ﰡ
لقد جاء مطلع هذه السورة مبدوءا بحرفين اثنين ها : الطاء والهاء، فهي من جملة السور التي اختار الله لها أن تكون مبدوءة ببعض الحروف الهجائية المقطعة، إشارة إلى أن الحروف الهجائية التي يتلى بها كتاب الله هي في متناول الناس جميعا، ولكنهم جميعا عاجزون عن أن يؤلفوا منها كتابا إلهيا معجزا ﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ﴾ [ الإسراء : ٨٨ ].
قال تعالى في مطلعها :﴿ طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، إلا تذكرة لمن يخشى، تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى ﴾، وكان مطلعها هذا مناسبا تمام المناسبة لخاتمة سورة( مريم ) التي سبقتها مباشرة، تلك الخاتمة التي تضمنت التنويه بكتاب الله، إذ جاء فيها قوله تعالى بالخصوص :﴿ فإنما يسرناه لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا ﴾ فكانت بداية سورة طه تأكيدا جديدا لنهاية سورة مريم، إذ ( التذكرة ) التي استعملها كتاب الله هنا هي نفس ( البشارة والنذارة ) التي استعملها هناك.
وقوله تعالى :﴿ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ﴾ يفيد معنى أساسيا هو إثبات أن الله تعالى عندما بعث إلى الإنسانية خاتم رسله، إنما أراد إسعاد البشر بالحنيفية السمحة. فقد بعث إليهم رسولا ﴿ يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ﴾ [ الأعراف : ١٥٧ ]، وهذا المعنى يؤكد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾ [ البقرة : ١٨٥ ]، وقوله تعالى في آية ثالثة :﴿ هو اجتباكم، وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ [ الحج : ٧٨ ]. فلا إرهاق في أي من أوامر الله، ولا تكليف بما فوق الطاقة في أي نهي من نواهيه، بل إن شعائر الإسلام وشرائعه تدخل كلها في نطاق المقدور الميسر لجميع المكلفين نساء ورجالا، ومعنى ( الشقاء ) في اللغة العناء والتعب.
ويتصل بهذا المعنى بوجه من وجوه المناسبة أن كتاب الله رغما عما يتضمنه من حقائق ودقائق ورقائق تحاول البشرية أن تكشف عن مدلولاتها جيلا بعد جيل، ورغا عما اتسم به كتاب الله من إعجاز في اللفظ والمعنى والأسلوب، فقد يسره الله للذكر والفهم والاعتبار، وجعله قريبا من فطرة الناس التي فطرهم عليها، مصداقا لقوله تعالى :﴿ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ﴾ فلا ألغاز معميات، في آيات الله االبينات.
وقوله تعالى :﴿ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ﴾ يفيد معنى أساسيا هو إثبات أن الله تعالى عندما بعث إلى الإنسانية خاتم رسله، إنما أراد إسعاد البشر بالحنيفية السمحة. فقد بعث إليهم رسولا ﴿ يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ﴾ [ الأعراف : ١٥٧ ]، وهذا المعنى يؤكد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾ [ البقرة : ١٨٥ ]، وقوله تعالى في آية ثالثة :﴿ هو اجتباكم، وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ [ الحج : ٧٨ ]. فلا إرهاق في أي من أوامر الله، ولا تكليف بما فوق الطاقة في أي نهي من نواهيه، بل إن شعائر الإسلام وشرائعه تدخل كلها في نطاق المقدور الميسر لجميع المكلفين نساء ورجالا، ومعنى ( الشقاء ) في اللغة العناء والتعب.
ويتصل بهذا المعنى بوجه من وجوه المناسبة أن كتاب الله رغما عما يتضمنه من حقائق ودقائق ورقائق تحاول البشرية أن تكشف عن مدلولاتها جيلا بعد جيل، ورغا عما اتسم به كتاب الله من إعجاز في اللفظ والمعنى والأسلوب، فقد يسره الله للذكر والفهم والاعتبار، وجعله قريبا من فطرة الناس التي فطرهم عليها، مصداقا لقوله تعالى :﴿ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ﴾ فلا ألغاز معميات، في آيات الله االبينات.
وقوله تعالى :﴿ إلا تذكرة ﴾ يفيد أن الله تعالى انزل القرآن إيقاظا للغافل وتذكيرا للناسي، فقد عاهد البشر ربهم وواثقوه بميثاق الإيمان والطاعة والعبادة، وهم لا يزالون في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، ثم نسوا ما عاهدهم الله عليه، فكان لا بد من تذكيرهم، وفاء من الله بالوعد، وذاك قبل إقامة الحجة عليهم ومؤاخذتهم على خيانة العهد.
