس المجرمون : يسكنون وتنقطع حجتهم يقال أبلس الرجل إذا سكا وانقطعت حجته والمبلس الساكت المنقطع الحجة اليائس منها.
التفسير :
يعرض القرآن هنا مشهدا من مشاهد القيامة، أي عند قيام الساعة وابتداء اليوم الآخر للحساب والجزاء يبلس المجرمون ويقفون ساكتين يائسين، قد انقطعت حجتهم فلا أمل ولا رجاء في النجاة من هول هذا اليوم.
﴿ ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين ﴾.
المفردات :
من شركائهم : من أصنامهم ومعبوداتهم.
شفعاء : يجيرونهم من عذاب الله.
كافرين : أي كفروا بالأصنام وتبرأوا منها حين يئسوا من شفاعتها وجاء التعبير بمعنى الماضي لتحققه.
التفسير :
لم يجد الكفار من يشفع لهم من الأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها رجاء شفاعتها، إذ قالوا في الدنيا :﴿ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى... ﴾ ( الزمر : ٢ ).
لقد خاب ظنهم وانقطع رجاؤهم وذهب أملهم في الأصنام التي عبدوها ثم لم يجدوا لهذه العبادة نفعا أو شفاعة، عندئذ كفروا بالأصنام وتبرأوا عن عبادتها وندموا على شركهم في الدنيا ولات ساعة مندم.
قال تعالى :﴿ إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب*وقال الذين اتبعوا أو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا... ﴾ ( البقرة : ١٦٦-١٦٧ ).
والآية دليل على إعلان إفلاسهم وإعلان خسراتهم وجاءت بصيغة الماضي للإعلان بأنه واقع لا محالة فكأنه وقع فعلا واخبر عنه.
﴿ ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ﴾.
المفردات :
يتفرقون : يتفرق المؤمنون والكافرون.
التفسير :
في يوم القيامة مشاهد عدة، وقد سبق ذكر إبلاس المجرمين وبأسهم وإعلان خسرانهم، وهنا تبين أنه عند قيام القيامة يتفرق الخلق إلى مؤمنين وكافرين قال تعالى :﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون ﴾. ( يس : ٥٩ ) فيذهب الأشقياء إلى النيران ويؤخذ السعداء إلى الجنان.
قال قتادة : هي والله الفرقة التي لا اجتماع بعدها.
﴿ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون ﴾.
المفردات :
روضة : بستان أو أرض ذات أزهار وأنهار والمراد بها هنا الجنة.
يحبرون : يسرون سرورا تهللت له وجوههم يقال : حيره يحبره بضم الباء حبروا إذا سره سرورا بتهلل له وجهه.
التفسير :
أي إن المؤمنين الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وعملوا الأعمال الصالحات فأحسنوا العبادات والمعاملات هؤلاء يدخلون الجنة، حيث يعمهم الفرح والسرور والحبور الذي يملأ القلب ويظهر أثر البشاشة والحبور والسرور على وجوههم التي تهلل فرحا، بما هم فيه من نعيم ورضوان ومسرة.
قال تعالى :﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ﴾. ( السجدة : ١٧ ).
وروى أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ". v
﴿ وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون ﴾.
المفردات :
محضرون : مجبرون على الحضور لا يغيبون عنه.
التفسير :
وأما الذين كفروا بالله ورسوله وكذبوا بآياته التشريعية والكونية وأنكروا وقوع البعث بعد الموت، فهم مخلدون في عذاب جهنم لا غيبة لهم عنه وهم مجبرون على حضوره.
قال تعالى :﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها... ﴾ ( الحج : ٢٢ ).
وقال سبحانه وتعالى :﴿ والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور. ﴾ ( افطر : ٣٦ ).
***
﴿ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون( ١٧ ) وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون( ١٨ ) يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون( ١٩ ) ﴾
المفردات :
فسبحان الله : سبحان هو التسبيح وهو إخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثناء عليه أي سبحوا الله وعظموه واذكروه في هذه الأوقات أو صلوا في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته وتتجدد فيها نعمته.
حين تمسون : تدخلون في المساء وفيه صلاتا المغرب والعشاء.
وحين تصبحون : حين تدخلون في الصباح وفيه صلاة الصبح.
تمهيــد :
تذكر الآيات مظاهر القدرة الإلهية التي يسن ابتهال الإنسان عندها بالذكر والتسبيح في موعد المساء وقدوم الليل وعند الصباح وفي وقت العشي والظهيرة.
فالله سبحانه وتعالى بيده القدرة، وإنبات النبات وهداية الناس فيخلق الكافر من المؤمن ويخلق المؤمن من الكافر، ويحيي الأرض بالأمطار وإخراج النبات وكذلك البعث " وإحياء الموتى وإخراجهم من قبورهم بعد جمع ما تفرق من أجزائهم الأصلية.
التفسير :
﴿ فسبحان الله حين تمسون وحيت تصبحون ﴾.
أي نزهوا الله سبحانه في وقت المساء حين إقبال الليل وظلامه، وفي وقت الصباح حين إسفار النهار بضيائه، أي اذكروا الله وعظموه وسبحوه واذكروا قدرته وعظمته فهو الذي يسخر الليل ليكون سكنا ونوا وهدوءا، ويسخر النهار ليكون بعثا ونشاطا وسعيا وعملا.
أو أقيموا الصلاة عند المساء وهي صلاة المغرب، وصلاة العشاء وعند الصباح وهي صلاة الصبح.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على الآيات :
من شان القرآن أن يحرك القلوب ويلفت الأنظار إلى مظاهر القدرة الإلهية عند قدوم المساء وظهور الشفق وقدوم الليل، وكذلك عند الصباح وانتشار الضوء وعند الظهيرة حيث تتحول الشمس من جهة المشرق إلى الوقوف في كبد السماء وعند العشي حين يقترب النهار من نهايته.
وقد ذكر العلماء أن الآيات تشير إلى الصلوات الخمس :
ففي المساء صلاتا المغرب والعشاء.
وفي الصباح صلاة الفجر.
وفي الظهيرة صلاة الظهر.
وفي العشي صلاة العصر.
وكلها أوقات تظهر فيها آثار القدرة في المساء والصباح والظهيرة والعشي، والآيات تحرك القلوب لتتيقظ وتتذكر الخالق القادر وهو سبحانه القاهر فوق عباده وله الحمد في السموات والأرض لحفظهما بنظامهما وتكاملهما كما أن الموت والحياة والتقدير والتحويل بيده سبحانه.
قال تعالى :﴿ الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور... ﴾ ( الأنعام : ١ ).
وقد أقسم الله بالليل والنهار والشمس والقمر والرياح، وبغير ذلك من مظاهر الكون ليلفت أنظارنا إلى عظمة الخالق وجمال الكون ونظامه.
قال تعالى :﴿ والشمس وضحاها*والقمر إذا تلاها*والنهار إذا جلاها*والليل إذا يغشاها*والسماء وما بناها*والأرض وما طحاها ﴾. ( الشمس : ١-٦ ).
وقال تعالى :﴿ والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ﴾. ( الليل : ١-٢ ).
وقال تعالى :﴿ والضحى والليل إذا سجى ﴾. ( الضحى : ١-٢ ).
وقال تعالى :﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير*تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ﴾. ( آل عمران : ٢٦٢٧ ).

تمهيــد :
تذكر الآيات مظاهر القدرة الإلهية التي يسن ابتهال الإنسان عندها بالذكر والتسبيح في موعد المساء وقدوم الليل وعند الصباح وفي وقت العشي والظهيرة.
فالله سبحانه وتعالى بيده القدرة، وإنبات النبات وهداية الناس فيخلق الكافر من المؤمن ويخلق المؤمن من الكافر، ويحيي الأرض بالأمطار وإخراج النبات وكذلك البعث " وإحياء الموتى وإخراجهم من قبورهم بعد جمع ما تفرق من أجزائهم الأصلية.
﴿ وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون ﴾.
المفردات :
وعشيا : العشي آخر النهار وفيه صلاة العصر.
وحين تظهرون : تدخلون في الظهيرة وفيه صلاة العصر.
التفسير :
وهو سبحانه مستحق للحمد من جميع خلقه، في السموات من الملائكة، وفي الأرض من أهلها من أصناف خلقه فيها، من جن وإنس وطير ووحش وسباع وسائر المخلوقات والموجودات تحمده، فبيد القدرة الإلهية خلق هذا الكون ويسرت له أسباب البقاء والحياة والتكامل والتناغم.
قال تعالى :﴿ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا... ﴾ ( الأنبياء : ٢٢ ).
﴿ وعشيا وحين تظهرون ﴾.
أي سبحوه ونزهوه في وقت العشي أي في صلاة العصر في آخر النهار.
﴿ وحين تظهرون ﴾ وفي وسط النهار وقت الظهيرة بصلاة الظهر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على الآيات :
من شان القرآن أن يحرك القلوب ويلفت الأنظار إلى مظاهر القدرة الإلهية عند قدوم المساء وظهور الشفق وقدوم الليل، وكذلك عند الصباح وانتشار الضوء وعند الظهيرة حيث تتحول الشمس من جهة المشرق إلى الوقوف في كبد السماء وعند العشي حين يقترب النهار من نهايته.
وقد ذكر العلماء أن الآيات تشير إلى الصلوات الخمس :
ففي المساء صلاتا المغرب والعشاء.
وفي الصباح صلاة الفجر.
وفي الظهيرة صلاة الظهر.
وفي العشي صلاة العصر.
وكلها أوقات تظهر فيها آثار القدرة في المساء والصباح والظهيرة والعشي، والآيات تحرك القلوب لتتيقظ وتتذكر الخالق القادر وهو سبحانه القاهر فوق عباده وله الحمد في السموات والأرض لحفظهما بنظامهما وتكاملهما كما أن الموت والحياة والتقدير والتحويل بيده سبحانه.
قال تعالى :﴿ الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور... ﴾ ( الأنعام : ١ ).
وقد أقسم الله بالليل والنهار والشمس والقمر والرياح، وبغير ذلك من مظاهر الكون ليلفت أنظارنا إلى عظمة الخالق وجمال الكون ونظامه.
قال تعالى :﴿ والشمس وضحاها*والقمر إذا تلاها*والنهار إذا جلاها*والليل إذا يغشاها*والسماء وما بناها*والأرض وما طحاها ﴾. ( الشمس : ١-٦ ).
وقال تعالى :﴿ والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ﴾. ( الليل : ١-٢ ).
وقال تعالى :﴿ والضحى والليل إذا سجى ﴾. ( الضحى : ١-٢ ).
وقال تعالى :﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير*تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ﴾. ( آل عمران : ٢٦٢٧ ).

تمهيــد :
تذكر الآيات مظاهر القدرة الإلهية التي يسن ابتهال الإنسان عندها بالذكر والتسبيح في موعد المساء وقدوم الليل وعند الصباح وفي وقت العشي والظهيرة.
