ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا﴾ قال أبو عبيدة والأخفش: ﴿سُورَةٌ﴾ رفع بالابتداء، وخبرها في ﴿أَنْزَلْنَاهَا﴾ (١). وهذا القول اختيار صاحب النظم.وأنكر الفراء والمبرد والزجاج هذا القول.
فقال الفراء: ترفع السورة بإضمار هذه سورة أنزلناها. ولا ترفعها (٢) براجع ذكرها (٣)؛ لأن النكرات لا يبتدأ بها قبل أخبارها، إلا أن يكون ذلك جوابًا، ألا ترى أنك لا تقول: رجل قام، إنما الكلام أن تقول: قام رجلٌ.
وجوز ابن عطيَّة في "المحرر" ١٠/ ٤١٤، وتبعه أبو حيَّان في "البحر" ٦/ ٤٢٧، والسمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ٣٧٧ أن تكون "سورة" رفعًا بالابتداء وقوله "أنزلناها" صفة لها، قال السمين: وذلك هو المسوِّغ للابتداء بالنكرة.
وفي الخبر عند هؤلاء وجهان:
أحدهما -وهو قول ابن عطية-: أن الخبر هو الجملة من قوله "الزانية والزاني" وما بعدها، والمعنى: السورة المنزلة المفروضة كذا وكذا.
الثاني: الخبر محذوف مقدم، أي: فيما يتلى عليكم سورة، أو فيما يوحى إليك سورة، أو فيما أنزلنا سورة. قاله أبو حيان والسمين.
(٢) في (ظ)، (ع): (ولا ترفع)، والمثبت منه (أ)، "معاني القرآن" للفراء.
(٣) في (أ): (وذكرها).
وقال المبرّد: ﴿سُوَرُةُ﴾ رفع على خبر الابتداء، لا على الابتداء لأنَّها نكرة، وتأويله: هذه سورة أنزلناها، ونظير ذلك قولك: رجلٌ والله، أي هذا رجلٌ، وذلك إذا قلت: خير، عند قول القائل: ما أمرك؟ فإنما التقدير: هو خير، أو: أمري خير. وذلك قول القائل عند شدة البرد والحر: برد شديد وحر شديد (٥).
وقال الزَّجاج: وجه الرفع: هذه سورة أنزلناها. ورفعها بالابتداء قبيح، لأنها نكرة و ﴿أَنْزَلْنَاهَا﴾ صفة لها (٦).
قوله ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ قرئ بالتخفيف والتشديد (٧).
قال أبو إسحاق: من خفف فمعناها: ألزمناكم العمل بما فرض فيها.
(٢) (رجل) ساقطة من (ع).
(٣) في (ظ)، (ع): (إذا).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٤ مع اختلاف وتصرّف.
(٥) ذكره القرطبي في "تفسيره" ١٢/ ١٥٨ عن المبرد باختصار.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٧. وفيه: فأما ارفع فعلى إضمار هذه سورة. وقد تقدّم ذكر قول السمين في بيان المسوّغ للابتداء بالنكرة.
(٧) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (وفرَّضْناها) بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف (وفَرَضْناها). انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ٤٥٢، و"التيسير" للداني ص ١٦١ و"الغاية" للنيسابوري ص ٢١٧، و"النشر" لابن الجزري ٢/ ٣٣٠.
وذكرنا معنى الفرض في اللغة عند قوله ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ [البقرة: ١٩٧].
وقال أبو علي: معنى ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ فرضنا فرائضها أي الفرائض المذكورة فيها (٢) فحذف المضاف. والتخفيف يصلح للقليل والكثير، ومن حجة التخفيف قوله ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ﴾ [القصص: ٨٥]، والمعنى: أحكام القرآن وفرائض القرآن، كما أن التي في هذه السورة كذلك. والتثقيل في ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ لكثرة ما فيها من الفرائض (٣).
قال ابن عباس في رواية مجاهد في قوله ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾: بيناها (٤) (٥).
(٢) هذا الكلام المعترض من كلام الواحدي. وقد تقدم ذكر قول السمين في بيان المسوّغ للابتداء بالنكرة.
(٣) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٠٩ مع تقديم وتأخير. وقيل التشديد للمبالغة في الإيجاب وتوكيدًا.
وانظر في توجيه القرائتين أيضًا: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٤٥، "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٩٨، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٩٤، "البحر المحيط" ٦/ ٤٢٧، و"الدر المصون" ٨/ ٣٧٩.
(٤) بيناها: ساقطة من (ع). وبدلًا منها: يعني الأمر. وهو انتقال نظر من الناسخ.
(٥) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٥ ب من طريق مجاهد عن ابن عباس به. وانظر: "تغليق التعليق" ٤/ ٢٦٣ - ٢٦٤
ورواه الطبري في "تفسيره" ١٨/ ٦٦ من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، به.
وقال مجاهد: ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ يعني الأمر بالحلال والنهي عن الحرام (٢).
وهذا يعود إلى معنى: أوجبناها. ويجوز أن تكون بمعنى التبيين.
والنكتة في التفسير ما ذكره أبو علي من أن هذا من باب حذف المضاف (٣).
٢ - قوله عزّ وجل: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ ذكرنا الكلام في وجه ارتفاع الزانية عند قوله ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ الآية [المائدة: ٣٨] (٤).
﴿فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ معنى الجلد في اللغة: ضرب الجلد.
يقال: جلده؛ إذا ضرب جلده. كما تقول: رأسه وبطنه، إذا ضرب رأسه وبطنه (٥). وليس حكم (٦) الآية على ظاهرها (٧)؛ لأن جلد المائة ليس
(٢) رواه الطبري ١٨/ ٦٥، وابن أبي حاتم ٧/ ٦ أ، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢٤ وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٣) انظر: "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٠٩.
(٤) "الزانية" رفع بالابتداء، وفي خبرها وجهان:
أحدهما: أنه محذوف. قال سيبويه ١/ ١٤٣: كأنَّه لما قال -جل ثناؤه-: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا﴾ قال: في الفرائض الزانية والزاني، أو: الزانية والزاني في الفرائض. اهـ. وقدَّره بعضهم: فيما يتلى عليكم الزانية.
الثاني: أن خبره جملة الأمر ﴿فَاجْلِدُوا﴾، ودخلت الفاء لشبه المبتدأ بالشرط. وهو
قول الفراء والزجاج والمبرد والزمخشري وغيرهم. انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٤، "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٨، "مشكل إعراب القرآن" لمكي بن أبي طالب ٢/ ٥٠٨، "الكشاف" ٣/ ٤٧، "البيان" للأنباري ٢/ ١٩١، "البحر المحيط" ٦/ ٤٢٧، "الدر المصون" ٨/ ٣٧٩.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٦٥٦ (جلد).
(٦) (حكم) ساقطة من (أ).
(٧) لو قيل: وليس حكم، والآية على عمومها لكان أولى.
فالمراد بالزانية والزاني المذكورين في هذه الآية. هما اللذان جمعا هذه الأوصاف، وجلدهما يجب بنص الكتاب، وتغريب عام يجب بالسنة (٢).
قوله ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾ يقال: رؤف (٣) يرؤف رأفة ورآفةً، مثل النشأة والنشاءة (٤). قال أبو زيد: رأف يرأف، وكل من كلام العرب (٥).
وقرأ ابن كثير ﴿رَأْفَةٌ﴾ هاهنا بفتح الهمزة (٦).
(٢) روى البخاري في "صحيحه" (كتاب الحدود- باب: البكران يجلدان وينفيان، ١٢/ ١٥٦) عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر فيمن زنى ولم يحصن جلد مائة وتغريب عام.
(٣) في (ظ)، (ع): (رأف).
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٥، و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٨، و"تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٢٣٨ (روى)، و"الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٦٧ أ.
(٥) قول أبي زيد في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٢٣٨ (روى)، و"الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣١٠ وقد نقله الواحدي عن أحدهما.
فظهر بذلك أن في "رأف" ثلاث لغات: رؤف، رأف، رئف. ولذا قال الفيروزآبادي ٣/ ١٤٢: رأف الله تعالى بك مثلثة وانظر أيضًا "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٣٦٢، "لسان العرب" لابن منظور ٩/ ١١٢ (رأف).
(٦) أي "رأفة". وقرأ الباقون بإسكان الهمزة. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ٤٥٢، و"التيسير للداني" ص ١٦١، و"الغاية" للنيسابوري ص ٢١٧، و"النشر" لابن الجزري ٢/ ٣٣٠.
ولم يقرأ التي في سورة الحديد وهي قوله ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً﴾ [الحديد: ٢٧] مفتوحة الهمز (٢)؛ لأن العرب لا تجمع بين أكثر من ثلاث فتحات (٣)، ولو فتح الهمز في الحديد لاجتمع أربع فتحات.
وذكر قولان في معنى هذه الآية:
أحدهما: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾ فتعطلوا الحد ولا تقيموه رحمة عليهما وشفقة. وهو قول مجاهد في رواية ابن أبي نجيح (٤)، والكلبي (٥)، وعطاء (٦)،
قال مكي في "الكشف" ٢/ ١٣٣: وهما لغتان في "فعل وفَعْله" إذا كان حرف الحلق عينه أو لامه. والفتح الأصل، وهو مصدر، والإسكان فيه أكثر وأهر.
وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٤٦، و"إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٩٩، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٩٥.
(٢) قرأ ابن كثير آية الحديد بإسكان الهمزة كالباقين.
انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ٤٥٢ و"التيسير" للداني ص ١٦١، و"النشر" لابن الجزري (٢/ ٣٣٠).
(٣) من قوله: لأن العرب.. إلى هنا هذا كلام الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٦٧ أ.
(٤) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٠، وفي "مصنفه" ٧/ ٣٦٧، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٠/ ٦٣، ٦٤، والطبري ١٨/ ٦٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٧ أعن طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢٥ عن مجاهد، ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٥) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٠، وفي "مصنفه" ٧/ ٣٦٧.
(٦) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٧/ ٣٦٧، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٧ ب)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٠/ ٦٤، والطبري ١٨/ ٦٧، وابن أبي حاتم ٧/ ٧ أ. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢٥٨ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.
وهو اختيار الفراء وأبي علي.
قال الفراء: يقول: لا ترأفوا بالزاني والزانية فتعطلوا حدود الله (٦).
وقال أبو علي: كأنه نهى عن رحمتهما؛ لأن رحمتهما قد تؤدي إلى تضييع لحد وترك إقامته عليهما (٧).
القول الثاني: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾ فتخففوا الضرب ولا توجعوهما.
وهو قول الحسن، وسعيد بن المسيب، والزهري، وإبراهيم، وقتادة، كل هؤلاء قالوا (٨): يوجع الزاني ضربًا ولا يخفف رأفة.
(٢) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٦٧ أ.
وروى الطبري ١٨/ ٦٧، وابن أبي حاتم ٧/ ٧ أعنه في قوله "ولا تأخذكم بهما رأفة" قال: الجلد.
(٣) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٦٧ أ.
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٠/ ٦٣، والطبري ١٨/ ٦٨ عنه قال: الضَّرْب.
زاد الطبري: الشديد.
وروى عبد بن حميد كما في "الدر المنثور" ٦/ ١٢٥ عنه وعن إبراهيم النخعي قالا: شدة الجلد في الزنا، ويعطى كل عضو من حقه، وهذه الرواية ورواية الطبري مشعرة بأن الشعبي يقول بالقول الثاني. والله أعلم.
(٤) في (ع): (قال وفي).
(٥) هذا كلام أبي مجلز.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٥.
(٧) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣١٠.
(٨) ذكره الثعلبي ٣/ ٦٧ أعن الحسن وسعيد.
وجلد ابن عمر جارية له (١) قد أحدثت (٢).
قال نافع (٣): فقلت له: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾! قال: أو أخذني بها رأفة؟ إنَّ الله لم يأمرني أن أقتلها ولا أن أجعل جلدها في رأسها، وقد أوجعت حين ضربت (٤).
ورواه ابن أبي حاتم ٧/ ٧ أبهذا اللفظ عن الحسن وحده.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢٥ عن الحسن، وعزاه لعبد بن حميد والطبري.
ورواه عن الزهري وقتادة: عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٠، والطبري ١٨/ ٦٨.
وروى عبد بن حميد كما في "الدر المنثور" ٦/ ١٢٥ عن إبراهيم -يعني النخعي- وعامر -يعني الشعبي- في قوله: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾ قالا: شدة الجلد في الزنا، ويعطى كل عضو منه حقه. لكن روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٠/ ٦٣، والطبري ١٨/ ٦٣ عنه قال: الضرَّب.
ولذا ذكره الثعلبي ٣/ ٦٧ أمع القائلين بالقول الأول، وقبله الطبري، فإنَّه لما ذكر الروايات عن قائلي القول الأول ذكر الرواية عن إبراهيم بأنَّه الضرب.
(١) له: ساقطة من (ع).
(٢) أحدثت: أي: زنت. انظر: "لسان العرب" ٢/ ١٣٤ (حدث).
(٣) ظاهر سياق الواحدي لهذا الأثر عن ابن عمر أن نافعًا هو مولى ابن عمر، أبو عبد الله المدني، وهو الذي قال لابن عمر: فقلت له..
والصحيح أن نافعًا هذا هو أحد رواة هذا الأثر -كما سنبين ذلك عند سوقنا للروايات- وقد وهم الواحدي في سياقه لهذا الأثر.
ونافع هنا: هو نافع بن عمر بن عبد الله، الجمحي، الإمام الحافظ، المكي.
(٤) رواه الطبري ١٨/ ٦٦ - ٦٧ قال: حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا يحيى بن أبي =
قوله ﴿فِي دِينِ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس: في حكم الله، كقوله ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾ [يوسف: ٧٦] أي في: حكمه (٢).
وقال مقاتل: في أمر الله (٣).
ورواه ابن أبي حاتم ٧/ ٦ ب قال: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي، حدثنا وكيع، عن نافع عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر: أن جارلة لابن عمر زنت، فضرب رجليها. قال نافع: أراه قال وظهرها. قال: قلت: لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله! قال: يا بُنيّ ورأيتني أخذتني بها رأفة! إن الله لم.. ضربت.
يتبين بذلك أن قول نافع معرض في الرواية لبيان أنَّه يظن أن عبيد الله قال في حديثه: "وظهرها"، ثم عاد إلى سوق الرواية فقوله: "فقلت": القائل هو عبيد الله بن عبد الله بن عمر، يقول لأبيه عبد الله وقد جاء هذا الأثر من غير رواية نافع، فرواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٧/ ٣٧٦، والطبري ١٨/ ٦٧، والبيهقي في "السنن" ٨/ ٢٤٥ من طريق ابن جريج قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر: أن عبد الله بن عمر حد جارلة له،.. فذكره بنحوه.
وإسناد الطريق الأول والثاني صحيح.
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٨.
قال ابن العربي في "أحكام القرآن" ٣/ ١٣٢٦: وهو عندي محمول عليهما جميعًا، فلا يجوز أن تحمل أحدًا رأفةٌ على زان بأن يسقط الحد أو يخففه عنه.
(٢) ذكره عنه ابن الجوزي ٨/ ٦ مختصرًا. وذكره بمثل ما هنا الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٦٧ أ، والقرطبي ١٢/ ١٦٦ من غير نسبة لأحد.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٤ أ.
وهذا يقوّي القول الأول؛ لأن قوله ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ﴾ كالوعيد في ترك الحد، ومثل هذا الوعيد لا يلحق في التخفيف.
قوله: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا﴾ أي: وليحضر ضرب الزانيين.
﴿طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (٢) رجل فما فوقه إلى ألف (٣).
وهو قول ابن عباس في رواية الكلبي عن أبي صالح (٤)، وإبراهيم (٥).
وقال عطاء: رجلان فصاعدًا (٦).
وهو قول عكرمة (٧)، ومقاتل بن سليمان قال: يعني رجلين فصاعدًا، يكون ذلك نكالًا لهما (٨).
وقال الزهري: ثلاثة فصاعدًا (٩).
(٢) في (أ): زيادة (قال) بعد قوله: (المؤمنين).
(٣) هذا قول مجاهد. رواه عنه الطبري ١٨/ ٦٩ وابن أبي حاتم ٧/ ٧ ب.
(٤) روى الفراء في "معاني القرآن" ٢/ ٢٤٥ قال: حدثني حبان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس أنه واحد فما فوقه.
ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٧ ب من طريق علي بن أبي طلحة عنه، من غير قوله إلى ألف.
(٥) ذكره الثعلبي ٣/ ٦٧ ب. ورواه الطبري ١٨/ ٦٩.
(٦) ذكره الثعلبي ٣/ ٦٧ ب. ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٠، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٠/ ٦٠، والطبري ١٨/ ٦٩.
(٧) ذكره الثعلبي ٣/ ٦٧ ب، ورواه الطبري ١٨/ ٦٩، وابن أبي حاتم ٧/ ٧ ب.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٤ أ.
(٩) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٦٧ ب. ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٠/ ٦١، و"الطبري" ١٨/ ٧٠، وابن أبي حاتم ٨/ ٧ أ.
وقال الحسن: ﴿طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي عشرة (٢).
وقال قضادة: نفرٌ من المسلمين (٣).
وروي عن ابن عباس: أربعة إلى أربعين (٤).
قال أبو إسحاق: أمّا من قال: واحد. فهو على غير ما عند أهل اللغة؛ لأنّ الطائفة في معنى جماعة، وأقل الجماعة اثنان. فأقل ما يجب في الطائفة عندي اثنان. والذي ينبغي أن يتحزى في شهادة عذاب الزنا (٥) أن يكونوا جماعة؛ لأن الأغلب على الطائفة الجماعة (٦).
٣ - قوله تعالى: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.
كثر الاختلاف من المفسرين والعلماء وأهل المعاني في معنى الآية
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٠/ ٦١. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢٦ وعزاه لعبد بن حميد.
(٣) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٦٧ ب. ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٠، والطبري ١٨/ ٧٠، وابن أبي حاتم ٨/ ٧ أ.
(٤) ذكره عنه النيسابوري في "غرائب القرآن" ١٨/ ٥٧ دون قوله أربعة، وزاد من المصدقين بالله.
(٥) في "معاني القرآن" ٤/ ٢٩: عذاب الزاني.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٨، ٢٩.
قال أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن" ٣/ ١٣٢٨: سياق الآية هاهنا يقتضي أن يكونوا جماعة لحصول المقصود من التشديد والعظة والاعتبار.
ثم قال: والصحيح سقوط العدد واعتبار الجماعة الذين يقع بهم التشديد من غير حدّ.
روى القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عمرو في هذه الآية قال: كانت نساء بالمدينة بغايا، فكان الرجل المسلم يتزوج المرأة منهن لتنفق عليه، فنهوا عن ذلك (٢).
وقال الزهري: كان في الجاهلية بغايا معلوم ذلك منهن، فأراد ناسٌ من المسلمين نكاحهن، فأنزل الله هذه الآية (٣).
وقال القاسم بن أبي بزَّة: كان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية التي قد علم ذلك منها يتخذها مأكلة، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الجهة فنهوا عن ذلك (٤).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" ١٨/ ٧١، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٩٦ من طريق القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عمر وبنحوه.
وقد رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٩/ ١٩٤ - ١٩٥، والنسائي في "تفسيره" ٢/ ١١٠، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ١٩٣ - ١٩٤، والطبري ١٨/ ٧١، وابن أبي حاتم ٧/ ١١ أمن طريق آخر عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عمر: "أن رجلاً من المسلمين استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في امرأة يقال لها أم مهزول، وكانت تسافح، وتشترط له أن تنفق عليه. قال فاسأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو ذكر له أمرها. قال: فقرأ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ﴿الزَّانِيَةُ﴾ الآية.
وقد ضعَّف العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" ٩/ ١٩٤ - ١٩٥ إسناد الطريقين.
وقال النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤٩٩: حديث القاسم عن عبد الله مضطرب الإسناد.
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٠، ٥١، والطبري في "تفسيره" ١٨/ ٧٣.
(٤) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥١، والطبري في "تفسيره" ١٨/ ٧٣.
ونحو هذا روى العوفي (٤) وشعبة (٥) مولى ابن عباس، عنه.
(٢) في (أ): (مخاطيب الرحال)، وفي (ظ): (مخاصيب الرجال)، وفي (ع): (مخاضيب الرجال)، ولعلها: مخاصيب الرِّحال. ففي "تفسير ابن أبي حاتم" ٧/ ٨ ب، و"الدر المنثور" ٦/ ١٢٩ عن مقاتل بن حيّان: وكنَّ من أخصب أهل المدينة.
قال ابن منظور في "لسان العرب" ١/ ٣٥٦ "خصب" والرجل إذا كان كثير خير المنزل يقال: إنه خصيب الرَّحل.
(٣) لم أجده من هذه الرواية، وقد تقدم أنَّ رواية الكلبي عن ابن عباس باطل.
(٤) رواية العوفي عن ابن عباس رواها الطبري ١٨/ ٧٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٩ أوهي ضعيفة.
(٥) هو: شعبة بن دينار -وقيل: اسم أبيه يحيى- الهاشمي مولاهم، أبو عبد الله ويقال: أبو يحيى، مولى عبد الله بن عباس.
روى عن مولاه. وروى عن ابن أبي ذئب وعدد من أهل المدينة توفي في خلافة هشام بن عبد الملك.
قال أحمد: ما أرى به بأسًا. وقال ابن معين -في رواية-: ليس به بأس.
وقال ابن عدي: أرجو أنَّه لا بأس به. وقال العجلي: جائز الحديث.
وضعَّفه آخرون: فقد سئل عنه مالك فقال: ليس بثقة.
وقال ابن معين -في رواية-: لا يكتب حديثه. وقال أبو حاتم والنسائي والجوزجاني: =
وقال أبو زرعة والساجي: ضعيف. وقال البخاري: يتكلم فيه مالك، ويحتمل منه.
وقال ابن سعد: ولا يحتج به.
وقال ابن حيان: روى عن ابن عباس ما لا أصل له حتى كأنه ابن عباس آخر.
وقال ابن حجر: صدوق سيء الحفظ.
انظر: "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد بن حنبل ٢/ ٣٥، و"الجرح والتعديل" ٤/ ٣٦٧، "طبقات ابن سعد" ٥/ ٢٩٤، "أحوال الرجال" للجوزجاني ص ١٣٣، "الضعفاء والمتروكين" للنسائي ص (٢٥٦)، "المجروحين" لابن حبان ٢/ ٣٦١، "الكامل" و"الضعفاء" لابن عدي ٤/ ١٣٣٩، "ميزان الاعتدال" للذهبي ٢/ ٢٧٤، "تهذيب التهذيب" ٤/ ٣٤٦، "تقريب التهذيب" ١/ ٣٥١.
ورواية شعبة عن ابن عباس رواها ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٧٢، والطبري ١٨/ ٧٢، وذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢٩ هذه الرواية من طريق شعبة وتصحفت في المطبوع إلى سعيد عن ابن عباس، ونسبها أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردوية، وليس عند ابن أبي حاتم ٧/ ٩ أذكر سبب النزول.
وهذه الرواية عن ابن عباس ضعيفة، لسوء حفظ شعبة.
(١) ذكره الثعلبي ٣/ ٦٨ أعن عكرمة ومجاهد وعطاء.
وعن عكرمة رواه الطبري ١٨/ ٧٣.
وعن مجاهد رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٠ - ٥١، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٧٢ - ٢٧٣، والطبري ١٨/ ٧٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٨ ب.
وعن عطاء رواه الطبري ١٨/ ٧٢، وابن أبي حاتم ٧/ ١١ أ.
(٢) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٩ أ. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢٧ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٤ أ - ب.
(٤) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٦٨ أ، ورواه الطبري ١٨/ ٧٣.
وعلى هذا القول حرم على المؤمنين أن يتزوجوا تلك البغايا المعلنات بزناهن وذكر أن من فعل ذلك وتزوج واحدة منهن فهو زان. والآية خاصة في تحريم نكاح المعلنة بزناها. وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء (٣).
وروى عطاء عن ابن عباس -في هذه الآية- قال: يريد لا يحل لمؤمن أن يتزوج زانية مشهورة بالزنّا ولا عابد صنم، ولا يحل لمؤمنة أن تتزوج مشركًا من عبدة الأصنام ولا مشهورًا بالزنا.
ومذهب مجاهد -في هذه الآية- أنَّ التحريم لم يكن إلا على أولئك خاصة دون الناس (٤).
ومذهب سعيد بن المسيب: أن هذه الآية منسوخة، نسختها التي بعدها وهي قوله: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: ٣٢] قال: فيقال إن الزواني من أيامى المسلمين (٥).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٥، و "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٩.
(٣) روى الطبري ١٨/ ٧٢ معنى هذا عن عطاء وفي آخره: قيل له -يعني لعطاء- أبلغك عن ابن عباس؟ قال: نعم.
(٤) ذكر هذا القول عن مجاهد: أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٠١ بعد أن روى عنه أنَّه قال -في قوله ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ﴾ الآية-: كان رجالٌ يريدون الزنا بنساء زوان بغايا معلنات، كنَّ كذلك في الجاهلية، فقيل لهم: هذا حرام، فأرادوا نكاحهن فحرم عليهم نكاحهن.
(٥) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٠٠، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٧ ب)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٧١، والطبري ١٨/ ٧٤ - ٧٥، =
وقد جاءت أخبار فيها دلائل على جواز تزوج الزانية:
وهي ما رُوي أن رجلاً ضاف رجلاً، فافتض أخته، فرفع إلى أبي بكر -رضي الله عنه- فسألهما، فاعترفا، فجلدهما مائة مائة، ثم زوّج أحدهما من الآخر مكانه، ونفاهما سنة (٣).
وروي أنّ غلامًا فجر بجارية، فسئلا، فاعترفا، فجلدهما عمر بن الخطاب، ثم حرص على أن يجمع بينهما فأبى الغلام (٤).
وروي عن ابن مسعود: أنه سئل عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يريد أن يتزوجها؟ قال: لا بأس بذلك (٥).
(١) في (أ): (ذهب).
(٢) "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص ١٠١.
(٣) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٠١. ١٠٢، والبيهقي في "السنن "الكبرى" ٨/ ٢٢٣ عن ابن عمر أو صفية وهي بنت أبي عبيد.
ورواه بنحوه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٤٩ عن الزهري.
(٤) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٠٢، وسعيد بن منصور في "سننه" ١/ ٢١٦، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٤٨، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ١٥٥.
(٥) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٠٣، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ١٥٦. وقد جاء خلاف هذا القول عن ابن مسعود، فقد روى سعيد بن منصور في "سننه" ١/ ٢١٨، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ١٥٦ عنه في الرجل يفجر =
وبين ابن عباس فيما روى عنه عكرمة لهذا تمثيلًا حسنًا فقال: إنَّما مثل ذلك مثل رجل أتى حائطًا فسرق منه، ثم أتى صاحبه فالشترى منه (٢)، فما سرق حرام وما اشترى حلال (٣)
والإجماع اليوم على هذا، وهو أن تزوج الزانية يصح (٤)، وإن زنت لم يفسد النكاح (٥).
قال الضحاك: إذا فجرت لم يفرق بينهما، كما أنه لو فجر لم يفرق بينهما (٦).
قال أبو عبيد: فهذا مذهب من رأى أن الآية منسوخة غير معمول بها، ولهذا ترخصوا في تزويج البغايا وإمساكهن. وهي عند آخرين من العلماء
قال البيهقي: ومع من رخص فيه دلائل الكتاب والسنة.
(١) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٠٣.
وقد روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٤٩، ٢٥٠ عن جابر -رضي الله عنه- قال: إذا تابا وأصلحا فلا بأس.
(٢) في (ع) زيادة: ما سرق. بعد قوله: (فاشترى منه).
(٣) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٠٤ عن ابن عباس.
ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٤٩ عن عكرمة قال: لا بأس هو بمنزلة رجل سرق نخلة ثم أشتراها.
(٤) في (ظ)، (ع): (فيصح) مهملف
(٥) انظر: "الحاوي" ٩/ ١٨٨ - ١٩٠، "المغني" ٩/ ٥٦١ - ٥٦٥، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٢/ ١٧٠.
(٦) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٠٥.
روي أن عليًّا -رضي الله عنه- فرّق بين زوجين بزنا أحدهما (٢).
وروي مثل هذا عن الحسن (٣) وإبراهيم (٤).
قال أبو عبيد: إذا عاين منها الفجور لم يكن ذلك تحريمًا بينهما ولا طلاقًا، غير أنَّه يؤمر بطلاقها أمرًا ويخاف عليه الإثم في إمساكها (٥)؛ لأنَّ الله تعالى إنما اشترط على المؤمنين نكاح المحصنات فقال: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤]. ومع هذا لا يأمنها أن توطئ فراشه غيره، فتلحق به نسبًا ليس منه فيرث ماله، ويطلع على حرمته، فأي ذنب أعظم من هذا؟ بأن (٦) يكون لها (٧) معينًا بإمساكها. ولا أحسب الذين ترخصوا في ذلك بعد الفجور إلا بالتوبة (٨) تظهر منها، كالذي يحدث به عن ابن عباس: أنه سئل عن رجل أراد أن ينكح امرأة قد زنا بها؟ فقال: ليردها على الزنا فإن فعلت
(٢) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٠٥ وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٦٣ - ٢٦٤ من طريق سماك عن حنش -وتصحف في المطبوع من ابن أبي شيبة إلى حسن- بن المعتمر.
وذكره البيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ١٥٦ بغير إسناد. ثم قال: وحنش غير قوي.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٦٤.
(٤) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٠٦، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٦٤.
(٥) في (أ): (إمساكه)، والمثبت من (ظ)، (ع) والناسخ والمنسوخ.
(٦) في "الناسخ والمنسوخ": (أنْ).
(٧) في (ع): (له).
(٨) في "الناسخ والمنسوخ": (إلا بتوبة).
قال (٢): وقد تسهَّل قوم في نكاحها، وإن لم تظهر منها توبة، واحتجوا بحديث الذي قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إنَّ امرأته لا ترد يد لامس. فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاستمتاع منها (٣) وإمساكها (٤) (٥).
(٢) يعني أبا عبيد.
(٣) في (١): (معها)، والمثبت من (ظ)، (ع) والناسخ والمنسوخ.
(٤) وإمساكها: ليست في الناسخ والمنسوخ.
(٥) رواه النسائي في "سننه" (كتاب: النكاح- باب: تزويج الزانية ٦/ ٦٧) من طريق حمّاد بن سلمة وغيره، عن هارون بن رئاب وعبد الكريم، عن عبد الله بن عبيد الليثي، عن ابن عباس عبد الكريم يرفعه إلى ابن عباس، وهارون لم يرفعه.
قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنَّ عندي امرأة هي من أحب الناس إليَّ، وهي لا تمنع يد لامس قال: "طلقها" قال: لا أصبر عنها. قال: "استمتع بها". قال النسائي بعد روايته: هذا الحديث ليس بثابت، وعبد الكريم ليس بالقوي، وهارون بن رئاب أثبت منه وقد أرسل الحديث، وهارون ثقة وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم.
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٦٤ بعد ذكره لكلام النسائي المتقدم-: عبد الكريم ابن أبي المخارق البصري المؤدب تابعي ضعيف الحديث، وقد خالفه هارون بن رئاب وهو تابعي ثقة من رجال مسلم فحديثه المرسل أولى كما قال النسائي. اهـ.
لكن قد جاءت الرواية عن ابن عباس مسندة من وجه آخر غير طريق عبد الكريم. فقد رواه أبو داود في "سننه" (كتاب: النكاح- باب: النهي عن تزويج من لم يلد من النساء ٦/ ٤٥)، والنسائي في "سننه" (كتاب: الطلاق- باب: ما جاء في الخلع ٦/ ١٦٩ - ١٧٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ١٥٤ - ١٥٥ من طريق عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذكره بنحوه. =
وقال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٦٤: وهذا الإسناد جيِّد.
وقال ابن حجر في "بلوغ المرام" ص ٢٠٣: ورجاله ثقات.
وصحَّح إسناده الألباني كما في تعليقه على "سنن النسائي" ٢/ ٧٣١.
وخالف في ذلك ابن الجوزي فحكم عليه بالوضع، وأوردوه في "الموضوعات" ٢/ ٢٧٢.
وقال ابن حجر في "تلخيص الحبير" ٣/ ٢٥٣ بعد نقله عن النووي تصحيح هذا الحديث-: نقل ابن الجوزي عن الإمام أحمد بن حنبل أنَّه قال: لا يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب شيء، وليس له أجل. وتمسَّك بهذا ابن الجوزي فأورده في "الموضوعات" مع أنه أورده بإسناد صحيح. اهـ.
ونقل الشوكاني في كتابه "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" ص ١٢٩ كلام ابن الجوزي في وضع الحديث، ثم ذكر من صحَّحه، ثم قال: وبالجملة فإدخال هذا الحديث في الموضوعات مجازفة ظاهرة.
وقال السندي في حاشيته على "سنن النسائي" ٦/ ٦٨: وقيل هذا الحديث موضوع، وردَّ بأنه حسن صحيح ورجال سنده رجال الصحيحين، فلا يلتفت إلى قول من حكم عليه الوضع. اهـ.
وقد ورد هذا الحديث عن جابر -رضي الله عنه-، رواه الطبري في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين في زوائد المعجمين" للهيثمي ٤/ ٢٠١ - ٢٠٢، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ١٥٥، والبغوي في "شرح السنَّة" ٩/ ٢٨٨.
وفي "تفسيره" أيضًا ٦/ ١٠، والخلاَّل كما في "تلخيص الحبير" لابن حجر ٣/ ٢٥٣ من طريق عبد الكريم الجزري، عن أبي الزبير، عن جابر، بنحو حديث ابن عباس. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٤/ ٣٣٥: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله رجال الصحيح.
هذا (٢) لا وجه له عندنا، والذي يُحمل (٣) عليه وجه الحديث أنَّه ليس يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، إنما يحدثه هارون بن رئاب (٤) عن عبد الله بن عبيد، ويحدثه عبد الكريم الجزري، عن أبي الزبير (٥). وكلاهما يرسله (٦). فإن كان له أصل، فإن معناه: أن الرجل وصف امرأته بالخُرق (٧) وضعف الرأي وتضييع ماله، فهي لا تمنعه [من طالب] (٨)، ولا تحفظه من سارق (٩).