وقوله تعالى :﴿ لمن يخشى ﴾ إشارة إلى أن أقرب الناس إلى التدبر والاعتبار، والاتعاظ والانزجار، هم أولئك الذين يراقبون الله، فيخافون سخطه ويرجون رضاه.
ومما يستلفت النظر في هذا السياق أن كتاب الله اختار فيه من بين أسماء الله الحسنى اسم ( الرحمان ) بالخصوص، فقال تعالى :﴿ الرحمان على العرش استوى ﴾ ولم يقل القهار أو الجبار مثلا، إشعارا للعباد بأن رحمة الله تسع كل شيء، حتى في هذا المقام، مقام العظمة والجلال، مما يجعله جلالا مقرونا بالجمال، ويفتح في وجوه المذنبين والمنحرفين باب الأمل في فضل الكبير المتعال، ونفس الاختيار لاسم ( الرحمان ) في مثل هذا المقام نجد في قوله تعالى ﴿ إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمان عبدا ﴾ [ مريم : ٩٣ ].
الأمر الأول : أن الدعوة إلى الله ينبغي أن تكون مصحوبة بالتفاؤل والرجاء، لا بالتشاؤم واليأس، بحيث يكون الداعي قوي الثقة بالله، قوي الثقة بفعالية الدعوة وتأثيرها في النفوس، والوصول بها إلى النتيجة المرجوة.
الأمر الثاني : أن الدعوة إلى الله ينبغي أن تكون لغتها لغة مهذبة، وأن يكون أسلوبها أسلوبا لينا، فلا فحش ولا غلطة ولا جفوة، ونفس التوجيه الذي تلقاه موسى وهارون عليهما السلام تلقاه خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه، إذ خاطبه ربه قائلا :﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾ [ النحل : ١٢٥ ]. قال القرطبي : " القول اللين هو القول الذي لا خشونة فيه، وإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون " قولا لينا " فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه، وقد قال تعالى :﴿ وقولوا للناس حسنا ﴾.
الأمر الأول : أن الدعوة إلى الله ينبغي أن تكون مصحوبة بالتفاؤل والرجاء، لا بالتشاؤم واليأس، بحيث يكون الداعي قوي الثقة بالله، قوي الثقة بفعالية الدعوة وتأثيرها في النفوس، والوصول بها إلى النتيجة المرجوة.
الأمر الثاني : أن الدعوة إلى الله ينبغي أن تكون لغتها لغة مهذبة، وأن يكون أسلوبها أسلوبا لينا، فلا فحش ولا غلطة ولا جفوة، ونفس التوجيه الذي تلقاه موسى وهارون عليهما السلام تلقاه خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه، إذ خاطبه ربه قائلا :﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾ [ النحل : ١٢٥ ]. قال القرطبي :" القول اللين هو القول الذي لا خشونة فيه، وإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون " قولا لينا " فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه، وقد قال تعالى :﴿ وقولوا للناس حسنا ﴾.
هذا مجمل ما ورد في الربع الأول لسورة طه، من مواطن العبرة البارزة في قصة موسى عليه السلام ﴿ إن في ذلك لآيات لأولي النهى ﴾. أي لذوي العقول السليمة المستقيمة، الذين يعتمد عليهم، وينتهى إلى رأيهم.
يواصل كتاب الله في هذا الربع حديثه عن قصة موسى مع فرعون وقومه، ويستعرض في آياته البينات ما دار بين الطرفين من محادثات ومحاورات، توضح موقف كل منهما بما يشفي ويكفي.
يواصل كتاب الله في هذا الربع حديثه عن قصة موسى مع فرعون وقومه، ويستعرض في آياته البينات ما دار بين الطرفين من محادثات ومحاورات، توضح موقف كل منهما بما يشفي ويكفي.