فالله سبحانه وتعالى بيده القدرة، وإنبات النبات وهداية الناس فيخلق الكافر من المؤمن ويخلق المؤمن من الكافر، ويحيي الأرض بالأمطار وإخراج النبات وكذلك البعث " وإحياء الموتى وإخراجهم من قبورهم بعد جمع ما تفرق من أجزائهم الأصلية.
﴿ يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ﴾.
المفردات :
يخرج الحي : المؤمن من الكافر والدجاجة من البيضة.
من الميت : من الكافر والنبات من الأرض.
ويخرج الميت من الحي : كالكافر من المؤمن والسقط من الأم.
وكذلك تخرجون : تبعثون من قبوركم.
التفسير :
أي : هو سبحانه القادر على خلق الأشياء المتقابلة بعضها من بعض، فهو يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن والنبيه من الغافل والغافل من النبيه والطائر من البيضة والبيضة من الطائر والإنسان من النطفة، والنطفة من الإنسان ويحيي الأرض بعد موتها بإنزال المطر وإنبات النبات.
﴿ وكذلك تخرجون ﴾.
وبمثل ذلك تخرجون من القبور أحياء بعد أن كنتم أمواتا وذلك على الله يسير.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تعليق على الآيات :
من شان القرآن أن يحرك القلوب ويلفت الأنظار إلى مظاهر القدرة الإلهية عند قدوم المساء وظهور الشفق وقدوم الليل، وكذلك عند الصباح وانتشار الضوء وعند الظهيرة حيث تتحول الشمس من جهة المشرق إلى الوقوف في كبد السماء وعند العشي حين يقترب النهار من نهايته.
وقد ذكر العلماء أن الآيات تشير إلى الصلوات الخمس :
ففي المساء صلاتا المغرب والعشاء.
وفي الصباح صلاة الفجر.
وفي الظهيرة صلاة الظهر.
وفي العشي صلاة العصر.
وكلها أوقات تظهر فيها آثار القدرة في المساء والصباح والظهيرة والعشي، والآيات تحرك القلوب لتتيقظ وتتذكر الخالق القادر وهو سبحانه القاهر فوق عباده وله الحمد في السموات والأرض لحفظهما بنظامهما وتكاملهما كما أن الموت والحياة والتقدير والتحويل بيده سبحانه.
قال تعالى :﴿ الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور... ﴾ ( الأنعام : ١ ).
وقد أقسم الله بالليل والنهار والشمس والقمر والرياح، وبغير ذلك من مظاهر الكون ليلفت أنظارنا إلى عظمة الخالق وجمال الكون ونظامه.
قال تعالى :﴿ والشمس وضحاها*والقمر إذا تلاها*والنهار إذا جلاها*والليل إذا يغشاها*والسماء وما بناها*والأرض وما طحاها ﴾. ( الشمس : ١-٦ ).
وقال تعالى :﴿ والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ﴾. ( الليل : ١-٢ ).
وقال تعالى :﴿ والضحى والليل إذا سجى ﴾. ( الضحى : ١-٢ ).
وقال تعالى :﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير*تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ﴾. ( آل عمران : ٢٦٢٧ ).


***
﴿ ومن ءاياته أن خلقكم من تراب ثم إذا انتم بشر تنتشرون( ٢٠ ) ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون( ٢١ ) ومن ءاياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين( ٢٢ ) ومن ءاياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون( ٢٣ ) ومن ءاياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون( ٢٤ ) ومن ءاياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون( ٢٥ ) ﴾
المفردات :
أن خلقكم من تراب : خلق أباكم آدم من تراب.
بشر : من لحم ودم.
تنتشرون : أي في الأرض تبتغون من فضل الله.
تمهيــد :
تتحدث الآيات عن جوانب القدرة الإلهية فهو سبحانه خلق آدم من تراب وخلق ذريته من نطفة مرت بمراحل إلى ان صارت خلقا آخر، وهو الذي خلق للرجل زوجة من جنسه ليأنس إليها وجعل بين الزوجين الشفقة والمحبة، والرأفة، وهو خالق الكون وخالق الإنسان من طين الأرض فمنه الأصيل ومنه الكفور.
ومن فضل الله علينا نعمة النوم بالليل والنهار ونعمة اليقظة والبحث عن الرزق وتنوع الناس في السفر والتجارة والعمل.
ومن آيات الله تسخير السحاب والبرق والرعد والمطر وكذلك الإحياء والإماتة والبعث والحشر والحساب والجزاء.
التفسير :
﴿ ومن آياته أن خلقكم من تراب إذا أنتم بشر تنتشرون ﴾.
ومن دلائل قدرته أنه خلق أباكم آدم من تراب وخلقكم من نطفة، تحولت إلى علقة ثم إلى مضغة ثم إلى عظام، ثم كسا العظام لحما ثم أنشأ الله هذه الخلقة خلقا آخر متكاملا، فيه الروح والحياة فإذا به بشر عاقل يتصرف في فنون المعايش والمكاسب، كما فاوت الله بين الناس في العلوم والفكر والحسن والقبح والغنى والفقر والسعادة والشقاوة.
تمهيــد :
تتحدث الآيات عن جوانب القدرة الإلهية فهو سبحانه خلق آدم من تراب وخلق ذريته من نطفة مرت بمراحل إلى ان صارت خلقا آخر، وهو الذي خلق للرجل زوجة من جنسه ليأنس إليها وجعل بين الزوجين الشفقة والمحبة، والرأفة، وهو خالق الكون وخالق الإنسان من طين الأرض فمنه الأصيل ومنه الكفور.
ومن فضل الله علينا نعمة النوم بالليل والنهار ونعمة اليقظة والبحث عن الرزق وتنوع الناس في السفر والتجارة والعمل.
ومن آيات الله تسخير السحاب والبرق والرعد والمطر وكذلك الإحياء والإماتة والبعث والحشر والحساب والجزاء.
﴿ ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾.
المفردات :
من أنفسكم : من جنسكم.
أزواجا : زوجات.
لتسكنوا إليها : لتميلوا إليها وتألفوها.
مودة : محبة.
رحمة : شفقة.
يتفكرون : في صنع الله وحكمته.
التفسير :
ومن دلائل قدرته أن خلق لكم من جنسكم الآدمي أزواجا لتأنسوا بها ولتسكنوا إليها بالمحبة والشفقة، والمؤانسة ولو كانت من جنس آخر كالجن أو الحيوان لما حصل هذا الائتلاف بين الأزواج، بل كانت تحصل النفرة وذلك من تمام رحمته ببني آدم.
قال ابن عباس :
المودة : حب الرجل امرأته، والرحمة، شفقته عليها أن يصيبها بسوء.
﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾.
أي يتأملون في خلق الإنسان وفي تيسير أسباب الزواج ليعمر الكون بامتداد الإنسان في ذريته وأولاده فقبل أن يموت يترك أسرة تعمل وتتزوج وتنجب وتفكر وتنافس الآخرين في إعمار الكون.
تمهيــد :
تتحدث الآيات عن جوانب القدرة الإلهية فهو سبحانه خلق آدم من تراب وخلق ذريته من نطفة مرت بمراحل إلى ان صارت خلقا آخر، وهو الذي خلق للرجل زوجة من جنسه ليأنس إليها وجعل بين الزوجين الشفقة والمحبة، والرأفة، وهو خالق الكون وخالق الإنسان من طين الأرض فمنه الأصيل ومنه الكفور.
ومن فضل الله علينا نعمة النوم بالليل والنهار ونعمة اليقظة والبحث عن الرزق وتنوع الناس في السفر والتجارة والعمل.
ومن آيات الله تسخير السحاب والبرق والرعد والمطر وكذلك الإحياء والإماتة والبعث والحشر والحساب والجزاء.
﴿ ومن آياته أن خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ﴾.
المفردات :
واختلاف ألسنتكم : واختلاف لغاتكم مع ان الأصل واحد.
وألوانكم : من بياض وسواد وهيئة وجمال بحيث وقع التمايز والتعارف.
التفسير :
ومن دلائل القدرة الإلهية خلق السماوات سقفا مرفوعا ممتدا بدون عمد، وخلق الأرض وإعمارها بالجبال والبحار والأنهار والفضاء والهواء.
ومن دلائل القدرة اختلاف اللغات والأصوات من عربية وعجمية وتركية، وإنجليزية وفرنسية وأردية واختلاف الألوان من أبيض وأسود وأحمر، واختلاف الهيئات والسمات بحيث وقع التمايز والتعارف حتى لا يشتبه شخص بشخص ولا إنسان بإنسان، مع أنهم جميعا من ذرية آدم.
﴿ إن في ذلك لآيات للعالمين ﴾.
أي دلائل لائحة لأولي العلم الذين يتفكرون فيما خلق الله فيعلمون أنه لم يخلق الخلق عبثا بل خلقه لحكمة بالغة فيها عبرة لمن تذكر.
تمهيــد :
تتحدث الآيات عن جوانب القدرة الإلهية فهو سبحانه خلق آدم من تراب وخلق ذريته من نطفة مرت بمراحل إلى ان صارت خلقا آخر، وهو الذي خلق للرجل زوجة من جنسه ليأنس إليها وجعل بين الزوجين الشفقة والمحبة، والرأفة، وهو خالق الكون وخالق الإنسان من طين الأرض فمنه الأصيل ومنه الكفور.
ومن فضل الله علينا نعمة النوم بالليل والنهار ونعمة اليقظة والبحث عن الرزق وتنوع الناس في السفر والتجارة والعمل.
ومن آيات الله تسخير السحاب والبرق والرعد والمطر وكذلك الإحياء والإماتة والبعث والحشر والحساب والجزاء.
﴿ ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ﴾.
المفردات :
منامكم بالليل والنهار : نومكم فيهما لاستراحة الجسد والنفس والفكر.
يسمعون : سماع تدبر وتفهم.
التفسير :
ومن دلائل القدرة نومكم في ظلمة الليل ووقت الظهيرة بالنهار راحة لأبدانكم وطلبكم الرزق بالنهار.
قال تعالى :﴿ وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا. ﴾ ( النبأ : ٩-١١ ).
أي : جعلنا النوم راحة تامة تقطع العمل والحركة وجعلنا الليل سكنا وهدوءا مناسبا للراحة وجعلنا النهار يقظة وحركة وطلبا للمعاش.
﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ﴾.
سماع تفهم واستبصار، فيتعظون بذلك ويدركون أن صانع ذلك لا يعجزه بعث العالم وإعادته.
من هدي السنة :
كان صلى الله عليه وسلم إذا وضع جنبه للنوم يقول : " باسمك اللهم ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت روحي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ". vi
وإذا استيقظ من النوم يقول :" الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ". vii
وإذا أرق من الليل يقول : " اللهم غارت النجوم وهدأت العيون وأنت حي قيوم، يا حي قيوم أنم عيني وأهدئ ليلي ". viii
وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة هذا الدعاء عند الأرق " اللهم رب السماء وما أظلت والأرضين وما أقلت، والشياطين وما أضلت كن لي جارا من شرار خلقك عز جارك ". ix
تمهيــد :
تتحدث الآيات عن جوانب القدرة الإلهية فهو سبحانه خلق آدم من تراب وخلق ذريته من نطفة مرت بمراحل إلى ان صارت خلقا آخر، وهو الذي خلق للرجل زوجة من جنسه ليأنس إليها وجعل بين الزوجين الشفقة والمحبة، والرأفة، وهو خالق الكون وخالق الإنسان من طين الأرض فمنه الأصيل ومنه الكفور.