(٢) في (ظ)، (ع): (هذه إلا وجه).
(٣) في (أ): (يحصل).
(٤) هو: هارون بن رئاب التميمي، الأسدي، البصري، أبو بكر أو أبو الحسن، أحد العلماء الربانيين العبّاد.
روى عن أنس وابن المسيب، وعنه الأوزاعي وشعبه. قال الذهبي وابن حجر: ثقة. "الكاشف" للذهبي ٣/ ٢١٣، "تقريب التهذيب" ٢/ ٣١١.
(٥) هو: محمد بن مسلم بن تدرس، أبو الزبير المكي، تقدم.
(٦) تقدّم أثناء تخريج الحديث روايات موصولة صحَّحها العلماء.
(٧) الخُرق: عدم إحسان العمل والتصرف في الأمور، والحُمْق. انظر: "القاموس المحيط" ٣/ ٢٢٦.
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ)، (ع).
(٩) ما اختاره أبو عبيد هنا منقول أيضًا عن الإمام أحمد والأصمعي وغيرهما.
وضعَّف أبو العباس بن تيمية في "الفتاوى" ٣٢/ ١١ هذا القول.
وقال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٦٤ وردَّ هذا بأنَّه لو كان المراد لقال: لا تردّ يد ملتمس.
ونقل ابن حجر في "تلخيص الحبير" ٣/ ٥٤ عن بعض أهل العلم أنه قال: السخاء =
وذكر الصنعاني في "سبل السلام" ٣/ ٣٦٠ هذا القول واستبده، وذكر نحو ما تقدم ثم قال: على أنَّه لم يتعارف في اللغة أن يقال: فلان لا يرد يد لامس، كناية عن الجود.
(١) يعني القول بان المراد بقول الرجل: لا ترد يد لامس هو الفجور.
وبهذا القول قال جماعة من العلماء، منهم: الخلال والنسائي وابن الأعرابي والخطابي والغزالي والنووي وغيرهم.
وقد ردّ الإمام أحمد وغيره هذا القول، فقال الإمام أحمد -كما نقل عنه- لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليأمره بإمساكها وهي تفجر.
وتقدّم ردّ أبي عبيد لهذا القول.
واستبعده ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٦٤ وبيِّن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يأذن في مصاحبة من هذا صفتها؛ لأنَّ زوجها -والحالة هذه- يكون ديوثًا.
وقال عنه الصنعاني في "سبل السلام" ٣/ ٣٦٠: إنَّه في غاية البعد، وذلك للآية (الزاني.. وحرم ذلك على المؤمنين)؛ ولأنَّه -صلى الله عليه وسلم- لا يأمر الرجل أن يكون ديوثًا. اهـ وأقرب الأقوال في توجيه "لا ترد يد لامس": أنَّ الرجل أراد أن سجيّتها لا ترد يد لامس، فهي سهلة الأخلاق ليس فيها نفور وحشمة عن الأجانب، لا أن هذا الأمر واقع منها وأنها تفعل الفاحشة.
قال أبو العباس ابن تيمية في "الفتاوى" ٣٢/ ١١٦: لفظ اللامس قد يراد به من مسَّها بيده وإن لم يطأها فإن من النساء من يكون فيها تبرّج، وإذا نظر إليها رجلٌ أو وضع عليها يده لم تنفر عنه، ولا تمكنه من وطئها، ومثل هذه نكاحها مكروه، ولهذا أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بفراقها ولم يوجب ذلك عليه لما ذكر أنَّه يحبّها؛ فإن هذه لم تزن ولكنها مذنبة ببعض المقدمات؛ ولهذا قال: لا ترد يد لامس فجعل اللمس باليد فقط، ولفظ اللمس والملامسة إذا عني الجماع لا يخص باليد، بل إذا قرن باليد فهو كقوله ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ [الأنعام: ٧] اهـ.=
ألستم لئامًا إذ ترومون جاركم (٢) | ولولاهم لم يدفعوا كفَّ لامس (٣) |
وقال ابن كثير ٣/ ٢٦٥: المراد إن سجيتها لا ترد يد لامس، لا أن المراد أن هذا واقع منها وأنها تفعل الفاحشة، ولما كان سجيتها هكذا ليس فيها ممانعة ولا مخالفة لمن أرادها لو خلا بها أحد أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفراقها احتياطًا، فلما ذكر له أنَّه يحبّها ولا يقدر على فراقها، وأنَّه لا يصبر على ذلك ويخشى أن تتبعها نفسه رخَّص به في البقاء معها؛ لأنَّ محبَّته لها متحققة ووقوع الفاحشة منها متوهَّم، فلا يصار إلى الضرر العاجل لتوهّم الآجل. اهـ.
وبمثله قال السندي في "حاشيته على النسائي" ٦/ ٦٧.
وقال الصنعاني في "سبل السلام" ٣/ ٣٦٠: المراد أنها سهلة الأخلاق ليس فيها نفور وحشمة من الأجانب لا أنها تأتي الفاحشة، وكثير من النساء والرجال بهذه المثابة مع البعد عن الفاحشة.
(١) سياق الكلام: هذا عندنا مذهب الحديث، وهو أشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. وجملة: وإن كان الآخر مقولًا. معترضة.
(٢) في جميع النسخ: (جارهم)، والتصويب من "الديوان" و"الناسخ والمنسوخ" ص ١١١.
(٣) البيت في "ديوانه" ٢/ ٩٠١ من قصيدة يجيب بها عن جنباء أحمد بن عليم وقد حدثت بينه وبين غسان بن ذهيل السليطي ملاحاة، فهجاه غسَّان فأجاب عنه جرير، وروايته في الديوان:
ألستم لئامًا إذ ترومون جاركم. ولولاهم لم تدفعوا كفَّ لامس.
وانظر: "النقائص" ص ٢٦.
وعلى ما ذكرنا المراد بالنكاح في الآية: التزويج.
[وروي عن] (٢) ابن عباس -في هذه الآية- طريق آخر، وهو ما روى سعيد (٣) بن جبير -في هذه الآية- قال: ليس هذا في التزويج، إنما هو في الجماع، لا يجامعها إلا زان أو مشرك، قال: الزاني لا يزني إلا بزانية (٤).
ونحو هذا روى سلمة (٥) عن الضحاك -في تفسير هذه الآية- قال: لا يزني حين يزني إلا بزانية مثله، ولا تزني حين تزني إلا بزان مثلها (٦).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٣) (سعيد) ساقط من (ع).
(٤) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥١، وابن أبي حاتم ٧/ ٨ أ - ب، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ١٥٤، والثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٦٨ أ - ب من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس بنحوه.
ورواه سفيان الثوري في "تفسيره" ص ٢٢١، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٧ ب)، من طريق سعيد، عن ابن عباس بنحوه مختصرًا.
وذكره ابن كثير ٣/ ٢٦٢ من حديث الثوري، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد، عن ابن عباس بلفظ ابن أبي حاتم وقال: وهذا إسناد صحيح عنه، وقد روي من غير وجه أيضًا.
(٥) هو: سلمة بن نبيط بن شريط الأشجعي، أبو فراس الكوفي. روى عن الضحاك بن مزاحم وغيره.
وعنه الثوري وابن المبارك وغيرهما. ثقة، يقال اختلط بآخرة "الكاشف" للذهبي ١/ ٣٨٧، "تهذيب التهذيب" ٤/ ١٥٨، "تقريب التهذيب" ١/ ٣١٩.
(٦) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٧٢، والطبري ١٨/ ٧٤ من طريق سلمة، عن الضحاك به.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ١/ ١٢٨ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد.
وهذا التأويل لا يعترض النسخ على الآية.
قال أبو عبيد: يذهب (٤) ابن عباس في رواية سعيد بن جبير (٥) إلى أن قوله ﴿لَا يَنْكِحُ﴾ إنما هو الجماع، ولا يذهب به إلي التزويج، والكلمة محتملة للمعنيين جميعًا في كلام العرب، والله أعلم (٦).
وقال أبو إسحاق: قول من قال: إنَّ معنى النكاح هاهنا: الوطء يبعد؛ لأنه لا يعرف شيء من ذكر النكاح في كتاب الله إلا على معنى التزويج كقوله ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى﴾ [النور: ٣٢] ﴿إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [الأحزاب: ٤٩]، ولو كان المعنى على الوطء لما كان في الكلام فائدة؛ لأن القائل إذا قال: "الزانية لا تزني إلا بزان، والزاني لا يزني إلا بزانية" فليست فيه فائدة إلا على وجهة التغليظ للأمر، كما تقول للرجل الذي قد عرف بالكذب: هذا كذاب، تريد به تغليظ (٧) أمره، والذي فيه الفائدة وتوجيه اللغة أنَّ المعنى معنى التزويج (٨).
وروي عن الحسن أنه قال -في تفسيره هذه الآية- الزاني إذا أقيم عليه
(٢) في (أ): (فإن).
(٣) رواه الثعلبي ٣/ ٦٨ ب بإسناده عن يزيد، به.
(٤) في جميع النسخ: (فذهب)، والمثبت من "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد.
(٥) قوله "في رواية سعيد بن جبير": من كلام الواحدي.
(٦) "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص ١١٢.
(٧) في (أ): (تغليظًا).
(٨) "معاني القرآن" للزجَّاج ٤/ ٢٩ - ٣٠ مع تقديم وتأخير وحذف.
وهذا الذي ذكرنا هو ما روي عن الأئمة والمتقدمين في هذه الآية.
والاختيار هو القول الأول الذي منع المسلمون من مناكحة أولئك الزواني والمشركات المعلنات بالزنا.
ومعنى قوله ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ [النور: ٣] أن من تزوج زانية أو مشركة من أولئك فهو زان؛ لأن ذلك النكاح فاسد وحكمه حكم السفاح، وذكر بلفظ التأكيد وليس المعنى على ظاهر اللفظ؛ لأن الزاني يجوز أن يتزوج غير زانية ولا مشركة، ولكن المعنى أنّ من تزوج واحدة منهن فهو زان، كأنه قيل: لا ينكح الزانية والمشركة إلا زان. فقلت الكلام، ثم ذكر غير مقلوب إعادة للبيان والتأكيد وهو قوله ﴿وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ [النور: ٣].
قوله ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٣] أي (٢) ذلك النكاح. وقيل: حرم الزنا على المؤمنين. وهذا معنى (٣) قول مجاهد (٤) وابن عباس (٥) -في
وقد أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٧٣ عن الحسن قال: المحدود لا يتزوج إلا محدودة. وذكرها السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٣٠ ونسبها أيضًا لعبد بن حميد.
(٢) في (أ): (إذه).
(٣) (معنى) ليست في (ظ)، (ع).
(٤) انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" ٧/ ١٢ أ.
(٥) انظر: "معانى القرآن" للنحاس ٤/ ٥٠١، "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٦٢.
وتخبط صاحب النظم في هذه الآية، وأتى بكلام مستكره (١) لم يفد في شيء منه إلا في وجه بعيد ذكره من القلب على غير ما ذكرنا، وهو أنه قال: يعرض في هذه الآية بعض القلب كما عرض في قوله ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ﴾ [مريم: ٣٥] [على تأويل: ما كان الله ليتخذ من ولد] (٢) فيكون التأويل في قوله ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ [النور: ٣] أي الناكح (٣) زانية أو مشركة لا يكون إلا زانيًا؛ بمعنى: من نكح زانية أو مشركة فهو زان؛ لأنَّه لا ينكح زاينة إلا وهو راض بزناها، ولا يكون راضيًا بزناها إلا وهو أيضًا يزني، وذلك لا ينكح مشركة إلا وهو راض بالزنا، لأن المشركة محرمة عليه. وذلك المرأة إذا نكحت زانيًا أو مشركًا فقد رضيت بذلك، ولا تكاد ترضى به إلا وهي تفعله. هذا [كلامه] (٤).
٤ - ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ القول في محل (الذين) من الإعراب كالقول في محل (الزانية والزاني) في قوله ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ الآية (٥).
قال الكلبي: ﴿يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ يقذفون بالفرية الحراير المسلمات العفايف عن الفواحش (٦). وهذا قول المفسرين (٧).
(٢) ساقط من (ع).
(٣) في (ع): (التناكح).
(٤) ساقط من (ع).
(٥) فصل "الذين" رفع بالابتداء، وخبره إما محذوف، أو جملة ﴿فَاجْلِدُوهُمْ﴾
انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠، "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٥٣، "الدر المصون" ٨/ ٣٨١.
(٦) ذكر البغوي ٩/ ١٠ هذا المعنى، ولم ينسبه لأحد.
(٧) انظر: "الطبري" ١٨/ ٧٥ - ٧٦، والثعلبي ٣/ ٦٨ ب.
قال ابن الأعرابي: يقال: رمى فلان فلانًا بأمر قبيح، أي: قذفه، ومنه قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ [النور: ٦]، معناه القذف (٣).
واعلم أن الإحصان المشروط في المقذوف (٤) أو المقذوفة حتى يجب الحد على القاذف خمسة أوصاف: البلوغ، والعقل، والإسلام، والحرية، والعفة عن الزنا (٥).
فإن فقد وصف من هذه الأوصاف لم يجب حد القذف على (٦) القاذف، وعليه التعزيز، وما كان تعزيرًا فلا يكون فرضًا.
ويشترط في القاذف لوجوب حد القذف شرطين: البلوغ والعقل. فإذا انضم إليهما الحرية كمل الحد ثمانين جلدة، وإذا كان مملوكًا فعليه أربعون جلدة (٧).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٣٠.
(٣) قول ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" للأزهري ٥/ ٢٧٧ (رمى) دون ذكر الآية الثانية ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾.
(٤) في (أ): (والمقذوفة).
(٥) انظر: "أحكام القرآن" للجصَّاص ٣/ ٢٦٧، "أحكام القرآن" للكيا الهراسي ٣/ ٢٩٨، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٢/ ١٧٣.
(٦) في (أ): (وعلى).
(٧) انظر: "أحكام القرآن" للجصَّاص ٣/ ٢٦٨، "أحكام القرآن" للكيا الهراسي ٣/ ٢٩٨، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٢/ ١٧٣، ١٧٤.
وقال قتادة: يخفف في حد الشراب والفرية (٢).
وقال حمّاد: يحد القاذف والشارب وعليهما ثيابهما (٣).
قوله تعالى ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا﴾ على ما رموهن به ﴿بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾.
قال المفسرون: عدول يشهدون عليهن أنهن رأوهن يفعلن (٤) ذلك (٥).
﴿فَاجْلِدُوهُمْ﴾ يعني الذين يرمون بالزنا ﴿ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾.
﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾ المحدود في القذف لا تقبل شهادته.
﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ قال ابن عباس: الكاذبون (٦).
وقال مقاتل: العاصون في مقالتهم (٧).
٥ - ثم استثنى فقال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ الآية.
اختلف العلماء والمفسرون في حكم هذا الاستثناء:
فذهب كثير (٨) منهم إلى أنَّ هذا الاستثناء راجع إلى رد الشهادة والفسق، وقالوا: إذا تاب قبلت شهادته وزال فسقه.
وذهب كثير منهم إلى أن الفسق يزول بالتوبة، وأما الشهادة فلا تقبل أبدًا.
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٠.
(٣) رواه الطبري ١٨/ ٦٨. ورواه أبو بكر بن أبي شيبة ٩/ ٥٢٥ دون قوله والشارب.
(٤) في (ع): (يفعلون)، وهو خطأ.
(٥) هذا كلام الطبري ١٨/ ٧٥ والثعلبي ٣/ ٦٨ ب بنصِّه.
(٦) روى الطبري ١٨/ ٧٦ هذا التفسير عن عبد الرحمن بن زيد. ولم أجد من ذكره عن ابن عباس.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٤ ب.
(٨) سيذكر الواحدي من قال بذلك.
وهذا قول شريح، وإبراهيم، والحسن، وقتادة، وسعيد بن المسيب (٢).
وذكره ابن حزم في " المحلى" ٩/ ٤٣١ من رواية عطاء الخراساني، عنه، به، وقال ٩/ ٤٣٣: وأما الرواية عن ابن عباس فضعيفة، والأظهر عنه خلاف ذلك.
وذكره ابن حجر في "فتح الباري" ٥/ ٢٥٧ من رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس، وعزاه لعبد الرزاق، وقال: وهو منقطع، ولم يصب من قال إنّه سند قويّ. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٣١ عن ابن عباس، وعزاه لأبي داود في ناسخه وابن المنذر.
(٢) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ١٤٧ - ١٤٨ عنهم جميعًا، إلا أنَّ قول قتادة من روايته عن الحسن وابن المسيب، وذكره ابن حزم في "المحلى" ٩/ ٤٣١ عن إبراهيم النخعي، والحسن، وسعيد بن المسيب في أحد قوليه.
وقال ٩/ ٤٣٣: كل من رُوي عنه أنَّه لا تقبل شهادته وإن تاب فقد رُوي عنه قبولها إلا الحسن والنخعي فقط. اهـ.
وقول شريح رواه أيضًا عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٢، وفي "مصنفه" ٧/ ٣٨٨، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٦/ ١٧١، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٨ أ)، والطبري ١٨/ ٧٨، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ١٣ ب - ١٤ أ، والبيهقي في "السنن" ١٠/ ١٥٦.
ولشريح قول آخر في قبول شهادته رواه البخاري في "صحيحه" (كتاب: الشهادتين - باب: شهادة القاذف، ٥/ ٢٥٥) معلقًا، ورواه موصولاً ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٦/ ١٦٩، والطبري ١٨/ ٧٨، وقال ابن حجر في "فتح البارى" ٥/ ٢٥٧: بإسناد صحيح.
وقول إبراهيم رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٧/ ٣٨٧، وابن أبي شيبة ٦/ ١٧١، =
وقد رأى آخرون أنها نسخت الفسق وإسقاط الشهادة معًا (٣).
روى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ قال: فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل (٤).
وروى محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن
وقول الحسن رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٢، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٦/ ١٧١ وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٨ أ)، والطبري ١٨/ ٧٩، وابن أبي حاتم ٧/ ١٣ ب - ١٤ أ، والبيهقي في "السنن" ١٠/ ١٥٦.
وعن قتادة رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٢ وفي "مصنفه" ٨/ ٣٦٣ والطبري ١٨/ ٧٩ من رواية عن الحسن، والطبري ١٨/ ٧٩ من رواية عن سعيد بن المسيب. ولقتادة قول آخر في قبول شهادته رواه عنه البخاري في "صحيحه" (كتاب: الشهادات باب: شهادة القاذف.. ٥/ ٢٥٥) معلقًا، ورواه موصولاً عبد الرزاق في "مصنفه" ٨/ ٣٦٢، والطبري في "تفسيره" ١٨/ ٧٨ من رواية عن ابن المسيب.
وقول سعيد بن المسيب رواه عنه الطبري ١٨/ ٧٩. ولسعيد قول آخر في قبول شهادته رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٣، وفي "مصنفه" ٧/ ٣٨٤، ٨/ ٣٦٢، والطبري ١٨/ ٧٨، وابن أبي حاتم ٧/ ١٤ ب، والبيهقي ١٠/ ١٥٣.
(١) من قوله، وهذا قول.. إلى هنا. هذا كلام أبي عبيد في "الناسخ" ص ١٤٩ بنصَّه.
(٢) في (ظ)، (ع) أي.
(٣) من قوله: (وقد رأى.. إلى هنا). هذا كلام أبي عبيد في "الناسخ" ص ١٤٩ بنصَّه.
(٤) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٤٩، والطبري ١٨/ ٨٠، والبيهقي في "السنن" ١٠/ ١٥٣ من رواية علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس به.
ثم قال لهم: من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما استقبل ومن لم يفعل لم أجز شهادته. فأكذب شبل نفسه ونافع وتابا، وأبى أبو بكرة أن يفعل فكان لا تقبل شهادته (٤). وهذا قول الزهري (٥)، والقاسم بن
(٢) هو: شبل بن معبد بن عبيد البجلي، الأحمسي. تابعي مخضرم، لم يصح له سماع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وأمُّه سمية مولاة الحارث بن كلدة والدة أبي بكرة ونافع. "الإصابة" لابن حجر ٥/ ١٥٩.
(٣) هو: نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي، أبو عبد الله، أخو أبي بكرة لأمه. كان ممن نزل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الطائف، وأمه سميَّة مولاة الحارث بن كلدة أم أبي بكرة وشبل وزياد. سكن البصرة. وهو أول من أفتلى -هكذا عند ابن سعد، وفي "الإصابة": اقتنى- الخيل بالبصرة؛ سأل عمر أرضًا ليست من أرض الخراج ولا تضر أحدًا يتخذها فضاءً لخيله، فأقطعه إياها.
"طبقات ابن سعد" ٥/ ٥٠٧، ٧/ ٧٠، "الإصابة" لابن حجر ٣/ ٥١٤.
(٤) ذكره الثعلبي ٣/ ٦٨ ب من رواية ابن إسحاق، به بهذا اللفظ.
ورواه الطبري ١٨/ ٧٦ من طريق ابن إسحاق، به، بنحوه.
ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" ١/ ١٥٢ من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب بنحوه.
قال ابن كثير في "مسند عمر بن الخطاب" ٢/ ٥٥٨ - بعد ذكره لهذه الطرق-: وهذه طرق صحيحة عن عمر -رضي الله عنه-.
ورواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٤٩، وعبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٢ - ٥٣، وفي "مصنفه" ٨/ ٣٦٢ من طريق محمد بن مسلم الطائفي، عن إبراهيم بن ميسرة، عن ابن المسيب بمعناه.
(٥) رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٥٠، وعبد الرزاق في "تفسيره". ٢/ ٥٢، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٦/ ٩١٧٠. =
(١) رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ١٥٠، وذكره عنه ابن حزم في "المحلى" ٩/ ٤٣٢.
(٢) رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ١٥٠، وذكره عنه ابن حزم في "المحلى" ٩/ ٤٣٢.
(٣) رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٥١.
ورواه البخاري في "صحيحه" (كتاب: الشهادات - باب: شهادة القاذف ٥/ ٢٥٥) معلقًا، ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق" ٣/ ٣٨٠، عن محارب، عن رواية الكرابيسي في كتاب: القضاء.
وذكره عنه ابن حزم في "المحلى" ٩/ ٤٣٢.
(٤) رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٥٢ من روايته عن عبد الله بن عتبة. وذكره ابن حزم في "المحلى" ٩/ ٤٣٢ عن حبيب.
(٥) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٥٢، والشافعي في "الأم" ٧/ ٨٢، والطبري ١٨/ ٧٧، والبيهقي في "السنن" ١٠/ ١٥٣.
(٦) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" (١٥٢٣)، وعبد الرزاق في "مصنفه" ٧/ ٣٨٣، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٧ ب) وابن أبي شيبة ٦/ ١٦٨، والطبري ١٨/ ٧٧، وابن أبي حاتم ٧/ ١٤ ب، والبيهقي في "السنن" ١٠/ ١٥٣.
(٧) رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٥٢، وعبد الرزاق في "مصنفه" ٧/ ٣٨٣، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٦/ ١٦٨، والطبري ١٨/ ٧٧، والبيهقي في "السنن" ١٠/ ١٥٣ من طريق ابن نجيح عنه.
ورواه البخاري في "صحيحه" في الشهادات - باب: شهادة القاذف ٥/ ٢٥٥ عنه معلقًا، ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق" ٣/ ٣٧٩ من رواية سعيد بن منصور وغيره.
ورواه عنه البخاري في "صحيحه" كتاب: الشهادات - باب: شهادة القاذف ٥/ ٢٥٥) معلقًا.
ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق" ٣/ ٣٨٠ من رواية الطبري وغيره.
(٢) رواه البخاري في الشهادات (باب: شهادة القاذف ٥/ ٢٥٥) عنه معلقًا.
ووصله ابن حجر في "الفتح" ٥/ ٢٥٧ وفي "تغليق التعليق" ٣/ ٣٨٠ من رواية علي بن الجعد، عن شعبة عن يونس بن عبيد، عن عكرمة.
وهو في "مسند علي بن الجعد" ١/ ٦٠٠ من الرواية المذكورة.
وذكره عنه ابن حزم في "المحلى" ٩/ ٤٣٢. وحكى عنه ٩/ ٤٣١ قولًا آخر أنه لا تقبل شهادته أبدًا وإن تاب.
(٣) رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٥٢، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٧ ب)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٦/ ١٦٨، والطبري ١٨/ ٧٧، والبيهقي في "السنن" ١٠/ ١٥٣ من رواية ابن أبي نجيح عنه.
ورواه البخاري في الشهادات (باب شهادة القاذف ٥/ ٢٥٥) عنه معلقًا.
ووصله ابن حجر في "الفتح" ٥/ ٢٥٧ وفي "تغليق التعليق" ٣/ ٣٧٩ من رواية سعيد بن منصور - وغيره.
(٤) في (أ): (عبيد الله)، وهو خطأ.
(٥) هو: عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، من أبناء المهاجرين. وابن أخي عبد الله بن مسعود. ولد في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، واختلف في رؤيته للنبي -صلى الله عليه وسلم-. فقيل له رؤيه، وقيل: لم يره فهو تابعي.
روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعن عمّه عبد الله، وعن أبي هريرة وغيرهم.
قال ابن سعد: وكان ثقة، رفيعًا، كثير الحديث والفتيا، فقيهًا. توفي سنة ٧٤ هـ. "طبقات ابن سعد" ٥/ ٥٨، "الكاشف" للذهبي ٢/ ١٠٧، "تهذيب التهذيب" =
والأول قول أهل العراق (٤)، واختيار أبي حنيفة -رضي الله عنه- (٥).
قال أبو عبيد: وكلا الفريقين إنما تأوّل الآية (٦)، فالذي لا يقبلها يذهب إلى أن الكلام انقطع من عند قوله ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾ ثم استأنف فقال: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ فأوقع التوبة على الفسق خاصة دون الشهادة، وأما الآخرون فذهبوا إلى أن الكلام معطوف بعضه على بعض فقال ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، ثم أوقعوا الاستثناء في التوبة على كل الكلام ورأوا (٧) أنَّه منتظم له.
وقوله رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٥٣، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٨ أ)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٦/ ١٧٠، والطبري ١٨/ ٧٨، والبيهقي في "السنن" ١٠/ ١٥٣.
ورواه عنه البخاري في الشهادات - باب: شهادة القاذف ٥/ ٢٥٥) معلقًا.
ووصله ابن حجر في "فتح الباري" ٥/ ٢٥٦، وفي "تغليق التعليق" ٣/ ٣٧٨ من رواية الطبري.
(١) رواه عنه سعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٨ أ)، والطبري ١٨/ ٧٨، والبيهقي في "السنن" ١٠/ ١٥٣.
(٢) قوله: وهذا قول أهل الحجاز جميعًا. هذا كلام أبي عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٥٣ بنصِّه.
(٣) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٦٨ ب. وهو في "الأم" ٧/ ٨١.
(٤) هذا كلام أبي عبيد في "الناسخ والمنسوخ" (١٥٣).
(٥) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٢٧٣، "بدائع الصنائع" ٦/ ٢٧١، "تبيين الحقائق" ٤/ ٢١٨ - ٢١٩.
(٦) في "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص ١٥٣: إنما تأول فيما نرى الآية.
(٧) في (أ): (وراء).
مع أن مثل هذا الاستثناء موجود في مواضع من القرآن؛ من ذلك: قوله ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ إلى قوله ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ [المائدة: ٣٣ - ٣٤] فليس يختلف المسلمون أن هذا الاستثناء ناسخ للآية من أولها، وأن التوبة لهؤلاء جميعًا بمنزلة واحدة.
وكذلك قوله في الطهور حين قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾ إلى قوله: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [النساء: ٤٣] فصار التيمم لاحقًا بمن وجب عليه الاغتسال كما (٢) لحق من وجب عليه الوضوء، كذلك قوله: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ﴾ إلى آخر الآية كلام واحد بعضه معطوف على بعض وبعضه تابع بعضًا، ثم انتظمه الاستثناء وأحاط به. انتهى كلامه (٣).
واختار أبو إسحاق هذا القول أيضًا، فقال: إذا استثنوا من الفاسقين خاصة (٤) فقد وجب قبول شهادتهم أيضًا؛ لأنهم قد زال عنهم اسم
(٢) في جميع النسخ: (كمن)، والتصويب من "الناسخ والمنسوخ".
(٣) "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص ١٥٣ - ١٥٤ مع اختلاف في آخره.
(٤) في المعاني: أيضًا.
فإن قال قائل: فما الفائدة في قوله ﴿أَبَدًا﴾؟ قيل: الفائدة أن الأبد لكل إنسان مقدار مدته في حياتهن ومقدار مدته فيما يتصل بقصته، فتقول: الكافر لا تقبل منه (٢) شيئًا أبدًا، معناه: ما دام كافرًا فلا تقبل منه شيئًا (٣)، وكذلك إذا قلت: القاذف لا تقبل منه شهادة أبدًا، فمعناه: ما دام قاذفًا، فإذا زال عنه الكفر فقد زال عنه أبده، وإذا زال عنه الفسق (٤) فقد زال أبده، لا فرق بينهم في ذلك (٥).
وهذا الذي ذكره معنى قول الشافعي -رضي الله عنه-: وإذا قبلتم توبة الكافر والقاتل عمدًا فكيف لا تقبلون شهادة القاذف وهو أحسن دينا! وقد قال الشعبي: يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته (٦).
(٢) (منه) ساقطة من (أ).
(٣) عند الزجاج: لا يقبل منه شيء أبدًا، فمعناه: ما دام كافرًا فلا يُقبل منه شيء.
(٤) في المطبوع من المعاني: القذف.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٣١ مع اختلاف يسير.
(٦) "الأم" ٧/ ٤١ - ٤٢ مع اختلاف يسير.
وقول الشعبي رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٧/ ٣٨٨، ٨/ ٣٦٣ وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٥١، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٨ أ)، والبيهقي في "السنن الكبرى" ١٠/ ١٥٣.
ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٦/ ١٧٠، والطبري ١٨/ ٧٧ بنحوه.
وقال عامر: توبته أن يقوم مثل مقامه يكذب (٢) نفسه (٣).
وقال آخرون: التوبة منه كالتوبة من سائر الذنوب يندم على ما قال، ويستغفر منه، ويترك العود فيما بقي من العمر (٤).
هذا كله إذا حدَّ بقذفه. فأما إذا لم يحد بعفو المقذوف عنه أو بموته قبل أن يطالب القاذف بحدٍّ أو لم يرفع إلى السلطان فإن شهادته تقبل. بهذا احتج الشافعي -رحمة الله عليه (٥) - فقال: هو قبل أن يحد شر منه [حين يحد] (٦) لأن الحدود كفارات فكيف تردونها في أحسن حاليه (٧). يعني بعد الحد والتوبة.
قوله ﴿وَأَصْلَحُوا﴾ قال ابن عباس: يريد إظهار التوبة (٨).
(٢) في (ع): (مكذب)، وعند ابن أبي شيبة: فيكذب.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٦/ ١٧٢ - ١٧٣ عنه بهذا الفظ، ورواه بنحو الطبري ١٨/ ٧٦، ٧٧، وابن أبي حاتم ٧/ ١٤ ب، والبيهقي في "السنن" ١٠/ ١٥٣.
(٤) ذكر هذا الطبري ١٨/ ٨١، والثعلبي ٣/ ٦٨ب.
وحكاه الطبري عن جماعة من التابعين وغيرهم ١٨/ ٧٧ - ٧٨، ٨١ وعن الإمام مالك بن أنس.
قال الطبري ١٨/ ٨١: وهذا القول أولى القولين في ذلك بالصواب؛ لأن الله جعل توبة كل ذي ذنب من أهل الإيمان تركه العود فيه، والندم على ما سلف منه، واستغفار ربَّه منه فيما كان.
(٥) في (ع): (رضي الله عنه).
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٧) "الأم" ٧/ ٤١ - ٤٢.
(٨) ذكر القرطبي ١٢/ ١٨٢ هذا القول ولم ينسبه لأحد.
﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قال ابن عباس: ﴿غَفُورٌ﴾ لذنبهم، يعني لقذفهم ﴿رَحِيمٌ﴾ بهم حيث تابوا (٢).
"فلما نزلت هذه الآية قرأها النبي -صلى الله عليه وسلم- على الناس في خطبة (٣) يوم الجمعة، فقال عاصم بن عدي الأنصاري (٤) - للنبي -صلى الله عليه وسلم-: جعلني الله فداك، لو أن رجلاً منا وجد على بطن امرأته رجلاً (٥)، فتكلم وأخبر بما رأى جلد (٦) ثمانين جلدة، وسماه المسلمون فاسقًا، ولا تقبل له شهادة أبدًا، فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة شهداء؟ إلى أن يلتمس أربعة شهداء فقد فرغ الرجل من حاجته! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كذلك أنزلت يا عاصم بن عدي". فخرج عاصم سامعًا مطيعًا، فلم يصل إلى منزله حتى استقبله هلال بن أمية يسترجع، فقال: ما وراءك؟ فقال: شر! وجدت شريك بن السحماء (٧) على
(٢) ذكر القرطبي ١٢/ ١٨٢ الشطر الأخير منه، ولم ينسبه لأحد.
(٣) في (أ)، (ظ): (خطبته)، والمثبت من (ع)، وتفسير مقاتل.
(٤) هو: عاصم بن عدي بن الجدِّ بن العجلان البلوي، حليف الأنصار. كان سيد بني عجلان. شهد أحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يشهد بدرًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- استخلفه على العالية من المدينة وضرب له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسهمه فيها. توفي في خلافة معاوية سنة ٤٥ هـ وقد جاوز المائة.
"طبقات ابن سعد" ٣/ ٤٦٦، "الاستيعاب" ٢/ ٧٨١، "أسد الغابة" ٣/ ٧٥، "الكاشف" للذهبي ٢/ ٥١، "الإصابة" ٢/ ٢٣٧.