فمن ذلك ما حكاه كتاب الله على لسان فرعون ﴿ قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ﴾، وفرعون بهذه المقالة يتهم موسى بأن له هدفا سياسيا من وراء الدعوة التي جاء بها من عند الله، وأنه إنما يريد من ورائها أن يستولي مع قومه على مقاليد الحكم، وأن يطيح بنظام فرعون وملائه ليقيم على أنقاضه نظاما آخر، وقد حكى كتاب الله عن فرعون مقالة أخرى عرض فيها بموسى واتهمه بتهمة أخطر وأكبر، إذ قال في شأنه :﴿ إني أخاف أن يبدل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد ﴾ [ غافر : ٢٦ ] وسيرا في نفس الطريق، وبمثل هذا النوع من التهم الباطلة، نطق السحرة الذين جندهم فرعون لمباراة موسى، فقد حكى كتاب الله عنهم أنهم ﴿ قالوا إن هذان لساحران ﴾إشارة إلى موسى وأخيه هارون ﴿ يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ﴾. والمراد " بالطريقة المثلى " الهدي المستقيم الذي لا يوجد ما هو أمثل منه وأفضل، والإتيان بجملة ( هذان لساحران ) بعد " إن " جار في اللسان العربي على قراءة أهل المدينة والكوفة، طبقا للاستعمال الخاص المعروف في لغة بني الحارث بن كعب وغيرهم، حيث يجعلون رفع المثنى ونصبه وخفضه بالألف، وهناك قراءة ثانية بتخفيف " إن " بدلا من تشديدها، بمعنى ( ما هذان إلا ساحران ). وهناك قراءة ثالثة مطابقة للاستعمال الشائع المتعارف، وهي مروية عن أبي عمرو ( إن هاذين لساحران ). وقال الزجاج : " لا أجيز قراءة أبي عمرو، لأنها خلاف المصحف ".
يواصل كتاب الله في هذا الربع حديثه عن قصة موسى مع فرعون وقومه، ويستعرض في آياته البينات ما دار بين الطرفين من محادثات ومحاورات، توضح موقف كل منهما بما يشفي ويكفي.
فمن ذلك ما حكاه كتاب الله على لسان فرعون ﴿ قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ﴾، وفرعون بهذه المقالة يتهم موسى بأن له هدفا سياسيا من وراء الدعوة التي جاء بها من عند الله، وأنه إنما يريد من ورائها أن يستولي مع قومه على مقاليد الحكم، وأن يطيح بنظام فرعون وملائه ليقيم على أنقاضه نظاما آخر، وقد حكى كتاب الله عن فرعون مقالة أخرى عرض فيها بموسى واتهمه بتهمة أخطر وأكبر، إذ قال في شأنه :﴿ إني أخاف أن يبدل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد ﴾ [ غافر : ٢٦ ] وسيرا في نفس الطريق، وبمثل هذا النوع من التهم الباطلة، نطق السحرة الذين جندهم فرعون لمباراة موسى، فقد حكى كتاب الله عنهم أنهم ﴿ قالوا إن هذان لساحران ﴾إشارة إلى موسى وأخيه هارون ﴿ يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ﴾. والمراد " بالطريقة المثلى " الهدي المستقيم الذي لا يوجد ما هو أمثل منه وأفضل، والإتيان بجملة ( هذان لساحران ) بعد " إن " جار في اللسان العربي على قراءة أهل المدينة والكوفة، طبقا للاستعمال الخاص المعروف في لغة بني الحارث بن كعب وغيرهم، حيث يجعلون رفع المثنى ونصبه وخفضه بالألف، وهناك قراءة ثانية بتخفيف " إن " بدلا من تشديدها، بمعنى ( ما هذان إلا ساحران ). وهناك قراءة ثالثة مطابقة للاستعمال الشائع المتعارف، وهي مروية عن أبي عمرو ( إن هاذين لساحران ). وقال الزجاج :" لا أجيز قراءة أبي عمرو، لأنها خلاف المصحف ".
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري : " وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري :" وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري :" وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري :" وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري :" وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري :" وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري :" وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري :" وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.
لكن كتاب الله أعفى هارون من كل مسؤولية في هذا الانحراف الخطير الذي انزلق إليه بنو إسرائيل، وذلك قوله تعالى حكاية عنه فيما سبق :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ﴾. وبهذا الخطاب الذي وجهه إليهم هارون أراد أن يعرفهم بأن ما وقعوا فيه ليس إلا فتنة من جملة الفتن، التي لا ينبغي أن تصرف الناس عن عبادة الواحد الأحد إلى عبادة الأوثان، وبأن الرب الحقيقي الذي يستحق أن يعبد دون سواه هو ( الرحمن ) الرحيم الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، والذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وطالبهم باتباع دينه الذي هو دين موسى دون خروج عليه، كما طالبهم بطاعته فيما أمرهم به من ترك عبادة العجل، لكنهم أصروا على الضلال، لما أصابهم من الاختلال والخبال، قال علاء الدين المعروف ( بالخازن ) : " اعلم أن هارون عليه السلام سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه، لأنه زجرهم أولا عن الباطل بقوله :﴿ إنما فتنتم به ﴾، ثم دعا على معرفة الله تعالى بقوله ﴿ وإن ربكم الرحمن ﴾، ثم دعاهم إلى معرفة النبوة بقوله :﴿ فاتبعوني ﴾، ثم دعاهم إلى الشرائع بقوله :﴿ وأطيعوا أمري ﴾، فهذا هو الترتيب الجيد، لأنه لا بد من إماطة الأذى عن الطريق، وهي إزالة الشبهات، ثم معرفة الله فإنها هي الأصل، ثم النبوة، ثم الشريعة ".