ومن فضل الله علينا نعمة النوم بالليل والنهار ونعمة اليقظة والبحث عن الرزق وتنوع الناس في السفر والتجارة والعمل.
ومن آيات الله تسخير السحاب والبرق والرعد والمطر وكذلك الإحياء والإماتة والبعث والحشر والحساب والجزاء.
﴿ ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ﴾.
المفردات :
البرق : شرارة كهربائية تظهر في الجو نتيجة احتكاك السحب وينشأ عنها الرعد.
خوفا : للمسافر من الصواعق.
وطمعا : في الغيث للمقيم.
التفسير :
ومن دلائل قدرة الله أنه يريكم البرق والرعد والمطر خوفا من عذابه وطمعا في رحمته بنزول المطر خصوصا أهل البادية الذين يحرثون الأرض ويضعون البذر ويخافون من تأخر المطر، ويرجون نزوله، أو خوفا للمسافرين في البر الذين يمنعهم المطر من السفر وطمعا للمقيمين في نزول المطر لإصلاح الأرض ونجاح الزراعة.
وعادة يأتي بعد البرق والرعد المطر وأحيانا يصاحب المطر هذه الظواهر الطبيعية الكونية وعند مجيء المطر ونزول الماء يتحرك النبات وتهتز الأرض بالزراعة ويحيي الله الأرض بعد موتها، فمن استخدم عقله وفكره أدرك جوانب القدرة الإلهية التي سخرت هذا الكون وسيطرت عليه وسخرت السحاب والأمطار والرعد والبرق.
جاء في ظلال القران :
وظاهرة البرق ظاهرة ناشئة من النظام الكوني ويعللها بعضهم بأنها تنشأ من انطلاق شرارة كهربائية بين سحابتين محملتين بالكهرباء أو بين سحابة وجسم أرضي كقمة جبل مثلا ينشأ عنه تفريغ في الهواء يتمثل في الرعد الذي يعقب البرق وفي الغالب يصاحب هذا وذاك تساقط المطر نتيجة لذلك التصادم وأيا ما كان السبب فالبرق ظاهرة ناشئة عن نظام هذا الكون كما خلقه الباري وقدره تقديرا، ا ه.
والقرآن الكريم يتخذ مكن الظواهر الكونية وسيلة لوصل القلوب بالله، فإذا كان الكون خليقة حية متعاطفة متجاوبة مطيعة لربها خاضعة خاشعة، فالإنسان الذي يدب هذا الكوكب الأرضي واحد من خلائق الله ينبغي أن يتفق مع هذا الكون في طاعته وامتثاله لأمر الله.
ومن استخدم عقله وفكره وتدبر وتأمل في خلق الله أدرك أن وراء هذه الصنعة البديعة يدا حانية تحفظها وتمسكها.
تمهيــد :
تتحدث الآيات عن جوانب القدرة الإلهية فهو سبحانه خلق آدم من تراب وخلق ذريته من نطفة مرت بمراحل إلى ان صارت خلقا آخر، وهو الذي خلق للرجل زوجة من جنسه ليأنس إليها وجعل بين الزوجين الشفقة والمحبة، والرأفة، وهو خالق الكون وخالق الإنسان من طين الأرض فمنه الأصيل ومنه الكفور.
ومن فضل الله علينا نعمة النوم بالليل والنهار ونعمة اليقظة والبحث عن الرزق وتنوع الناس في السفر والتجارة والعمل.
ومن آيات الله تسخير السحاب والبرق والرعد والمطر وكذلك الإحياء والإماتة والبعث والحشر والحساب والجزاء.
﴿ ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ﴾
المفردات :
ان تقوم السماء والأرض بأمره : أن توجد في الفضاء بقدرته وتدبيره.
تخرجون : تفاجأون بالخروج من قبوركم تلبية لنداء الله.
التفسير :
ومن دلائل قدرته قيام السماء وارتفاعها في الفضاء بنظام دقيق وقيام الأرض مبسوطة وفوقها الجبال والهواء بأمر الله وقدرته.
فهو الذي خلق هذا الكون وسخره وأبدع نظامه، والكون كله خاضع لله خضوع القهر والغلبة، وكذلك السماء والأرض.
قال تعالى :﴿ ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين*فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ﴾. ( فصلت : ١١-١٢ ).
وقال تعالى :﴿ إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا... ﴾ ( فاطر : ٤١ ).
﴿ ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ﴾.
أي بيد الله البعث والحشر والحساب والجزاء فإذا انتهى أمر الدنيا أمر الله القبور أن تلقى من فيها وأمر الروح أن تعود للأجسام وحشر الخلائق أجمعون.
قال تعالى :﴿ وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ﴾. ( الكهف : ٤٧ ).
وقال تعالى :﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ﴾. ( الإسراء : ٥٢ ).
وقال تعالى :﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون ﴾. ( يس : ٥٣ ).
***
﴿ وله من في السموات والأرض كل له قانتون( ٢٦ ) وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم( ٢٧ ) ﴾
المفردات :
قانتون : منقادون خاضعون.
التفسير :
﴿ وله من في السموات والأرض كل له قانتون ﴾.
أي جميع من في الكون من إنس وجن وملك، وما عسى أن يكون به من مخلوقات لا علم لنا بها، هؤلاء جميعا خاضعون لما يريد الله بهم من موت أو حياة وحركة أو سكون، فبيد الله الخلق والأمر وهو على كل شيء قدير.
﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ﴾.
المفردات :
المثل الأعلى : الوصف الأعظم.
العزيز : الغالب.
التفسير :
الله تعالى بدأ خلق الكون كله قال تعالى :﴿ لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ﴾. ( غافر : ٥٧ ).
والله تعالى يعيد هذا الكون بالبعث بعد الموت والإعادة أهون من البدء بالنسبة للمخاطبين وإلا فالله تعالى ليس عليه هين أهون، فجميع الأمور في قبضته وتحت قدرته.
قال تعالى :﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ﴾. ( يس : ٨٢-٨٣ ).
والمقصود من الآية التقريب بالنسبة لعقول المنكرين للبعث والإعادة، فإن إعادة شيء من مادته الأولى أهون على الناس من إيجاده ابتداء.
وقصارى ذلك :
إنه أهون عليه بالإضافة إلى أعمالكم، وبالقياس إلى أقداركم وذهب بعض المفسرين إلى أن " أفعل التفضيل " على غير بابها فيكون معنى :﴿ وهو أهون عليه ﴾. وهو هين عليه.
﴿ وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ﴾.
وله الوصف الأعلى الذي ليس لغيره ما يدانيه فيهما، كالقدرة العامة والحكمة التامة، فكل شيء بدءا وإعادة وإيجادا وإعداما عنده على حد سواء، ولا مثل له ولا ند فهو منزه عن النظير والمثيل. ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾. ( الشورى : ١١ ).
﴿ وهو العزيز ﴾. الغالب الذي لا يغلب ولا يغالب.
﴿ الحكيم ﴾. في تدبير خلقه وتصريف شؤونه فيما أراد وفق الحكمة والسداد.
***
﴿ ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون( ٢٨ ) بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين( ٢٩ ) ﴾
المفردات :
من أنفسكم : منتزعا من أحوال أنفسكم التي هي أقرب الأمور إليكم وأعرفها عندكم.
ملكت أيمانكم : مماليككم وعبيدكم.
فيما رزقناكم : من العقار والمنقول.
فأنتم فيه سواء : يتصرفون فيه كتصرفكم.
تخافونهم : تخافون أن يستبدلوا بالتصرف فيه.
كخيفتكم أنفسكم : كما يخاف الأحرار بعضهم من بعض.
نفصل الآيات : نبينها بالتمثيل الكاشف للمعاني.
التفسير :
﴿ ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ﴾.
أي إن الله تعالى يضرب لكم مثلا منتزعا من أنفسكم تشاهدونه وتفهمونه وهو :
هل يقبل أحدكم أن يكون عبده شريكا له في ماله يتصرف العبد في ماله تصرفا كاملا بدون الرجوع إليه فيكون العبد وسيده سواء في التصرف في المال والعقار ؟
﴿ فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم... ﴾
هذا من تتمة المثل أي لستم وعبيدكم سواء في أموالكم، وأنتم لا تعطون عبيدكم حرية التصرف في أموالكم بحيث تخافون أن يستبدوا بالتصرف فيها كما يخاف الأحرار بعضهم من بعض.
وإذا كنتم لا ترضون لأنفسكم أن يشارككم عبيدكم في أموالكم وتصرفاتكم فكيف رضيتم لله تعالى شريكا له في خلقه وملكه، حيث كانوا يقولون في تلبيتهم بالحج : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكا هو له تملكه وما ملك.
﴿ كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ﴾.
كذلك نوضح المعاني بضرب الأمثال وإخراج المعقول في صورة المحسوس لتتضح الحقيقة كاملة أمام عيونكم فتتحرك عقولكم إلى التأمل والتدبر في أن أحدكم يأنف أن يساويه عبده في التصرف في أمواله فكيف تجعلون لله أندادا من خلقه ؟
﴿ بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين ﴾.
التفسير :
لقد ذكرنا عددا من الأدلة على وجود الله، وأرسلنا رسولنا إليهم، وأنزلنا عليه كتابا مبينا لهدايتهم، لكنهم اختاروا اتباع الهوى وتقليد الآباء، وآثروا عبادة الأصنام باتباع أهوائهم في عبادتها، وتقليد الأسلاف في ذلك كما يقول القرطبي في تفسير الآية، أ ه.
فلا أحد يستطيع هداية من أضلهم الله عن الحق بسبب إعراضهم عنه وما لهؤلاء من ناصرين يخلصونهم من الضلال وتبعاته.
قال ابن كثير : وما لهم من ناصرين ليس. لهم من قدرة الله منقذ ولا مجير.
وقال القاسمي : لا يقدر على هدايته أحد وما لهم من ناصرين. أي ينصرونهم من الله إذا أراد بهم عذابا.
﴿ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون( ٣٠ ) منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين( ٣١ ) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون( ٣٢ ) ﴾
المفردات :
أقم : من أقام العود وقومه إذا عدله والمراد الإقبال على دين الإسلام والثبات عليه.
حنيفا : من الحنف وهو الميل فهو مائل عن الضلالة إلى الاستقامة ويطلق الحنيف على صحيح الميل للإسلام وعلى دين إبراهيم ذكره صاحب القاموس.
الفطرة : الحال التي خلق الله الناس عليها، من القابلية للحق والتهيؤ لإدراكه.
خلق الله : هو فطرته المذكورة أولا.
القيم : المستقيم الذي لا عوج فيه.
تمهيــد :
هذه الآيات توجيه للرسول صلى الله عليه وسلم أن يثبت على الإسلام مخلصا له غير ملتفت عنه يمنة أو يسرة فهو فطرة الله التي خلق العقول معترفة بها.
التفسير :
﴿ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون ﴾.