(٥) (رجلاً) ساقط من (ط)، (ع).
(٦) في (أ): (فجلد)، وفي (ظ): (يجلد)، والمثبت من (ع) وتفسير مقاتل.
(٧) في (ظ)، (ع): (السمحاء)، وهو خطأ.
وهو: شريك بن عبدة بن مغيث بن الجد بن العجلان البلوي، حليف الأنصار. =
وهذا قول ابن عباس في رواية جويبر، عن الضحاك، عنه (٧).
(١) (خولة) ساقطة من (ع).
(٢) (وهي) ساقطة من (أ)، وفي (ظ): (وخولة)، فسقط منها: هي.
(٣) في (ع): (ابن)، وهو خطأ.
(٤) ذكرها بهذا الاسم ابن حجر في "الإصابة" ٤/ ٢٨٥ وأشار إلى قصة اللعان وقال: لها ذكر ولا يعرف لها رواية. قاله ابن منده.
(٥) (والله) ليس في (ظ)، (ع).
(٦) في (ع): (فأخبره).
(٧) ما ذكره الواحدي جاء من عدة روايات مختلفة فأدخل المصنف بعضها على بعض وساقها مساقًا واحدًا، فأول الرواية إلى قوله "فرغ الرجل من حاجته" نصُّ رواية مقاتل في "تفسيره" ٢/ ٣٤ ب، وذكرها الثعلبي في "تفسيره الكشف والبيان" ٣/ ٧٠ أ، وصدّرها بقوله: قال ابن عباس في سائر الروايات ومقاتل.
وأما بقية الرواية من قوله: هكذا أنزلت إلى آخر الرواية، فهذا نصّ رواية جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس والتي أخرجها الواحدي في "تفسيره الوسيط" ٢/ ٣٠٥ - ٣٠٦ بسنده إلى جويبر، عن الضحاك عن ابن عباس.
لكن وقع في الرواية التي ساقها الواحدي في "الوسيط" أن المرأة قالت: يا رسول الله، إن ابن السحماء كان يأتينا في منزلنا فيتعلم الشيء من القرآن، فربما تركه عندي وخرج زوجي ولم ينكر علي ساعة من ليل ولا نهار، فلا أدري أدركته الغيرة،.. والرواية المذكورة هنا فيها: إنه رآني وشريكًا نطيل السهر ونتحدث. =
ورواية جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس رواية شديدة الضعف سندًا غريبة متنًا، فأما ضعفها سندًا فلأنها من رواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس، وجويبر هذا قال عنه الذهبي في "المغني" في "الضعفاء" ١/ ١٣٨: قال الدارقطني وغيره: متروك. وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب" ١/ ٣٦: ضعيف جدًا.
كما أن في سندها انقطاعًا فإن الضحاك لم يلق ابن عباس كما قال ذلك الأئمة. انظر: "تهذيب التهذيب" لابن حجر ٤/ ٤٥٣ - ٤٥٤.
أما غرابة المتن فلأن فيه: "فخرج عاصم سامعًا مطيعًا فاستقبله هلال" والمعروف في الروايات الصحيحة كما سيأتي أن الذي لقي عاصمًا هو عويمر ابن عمه.
ولذلك قال الزيلعي في تخريجه لأحاديث "الكشاف" ٢/ ٤٢١ بعد ذكره الرواية التي ساقها الزمخشري في "الكشاف" وهي نحو الرواية المذكورة هنا-: غريب بهذا السياق، وفيه تخليط، فإن حديث عاصم بن عدي رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس من غير هذا الوجه، وروى مسلم أوله عن ابن مسعود وليس فيه ذكر الأسامي.
وقصة شريك وهلال رواها مسلم، وليس فيها ذكر عاصم وغيره.
ثم قال الزيلعي: ونقله الثعلبي يعني الرواية التي ساقها صاحب "الكشاف" هكذا بتمامه عن ابن عباس.
قال ابن حجر في كتابه تخريج أحاديث "الكشاف" معلقًا على قول الزيلعي الأخير وكأنه من رواية الكلبي عن أبي صالح عنه، والمحفوظ عن ابن عباس بغير هذا السياق وهو متفق عليه وليس فيه تسميتهم.
وكلام ابن حجر يدل على أنه لم يطلع على رواية جويبر هذه. والله أعلم.
ولما ذكر القرطبي رواية الواحدي هنا قال: والصحيح خلافه. يعني أن عاصمًا استقبله هلال بن أمية ١٢/ ١٨٤.
(١) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٤ أ.
(٢) هذا قول مقاتل بن حيان: انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" ٧/ ١٦ ب.
وأما قصة هلال بن أمية: فروى عكرمة، عن ابن عباس قال: لمَّا نزلت ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ قال سعد بن عبادة: أهكذا نزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الأنصار ألا تسمعون إلى ما يقول سيدكم"؟ فقال سعد: والله -يا رسول الله- إني لأعلم (٤) أنها حق وإنّها من الله.
ثم ذكر نحو حديث عاصم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما لبثوا إلا (٥) يسيرًا حتى جاء هلال بن أمية -وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم- فقذف امرأته بشريك بن عبدة، وأمه السحماء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "البينة وإلا حد في ظهرك". فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن في أمري ما يبرئ ظهري من الحد. فنزلت آية اللعان (٦).
(٢) هو: عويمر بن أبي أبيض العجلاني، ويقال: هو عويمر بن الحارث بن زيد بن جابر بن الجدَّ بن العجلان، وأبيض لقب لأحد آبائه. "الإصابة" ٣/ ٤٥.
(٣) نقل هذا ابن حجر في "الفتح" ٩/ ٤٤٨ عن القرطبي عن مقاتل بن سليمان. ولم أجد من ترجم لخولة هذه.
(٤) في (أ): (لا أعلم)، وهو خطأ.
(٥) (إلا) ساقط من (ع).
(٦) قصة هلال بن أمية التي ساقها هنا الواحدي من رواية عكرمة عن ابن عباس قد جاءت من طرق عن عكرمة عن ابن عباس، لكن الواحدي أدخل بعض الروايات على بعض وساقها مساقًا واحدًا، فمن قوله "لما نزلت".. إلى قوله: "وكان أحد الثلاثة" رواه االإمام أحمد في "مسنده" ٤/ ٦ - ٩ طبعة شاكر وأبو داود في "سننه" =
وهذه ثلاثة أقوال في الواجد امرأته مع رجل:
أحدها (٢): أنه هلال بن أمية.
والثاني: أنه عويمر العجلاني.
والثالث: أنه عاصم (٣).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٥/ ١٢ - بعد ذكره لرواية أبي يعلى-: ومداره على عبّاد بن منصور وهو ضعيف.
وقال في "مجمع الزوائد" ٧/ ٧٤: رواه أحمد وفيه عباد بن منصور وهو ضعيف، وقد وثق.
(١) ذكره الرازي في "تفسيره" ٢٣/ ١٦٥: من رواية الكلبي عن ابن عباس. وروايات الكلبي لا يعتمد عليها.
(٢) في (أ): (أحدهما).
(٣) حكى ابن حجر في "الفتح" ٨/ ٤٥١ هذا القول ثم قال: فيه نظر لأنَّه ليس لعاصم فيه قصة، وإنما الذي وقع من عاصم نظير الذي وقع من سعد بن عبادة. اهـ.
ومما يدل على ما قاله ابن حجر ما أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين في زوائد المعجمين" للهيثمي ٤/ ٢٤٠ عن عاصم بن عدي أنه كان عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما نزلت هذه الآية ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ فقلت. يا رسول الله: =
٦ - فأما قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ أي بالزنا ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ﴾ يشهدون على صحة ما قالوا ﴿إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ﴾ وتقرأ (أربع شهادات) بالنصب (٢).
قال أبو إسحاق: من قرأ بالرفع فعلى خبر الابتداء، المعنى: فشهادة أحدهم التي تدرأ حدّ القاذف أربع، والدليل على هذا قوله {وَيَدْرَأُ عَنْهَا
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٥/ ١٢ - ١٣: ورجاله رجال الصحيح.
(١) ذكر ابن حجر في "الفتح" ٨/ ٤٠٥ اختلاف العلماء فيمن نزلت فيه آية اللعان، فقال: وقد اختلف الأئمة في هذا الموضع: فمنهم من رجَّح أنَّها نزلت في شأن عويمر، ومنهم من رجَّح أنها نزلت في شأن هلال، ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال وصادف مجيء عويمر أيضًا فنزلت في شأنهما معًا في وقت واحد. وقد جنح النووي إلى هذا، وسبقه الخطيب.. ويؤيد التعدد أن القائل في قصة هلال سعد بن عبادة. والقائل في قصة عويمر عاصم بن عدي.. ولا مانع أن تتعدد القصص ويتحد النزول. اهـ.
وذكر ابن حجر أنَّ النووي نقل عن الواحدي أن أظهر هذه الأقوال أنه عويمر، ثم تعقبه بقوله ٨/ ٤٥١: وأما قول النووي تبعًا للواحدي وجنوحه إلى الترجيح فمرجوح، لأن الجمع مع إمكانه أولى من الترجيح.
(٢) قرأ حمزة والكسائي وحفص "أربع" رفعًا، وقرأ الباقون بالنصب.
انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ٤٥٢ - ٤٥٣، "التسيير" للداني ص ١٦٢ و"الغاية" لابن مهران النيسابوري ص ٢١٨، و "النشر" لابن الجزري ٢/ ٣٣٠.
وشرحه أبو علي -وزاد فيه- فقال: من نصب قوله (أربع شهادات) نصبه بالشهادة، وينبغي أن يكون قوله ﴿فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ﴾ مبنيًّا على ما يكون مبتدأ (٤) تقديره: فالحكم أو فالفرض (٥) أن يشهد أحدهم أربع شهادات، أو فعليهم أن يشهدوا. وإن شئت حملته على المعنى؛ لأن المعنى: يشهد أحدهم، فقوله (باللهِ) يجوز أن يكون من صلة الشهادة ومن صلة الشهادات إذا نصبت الأربع، وقياس من أعمل الثاني. يعني حيث يجتمع فعلان لا في هذه الآية (٦). أن يكون قوله (باللهِ) من صلة شهادات وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، كما تقول: ضربت وضربني زيد.
ومن رفع فإن الجار والمجرور من صلة شهادات، ولا يجوز أن يكون من صلة شهادة لأنك إن وصلتها بالشهادة فقد فصلت بين الصلة والموصول ألا ترى أنَّ الخبر الذي هو أربع شهادات يفصل (٧).
وقوله: ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ في قول من نصب (أربع شهادات) يجوز
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٣٢ - ٣٣.
(٤) (مبتدأ) ساقط من (ع).
(٥) في (ع): (الفرض).
(٦) قوله: (يعني.. الآية) هذا من كلام الواحدي.
(٧) في (أ): (تفضيل).
وأما تفسير قوله: ﴿أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [النور: ٨]:
فروى عكرمة، عن ابن عباس: أن هلال بن أمية لما قذف زوجته بشريك بن السحماء أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي، فقال: "أبشر يا هلال قد جعل الله لك فرجًا ومخرجًا". فقال هلال: قد كنت أرجو ذاك من ربي. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أرسلوا إليها" فأرسلوا إليها فجاءت، فتلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهما، وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا. فقال هلال (٣): والله يا رسول الله لقد صدقت عليها: فقالت: كذب. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنّ الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ " فقال هلال: صدقت (٤)، وما قلت إلَّا حقًّا.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لاعنوا بينهما"، فقيل لهلال: اشهد. فشهد أربع
(٢) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣١٠ - ٣١١. مع اختلاف يسير.
وانظر: "الكشف" ٢/ ١٣٤، و"مشكل إعراب القرآن" ٢/ ٥٠٩ كلاهما لمكي بن أبي طالب، "البيان" للأنباري ٢/ ١٩٢، "الدر المصون" للسمين ٨/ ٣٨٥ - ٣٨٦.
(٣) (هلال) ساقطة من (أ).
(٤) (صدقت) ساقط من (أ).
[قال عكرمة] (٤): فكان بعد ذلك أميرًا على مصر ولا يدعى لأب (٥).
(٢) في (ع): (عذبني).
(٣) (سائر) ساقطة من (ع).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ)، (ع).
(٥) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٤/ ٦ - ٩ طبعة شاكر، وأبو داود في "سننه" (كتاب: الطلاق - باب: في اللعان ٦/ ٣٤٤ - ٣٤٧)، وأبو يعلى في "مسنده" ٥/ ١٢٤ - ١٢٧، والطبري في "تفسيره" ١٨/ ٨٢ - ٨٣، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١٥ أ - ب، ١٦ أ، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٣٩٤ كلهم من طريق عبّاد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس به.
وقال الحافظ المنذري في كتابه "مختصر سنن أبي داود" ٣/ ١٦٩: في إسناده عبَّاد ابن منصور، وقد تكلم فيه غير واحد، وكان قدريًا داعية.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٥/ ١٢ بعد ذكره الرواية أبي يعلى: ومداره على عبّاد بن منصور وهو ضعيف. =
ثم قامت خولة مقام زوجها فقالت: أشهد بالله ما أنا بزانية وإن زوجي لمن الكاذبين، أشهد بالله أنه (٤) ما رأى شريكًا على بطني وإنه لمن الكاذبين، أشهد الله إنّي حبلى منه وإنّه لمن الكاذبين، أشهد بالله أنه ما رآني على فاحشة قط وإنه لمن الكاذبين، ثم قالت في الخامسة: غضب الله على خولة إن كان من الصادقين. ففرّق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهما (٥).
٧ - قوله تعالى ﴿وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ قال ابن عباس: وذلك أن الرجل يذكر أنه رأى مع امرأته رجلاً أربع مرات، ثم
(١) في (ظ)، (ع): (لما نزل).
(٢) في (ع): (آية).
(٣) في (أ): (إنّي).
(٤) في (ع): (أن).
(٥) هذا نصُّ ما ذكره مقاتل في "تفسيره" ٢/ ٣٤ ب.
قال أبو الحسن: لا أعم الثقيلة إلا أجود في العربية؛ لأنك إذا خففت فالأصل عندك التثقيل فتخفف وتضمر، فأن تجيء بما عليه في المعنى ولا تكون أضمرت ولا حذفت شيئاً أجود، وكذلك ﴿أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [يونس: ١٠] وجميع ما في القرآن مما يشبه هذا (٢).
قال أبو علي: فأمّا قراءة نافع فقال سيبويه (٣): لا تخفف (أن) في الكلام أبدًا وبعدها الأسماء إلا وأنت تريد الثقيلة على إضمار القصة فيها كقوله: ﴿أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
وعلى هذا قول الأعشى (٤):
(٢) نقل الواحدي هذا الكلام عن أبي الحسن الأخفش من كتاب "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣١٤، وقد ورد نحو هذا الكلام في "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٩٣.
(٣) انظر: "الكتاب" ٣/ ١٦٣ - ١٦٤.
(٤) هذا عجر بيت للأعشى من معلّقته، وصدره:
في فتية كسيوف الهند قد علموا
وقبله:
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعن | شاو مشل شلول شلشل شول |
وشطر البيت مع صدره في "الكتاب" ٣/ ١٦٤ منسوبًا للأعشى، و"معاني القرآن" =
وإنما خففت الثقيلة المفتوحة على إضمار القصة والحديث (١). وقد ذكرنا هذا في مواضع.
قال ابن عباس: فإذا قال الرجل ذلك وقع العذاب عليها [إلا أن تحلف أربع مرات كما حلف إنه لمن (٢) الكاذبين عليّ، فذلك قوله] (٣).
٨ - ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ﴾ [أي ويدفع عنها الحد] (٤) ﴿أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ تقول المرأة أربع مرات (٥): أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما قذفني به (٦)؛ وتقول في الخامسة: علي غضب الله إن كان من الصادقين، فذلك قوله:
٩ - ﴿وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾.
(١) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣١٤ - ٣١٥.
قال السمين الحلبي: ٨/ ٣٨٧: فعلى قراءته -يعني نافعًا- يكون اسم " أن" ضمير الشأن.. ، و"لعنة الله" مبتدأ، و"عليه" خبرها. والجملة في محل خبر "أنّ" أيضًا. وانظر: "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٥١٨، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٩٦، "الكشف" لمكي ٢/ ١٣٤.
(٢) في (ع): (من).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ط).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٥) في (ع): (شهادات).
(٦) (به) ساقطة من (أ).
إلاَّ رواكد جمرهن هباء (٣).
(٢) في (ع): (المعنى).
(٣) ورد هذان الشطران في "الكتاب" لسيبويه ١/ ١٧٣ - ١٧٤ مع شطريهما، من غير نسبة لأحد. والبيتان هما:
بادت وغير أيهن مع البلى | إلا رواكد جمرهن هباء |
ومشجج أما سواء قذاه | فبدا وغير ساره المعزاء |
والبيت الثاني في "اللسان" ٢/ ٣٠٤ "شجج" من غير نسبة.
وقد نسب البيتان للشمَّاخ كما في ملحق "ديوان الشمَّاخ" ص ٤٢٧ - ٤٢٨.
ونُسب البيت الثاني لذي الرمة كما في ملحق "ديوانه" ٣/ ١٨٤٠.
ومعنى: بادت هلكت، وغيَّر أيهن: أي علامتهن، والمراد بالرواكد أحجار =
ومشجج أما سواء قذاله (١).
عليه ويجوز في القياس نصب (الخامسة) الأولى رفع (أربع شهادات) أو نُصب. فإن نصب فبالعطف على المنصوب، وإن رفع فعلى المعنى، لأن معنى ﴿فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ﴾ يشهد أحدهما أربع شهادات ويشهد الخامسة.
فتنصبه (٢) بما في الكلام من الدلالة على هذا الفعل (٣).
وقرأ نافع (أن) مخففة (غضب الله) على الفعل (٤). و (أن) هاهنا هي المخففة من الثقيلة، وأهل العربية يستقبحون أن تلي الفعل حتى يفصل
يقول: لم يبق من آثار الأحباب سوى أحجار الأثافي ورمادها المختلط بالتراب ووتد الخباء المكسور الرأس المتغير بطول بقائه في الأرض.
انظر: "اللسان" ٢/ ٣٠٤ (شجج) ١١/ ٥٥٣ (قذل)، ٤/ ٣٣٩ (شار). "تاج العروس" للزبيدي ١٥/ ٣٣٧ (معز)، "شرح شواهد الكشاف" ص ٣٢٢.
(١) المرجع السابق نفسه.
(٢) في (أ): (فنصبه).
(٣) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣١١ - ٣١٤ مع تصرَّف يسير. وانظر في توجيه القراءتين أيضًا: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٩٥، "الكشف" لمكي ٢/ ١٣٥.
(٤) قرأ نافع "أن" مخففة وكسر الضاد في "غضب" ورفع الهاء من اسم الله. وقرأ الباقون بتشديد النون وفتح الضاد وجر الهاء.
"السبعة" لابن مجاهد ص ٤٥٣، و"اليسير" للداني ص ١٦١، و"الغاية" لابن مهران ص ٢١٨، و"النشر" لابن الجزري ٢/ ٣٣٠.
فإن قلت: فقد جاءت ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: ٣٩] وجاء ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٨]؟ فإن "ليس" تجري مجرى "ما" ونحوا مما ليس بفعل. وأما ﴿نُودِيَ أَنْ بُورِكَ﴾ فإن قوله (بُورِكَ) على معنى الدعاء فلم يجز دخول "لا" ولا "قد" ولا "السين" ولا شيء مما يصح دخوله في (٢) الكلام فيصح به الفصل.
وهذا مثل (٣) ما (٤) حكى سيبويه (٥) من قولهم: أما أن جزاك الله خيرًا. فلم يدخل شيء من هذه الفواصل من حيث لم يكن موضعًا لها، وغير الدعاء في هذا ليس كالدعاء. ووجه قراءة نافع أنَّ ذلك قد جاء في الدعاء ولفظه الخبر، وقد يجيء في الشعر من غير الفصل (٦).
(٢) (في) ساقطة من (أ)، (ط).
(٣) (مثل) ساقطة من (أ).
(٤) في (أ): (ممّا).
(٥) انظر: "الكتاب" ٣/ ١٦٧.
(٦) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣١٥ - ٣١٦ مع اختلاف يسير. =
فاعلم أن اللعان يعتمد القذف، فلا يتصور لعان ما لم يتقدم قذف، ولا فرق بين أن يكون ذلك القذف بصريح الزنا على جهة المطاوعة، وبين (١) أن يكون بوطء شبهة أو بوطء كانت مستكرهة فيه لأن ذلك كله وطء حرام؛ فإذا قذف زوجته لزمه الحد وله التخلص منها بإقامة البينة أو باللعان. فإن (٢) أقام البيّنة على زناها لزمها الحد، وإن التعيين لزمها الحد أيضًا، ولها التخلص منه باللعان (٣).
ولا يكون اللعان إلا مغلّظا بالزمان والمكان، فإن كان بمكة فعند (٤) المقام، وإن كان بالمدينة فعلى المنبر، وكذلك في كل بلدة، وينبغي أن يكون بعد العصر يوم الجمعة أو [في أي] (٥) وقت من الأوقات الشريفة (٦).
(١) في (ع): (أو بين).
(٢) في (أ): (وإن).
(٣) انظر: "أحكام القرآن" للكيا الهراسي ٣/ ٣٠٥، "المغني" ١١/ ١٣٦ - ١٦٠.
(٤) في (ع): (عند).
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٦) هذا أحد قولي الشافعية، والقول الآخر أنه مستحب ولا يجب.
وذهب آخرون وهو قول أبي حنيفة إلى أنَّه لا يستحب التغليظ في اللعان بمكان ولا زمان، لأن الله تعالى أطلق الأمر بذلك، ولم يقيده بزمان ولا مكان، فلا يجوز تقييده إلا بدليل.
انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي ١١/ ٤٤ - ٤٥، "المغني" لابن قدامة ١١/ ١٧٥، "روضة الطالبين" للنووي ٨/ ٣٥٤.
ويؤمر الزوج فيصعد المنبر والمرأة جالسة، فيقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به فلانة بنت فلان هذه (٦) -ويشير إليها- من الزنا بفلان بن فلان. فيسقط عنه حد قذف فلان إذا ذكره في اللعان، ثم يعيد الشهادة أربع مرات (٧).
وإن كان بها حمل فالصحيح من مذهب الشافعي أن يذكر الحمل في اللعان فينتفي (٨). وكانت امرأة العجلاني حاملًا فلاعنها [على الحمل] (٩)
(٢) في (أ): (شأنه).
(٣) (كان) ساقطة من (ع).
(٤) في (ع): (ثبوت).
(٥) وهذا قول جمهور العلماء. وعند أبي حنيفة اللعان شهادة فلا تصح إلا من مسلمين حرين عفيفين، فإن كان كافرين أو أحدهما أو مملوكين أو أحدهما لم يصح لعانها. وهو قول الأوزاعي والزهري وغيرهما. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٢٨٦ - ٢٨٧، "الحاوي" ١١/ ١٢، "أحكام القرآن" للكيا الهراسي ٣/ ٣٠٣، "المغني" لابن قدامة ١١/ ١٢٢ - ١٢٣، "الجامع" للقرطبي ١٢/ ١٨٦ - ١٨٧.
(٦) (هذه) ساقطة من (ع).
(٧) انظر: "المغني" ١١/ ١٧٦ - ١٧٧.
(٨) انظر: "الحاوي" ١١/ ٦٣، "المغني" ١١/ ١٦١، "القرطبي" ١٢/ ١٨٨.
(٩) ساقط من (ع).
فإذا انتهى إلى ذكر اللعنة في الخامسة خوفه القاضي وعرَّفه أنها موجبة، وأمر بعض من يحضر بوضع اليد على فمه إذا أراد أن يمضي على اللعنة (١).
والسنة أن يكون بمحضر خلق؛ فإن الصبيان حضروا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٢). وإن نكل عن اللعان ولم يتمم وجب عليه حد القذف إن (٣) كانت محصنة.
ولا تقوم أكثر كلمات اللعان مقام الجميع (٤). وإن أكمل توجَّه (٥) عليها حدّ الزنا كما يتوجه بالبينة إلا أن يعارض اللعان باللعان فتدفع بذلك حدّ (٦) الزنا عن نفسها. هذا معنى قوله ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ﴾، ثم يذكر الغضب في الخامسة. وإن نكلت عن كلمة من كلمات اللعان فكأنها نكلت عن جميع اللعان.
وأيهما نكل فاشتغلنا بإقامة الحد وأقمنا فقال: دعوني ألتعن، كان ممكنًا من اللعان بخلاف النكول عن الأيمان لا يعود حق اليمين بعد ما تحقق من النكول. وهذا من شوب (٧) الشهادات في اللعان، والشهادة
(٢) انظر: "المغني" ١١/ ١٧٤.
(٣) في (ع): (وإن).
(٤) انظر: "المغني" ١١/ ١٥٢، ١٧٧، "روضة الطالبين" ٨/ ٣٥١.
(٥) في (ع): (وجب).
(٦) (حدّ) ساقطة من (أ).
(٧) في (ع): (ثبوت).
ولا يحبس واحد منهما إذا نكل ليلتعن، ولكن يعاقب هذا بحد القذف وهذه بحد الزنا (٣).
وإذا تكامل لعان الزوج اندفع عنه حد القذف، وانتفى نسب الولد المذكور في اللعان مولودًا كان أو حملاً، وارتفع الفراش، ولا حاجة إلى تطليق القاضي وتفريقه (٤). ثم لا يجتمعان بعد ذلك أبدًا. قال رسول الله: "المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا" (٥).
(٢) انظر: "روضة الطالبين" ٨/ ٣٤٩.
(٣) انظر: " الحاوي" ١١/ ٨٠.
(٤) هذا مذهب الشافعي وهو أن الفرقة تحصل بلعان الزوج وحده، ولا يحتاج إلى تفريق الحاكم بينهما.
وذهب آخرون: إلى أنَّ الفرقة لا تحصل إلا بتلاعن الزوج وامرأته جميعًا، ولا يحتاج إلى تفريق الحاكم.
وهو قول مالك وأبي عبيد وبعض الحنابلة، وهو مروي عن ابن عباس.
وذهب آخرون إلى أن الفرقة لا تقع إلا بتفريق الحاكم بعد فراغهما جميعًا من التلاعن. وهو قول الثوري وأبي حنيفة وصاحبيه وبعض الحنابلة.
انظر: "أحكام القرآن" للجصَّاص ٣/ ٢٩٨، "الحاوي" ١١/ ٧٤، "المغني" ١١/ ١٤٤ - ١٤٦، "روضة الطالبين" ٨/ ٣٥٦، "الجامع" للقرطبي ١٢/ ١٩٣ - ١٩٤.
(٥) رواه الدارقطني في "سننه" ٣/ ٢٧٦، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٤٠٩ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ونقل العلامة المحدث أبو الطيب محمد شمس الدين العظيم آبادي في كتابه "التعليق المغني على الدارقطني" عن "صاحب التنقيح" أنَّه قال: إسناده جيد.
وروى الدارقطني في "سننه" ٣/ ٢٧٥، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٤١٠ من حديث سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- في قصة المتلاعنين قال: فتلاعنا، ففرق =
وإن أغفل ذكر الولد في اللعان استأنف (٣) اللعان (٤). وإن قذفها بزنا قبل النكاح فعليه الحد ولا لعان (٥).
وإن ارتفع النكاح بطلاق رجعي فالقذف واللعان في عدة الرجعية حكمها حكم ما يكون في صلب النكاح، وأما القذف بعد البينونة فإنه موجب للحد ولا لعان، إلا أن يكون ولد فله اللعان عند الشافعي لنفي النسب (٦). وكذلك اللعان في النكاح الفاسد يجري لنفي الولد (٧).
وإذا قذف أربع زوجات فجمعهن في اللعان ورضين بذلك كان
قال محقق "زاد المعاد" لابن القيم ٥/ ٣٩١: رجاله ثقات.
وانظر: "تلخيص الحبير" لابن حجر ٣/ ٢٥٣، "نيل الأوطار" ٨/ ٧٧.
(١) وهذا قول جمهور العلماء.
وذهب أبو حنيفة إلى إنَّه إذا أكذب نفسه جُلد الحدّ ولحق به الولد، وكان خاطبًا من الخطاب إذا شاء. وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وسعيد بن جبير وغيرهم. انظر: "أحكام القرآن" للجصَّاص ٣/ ٣٠٢ - ٣٠٣، "الحاوي" ١١/ ٧٥، "المغني" ١١/ ١٤٩، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٢/ ١٩٤.
(٢) تقدم أن هذا مذهب الشافعي وحده. والجمهور على خلافه.
(٣) في (أ): (استأنف في). بزيادة (في).
(٤) انظر: "المغني" ١١/ ١٥٣.
(٥) انظر: "المغني" ١١/ ١٣٥، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٢/ ١٨٧.
(٦) انظر: "الأم" ٥/ ١١٧، "المغني" ١١/ ١٣٣، "روضة الطالبين" ٨/ ٣٣٦ - ٣٣٧.
(٧) انظر: "المغني" ١١/ ١٣٢، "روضة الطالبين" ٨/ ٣٣٥ - ٣٣٦.
وفرقة اللعان فسخ (٢)؛ لأنه جاء بفعل من قبل المرأة.
وقال أبو حنيفة: اللعان (٣) تطليقة بائنة لأنه من قبل الرجل بدأ (٤). والله أعلم.
١٠ - قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ﴾ قال الفراء: (لولا) هاهنا متروك الجواب؛ لأنه معلوم المعنى. وكذلك كل ما كان معلوم الجواب فإن العرب تكتفي بترك جوابه، ألا ترى أن الرجل ليشتم صاحبه فيقول المشتوم: أما والله لولا أبوك، فيعلم أنه يريد لشتمتك، فمثل هذا يترك جواب، وقد قال بعد ذلك فبيّن جواب وهو قوله ﴿لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ﴾ [النور: ١٤] ﴿مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ [النور: ٢١] فذلك يبين لك المتروك (٥).
وقال المبرد: تأويله -والله أعلم- لهلكتم، أو لم يبق لكم باقية، أو لم يصلح لكم أمر، أو ما أشبه ذلك من الوعيد المرجع، فحذف لأنه (٦) لا يشكل (٧). وأنشد لجرير فقال:
(٢) وهو قول الشافعي وأحمد وغيرهما. انظر: "المغني" ١١/ ١٤٧، "روضة الطالبين" ٨/ ٣٥٦.
(٣) (اللعان) ساقط من (ع).
(٤) انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني ٣/ ٢٤٤ - ٢٤٥، "تبيين الحقائق" للزيلعي ٣/ ١٧ - ١٨.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٧.
(٦) في (ع): (أنَّه).
(٧) ذكر الزركشي في "البرهان" ٣/ ١٨٧ هذا القول عن المبرد.
كذب العواذل لو رأين مناخنا | بحزيز رامة والمطيُّ سوامي (١) |
وقال أبو إسحاق: المعنى والله أعلم: لولا فضل الله عليكم لنال الكاذب منكم عذاب عظيم (٢).
وهذا مما ذكره المبرّد لأن هذه الآية (٣) من تمام قصة اللعان فتقدير الجواب بما قدره أبو إسحاق أليق (٤) بما تقدم مما قدره المبرّد، وإن كان ذلك جائزًا (٥).
قال ابن عباس: ولولا ستر الله عليكم ورحمته.
قال مقاتل: (ونعمته) لأطلع على الكاذب منهما (٦).
والعَواذل: جمع عاذلة وهي اللائمة. والمُناخ -بالضم-: مبرك الإبل.
والحزيز -كأمير-: الموضع من الأرض كثرت حجارته وغلظت كأنَّها السكاكين، وقيل الأرض فيها غلظ واستواء.
وحزيز رامه: اسم لعدة مواضع في بلاد العرب، منها موضع في طريق البصرة إلى مكة. انظر: "معجم البلدان" لياقوت ٤/ ٢١٢، "لسان العرب" ١١/ ٤٣٧ (عذل) ٥/ ٣٣٥ (حزز) ١٤/ ٤٠٠ (سما)، "القاموس المحيط" ٢/ ٢٧٢.
قال أبو عبيدة في "النقائض" ١/ ٢٥٨ - ٢٥٩: و"المطي": ما امتطى ظهره، والطا: الظهر. و"المطي سوامي" يقول: هي في بلد لا رعي فيها فهي تسمو بأبصارها إلى موضع الرعي. يقول: لو رأين مناخنا وما نلقى ما عذلننا في الطلب. اهـ مع تصرف.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٣٣.
(٣) في (ع): (اللام).
(٤) (أليق) ساقطة من (ع).
(٥) في (ع): (جائز).
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٥ ب: وفيه لأظهر علي الذنب يعني الكاذب منهما.
﴿وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ﴾ يعود على من رجع عن معاصي الله إلى ما يجب بالرحمة.
﴿حَكِيمٌ﴾ في خلقه فيما فرض من الحدود. قاله ابن عباس.
وقال مقاتل: ﴿حَكِيمٌ﴾ حكم بالملاعنة (١).
١١ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ﴾ قال ابن عباس (٢) والمفسرون (٣): يعني بالكذب على عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-.
قال المبرد: الإفك أسوأ الكذب وأقبحه. وهو مأخوذ من أفك الشيء إذا قلبه عن وجهه (٤).
ومعنى القلب في هذا الحديث أن عائشة كانت تستحق الثناء بما كانت عليه من الحصانة وشرف السبب والنسب لا الرمي والقذف، فالذين رموها
(٢) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٣٠ من طريق عبد الغني بن سعيد الثقفي، عن موسى بن عبد الرحمن الصنعاني، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. وقد تقدم في المقدمة بيان بطلان هذا الطريق وذكرنا هناك كلام ابن حبان وابن حجر.
(٣) انظر: "الطبري" ١٨/ ٨٦ - ٨٧، الثعلبي ٣/ ٧٣ ب.
(٤) ذكر هذا المعني الزمخشري ٣/ ٥٢، والبغوي ٦/ ٢٢ من غير نسبة لأحد.
