ﰡ
قاله هنا بالواو، عطفا على قوله تعالى :﴿ ما قطعتم من لبنة ﴾ [ الحشر : ٥ ] وقاله بعد بحذفها( ١ )، لأنه مستأنف عمّا قبله.
إن قلتَ : " إن " الشرطية إنما تدخل على ما يحتمل وجوده وعدمه، فكيف قال تعالى ذلك، مع إخباره بأنهم لا ينصرون ؟
قلتُ : معناه : ولئن نصروهم فرضا وتقديرا، كقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :﴿ لئن أشركت ليحبطنّ عملك ﴾ [ الزمر : ٦٥ ].
فإن قلتَ : إن عُلِّق قوله ﴿ من الله ﴾ بأشدّ، لزم ثبوت الخوف لله وهو محال، أو بالرهبة لزم كون المؤمنين أشدّ خوفا من المذكورين، وليس مرادا ؟
قلتُ : الرهبة مصدر " رُهب " بالبناء للمفعول هنا، فالمعنى أشدّ مرهوبية، يعني أنكم في صدورهم أهيب من كون الله تعالى فيها، ونظيره قولك : زيد أشدّ ضربا في الدار من عمرو، يعني مضروبية.
قوله تعالى :﴿ ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ﴾ [ الحشر : ١٣ ].
ختمه هنا بقوله : " لا يفقهون " وبعده بقوله : " لا يعقلون " ( ١ ) لأن الأول متصل بقوله :﴿ لأنتم أشدّ رهبة في صدورهم من الله ﴾ أي لأنهم يفقهون ظاهر الشيء دون باطنه، والفقه معرفة الظاهر والباطن، فناسب نفيه الفقه عنهم.
والثاني متّصل بقوله :﴿ تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى ﴾ [ الحشر : ١٤ ] أي لو عقلوا لاجتمعوا على الحقّ ولم يتفرّقوا، فناسب نفي العقل عنهم.
إن قلتَ : كيف يستقيم التفضيل بأشدِّية الرهبة، مع أنهم لا يرهبون الله، لأنهم لو رهبوه لتركوا النفاق والكفر ؟ !
قلتُ : معناه أن رهبتهم في السرّ منكم، أشدّ من رهبتهم من الله تعالى، التي يظهرونها لكم، وكانوا يظهرون للمؤمنين رهبة شديدة من الله تعالى.
فإن قلتَ : الغدُ اليومُ الذي يعقب ليلتك، فكيف أُطلق على يوم القيامة ؟
قلتُ : الغد له معنيان : ما ذكرتم، ومطلق الزمان والمستقبل، كما أن للأمس معنيين مقابلين لما ذكرنا، وقيل : إنما أطلق الغد على يوم القيامة تقريبا له، لقوله تعالى :﴿ وما أمر الساعة إلا كلمح البصر ﴾ [ النحل : ٧٧ ] فكأنه لقربه أشبه اليوم الذي يعقب ليلتك.
والمقصود تنبيه الإنسان على قسوة قلبه، وقلّة خشوعه عند تلاوة القرآن، وإعراضه عن تدبر زواجره.
الخالق : هو الذي قدّر ما يوجده، والبارئ : هو الذي يميّز بعضه عن بعض بالأشكال المختلفة.
وقيل : الخالق : المبدي، والبارئ : المعيد.