أي أعرض عن هؤلاء المشركين الضالين، وأقبل بذلك على دين الإسلام، معرضا عن المشركين، فالإسلام دين الفطرة البشرية، التي فطر الله الناس عليها، وخلق عقولهم قابلة للاهتداء إلى الحق، والإيمان بالله واليقين بأن هذا الكون البديع المنظم لابد له من إله قادر منصف بكل كمال.
﴿ لا تبديل لخلق الله... ﴾
خبر مراد منه النهي، أي : لا تبدلوا دين الله وخلقته التي خلق الناس عليها.
وقال الفخر الرازي :
لا تبديل لخلق الله.... بل كلهم عبيد لا خروج لهم عن ذلك، حتى إن سألتهم من خلق السموات والأرض، يقولون الله، لكن الإيمان الفطري غير كاف.
ذلك الدين القيم... أي : المستقيم الذي لا عوج فيه.
ولكن أكثر الناس لا يعلمون. أن ذلك هو الدين المستقيم الذي يجب الإيمان به لعدم تدبرهم، وإهدارهم عقولهم.
تمهيــد :
هذه الآيات توجيه للرسول صلى الله عليه وسلم أن يثبت على الإسلام مخلصا له غير ملتفت عنه يمنة أو يسرة فهو فطرة الله التي خلق العقول معترفة بها.
﴿ منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ﴾.
المفردات :
منيبين إليه : راجعين إليه بالتوبة والإخلاص من أناب إذا رجع مرة بعد أخرى.
اتقوه : خافوه.
التفسير :
سبق أن أمر الله نبيه ومن آمن به بالتوجه لهذا الدين، وإخلاص العبادة لله وحده، فهو دين الفطرة، ولما كان الخطاب للنبي وأمته، أو من آمن به، أو لكل من يتأتى منه الخطاب، جاءت هذه الآية بلفظ الجمع.
﴿ منيبين إليه واتقوه.. ﴾
أي أقيموا وجوهكم- أيها الناس- لخالقكم وحده، حال كونكم راجعين إليه بالتوبة والإنابة المتكررة، مقبلين عليه بالاستغفار والتوبة، متقين له في كل أحوالكم.
﴿ وأقيموا الصلاة... ﴾
داوموا على الصلاة في خشوع واطمئنان.
﴿ ولا تكونوا من المشركين. ﴾
الذين يقصدون الرياء والسمعة، أو يعبدون معه الملائكة أو الجن، أو البقر أو الشجر، أو الملوك أو غير ذلك، بل أخلصوا له العبادة وحده سبحانه، لأن العبادة لا تنفع إلا مع الإخلاص له وحده.
تمهيــد :
هذه الآيات توجيه للرسول صلى الله عليه وسلم أن يثبت على الإسلام مخلصا له غير ملتفت عنه يمنة أو يسرة فهو فطرة الله التي خلق العقول معترفة بها.
﴿ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون. ﴾
المفردات :
فرقوا دينهم : اختلفوا فيما يعبدونه على حسب اختلاف أهوائهم.
شيعا : فرقا، تشايع كل فرقة إمامها الذي مهد لها دينها وقرره ووضع أصوله.
كل حزب : الحزب : الطائفة من الناس والجمع : أحزاب.
التفسير :
أي لا تكونوا من المشركين الذي اختلفوا في شان دينهم اختلافات شتى، على حسب أهوائهم، وصاروا شيعا وفرقا وأحزابا متنازعة.
﴿ كل حزب بما لديهم فرحون. ﴾
أي كل حزب منهم صار مسرورا بما لديه من دين باطل، وملة فاسدة، وعقيدة زائفة، وهذا الفرح بالباطل سببه جهلهم وانطماس بصائرهم عن الانقياد للحق.
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير ما يأتي :
منيبين إليه واتقوه... أثبت التوحيد الذي هو مخرج عن الإشراك.
﴿ ولا تكونوا من المشركين. ﴾
أراد إخراج العبد عن الشرك الخفي، أي لا تقصدوا بعملكم إلا وجه الله، ولا تطلبوا به إلا رضاء الله، فإن من حصل على رضا الله، فقد حصل على سعادة الدنيا والآخرة.
﴿ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا. ﴾
يعنى لم يجتمعوا على الإسلام، وذهب كل واحد إلى مذهب، ويحتمل أن يقال وكانوا شيعا... يعني بعضهم عبد الله للدنيا، وبعضهم للجنة، وبعضهم للخلاص من النار، وكل واحد بما في نظره فرح، وأما المخلص فلا يفرح بما يكون لديه، وإنما يكون فرحه بأن يرضي الله، ويقف بين يديه، وذلك لأن كل ما لدينا نافد لقوله تعالى : ما عندكم ينفد وما عند الله باق... ( النحل : ٩٦ ) فلا مطلوب لكم فيما لديكم حتى تفرحوا به، وإنما المطلوب ما لدى الله وبه الفرح، كما قال تعالى :
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله... ( آل عمران : ١٦٩-١٧٠ ).
جعلهم فرحين بكونهم عند ربهم ويكون ما أوتوا من فضله الذي لا نفاد له.
ولذلك قال تعالى : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا... ( يونس : ٥٨ ) لا بما عندهم فإن كل ما عند العبد نافد. x
***
﴿ وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون( ٣٣ ) ليكفروا بما ءاتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون( ٣٤ ) أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون( ٣٥ ) وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون( ٣٦ ) أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون( ٣٧ ) ﴾
المفردات :
مس الناس : أصابهم شيء قليل.
ضر : قحط وشدة وهزال ومرض وغير ذلك.
يشركون : يشركون به غيره في العبادة.
التفسير :
﴿ وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون. ﴾
إذا مس هؤلاء المشركين الذين يعبدون مع الله إلها آخر، ضر. فأصابهم جدب وقحط، أو أي بلاء وشدة، كالمرض أو التعرض للخطر، في جو أو بحر أو بر، ونحو ذلك من حالات الاضطرار، تضرعوا إلى الله مستغيثين به، مقبلين عليه راجعين إليه، حتى إذا كشف عنهم البلاء، وأسبغ عليهم النعمة والخصب والسعة، إذا جماعة منهم يشركون به فيعبدون معه الآلهة والأوثان.
فما أعجب هذا الإنسان عند الشدة والبلاء والخوف والاضطرار يدعو ربه مخلصا له الدين، متقربا إليه وحده لا شريك له، فإذا استجاب الله دعاءه، وكشف عنه الضر، وأسبغ عليه النعمة، نجد طائفة من الناس تشرك بالله آلهة أخرى، وتعبد معه سواه.
﴿ ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون. ﴾
المفردات :
ليكفروا : ليجحدوا النعمة التي أعطيت لهم.
تمتعوا : انتفعوا به كما شئتم.
التفسير :
أي : فليجحدوا نعمتي كيف شاءوا وليستمتعوا بمتع الدنيا ورخائها فمتاعها قليل زائل.
فسوف تعلمون : عقابي وشدة عذابي في الآخرة على كفركم في الدنيا.
والفعل في الآية فعل أمر للتهديد مثل قوله تعالى : اعملوا ما شئتم.... ( فصلت : ٤٠ ).
أي : اكفروا وتمتعوا بالملاذ في دنياكم فإن العذاب ينتظركم في الآخرة على كفركم في الدنيا.
قال بعضهم : والله لو توعدني حارس درب لخفت منه فكيف والمتوعد هنا هو الذي يقول للشيء كن فيكون.
﴿ أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون. ﴾
المفردات :
سلطانا : حجة وبرهانا.
التفسير :
والاستفهام هنا استفهام إنكاري والمعنى : هل نزل عليهم ملك أو كتاب أو حجة فيها تقرير ما يفعلون من عبادة الأوثان، أو فيها دليل لهم يبيح لهم الشرك.
والجواب معروف، وهو أن الله لم ينزل عليهم كتابا ولم يبعث لهم رسولا ولا حجة تبيح لهم الشرك، بل هو عمل اخترعوه من عند أنفسهم.
﴿ وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون. ﴾
المفردات :
وإن تصبهم سيئة : بلاء وعقوبة.
يقنطون : ييأسون من رحمة الله.
التفسير :
من شأن الإنسان إذا جاءت إليه النعمة والصحة، والمال والأولاد والجاه والسلطان وأشباه ذلك، فرح بهذا فرح البطر والأشر، وإذا سلبت عنه النعمة بسبب سلوكه وارتكابه للمعاصي والآثام، إذا به يصيبه القنوط واليأس من روح الله وفضله، وهذا إنكار على الإنسان من حيث هو إنسان، فهو جازع في البأساء، شحيح في النعماء، ما عدا المؤمن فهو صابر في البأساء، شاكر لربه في النعماء.
روى مسلم في كتاب الزهد، والرقائق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عجبا للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ". xi
﴿ أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون. ﴾
المفردات :
ويقدر : ويضيق.
التفسير :
أو لم يشاهدوا بأعينهم أن الله تعالى له حكمة إلهية عليا، فهو يبسط الرزق لمن يشاء، فيعطيه المال والصحة، أو الجاه والسلطان أو أشباه ذلك.
ويقدر. ويضيق على من يشاء لحكمة إلهية يعلمها سبحانه.
لذلك لا ينبغي للإنسان أن يقنط أو ييأس عند التقتير في الرزق ولا يجوز له أن يبطر أو يطغى عند وجود الغنى والخير.
﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون. ﴾
دليل لمن آمن بالله، وأن بيده الخلق والأمر، وتوسيع الرزق وتضييقه، فأسلم القياد له سبحانه وصبر في البأساء وشكر على النعماء.
قال تعالى : ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير. ( الشورى : ٢٧ ).
فكم أخفق الجادون ونجح المبطلون، لحكمة يعلمها الله، ونحن نحني رؤوسنا لمشيئته وحكمته.
﴿ فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون( ٣٨ )وما ءاتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما ءاتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون( ٣٩ )الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذالكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون( ٤٠ ) ﴾
المفردات :
حقه : هو صلة الرحم والبر به.
والمسكين : المعدم الذي لا مال له أو له شيء لا يقوم بكفايته.
وابن السبيل : المسافر المحتاج على نفقة سفره.
يريدون وجه الله : يقصدونه بمعروفهم خالصا.
تمـهيـد :
إذا كان الغنى والفقر بيده سبحانه وهو سبحانه كريم رحيم فتعطف على ذوي القربى والمسكين وابن السبيل وساعد المحتاجين والفقراء فإن الله مخلف على المنفقين وهو سبحانه الخالق الرازق المحيي المميت ولا تستطيع الأصنام أن تصنع شيئا من ذلك.
التفسير :
﴿ فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون. ﴾
أعط أيها النبي الكريم ومن تبعك من المؤمنين، القرابة حقوقهم من الصلة والعطف عليهم ومساعدتهم وقد حكى عن أبي حنيفة أنه استدل بهذه الآية على وجوب النفقة على كل ذي رحم محرم.