قال ابن فارس في "مقاييس اللغة" ١/ ١١٨ (أفك): الهمزة والفاء والكاف أصل واحد يدل على قلب الشيء وصرفه عن جهته، وأفك الرجل إذا كذب، والإفك: الكذب، وأفكت الرجل عن الشيء، إذا صرفته عنه. اهـ.
وانظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٣٩٦ - ٣٩٧ (أفك)، و"الصحاح" للجوهري ٤/ ١٥٧٢ - ١٥٧٣ (أفك).
والذين ذكروا منهم مسمَّى في الآثار (٥): حسَّان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة (٦)، وحمنة بنت جحش (٧) أخت عبد الله بن جحش الأسدي، والمنافق عبد الله بن أبي.
(٢) ذكر البغوي ٦/ ٢٢ هذا المعنى ولم ينسبه لأحد.
(٣) في جميع النسخ: (هو)، والتصويب من "الوسيط" للواحدي.
(٤) من قوله: (والعرب إلى هنا)، ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٣٩٦ "أفك" من رواية أبي عبيد عن الكسائي مع تقدم وتأخير.
(٥) انظر في ذلك: الطبري ١٨/ ٨٦ - ٨٧، ابن أبي حاتم ٧/ ٢٢ أ - ب "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ١٥٦ - ١٥٧.
(٦) هو: مسطح بن أثاثة بن عبَّاد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، المطلبي، المهاجري، البدري. كان اسمه عوفًا وأما مسطح فهو لقبه. شهد بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. توفي سنة ٣٤ هـ وهو ابن ست وخمسين سنة.
"طبقات ابن سعد" ٣/ ٥٣، "الاستيعاب" ٤/ ١٤٧٢، "أسد الغابة" ٤/ ٣٥٤، "سير أعلام النبلاء" ١/ ١٨٧، "الإصابة" ٣/ ٣٨٨.
(٧) هي: حمنة بنت جحش بن رياب الأسدية، أخت أم المؤمنين زينب، أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. كانت من المبايعات وشهدت أحدًا فكانت تسقي العطشى وتحمل الجرحى وتداويهم. وقتل عنها يوم أحد زوجها مصعب بن عمير، فتزوجها طلحة بن عبيد الله، فولدت له أولادًا منهم محمد بن طلحة المعروف بالسَّجَّاد.
"طبقات ابن سعد" ٨/ ٢٤١، "الاستيعاب" ٤/ ١٨١٣، "أسد الغابة" ٥/ ٤٢٨، "الإصابة" ٤/ ٢٦٦.
فقال ابن عباس: أربعة منكم (٢). وسمّاهم مقاتل بأسمائهم (٣).
وقوله: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾ لا تحسبوا الإفك شرًا لكم.
قال مقاتل: لأنكم تؤجرون على ما قيل لكم من الأذى (٤).
﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ لأن الله يأجركم ويُظهر (٥) براءتكم.
والمخاطب بقوله (٦) (لَّكُمْ) عائشة وصفوان (٧) فيما ذكر أهل التفسير (٨). وعلى هذا خوطبا مخاطبة الجمع.
(٢) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٣٠ من رواية عطاء. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥٠ وعزاه للطبراني.
وروى الطبري ١٨/ ٨٦ من طريق ابن جريج عن ابن عباس ذكر هؤلاء الأربعة بأسمائهم وفيه انقطاع. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥٧ ونسبه أيضًا لابن المنذر.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٥ ب ووقع فيه: وجميلة بنت جحش. وهو تصحيف.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٥ ب.
(٥) في (أ): (وتظهر).
(٦) في (أ): (لقول له).
(٧) هو: صفوان بن المعطل السلمي، الذكواني، أبو عمرو. أول مشاهده المريسيع، وكان في الساقة يومئذ، وكان من سادات المسلمين، قتل -رضي الله عنه- شهيدًا في غزو الروم سنة ٦٠ هـ. انظر: "الاستيعاب" ٢/ ٧٢٥،"أسد الغابة" ٣/ ٢٦، "سير أعلام النبلاء" ١/ ٥٤٥، "البداية والنهاية" ٨/ ١٤٦، "الإصابة" ٢/ ١٨٤.
(٨) ذكره الثعلبي ٣/ ٧٣ ب. ورواه ابن أبي حاتم ٧/ ٢٢ أعن سعيد بن جبير. وذكره الماوردي ٤/ ٧٩ وعزاه ليحيى بن سلام، وذكره ابن الجوزي ٦/ ١٨ وعزاه للمفسرين.
ويكون الخطاب لكل من رُمي بسبب، وذلك أن من سبّ عائشة فقد سبَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وسب أبا بكر.
وهذا هو قول ابن عباس في رواية عطاء فقال: يريد خيرٌ لرسول الله، وبراءة لسيدة النساء أم المؤمنين، وخير لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وأم عائشة (٣)، ولصفوان بن المعطل (٤).
وقوله ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ﴾ يعني من العصبة الكاذبة ﴿مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ﴾ جزاء ما اجترح من الذنب (٥).
قال مقاتل: على قدر ما خاض فيه من أمر عائشة وصفوان (٦).
وقوله ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ﴾ قال الفراء (٧): اجتمع القراء على كسر
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٣٤. وليس فيه ذكر صفوان.
(٣) هي: أم رُومان بنت عامر بن عويمر الكنانية. واختلف في اسمها، فقيل: زينب، وقيل: دَعْد. أسلمت أم رومان قديمًا وبايعت وهاجرت إلى المدينة. وهي أم عبد الرحمن وعائشة. وكانت امرأة صالحة. توفيت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة ست من الهجرة، وقيل بعد ذلك.
"طبقات ابن سعد" ٨/ ٢٧٦، "الاستيعاب" ٤/ ١٩٣٥، "أسد الغابة" ٥/ ٤٨٣، "الإصابة" ٤/ ٤٣٢.
(٤) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" ٢٣/ ١٣٠ من رواية عطاء.
(٥) الثعلبي ٣/ ٧٣ ب، والطبري ١٨/ ٨٧.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٦ أ.
(٧) (الفراء) ساقط من (ظ)، (ع).
قال الأزهري: قاس (٤) الفراء الكبر على العظم، وكلام العرب على غيره، أخبرني المنذري، عن الحرَّاني، عن ابن السكيت قال: كبر الشيء معظمه بالكسر، وأنشد (٥) لقيس بن الخطيم:
تنام عن كبر شأنها فإذا | قامت رويدًا تكادُ تنغرف (٦) |
وبها قرأ يعقوب الحضرمي.
انظر: "إرشاد المبتدئ وتذكرة المنتهي في القراءات العشر" للقلانسي ص ١٤٦٠، "المبسوط في القراءات العشر" لابن مهران ص ٢٦٦، "النشر" لابن الجزري ٢/ ٣٣١.
(٢) في (ع): (لكبره).
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٧.
(٤) في (ع): (قال).
(٥) المنشد هو ابن السكيت كما في "تهذيب اللغة" للأزهري.
(٦) البيت في "ديوانه" ص ٥٧، و"المفضَّليات" ص ٧٨٨، و"تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٠٩، و "جمهرة اللغة" لابن دريد ٢/ ٣٩٤، و"لسان العرب" ٥/ ١٢٩ (كبر). قال البطليوسي في "الاقتضاب" ٣/ ١٩٩: وصف امرأة نشأت بين رفاهية ونعمة، فهي تنام لجلالة شأنها وأن لها من يكفيها المؤنة، فإذا قامت قامت في سكون وضعف، وكادت تنغرف؛ لرقة خصرها وثقل ردفها. اهـ.
ومعنى تنغرف: قيل تَتَثَنَّى، وقيل: تنقصف من ذفّة خصرها. وانغرف العظم: انكسر.
"لسان العرب" لابن منظور ٩/ ٢٦٤ (غرف).
ونحو هذا قال أبو عمرو بن العلاء، وخطَّأ من (ضمَّ) الكاف (٥).
وقال الكسائي: الذي سمعناه بكسر الكاف، وأظن الضَّم لغة (٦).
وقال أبو عبيدة: الكِبْر -بالكسر-: مصدر الكبير، وكبره معظمه. وبالضم مصدر الكبير في السن، فرقوا بينهما فقالوا: كبر قومه بالضم. وجعلها قوم بالضَّم (٧).
وقال الليث: الكِبْر: الإثم الكبير، وكبر كل شيء عظمه (٨).
فمن قرأ (كبره) قال: إثمه وخطاه، ومن قرأ بالضم قال: عظم هذا
(٢) في (أ)، (ع): (أكثر)، والمثبت من (ظ)، "تهذيب اللغة".
(٣) في (أ): (وكذا).
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢١٤ (كبر) مع تصرف وزيادة.
(٥) ذكر الثعلبي ٣/ ٧٤ أقول أبي عمرو وتخطئته.
وقال النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٥٠٩: قيل لأبي عمرو بن العلاء: أنقرأ "والذي تولى كبْره"؟ فقال: لا. إنَّما الكبر في النسب.
(٦) روى الأزهري هذا القول في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢١٠ (كبر) عن المنذري، عن ابن اليزيدي، عن أبي زيد في قوله "والذي تولى كبره"، فذكره بنحوه.
وقبل هذه الرواية ذكر الأزهري نصًا عن الكسائي، وبعد الرواية ذكر نصًا آخر عن الكسائي من رواية أبي عبيد. فاحتمال خطأ الواحدي في نسبة هذا القول وارد. والله أعلم.
وقد ذكر الثعلبي ٣/ ٧٤ أعن الكسائي أنه قال: هما لغتان. يعني الضم والكسر.
(٧) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٦٤ مع اختلاف يسير وتصرّف.
(٨) قول الليث فى "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢١٤ كبر.
وهو في "العين" ٥/ ٣٦١ (كبر) بنصّه.
واختار الزَّجَّاج هذا القول وحكاه (٢). ومعنى ﴿تَوَلَّى كِبْرَهُ﴾ استبد بمعظمه وانفرد به.
قال الضحاك: قام بإشاعة الحديث وإذاعته (٣). وهو معنى (٤) قول ابن عباس في رواية عطاء (٥).
والذي تولى كبره مختلف فيه:
فقال عطاء، عن ابن عباس: هو عبد الله بن أبي (٦).
وهو قول مجاهد (٧)، ومقاتل (٨)، والسدي (٩). ورواية عروة عن
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٣٤ - ٣٥.
(٣) ذكره عنه البغوي ٦/ ٢٢. وروى الطبري ١٨/ ٨٧، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٢ أ، عنه قال: الذي بدأ بذلك. وانظر: "الدر المنثور" ٦/ ١٥٨.
(٤) (معني) ساقطة من (أ).
(٥) روى الطبري في "الكبير" ٢٣/ ١٣٠ من طريق عطاء، عن ابن عباس، قال في قوله "والذي تولى كبره" قال: إشاعته.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥٠ وعزاه للطبراني.
(٦) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٣٠ من رواية عطاء عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥٠ للطبراني.
(٧) رواه الطبري في "تفسيره" ١٨/ ٨٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٢٢ أ، و"الطبراني الكبير" ٢٣/ ١٣٨.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥٨ ونسبه أيضًا للفريابي وعبد بن حميد.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٦ أ.
(٩) ذكره عنه ابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ١٩.
وقوله: ﴿مِنْهُمْ﴾ يعني من العصبة الكاذبة.
﴿لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ قال ابن عباس: يريد في الدنيا الجلد. جلده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمانين جلدة وفي الآخرة يُصيره الله إلى النار (٣).
(٢) ذكر الثعلبي ٣/ ٧٤ أهذه الرواية -بهذا اللفظ- من رواية ابن أبي مليكة، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها.
(٣) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٣٧ من رواية عبد الغني بن سعيد الثقفي، عن موسى بن عبد الرحمن الصنعاني، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. وهذه الرواية باطلة كما تقدم.
وروى الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٢٤ - ١٢٩ من حديث ابن عمر وأبي اليسر الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضرب عبد الله بن أبي حدّين.
لكن قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٩/ ٢٤٠ عن حديث ابن عمر: وفيه إسماعيل بن يحيى التيمي، وهو كذّاب. وقال أيضًا عن حديث أبي اليسر ٦/ ٢٨٠: وفيه إسماعيل بن يحيى التيمي، وهو كذَّاب.
وذكر ابن حجر في "الفتح" ٨/ ٤٧٩ أثرين آخرين في حدّ عبد الله بن أبي، لكنَّهما مرسلان.
وذهب آخرون إلى أنَّه لم يحدّ، قال القرطبي في "تفسيره" ١٢/ ٢٠١: المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أنَّ الذي حدَّ حسان ومسطح وحمنة، ولم يُسمع بحدِّ لعبد الله بن أبيّ. اهـ. وبهذا القول قال القاضي عياض وابن القيم وجماعة. قال ابن القيم في "زاد المعاد" ٣/ ٢٦٣: ولم يحدّ الخبيث عبد الله بن أبي مع أنَّه =
روي عن مسروق قال: كنت عند عائشة فدخل حسان بن ثابت فألقي له وسادة فلما خرج قلت لعائشة: تدعين هذا الرجل يدخل عليكم وقد قال
وقيل: بل ترك حدّه لمصلحة هي أعظم من إقامته، كما ترك قتله مع ظهور نفاقه، وتكلّمه بما يوجب قلته مرارًا، وهي تأليف قومه وعدم تنفيرهم عن الإسلام، فإنَّه كان مطاعًا فيهم، رئيسًا عليهم، فلم تؤمن الفتنة في حدِّه. ولعله ترك لهذه الوجوه كلها. اهـ.
ولعل أقرب الوجوه هو الأخير، يدل عليه ما في "صحيح البخاري" كتاب "التفسير" ٨/ ٤٥٣ - ٤٥٤ من حديث عائشة في قصة الإفك وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، فقال: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟.. الحديث. فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. فقام سعد بن عبادة فقال: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام رجل فقال لسعد: كذبت لعمر الله لنقتلنّه.. فتساور الحيّان الأوس والخزرج حتى همُّوا أن يقتتلوا، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخفضّهم حتى سكتوا وسكت.
(١) في (أ): (فهو)، وهي ساقطة من (ع).
(٢) قال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٧٢: وهو قول غريب، ولولا أنّه وقع في "صحيح البخاري" يعنى الرواية التي سيسوقها الواحدي بعد ذكره لهذا القول. ما قد يدل على إيراد ذلك لما كان لإيراده كبير فائدة. فإنه من الصحابة الذين لهم فضائل ومناقب ومآثر، وأحسن مآثره أنَّه كان يذب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
والقول هو الأول؛ لما روي عن الشَّعبي: أنه قيل لعائشة: إن حسان بن ثابت هو الذي تولى كبره؟. فقالت (٢): [معاذ الله] (٣)! سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول (٤): "إن الله ليؤيد حسان بروح القدس في شعره" (٥).
ورواه بنحوه سعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٨ أ)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٨/ ٥١٥، والبخاري في التفسير سورة النور ٨/ ٨٥ ومسلم في الفضائل باب: فضائل حسان بن ثابت -رضي الله عنه- ج ٤/ ١٩٣٢، والطبري في "تفسيره" ١٨/ ٨٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٢ ب، والطبراني في "المعجم الكبير" ٢٣/ ١٣٥، ١٣٦ وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥٧ - ١٥٨ ونسبه أيضًا لابن المنذر وابن مردويه.
(٢) في (أ)، (ع): (قالت).
(٣) ساقط من (ع).
(٤) (يقول) ساقط من (أ).
(٥) لم أجده بهذا اللفظ.
لكن أخرج الطبري في "تفسيره" ١٨/ ٨٨ من طريق الشعبي عن عائشة أنها قالت: ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة.. وفيه. قيل: أليس الله يقول: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١١]؟ قالت: أليس قد أصابه عذاب عظيم؟ قالت: "أليس قد ذهب بصره، وكنّع بالسيف".
وقد أخرج أبو داود في "سننه" كتاب: الأدب- باب: ما جاء في الشعر ١٣/ ٣٥٧، والترمذي في "جامعه" كتاب: الأدب - باب: ما جاء في إنشاد الشعر ٨/ ١٣٧ واللفظ له، والحاكم في "مستدركه" ٣/ ٤٨٧ من حديث عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يؤيد حسَّان بروح القدس ما يفاخر -أو ينافح- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ".
﴿بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ قال الحسن (١): بأهل دينهم، لأنَّ المؤمنين كنفس واحدة، ألا ترى إلى قوله ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩]، وقوله ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [النور: ٦١].
قال الزجاج: وكذلك يقال للقوم الذين يقتل بعضهم بعضًا: إنَّهم يقتلون أنفسهم (٢).
وهذا معنى قول مقاتل: ألا (٣) ظن بعضهم ببعض خيرًا بأنهم لا يزنون؟ (٤).
على هذا المعنى (٥): ظن المؤمنون والمؤمنات بالمؤمنين الذين هم كأنفسهم (٦) خيرًا (٧). وهذا معنى قول ابن قتيبة: بأمثالهم من المسلمين (٨).
وقال المبرد: ومثله قوله ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤]، [وقوله:
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٣٦.
(٣) (ألا) ساقطة من (أ).
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٦ أ.
(٥) (المعنى) ساقطة من (أ).
(٦) في (أ): (كما بعضهم).
(٧) (خيرًا) ساقطة من (ظ).
(٨) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٣٠١.
وروي عن بعض الأنصار: أن امرأة أبي أيوب قالت له: ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: بلى، وذلك الكذب. أكنت يا أم أيوب فاعلة أنت (٢) ذلك؟ قالت: لا والله. قال: فعائشة -والله- خير منك. فلما نزل قوله ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ١٢] عرف أنه يعني أبا أيوب حين قال لأم أيوب ما قال (٣).
وعلى (٤) هذا المعنى: ظنوا بأنفسهم خيرًا فيقولون (٥): نحن ما نأتي ما ترمى به عائشة وصفوان فهما أولى أن لا يأتيانه كما ظن أبو أيوب وامرأته وقالوا: هذا إفك مبين، كما قال أبو أيوب.
وهذا معنى قول الكلبي: لولا إذ سمعتموه ظننتم بعائشة ظنكم بأنفسكم وعلمتم أنَّ أمكم لا تفعل ذلك، وقلتم: ﴿هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ أي: هذا القذف كذب بيّن.
١٣ - وقوله تعالى: ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ هلّا جاء العصبة الكاذبة على قذفهم عائشة بأربعة شهداء يشهدون بأنهم عاينوا منها ما رموها
(٢) (أنت) ساقطة من (ع).
(٣) رواه ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" ٣/ ٣٤٧، قال: حدثني أبي -إسحاق بن يسار- عن بعض رجال بني النجار، فذكره.
ورواه الطبري ١٨/ ٩٦، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٢ ب من طريق ابن إسحاق. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥٩ وزاد نسبته لابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر. وفي إسناده جهالة.
(٤) (على) ساقطة من (أ).
(٥) في (ظ)، (ع): (فيقولوا).
﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ أي في حكم الله هم كاذبون. فدلّ هذا على أن القاذف إذا عجز عن إقامة البينة حكم بكذبه (٢).
وسئل أحمد بن يحيى (٣) عن هذه الآية، وقيل: إذا رأى الرجل مع امرأته رجلًا وتيقّن الفاحشة ثم أخبر الإمام بذلك وعجز عن إقامة البينة فحدَّ أيكون عند الله كاذبًا؟ فقال: تأويل ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ في حكم الله، وقد فرض علينا أن نجريه مجرى الكاذبين وإن كان في معلوم الله أنه صادق، فإن صدقه مغيب عنّا، والغيب لا يعلمه إلا الله.
١٤ - ثم ذكر الذين قذفوا عائشة فقال: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ قال ابن عباس: يريد لولا ما منّ الله به عليكم وستركم (٤).
﴿لَمَسَّكُمْ﴾ لأصابكم ([فِي مَا أَفَضْتُمْ] (٥) فِيهِ) فيما أخذتم فيه وخضتم فيه من الكذب والقذف.
ويقال: أفاض القوم في الحديث إذا أخذوا فيه وأكثروا (٦).
(٢) انظر: "أحكام القرآن" للجصَّاص ٣/ ٣٠٧، "أحكام القرآن" للكيا الهراسي ٣/ ٣٠٨.
(٣) هو ثعلب، ولم أجد من ذكر عنه هذا.
(٤) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٤١. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥٠ ونسبه للطبراني.
(٥) ساقط من (ع).
(٦) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ٧٨ (فاض) وفيه: "إذا اندفعوا فيه... ".
وقوله: ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ في الدنيا والآخرة.
١٥ - قوله تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾.
قوله (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) "إذ" من صلة قوله (لَمَسَّكُمْ) (١)، وتقدير الكلام: لمسّكَم ذلك الوقت حين تلقَّونه بألسنتكم.
قال مجاهد (٢)، ومقاتل (٣): إذ يرويه (٤) بعضكم عن بعض.
وهو قول الكلبي، قال (٥): وذلك أنَّ الرجل منهم يلقى الرجل فيقول: بلغني كذا وكذا، يتلقَّونه تلقيا (٦).
وقال الزَّجَّاج: معناه إذ يلقيه بعضكم إلى بعض (٧).
وقال الفراء: كان الرجل يلقى الرجل فيقول: أما بلغك كذا وكذا، فيذكر قصة عائشة رضي الله عنها لتشيع الفاحشة (٨).
(٢) رواه الطبري ١٨/ ٩٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٣ أ، الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٤٢.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٦٠ ونسبه أيضًا للفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٦ أ.
(٤) في (أ): يرونه.
(٥) قال: ساقطة من (ع).
(٦) ذكره عنه البغوي ٦/ ٢٥.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٣٨.
(٨) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٨.
وذكرنا معنى التلقي عند قوله ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ﴾ [البقرة: ٣٧].
قوله تعالى: ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ قال ابن عباس: أي ما يعلم الله خلافه (٢).
وقال مقاتل: يقول (٣): من غير أن تعلموا أن الذي قلتم من القذف حق (٤).
﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا﴾ وتظنون أنَّ القذف سهل لا إثم عليكم فيه (٥).
﴿وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ في الوزر (٦).
قال ابن عباس: رموا سيدة النساء وأم (٧) المؤمنين وزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبهتوها بما لم يكن فيها، ولم يقع في قلبها قط، والله خلقها طيّبة، وعصمها من كل قبيح (٨).
١٦ - ثم زاد في الإنكار عليهم وقال: ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ وهلّا إذ سمعتم (٩) القذف لعائشة رضي الله عنها ﴿قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا﴾ ما يحل وما
(٢) رواه الطبراني (٢٣/ ١٤١/ ١٤٢). ذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥٠ ونسبه للطبرانى.
(٣) في (أ): (تقولون)، وهي ساقطة من (ع). والمثبت من (ظ)، و"تفسير مقاتل".
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٦ أ.
(٥) "الطبرى" ١٨/ ٩٩.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٦ أ.
(٧) في (ع): أم.
(٨) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٤٢ من رواية عطاء. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥٠ ونسبه للطبراني.
(٩) في (ع): (سمعتموه).
﴿سُبْحَانَكَ﴾ قال مقاتل: ألا نزّهتم الربّ عن أن يُعصَى (١).
وقال غيره (٢): ﴿سُبْحَانَكَ﴾ (٣) -هاهنا (٤) - معناه: التَّعجب، كقول الأعشى:
سبحان من علقمة الفاخر (٥) (٦)
(٢) ذكر الثعلبي ٣/ ٧٤ ب هذا القول مختصرًا. ولم ينسبه لأحد. وذكره البغوي ٦/ ٢٥ مقتصرًا عليه.
(٣) في (أ): سبحانه.
(٤) (هاهنا) ساقطة من (ظ).
(٥) في (ع): (الفاجر)، وهو خطأ.
(٦) هذا عجز بيت للأعشى، وصدره:
أقولُ لما جاءني فخره
وهو في "ديوانه" ص ١٤٣، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٣٦، "الكتاب" لسيبويه ١/ ١٣٥، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٢٠، "معاني القرآن" للزَّجَّاج ٣/ ١٩٠، "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٨.
وهو من قصيدة قالها الأعشى يفضل فيها عامر بن الطُّفيل على علقمة بن علاثة في المفاخرة التي جرت بينهما في الجاهلية.
وعلقمة المذكور في البيت هو علقمة بن علاثة صحابي، قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو شيخ فأسلم، وقد استعمله عمر بن الخطاب على حوران ومات بها.
وكان حصل بين علقمة وعامر بن الطفيل في الجاهلية مفاخرة، فخرج مع عامر لبيدُ والأعشى، ومع علقمة الحطيئةُ، واحتكما إلى غير واحد، فلم يحكم بينهما، حتى احتكما إلى هرم بن قطبة الفزاري، فقضى بينهما بعد سنة، وقال: أنتما كركبتي البعير يقعان معًا، ولم يفضّل، فانصرفا على ذلك، لكن الأعشى مدح عامرًا =
ثم وعظ الذين خاضوا في الإفك:
١٧ - ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا﴾ قال ابن عباس -في رواية مِقْسَم (٣) -: يحرم الله عليكم أن تعودوا لمثله (٤). [ونحو هذا قال الكلبي. وقال مجاهد: ينهاهم الله أن يعودوا لمثله (٥)] (٦).
وقال غيره: يحذركم الله (٧).
وكل هذا معاني الوعظ، فإنَّ فيه التحذير والنهي والمنع.
قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ يعني أن من شرط الإيمان ترك قذف المحصنة، فإن آمنتم فلا تعودوا لمثل ما قلتم (٨).
١٨ - ﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ قال ابن عباس: يعني التي أنزلها في
انظر: "شرح ديوان الأعشى" لثعلب ص ١٦٥، "بلوغ الأرب" للنويري ١/ ٢٨٧، "الإصابة" لابن حجر ٢/ ٤٩٦.
(١) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٤٤ من رواية عطاء.
(٢) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى ﴿أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٢٠].
(٣) هو: مِقْسَم بن بجرة تقدمت ترجمته.
(٤) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٣/ ٣٧١، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٢٤ ب من رواية ليث، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس بلفظ: يحرّج..
(٥) رواه سفيان في "تفسيره" ص ٢٢٢، والطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٤٥، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٦١ وعزاه للفريابي والطبراني.
(٦) ساقط من (أ)، (ع).
(٧) لفظ الجلالة ليس في (أ).
(٨) في (ع): (لمثله ما قمتم).
وقال الكلبي: ويبين الله لكم الآيات بالأمر والنهي (٢).
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بما في قلوبكم من الندامة فيما خضتم فيه ﴿حَكِيمٌ﴾ حكم في القذف ثمانين جلدة. قاله ابن عباس (٣).
وقال غيره: ﴿عَلِيمٌ﴾ بأمر عائشة وصفوان ﴿حَكِيمٌ﴾ حكم ببراءتهما (٤) (٥).
ثم هدَّد القاذفين فقال:
١٩ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ﴾ أي: تفشو (٦).
يقال: شاع الشيء شيُوعًا وشيعًا وشيعانًا وشيعوعة، إذا ظهر وتفرّق. والدم يقطر في الماء فيشيع فيه، أي: يتفرّق (٧).
قال مقاتل: يعني أن يظهر الزنا، أحبّوا ما شاع لعائشة من الثناء
(٢) ذكره البغوي ٦/ ٢٥ ولم ينسبه لأحد.
(٣) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٤٥. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥١ وعزاه للطبراني.
(٤) في (أ): (ببراءتها).
(٥) هذا قول الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٧٤ ب.
(٦) الثعلبي ٣ ل/ ٧٤ ب.
(٧) "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ٦٠ - ٦١ (شاع) عن الليث وغيره.
قال الزبيدي في "تاج العروس" ٢١/ ٣٠١ "شيع": شيعا بالفتح وشيوعًا بالضم. وقال الفيروزآبادي في "القاموس المحيط" ٣/ ٤٧ "شاع": وشيعوعة كديمومة، وشيعانًا محرّكة وانظر: "الصحاح" للجوهري ٣/ ١٢٤٠ (شيع)، "لسان العرب" ٨/ ١٩١ (شيع).
قوله ﴿فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قال ابن عباس: يريد المحصنين والمحصنات (٢).
والمعنى: يحبون أن تشيع الفاحشة فيهم بأن ينسبوها إليهم ويقذفوهم بها، ويشيعوا فيما بين الناس أنهم أتوها.
وقال مقاتل: ﴿فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾ في صفوان وعائشة (٣).
ويحتمل أن يكون ﴿فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي فيما بين المؤمنين بأن يذكروها في مجالسهم حتى تفشو فيما بينهم. وعلى هذا لا يكون المراد بالذين آمنوا المقذوفين والمقذوفات كما كان في القول الأول.
﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا﴾ يعني الجلد ﴿وَالْآخِرَةِ﴾ عذاب النار.
﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ﴾ قال ابن عباس: يعلم شر ما دخلتم فيه وما فيه من شدة سخط الله -عز وجل- ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (٤). ثم ذكر فضله ومنّته عليهم بتأخير العقوبة فقال:
٢٠ - ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ لولا ما تفضل الله به عليكم ورحمكم لعاقبكم (٥) فيما قلتم لعائشة. قاله مقاتل (٦).
(٢) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٤٦ وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥١ ونسبه للطبراني.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٦ أ.
(٤) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٤٦ وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥١ ونسبه للطبراني.
(٥) في (أ): (لعاقبتم)، وفي (ع): (لعافيتم).
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٦ ب.
قال ابن عباس: يريد مسطحًا وحمنة وحسان (١) (٢).
٢١ - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ قال مقاتل: يعني تزيين الشيطان في قذف عائشة (٣).
﴿وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ قال ابن عباس: بعصيان الله وكل ما يكره الله (٤).
وقال مقاتل (٥)، والكلبي: بالمعاصي وما لا يعرف (٦) في شريعة ولا في سنَّة.
﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ ما صلح. قاله مقاتل، وأبو زيد (٧). والزكاة تكون (٨) بمعنى الصلاح، ومنه رجل زكي تقي. يقال: زَكَا يَزْكُو زكاءً (٩).
(٢) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٤٧. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥١ ونسبة للطبراني.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٦ ب.
(٤) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٤٨ وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥١ ونسبه للطبراني.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٦ ب.
(٦) في (ع): وقالا ما لا يعرف.
(٧) قول مقاتل في "تفسيره" ٢/ ٣٦ ب، وقول أبي زيد في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٣٢٠ (زكا).
(٨) (تكون) ساقطة من (أ).
(٩) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٣١٩ (زكا) عن الليث وغيره. =
وأجرى بعضهم هذه الآية على العموم وقال: معناها أن الله تعالى يخبر أنَّه لولا فضله ورحمته (٢) ما اهتدى أحد ولا صلح (٣).
والآخرون يقولون: المراد بهذا الخطاب الذين خاضوا في حديث الإفك.
وهو معنى قول ابن عباس في رواية عطاء، قال- في قوله: ﴿مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾ -: ما قبل توبة أحد منكم أبدًا (٤) (٥).
والمعنى: ما طهر (٦) من هذا الذنب وما صلح أمره بعد الذي فعل.
﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ قال ابن عباس: يريد: فقد شئت أن أتوب عليكم (٧).
وقال الكلبي: يصلح من يشاء (٨). وقال غيره (٩): يطهر من يشاء من
(١) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٣٠٢.
(٢) في (ظ)، (ع): (لولا فضل الله عليكم ورحمته).
(٣) ذكر البغوي ٦/ ٢٦ هذا القول وعزاه لبعض المفسرين. وذكره ابن الجوزي ٦/ ٢٣ بمعناه ولم ينسبه لأحد. وانظر هذا القول بمعناه عند الطبري ١٨/ ١٠١.
(٤) في (ع) زيادة: (من أحد) قبل قوله (أبدا).
(٥) رواه الطبراني ٢٣/ ١٤٨ من رواية عطاء عن ابن عباس، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥١ ونسبه للطبراني.
(٦) في (أ): (ما ظهر).
(٧) روى ابن أبي حاتم ٧/ ٢٦ ب، والطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٤٨ هذا القول عن سعيد بن جبير. وانظر: "الدر المنثور" ٦/ ١٥٤.
(٨) ذكر ابن الجوزي ٦/ ٢٤ هذا القول، ولم ينسبه لأحد.
(٩) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٠١.
﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ قال ابن عباس: ﴿سَمِيعٌ﴾ لقولكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بما في نفوسكم من الندامة والتوبة (١).
٢٢ - قوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ﴾ قال ابن عباس (٢)، وجماعة المفسرين (٣): ولا يحلف. ويقال للحلف: الأليَّة، والألوة، والألوة والإلوة، بسكون اللام في اللغات الثلاث (٤). قال الشاعر (٥):
قليل الألايا حافظ ليمينه | فإن سبقت منه الألية برَّت |
(٢) رواه الطبراني ١٣/ ١٢٣ من رواية عطاء، عن ابن عباس. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥١ وعزاه الطبراني
وقد روى الطبري ١٨/ ١٠٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٦ ب من طريق علي بن أبي طلحة الوالبي، عن ابن عباس قال: لا تقسموا.
(٣) رواه الطبراني ١٨/ ١٠٢ - ١٠٣ وابن أبي حاتم ٧/ ٢٦ ب، "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ١٦٢ - ١٦٣.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهرى ٥/ ٤٣٠ (ألى)، "الصحاح" للجوهري ٦/ ٢٢٧١ (ألا)، "لسان العرب" لابن منظور ١٤/ ٤٠ (ألا).
(٥) هو: كثير، والبيت من قصيدة يرثي بها عبد العزيز بن مروان. وهو في "ديوانه" ص ٣٢٥، و"الحماسة" لابن الشجري ص ٩٧.
ومن غير نسبة في "الصحاح" ٦/ ٢٢٧١ (ألا)، و"لسان العرب" ١٤/ ٤٠ (ألا).
(٦) في (أ): (أولى).
(٧) (يتألى) ساقط من (ع).
(٨) من قوله: (والفعل.. إلى هنا) نقلاً عن "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٤٣٠ (ألى).
وما (٣) آلو جهدًا، أي: ما أقصرَّ (٤). يقال: ائتلى، أي: قصرَّ. وهو مؤتل (٥). قال امرؤ القيس:
نصيح على تعذاله غير مؤتل (٦)
﴿أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ يعني: أولو الغنى والسعة في المال وهو أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- في قول جميع المفسرين (٧).