لكن كتاب الله أعفى هارون من كل مسؤولية في هذا الانحراف الخطير الذي انزلق إليه بنو إسرائيل، وذلك قوله تعالى حكاية عنه فيما سبق :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ﴾. وبهذا الخطاب الذي وجهه إليهم هارون أراد أن يعرفهم بأن ما وقعوا فيه ليس إلا فتنة من جملة الفتن، التي لا ينبغي أن تصرف الناس عن عبادة الواحد الأحد إلى عبادة الأوثان، وبأن الرب الحقيقي الذي يستحق أن يعبد دون سواه هو ( الرحمن ) الرحيم الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، والذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وطالبهم باتباع دينه الذي هو دين موسى دون خروج عليه، كما طالبهم بطاعته فيما أمرهم به من ترك عبادة العجل، لكنهم أصروا على الضلال، لما أصابهم من الاختلال والخبال، قال علاء الدين المعروف ( بالخازن ) : " اعلم أن هارون عليه السلام سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه، لأنه زجرهم أولا عن الباطل بقوله :﴿ إنما فتنتم به ﴾، ثم دعا على معرفة الله تعالى بقوله ﴿ وإن ربكم الرحمن ﴾، ثم دعاهم إلى معرفة النبوة بقوله :﴿ فاتبعوني ﴾، ثم دعاهم إلى الشرائع بقوله :﴿ وأطيعوا أمري ﴾، فهذا هو الترتيب الجيد، لأنه لا بد من إماطة الأذى عن الطريق، وهي إزالة الشبهات، ثم معرفة الله فإنها هي الأصل، ثم النبوة، ثم الشريعة ".
و ( السامري ) الذي كان يتزعم هذه الفتنة هو من عظماء بني إسرائيل، وإليه تنتسب طائفة ( السامرة ) وهي طائفة يهودية تتفق مع جمهرة اليهود في كثير من المعتقدات وتخالفهم في الباقي، ولا تزال بقايا هذه الطائفة قائمة بالمشرق إلى اليوم،
و ( السامري ) الذي كان يتزعم هذه الفتنة هو من عظماء بني إسرائيل، وإليه تنتسب طائفة ( السامرة ) وهي طائفة يهودية تتفق مع جمهرة اليهود في كثير من المعتقدات وتخالفهم في الباقي، ولا تزال بقايا هذه الطائفة قائمة بالمشرق إلى اليوم،
﴿ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾
وواضح من جواب السامري لموسى أنه يعترف بمسؤوليته عن هذه الفتنة الكبرى، وانه يقر بذنبه الذي ارتكبه من تلقاء نفسه دون إغراء من الغير،
فما كان من موسى عليه السلام إلا أن أصدر في حقه عقوبة العزل التام عن المجتمع مدى الحياة، بحيث لا يمس أحدا ولا يمسه أحد، ولم يبق أمامه إلا أن يهيم في البرازي والقفار مع الوحوش والسباع، وعن هذا العقاب الصارم في الحياة الدنيا مع ما يتبعه من عقاب في الآخرة عبر كتاب الله حكاية عن موسى عليه السلام ﴿ قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه ﴾. ويقال أن بقايا ( السامرة ) لا يزالون إلى اليوم محافظين على نفس الكلمة التي نطق بها موسى عليه السلام في حق كبيرهم السامري، ثم جرت من بعده مثلا :( لا مساس ).
أما موقف موسى عليه السلام من العجل الذهبي الذي صنعه السامري، ثم عبده وعبده بنو إسرائيل معه في غيبة موسى، فقد كان موقفا حازما وصارما إلى أقصى الحدود، ويتلخص هذا الموقف في تقريره إحراق ذلك العجل ونسف رماده في البحر إلى غير رجعة، حتى لا يعبد من دون الله، وذلك ما حكاه كتاب الله على لسان موسى عليه السلام إذ قال مخاطبا للسامري الذي عكف على عبادة العجل، ساخرا منه ومن عجله الذهبي :﴿ وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً ﴾.