والسورة مكية، لكنها تحدثت عن وجوب الإنفاق على فئات من الفقراء والمحتاجين ثم فصلت الزكاة وحددت مصارفها في المدينة، وقد بين القرآن أن المال مال الله وأن العبد مستخلف عن الله في هذا المال لذلك يجب أن يؤدي حقوق الله فيه ومن هذه الحقوق : الزكاة والصدقة وصلة الرحم ورعاية المسكين وابن السبيل وكفالة اليتيم وتمكين العاجز عن العمل من مهنة يتكسب منها.
قالت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم، عندما نزل عليه الوحي لأول مرة : إنك لتصل الرحم وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الزمان والله لا يخزيك الله أبدا. xii
تلك هي أخلاق الإسلام في المؤاخاة والتكافل والتراحم والتعاون.
قال القاسمي في تفسير الآية :
﴿ فآت ذا القربى حقه.... ﴾ أي من البر والصلة واستدل به أبو حنيفة- رحمه الله على وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب لأن فآت أمر للوجوب.
والظاهر من «الحق » أنه مالي وهو استدلال متين.
﴿ والمسكين ﴾ وهو الذي لا شيء له ينفق عليه أو له شيء لا يقوم بكفايته.
﴿ وابن السبيل ﴾ : أي السائل في الطريق والذي انقطع به الطريق فلا يستطيع مواصلة السفر.
وحقهما هو نصيبهما من الصدقة والمواساة. xiii
وقال القرطبي :
واختلف في هذه الآية فقيل : إنها منسوخة بآية المواريث وقيل : لا نسخ بل للقريب حق لازم في البر على كل حال وهو الصحيح وقال مجاهد وقتادة : صلة الرحم فرض من الله عز وجل حتى قال مجاهد : لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاج. أه.
﴿ ذلك خير للذين يريدون وجه الله.... ﴾ أي : هذه النفقة والرعاية والعطف والمواساة، خير وفضل لمن أنفق عليهم وأعطاهم المال والرعاية ابتغاء ثواب الله وفضله، أو أملا في النظر إليه يوم القيامة.
﴿ وأولئك هم المفلحون ﴾ الفائزون في الدنيا والآخرة.
وكون هذا الإعطاء خيرا لأنه سبب التكافل والتعاون بين المسلمين، وفي التعاون والتكافل قوة وتوادد وتراحم وتآزر وتخلص من أمراض الفقر والتمزق والحقد والحسد.
تمـهيـد :
إذا كان الغنى والفقر بيده سبحانه وهو سبحانه كريم رحيم فتعطف على ذوي القربى والمسكين وابن السبيل وساعد المحتاجين والفقراء فإن الله مخلف على المنفقين وهو سبحانه الخالق الرازق المحيي المميت ولا تستطيع الأصنام أن تصنع شيئا من ذلك.
﴿ وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فاولئك هم المفلحون. ﴾
المفردات :
ربا : زيادة وفضلا والمراد به : الهداية التي يتوقع بها مزيد مكافأة.
فلا يربو عندالله : فلا يزيد عند الله فهو مباح ولكن لا ثواب فيه.
الزكاة : الصدقة، لأن السورة مكية والزكاة فرضت في المدينة أو مطلق الإنفاق.
المضعفون : الذين يضاعف الله لهم الثواب والجزاء.
التفسير :
للمفسرين في هذه الآية رأيان :
الأول : أن الربا في الآية يراد به : الهدية يقدمها إنسان إلى الأغنياء يرجو أن يعوضوه أحسن منها وهذا مباح وإن كان لا ثواب فيه لأنه قصد بهديته ثواب الدنيا والتربح منها فقد أخذ عوضه من الناس.
الرأي الثاني : أن الآية نزلت في الزيادة التي حرمها الشارع.
قال ابن عباس :
الربا نوعان : ربا لا يصح وهو ربا البيع.
وربا لا بأس به وهو هدية الرجل يريد فضلها وإضعافها ثم تلا هذه الآية : وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله.
وقد رجح القاسمي أن هذه الآية في التحذير من الربا المحرم وذكر خمسة أدلة :
الأول : أن هذه الآية شبيهة بقوله تعالى : يمحق الله الربا ويربي الصدقات.... ( البقرة : ٢٧٦ ) وهي في ربا البيع الذي كان فاشيا في أهل مكة، حتى صار ملكة راسخة فيهم امتصوا بها ثروة كثير من البؤساء مما خرج عن طور الرحمة والشفقة، والكمال البشرى فنعى عليهم حالهم طلبا لتزكيتهم بتوبتهم منه ثم أكد ذلك في مثل هذه الآية مبالغة في الزجر. xiv
وقد استرسل القاسمي في ذكر أدلة على أن الآية يراد بها الربا الذي حرمه الله تعالى بعد ذلك تحريما قاطعا وأن المقصود من الآية التنفير من الربا على سبيل التدرج في التشريع حتى إذا جاء التحريم النهائي له تقبلته نفوس الناس بدون مفاجأة لهذا التحريم. xv
وقال الألوسي : الظاهر أن المراد بالربا هنا الزيادة المعروفة في المعاملة التي حرمها الشارع ويشهد لذلك ما روى السدي من أن الآية نزلت في ربا ثقيف كانوا يرابون وكذلك كانت قريش تتعاطى الربا.
ورجح الزمخشري في تفسير الكشاف أن المراد بالآية تحري الربا وبيان أن الله لا يبارك للمرابي في ماله بل يبارك للمزكي والمتصدق.
﴿ وما آتيتم من زكاة تريدون به وجه الله فأولئك هم المضعفون. ﴾
ومن أعطى صدقة أو زكاة يقصد بها وجه الله خالصا فله الثواب المضاعف والجزاء الأفضل عند الله تعالى.
قال تعالى : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة... ( البقرة : ٢٤٥ ).
وقال سبحانه : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم.... ( الحديد : ١١ ).
وقد أخرج البخاري، ومسلم، والنسائي، والترمذي، وابن ماجة، وابن خزيمة في صحيحه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "........ وما تصدق أحد بعدل ثمرة من كسب طيب إلا أخذها الرحمان بيمينه فيربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه او فصيله حتى تصير الثمرة أعظم من حبل أحد ". xvi
تمـهيـد :
إذا كان الغنى والفقر بيده سبحانه وهو سبحانه كريم رحيم فتعطف على ذوي القربى والمسكين وابن السبيل وساعد المحتاجين والفقراء فإن الله مخلف على المنفقين وهو سبحانه الخالق الرازق المحيي المميت ولا تستطيع الأصنام أن تصنع شيئا من ذلك.
﴿ الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون. ﴾
التفسير :
كان المشركون يقرون لله بالخلق والإيجاد فالله تعالى خالق هذا الكون وخالق الإنسان وهو سبحانه الرازق ومسبب أسباب الرزق بتسخير السحاب والأمطار وإنبات النبات وتسخير السفن في البحر وتيسير الصيد من البحر والبر وتيسير التجارة والزراعة، وأنواع المكاسب لإعمار الأرض حيث قدر في الأرض أرزاقها واستعمرنا فيها وبيد الله الموت وقبض الروح والبعث والإحياء يوم القيامة.
ثم يستفهم القرآن استفهاما إنكاريا مرادا به التوبيخ والتقريع فيقول :
﴿ هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون. ﴾
هل من الأصنام أو الآلهة المدعاة التي تعبدونها من يفعل شيئا من الخلق أو الرزق أو الإماتة أو الإحياء.
وهو استفهام إنكاري للتقريع والتوبيخ أي : لا يقدر أحد من الأصنام أو الشركاء أن يفعل شيئا من ذلك.
﴿ سبحانه وتعالى عما يشركون. ﴾
تنزه الله تعالى وتسامى أن يكون له شريك في ألوهيته، من صنم أو وثن أو ملك أو جن أو عزيز أو مسيح فالجميع عباد خاضعون لله، لا شركاء له.
قال تعالى : ما اتخذ الله من ولد وما كانا معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحانه الله عما يصفون. ( المؤمنون : ٩١ ).
***
﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون( ٤١ ) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين( ٤٢ ) فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون( ٤٣ ) من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون( ٤٤ ) ليجزي الذين ءامنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين( ٤٥ ) ﴾
المفردات :
ظهر الفساد : الفساد : الخلل في الأشياء كالجدب والقحط وقلة النبات وكثرة الحروق والغرق و أخد المال ظلما وكثرة المضار وقلة المنافع.
البر : الجزء اليابس من الأرض.
البحر : الجزء المائي والمراد من أهل البر سكان القرى والمدن والفيافي وأهل البحر سكان السواحل وركاب البحار.
بما كسبت : بسبب معاصيهم وذنوبهم.
ليذيقهم بعض : ليذيقهم وبال بعض أعمالهم وعقوبته في الدنيا.
يرجعون : يتوبون.
تمـهيــد :
تشير الآيات إلى عدالة السماء، وبيان أن الله تعالى يعجل العقوبة على بعض الناس في الدنيا، انتقاما عاجلا علهم يتوبون وقد انتقم الله من أمم سابقة كعاد وثمود، فعجل بالتوبة والاستقامة والتمسك بالإسلام قبل أن يأتي يوم القيامة فيتفرق الناس حسب أعمالهم فالكافر يلقى عقوبة كفره والصالح يزيده الله من فضله.
التفسير :
﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. ﴾
أي : انتشر الغلاء والوباء والخلل والانحراف ونقص الزروع والأنفس والثمرات وقلة المطر وكثرة الجدب والقحط والتصحر بسبب شؤم معاصي الناس وذنوبهم من الكفر والظلم، وانتهاك الحرمات ومعاداة الدين الحق والاعتداء على الحقوق ومعصية الله على وجه الأرض وعلى ظهر السفن في لجج البحر ليذيقهم الله تعالى جزاء بعض عملهم وسوء صنيعهم لعلهم يرجعون عما هم عليه ويتوبون إلى الله تعالى في الدنيا قبل الموت.
تمـهيــد :
تشير الآيات إلى عدالة السماء، وبيان أن الله تعالى يعجل العقوبة على بعض الناس في الدنيا، انتقاما عاجلا علهم يتوبون وقد انتقم الله من أمم سابقة كعاد وثمود، فعجل بالتوبة والاستقامة والتمسك بالإسلام قبل أن يأتي يوم القيامة فيتفرق الناس حسب أعمالهم فالكافر يلقى عقوبة كفره والصالح يزيده الله من فضله.
﴿ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين. ﴾
المفردات :
عاقبة : عاقبة كل شيء آخره ونهايته والعبرة منه.
التفسير :
أي تأملوا في أخبار الأرض وقصص الأمم البائدة، الذين أهلكهم الله لشركهم المستتبع لكل عصيان كقوم نوح وعاد وثموذ وفرعون وقومه وقم لوط وقوم شعيب وأمثالهم من المكذبين للرسل الذي أهلكهم الله جزاء كفرهم وشركهم وترك آثارهم عظة وعبرة.
قال تعالى : فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عرشوها وبئر معطلة وقصر مشيد. ( الحج : ٤٥ ).
والمراد : اتعظوا واعتبروا بمن أهلكهم الله بسبب كفرهم وشركهم لتنجوا من المصير المحتوم الذي يصيب كل كافر وظالم.