(٢) في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٦٥: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم) مجازه: ولا يفتعل من آليت: أقسمت، وله موضع آخر من ألوت بالواو.
وفي "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٤٣١ (ألى): وقال أبو عبيدة: (ولا يأتل أولوا الفضل) من ألوت، أي: قصرت.
(٣) في (أ): (وأمّا).
(٤) في (أ): (ما أقصروا).
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ٤٣١ (ألى)، "الصحاح" ٢/ ٢٢٧٠ (ألا).
(٦) هذا عجز بيت لامرئ القيس وهو من معلقته وصدره:
ألا ربَّ خصم فيك ألوى رددته
وهو في "ديوانه" ص ١٨.
قال ابن الأنباري في "شرح المعلقات السبع" ص ٧٣ - ٧٤: الألوى: الشديد الخصومة.. والتعذال: العذل. وقوله: "غير مؤتل" معناه: غير تارك نصحي بجهده. يقال: من ألوت وما أليت أي: ما قصرت. اهـ.
(٧) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٠٢ - ١٠٣، ابن أبي حاتم ٧/ ٢٦ ب، الثعلبي ٣/ ٧٥ أ، "الدر المنثور" ٦/ ١٦٢ - ١٦٣.
قال القرطبي ١٢/ ٢٠٧ بعد أن ذكر هذا القول وصحَّحه-: غير أن الآية تتناول الأمّة إلى يوم القيامة بألَّا يغتاظ ذو فضل وسعة فيحلت ألَّا ينفع من هذه صفته غابر الدهر.
وقال مقاتل بن سليمان: كان مسطح بن أثاثة -وأمه أسماء بنت جندل بن نهشل (٣) - ابن خالة أبي بكر، وكان يتيمًا في حجره، فلما بيّن عذر عائشة وكان مسطح فيمن خاض في أمرها، حلف أبو بكر أن (٤) لا يصله بشيء أبدًا؛ لأنه أذاع على عائشة أمر القذف، وكان مسطح من المهاجرين الأولين، فأنزل الله في أبي بكر ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ [النور: ٢٢] (٥).
(٢) رواه الطبري ١٨/ ١٠٣، والطبرياني في "الكبير" ٢٣/ ١٤٩.
(٣) هكذا ذكرها بهذا الاسم مقاتل بن سليمان في "تفسيره" (ج ٢ ل ٣٦ ب).
وقال آخرون: أم مسطح بنت أبي رُهم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، وأمَّها ريطة بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة، تزوّجها أثاثة بن عبّاد بن المطلب بن عبد مناف، فولدت له مسطحًا وهندًا، وأسلمت أم مِسْطح فحسن إسلامها.
قال ابن حجر: يقال: اسمها سلمى، ويقال: ريطة. وهي مشهورة بكنيتها.
انظر: "طبقات ابن سعد" ٨/ ٢٢٨، "صحيح البخاري" كتاب: المغازي- باب: حديث الإفك ٧/ ٤٣٢، "أسد الغابة" لابن الأثير ٥/ ٦١٨، "الإصابة" لابن حجر ٤/ ٤٧٢.
(٤) في (ع): أنَّه.
(٥) "تفسير مقاتل" (ج٢ ل ٣٦ ب). ومقاتل بن سليمان لا يعتمد عليه في رواية.
وقد روى البخاري في "صحيحه" كتاب: التفسير- تفسير سورة النور ٨/ ٤٥٥، ومسلم في "صحيحه" كتاب: التوبة- باب: في حديث الإفك ٤/ ٢١٣٦ وغيرهما =
وعلى قول أبي عبيدة (٣) لا يحتاج إلى إضمار لا.
﴿أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يعني مسطحًا ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾ يعني وليتركوا وليتجاوزوا عن مسطح (٤).
قال ابن عباس: يريد فقد جعلت فيك يا أبا بكر الفضل، وجعلت عندك السعة والمعرفة بالله وصلة الرحم، فتعطف على مسطح، فله قرابة، وله هجرة، وله مسكنة، ومشاهد رضيتها منه يوم بدر (٥).
﴿أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قال مقاتل بن سليمان: فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: "أما تحب أن يغفر الله لك"؟ قال: بلى. قال: "فاعف واصفح". فقال أبو بكر: قد عفوت وصفحت لا أمنعه معروفًا بعد
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٣٦.
(٢) انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٣٠٢.
(٣) أن معنى (يأتل): يقصر.
(٤) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٠٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٧ ب، و "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٦ ب.
(٥) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٤٩ من طريق عطاء، عن ابن عباس.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥١ وعزاه للطبراني، وتصحفت فتعطف في "الدر" إلى: فتسخط.
وقال مقاتل بن حيان: حلف أبو بكر وأناس معه من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بالله الذي لا إله إلا هو لا ينفع رجلاً من الذين قالوا لعائشة ما قالوا، ولا نصلهم ولا نبرهم، وكان مسطح بينه وبين أبي بكر قرابة من قبل النساء، فأقبل مسطح إلى أبي بكر ليعتذر فقال: جعلني الله فداك، والله الذي أنزل الكتاب على محمد ما قذفتها ولا تكلمت بشيء مما قيل لها أي خال -وكان أبو بكر خاله- فقال أبو بكر: قد أعجبك الذي قيل لها! قال: قد كان (٢) بعض ذلك، فأنزل الله في شأنه هذه الآية، وأمر أبا بكر والذين معه أن ينفقوا على مسطح، فقال أبو بكر وأصحابه: والله يا مسطح ما (٣) نمنعك
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٧٩: وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف.
وقوله: "قد جعلت له مثلي ما كان قبل اليوم" روى الطبراني ٢٣/ ١٢٥ - ١٢٩ نحوه من حديث ابن عمر في خبر الإفك وفيه: "فلما قال: (ألا تحبّون أن يغفر الله لكم) بكى أبو بكر فقال: أما إذ نزل القرآن بأمري فيك لأضاعفن لك النفقة".
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٩/ ٢٤٠: وفيه إسماعيل بن يحيى التيمي، وهو كذّاب.
وروى ابن المنذر كما في "الدر المنثور" ٦/ ١٦٣ عن الحسن: أن أبا بكر صار يضعف له بعد ذلك، بعد ما نزلت هذه الآية ضعفي ما كان يعطيه.
والذي في "صحيح البخاري" وغيره من حديث عائشة: "فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه". والله أعلم.
(٢) عند ابن أبي حاتم: لعله يكون قد كان بعض ذلك.
(٣) في (ظ)، (ع): (لا).
وقال الكلبي: كان مسطح وأصحابه من ذوي قرابة أبي بكر، فأقبلوا إليه ليصيبوا من طعامه، ويأووا إليه كما كانوا يفعلون فيما مضى، فقال لهم أبو بكر: قوموا عني (٢) فلست منكم ولستم مني في شيء (٣)، ولا يدخلن علي منكم رجل أبدًا. فقال مسطح: أنشدك الله والإسلام، وأنشدك بالقرابة والرحم، وأنشدك فقرنا وجهدنا أن تحوجنا إلى أحد، فإنا -والله- من خوض القوم براء، ولقد ساءنا ما كان وما سمعنا مما قال حسّان، وما كان لأحد منا فيه ذنب، فنزلت هذه الآية (٤).
٢٣ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ العفايف (٥) ﴿الْغَافِلَاتِ﴾ عن الفواحش كغفلة عائشة عما قيل فيها (٦) ﴿الْمُؤْمِنَاتِ﴾ المصدقات بتوحيد الله وبرسوله (٧) (٨).
﴿لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا﴾ عذبوا (٩) بالجلد ثمانين ﴿وَالْآخِرَةِ﴾ يعذبون
(٢) (عنّي) ساقطة من (ظ)، (ع).
(٣) في (ظ): (فلستم منّي ولست منكم في شيء).
(٤) لم أجد من ذكر هذه الرواية عن الكلبي.
(٥) روى الطبراني ٢٣/ ١٥٣ هذا القول عن ابن عباس، وهو قول الثعلبي ٣/ ٧٥ أ.
(٦) هذا قول الثعلبي ٣/ ٧٥ أ. وروى ابن أبي حاتم ٧/ ٢٨ أ. والطبراني ٢٣/ ١٥٢ أوله عن سعيد بن جبير.
(٧) في (أ): (ورسوله).
(٨) روى الطبراني ٢٣/ ١٥٣ هذا القول عن ابن عباس.
(٩) في (أ): (وعذبوا).
﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ قال ابن عباس: يريد إخراجهم من الإيمان (٢)
واختلف المفسرون في حكم هذه الآية:
فقال مقاتل بن سليمان: هذه الآية خاصَّة في عبد الله بن أُبي المنافق ورميه عائشة (٣) (٤).
وقال سعيد بن جبير: هذه الآية (٥) خاصّة فيمن [يقذف عائشة، فمن] (٦) قذفها كان من هذه الآية (٧).
وقال الضحاك (٨)، والكلبي (٩): هذه الآية في عائشة وأزواج
(٢) رواه الطبراني ٢٣/ ١٥٣ من رواية عطاء، عن ابن عباس. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥١ وعزاه للطبراني.
(٣) في (أ): (وعائشة).
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٦ ب.
(٥) في (أ)، (ظ): (هذا الحكم).
(٦) ساقط من (أ).
(٧) رواه الطبري ٨/ ١٠٥، والطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٥١ - ١٥٢. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٤ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٨) روى الطبري في "تفسيره" ١٨/ ١٠٤، والطبراني في "المعجم الكبير" ٢٣/ ١٥٢ عن الضحاك قال: نزلت هذه الآية في نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٦٤ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد.
وذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٦٤ عن الضحاك قال: "نزلت هذه الآية في عائشة خاصة". وعزاه للطبراني. ولم أره فيه.
(٩) روى عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٥، والطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٥٣ عن الكلبي. إنَّما عني بهذه الآية أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وروى العوَّام بن حوشب (١)، عن شيخ من بني كاهل، عن ابن عباس قال: هذه في شأن عائشة وأزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاصة (٢)، وهي مبهمة ليس فيها توبة، ومن قذف امرأة مؤمنة فقد جعل الله -عز وجل- له توبة، ثم قرأ ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ إلى قوله ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ قال: فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لأولئك توبة. قال رجلٌ في المجلس: فهممت [أن أقوم فـ] (٣) أقبّل رأسه من حسن ما فسّر (٤).
وروي عن أبي حمزة الثمالي (٥): أنها نزلت في مشركي مكّة، كانت
(٢) (خاصة) ساقطة من (أ).
(٣) بياض في (ظ).
(٤) رواه سعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٨ أ) بنحوه، والطبري في "تفسيره" ١٨/ ١٠٤، والطبراني في "المعجم الكبير" ٢٣/ ١٥٣ - ١٥٤، والثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٧٥ أ، ب كلهم من طريق العوام بن حوشب عن شيخ من بني كاهل. وعند الطبري: شيخ من بني أسد، ولا منافاة فإن كاهلًا هو ابن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر كما في "اللباب في تهذيب الأنساب" لابن الأثير ٣/ ٧٩ عن ابن عباس.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٦٥ وزاد نسبته لابن مردويه في "تفسيره". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٨٠: فيه راو لم يسمّ، وبقية رجاله ثقات.
(٥) هو: ثابت بن أبي صفيّة، أبو حمزة الثُّمالي الأزدي الكوفي، مولى المهلب. من صغار التابعين. توفي في خلافة أبي جعفر المنصور.
قال الذهبي: واهٍ جدًّا. وقال ابن حجر: ضعيف رافضي. =
وقال الزجاج: قيل إن الأصل فيه أمر عائشة -رحمها الله- ثم صار لكل من رمى المؤمنات. قال: ولم يقل -هاهنا- والمؤمنين استغناء بأنه إذا رمى المؤمنة فلابد أن يرمي معها مؤمنًا، فدل ذكر المؤمنات على المؤمنين كما قيل: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] (٢).
وعلى هذا حكم الآية فيمن قذف مؤمنة ولم (٣) يتب فإنه يعذب في الدنيا بالجلد وفي الآخرة بالنار، فإن تاب كان ممن ذكر حكمه في قوله ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وهذه الآية ذكرت بعد رمي [المحصنةِ وقد مرت] (٤) في هذه السورة.
والصحيح أن الآية خاصة في قذف عائشة وأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- (٥) لقوله:
(١) رواه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٧٥ ب عن أبي حمزة الثمالي قال: بلغنا، فذكره، وهذا الخبر لا يصح؛ لأن أبا حمزة واهٍ كما تقدم، ولإرساله.
(٢) "معاني القرآن للزجاج ٤/ ٣٧.
(٣) في (ظ): (فلم).
(٤) بياض في (ظ).
(٥) اختار الطبري ١٨/ ١٠٥ العموم وقال: لأنَّ الله عمَّ بقوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ كل محصنة غافلة مؤمنة رماها رام بالفاحشة، من غير أن يخص بذلك بعضًا دون بعض. أهـ وصحح هذا القول ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٧٧ وعضده بما في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اجتنبوا السبع الموبقات ".. الحديث. وفيه: "وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات". اهـ.
والحديث رواه البخاري كتاب: الحدود- باب: رمي المحصنات ١٢/ ١٨١ ومسلم كتاب: الإيمان- باب: بيان الكبائر ١/ ٩١.
قوله ﴿أَلْسِنَتُهُمْ﴾ قال الكلبي: تشهد عليهم يوم القيامة ألسنتهم بما تكلّموا به من الفرية في قذف عائشة (١). وقيل: تشهد ألسنة بعضهم على بعض من المنافقين الذين رموا عائشة بالبهتان (٢).
وقوله ﴿وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ﴾ قال ابن عباس: إن الله تعالى ختم على الألسنة، فتكلمت الجوارح، ونطقت بما عملوا في الدنيا (٣).
وهذه الآية دليل على أن الأولى واردة في قذف أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لأن شهادة الجوارح غير مذكورة في جميع القرآن إلا في صفات المشركين، فمن قذفهن من المنافقين فهو من أهل هذه الآية، وإن قذفهن غير منافق عوقب بسلب الإيمان فيصير من أهلها.
٢٥ - قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾ قال ابن عباس (٤)، وغيره (٥): يريد يوم القيامة يجازيهم الله جزاءهم الحق. أي (٦): جزاءهم الواجب.
وقال مقاتل: يعني حسابهم العدل (٧).
(٢) قال الطبري ١٨/ ١٠٥: عني بذلك أنَّ ألسنة بعضهم تشهد على بعض.
(٣) رواه الطبراني ٢٣/ ١٣٣ من رواية عطاء، عن ابن عباس إلى قوله الجوارح. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥٢ وعزاه للطبراني.
(٤) رواه الطبراني ٢٣/ ١٥٥ من طريق عطاء، عن ابن عباس بنحوه.
(٥) الطبري ١٨/ ١٠٦.
(٦) في (ظ): (أو).
(٧) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٧ أ.
قال مقاتل: ﴿الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ العدل البيّن (٤).
٢٦ - قوله -عز وجل-: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ﴾ قال مجاهد (٥)، وأكثر المفسرين (٦): ﴿الْخَبِيثَاتُ﴾ من الكلام والقول ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ من الناس، ﴿وَالْخَبِيثُونَ﴾ من الناس ﴿لِلْخَبِيثَاتِ﴾ من الكلام، ﴿وَالطَّيِّبَاتُ﴾ من الكلام ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ من الناس، ﴿وَالطَّيِّبُونَ﴾ من الناس ﴿لِلطَّيِّبَاتِ﴾ من الكلام.
وهذا يحتمل معنيين:
(٢) في (أ)، (ع): (فيقطع).
(٣) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٥٤ - ١٥٥ من طريق عطاء، عن ابن عباس. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥٢ وعزاه للطبراني.
قال الطبري ١٨/ ١٠٦: يقول: ويعلمون يومئذ أن الله هو الحق الذي يبين لهم حقائق ما كان يعدهم في الدنيا من العذاب، ويزول حينئذ الشك عن أهل النفاق الذين كانوا فيما يعدهم في الدنيا يمترون.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٧ أ.
(٥) رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٥، والطبري ١٨/ ١٠٧، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٠ أ، والطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٥٧ - ١٥٨.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٦٧، وزاد نسبته لعبد بن حميد والفريابي، وابن المنذر.
(٦) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٠٦ - ١٠٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٩ ب، ٣٠ أب، والثعلبي ٣/ ٧٥ ب، وابن كثير ٣/ ٢٧٦، و"الدر المنثور" ٦/ ١٦٧ - ١٦٨.
يعني أنّ كلّ (٢) كلام إنما يحسن في أهله فيضاف سيء (٣) القول إلى من يليق به ذلك، وكذلك الطيب من القول، وعائشة رضي الله عنها لا يليق بها الخبيثات من الكلام، فلا يصدق فيها؛ لأنها طيبة فيضاف إليها طيبات الكلام من الثناء الحسن وما يليق بها.
قال مقاتل بن سليمان: ﴿الْخَبِيثَاتُ﴾ يعني قذف عائشة ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ من الرجال (٤) الذين قذفوها ﴿وَالْخَبِيثُونَ﴾ من الرجال والنساء [﴿لِلْخَبِيثَاتِ﴾ يعني السيئ (٥) من الكلام، لأنه يليق بهم الكلام السيئ و ﴿الطَّيِّبَاتُ﴾ يعني الحسن من الكلام ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ من الرجال والنساء،] (٦) يعني: الذين ظنّوا بالمؤمنين والمؤمنات خيرا ﴿وَالطَّيِّبُونَ﴾ من الرجال والنساء ﴿لِلطَّيِّبَاتِ﴾ يعني: الحسن (٧) من الكلام، لأنَّه يليق بهم الكلام الحسن (٨).
وعلى هذا المعنى (٩): ذمُّ القذفة بالخبث، ومدحُ الذين برَّؤا عائشة بالطهارة.
(٢) (كل) ساقطة من (ظ).
(٣) في (ظ): (من).
(٤) في "تفسير مقاتل" زيادة: والنساء.
(٥) في (ع): (للشيء)، والمثبت من (أ)، و"تفسير مقاتل".
(٦) ساقطة من (ظ).
(٧) في (أ)، (ع): (للحسن)، والمثبت من (ظ)، و"تفسير مقاتل".
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٧ أ.
(٩) (المعنى) ساقطة من (ظ)، (ع).
وهذا (٦) الذي ذكرنا قول أكثر أهل التفسير والمعاني (٧).
وقال الحكم (٨)، وابن زيد (٩): ﴿الْخَبِيثَاتُ﴾ من النساء ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ من الرجال ﴿وَالْخَبِيثُونَ﴾ من الرجال ﴿لِلْخَبِيثَاتِ﴾ من النساء ﴿وَالطَّيِّبَاتُ﴾ من النساء ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ من الرجال ﴿وَالطَّيِّبُونَ﴾ من الرجال ﴿لِلطَّيِّبَاتِ﴾ من النساء.
وهذا معنى قول ابن عباس -في رواية عطاء- قال: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ يعني يريد أمثال عبد الله بن أبيّ ومن يشك في الله تعالى،
(٢) عند الزجاج: شيء.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٣٧.
(٤) (هو) ساقطة من (ط).
(٥) (قول) ساقطة من (أ).
(٦) في (أ)، (ع): (هذا).
(٧) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٨، و"معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٥١٥.
(٨) هو: الحكم بن عتيبة، ولم أجد من ذكره عنه.
(٩) ذكره عند الثعلبي ٧/ ٧٥ ب بهذا اللفظ.
ورواه عنه الطبري ١٨/ ١٠٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٠ أ، ٣١ أ، والطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٥٦ بمعناه.
وفي هذا ذمّ للمنافقين وأزواجهم بالخبث ومدح لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعائشة بالطهارة، وكأنه قيل: المنافقون والمنافقات هم الذين بالصفّة التي رَمَوا (٦) بها عائشة وصفوان، لا عائشة والنبي -صلى الله عليه وسلم-.
قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ قال مقاتل: يعني الطيبات
(٢) سَرَقَة: قطعة من جيِّد الحرير، وجمعها سَرَق. وقيل هي البيضاء خاصة من الحرير. "لسان العرب" ١٠/ ١٥٦ - ١٥٧ (سرق).
(٣) هكذا في (أ)، والطبراني. وفي (ظ)، (ع)، "الدر المنثور": (الجنَّة).
(٤) في (أ): (عن)، والمثبت من باقي النسخ والطبراني و"الدر المنثور".
(٥) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٥٥ - ١٥٦ من رواية عطاء، عن ابن عباس. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥٢ وعزاه للطبراني.
ومجيء جبريل بعائشة في سرقة من حرير رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: النكاح- باب: النظر إلى المرأة قبل التزويج ٩/ ١٨٠، ومسلم في "صحيحه" كتاب: فضائل الصحابة- باب: في فضل عائشة ٤/ ١٨٨٩ - ١٨٩٠ من حديث عائشة -رضي الله عنها- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أريتك في المنام يجيء بك الملك في سرقة من حرير".
ورواه ابن حبان "الإحسان" ٩/ ١١١ من وجه آخر عن عائشة بلفظ: جاء بي جبريل - عليه السلام - إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خرقة حرير فقال: "هذه زوجتك في الدنيا والآخرة"
(٦) في (أ): (رضوا).
قال الفراء: يعني عائشة وصفوان فذكر الاثنين بلفظ الجمع كقوله ﴿فَإِن (٣) كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١] يريد (٤): أخوين، وقوله ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٨] يريد داود وسليمان (٥).
وقال الزَّجَّاج: كل من قُذف من المؤمنين والمؤمنات مبرؤن مما يقول أهل الخبث القاذفون (٦).
وهذا معنى ما ذكرنا من قول مقاتل. و ﴿أُولَئِكَ﴾ إشارة إلى الطيبين والطيبات. وعلى قول الفراء إشارة إلى عائشة وصفوان.
وهذان هما الوجهان الصحيحان في معنى الآية. وذُكر قولان (٧) آخران:
أحدهما: رواه ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ قال: فمن كان طيبًا فهو مبرأ من كل قول (٨) [خبيث يقوله يغفره (٩) الله له. ومن كان خبيثًا فهو مبرأ من كل] (١٠) قول صالح يقوله، يردّه
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٧ أ.
(٣) في جميع النسخ: (وإن).
(٤) في (أ): (يريدون).
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٩
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٣٨.
(٧) في (ظ)، (ع): (قولاً).
(٨) قول: ساقط من (أ)، (ظ).
(٩) في (أ): (يغفر).
(١٠) ساقط من (ظ).
وعلى هذا الإشارة بقوله ﴿أُولَئِكَ﴾ تعود إلى (٣) الخبيث والطّيب من الفريقين و ﴿يَقُولُونَ﴾ خبرٌ عنهم لا عن غيرهم.
القول الثاني: رواه طلحة بن عمرو، عن عطاء موقوفًا عليه (٤)، وروي مرفوعًا عنه إلى ابن عباس (٥): ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾: ألا ترى أنّك تسمع الكلمة الخبيثة من الرجل الصالح فتقول: غفر الله لفلان ما (٦) هذا من شيمته ولا من خلقه ولا مما يقول! ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ أن يكون ذلك من أخلاقهم ومن شيمتهم (٧)، ولكن الرجل قد يكون منه الزلل.
وعلى هذا الإشارة بقوله ﴿أُولَئِكَ﴾ تعود إلى الطيب من الفريقين،
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٥، والطبري ١٨/ ١٠٩، وابن أبي حاتم ٧/ ٣١ ب، والطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٦١ من طريق ابن أبي نجيح.
وذكره السيوطي في "الدر" ٦/ ١٦٧، ونسبه أيضًا لعبد بن حميد والفريابي وابن المنذر.
(٣) (إلى): ساقطة من (ظ).
(٤) رواه أبو الشيخ بن حيّان في كتاب "التوبيخ والتنبيه" باب: ما روي في قول الله -عز وجل- "الخبيثات للخبيثين" الآية ص ١٩٧ من طريق طلحة بن عمرو، عن عطاء موقوفًا عليه.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٦٨ عن عطاء موقوفًا عليه وعزاه لعبد بن حميد.
(٥) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٥٩ من طريق طلحة بن عمرو، عن عطاء مرفوعًا إلى ابن عباس. وسنده ضعيف جدًا؛ لأن فيه طلحة وقد تقدم بيان حاله.
(٦) في (أ): (فما).
(٧) في "التوبيخ": شيمهم.
قوله تعالى: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ قال ابن عباس (٢)، ومقاتل (٣): رزق حسن في الجنّة.
٢٧ - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية. روى عدي بن ثابت (٤) أن امرأة [من الأنصار] (٥) جاءت إلى رسول الله (٦) -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله! إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحدٌ (٧) لا والد ولا ولد، فيأت الأب فيدخل علي، ولا يزال يدخل عليّ رجل من أهل بيتي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت هذه الآية (٨).
(٢) رواه الطبراني في "الكبير" ٢٣/ ١٦١ من طريق عطاء عن ابن عباس، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥٢ ونسبه للطبراني.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٧ أ.
(٤) هو: عَدي بن ثابت الأنصاري، الكوفي. تابعي ثقة رمي بالتشيع، توفي سنة ١١٦ هـ. "الكاشف" للذهبي ٢/ ٢٥٩، "تقريب التهذيب" ٢/ ١٦.
(٥) ساقط من (ظ).
(٦) في (ظ): (النبي).
(٧) (لا): ساقطة من (ظ)، (ع).
(٨) رواه الطبري في "تفسيره" ١٨/ ١١٠ - ١١١، والثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٧٦ أ، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٢٦٩ من طريق أشعث بن سوّار، عن عدي بن ثابت.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٧١ ونسبه للفريابي والطبري.
وهذه الرواية فيها علتان:
الأولى: في سندها أشعث بن سوّار وهو ضعيف.
الثانية: الإرسال، فإن عديّ بن ثابت تابعيّ.
قال أبو إسحاق: معنى ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ في اللغة: تستأذنوا. وكذلك هو في التفسير. والاستئذان: الاستعلام. يقول: آذنته بكذا: أعلمته، وكذلك آنست منه كذا، أي: علمت منه. ومنه قوله ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء:
(٢) رواه الطبري ١٨/ ١١٠، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٢ أمن طرق عن ابن عباس.
(٣) ذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٧١ عن عكرمة قال: هي في قراءة أبيّ (حتى تسلموا وتستأذنوا). وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٧ أ.
(٥) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٥، والطبري ١٨/ ١١٠، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٢ أ.
(٦) لم أجد من ذكره عنه.
قال العز بن عبد السلام في كتابه "الإشارة إلى الإيجاز" ص ٧٨: ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ تطلبوا الأنس بكم، أي: تطلبوا أن يأنس بكم صاحب البيت، وأنسه به بانتفاء الوحشة والكراهية، وهذا كناية لطيفة عن الاستئذان، أي: أن يستأذن الداخل، أي يطلب إذنًا من شأنه أن لا يكون معه استيحاش ربّ المنزل بالداخل.. فإنَّه إذا أذن له دلّ على أنَّه لا يكره دخوله، وإذا كره دخوله لا يأذن له، والله متولي علم ما في قلبه: فلذلك عبَّر عن الاستئذان بالاستئناس مع ما في ذلك من الإيماء إلى علة مشروعية الاستئذان.
وفي ذلك من الآداب أن المرء ينبغي أن لا يكون كلًا على غيره، ولا ينبغي أن يعرّض نفسه إلى الكراهية والاستثقال، وأنه ينبعي أن يكون الزائر والمزور متوافقين متآنسين، وذلك عون على توفر الأخوّة الإسلامية. اهـ.
وقال ابن قتيبة: الاستئناس: أن يُعلم من في الدار يقال: استأنست فما رأيت أحدًا، أي: استعلمت (٣) وتعرّفت (٤) (٥).
وقال الفراء: الاستئناس في كلام العرب: النظر. يقال: اذهب فاستأنس هل ترى أحدًا؟ فيكون معناه: انظر من في الدار (٦).
وقول النابغة:
بذي الجليل (٧) على مستأنس وحد (٨) (٩).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٣٩.
(٣) في (ظ): (استعملت).
(٤) في (أ): (تعرفت) سقطت الواو.
(٥) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٣٠٣.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٩.
(٧) في (ع): (الخليل)، وفي (ظ): (الخيل).
(٨) في (ع): (وحدي).
(٩) هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، وهو من معلقته، وصدره:
كأنَّ رحلي، وقد زال النهار بنا
وهو في "ديوانه" ص ١٧، "غريب القرآن" (١) لابن قتيبة ص ٣٠٣، "تهذيب اللغة" للأزهري ١٣/ ٨٧ (أنِسَ)، "لسان العرب" ٦/ ١٥ (أنس).
قال الخطيب التبريزي في "شرح المعلقات العشر" ص ٥١٧: "زال النهار بنا" معناه: انتصف، و"بنا" بمعنى علينا، والجليل: الثُّمام، أي بموضع فيه ثمام، والمستأنس: الناظر بعينه، ومنه "إني آنست نارًا" أي أبصرت. اهـ.
و (وَحَد): بفتح الواو والحاء: الرجل المنفرد. "القاموس المحيط" ١/ ٣٤٣.
وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ قال: إنّما هو (حتى تستأذنوا) ولكنّه وَهَم من الكاتب (٣).
(٢) من قوله: (وقول النابغة إلى هنا) نقلاً عن "تهذيب اللغة" للأزهري ١٣/ ٨٧ (أنس).
(٣) رواه سعيد بن منصور ١٥٨ ب، والطبري ١٨/ ١٠٩ - ١١٠، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٢ أمن طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
وذكره ابن حجر في "الفتح" ١١/ ٨ وعزاه لسعيد والطبري والبيهقي، وقال: بسند صحيح عن ابن عباس. اهـ.
ورواه سفيان الثوري في "تفسيره" ص ٢٢٤، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٩٦ من طريق مجاهد، عن ابن عباس. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وهذا الأثر استشكله طائفة من العلماء منهم إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه "أحكام القرآن"، ذكر ذلك عنه ابن حجر في "الفتح" ٨/ ٩.
وقال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٨٠ بعد إيراده له: وهذا غريب جدًّا عن ابن عباس. وطعن في صحة هذا الأثر جماعة من العلماء منهم ابن العربي في "أحكام القرآن" ٣/ ١٣٥٩، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ١٠/ ٤٧٩، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٢/ ٢١٤، وغيرهم، وبالغ أبو حيان فقال في "البحر" ٦/ ٤٤٥ - ٤٤٦: ومن روى عن ابن عباس أن قوله "تستأنسوا" خطأ أو وهم من الكاتب وأنه قرأ "حتى تستأذنوا" فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين، وابن عباس بريء من هذا القول. اهـ.
وقد بيَّن ابن حجر رحمه الله وجه هذا الأثر الذي صحّحه فقال في "الفتح" ١١/ ٩: وأجيب بأن ابن عباس بناها على قراءته التي تلقَّاها عن أبيّ بن كعب، وأما اتفاق الناس على قراءتها بالسين فلموافقة خط المصحف الذي وقع الاتفاق على عدم =
وقوله ﴿وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [قال ابن عباس وجميع المفسرين. هذا على التقديم والتأخير، حتى تسلّموا على أهلها] (٢) وتستأذنوا (٣). وكذا هو في مصحف عبد الله مستقيم كقوله ﴿وَاسْجُدِي وَارْكَعِي﴾ [آل عمران: ٤٣] وقد مرّ، وقوله ﴿فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [التغابن: ٢]. والاستئذان شرع (٤) مشروع، فلا يجوز لأحد الدُّمور (٥) في بيت غيره (٦) لأمر الله تعالى
(١) رواه عن مجاهد: الطبري في "تفسيره" ١٨/ ١١١، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٢ أ، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٧٢ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في "شعب الإيمان".
(٢) ساقط من (ظ)، (ع).
(٣) قال الفراء في "معاني القرآن" ٢/ ٢٤٩: حدثني حبّان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس (حتى تستأنسوا) تستأذنوا، قال: هذا مقدّم ومؤخر، إنّما هو حتى تسلموا وتستأذنوا.
وروى سعيد بن منصور في "تفسيره" ١٥٨ ب، والطبري في "تفسيره" ١٨/ ١٧١ عن إبراهيم قال: في مصحف عبد الله (حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا).
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٧١ وزاد نسبته لعبد بن حميد والبيهقي في "شعب الإيمان".
(٤) في (ع): (نوع).
(٥) في (ظ)، (ع): (الدخول).
والدُّمور: الدخول بغير إذن. "لسان العرب" ٤/ ٢٩١ (دمر).
(٦) في (ظ): (بيت أحد غيره).
والسنة فيه أن يقول: السلام عليكم أأدخل (١) (٢).
قال قتادة -في هذه الآية- كان يقال: الاستئذان ثلاث مرات، من لم يؤذن له فيهن فليرجع. أما الأولى فيسمع الحي، وأما الثانية فيأخذوا حذرهم، وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردّوا، ولا تقعدن (٣) على باب قوم ردّوك عن بابهم؛ فإن للناس حاجات، والله أعلم (٤) بالعذر (٥).
وقد روى أبو موسى، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الاستئذان ثلاثة، فإن أذنوا وإلَّا فارجع" (٦).
قوله: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ قال ابن عباس: أزكى لكم وأعظم لأجوركم.
(٢) روى أبو داود في "سننه" كتاب: الأدب- باب: كيف الاستئذان ١٤/ ٨١، والترمذي في "جامعه" باب: التسليم قبل الاستئذان ٧/ ٤٩٠١ - ٤٩١ من حديث كَلَدة بن حنبل -رضي الله عنه- أن صفوان بن أميه بعثه بلبن ولبأ وضغابيس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بأعلى الوادي، قال: فدخلت عليه ولم استأذن ولم أسلم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ارجع فقل: السلام عليكم أأدخل".
قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ٢/ ٤٨١: وإسناده صحيح.
(٣) في (أ): (ولا يفعلن)، وفي (ع): (ولا تقعد)، والمثبت من (ظ)، وابن أبي حاتم.
(٤) عند ابن أبي حاتم: أولى.
(٥) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٣٢ أ، ب، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٧٤ وزاد نسبته لعبد بن حميد والبيهقي في "شعب الإيمان".