على ان عبادة " العجل الذهبي " لم تزل منها إلى الآن بقية باقية عند أتباع الملة اليهودية، فلم يخل عصر من العصور، ولا زمن من الأزمان، من ظهور سامري جديد يعيد سيرة السامري القديم، وينشر عبادة عجله الذهبي في كل مكان وبكل ما في الإمكان، والله من ورائهم محيط، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
كلنا نذكر ما جاء في فاتحة سورة ( طه ) المكية التي خصصنا لتفسيرها الأحاديث الثلاثة الماضية، والتي يتم تفسيرها في هذا الحديث بإذن الله ومعونته، فقد قال تعالى في مطلعها :﴿ طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، إلا تذكرة لمن يخشى، تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى ﴾، وكان مطلعها هذا مناسبا تمام المناسبة لخاتمة سورة( مريم ) التي سبقتها مباشرة، تلك الخاتمة التي تضمنت التنويه بكتاب الله، إذ جاء فيها قوله تعالى بالخصوص :﴿ فإنما يسرناه لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا ﴾ فكانت بداية سورة طه تأكيدا جديدا لنهاية سورة مريم، إذ ( التذكرة ) التي استعملها كتاب الله هنا هي نفس ( البشارة والنذارة ) التي استعملها هناك.
وقد لاحظنا في الربع الماضي أنه بمجرد ما انتهى كتاب الله من ( حديث موسى ) عاد إلى نقطة الانطلاق التي مهدت لذلك الحديث، فقال تعالى :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق، وقد أتيناك من لدنا ذكرا، من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه، وساء لهم يوم القيامة حملا ﴾. وهكذا عاد كتاب الله إلى التنويه بالذكر الحكيم، وجدد الدعوة إلى الإقبال عليه واتباع هديه القويم، وبين ما يؤدي إليه ترك العمل به من الأوزار والآثام، وما يتعرض له المعرضون عنه من العقوبات الجسام. وزاد كتاب الله هذا المعنى توكيدا وتوضيحا، فقال تعالى في هذا الربع :﴿ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكراً فتعالى الله الملك الحق ﴾. وواضح ما لهذه الآية الكريمة من ارتباط وثيق بقوله تعالى في مطلع السورة :﴿ إلا تذكرة لمن يخشى ﴾ فهي كما يقال " عود على بدء ". ومعنى لفظ " التذكرة " الوارد هناك هو نفس معنى ( الذكر ) الوارد في قوله تعالى :﴿ أو يحدث لهم ذكرا ﴾ في هذا الربع، فكلاهما يؤدي في هذا السياق معنى العظة والتدبر والاعتبار.
وجوابا عن سؤال :" كيف أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة، وكيف أزلهما الشيطان عنها "، أجاب القاضي عبد الجبار في كتابه ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) قائلا ما خلاصته :" إن آدم وحواء اعتقدا أن الله تعالى إنما نهى عن شجرة بعينها، لا أنه نهى عن جنس الشجر كله، ولما ذهلا عن هذا التأويل وقع ما وقع، ولذلك قال تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ ثم من بعد ذلك تاب الله عليهما، فزال تأثير تلك المعصية، ولذلك قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾.
ومن لطائف التفسير التي عرفتها هذه القصة ما أبدع به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) عند تحليله لها إذ قال :" حاش لله أن يقع الأنبياء في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة، فوقع فيها ( متعمدا ناسيا )، فقيل في تعمده ( عصى آدم ربه )، وقيل في بيان عذره ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ﴾. ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ".
ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره " أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين، وإنما أوجبت تأديبا عاجلا، لأن الإنسان يومئذ كان في طور كطور الصبا، فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوة آدم، ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾. يضاف إلى ذلك أن العالم الذي عاش فيه آدم في مستهل حياته لم يكن ( عالم تكليف ) بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع، بل عالم تربية فقط، فإطلاق " المعصية " و " التوبة " و " ظلم النفس " مما ورد في قصة آدم هو بغير المعنى الشرعي المعروف، وتوبة الله عليها بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة،
وقوله تعالى في سورة البقرة في نهاية قصة آدم :﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الآيتان : ٣٨، ٣٩ ] هو الذي بين لهم به الحق سبحانه وتعالى أن المعصية إن وقعت بعد ذلك اليوم يكون جزاؤها جهنم ".
وبنفس المعنى جاء قول الله تعالى في هذا الربع في ختام نفس القصة :﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ كأن التكليف لم يكن مفعوله من قبل ساريا ولا حكمه سائدا، وإنما ابتدأ من الآن فصاعدا.