تمـهيــد :
تشير الآيات إلى عدالة السماء، وبيان أن الله تعالى يعجل العقوبة على بعض الناس في الدنيا، انتقاما عاجلا علهم يتوبون وقد انتقم الله من أمم سابقة كعاد وثمود، فعجل بالتوبة والاستقامة والتمسك بالإسلام قبل أن يأتي يوم القيامة فيتفرق الناس حسب أعمالهم فالكافر يلقى عقوبة كفره والصالح يزيده الله من فضله.
﴿ فأقم وجهك للذين القيم من قبل أن تأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون. ﴾
المفردات :
أقم وجهك : وجه نفسك للعمل بالدين المستقيم.
القيم : البليغ الاستقامة وهو الإسلام.
لا مرد له : لا يقدر أحد أن يرده.
يصدعون : يتفرقون، فريق في الجنة وفريق في السعير.
التفسير :
اتجه بذاتك إلى الدين المستقيم وهو الإسلام عابدا لله مؤمنا بكتبه ورسله واليوم الآخر مستقيما على الطاعة، من قبل أن يأتي يوم القيامة حيث لا يستطيع إنسان أن يمنع مجيء هذا اليوم لأنه يأتي بأمر الله ومشيئته وقدره وما قدره الله وأراد حدوثه فلا راد له ولابد أن يكون ذلك اليوم الذي يتفرق فيه الناس بحسب أعمالهم ففريق في الجنة وفريق في السعير.
قال تعالى : ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون. ( الروم : ١٤ ).
تمـهيــد :
تشير الآيات إلى عدالة السماء، وبيان أن الله تعالى يعجل العقوبة على بعض الناس في الدنيا، انتقاما عاجلا علهم يتوبون وقد انتقم الله من أمم سابقة كعاد وثمود، فعجل بالتوبة والاستقامة والتمسك بالإسلام قبل أن يأتي يوم القيامة فيتفرق الناس حسب أعمالهم فالكافر يلقى عقوبة كفره والصالح يزيده الله من فضله.
﴿ من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون. ﴾
المفردات :
يمهدون : يوطئون منزلهم ويسوونه في الجنة.
التفسير :
﴿ من كفر ﴾ فعليه وبال كفره.
قال الزمخشري : كلمة جامعة لما لا غاية وراءه من المضار لأن من ارتكب ضرر الكفر فقد أحاطت به كل مضرة، أ ه.
أي فعلى الكافر إثم الكفر وعقوبته ووزره و سوء عاقبته ومن آمن بالله وعمل الأعمال الصالحة فقد مهد لنفسه فراشا وثيرا مريحا ومسكنا فسيحا وقرارا دائما في الجنة.
فمعنى ﴿ يمهدون ﴾ : يجهزون الفراش ويعدون المنزل في الجنة توطئة من يريد الراحة والاستقرار على أسرة الجنة وفرشها.
تمـهيــد :
تشير الآيات إلى عدالة السماء، وبيان أن الله تعالى يعجل العقوبة على بعض الناس في الدنيا، انتقاما عاجلا علهم يتوبون وقد انتقم الله من أمم سابقة كعاد وثمود، فعجل بالتوبة والاستقامة والتمسك بالإسلام قبل أن يأتي يوم القيامة فيتفرق الناس حسب أعمالهم فالكافر يلقى عقوبة كفره والصالح يزيده الله من فضله.
﴿ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين. ﴾
التفسير :
أنا أجازي المؤمنين الصالحين بفضلي وإحساني وإنعامي فأكافىء الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله تفضلا وترحما ومكافأة بالحسنى زيادة.
قال تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون. ( يونس : ٣٦ ).
﴿ إنه لا يحب الكافرين. ﴾
إنه يبغض الكافرين ويعاقبهم عقابا عادلا لا جور فيه وفيه تهديد ووعيد.
قال تعالى : أفنجعل المسلمين كالمجرمين *ما لكم كيف تحكمون* أم لكم كتاب فيه تدرسون* إن لكم فيه لما تخيرون. ( القلم : ٣٥-٣٨ ).
***
﴿ ومن ءاياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون( ٤٦ ) ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين( ٤٧ ) الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون( ٤٨ )وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين( ٤٩ ) فانظر إلى ءاثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير( ٥٠ )ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون( ٥١ ) ﴾
المفردات :
ومن آياته : من دلائل قدرته.
الرياح : رياح الخير والرحمة، وهي الشمال والصبا والجنوب و أما الدبور فريح العذاب قال صلى الله عليه وسلم " اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا ".
مبشرات : مبشر بالخير وهو المطر.
ليذيقكم من رحمته : نزول المطر وحصول الخصب والمنافع.
الفلك بأمره : السفن بإذنه عند هبوب الريح.
ولعلكم تشكرون : ولتشكروا نعم الله عليكم.
تمهيــد :
القرآن الكريم يراوح في أسلوبه ويتخول النفوس بالموعظة، فقد تحدث فيما سبق عن الفساد في الأرض وعن عقوبة المفسدين وهنا يتحدث عن أدلة القدرة الإلهية في إرسال الرياح وإنزال المطر وإنبات النبات وتخلل ذلك التسرية عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ليس أول من كذبه الناس فقد كذبت رسل سابقة كنوح ولوط، وإبراهيم وموسى ثم انتقم الله من المكذبين وفي هذا تهديد ووعيد أهل مكة.
التفسير :
﴿ ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ﴾
من آيات القدرة الإلهية أن الله تعالى يحفظ هذا الكون ويمده بعوامل البقاء والنماء فهو سبحانه يرسل الرياح بين يدي المطر لتبشر الناس بقدوم المطر فيحرثون أرضهم ويبذرون الزرع ثم ينزل المطر فيعم الخصب والنماء وتحيا الأرض ويخضر الزرع وتتحرك السفن في البحر بحركة الرياح.
ثم يأكل الإنسان والحيوان وتنقل السفن التجارة والزراعة، من مكان على مكان فيستفيد البائع والمشترى وينتفع الناس وعندئذ يجب أن يشكروا الله تعالى الذي أنعم عليهم بالعديد من النعم.
قال تعالى :﴿ وما بكم من نعمة فمن الله.... ﴾ ( النحل : ٥٣ ).
وقال تعالى :﴿ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.... ﴾ ( النحل : ١٨ ).
تمهيــد :
القرآن الكريم يراوح في أسلوبه ويتخول النفوس بالموعظة، فقد تحدث فيما سبق عن الفساد في الأرض وعن عقوبة المفسدين وهنا يتحدث عن أدلة القدرة الإلهية في إرسال الرياح وإنزال المطر وإنبات النبات وتخلل ذلك التسرية عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ليس أول من كذبه الناس فقد كذبت رسل سابقة كنوح ولوط، وإبراهيم وموسى ثم انتقم الله من المكذبين وفي هذا تهديد ووعيد أهل مكة.
﴿ ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين. ﴾
المفردات :
البينات : المعجزات والحجج الواضحات.
التفسير :
من حفظ الله لهذا الكون أنه سخر الشمس والقمر والرياح والأمطار والليل والنهار والنبات والثمر وسخر السفن ويسر التجارة والزراعة والصناعة ليستفيد الإنسان بإصلاح دنياه وليشكر ربه.
وقد أرسل الله الرسل وأنزل عليهم الكتب لهداية الناس فأنزل التوراة على موسى والزبور على داود، والصحف على إبراهيم والإنجيل على عيسى، والقرآن على محمد كما أعطى هؤلاء الرسل البينات والمعجزات فآمن بعض الناس وكفر أكثرهم فأرسل الله نقمته وعذابه على المكذبين وتكفل الله تعالى بنصر المؤمنين وجعل ذلك حقا واجبا عليه.
وقد يتأخر النصر لحكمة إلهية عليا، فمن الواجب ألا يياس المؤمنون بل عليهم أن يستمروا في أداء دعوتهم وتحقيق رسالتهم وأداء النصيحة والتحذير من الغواية ولا ينبغي للمؤمن أن يترك راية الحق بل هو يحمل رسالته ويمضي ويسلم الراية من جيل إلى جيل وقد تكفل الله يحفظ كتابه.
قال سبحانه :﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾. ( الأنبياء ١٠٥ ).
روى ابن أبي حاتم والطبراني والترمذي وابن مردويه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ثم تلا هذه الآية : وكان حقا علينا نصر المؤمنين ". xvii
قال الزمخشري : في قوله تعالى :﴿ وكان حقا علينا نصر المؤمنين ﴾، تعظيم للمؤمنين ورفع من شأنهم حيث جعلهم مستحقين عليه أن يظهرهم ويظفرهم.
تمهيــد :
القرآن الكريم يراوح في أسلوبه ويتخول النفوس بالموعظة، فقد تحدث فيما سبق عن الفساد في الأرض وعن عقوبة المفسدين وهنا يتحدث عن أدلة القدرة الإلهية في إرسال الرياح وإنزال المطر وإنبات النبات وتخلل ذلك التسرية عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ليس أول من كذبه الناس فقد كذبت رسل سابقة كنوح ولوط، وإبراهيم وموسى ثم انتقم الله من المكذبين وفي هذا تهديد ووعيد أهل مكة.
﴿ الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون. ﴾
المفردات :
تثير : تحرك.
يبسط : ينشر.
الودق : المطر.
التفسير :
يقرر القرآن هذه الحقائق المشاهدة أمام أعين الناي فهو سبحانه يرسل الرياح وفق ناموسه في تكوين الكون وتنظيمه وتصريفه فتنشئ سحابا بما تحمله من بخار الماء المتصاعد من كتلة الماء في الأرض حيث ترسل الشمس أشعتها فيتصاعد البخار صوب السماء فتحمله الرياح، فينشره الله في السماء ويوجهه إلى الجهة التي قدر لها أن يساق المطر إليها وأحيانا يجمع الله السحاب ويجعله قطعا، فترى المطر يخرج من وسطه فإذا نزل المطر على من يشاء الله من الخلائق إذا بهم قد استبشروا وفرحوا بما أصابهم من المطر فالماء حياة الزرع والضرع.
قال القاسمي في تفسيره :
إما سائرا وواقفا مطبقا وغير مطبق، من جانب دون جانب إلى غير ذلك، ويجعله كسفا أي قطعا تارة أخرى فترى الودق أي المطر أ ه.
تمهيــد :
القرآن الكريم يراوح في أسلوبه ويتخول النفوس بالموعظة، فقد تحدث فيما سبق عن الفساد في الأرض وعن عقوبة المفسدين وهنا يتحدث عن أدلة القدرة الإلهية في إرسال الرياح وإنزال المطر وإنبات النبات وتخلل ذلك التسرية عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ليس أول من كذبه الناس فقد كذبت رسل سابقة كنوح ولوط، وإبراهيم وموسى ثم انتقم الله من المكذبين وفي هذا تهديد ووعيد أهل مكة.
﴿ وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين. ﴾
المفردات :
لمبلسين : ساكنين متحيرين من شدة الحزن آيسين من إنزاله.