(٦) ذكره بهذا اللفظ الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٧٦ ب.
وقد رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: الاستئذان- باب: التسليم والاستئذان ثلاثًا ١١/ ٢٧ ومسلم في "صحيح" كتاب: الآداب- باب: الاستئذان ٣/ ١٦٩٤ بلفظ "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع".
﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أن السلام والاستئذان خيرٌ فتأخذون به.
وقال ابن عباس: يريد كي تتعظوا.
٢٨ - قوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا﴾ ظاهر التفسير إلى قوله: ﴿هُوَ أَزْكَى لَكُمْ﴾.
قال مقاتل: يقول (٢): الرجوع خيرٌ لكم من القيام والقعود على أبوابهم ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ إن دخلتم بإذن أو بغير إذن، فمن دخل بيتًا بغير إذن أهله قال له ملكاه (٣) اللذان يكتبان عليه: أفّ لك عَصَيت (٤) وآذيت. يعني: عصيت الله وآذيت أهل البيت. فلما نزلت آية الاستئذان قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: فكيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام على ظهر الطريق ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله:
٢٩ - ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ (٥).
قال ابن عباس (٦)، ومقاتل (٧): ليس فيها ساكن بغير إذن ولا تسليم،
(٢) يقول: ساقطة من (ظ).
(٣) في (ظ): الملكان.
(٤) في (أ): (عصوت).
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٧ أ، ب.
وقد ذكره الثعلبي ٣/ ٧٦ ب من قوله: فلما نزلت.. ولم ينسبه لأحد. وكذلك الواحدي في "أسباب النزول" ص ٢٦٩ وصدّره بقوله: قال المفسرون.
وهذا القول غير معتمد في سبب نزول هذه الآية: لأنّه من رواية مقاتل.
وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٣٣ ب، ٣٤ أعن مقاتل بن حيان نحو هذا السبب.
(٦) روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٣٣ ب عن سعيد بن جبير، مثله.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٧ ب.
وقال مجاهد: هي البيوت التي ينزلها السَّفر (٢) لا يسكنها أحد (٣).
قوله ﴿فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ منافع (٤) لعلكم تتقون بها البرد والحر. قاله ابن عباس (٥)، ومقاتل (٦). وقال السدي: بلاغٌ لكم إلى حاجتكم (٧).
وقال أبو بكر الهذلي (٨): يستمتع بالمنزل ثم يرتحل منه (٩).
قال أبو إسحاق: وقيل إنّه يعني الخرابات التي يدخلها الرجل لبول أو غائط، ويكون (١٠) ﴿فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ بمعنى (١١): إمتاع، أي: تتفرّجون بها
والفنادق: جمع فُندق، وهو المكان الذي ينزله الناس مما يكون في الطرق والمدائن. انظر: "لسان العرب" ١٠/ ٣١٣ "فندق"، "القاموس المحيط" ٣/ ٢٧٧.
(٢) السَّفر كالصَّحب: هم المسافرون. "لسان العرب" لابن منظور ٤/ ٣٦٨ (سفر).
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٥، والطبري في "تفسيره" ١٨/ ١١٤. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٧٥ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٤) منافع: ساقطة من (ظ).
(٥) روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٣٤ أعن سعيد بن جبير مثله.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٧ ب.
(٧) رواه عنه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٣٤ أمن طريق أسباط.
(٨) هو: سُلمى -وقيل: رَوْح- بن عبد الله بن سلمى. أبو بكر الهذلي. بصري، روى عن الحسن البصري وابن سيرين وغيرهما. كان من علماء الناس بأيامهم، وهو متروك الحديث توفي سنة ١٦٧ هـ.
"الاستغناء" لابن عبد البر ١/ ٤٤٢، "الكاشف" ٣/ ٣١٨، "تهذيب التهذيب" ١٢/ ٤٥.
(٩) لم أجد من ذكره عنه.
(١٠) في (أ): زيادة معنى بعد قوله (ويكون).
(١١) في (ظ): (معنى).
وهذا الذي ذكره هو قول عطاء، قال: هي البيوت الخربة، والمتاع: قضاء الحاجة فيها من الخلال والبول (٢).
٣٠ - ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ يقال: غضّ بصره يغضُّه غضّا، ومثله أغضى (٣). قال جرير:
فغضّ الطَّرف إنك من نمير | فلا كعبًا بلغت ولا كلابا (٤) |
(٢) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٧٧ أبهذا اللفظ.
ورواه الطبري ١٨/ ١١٤، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٤ أعنه مختصرًا.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٧٥ مختصرًا، ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.
قال الطبري ١٨/ ١١٥ - بعد ذكره للخلاف في معنى البيوت غير المسكونة-: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إن الله عمَّ بقوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ كلَّ بيت لا ساكن به لنا فيه متاع ندخله بغير إذن؛ لأن الإذن إنّما يكون ليؤنس المأذون عليه قبل الدخول، أو ليأذن للداخل إن كان مالكًا، أو كان فيه ساكنًا.
فأما إن كان لا مالك له. فيحتاج إلى إذنه لدخوله. ولا ساكن فيه. فيحتاج الداخل إلى إيناسه والتسليم عليه؛ لئلا يهجم على ما لا يحب رؤيته منه. فلا معنى للاستئذان فيه. فإذا كان كذلك فلا وجه لتخصيص بعض ذلك دون بعض. فكل بيت لا مالك له ولا ساكن من بيت مبني ببعض الطرق للمارّة والسابلة ليأووا إليه، أو بيت خراب قد باد أهله ولا ساكن فيه، حيث كان ذلك فإن لمن أراد دخوله أن يدخل بغير استئذان لمتاع له يؤوبه إليه، أو للاستمتاع به لقضاء حقه من بول أو غائط أو غير ذلك.
وانظر أيضًا "أحكام القرآن" لابن العربي ٣/ ١٣٦٤.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" "المستدرك" ص ٣٦، "لسان العرب" ٧/ ١٩٧ (غضض).
(٤) البيت في "ديوانه" ٣/ ٨٢١ و"تهذيب اللغة" للأزهري "المستدرك" ص ٣٦ =
وقالوا: إنّ (من) هاهنا صلة. وهو قول مقاتل، وسفيان (٣).
وقيل (٤): إنّ (من) هاهنا لتبعيض (٥) الغض، وهو الغض عمّ لا يحل
(١) روى الطبري ١٨/ ١١٧ وابن أبي حاتم ٧/ ٣٤ أعن ابن عباس قال: يغضوا أبصارهم عما يكره الله. وقد أخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٣٤ ب عن قتادة نحو هذا القول الذي ذكره الواحدي عن ابن عباس.
(٢) انظر: "الطبري" ١٨/ ١١٦ - ١١٧، "تفسير ابن أبي حاتم" ٧/ ٣٤ أ، ب، الثعلبي ٣/ ٧٧ ب، "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ١٧٦ - ١٧٧.
(٣) قول مقاتل في "تفسيره" ٢/ ٣٧ ب، وتتمّة كلامه: يعني: يحفظوا أبصارهم كلها عمّا لا يحل لهم النظر إليه. اهـ وقد حكى الماوردي في "النكت والعيون" ٤/ ٨٩ هذا القول عن قتادة. وأما قول سفيان فلم أجده. وقد روى ابن أبي حاتم ٧/ ٣٤ أمثل هذا القول عن سعيد بن جبير. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٨/ ١٧٧ عن سعيد، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٤) حكى الرازي ٢٣/ ٢٠٢ هذا القول عن أكثر المفسرين. قال الثعلبي ٣/ ٧٧ أ: لأن المؤمنين غير مأمورين بغض البصر أصلاً، وإنما أمروا بالغض عمّا لا يجوز. واستظهر ابن عطية ١٠/ ٤٨٥ هذا القول.
وقوَّى القرطبي ١٢/ ٢٢٣ هذا القول بما في "صحيح مسلم" كتاب: الآداب- باب: نظر الفجأة ٣/ ٩٩ عن جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظرة الفُجاءة، فأمرني أن أصرف بصري.
وانظر: "المحرر" لابن عطية ١٠/ ٤٨٦، القرطبي ١٢/ ٢٢٢، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ٣٩٧.
(٥) (لتبعيض): موضعها بياض في (ظ).
وقوله ﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ أي عن الفواحش وعمَّن لا يحل. وهذا قول عامة (٢) المفسرين (٣).
وروى الربيع (٤)، عن أبي العالية قال: كل آية في القرآن يذكر فيها حفظ الفرج فهو من الزنا إلاَّ هذه الآية. قال: يحفظوا فروجهم ألاّ يراها أحد (٥). ونحو هذا قال ابن زيد (٦).
ويدل على صحّة هذا التأويل إسقاط (من) هاهنا على قول من يجعله للتبعيض (٧).
(٢) عامة: ساقطة من (ظ).
(٣) حكاه الثعلبي ٣/ ٧٧ أ، عن أكثر المفسرين. وانظر: "الطبري" ١٨/ ١١٦، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٤ ب، "الدر المنثور" ٦/ ١٧٦ - ١٧٧.
(٤) هو: الربيع بن أنس.
(٥) رواه الطبري ١٨/ ١١٦، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٤ ب عن الربيع، عن أبي العالية. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٧٧ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر. قال الجصَّاص في "أحكام القرآن" ٣/ ٣١٥ - بعد ذكره لهذا القول عن أبي العالية: هذا تخصيص بلا دلالة، والذي يقتضيه الظاهر أن يكون المعنى حفظها عن سائر ما حرم عليه من الزنا واللمس والنظر، وكذلك سائر الآي المذكورة في غير هذا الموضع في حفظ الفروج، هي على جميع ذلك ما لم يقم الدلالة على أنَّ المراد بعض ذلك دون بعض.
(٦) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٧٧ أ، والزمخشري ٣/ ٦٠.
(٧) قال الزمخشري ٣/ ٦٠: فإن قلت كيف دخلت -يعني "من"- في غض البصر دون حفظ الفروج؟ قلت: دلالة على أن أمر النظر أوسع؛ ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن.. وأما الفرج فمضيّق، وكفاك فرقًا أن أبيح النظر إلا ما استثنى منه وحظر الجماع إلا ما استثنى منه.
﴿أَزْكَى لَهُمْ﴾ خيرٌ لهم عند الله وأعظم لأجورهم.
﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ في الفروج والأبصار (٢). وقال ابن عباس: خبير بأعمالهم.
٣١ - قوله: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ﴾ مفسّر في الآية التي قبلها إلى قوله: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾، قال المقاتلان (٣): حدّث جابر بن عبد الله: أن أسماء بنت مرشدة (٤) كانت في نخل (٥) لها في بني حارثة، فجعلت النساء يدخلن عليها غير متأزِّرات (٦)، فيبدو ما في أرجلهن من الخلاخل (٧)، وتبدو صدورهن وذَوَائِبهُن (٨) فقالت أسماء: ما أقبح هذا. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٩).
(٢) هذا قول مقاتل في "تفسيره" ٢/ ٣٧ ب.
(٣) يعني مقاتل بن حيان ومقاتل بن سليمان.
(٤) في (ظ): (مرشد)، وهي: أسماء بنت مرشدة بن جبر بن مالك بن حويرثه بن حارثة. أسلمت أسماء وبايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. "طبقات ابن سعد" ٨/ ٣٣٥.
(٥) في (أ): (شغل).
(٦) غير متأزِّرات: أي غير سابغات الأزُر، والإزار كل ما واراك وسترك، وقيل هو ما يستر أسفل البدن. انظر: "لسان العرب" ٤/ ١٦ (أزر)، "تاج العروس" للزبيدي ١٠/ ٤٣ - ٤٤ (أزر).
(٧) في (ع): (الخلاخيل)، والخلاخل: جمع خَلْخَال، وهو الحلي الذي تلبسه المرأة في ساقها. "لسان العرب" ١١/ ٢٢١ (خلل).
(٨) ذوائبهن: جمع ذُؤَابة، وهي الشعر المضفور من شعر الرأس، أو الناصية أو منبتها من الرأس. "لسان العرب" ١/ ٣٧٩ (ذأب)، "القاموس المحيط" ١/ ٦٧.
(٩) قول مقاتل بن حيان رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٣٥ أ، وذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٧٩ وعزاه لابن أبي حاتم. وأَمَّا قول مقاتل بن سليمان =
وهذه الرواية غير معتمدة في سبب نزول هذه الآية، لأن مقاتل بن حيَّان لم يلق جابر بن عبد الله، فروايته منقطعة، ومقاتل بن سليمان متهم بالكذب.
(١) من هذه الطرق: أولاً: طريق أبي الأحوص -عوف بن مالك بن نضلة الجشمي- عن ابن مسعود -رضي الله عنه-. وقد رواه عن أبي الأحوص أبو إسحاق السبيعي، وله عن أبي إسحاق طرق:
١ - طريق معمر بن راشد. رواه من هذا الطريق عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٦، والطبري ١٨/ ١١٧ عن أبي إسحاق، به، بلفظ: "إلا ما ظهر منها": الثياب.
٢ - طريق سفيان الثوري. وقد رواه عن سفيان جماعة منهم:
- وكيع بن الجراح، رواه عند ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٨٣، عن سفيان، عن أبي إسحاق، بمثل لفظ معمر.
- عبد الرحمن بن مهدي، رواه الطبري ١٨/ ١١٧ قال: حدثنا ابن بشَّار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق. به بمثل لفظ وكيع وإسناده صحيح.
- عبد الله بن وهب. رواه الطبري ١٨/ ١١٧ قال: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني الثَّوري، عن أبي إسحاق، فذكره بمثل رواية ابن مهدي.
- أبو نعيم: رواه من طريقه ابن أبي حاتم ٧/ ٣٦ أ، والطبراني ٩/ ٢٦٠ عن سفيان، عن أبي إسحاق به، بمثل اللفظ المتقدّم.
٣ - طريق شعبة بن الحجاج. وقد رواه من طريقه الطبري ١٨/ ١١٧ بمثل اللفظ المتقدم.
٤ - طريق إسرائيل: وقد رواه من طريقه ابن أبي حاتم ٧/ ٣٥ ب، والطبراني في "الكبير" ٩/ ٢٦٠ عن أبي إسحاق، به، بلفظ: (ولا يبدين زينتهن) قال: الزينة: القرط، والدملج -وعند الطبراني: الدملوج-، والخلخال والقلادة.
٥ - طريق شريك: رواه من طريقه الحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٩٧ عن أبي إسحاق، به، بلفظ: "ولا يبدين زينتهن" قال: لا خلخال ولا شنف،- ولا قرط =
٦ - طريق خدُيج بن معاوية: رواه من طريقه سعيد بن منصور في "تفسيره" ١٥٩ أ، والطبراني في "الكبير" ٩/ ٢٦٠ عن أبي إسحاق، به بلفظ: "ولا يبدين زينتهن" قال: الزينة: السوار والدملج والخلخال ولا أدب والقرط والقلادة، وما ظهر منها: الثياب والجلباب.
٧ - طريق حجاج: رواه من طريقه ابن أبي شيبة في "مصنّفه" ٤/ ٢٨٤، والطبري ١٨/ ١١٧، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٥ ب عن أبي إسحاق، به، بلفظ: الزينة زينتان، زينة ظاهرة وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج -وقوله: لا يراها إلى الزوج ليست عند الطبري- فأما الزينة الظاهرة فالثياب" وأما الزينة الباطنة - وعند الطبري: وما خفي- فالكحل والسَّوار والخاتم، وعند الطبري: الخلخالان والقرطان والسواران، وعند ابن أبي حاتم: الخاتم والسوار. وهذه الطرق المروية عن أبي إسحاق.
ثانيًا: طريق عبد الرحمن بن يزيد -وتصحَّف في المطبوع من الطبري إلى زيد- بن قيس النَّخعي -تابعي ثقة سمع ابن مسعود- عن ابن مسعود -رضي الله عنه-.
رواه عن عبد الرحمن بن يزيد مالكُ بن الحارث، ورواه عن مالك بن الحارث الأعمش، وله عن الأعمش طريقان:
١ - طريق سفيان الثوري. رواه الطبري ١٨/ ١١٧ من طريقه، عن الأعمش، به بلفظ: الثياب.
٢ - طريق محمد بن فضيل -وتصحَّف في المطبوع من الطبري إلى الفضل. رواه من طريقه الطبري ١٨/ ١١٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٦ أ، عن الأعمش، به بلفظ: الرّداء. والقُرْط -بضم القاف-: نوع من الحلي يعلق في شحمة الأذن. انظر: "لسان العرب" ٧/ ٣٧٤ "قرط".
وهذا القول هو الحق الذي يعضده الكتاب والسنة الصحيحة، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾. روى البخاري في "صحيحه" كتاب: التفسير، سورة النور باب: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ ٨/ ٤٨٩ عن عائشة رضي الله عنها قالت: "يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ شققن مروطهن فاختمرن بها". قال ابن حجر في "الفتح" ٨/ ٤٩٠ في شرح هذا الحديث: قوله: "فاختمرن، أي: غطين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقّنع.
وكذلك آية الحجاب وهي قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٩].
وانظر تفصيل ذلك في: "أضواء البيان" للشنقيطي ٦/ ١٩٩ - ٢٠٠، ٥٨٤ - ٦٠٢، "رسالة الحجاب في الكتاب والسنة" للشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي، "عودة الحجاب" لمحمد بن أحمد المقدم ق ٣/ ١٨١ - ٣٢٩.
(١) رواه الطبري ١٨/ ١١٨ عن الحسن. وقال ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٣٦ أبعد ذكره للأثر المتقدم عن ابن مسعود-: وروي عن الحسن،.. ، وأبي صالح ماهان في إحدى الروايات.. نحو ذلك.
وروى سعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٩ أ)، وابن أبي شيبة في "مصنّفه" ٤/ ٢٨٤ عنه قال: الوجه والثياب.
(٢) هو: ماهان الحنفي، أبو صالح -ويقال: أبو سالم- الكوفي. روى عن ابن عباس وأم سلمة وعدة. وكان ثقة، عابدًا. قتله الحجَّاج سنة ٨٣ هـ "الكاشف" للذهبي ٣/ ١١٧، "تهذيب التهذيب" ١٠/ ٢٥، "تقريب التهذيب" ٢/ ٢٢٧. وقوله رواه عنه ابن أبي شيبة ٤/ ٢٨٤. وتقدَّم في الهامش السابق أن ابن أبي حاتم ذكره عنه.
(٣) الحكم هو: ابن عتيبة. تقدمت ترجمته.
وقال (٢) في رواية سعيد بن جبير: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ كفّها ووجهها (٣). وهو قول ابن مسعود في رواية سعيد بن جبير.
(٢) يعني: ابن عباس.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٨٤، وابن المنذر في "الأوسط" ٥/ ٧٠، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٢/ ٢٢٥ من طريق حفص بن غياث، عن عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به.
قال الذهبي في "المهذب في اختصار السنن الكبير" للبيهقي ٢/ ١٨٠، قلت: عبد الله ضعيف. أهـ يعني ابن مسلم بن هرمز.
لكن الطبري رواه ١٨/ ١١٨ من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ قال: والزينة الظاهرة: الوجه، وكحل العين، وخضاب الكفّ، والخاتم. فهذه تظهر في بيتها لمن دخل من الناس عليها.
وقد ذكر العلماء أجوبة عن قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية، نقتصر منها على أجودها:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والسلف تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين: فقال ابن مسعود: هي الثياب، وقال ابن عباس ومن وافقه: هي ما في الوجه واليدين مثل الكحل والخاتم. وحقيقة الأمر أن الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرة، وزينة غير ظاهرة، وجوَّز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم، وأما الباطنة فلا تبديها إلا للزوج وذوي المحارم". ثم ذكر أنه قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن يرى الرجالُ وجوههن وأيديهن، وكان إذْ ذاك يجوز لهن أن يظهرن الوجه والكفين، ثم لما أنزل الله -عز وجل- آية الحجاب حجب النساء عن الرجال، كان حينئذ الوجه واليدان من الزينة التي أمرت النساء ألا يظهرنها للأجانب. قال رحمه الله: "فما بقي يحل للأجانب النَّظر إلا إلى الثياب =
وبه قال مقاتل بن سليمان (٢)، وإبراهيم (٣)، ومكحول، والأوزاعي.
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله تعالى: وأما ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه فسَّر ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ بالوجه والكفين، فهو محمول على حالة النساء قبل نزول آية الحجاب، وأما بعد ذلك فقد أوجب الله عليهن ستر الجميع، كما سبق في الآيات الكريمات من سورة الأحزاب وغيرها، ويدل على أن ابن عباس أراد ذلك ما رواه علي بن أبي طلحة عنه أنه قال: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينًا واحدة".
وقد نبَّه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم والتحقيق، وهو الحق الذي لا ريب فيه، ومعلوم ما يترتب على ظهور الوجه والكفين من الفساد والفتنة، وقد تقدم قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ ولم يستثن شيئًا وهي آية محكمة، فوجب الأخذ بها والتعويل عليها وحمل ما سواها عليها، والحكم ما سواها عليها، والحكم فيها عام في نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهن من نساء المؤمنين، وقد تقدم من سورة النساء ما يرشد إلى ذلك. اهـ من كتابه "رسالة في الحجاب والسفور" ص ١٩.
وانظر للتوسع والزيادة: "أَضواء البيان" للشنقيطي ٦/ ١٩٢ - ٢٠٠، "رسالة الحجاب" للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص ٦ - ٩، "الحجاب في الكتاب والسنة" للسندي ص ٢١ - ٢٦، "عودة الحجاب" لمحمد بن إسماعيل المقدم ٣/ ٢٦٢ - ٢٨٤.
(١) في جميع النسخ: (جبير)، وهو خطأ. والمثبت هو الصواب.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٧ ب.
(٣) روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٨٣ عن إبراهيم خلاف هذا القول، وهو قوله في تفسير الزينة الظاهرة بأنَّها الثياب.
وقال في رواية عطاء: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ يريد الكحل لأنه لا تقدر أن تغطي عينها.
وزاد سعيد بن جبير عنه في رواية مسلم الملائي (٣) عن سعيد: الخاتم (٤). ونحو هذا روى مجاهد عن ابن عباس: أنه الكحل والخاتم (٥).
وهو قول أنس بن مالك (٦)، وأبي صالح، وعكرمة (٧)؛ وزاد مجاهد:
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٨٣، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٥ ب من رواية جابر بن زيد، عن ابن عباس.
(٣) هو: مسلم بن كيسان الضبي، الملائي البرَّاد الأعور، أبو عبد الله الكوفي. روى عن أنس ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما.
قال الذهبي: واهٍ. وقال ابن حجر: ضعيف.
"الكاشف" ٣/ ١٤٢، "تهذيب التهذيب" ١٠/ ١٣٥، "تقريب التهذيب" ٢/ ٢٤٦.
(٤) روى سعيد بن منصور في "تفسيره" ١٥٨ ب، والطبري ١٨/ ١١٨، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٨٥ من طريق مسلم الملائي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الكحل والخاتم.
(٥) روى عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٦ من طريق مجاهد، عن ابن عباس في قوله ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ قال: هو الكف والخضاب والخاتم.
(٦) روى ابن المنذر في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ١٧٩. وقال البيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٨٦ بعد ذكره لقول ابن عباس أنه الكحل والخاتم: وروى ذلك أيضًا عن أنس ابن مالك.
(٧) روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٨٣ عن عكرمة وأبي صالح ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ قالا: ما فوق الدرع إلا ما ظهر منها.
وأخرج ٤/ ٢٨٥ عن عكرمة قال: (ما ظهر منها): الوجه وثغرة النحر.
وروي عن عائشة أنها قالت وسئلت عن الزينة الظاهرة؟: هي القُلب والفتخة (٢) ووضعت كفها على كوعها (٣).
وهو قول السدي: الخاتم والقُلب (٤).
وقول قتادة: المسكتَان (٥) والخاتم والكحل (٦).
وقوله ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ الخُمُر: جمع الخِمَار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، وقد تخمَّرت المرأة واختمرت، وهي حسنةُ الخِمْرَة والخُمْرة (٧).
والجيوب: جمع الجَيْب، وهو موضع القطع من الدرع والقميص (٨)،
(٢) القُلْب: -بالضم-: سوار المرأة. "القاموس المحيط" ١/ ١١٩.
والفَتْخة: بفتح وسكون ويحرّك:- خاتم كبير يكون في اليد والرجل، وقيل: حلقة من فضة تلبس في الإصبع كالخاتم. "تاج العروس" للزبيدي ٧/ ٣٠٧ (فتخ).
(٣) رواه البيهقي في "الكبرى" ٧/ ٨٩ بلفظ "القُلْب والفتخة، وضَمّت طرف كُمّها". وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٨٠ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر. ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٢٨٣ مختصرًا.
(٤) لم أجده.
(٥) في (أ): (المسكفان)، والمسكتان: واحدهما مسكة، وهي سوار من عاج أو نحوه. انظر: "لسان العرب" ١٠/ ٤٨٦ - ٤٨٧ (مسك).
(٦) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٦، والطبري في "تفسيره" ١٨/ ١١٨.
(٧) من قوله: (وهي ما تغطي.. إلى هنا) في "تهذيب اللغة" للأزهري ٧/ ٣٧٩ (خمر) منسوبًا إلى الليث، دون قوله: واختمرت، والخمرة. وهو بأخصر منه في "العين" ٤/ ٢٦٣ خمر).
وانظر: "الصحاح" للجوهري ٢/ ٤٦٩ "خمر"، "لسان العرب" ٤/ ٢٢٧ (خمر).
(٨) انظر: "لسان العرب" ١/ ٢٨٨ (جيب)، "تاج العروس" للزبيدي ٢/ ٢٠١ (جيب).
رَحِيب (٢) قِطَابُ (٣) الجيب (٤) منها رفيقة (٥) | بجس (٦) النَّدامى بضَّة (٧) المتجرَّد (٨) (٩) |
قال المقاتلان في تفسير (جُيُوبِهِنَّ): صدورهن (١١).
(٢) في (أ): (رحيب)، ومثلها في (ع) مهملة. وفي (ظ): (وحبت).
(٣) في (ع): (فطاب).
(٤) في (أ): الجيب، وفي (ع) مهملة. وفي (ظ): (الحب).
(٥) في (أ)، (ع): (رقيقة)، وفي (ظ): (رميقه).
(٦) في (أ): (بحسن)، وفي (ع): (بحسن)، ومثلها في (ظ) مهملة.
(٧) في (ع): (بضة)، وفي (ظ) مهملة.
(٨) في (أ): (المنجرد).
(٩) البيت من معلقته، وهو في "ديوانه" ص ٣٠، و"المعاني الكبير" لابن قتيبة ٤٧٠، "المحتسب" لابن جني ١/ ١٨٣، "أساس البلاغة" للزمخشري ٢/ ٢٦١، "خزانة الأدب" ٢/ ٢٠٣.
قال الشنتمري "شرح ديوان طرفة" ص ٣٠: قطَابُ الجيب: مجتمعه حيث قُطب، أي: جمع. الرحيب: الواسع.
(١٠) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ١١/ ٢١٨، ٢٠ (جاب)، "الصحاح" للجوهري ١/ ١٠٤ (جوب)، "لسان العرب" ١/ ٢٨٦ (جوب)، "تاج العروس" للزبيدي ٢/ ٢٠٨ (جوب).
(١١) قول مقاتل بن حيّان ذكره عنه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٣٦ ب.
وقول مقاتل بن سليمان في "تفسيره" ٢/ ٣٧ ب.
والمعنى: وليُلقين (١) مقانعهن (٢) على جيوبهن؛ ليسترن بذلك شعورهن وقرطهن (٣) وأعناقهن، كما قال ابن عباس: تُغطي شعرها وصدرها وترائبها (٤) وسوالفها (٥) وكل ما زيّن وجهها مما لا يصلح أن يراه إلا زوجها وكل ذي محرم منها (٦).
وقال الكلبي: يقول: ليُرخين خمرهن (٧) على الصدر (٨) والنحر، وكنّ النساء قبل هذه الآية إنَّما يسدلن (٩) خمرهن (١٠) سدلا من ورائهن كما يصنع (١١) القبط (١٢) فلما نزلت هذه الآية شددن الخمر على النَّحر
(٢) مقانعهن: جمع مقْنع ومقنعة -بكسر الميم-: وهو ما تتقنع به المرأة من ثوب تغطي رأسها ومحاسنها. "الصحاح" للجوهري ٣/ ١٢٧٣ (قنع)، "لسان العرب" ٨/ ٣٠٠ (قنع).
(٣) كقردة. انظر: "القاموس المحيط" ٢/ ٣٧٨.
(٤) في (أ): (وترابيها). والترائب: موضع القلادة من الصدر. "لسان العرب" ١/ ٢٣٠ (ترب).
(٥) سَوالفها: جمع سالفة، وهي أعلى العنق، أو ناحية مقدّم العنق من لدن مُعلَّق القُرط إلى نقرة الترقوة. "لسان العرب" ٩/ ١٥٩ "سلف".
(٦) لم أجده.
(٧) في (ظ)، (ع): (خمورهن، الصدور).
(٨) في (ظ)، (ع): (خمورهن، الصدور).
(٩) يسدلن: يعني يرخين وُيرسلن. انظر: "لسان العرب" ١١/ ٣٣٣ (سدل).
(١٠) في (أ): (خمرها).
(١١) في (ظ): (تصنع).
(١٢) هكذا في جميع النسخ، وعند القرطبي ١٢/ ٢٣٠ نقلاً عن النقّاش: النَّبط. والقِبط -بالكسر-: قوم من النصارد بمصر. وأمَّا النَّبط فهم الذين يسكنون =
وقوله ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ يعني الزينة الباطنة وهي التي سوى ما ظهر منها.
قال ابن عباس (٢)، ومقاتل (٣): يعني ولا يضعن الجلباب وهو القناع فوق الخمار إلا لأزواجهن أو من ذكر بعدهم.
قال عكرمة: في هذه الآية (٤) لم يذكر العم والخال لأنهما ينعتان لأبنائهما، قال: ولا تضع خمارها عند العم والخال (٥).
قال المفسرون (٦) في الزينة الثانية: إنَّها الخفيَّة (٧) التي لا يجوز لهن كشفها في الصلاة.
وجملة القول في هذه الآية: أن الرجل يحرم عليه النظر إلى الحرّة
انظر: "اللسان" ٧/ ٣٧٣ (قبط)، ٧/ ٤١١ (نبط)،"تاج العروس" ٨/ ٢٢٨ (سود).
(١) ذكر نحو هذا الرازي ٢٣/ ٢٠٦ وعزاه للمفسرين. وذكر نحوه القرطبي ١٢/ ٢٣٠ وذكره النيسابوري في "غرائب القرآن" ٩٣١٨ وعزاه للمفسرين.
(٢) ذكره عنه البغوي ٦/ ٣٤، وابن الجوزي ٦/ ٣٢. وروى ابن أبي حاتم ٧/ ٣٦ ب عن سعيد بن جبير، مثله.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٧ ب.
(٤) الآية: ساقطة من (أ).
(٥) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٣٣٨. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٨٢ وزاد نسبته لابن المنذر.
وجمهور العلماء على أنَّ العم والخال كسائر المحارم في جواز النظر لهما إلى ما يجوز لهم. انظر القرطبي ١٢/ ٢٣٣.
(٦) الطبرى ١٨/ ١٢٠، الثعلبي ٣/ ٧٧ ب.
(٧) (الخفيّة): ساقطة من (أ).
وكذلك (٤) الشاهد العفيف ينظر لتحمّل الشهادة، والطبيب العفيف ينظر للمعالجة عند الضرورة (٥).
وقد جمع الله في هذه الآية بين البعولة والمحارم وبينهما (٦) في هذا الحكم فرق (٧)، وهو أنَّ البعل له أن ينظر إلى جميع بدن امرأته غير الفرج لنهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك ولقوله: "إنَّ ذلك يورث العمى" (٨).
(٢) في (ظ): (أو أمِن).
(٣) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٥/ ٤٢٤، والبزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار" للهيثمي ٢/ ١٥٩. والطبراني في "الأوسط" ١/ ٤٩٨.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٤/ ٢٧٦: ورجال أحمد رجال الصحيح.
(٤) في (أ): (كذلك).
(٥) انظر: "الحاوي" ٩/ ٣٥ - ٣٦، "المغني" ٩/ ٤٩٨، "روضة الطالبين" ٧/ ٢٩.
(٦) وبينهما: ساقطة من (ع).
(٧) في (أ): (وفرق).
(٨) رواه وابن عدي في "الكامل" ٢/ ٥٠٧، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٩٤ - ٩٥ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها؛ فإنَّ ذلك يورث العمى".
وقد حكم جماعة من الحفاظ علي هذا الحديث بأنه موضوع. منهم أبو حاتم الرازي وابن حبان وابن الجوزي. ذكر ذلك الثموكاني في "الفوائد المجموعة للأحاديث الموضوعة" ص ١٢٧.
وذكر الألباني في "الضعيفة" ١/ ٢٢٩ هذا الحديث وحكم عليه بالوضع ونقل أقوال أهل العلم في ذلك.
قال ابن حجر في "الفتح" ١/ ٣٦٤: وهو نصُّ في المسألة. اهـ.
وأمَّا الأمة فما بين سرتها وركبتها من عورتها وليس شعرها ولا رقبتها من عورتها (٣).
(٢) هذا قول بعض أهل العلم.
وقال آخرون: يجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالبًا، كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك، وليس له النظر إلى ما يُستر غالبًا كالصَّدر والظهر ونحو ذلك. ومنع الحسن والشعبي والضحَّاك النظر إلى شعر ذوات المحارم. وكرهه آخرون.
قال ابن قدامة: والصحيح أنه يباح النظر إلى ما يظهر غالبًا، لقول الله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] الآية، وقالت سهلة بنت سهيل: يا رسول الله، إنَّا كنا نرى سَالِمَا ولدًا، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد، ويراني فضلاً، وقد أنزل الله فيهم ما علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أرْضِعيه". فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها. رواه أبو داود وغيره. وهذا دليل على أنه كان ينظر منها إلى ما يظهر غالبًا، فإنها قالت: يراني فُضلاً، ومعناه: في ثياب البِذْلة التي لا تستر أطرافها.. وما لا يظهر غالبًا لا يباح، لأنَّ الحاجة لا تدعو إلى نظره، ولا تؤمن معه الشهوة ومواقعة المحظور، فحرّم النظر إليه كما تحت السَّرة. انتهى كلامه.