وجوابا عن سؤال : " كيف أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة، وكيف أزلهما الشيطان عنها "، أجاب القاضي عبد الجبار في كتابه ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) قائلا ما خلاصته : " إن آدم وحواء اعتقدا أن الله تعالى إنما نهى عن شجرة بعينها، لا أنه نهى عن جنس الشجر كله، ولما ذهلا عن هذا التأويل وقع ما وقع، ولذلك قال تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ ثم من بعد ذلك تاب الله عليهما، فزال تأثير تلك المعصية، ولذلك قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾.
ومن لطائف التفسير التي عرفتها هذه القصة ما أبدع به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) عند تحليله لها إذ قال : " حاش لله أن يقع الأنبياء في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة، فوقع فيها ( متعمدا ناسيا )، فقيل في تعمده ( عصى آدم ربه )، وقيل في بيان عذره ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ﴾. ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ".
ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره " أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين، وإنما أوجبت تأديبا عاجلا، لأن الإنسان يومئذ كان في طور كطور الصبا، فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوة آدم، ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾. يضاف إلى ذلك أن العالم الذي عاش فيه آدم في مستهل حياته لم يكن ( عالم تكليف ) بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع، بل عالم تربية فقط، فإطلاق " المعصية " و " التوبة " و " ظلم النفس " مما ورد في قصة آدم هو بغير المعنى الشرعي المعروف، وتوبة الله عليها بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة،
وقوله تعالى في سورة البقرة في نهاية قصة آدم :﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الآيتان : ٣٨، ٣٩ ] هو الذي بين لهم به الحق سبحانه وتعالى أن المعصية إن وقعت بعد ذلك اليوم يكون جزاؤها جهنم ".
وبنفس المعنى جاء قول الله تعالى في هذا الربع في ختام نفس القصة :﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ كأن التكليف لم يكن مفعوله من قبل ساريا ولا حكمه سائدا، وإنما ابتدأ من الآن فصاعدا.
وجوابا عن سؤال :" كيف أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة، وكيف أزلهما الشيطان عنها "، أجاب القاضي عبد الجبار في كتابه ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) قائلا ما خلاصته :" إن آدم وحواء اعتقدا أن الله تعالى إنما نهى عن شجرة بعينها، لا أنه نهى عن جنس الشجر كله، ولما ذهلا عن هذا التأويل وقع ما وقع، ولذلك قال تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ ثم من بعد ذلك تاب الله عليهما، فزال تأثير تلك المعصية، ولذلك قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾.
ومن لطائف التفسير التي عرفتها هذه القصة ما أبدع به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) عند تحليله لها إذ قال :" حاش لله أن يقع الأنبياء في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة، فوقع فيها ( متعمدا ناسيا )، فقيل في تعمده ( عصى آدم ربه )، وقيل في بيان عذره ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ﴾. ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ".
ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره " أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين، وإنما أوجبت تأديبا عاجلا، لأن الإنسان يومئذ كان في طور كطور الصبا، فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوة آدم، ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾. يضاف إلى ذلك أن العالم الذي عاش فيه آدم في مستهل حياته لم يكن ( عالم تكليف ) بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع، بل عالم تربية فقط، فإطلاق " المعصية " و " التوبة " و " ظلم النفس " مما ورد في قصة آدم هو بغير المعنى الشرعي المعروف، وتوبة الله عليها بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة،
وقوله تعالى في سورة البقرة في نهاية قصة آدم :﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الآيتان : ٣٨، ٣٩ ] هو الذي بين لهم به الحق سبحانه وتعالى أن المعصية إن وقعت بعد ذلك اليوم يكون جزاؤها جهنم ".
وبنفس المعنى جاء قول الله تعالى في هذا الربع في ختام نفس القصة :﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ كأن التكليف لم يكن مفعوله من قبل ساريا ولا حكمه سائدا، وإنما ابتدأ من الآن فصاعدا.
وجوابا عن سؤال :" كيف أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة، وكيف أزلهما الشيطان عنها "، أجاب القاضي عبد الجبار في كتابه ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) قائلا ما خلاصته :" إن آدم وحواء اعتقدا أن الله تعالى إنما نهى عن شجرة بعينها، لا أنه نهى عن جنس الشجر كله، ولما ذهلا عن هذا التأويل وقع ما وقع، ولذلك قال تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ ثم من بعد ذلك تاب الله عليهما، فزال تأثير تلك المعصية، ولذلك قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾.
ومن لطائف التفسير التي عرفتها هذه القصة ما أبدع به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) عند تحليله لها إذ قال :" حاش لله أن يقع الأنبياء في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة، فوقع فيها ( متعمدا ناسيا )، فقيل في تعمده ( عصى آدم ربه )، وقيل في بيان عذره ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ﴾. ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ".
ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره " أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين، وإنما أوجبت تأديبا عاجلا، لأن الإنسان يومئذ كان في طور كطور الصبا، فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوة آدم، ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾. يضاف إلى ذلك أن العالم الذي عاش فيه آدم في مستهل حياته لم يكن ( عالم تكليف ) بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع، بل عالم تربية فقط، فإطلاق " المعصية " و " التوبة " و " ظلم النفس " مما ورد في قصة آدم هو بغير المعنى الشرعي المعروف، وتوبة الله عليها بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة،
وقوله تعالى في سورة البقرة في نهاية قصة آدم :﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الآيتان : ٣٨، ٣٩ ] هو الذي بين لهم به الحق سبحانه وتعالى أن المعصية إن وقعت بعد ذلك اليوم يكون جزاؤها جهنم ".
وبنفس المعنى جاء قول الله تعالى في هذا الربع في ختام نفس القصة :﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ كأن التكليف لم يكن مفعوله من قبل ساريا ولا حكمه سائدا، وإنما ابتدأ من الآن فصاعدا.
وجوابا عن سؤال :" كيف أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة، وكيف أزلهما الشيطان عنها "، أجاب القاضي عبد الجبار في كتابه ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) قائلا ما خلاصته :" إن آدم وحواء اعتقدا أن الله تعالى إنما نهى عن شجرة بعينها، لا أنه نهى عن جنس الشجر كله، ولما ذهلا عن هذا التأويل وقع ما وقع، ولذلك قال تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ ثم من بعد ذلك تاب الله عليهما، فزال تأثير تلك المعصية، ولذلك قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾.
ومن لطائف التفسير التي عرفتها هذه القصة ما أبدع به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) عند تحليله لها إذ قال :" حاش لله أن يقع الأنبياء في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة، فوقع فيها ( متعمدا ناسيا )، فقيل في تعمده ( عصى آدم ربه )، وقيل في بيان عذره ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ﴾. ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ".
ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره " أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين، وإنما أوجبت تأديبا عاجلا، لأن الإنسان يومئذ كان في طور كطور الصبا، فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوة آدم، ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾. يضاف إلى ذلك أن العالم الذي عاش فيه آدم في مستهل حياته لم يكن ( عالم تكليف ) بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع، بل عالم تربية فقط، فإطلاق " المعصية " و " التوبة " و " ظلم النفس " مما ورد في قصة آدم هو بغير المعنى الشرعي المعروف، وتوبة الله عليها بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة،
وقوله تعالى في سورة البقرة في نهاية قصة آدم :﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الآيتان : ٣٨، ٣٩ ] هو الذي بين لهم به الحق سبحانه وتعالى أن المعصية إن وقعت بعد ذلك اليوم يكون جزاؤها جهنم ".
وبنفس المعنى جاء قول الله تعالى في هذا الربع في ختام نفس القصة :﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ كأن التكليف لم يكن مفعوله من قبل ساريا ولا حكمه سائدا، وإنما ابتدأ من الآن فصاعدا.
وجوابا عن سؤال :" كيف أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة، وكيف أزلهما الشيطان عنها "، أجاب القاضي عبد الجبار في كتابه ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) قائلا ما خلاصته :" إن آدم وحواء اعتقدا أن الله تعالى إنما نهى عن شجرة بعينها، لا أنه نهى عن جنس الشجر كله، ولما ذهلا عن هذا التأويل وقع ما وقع، ولذلك قال تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ ثم من بعد ذلك تاب الله عليهما، فزال تأثير تلك المعصية، ولذلك قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾.
ومن لطائف التفسير التي عرفتها هذه القصة ما أبدع به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) عند تحليله لها إذ قال :" حاش لله أن يقع الأنبياء في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة، فوقع فيها ( متعمدا ناسيا )، فقيل في تعمده ( عصى آدم ربه )، وقيل في بيان عذره ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ﴾. ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ".
ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره " أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين، وإنما أوجبت تأديبا عاجلا، لأن الإنسان يومئذ كان في طور كطور الصبا، فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوة آدم، ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾. يضاف إلى ذلك أن العالم الذي عاش فيه آدم في مستهل حياته لم يكن ( عالم تكليف ) بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع، بل عالم تربية فقط، فإطلاق " المعصية " و " التوبة " و " ظلم النفس " مما ورد في قصة آدم هو بغير المعنى الشرعي المعروف، وتوبة الله عليها بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة،
وقوله تعالى في سورة البقرة في نهاية قصة آدم :﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الآيتان : ٣٨، ٣٩ ] هو الذي بين لهم به الحق سبحانه وتعالى أن المعصية إن وقعت بعد ذلك اليوم يكون جزاؤها جهنم ".