التفسير :
أي كان الناس قبل نزول المطر قد استحكم يأسهم من المطر فقد تطاول عليهم الجدب وبعد عهدهم بالمطر حتى يئسوا منه، وأبلسوا وقنطوا وانقطع رجاؤهم في نزول المطر فسبحان مغير الأحوال من اليأس إلى الرجاء ومن القنوط إلى البشرى ونزول الرحمة والنعمة.
تمهيــد :
القرآن الكريم يراوح في أسلوبه ويتخول النفوس بالموعظة، فقد تحدث فيما سبق عن الفساد في الأرض وعن عقوبة المفسدين وهنا يتحدث عن أدلة القدرة الإلهية في إرسال الرياح وإنزال المطر وإنبات النبات وتخلل ذلك التسرية عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ليس أول من كذبه الناس فقد كذبت رسل سابقة كنوح ولوط، وإبراهيم وموسى ثم انتقم الله من المكذبين وفي هذا تهديد ووعيد أهل مكة.
﴿ فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير. ﴾
التفسير :
أي تأمل أيها العاقل في اثر القدرة الإلهية في هذا الكون حيث أرسل الله المطر وتوجه إلى الأرض الميتة فأحياها بالنبات والزراعة، إن تأملك بعين قلبك سيعطيك الفهم والبصيرة والعظة، بأن من أحيا الأرض بعد موتها قادر على بعث الموتى وإخراجهم من قبورهم بعد جمع ما تفرق من أجزائهم الأصلية فهو سبحانه قادر على كل شيء.
ومن آثار هذه القدرة خلق هذا الكون وحفظه، وتسخير السحاب والمطر وإحياء الأرض بعد موتها كذلك إحياء الموتى وبعثهم من قبورهم للحساب والجزاء.
تمهيــد :
القرآن الكريم يراوح في أسلوبه ويتخول النفوس بالموعظة، فقد تحدث فيما سبق عن الفساد في الأرض وعن عقوبة المفسدين وهنا يتحدث عن أدلة القدرة الإلهية في إرسال الرياح وإنزال المطر وإنبات النبات وتخلل ذلك التسرية عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ليس أول من كذبه الناس فقد كذبت رسل سابقة كنوح ولوط، وإبراهيم وموسى ثم انتقم الله من المكذبين وفي هذا تهديد ووعيد أهل مكة.
﴿ ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون. ﴾
التفسير :
أي إذا أرسل الله ريحا عاتية تحمل التراب والغبار والإعصار فتلون الزرع واصفر وذبل وفقد الاخضرار والنضارة، فإن الناس تتغير بسرعة وتكفر بنعمة الله الذي ساق إليهم المطر وأحيا الأرض وأنبت الزرع فهم لا يحتملون البلاء ولا يصبرون على البأساء ولا يتأملون في أن المصيبة في الثمار قد تكون ابتلاء من الله تستحق الصبر على البأساء والرضا بأسباب القضاء.
قال القاسمي :﴿ ولئن أرسلنا ريحا ﴾، على الزرع ﴿ فرأوه مصفرا ﴾ أي : من تأثيرها فيه ﴿ لظلوا من بعده يكفرون ﴾، أي من بعد اصفراره يجحدون ما تقدم إليهم من النعم أو يقنطون ولا يصبرون على بلائه وفيه من ذمهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم ما لا يخفى. xviii أ ه.
والخلاصة : أن الناس ترى بأعينها أنعم الله متكررة، وإذا جاءت ريح ضارة أو سامة، فاصفر الزرع ومال إلى الفساد فإن الناس تتنكر للخالق الرازق وتنسى فضله السابق ولا تصبر بل تكفر.
﴿ فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين( ٥٢ )وما أنت بهاد العمي عن ظلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون( ٥٣ ) ﴾
المفردات :
لا تسمع الموتى : أي سماع تدبر واتعاظ، لأنهم سدوا عن الحق مشاعرهم.
ولا تسمع الصم : لأنهم قد أصيبوا بالصمم وهو نقل السمع والمفرد أصم.
إذا ولوا مدبرين : إذا أعرضوا عنك مولين قيد عدم السماع بالإعراض فإن الأصم إذا أقبل على السماع وان لم يسمع الكلام استفاد منه بواسطة الحركات على اللسان بعض الأشياء.
التفسير :
﴿ فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين. ﴾
هذه الآية تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من عناد المشركين فهم أشبه بالموتى وبالصم والعمى لعدم استعدادهم لسماع أدلة الهداية، سماع تدبر واتعاظ فإرشاد الميت محال وإرشاد الأصم صعب خصوصا في حالة إعراضه وإدباره وكذلك من مات قلبه وعميت بصيرته فإن من الصعب هدايته وتوجيهه.
والمعنى : أنت مبلغ عن الله عليك البلاغ وليس عليك هداهم فلا تيأس ولا تبتئس إذا أعرض المشركون عن دعوتك مع وضوح الأدلة أمامهم فإنك لا تستطيع أن تسمع الميت سماعا فيه الفهم والاستجابة.
وكذلك هؤلاء الكفار فقد ماتت قلوبهم وأنت لا تسمع الأصم المصاب بالصمم وكذلك لا تستطيع أن تسمع المشركين دعوتك لأنهم أصموا آذانهم وأعرضوا بعقولهم وأفكارهم عن الإسلام ولم يسمعوا لك سماع تفهم وتدبر.
قال تعالى :﴿ إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ﴾. ( البقرة : ٦-٧ ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في أعقاب تفسير الآيتين ٥٢ و٥٣ من سورة الروم :
تكلم المفسرون عن سماع الموتى، واستفادتهم بدعاء الحي لهم وخلاصة كلامهم أن من العلماء من أفاد أن الموتى لا يسمعون استدلالا بقوله تعالى : فإنك لا تسمع الموتى...
وذهبت طوائف من أهل العلم إلى سماعهم في الجملة، وقال ابن عبد البر : إن الأكثرين على ذلك وهو اختيار ابن جرير الطبري وكذا ذكره ابن قتيبة وغيره واحتجوا بما في الصحيحين عن أنس عن أبي طلحة رضي الله عنهما قال : لما كان يوم بدر وانتصر رسول الله صلى الله عليه على مشركي مكة، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ببضعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فألقوا في طوي أي : بئر من أطواء بدرـ وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم :" يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عتبة بن ربيعة أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ فإني قد وجدت ما وعد ربي حقا " فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا روح لها ؟ فقال :" والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يجيبون ". xx
وهذا هو الصحيح المؤيد بالشواهد الكثيرة منها ما رواه ابن عبد البر مصححا له عن ابن عباس مرفوعا :" ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ".
وروى ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنها، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم ".
وقال أبو هريرة رضي الله عنه : إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام ".
وأجمع السلف على هذا وشرع السلام على الموتى مما يدل على شعورهم وعلمهم بالمسلم وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أمته إذا رأوا القبور أن يقولوا – فيما رواه مسلم عن بريدة- :" السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العاقبة ". xxi
وكل ذلك دال على أن السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويرد وإن لم يسمع المسلم الرد ". xxii

﴿ وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون. ﴾
المفردات :
العمي : من أصابهم العمى، وهو ذهاب البصر كله والعمى أيضا ذهاب بصر القلب، والمفرد : أعمى.
بآياتنا : القرآن.
مسلمون : مخلصون منقادون لما تأمرهم به.
التفسير :
ليس في وسعك أن تهدي من عميت بصيرته واختار الضلال على الهدى إنما أنت نذير والله على كل شيء قدير فهو سبحانه الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء وليس ذلك لأحد سواه.
﴿ إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مبلسون. ﴾
أي : لا تسمع السماع الذي ينتفع به سامعه فيتأمل ويتدبر ويتأثر بما يسمع إلا من آمن بالقرآن فلان قلبه وزاد يقينه وتوكل على الله وأسلم وجهه إلى الله فهو خاضع لأمر الله مستمسك بهديه.
قال تعالى :﴿ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه... ﴾ ( الزمر : ٢٢ ).
" إن المؤمن هو الذي يسمع دعوة الإسلام فيستجيب لهداية السماء وينضم إلى جماعة المؤمنين وهؤلاء قلوبهم حية، وبصائرهم مفتوحة وإدراكهم سليم فهم يسمعون فيسلمون ولا تزيد الدعوة على أن تنبه فطرتهم فتستجيب ". xix
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في أعقاب تفسير الآيتين ٥٢ و٥٣ من سورة الروم :
تكلم المفسرون عن سماع الموتى، واستفادتهم بدعاء الحي لهم وخلاصة كلامهم أن من العلماء من أفاد أن الموتى لا يسمعون استدلالا بقوله تعالى : فإنك لا تسمع الموتى...
وذهبت طوائف من أهل العلم إلى سماعهم في الجملة، وقال ابن عبد البر : إن الأكثرين على ذلك وهو اختيار ابن جرير الطبري وكذا ذكره ابن قتيبة وغيره واحتجوا بما في الصحيحين عن أنس عن أبي طلحة رضي الله عنهما قال : لما كان يوم بدر وانتصر رسول الله صلى الله عليه على مشركي مكة، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ببضعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فألقوا في طوي أي : بئر من أطواء بدرـ وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم :" يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عتبة بن ربيعة أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ فإني قد وجدت ما وعد ربي حقا " فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا روح لها ؟ فقال :" والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يجيبون ". xx
وهذا هو الصحيح المؤيد بالشواهد الكثيرة منها ما رواه ابن عبد البر مصححا له عن ابن عباس مرفوعا :" ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ".
وروى ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنها، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم ".
وقال أبو هريرة رضي الله عنه : إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام ".
وأجمع السلف على هذا وشرع السلام على الموتى مما يدل على شعورهم وعلمهم بالمسلم وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أمته إذا رأوا القبور أن يقولوا – فيما رواه مسلم عن بريدة- :" السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العاقبة ". xxi
وكل ذلك دال على أن السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويرد وإن لم يسمع المسلم الرد ". xxii


***
﴿ الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير( ٥٤ ) ﴾
المفردات :
خلقكم من ضعف : ابتدأكم ضعفاء وقيل : خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة.
ثم جعل من بعد ضعف قوة : بعد ضعف الطفولة قوة الشباب بعد بلوغ الحلم.
ضعفا وشيبة : ثم ردكم إلى أصل حالكم من الضعف بالشيخوخة والهرم.
التفسير :
﴿ الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير. ﴾
خلق الله الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم كون عظامه ثم كسا العظام لحما، ونفخ فيه الروح ثم أخرجه من بطن أمه واهنا ضعيفا فقوله : من ضعف... أي : ابتدأه ضعيفا ثم يشب الوليد قليلا قليلا، فيكون صغيرا ثم فتى، ثم شابا قويا يتمتع بالقوة في الكيان الجسدي وفي البناء الإنساني وفي التكوين النفسي والعقلي.
﴿ ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة... ﴾ ينحدر الإنسان من قمة هرم الشباب إلى سفح الهرم متدرجا من القوة إلى الضعف في الجسم والإرادة، حتى ليهفو الشيخ أحيانا كما يهفو الطفل ولا يجد من إرادته عاصما ومع الشيخوخة الشيب يذكر تجسيما وتشخيصا لهيئة الشيخوخة ومنظرها.