انظر: "أحكام القرآن" للجصَّاص ٣/ ٣١٧، "الحاوي" ٢/ ١٧١ - ١٧٢، "المغني" ٩/ ٤٩١ - ٤٩٣، "روضة الطالبين" ١/ ٢٨٣.
(٣) هذا قول أصحاب الشافعي وغيرهم.
وقال آخرون: الأمة يباح النظر منها للأجانب إلى ما يظهر غالبًا كالوجه والرأس واليدين والساقين، لأن عمر رأى أمة متقعنة، فضربها بالدِّرّة، وقال يا لكاع تتشبهين بالحرائر.
وروى أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أخذ صفية قال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين، أو مما ملكت يمينه؟ فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه. فلما ارتحل وطَّأ لها خلفه ومدَّ الحجاب بينهما وبين الناس. رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: النكاح- باب: اتخاذ السراري، ومن أعتق جارية ثم تزوجها ٩/ ١٢٦.
قال ابن قدامة: وهذا دليل على أن عدم حجب الإماء كان مستفيضًا بينهم مشهورًا، وأنَّ الحجب لغيرهن كان معلومًا.
وسوَّى بعض الحنابلة بين الحرَّة والأمة لقوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ ولأن العلّة في تحريم النظر الخوف من الفتنة، والفتنة المخوفة تستوي فيها الحرة والأمة. انظر: "أحكام القرآن" للجصَّاص ٣/ ٣١٧، "الحاوي" ٢/ ١٧٢، "المغني" ٩/ ٥٠١، "روضة الطالبين" ١/ ٢٨٣.
قال ابن عباس: لا يحل لهن أن يراهن يهوديات ولا نصرانيات لئلا يصفنهن لأزواجهن (٢).
(٢) ذكره عنه الزمخشري ٣/ ٦٢، والرازي ٢٣/ ٢٠٧، والقرطبي ١٢/ ٢٣٣، وأبو حيان ٦/ ٤٤٨. وفي "الدر المنثور" ٦/ ١٨٣: وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس (أو نسائهن) قال: لا تبديه ليهودية ولا لنصرانية. وقد حكى الرازي ٢٣/ ٢٠٧ هذا القول عن أكثر السَّلف. ؟ ثم حكى قولًا ثانيًا أن المراد بـ (نسائهن) جميع النساء ثم قال: وهذا هو المذهب، وقول السلف محمول
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا وجد مكاتب إحداكن وفاء فلتحتجب عنه" (١).
وقوله ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ أكثر القراء على خفض (غَيْرِ) (٢) بالصفة للتابعين، وجاز وصف التابعين بـ (غير)؛ لأنَّهم غير مقصودين بأعيانهم فأجري ذلك مجرى النكرة.
وقد قيل: إنّما جاز أن يوصفوا بـ (غير) في هذا النحو لقصر الوصف على شيء بعينه، فإذا قصر على شيء بعينه زال الشياع عنه فاختص. والتابعون ضربان: ذو إربة، وغير (٣) ذي إربة، وليس ثالث. فإذا كان كذلك جاز لاختصاصه أن يجرى وصفًا على المعرفة (٤).
(١) رواه الإمام أحمد ٦/ ٢٨٩، وأبو داود في العتق- باب: في المكاتب ١٠/ ٤٣٥ - ٤٣٦، والترمذي في البيوع- باب: ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي ٤/ ٤٧٤. عن أم سلمة مرفوعًا بلفظ "إذا كان لإحداكن مكاتب وكان له ما يؤدي فلتحتجب منه". وقد نقل البيهقي في "السنن الكبرى" ١٠/ ٣٢٧ - بعد روايته لهذا الحديث- عن الشافعي قوله: ولم أر من رضيت من أهل العلم يثبت هذا الحديث. وقال عنه الألباني في "إرواء الغليل" ٦/ ١٨٢: ضعيف.
(٢) قرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر: (غيرَ أولي الإربة) نصبًا. وقرأ الباقون، وحفص عن عاصم: (غير أولي الإربة) خفضًا.
"السبعة" لابن مجاهد ص ٤٥٥، و"التيسير" للداني ص ٦١٤، و"الغاية" لابن مهران النيسابوري ص ٢١٩، و"النشر" لابن الجزري ٢/ ٣٣٢.
(٣) في (ظ): (أو غير).
(٤) من قوله: بالصفة للتابعين... إلى هنا. نقلًا عن "الحجة" لأبي علي الفارسي =
ومن نصب (غير) احتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون استثناء التقدير: يبدين (١) زينتهن للتابعين إلاَّ ذا الإربة منهم، فإنَّهن لا يبدين زينتهن لمن كان منهم ذا إربة.
والآخر: أن يكون حالاً. المعنى: والذين يتبعوهن عاجزين عنهن، وذو الحال ما في التابعين من الذكر (٢).
والإربة معناها في اللغة: الحاجة (٣).
قال أبو عبيد: الإربة والإرب: الحاجة (٤). ومنه قول عائشة رضي الله عنها: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أملككم لإربه (٥).
وقد أرِبَ الرّجل إذا احتاج إلى الشيء وطلبه، يأربُ أربًا (٦).
وانظر أيضًا: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٠، "معاني القرآن" للزجَّاج ٤/ ٤٢، "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٥٠، "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ١٠٦ "الكشف" لمكي ٢/ ١٣٦.
(١) من "الحجّة": لا يبدين زينتهن للتابعين إلا ذا الإربة منهم. وهو خطأ، والصواب ما هنا.
(٢) من قوله: (ومن نصب (غير).. إلى هنا)، نقلاً عن "الحجة" للفارسي ٥/ ٣١٩.
(٣) انظر: (أرب) في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٥٢٧، "الصحاح" للجوهري ١/ ٨٧، "لسان العرب" ١/ ٢٠٨.
(٤) قول أبي عبيد في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٢٥٧ (أرب) بنصِّه. وهو بنحوه في "غريب الحديث" لأبي عبيد ٤/ ٣٣٦.
(٥) رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: الصيام- باب: المباشرة للصائم ٤/ ١٤٩، ومسلم في "صحيحه" كتاب: الصيام ٢/ ٧٧٧ عن عائشة رضي الله عنها.
(٦) من قوله: (وقد أرب.. إلى هنا) في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٢٥٧ من رواية شمر عن ابن الأعرابي.
والمآرب: الحوائج. ومنه قوله -عز وجل-: ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] (٣). وقد مرَّ.
وأما التفسير: فقال مجاهد: هو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء (٤).
[وهو قول عكرمة وعلقمة والشعبي (٥)، قالوا: هو الذي لا حاجة له
(١) قول الفراء ليس موجودًا في كتابه "معاني القرآن" ولا في "تهذيب اللغة". والذي في المطبوع من "معاني القرآن" ٢/ ٢٥٠: يقال: إرب وأرَب.
والنصُّ الذي ذكره الواحدي هنا عن الفراء موجود في تفسير الطبري ١٨/ ١٢٣ من غير نسبة لأحد. ومعلوم أن الطبري ينقل عن الفراء من غير نسبة في كثير من الأحيان. فيحتمل أنَّ النَّص سقط من المطبوع. والله أعلم.
(٢) في (ع): (أرب).
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٢٥٧ (أرب).
(٤) رواه عنه الطبري ١٨/ ١٢٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٧ ب بلفظ: الذي لا أرب له بالنّساء. دون قوله: الأحمق.
وقد روى الطبري ١٨/ ١٢٣ عن الزهري وطاووس هذا القول.
وقال ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٣٨ أ: وروي عن طاووس وعكرمة والحسن والزهري وقتادة أنَّهم قالوا: هو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء.
(٥) قال ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٣٨ أ: وروي عن علقمة والشعبي وعكرمة -في إحدى الروايات- ومقاتل بن حيان قالوا: الذي لا أرب له في النساء.
وعن الشعبي رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٣١٩، والطبري ١٨/ ١٢٣٦ والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٩٦. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٨٥ =
وقال ابن عباس: هو الذي لا يستحي منه النساء (٢).
وقال في رواية عطاء: هو الرجل المسن الصالح الذي إذا قعدت وعنده امرأة غض بصره عنها (٣).
وقال عطاء: الذي لا يهمّه إلا بطنه (٤).
وهو قول مجاهد في رواية ابن أبي نجيح (٥).
وقال بُسر بن سعيد (٦): هو الكبير الذي لا يطيق النساء (٧).
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ)، (ع).
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٣١٩، والطبري في "تفسيره" ١٨/ ١٢٢ من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن رجل -وعند الطبري: عمن حدثه- عن ابن عباس، به. وفي سنده جهالة.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٨٤ وزاد نسبته للفريابي وعبد بن حميد.
(٣) ذكره الزمخشري ٣/ ٦٢، والرازي ٢٣/ ٢٠٨، ولم ينسباه لأحد.
(٤) ذكره عنه النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٥٢٥.
وذكره الجصاص في "أحكام القرآن" ٣/ ٣١٨، وابن العربي في "أحكام القرآن" ٣/ ١٣٧٤ عنه أنه قال: هو الأبله.
(٥) رواه الطبري في "تفسيره" ١٨/ ١٢٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٣٧ ب، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٩٦ من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، به.
(٦) في (أ): (بشر)، وهو خطأ. وفي (ظ): (بن أبي سعيد)، وهو خطأ.
وهو بُسر بن سعيد المدني، مولى بني الحضرمي. كان من العبّاد والزهّاد، ثقة، جليلا، كثير الحديث. توفي سنة ١٠٠ هـ.
"طبقات ابن سعد" ٥/ ٢٨١، "السير" للذهبي ٤/ ٥٩٤، "تهذيب التهذيب" ١/ ٤٣٧.
(٧) روه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٣٧ ب من طريق سالم أبي النَّضر، عن بسر بن =
وقال مقاتل (٢): يعني الشيخ الهرم، والعِنِّين (٣)، والخصي، والمجنون، ونحوه (٤).
وقال الحسن: هم قوم طُبِعُوا على التخنيث، فكان (٥) الرجل منهم يتبع الرجل يخدمه بطعامه وينفق عليه، ولا (٦) يستطيعون غشيان النساء، ولا يشتهونه (٧).
وهذا قول الحكم (٨)، قال: هو المخنَّث الذي لا يقوم زُبُّه.
(١) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٧، والطبري ١٨/ ١٢٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٧ ب.
(٢) في (ظ): قول مقاتل متقدّم على قول قتادة.
(٣) العنِّين: هو الذي لا يأتي النساء عجزًا، أو لا يريدهن."القاموس المحيط" ٤/ ٢٤٩.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٧ ب.
(٥) في (ع): (وكان).
(٦) في (ظ)، (ع): (لا).
(٧) ذكره عنه ابن الجوزي ٦/ ٣٣. وذكره عنه الماوردي ٤/ ٩٥ باختصار.
وذكر البيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٩٦ عنه قال: هو الذي لا عقل له، ولا يشتهي النساء، ولا تشتهيه النساء.
وذكر الثعلبي ٣/ ٧٨ أعنه قال: هو الذي لا ينتشر. وبمثله ذكره البغوي ٦/ ٣٥ وزاد: ولا يستطيع غثيان النساء ولا يشتهيهن.
(٨) قد يكون الحكم هنا هو الحكم بن عتيبة، وقد تقدم، ولم أجد من نسب إليه هذا
القول. وقد يكونه الحكم بن أبان، فقد روى الطبري ١٨/ ١٢٣، وابن أبي حاتم
٧/ ٣٨ أمن طريق الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي =
وروى ليث، عن مجاهد: أنه الأبله الذي لا يعرف أمر النساء (٤) وقال سعيد بن جبير: هو المعتُوه (٥) (٦).
وقوله ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ قال المبرد: الطفل في هذا الموضع يعني به الجماعة من الأطفال، ومجازه مجاز المصدر، وكذلك ﴿نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ [الحج: ٥]. والمصدر يقع على الفعل (٧) نحو العلم والحلم (٨).
وهو: الحكم بن أبان العدني، أبو عيسى، صدوق عابد، صاحب سنة، له أوهام. توفي سنة ١٥٤ هـ. "تهذيب التهذيب" ٢/ ٤٢٣ - ٤٢٤، "تقريب التهذيب" ١/ ١٩٠.
(١) في (ع): (نسائه)، وهو خطأ.
(٢) الإرفاق: إيصال الرِّفق وهو اللطف ولين الجانب. انظر: "لسان العرب" ١٠/ ١١٨ (رفق).
(٣) رواه الطبري ١٨/ ١٢٣.
(٤) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٣١٨، والطبري ١٨/ ١٢٢ من طريق ليث، عن مجاهد، به.
(٥) في (أ): (المعتق).
(٦) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٣١٨، والطبري ١٨/ ١٢٣.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٨٥ وعزاه لهما.
قال النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٥٢٦ بعد حكايته للأقوال في معنى التابعين: وهذه الأقوال متقاربة.
وقال القرطبي ١٢/ ٢٣٤: وهذا الاختلاف كله متقارب المعنى، ويجتمع فيمن لا فهم له ولا همّة ينتبه بها إلى أمر النِّساء.
(٧) في (ظ)، (ع): (مغل).
(٨) انظر: "الدر المصون" ٨/ ٢٣٣.
وقال أبو علي الفارسي: ﴿لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ أي: لم يقووا عليها ومنه قوله ﴿فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ [الصف: ١٤] (٣).
والعورة: سوءة الإنسان. وكل أمر يستحى منه فهو عورة (٤).
قال مجاهد: لم يدروا ما هن من الصغر قبل الحلم (٥).
قال ابن عباس: لم يبلغ الحنث (٦) ولم يشتق إلى النساء.
وقال بُسر (٧) بن سعيد (٨): هو الغلام الذي لم يبلغ الحلم (٩).
وهذا قول جماعة المفسرين (١٠).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٠.
(٣) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣١٨.
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ١٧٣ "عار" نقلاً عن الليث. وانظر: "الصحاح" للجوهري ٢/ ٧٥٩ "عور"، "لسان العرب" ٤/ ٦١٧ (عور).
(٥) رواه الطبري ١٨/ ١٢٤، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٨ أوالبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٩٦ وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٨٥ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر.
(٦) في (ظ): (الحلم). والحنث: البلوغ والإدراك والحُلُم. "لسان العرب" ٢/ ١٣٨.
(٧) في (أ)، (ع): (بشر)، وهو خطأ.
(٨) في (أ): (مسعود)، وهو خطأ.
(٩) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٣٨ أمن طريق أبي النّضر، عن بُسر بن سعيد، به.
(١٠) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٢٤، ابن أبي حاتم ٧/ ٣٨ أ، ب، الثعلبي ٣/ ٧٨ أ، "النكت" للماوردي ٤/ ٩٦، "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ١٨٥.
وقوله ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ قال ثابت (٢) البناني (٣): كانت المرأة تتخذ الودع (٤) في رجليها فإذا مرّت بالقوم ضربت إحدى رجليها بالأخرى، فأنزل الله تعالى في كتابه: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ (٥).
وروى السدي، عن أبي مالك قال: كان في أرجلهن خرَزَ (٦) فكنّ إذا مررن بالمجلس حرّكن أرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن (٧).
(٢) (ثابت): ساقط من (أ).
(٣) هو: ثابت بن أسلم البناني مولاهم، البصري، أبو محمد. تابعي جليل، كان رأسًا في العلم والعمل. وكان أعبد أهل زمان. وكان ثقة مأمونًا. قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: إن لكل شيء مفتاحًا، وإن ثابتًا من مفاتيح الخير. توفي سنة ١٢٧ هـ، وعاش ست وثمانين سنة.
"طبقات ابن سعد" ٧/ ٢٣٢، "سير أعلام النبلاء" ٥/ ٢٢٠، "تهذيب التهذيب" ٢/ ٢، "تقريب التهذيب" ١/ ١١٥.
(٤) الودَع -بإسكان الدال وفتحها-: خرز بيض تُخرجُ من البحر بيضاء شقُّها كشق النواة. "القاموس المحيط" ٣/ ٩٢.
(٥) لم أجد من ذكره عنه.
(٦) الخَرَزُ: فصوص من جيّد الجوهر ورديئه من الحجارة ونحوه، تنظم في سلك. انظر: "لسان العرب" ٥/ ٣٤٤ (خرز)، "القاموس المحيط" ٢/ ١٧٥.
(٧) رواه سفيان الثوري في "تفسيره" ص ٢٢٥، والطبري ١٨/ ١٢٤، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٨ ب كلهم من طريق السدي، عن أبي مالك.
وهذا قول عامة المفسرين (٣).
وقال أبو إسحاق: كانت المرأة ربّما اجتازت وفي رجلها الخلخال، وربما كان فيها الخلاخل، فإذا ضربت برجلها عُلم (٤) أنها ذات خلخال وزينة، وهذا يحرّك من الشهوة فنهي عنه، كما أُمرن (٥) أن لا يبدين زينتهن؛ لأن إسماع (٦) صوته بمنزلة إبدائه (٧).
وقوله ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا﴾ قال ابن عباس: عما كنتم تعلمون في الجاهلية (٨).
وقال مقاتل: من الذنوب التي أصابوها مما نهي عنه من أول هذه السورة إلى هذه الآية (٩).
(١) في (ع): (برجلها).
(٢) بيَّن الواحدي في "الوسيط" ٣/ ٣١٧ أن هذه الرواية عن ابن عباس من طريق عطاء. وقد روى الطبري ١٨/ ١٢٤، وابن أبي حاتم ٧/ ٣٨ ب من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، نحو هذا.
(٣) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٢٤، ابن أبي حاتم ٧/ ٣٨ ب، "الدر المنثور" ٦/ ١٨٦.
(٤) في (أ): (أعلم).
(٥) في (أ): (أُمرِت).
(٦) في (ظ): (استماع).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٠.
(٨) ذكره عنه الرازي ٢٣/ ٢١٠، والنيسابوري في "غرائب القرآن" ١٨/ ٩٦، وأبو حيان ٦/ ٤٥٠.
(٩) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٨ أ.
قوله تعالى ﴿أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ قرأ ابن عامر (أيّه) بضم الهاء (٢)، ومثله ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ﴾ [الزخرف: ٤٩] ﴿أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾ [الرحمن: ٣٧].
قال أبو علي: وهذا لا يتجه لأن آخر الاسم هو الياء الثانية من (أيّ)، فينبغي وأن يكون المضموم آخر الاسم، ولو جاز أن يضم هذا من حيث كان مقترنًا بالكلمة لجاز أن يضم الميم في (٣) (اللهم)؛ لأنَّه آخر الكلمة. ووجه الإشكال في ذلك والشبهة (٤) أنَّ وجد هذا الحرف قد صار في بعض المواضع التي يدخل فيها بمنزلة ما هو من نفس الكلمة، نحو: مررت بهذا الرجل. وليست (يا) وغيرها من الحروف التي يُنبهُ بها كذلك، فلما وجدها في أوائل المبهمة كذلك وفي الفعل في قول أهل الحجاز: هَلم، جعله في الآخر أيضًا بمنزلة شيء من نفس الكلمة، كما كان في الأول كذلك، واستجاز حذف الألف اللاحق للحرف لما رآه قد حذف في قولهم: هلم، فأجرى عليه الإعراب لما كان كالشيء الذي من نفس الكلمة. فإن قلت: فإنّه قد حرك الياء التي قبلها بالضمّ في (يا أيه)، فإنّه يجوز أن يقول (٥): إنَّ ذلك في هذا الوضع كحركات الأتباع نحو: امرؤ وامرئ ونحو ذلك. فهذا لعلَّه (٦) وجه شبهته (٧)،
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ٤٥٥، و"التيسير" للداني ص ١٦١ - ١٦٢ و"الغاية" لابن مهران النيسابوري ص ٢١٩، و"النشر" لابن الجزري ٢/ ٣٣٢.
(٣) في "الحجة": من.
(٤) في (أ): (والشبه).
(٥) في (ع): (تقول).
(٦) في (أ)، (ع): العلة. والمثبت من (ظ)، والحجة.
(٧) في (أ): (شبهه).
(٢) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٢٠ - ٣٢١ مع تصرّف.
وقول أبي علي: وينبغي أن لا يقرأ بذلك ولا يؤخذ به. قول مردود.
قال القرطبي ١٢/ ٢٣٨ بعد ذكره لتضعيف أبي علي لقراءة ابن عامر-: والصحيح أنَّه إذا ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قراءة فليس إلا اعتقاد الصحة في اللغة؛ فإن القرآن هو الحجَّة. اهـ.
وقد بيَّن العلماء رحمهم الله وجه هذه القراءة. فقال أبو زرعة عبد الرحمن بن زنجلة في كتابه "حجة القراءات" ص ٤٩٨: وهذه لغة، وحجته أنَّا المصاحف جاءت في هذه الثلاثة بغير ألف. قال ثعلب: كأنَّ من يرفع الهاء يجعل الهاء مع "أيّ"، اسمًا واحداً على أنه اسم مفرد. اهـ.
ونقل الأزهري في "علل القراءات" ٢/ ٤٥٢ عن أبي بكر بن الأنباري قوله: إنَّا لغة، قال الأزهري: وأجاز قراءة ابن عامر على تلك اللغة.
وقال ابن هشام في "مغني اللبيب" ٢/ ٤٠٣: يجوز في "أيّها" في لغة بني أسد أن تحذف ألفها وأن تضم هاؤها إتباعًا، وعليه قراءة ابن عامر.
وقال أبو حيّان في "البحر المحيط" ٦/ ٤٥٠: ووجهه أنَّها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف، فلما سقطت الألف بالتقاء الساكنين اتبعت حركتها حركة ما قبلها، وضم "ها" التي للتنبيه بعد "أيّ" لغة لبني مالك رهط شقيق بن سلمة.
وقال الشنقيطي في "تفسيره سورة النور" ص ١٠٨ عن قراءة ابن عامر-: والأظهر أن الهاء للتنبيه مثل الأولى -يعني القراءة الأولى قراءة الجمهور- ضمَّت إتباعًا لما قبلها، كما قالت العرب: هو منتن بضم تاء منتن، وفي قراءة سبعية ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [النحل: ٣٦] بضم نُون "أن" إتباعًا لما بعدها، ومن أنكر ذلك فسبب إنكاره جهله بلغة العرب، فإنَّه قد ثبت في القرآن الكريم، وفي الشعر العربي الفصيح، كما قال الشاعر:
يا أيها القلب اللّجوج النفس
وروي "أيّهُ" بضم الهاء. انتهى كلامه رحمه الله.
قال أبو علي: الوقف على (أيها) بالألف لأنَّها إنما كانت سقطت لسكونها وسكون لام المعرفة كما قال أحمد (٣)، فإذا وقف عليها زال التقاء الساكنين؛ فظهرت الألف كما أنك لو وقفت على (مُحلّي) من قوله: ﴿غَيْرَ (٤) مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ [المائدة: ١] لرجعت الياء المحذوفة لسكونها وسكون اللام.
وإذا (٥) كان حذف الألف من (ها) التي للتنبيه حذف (٦) لهذا، فلا وجه لحذفها للوقف (٧)، ومما يضعف الحذف أنَّ الألف في الحرف (٨)، والحروف لا يحذف منها إلا أن تكون مضاعفة (٩).
(١) في (أ): (قال).
(٢) قول ابن مجاهد -بهذا النصَّ في "الحجة" للفارسي ٥/ ٣١٩.
وهو في كتاب "السبعة" لابن مجاهد ص ٤٥٥ مع اختلاف يسير.
وانظر: "التبصرة" لمكي ص ٢٧٣، "التيسير" للداني ص ١٦٢.
(٣) يعني: أبا بكر بن مجاهد.
(٤) غير: ليست في (ع).
(٥) في (ع): (فإذا).
(٦) في "الحجة": التي للتنبيه من (يا أيها) تُحذف لهذا.
(٧) في (ع): (في الوقف).
(٨) في "الحجة": حرف.
(٩) "الحجة" للفارسي ٥/ ٣٢٠ مع تصرف يسير.
٣٢ - ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ قال ابن السكيت: فلانة أيّم، إذا لم يكن لها زوج بكرًا كانت أو ثيبًا. والجميع: أيامى، والأصل أيايم، فقلبت (٢). ورجل أيّم: لا امرأة له. وقد آمت المرأةُ تئيم أيمةً وأيمًا. وقد تأيّمت المرأة زمانًا، وتأيَّم الرجل زمانًا، إذا مكث أيامًا لا يتزوج (٣). والحرب مأيمةٌ، أي: تقتل الرّجال فتبقى النساء بلا أزواج (٤).
وقال ابن الأعرابي: يقال للرجل الذي (٥) لم يتزوج: أيّم، وللمرأة أيّمة، قال: والأيّم: البكر والثيب، وآم الرجل يئيم أيمةٌ، إذا لم تكن له زوجة وكذلك المرأة إذا لم يكن لها زوج (٦).
قال السمين الحلبي ٨/ ٣٩٩: فوقف أبو عمرو والكسائي بألف، والباقون بدونها، إتباعًا للرسم، ولموافقة الخط للفظ،.. وبالجملة فالرسم سنّة متبعة.
وانظر: "الكشف" لمكي ٢/ ١٣٧، "البحر المحيط" ٦/ ٤٥٠.
(١) ذكره عنه الرازي ٢٣/ ١٠، والنيسابوري في "غرائب القرآن" ١٨/ ٩٦، وأبو حيان ٦/ ٤٥٠ وعندهم: وتبقوا في الآخرة.
(٢) في "تهذيب اللغة": فقلبت الياء وجعلت بعد الميم.
(٣) في "تهذيب اللغة": إذا مكثا أيامًا وزمانًا لا يتزوجان.
(٤) قول ابن السكيت في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٦٢١ - ٦٢٢ (ام).
وهو في "تهذيب الألفاظ" ص ٣٧٦، و"المشوف المعلم في ترتيب الإصلاح على حروف المعجم" للعكبري ١/ ٨٩ - ٩٠.
(٥) في (ع): (إذا).
(٦) قول ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٦٢١ (آم).
وقال صاحب النظم: (الْأَيَامَى) هاهنا من الرجال والنساء الذين لا أزواج لهم كان قد تزوج قبل ذلك أو (٣) لم يتزوج. والأيّم في كلام العرب: كل ذكر لا أنثى معه، وكل أنثى لا ذكر معها. ولذلك سميت الحيّة أيِّمًا بالتشديد والتخفيف لأنَّها لا تكاد تكون في جحرها إلا وحدها، وأنشد الهذلي (٤):
إلَّا عواسر كالمراط معيدة (٥) | بالليل مورد أيِّم متغضِّف (٦) |
(١) في (أ): (العزوبة)، والمثبت من باقي النسخ و"تهذيب اللغة".
(٢) الحديث ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ١٥/ ٦٢١، والجوهري في "الصحاح" ٥/ ١٨٦٨، وذكره الزمخشري في "الكشاف" ٣/ ٦٣ بلفظ: "اللهم إنا نعوذ بك من العيمة والغيمة والأيمة والكزم والقرم". وذكره الزيلعي في تخريجه لأحاديث الكشاف ٢/ ٤٣٥ وسكت عنه ولم يخرجه.
قال المعلق على تخريج الزيلعي: ذكره ابن قتيبة في كتابه "غريب الحديث" ١/ ٣٣٨ وقال: يرويه سليمان بن الربيع الكوفي، عن همام، عن أبي العوام عمران بن داود القطان، عن قتادة، عن الحسن عن عمران بن حصين، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكره.
(٣) في (أ): (أم).
(٤) هو أبو كبير الهذلي كما في "ديوان الهذليين" وغيره.
(٥) في (أ): (معتده).
(٦) البيت في "ديوان الهذليين" ٢/ ١٠٥ منسوبًا لأبي كبير وروايته فيه:
إلَّا عواسل كالمراط..
وهو في "المعاني الكبير" ١٨٥ - ١٨٦، و"الأمالي" ٢/ ٢٩، "الصحاح" للجوهري ٥/ ١٨٦٨ - ١٨٦٩ (أيم).
ومن غير نسبة في "تهذيب اللغة" ٢/ ٨٢ "عسر"، و"اللسان" ٤/ ٥٦٦ (عسر) وفيهما: =
وقوله: (مِنكُمْ) ليس من صلة الإنكاح، وإنّما هو من صلة (الْأَيَامَى) كأنه قيل (٢): وانكحوا أيامكم يعني: أيامى المسلمين؛ لذلك قال: ﴿الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾.
قال السدِّي: من لم يكن له زوج من امرأة أو رجل فهو أيّم.
وقال ابن عباس: كل من ليس لها زوج وإن كانت بكرًا فهي أيِّم (٣).
قال مقاتل بن سليمان: يعني من لا زوج له (٤) [من رجل (٥)] (٦) أو امرأة وهما حرّان، أمر الله تعالى أن يزوجا (٧).
وقبل هذا البيت:
ولقد وردت الماء، ولم يشرب به | بين الربيع إلى شهور الصيِّفِ |
قال السكري في "شرح ديوان الهذليين" ٣/ ١٠٨٥: عواسل: يعني تعسل في مشيها، تمرُّ مرَّا سريعًا، وإنما يعني ذئابًا.. ويروى: إلا عواسر، يقول: هذه الذئاب تَعسر بأذنابها، والمراط: النَّبل المتمرِّطة الريش، وقوله: معيدة، أي معيدة الشرب، والأيّم: الحيّة.. وقوله: متغضِّف أي منطو متثنٍّ، وقوله: معيدة: أي معاودة لذلك مرَّة بعد مرة. اهـ.
(١) قول ابن شميل في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٦٢١ (آم).
(٢) في (ع): (قال).
(٣) ذكره الرازي ٢٣/ ٢١٠، والنيسابوري في "غرائب القرآن" ١٨/ ٩٦ من رواية الضحاك، عنه، بمعناه. وذكر الماوردي ٤/ ٩٧ هذا القول. وعزاه للجمهور.
(٤) في (ظ): (لها).
(٥) في (أ): (زوج).
(٦) ساقط من (ع).
(٧) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٨ أ.
والمعنى: زوّجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم (٢)، وهذا أمر ندب واستحباب (٣)، وفيه دليل على أنّ النكاح لا يصح إلا بولي؛ لأن الله تعالى قال (وَأَنكِحُوا) فما (٤) لم تُنكح المرأة ولم تُزوَّج لم يكن لها أن تنكح وتتزوَّج (٥).
قوله ﴿وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ قال مقاتل: يقول: وزوّجوا المؤمنين من عبيدكم وولائكم فإنّه أغض للبصر وأحفظ للفرج (٦).
فمعنى الصلاح هاهنا: الإيمان، وفي هذا دليل على أن العبد لا يتزوج إلا بإذن سيده، وكذلك الأمة (٧).
ثم رجع إلى الأحرار فقال: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ﴾ لا سعة لهم في التزويج ﴿يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ فوعدهم أن يوسّع عليهم عند التزويج ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ﴾ لخلقه ﴿عَلِيمٌ﴾ بهم. قاله مقاتل بن سليمان (٨).
قال أبو إسحاق: حثّ الله -عز وجل- على النكاح وأعلم أنّه سبب لنفي
(٢) الطبري ١٨/ ١٢٥، والثعلبي ٣/ ٧٨ أ.
(٣) انظر: "أحكام القرآن" للجصَّاص ٣/ ٣١٩.
(٤) في (ظ): (وما).
(٥) انظر: "الحاوي" ٩/ ٣٨ - ٤٥، "المغني" ٩/ ٣٤٥ - ٣٤٦، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٢/ ٢٣٩.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٨ أ.
(٧) انظر: "الحاوي" ٩/ ٧٣، "المغني" ٩/ ٤٣٦، "روضة الطالبين" ٧/ ١٠١.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٨ أ.
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "التمسوا الرزق بالكاح" (٢).
ولفظ رواية الزجاج لأثر عمر: "عجب لامرئ كيف لا يرغب في الباءة والله يقول ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور: ٣٢].
وهذا الأثر عن عمر -رضي الله عنه- رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٦/ ١٧٣ عن قتادة أن عمر بن الخطاب قال: ما رأيت مثل رجل لم يلتمس الفضل في الباءة، والله يقول: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور: ٣٢].
وهو منقطع لإرساله.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٨٨ عن قتادة، وزاد نسبته لعبد بن حميد. وروى عبد الرزاق في "مصنفه" ٦/ ١٧٠ - ١٧١ من وجه آخر عن الحسن البصري قال: قال عمر بن الخطاب: اطلبوا الفضل في النكاح. قال: وتلا عمر: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور: ٣٢].
وهو منقطع أيضًا؛ فإن الحسن لم يسمع من عمر -رضي الله عنه- انظر: "تهذيب التهذيب" لابن حجر ٢/ ٢٦٥ - ٢٦٦.
(٢) رواه بهذا اللفظ الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٨٠ ب من حديث ابن عباس. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٨٨ وعزاه للديلمي.
وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص ٨٢: رواه الثعلبي في "تفسيره" والديلمي، من حديث مسلم بن خالد، عن سعيد ابن أبي صالح، عن ابن عباس رفعه بهذا. ومسلم فيه لين وشيخه.
وقال الألباني في "ضعيف الجامع" ١/ ٣٤٩: ضعيف.
وللحديث شاهد بمعناه روي موصولًا ومرسلًا.
فقد رواه موصولاً البزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار" للهيثمي ٢/ ١٤٩، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ١٦١ كلاهما من حديث أبي السائب سلم بن جنادة، عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله =
والمعنى: الذين لا يجدون طول (٢) نكاح وقدرة نكاح فحذف المضاف.
وقال صاحب النظم: النكاح هاهنا: الشيء الذي ينكح به من مهر ونفقة وما لا بد للرجل والمرأة منه إذا تناكحا، وهو مثل قولهم لما يلتحف به: لحاف، ولما يرتدي به: رداء، ولما يلبس: لباس، فكذلك (٣) النكاح:
قال البزار بعد روايته: رواه غير واحد مرسلًا، ولا نعلم أحدًا قال فيه: عن عائشة إلا أبا أسامة.