وبنفس المعنى جاء قول الله تعالى في هذا الربع في ختام نفس القصة :﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ كأن التكليف لم يكن مفعوله من قبل ساريا ولا حكمه سائدا، وإنما ابتدأ من الآن فصاعدا.
وجوابا عن سؤال :" كيف أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة، وكيف أزلهما الشيطان عنها "، أجاب القاضي عبد الجبار في كتابه ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) قائلا ما خلاصته :" إن آدم وحواء اعتقدا أن الله تعالى إنما نهى عن شجرة بعينها، لا أنه نهى عن جنس الشجر كله، ولما ذهلا عن هذا التأويل وقع ما وقع، ولذلك قال تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ ثم من بعد ذلك تاب الله عليهما، فزال تأثير تلك المعصية، ولذلك قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾.
ومن لطائف التفسير التي عرفتها هذه القصة ما أبدع به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) عند تحليله لها إذ قال :" حاش لله أن يقع الأنبياء في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة، فوقع فيها ( متعمدا ناسيا )، فقيل في تعمده ( عصى آدم ربه )، وقيل في بيان عذره ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ﴾. ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ".
ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره " أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين، وإنما أوجبت تأديبا عاجلا، لأن الإنسان يومئذ كان في طور كطور الصبا، فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوة آدم، ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾. يضاف إلى ذلك أن العالم الذي عاش فيه آدم في مستهل حياته لم يكن ( عالم تكليف ) بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع، بل عالم تربية فقط، فإطلاق " المعصية " و " التوبة " و " ظلم النفس " مما ورد في قصة آدم هو بغير المعنى الشرعي المعروف، وتوبة الله عليها بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة،
وقوله تعالى في سورة البقرة في نهاية قصة آدم :﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الآيتان : ٣٨، ٣٩ ] هو الذي بين لهم به الحق سبحانه وتعالى أن المعصية إن وقعت بعد ذلك اليوم يكون جزاؤها جهنم ".
وبنفس المعنى جاء قول الله تعالى في هذا الربع في ختام نفس القصة :﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ كأن التكليف لم يكن مفعوله من قبل ساريا ولا حكمه سائدا، وإنما ابتدأ من الآن فصاعدا.
ووجه كتاب الله في نهاية هذه السورة الخطاب إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، مستخلصا العبرة من قصة آدم وقصة موسى، منبها إياه إلى الائتساء بهما والاقتداء، في مكافحة العوائق ومواجهة الأعداء، داعيا رسوله الأعظم إلى الاستعانة على تبليغ الرسالة وأداء الأمانة بالصبر على المكاره والأغيار، والتسبيح آناء الليل وأطراف النهار، والتمسك بالقناعة والتوكل على الله في قضاء الأوطار، والتربص بأعداء الله والانتظار ﴿ لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ﴾ ﴿ فاصبر على ما يقولون ﴾ ﴿ قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ﴾.
ووجه كتاب الله في نهاية هذه السورة الخطاب إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، مستخلصا العبرة من قصة آدم وقصة موسى، منبها إياه إلى الائتساء بهما والاقتداء، في مكافحة العوائق ومواجهة الأعداء، داعيا رسوله الأعظم إلى الاستعانة على تبليغ الرسالة وأداء الأمانة بالصبر على المكاره والأغيار، والتسبيح آناء الليل وأطراف النهار، والتمسك بالقناعة والتوكل على الله في قضاء الأوطار، والتربص بأعداء الله والانتظار ﴿ لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ﴾ ﴿ فاصبر على ما يقولون ﴾ ﴿ قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ﴾.
ووجه كتاب الله في نهاية هذه السورة الخطاب إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، مستخلصا العبرة من قصة آدم وقصة موسى، منبها إياه إلى الائتساء بهما والاقتداء، في مكافحة العوائق ومواجهة الأعداء، داعيا رسوله الأعظم إلى الاستعانة على تبليغ الرسالة وأداء الأمانة بالصبر على المكاره والأغيار، والتسبيح آناء الليل وأطراف النهار، والتمسك بالقناعة والتوكل على الله في قضاء الأوطار، والتربص بأعداء الله والانتظار ﴿ لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ﴾ ﴿ فاصبر على ما يقولون ﴾ ﴿ قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ﴾.