وإن هذه الأطوار التي لا يفلت منها أحد من أبناء الفناء ولا تتخلف مرة فيمن يمد له في العمر دليل على أن الخليقة في يد القبضة الإلهية المدبرة.
﴿ يخلق ما يشاء وهو العليم القدير. ﴾
يفعل الله ما يشاء ويوجد ويبدع ما يشاء من ضعف وقوة، وبدء وإعادة ويتصرف في عبيده بما يريد وهو العليم التام العلم بتدبير خلقه القدير الشامل القدرة على ما يشاء.
والآية وصف لمراحل العمر التي يمر بها الإنسان حيث يولد ضعيفا ثم يصل إلى القوة في مرحلة الشباب ثم يعود إلى الضعف في مرحلة الشيخوخة، ولو تصورنا الحياة أشبه بهرم فإن مرحلة الشباب هي قمة ذلك الهرم والطفولة بداية السفح والشباب صعود للقمة، والشيخوخة عود على سفح الهرم.
وقد أمرنا الإسلام بإعداد القوة، والمحافظة على الصحة والرقى النفسي والفكري والعاطفي وذلك بالقراءة والرياضة والمشي والسباحة، والتأمل والتدبر في ملكوت السماوات والأرض والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره وتقبل مراحل العمر والإبداع فيها بما يناسبها من تقديم الخبرة ومساعدة العباد والتعاون والتراحم وعمل الخير وتفريج كربة المكروب والإحسان للعمل وبذلك يكون المؤمن منفعة ومعونة ونعمة لكل من حوله.
***
﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون( ٥٥ )وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون( ٥٦ )فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون( ٥٧ ) ﴾
المفردات :
الساعة : يوم القيامة، سميت بذلك لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا.
ما لبثوا : ما أقاموا بعد الموت.
غير ساعة : فير قطعة قليلة من الزمان.
يؤفكون : يصرفون عن الحق يقال : أفك الرجل إذا صرف عن الصدق والحق والخير أي : مثل ذلك الصرف عن الواقع في مدة اللبث كانوا يصرفون في الدنيا عن الحق الذي هو البعث وغيره من قول الحق والنطق بالصدق.
التفسير :
﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون. ﴾
أي ويوم تجيئ ساعة البعث فيبعث الله الخلائق من قبورهم يقسم المجرمون الذين كانوا يكفرون بالله في الدنيا ويكتسبون فيها الآثام أنهم ما أقاموا في قبورهم إلا قليلا من الزمان وهذا تقليل منهم لمدة لبثهم في البرزخ على طولها وهم قد صرفوا في الآخرة عن معرفة مدة مكثهم في ذلك الحين.
﴿ كذلك كانوا يؤفكون. ﴾
مثل ذلك الصرف عن حسن التقدير كانوا يصرفون في الدنيا عن معرفة الحق والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
فالآية تفتح عيونهم في الدنيا قبل فوات الأوان وترشدهم إلى أن الحياة الدنيا قصيرة بالنسبة للآخرة فلا يغرنكم ما فيها من لهو وعبث وباطل فكل ذلك قصير الأمد فارجعوا إلى سبيل الرشاد.
ويحتمل أن يكون قسمهم منصبا على مدة لبثهم في القبور كما يحتمل أن يكون ذلك عن لبثهم في الأرض أحياء وأمواتا كما يحتمل أن يكون عن مدة مكثهم في الدنيا.
قال ابن كثير :
يخبر الله تعالى عن جهل الكفار في الدنيا والآخرة ففي الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الأوثان وفي الآخرة يكون منهم جهل عظيم أيضا فمنه إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا غير ساعة واحدة في الدنيا ومقصودهم بذلك عدم قيام الحجة عليهم وأنهم لم ينتظروا حتى يعذر إليهم. أ ه.
" وقيل كان قسمهم استقلالا لأجل الدنيا لما عاينوا الآخرة تأسفا على ما أضاعوا في الدنيا ". xxiii
﴿ وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون. ﴾
المفردات :
في كتاب الله : فيما كتبه في سابق علمه وقضائه أو في اللوح المحفوظ.
التفسير :
أي : قال الذين أعطاهم الله العلم والإيمان من الأنبياء والملائكة وصالح المؤمنين : لقد مكثتم في الدنيا فترة كافية للعمل الصالح ولكنكم كفرتم فسجلت أعمالكم في كتب الله التي تسجل فيها أعمال الناس إلى يوم البعث فهذا يوم البعث الذي أنكرتموه ولكنكم كنتم تجهلون أنه حق فتستعجلون به استهزاء وفي الآية دليل على فضل العلماء وعظيم قدرهم.
وقال أحمد مصطفى المراغي في تفسير المراغي :
وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان بالله لأولئك المنكرين : لقد لبثتم من يوم مماتكم إلى يوم البعث في قبوركم وفي هذا رد عليهم وعلى ما حلفوا عليه وإطلاع لهم على الحقيقة، أ ه.
﴿ فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون. ﴾
أي : قال العلماء المؤمنون لهم أيضا : هذا هو اليوم الذي أنكرتموه في الدنيا وزعمتم أنه لن يكون لغروركم بالدنيا وغفلتكم عن الأدلة المتظاهرة على أن البعث حق وأن القيامة حق وأن الدنيا عمل ولا حساب وأن الآخرة حساب ولا عمل.
﴿ فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون ﴾
المفردات :
ولاهم يستعتبون : يطلب منهم إزالة عتب الله وغضبه عليهم بالتوبة والطاعة فقد حق عليهم العذاب يقال : استعتبنى فلان فأعتبته أي استرضاني فأرضيته.
التفسير :
في يوم البعث والجزاء لا يقبل من الذين ظلموا اعتذارهم ولا ندمهم على ما فعلوه في الدنيا ولا يقال لهم أرضوا ربكم بتوبة وطاعة، كما كان يقال لهم ذلك في الدنيا وذلك لفوات أوان العمل
والخلاصة : أنهم لا يعاتبون على سيئاتهم بل يعاقبون عليها، ولا تقبل منهم التوبة لأن الوقت وقت جزاء لا وقت عمل فالآية تذكير للظالمين بالتوبة والندم قبل فوات الأوان
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ﴾ ( فصلت : ٢٤ ).
***
﴿ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون( ٥٨ ) كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون( ٥٩ ) فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون( ٦٠ ) ﴾
المفردات :
من كل مثل : من كل صفة عجيبة هي في غرابتها كالأمثال مثل : أدلة التوحيد وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأدلة البعث والحشر والحساب والجزاء.
بآية : من آيات القرآن أو بمعجزة.
مبطلون : مزورون أصحاب أباطيل.
التفسير :
﴿ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون. ﴾
قدمنا للناس في هذا القرآن من كل صفة عجيبة حيث اشتمل على بدء الخليقة وقصص الأنبياء والمرسلين وأحاديث الأمم السابقة ولفت الأنظار إلى هذا الكون العجيب وبيان أنعم الله على عباده وآيات الله في الكون والنفس والخلق والبعث والحشر والجزاء كل ذلك في أسلوب بديع وبيان معجز ينتقل بالإنسان من قصة إلى خبر إلى أحكام إلى عظة، ومن نظام الدنيا إلى مشاهد الآخرة حيث صرف الله القول ونوع في أساليب الأحكام والعظات تنويعا كأنه المثل والقصة العجيبة.
قال تعالى :﴿ وضربنا لكم الأمثال.. ﴾ ( إبراهيم : ٤٥ ).
وقال سبحانه :﴿ ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا ﴾. ( الإسراء : ٤١ ).
﴿ ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون. ﴾
أي : أقسم يا محمد لئن أتيتهم بآية جديدة من آيات القرآن الكريم أو بمعجزة جديدة مما اقترحوه أو من غير ما اقترحوه فلن يؤمنوا ولن يصدقوا وإنما يقابلون الآيات والمعجزات بالتكذيب وادعاء أنها سحر وباطل.
﴿ كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون. ﴾
المفردات :
يطبع : يختم.
لا يعلمون : جهلة مقلدون لا يطلبون العلم ويصرون على خرافات اعتقدوها.
التفسير :
أي : بمثل ذلك التكذيب والإعراض يترك الله القلوب مقفلة، مختوما عليها ومطبوعا عليها فلا تسمح بدخول جديد من الهداية والإيمان ولا بخروج قديم من التقليد والاعتقاد الفاسد فهم لا يبحثون عن الحق ولا يطلبون العلم بل يصرون على خرافات اعتقدوها وترهات ابتدعوها.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد *** وينكر الفم طعم الماء من سقم
فهم جاهلون للحق ويجهلون أنهم جهلة للحق أي إن جهلهم مركب فهو صارف لهم عن طلب العلم ومعرفة الصواب كما قال الشاعر :
قال حمار الحكيم نوما *** لو أنصفوني لكنت أركب
لأنني جاهل بسيط *** وصاحبي جاهل مركب
وهكذا تجد هذه السورة المكية، سورة الروم تأخذ بأذهان المشاهدين إلى الآخرة والبعث والحساب ثم تشدهم إلى الدنيا والقرآن وعجائبه.
وفي ختام السورة وصية جديدة للرسول والمؤمنين بالصبر واليقين بالنصر ليتوافق الختام مع البدء حيث بدئت السورة ببيان هزيمة الروم أمام الفرس وبوعد الله أن ينتصر الروم على الفرس في بضع سنين وأن هذا الوعد لن يتخلف فالله لا يخلف الميعاد ثم يكون الختام مؤيدا لهذا المعنى.
﴿ فاصبر إن وعد الله حق لا يستخلفنك الذين لا يوقنون. ﴾
المفردات :
لا يستخفنك : لا يحملنك على الخفة والقلق.
لا يوقنون : لا يصدقون بالبعث ولا يؤمنون بالله ورسوله إيمانا حقا.
التفسير :
أي اصبر يا محمد على أداء رسالتك، وتبليغ دعوتك أنت ومن معك من المؤمنين متحملين الشكوك من الكافرين والعقبات من المشركين.
﴿ ولا يستخلفنك الذين لا يوقنون. ﴾
أي : لا يحملنك على الخفة والقلق الذين لا يوقنون بوعد الله فهم في شك منه وقلق وحيرة لأن قلوبهم محجوبة عن الإيمان بالله واليقين بما عنده.
إن الله تعالى منجزلك وعده بالنصر والتوفيق، فلا يتسرب إليك القلق أو الشك أو الخفة، من تكذيبهم بالآيات، وإنكارهم لها ومكرهم فيها، فان العاقبة للمتقين، ولمن اعتصم بما جئت به من المؤمنين، وفي هذا إرشاد للنبي صلى الله عليه وسلم وتعليم له، بأن يتلقى المكاره بصدر رحب، وسعة حلم.
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي : أن رجلا من الخوارج نادى عليا وهو في صلاة الفجر فقال :﴿ ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ﴾. ( الزمر : ٦٥ ) فأجابه وهو في الصلاة : فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخلفنك الذين لا يوقنون.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
Icon