وقال الدارقطني في "العلل": وغير سلم يرويه مرسلاً..
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه لتفرد سلم -وقد تصحف في المطبوع إلى سالم- بن جنادة بسنده وسلم ثقة مأمون. اهـ.
وقد رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ١٢٧، وأبو داود في "المراسيل" ص ٩٣ عن أبي توبة الربيع بن نافع، كلاهما -يعني أبا بكر بن أبي شيبة، وأبا توبة- عن أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، مرسلًا لم يذكر عائشة.
وذكر الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" ٢/ ٤٤٣ متابعًا لأبي أسامة من رواية السهمي في "تاريخ جرجان" ص ٢٤٢ من طريق حسين بن علوان عن هشام موصولًا.
قال ابن حجر في "الكاف الشاف" ص ١١٩: الحسين متهم بالكذب.
ولذا فإن المرسل أصح كما ذكر الدارقطني وغيره.
وممن ضعف هذا الحديث الألباني كما في "ضعيف الجامع" ١/ ٣٤٩.
(١) في (ظ): (مالاً).
(٢) في (ع): (طولًا).
(٣) في (ظ): (وكذلك).
وعلى هذا إن صحّ فلا حذف في الآية.
وقوله ﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي يوسّع عليهم من رزقه.
وقال ابن عباس: يريد بالحلال عن الحرام.
وجملة القول في هذا أنّ من استغنى عن النكاح بعزوف نفسه عن التوقان إليه فالأولى به التفرد والتخلي لعبادة (٢) الله (٣) ليكون ممن يغبط بخفّة الحاذ (٤) (٥)؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- فسر خفيف الحاذّ بالذي لا أهل له ولا ولد (٦).
(٢) في (أ)، (ع): (بعبادة).
(٣) في (ظ): (ربّه).
(٤) في (أ)، (ظ): (الحاء) مهملة. والحاذ: الحال. "لسان العرب" ٣/ ٤٨٧ (حوذ).
(٥) يشير بذلك إلى الحديث الذي رواه الترمذي في "جامعه" كتاب: الزهد- باب: ما جاء في الكفاف والصبر عليه ٧/ ١٢، وابن ماجه في "سننه" (أبواب: الزهد- باب: من لا يؤبه له ٢/ ٤١٠، من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذّ.. " الحديث.
وليس فيه تفسير خفيف الحاذّ.
وهذا الحديث قال عنه الحاكم بعد إخراجه: هذا إسناد للشاميين صحيح عندهم ولم يخرجاه، فتعقَّب الذهبيُّ الحاكم بقوله: قلت: لا، بل إلى الضعف هو.
(٦) روى ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" ٣/ ١٠٣٧، والخطيب البغدادي في =
وإن لم يجد الطول فعليه بالصيام والاستعفاف ما أمكن.
وقوله ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾ أي يطلبون المكاتبة (١) ﴿مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ أي من عبيدكم ومماليككم.
و (ما) هاهنا بمعنى: من، والكتاب مصدر كالمكاتبة يقال: كاتب الرجل عبده أو أمته مكاتبةً وكتابًا فهو مكاتب. والعبد مكاتب، وهو أن يقول الرجل: كاتبتك على أن تعطيني كذا وكذا في نجوم (٢) معلومة، فإذا أدّى ذلك فالعبد حرّ (٣).
قالوا: يا رسول الله وما الخفيف الحاذ؟ قال: "الذي لا أهل له ولا ولد".
قال الحافظ العراقي في كتابه "المغني عن حمل الأسفار" ٢/ ٢٤: حديث: خيركم في المائتين.. أخرجه أبو يعلى من حديث حذيفة، ورواه الخطابي في العزلة من حديثه وحديث أبي أمامة، وكلاهما ضعيف.
(١) ابن أبي حاتم ٧/ ٤٠ أعن سعيد بن جبير.
(٢) نجوم: جمع نجم: وهو الوقت المضروب. ونجوم الكتابة: هو أن يُقدر العطاء في أوقات معلومة. وأصله أن العرب كانت تجعل مطالع منازل القمر ومساقطها مواقيت حلول دينها وغيرها، فتقول إذا طلع النجم: حلّ عليك مالي أي الثريا وكذلك باقي المنازل.
انظر: "لسان العرب" ١/ ٧٠٠ (نجم)، "القاموس المحيط" ٤/ ١٧٩.
(٣) انظر: (كتب) في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ١٥٠، "الصحاح" للجوهري ١/ ٢٠٩، "لسان العرب" ١/ ٧٠٠.
وقال صاحب النظم: قد (٥) وضع الناس موضع الكتاب من المكاتبة: الكتابة. والكتابة إنّما هي مصدر من كتبت (٦) الكتاب، ولا يقال من المكاتبة إلَّا الكتاب كما في الآية، والمكاتبة مأخوذة من كتبت (٧) الشيء إلي الشيء إذا ضممته إليه ليجتمع، وإنَّما قيل كاتب الرجل عبده، لأنَّ معناه فعل منهما جميعًا، فالعبد يجمع نجومه إلى مولاه يضم بعضها إلى بعض إلى أن يجتمع ما هو شرط (٨) عتقه، والمولى يضم ما يؤديه إليه عبده ليجتمع كمال الشرط لعتق العبد (٩).
وهذه الآية دليل على أصل عقد الكتابة وهو عقد من عقود الإسلام، وشرطه أن يقول السيد كاتبتك على كذا وكذا على أنك إذا أدّيت هذا المال فأنت حر، أو ينوي الحرية بقلبه إن لم يذكرها بلسانه (١٠). ولا بدّ من
(٢) في "تهذيب اللغة": ولما يكتب.
(٣) في (ظ): (السيّد).
(٤) في (أ)، (ع): (الذي)، والمثبت من (ظ) و"تهذيب اللغة".
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ١٥٠ (كتب).
(٦) في (ع): (من).
(٧) في (أ) (كتب) في الموضعين.
(٨) (شرط): ساقطة من (ظ).
(٩) انظر: "جمهرة اللغة" لابن دريد ١/ ١٩٦ - ١٩٧، "لسان العرب" ١/ ٧٠٠ (كتب).
(١٠) هذا قول الشافعي. =
وقال أبو حنيفة: تصح حالّه، ولم يشترط التنجيم (٢). والآية دليل
قال صاحب النظم: ذكرنا أن أصل الكتاب من الكتب بمعنى الجمع والضم، وأقلّ ما يقع عليه الضمّ والجمع نجمان فصاعدًا، ولا يقع على نجم واحد لأنه لا يقال فيه جمعته، ويقال في النجمين جمعت نجمًا إلى نجم، فإذا لم يكن في شرط المكاتبة ما أقله نجماه لم يقع عليه معنى الكتابة، إذ ليس فيه معنى جمع ولا ضم. وإلى هذا ذهب الشافعي رحمه الله عليه فلم يجز الكتاب على أقل من نجمين. انتهى كلامه.
ودلت الآية أيضًا على أنَّه إنما يصح كتابة العبد البالغ العاقل، ولا تصح كتابة المجنون والصبي (٣).
انظر: "أحكام القرآن" للجصَّاص ٣/ ٣٢٥، "المغني" ١٤/ ٤٥١ - ٤٥٢، "روضة الطالبين" ١٢/ ٢٩، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٢/ ٢٥٣.
(١) انظر: "الحاوي" ١٨/ ١٤٦ - ١٤٩، "المغني" ١٤/ ٤٤٩ - ٤٥٠، "روضة الطالبين" ٢/ ٢١٢.
(٢) انظر: "أحكام القرآن" للجصَّاص ٣/ ٣٢٤ - ٣٢٥، "بدائع الصنائع" ٤/ ١٤٠، "تبيين الحقائق" ٥/ ١٥٠، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٢/ ٢٤٧.
(٣) انظر: "الحاوي" ١٨/ ١٤٣، "المغني" ١٤/ ٤٤٤، "روضة الطالبين" ١٢/ ٢٢٦.
قال الشافعي: والابتغاء لا يكون من الأطفال والمجانين (٢).
يعني أن الله تعالى قال في ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾ وهذان ليسا من أهل الابتغاء.
وقوله: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ أمر ندب واستحباب في قول الجمهور (٣).
وقال قوم: إنّه أمر إيجاب فإذا سأل العبد الذي علم منه خيرًا أن يكاتبه على ما هو قيمته أو أكثر لزمه ذلك. وهو قول عمرو (٤) بن دينار وعطاء، ورواية العوفي عن ابن عباس، وإليه (٥) ذهب أهل الظاهر (٦).
وقوله: ﴿إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد قوة على الكسب وأداء للمال (٧) (٨).
(٢) انظر: "الأم" ٧/ ٣٦٣، ٣٦٧، "الحاوي" ١٨/ ١٤٣.
(٣) انظر: الثعلبي ٣/ ٨١ أ، الطبري ١٨/ ١٢٧، الرازي ٢٣/ ٢١٧.
(٤) في (أ): (عمر)، وهو خطأ.
(٥) في (أ): (وأهل)، وهو خطأ.
(٦) ذكره عن هؤلاء جميعا: الثعلبي ٣/ ٨١ أإلا أنه قال: وإليه ذهب داود بن علي. وهو داود الظاهري.
وقد رواه عن عمرو بن دينار وعطاء: عبد الرزاق في "مصنفه" ٨/ ٣٧٠، والطبري ١٤/ ١٢٦، والبيهقي في "السنن الكبرى" ١٠/ ٣١٩.
ورواية العوفي عن ابن عباس عند الطبري ١٨/ ١٢٨.
وانظر: "المغني" ١٤/ ٤٤٢، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٢/ ٢٤٥.
(٧) في (أ): (المال).
(٨) روى البيهقي في "سننه" ١٠/ ٣١٧ عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الله بن عباس كان يقول "فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا" إن علمت أن مكاتبك يقضيك. وروى أيضًا =
وكثير من المفسرين ذهب إلى أن المراد بالخير هاهنا المال.
وهو قول مجاهد (٢)، وعطاء (٣)، والضحاك (٤)، وطاووس (٥)، والمُقاتلين (٦).
وروى الطبري ١٨/ ١٢٧، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٠ أ، والبيهقي ١٠/ ٣١٧ من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: إن علمتم لهم حيلة ولا تلقون مؤونتهم على المسلمين.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩١ وزاد نسبته لابن المنذر.
(١) قوله في "الأم" ٧/ ٣٦٣، و"السنن الكبرى" للبيهقي ١٠/ ٣١٨، و"الحاوي الكبير" للماوردي ١٨/ ١٤٤.
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٧/ ٢٠١ - ٢٠٢، وعبد الرزاق في "مصنفه" ٨/ ٣٧٠، والطبري ١٨/ ١٢٨. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٠ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٧/ ٢٠٢، وعبد الرزاق في "مصنفه" ٨/ ٣٧٠، والطبري ١٨/ ١٢٩، والبيهقي في "السنن الكبرى" ١٠/ ٣١٨.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٠ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٤) رواه سعيد بن منصور ١٥٩ ب عنه من رواية جويبر.
(٥) في (أ): (الطاووس).
وقول طاووس رواه عنه سعيد بن منصور (ل ١٥٩ ب)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٧/ ٢٠١، والطبري ١٨/ ١٢٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٠ ب، والبيهقي في "السنن الكبرى" ١٠/ ٣١٨.
(٦) قول مقاتل بن حيان ذكره عنه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٠ ب. وقول مقاتل بن سليمان في "تفسيره" ٢/ ٣٨ أ.
وروى ابن جريج (٢)، عن عطاء، عن ابن عباس في هذه الآية قال الخير: المال (٣).
روى (٤) هشيم، عن يونس قال: كنّا عند الحسن، وأخوه سعيد (٥) عنده فتذاكرنا هذه الآية، فقال سعيد: إن كان عنده مال فكاتبه، وإن لم يكن عنده مال فلا تعلقه صحيفة يغدو بها على الناس ويروح، فيسألهم فيحرجهم ويؤثمهم (٦).
وروي أن عبدًا لسلمان قال له: كاتبني. قال له (٧): لك مال؟ قال: لا قال: تطعمني أوساخ الناس. فأبى عليه (٨).
(٢) في (ع): (ابن أبي نجيح)، وهو خطأ.
(٣) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٤٠ ب، والبيهقي في "السنن الكبرى" ١٠/ ٣١٨ كلاهما من رواية ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
(٤) في (ظ)، (ع): (لما روى).
(٥) هو: سعيد بن أبي الحسن يسار، البصري، أخو الحسن البصري. تابعي ثقة.
روى عن أمه، وأبي هريرة، وعنه أخوه وسليمان التيمي. وكان يسمى راهبًا لدينه. وهو أصغر من الحسن وتوفي قبله سنة ١٠٠ هـ؛ ولما توفي حزن عليه الحسن حزنًا شديدًا وبكى.
"طبقات ابن سعد" ٧/ ١٧٨، "سير أعلام النبلاء" ٤/ ٥٨٨، "تهذيب التهذيب" ٤/ ١٦، "تقريب التهذيب" ١/ ٢٩٣.
(٦) رواه سعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٩ ب) عن هشيم، عن يونس، به.
(٧) (له): ساقطة من (ظ)، (ع).
(٨) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٨/ ٣٧٤، والبيهقي في "السنن الكبرى" ١٠/ ٣١٩، =
وهذا أيضًا قول ابن عمر وابن زيد ومالك بن أنس (٣)، واختيار الفراء وأبي إسحاق.
قال الفراء: يقول وإن رجوتم (٤) عندهم وفاء وتأدية للكتابة (٥).
وقال أبو إسحاق: إن علمتم أنّهم يكسبون (٦) ما يؤدونه (٧).
وقول من فسر الخير بالمال الوجه أن يحمل ذلك على الكسب والمكتسب كذي المال من حيث أنه يقدر على المال [إذا شاء] (٨).
وقال الحسن وأبو صالح في قوله (خَيْرًا) (٩): أداء وأمانة (١٠).
(١) (لهم): ساقطة من (ظ).
(٢) حكاه عنه الثعلبي ٣/ ٨١ أ.
(٣) ذكره عنهم جميعًا الثعلبي ٣/ ٨١ أ.
ورواه عن ابن عمر بمعناه الطبري ١٨/ ١٢٧، والبيهقي في "السنن الكبرى" ١٠/ ٣١٨ وقول ابن زيد ومالك رواه عنهما الطبري ١٨/ ١٢٧.
(٤) في (ظ): (دعوتم)، وهو خطأ.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١٥.
(٦) في المطبوع من المعاني: (يكتبون)، وهو خطأ.
(٧) "معاني القرآن" للزَّجاج ٤/ ٤٠.
(٨) ساقط من (أ).
(٩) في (ظ)، (ع): زيادة "قال" بعد قوله (خيرا).
(١٠) رواه عن الحسن: عبد الرزاق في "مصنفه" ٨/ ٣٧١، وسعيد بن منصور في =
وقال إبراهيم: صدقًا ووفاء (٤).
وقال سعيد بن جبير: إن علمتم أنهم يريدون (٥) بذاك (٦) الخير (٧).
وقال معمر (٨): وكان قتادة يكره إذا كاتب العبد ليست له حرفة ولا وجه في شيء [أن يكاتبه الرجل] (٩) لا يكاتبه إلا ليسأل الناس (١٠).
(١) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨١ ب.
وروى عبد الرزاق في "مصنفه" ٨/ ٣٧٠، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٠ أعنه قال: إن علمتم عندهم أمانة.
(٢) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٨/ ٣٧١، وسعيد بن منصور في "سننه" ل ١٥٩ ب، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٠ أ، والثعلبي ٣/ ٨١ ب كلهم من طريق ابن سيرين، عن عبيدة.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٧/ ٢٠٢ - ٢٠٣ من رواية يونس، عن الحسن.
(٤) إبراهيم هو: النخعي.
ورواه عنه عبد الرزاق في "مصنفه" ٨/ ٣٧١، وسعيد بن منصور في "سننه" ل ١٥٩ ب، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٧/ ٢٠٢، والطبري ١٨/ ١٢٨، والبيهقي في " السنن الكبرى" ١٠/ ٣١٨.
(٥) في (أ): (يريد من).
(٦) في (ظ): (بذلك).
(٧) ذكره عنه النحَّاس في "معاني القرآن" ٤/ ٥٢٩، وابن الجوزي ٦/ ٣٧.
(٨) هو: معمر بن راشد.
(٩) زيادة من تفسير عبد الرزاق بها يستقيم المعنى.
(١٠) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٨ عن معمر، به.
قوله تعالى: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّ هذا خطاب للموالي، أُمروا أن يحطوا عنهم من نجوم الكتابة شيئًا، وهو قول علي (١) -رضي الله عنه- ومجاهد (٢)، والثوري (٣)، وكثير من الصحابة (٤).
ثم اختلفوا في ذلك القدر:
فقال علي -رضي الله عنه-: هو ربع المال (٥). وهو قول مجاهد (٦).
وقال الآخرون: لا يتقدر بشيء يحط عنه ما أحبّ.
وكان عمر -رضي الله عنه- يحط من أول النجوم.
وروى عكرمة، عن ابن عباس: أن عمر -رضي الله عنه- كاتب عبدًا له يُكنى أبا أميّة (٧)
(٢) رواه عن مجاهد عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٩، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٦/ ٣٧٢، والبيهقي في "السنن الكبرى" ١٠/ ٣٣٠.
(٣) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨١ أورواه الطبري ١٨/ ١٣١ عنه قال: أحب أن يعطيه الربع، أو أقل منه شيئًا، وليس بواجب، وأن يفعل ذلك حسن.
(٤) انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" ٦/ ٣٧٠ - ٣٧١، الطبري ١٨/ ١٢٩ - ١٣٠، "السنن الكبرى" للبيهقي ١٠/ ٣٢٩ - ٣٣٠، والثعلبي ٣/ ٨١ ب - ٨٢ أ.
(٥) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٨، وسعيد بن منصور ل ١٥٩ ب، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٦/ ٣٦٩، والطبري ١٨/ ١٢٩، وابن أبي حاتم ٧/ ٤١ ب والبيهقي في "السنن الكبرى" ١٠/ ٣٢٩، والضياء في "المختارة" ٢/ ١٩٤.
(٦) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٦/ ٣٧٠.
(٧) هو: أبو أميّة بن كنانة، القرشي، العدوي مولى عمر بن الخطاب ومكاتبه. اسمه عبد الرحمن، وهو جد المبارك بن فضالة المحدِّث. روى عنه ابنه فضالة.
"طبقات ابن سعد" ٧/ ١١٧، "الكنى" للإمام مسلم ص ٩٥، "الثقات" لابن حبّان ٥/ ٥٦٦، "الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى" ٢/ ١٠٣١.
وروى عبد الملك بن أبي بشير (٤) قال: حدثني فَضالة بن أبي أميّة (٥)، عن أبيه وكان غلامًا لعمر قال: كاتبني عمر على أواق (٦) قد سمّاها، ونجمها عليّ نجومًا، فلما فرغ من الكتاب أرسل إلى حفصة (٧) فاستقرض منها مائتي درهم، فأعطانيها وقالك استعن بها في نجومك؛ فقلت: ألا تجعلها في آخر مكاتبتي! قال: إنّي لا أدرى أدرك أم لا. قال سفيان: بلغني أنَّه كاتبه على مائة أوقية (٨).
(٢) في (ظ): (ذلك).
(٣) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٦/ ٣٧١، وابن أبي حاتم ٧/ ٤١ ب، والبيهقي في "السنن الكبرى" ١٠/ ٣٢٩ - ٣٣٠ من طريق عكرمة، عن ابن عباس.
وروى ابن سعد في "طبقاته" ٧/ ١١٨ عن عكرمة نحوه.
(٤) هو: عبد الملك بن أبي بشير، البصري، نزيل المدائن. روى عن عكرمة وحفصة بنت سيرين وآخرين. وعنه سفيان الثوري وغيره. وهو ثقة.
"الكاشف" ٢/ ٢٠٧، "تهذيب التهذيب" ٦/ ٣٨٦، "تقريب التهذيب" ١/ ٥١٧.
(٥) هو: فضالة بن أبي أميّة، البصري. أبوه أبو أمية مولى عمر بن الخطاب المتقدم ذكره. وهو والد المبارك بن فضالة المحدّث. روى عنه عبد الملك بن أبي بشير. ذكره البخاري في "تاريخه الكبير" ٧/ ١٢٥، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" ٧/ ٧٧، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً. وذكره ابن حبان في "الثقات" ٥/ ٢٩٧.
(٦) أواق: جمع أوقية -بضم الهمزة وتشديد الباء-: وهي زنة سبعة مثاقيل، أو أربعين درهمًا. "لسان العرب" ١٠/ ١٢ (أوق).
(٧) هي: أم المؤمنين، وبنت أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
(٨) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٨/ ٣٧٦، وابن سعد في "طبقاته" ٧/ ١١٨، =
وهو رواية ليث، عن مجاهد قال: مما في يديك، ليس مما على رقبته (١).
وروى جوبير، عن الضحاك في هذه الآية قال (٢): أن تعطيه [مما في يديك] (٣) من مالك أو تضع (٤) له بعض الذي كاتبه عليه (٥) (٦).
وروى عبد الملك (٧) وحجاج عن عطاء في قوله ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ هو ما أخرج الله [لك] (٨) من مكاتبته تعطيه، ما طابت به
(١) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٦/ ٣٧٢، والطبري ١٨/ ١٣٠ من رواية ليث، عن مجاهد، دون قوله: ليس مما على رقبته.
(٢) (قال): ساقطة من (أ).
(٣) ساقط من (ظ)، (ع).
(٤) في (ظ)، (ع): (تدع).
(٥) عليه: ساقطة من (أ).
(٦) لم أجد من ذكره عنه.
(٧) هو: عبد الملك بن أبي سليمان، كما في رواية الطبري وابن أبي حاتم. وهو: عبد الملك بن أبي سليمان ميسرة، العرزمي، الكوفي كان من أحفظ أهل الكوفة، روى عن سعيد بن جبير وعطاء. قال الذهبي: قال أحمد: ثقة يخطئ.
وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. توفي سنة ١٤٥ هـ.
"الكاشف" ٢/ ٢٠٩، "تقريب التهذيب" ١/ ٥١٩.
(٨) (لك): ساقطة من (أ).
وقال سعيد بن جبير: كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئًا من أول نجومه مخافة أن يعجز فترجع (٢) إليه صدقته، ولكنّه (٣) إذا كان في آخر مكاتبته وضع عنه ما أحبّ (٤).
وعلي ما ذكرنا معنى الإيتاء: أن يحطّ من مكاتبته (٥) شيئًا أو يردّ عليه شيئًا، أو يعطيه مما في يده شيئًا. وهو واجب عند الشافعي -رضي الله عنه- (٦).
القول الثاني: أنَّ (٧) المعنى: وآتوهم سهمهم الذي جعله الله لهم من الصدقات المفروضات.
وهو قول ابن عباس في رواية عطاء قال: يريد سهم الرقاب يعطى منه المكاتبون (٨). ونحوه قال زيد (٩) وابنه (١٠).
ورواه الطبري ١٨/ ١٣٠، وابن أبي حاتم ٧ - ٤٢ أمن طريق عبد الملك، عن عطاء إلى قوله: مكاتبته.
(٢) في (أ): (وترجع).
(٣) في (أ): (ولكن).
(٤) رواه الطبري ١٨/ ١٣٠ عن سعيد، به.
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٨/ ٣٧٧، وابن أبي شيبة ٦/ ٣٧٠ عن سعيد بنحوه مختصرًا.
(٥) في (ظ)، (ع): (كتابته).
(٦) انظر: "الأم" ٧/ ٣٦٤، "الحاوي الكبير" ١٨/ ١٨٦، "روضة الطالبين" ١٢/ ٢٤٨.
(٧) أنَّ: ساقطة من (أ).
(٨) ذكره عنه من رواية عطاء ابن الجوزي ٦/ ٣٧، والرازي ٢٣/ ٢١٨، والنيسابوري في "غرائب القرآن" ١٨/ ١٠٠.
(٩) هو: زيد بن أسلم.
(١٠) ذكره عنهما الثعلبي ٣/ ٨٢ أ. =
وهو قول عكرمة (٢)، وإبراهيم (٣)، والكلبي (٤)، والمقاتلين (٥). قالوا: حضّ الناس (٦) جميعًا الموالي وغيرهم على أن يعطوا المكاتب، وأمر المؤمنين أن يعينوا في الرقاب.
وقال الحسن: حث عليه المسلمين مولاه وغيره (٧).
وعلى هذا القول هو أمر نَدْب.
واختار (٨) صاحب النظم القول الثاني، وقال: قوله ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ خطاب للموالي، وقوله ﴿وَآتُوهُمْ﴾ خطاب لغيرهم من أصحاب الزكوات؛ لأنه لا يجوز للمكاتب أن يدفع فرض صدقته إلى مكاتب نفسه، فجاء الخطاب بنظم واحد وهما مختلفان كقوله {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا
وعن ابنه -عبد الرحمن- رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٤٢ أ.
(١) في (أ): (من).
(٢) ذكره عنه الرازي ٢٣/ ٢١٨، وأبو حيان ٦/ ٤٥٢.
(٣) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨٢ أ، ورواه عنه عبد الرزاق في "مصنفه" ٨/ ٣٧٦ - ٣٧٧ وسعيد بن منصور في "سننه" ل ١٥٩ ب، والطبري ١٨/ ١٣١.
(٤) رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٩.
(٥) قول مقاتل بن حيان رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٢ أ. وقول مقاتل بن سليمان في "تفسيره" ٢/ ٣٧ أ.
(٦) في (أ): (للناس).
(٧) رواه سعيد بن منصور في "سننه" ل ١٥٩ ب، والطبري ١٨/ ١٣١.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩١ عنه، وعزاه لعبد بن حميد.
(٨) في (أ): (واختيار).
وقال غيره (٢): يجوز أن يكون الموالي داخلين في هذا الخطاب على معنى: أن يؤتي بعضهم لمكاتب بعض لا لمكاتب نفسه.
قال صاحب النظم: ولو كان المراد بالإيتاء الحطّ عنه لوجب أن يكون في عادة العربية: ضَعُوا عنهم أو قاصّوهم منه (٣)، فلما قال ﴿وَآتُوهُمْ﴾ دلّ على أنَّه أراد من الزكاة إذ هو مناولة وإعطاء (٤).
وهذا الاعتراض لا يصح على قول من يجعل إيتاء المكاتب من مال نفسه، كما روينا عن عمر -رضي الله عنه-.
فأما سبب نزول هذه (٥) الآية:
فقال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت في صُبيح (٦) القبطي، كان
(٢) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٣٢.
(٣) يقال: تقاصّ القوم، إذا قاصّ كل منهم صاحبه في حساب أو غيره، وأصل التَّقاص: التناصف في القصاص. انظر: "لسان العرب" ٧/ ٧٦ (قصص)، "تاج العروس" للزبيدي ١٨/ ١٠٧ (قصص).
(٤) ذكر أبو حيان ٦/ ٤٥٢ هذا القول عن صاحب النَّظم.
(٥) هذه: زيادة من (ظ).
(٦) في (أ)، (ع): (الصبيح).
وقد ذكر صبيحًا هذا البخاري في "تاريخه الكبير" ٤/ ٣١٨ دون نسبة إلى القبط، وساق رواية -سيأتى ذكرها- فيها أنه كان مملوكًا لحويطب بن عبد العزّى، وأن =
وقال مقاتل بن سليمان وغيره: نزلت في حويطب (٢) بن عبد العزى وفي غلامه صبيح (٣) القبطي وقيل: صُبْح (٤) طلب إليه أن يكاتبه فأبي، فأنزل الله هذه الآية، فكاتبه على مائة دينار، ثم وضع عنه عشرين دينارًا، فأداها وعتق (٥).
وذكره ابن حبان في "الثقات" ٣/ ١٩٦ دون نسبة وقال: أبو عبد الله، جد محمد بن إسحاق بن يسار. يقال: إنَّ له صحبة.
وذكره ابن حجر في "الإصابة" ٢/ ١٦٩ دون نسبة وقال: مولى حويطب بن عبد العزّى. قال ابن السكن وابن حبان: يقال له صحبه. ثم نقل ابن حجر رواية البخاري في "تاريخه" ثم قال: قال ابن السكن: لم أر له ذكرًا إلا في هذا الحديث. اهـ.
(١) لم أجد من ذكره عن ابن عباس. وقد نقل القرطبي ١٢/ ٢٤٤ عن مكي بن أبي طالب قوله: هو صبيح القبطي غلام حاطب بن أبي بلتعة.
(٢) هو: حُويطب بن عبد العزّى بن أبي قيس، القرشي، العامري، أبو محمد. أسلم عام الفتح، وشهد حنينا وكان من المؤلفة، وكان حميد الإسلام. وسار إلى الشام مجاهدًا. وهو أحد الذين أمرهم عمر بتجديد أنصاب الحرم.
توفي سنة ٥٤ هـ، وقيل: ٥٢ هـ وعاش مائة وعشرين سنة.
"طبقات ابن سعد" ٥/ ٤٥٤، "الاستيعاب" ١/ ٣٩٩، "أسد الغابة" ٢/ ٦٧، "سير أعلام النبلاء" ٢/ ٥٤٠، "الإصابة" ٢/ ٣٦٣.
(٣) في (ظ): (صبح)، والمثبت من باقي النسخ و"تفسير مقاتل".
(٤) في (ظ)، (ع): (صبيح).
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٨ أ، والثعلبي ٣/ ٨١ أ.
وقد روى البخاري في "التاريخ الكبير" ٤/ ٣١٨ - ٣١٩، وابن السكن والبارودي كما في "الإصابة" لابن حجر ٢/ ١٧٠ من طريق محمد بن إسحاق، عن خاله عبد الله بن صبح وفي المطبوع من "الإصابة": عن خالد عن عبد الله. وهو خطأ -عن أبيه- وكان جدّ ابن إسحاق أبا أمِّه -قال. كنت مملوكًا لحويطب بن عبد العزى، =
قال جماعة من المفسرين (١): نزلت في عبد الله بن أبيّ كان يكره جواري له على الكسب بالزنا، فشكون ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزلت هذه الآية.
قال ابن عباس في رواية عطاء: وذلك أن عبد الله بن أبيّ! كانت له جاريتان يقال لإحداهما: مُعاذة، والأخرى: زينب، كانتا مؤمنتين فأكرههما على الزنا وهما لا يريدان (٢).
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٨٩ من رواية عبد الله بن صبيح، به. وعزاه لابن السكن في "معرفة الصحابة".
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٨ أ، ب، والطبري ١٨/ ١٣٢ - ١٣٣، ابن أبي حاتم ٧/ ٤٢ ب، ٤٣ أ، الثعلبي ٣/ ٨٢ أ، ب، "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٨٨ - ٢٨٩، "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ١٩٢ - ١٩٤.
وقد روى مسلم في "صحيحه" كتاب: التفسير- باب: في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ ٤/ ٢٣٢٠ عن جابر -رضي الله عنه-: أن جارية لعبد الله بن أبيّ بن سلول يقال لها: مُسيكة، وأخرى يقال لها: أميمة، فكان يكرههما على الزنى، فشكتا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ إلى قوله ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
(٢) لم أجد من ذكره من رواية عطاء.
وقد روى وابن أبي حاتم ٣/ ٤٢ ب، والطبراني في "الكبير" ١١/ ٢٨٤ من طريق عكرمة، عن ابن عباس: أنَّ جارية لعبد الله بن أبي كانت تزني في الجاهلية فولدت أولادًا من الزّنا، فقال لها: مالك لا تزنين. قالت: والله لا أزني. فضربها، فأنزل الله -عز وجل- ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٨٣: ورجال الطبراني رجال الصحيح.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٣ ونسبه أيضًا للبزار وابن مردويه، وقال: بسند صحيح.
وقال مجاهد: كانوا يأمرون ولائدهم أن يُباغين، فكن يفعلن ذلك، فيُصبن، فيأتينهم بكسبهن، وكانت لعبد الله بن أُبي جارية فكانت تُباغي، وكرهت ذلك وحلفت لا تفعله، فأكرهها أهلها، فانطلقت فباغت ببرد (٣) أخضر فأتتهم به، فأنزل الله هذه الآية (٤).
قوله تعالى: ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ قال ابن عباس: تعفّفا وتزويجًا (٥).
وهو عمر بن ثابت بن الحارث -ويقال: ابن الحجاج- الأنصاري الخزرجي المدني. تابعي ثقة، روى عن بعض الصحابة، وعنه الزهري وغيره.
"الكاشف" ٢/ ٣٠٦، "تهذيب التهذيب" ٧/ ٤٣٠، "تقريب التهذيب" ٢/ ٥٢.
(٢) رواه "المصنف" في كتابه "أسباب النزول" ص ٢٧٠ من طريق ابن إسحاق: حدثني الزهري، عن عمر بن ثابت، فذكره.
ورواه أيضًا من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن عمر بن ثابت، بنحوه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٣ من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن عمر، بنحوه مطولًا، وعزاه للخطيب في رواة مالك.
ورواه أبو موسى المديني في كتابه الصحابة كما في "الإصابة" لابن حجر ٤/ ٣٩٥ من طريق الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب الزهري، به، بنحوه. وهو مرسل؛ لأن عمر بن ثابت تابعي.
(٣) البُرْد -بالضم-: ثوب مخطط. "القاموس المحيط" ١/ ٢٧٦.
(٤) رواه الطبري ١٨/ ١٣٤، ورواه ابن أبي حاتم ٧/ ٤٢ ب بنحوه، مختصرًا. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٤، ونسبه أيضًا لابن أبي شيبة وابن المنذر.
(٥) لم أجده عن ابن عباس. وقد روى ابن أبي حاتم ٧/ ٤٣ أ، ب عن قتادة ومقاتل. مثل شطره الأول. =
وقال أبو إسحاق: لا تكرهوهن على البغاء البتَّه، وليس المعنى: لا
(١) (تلك): ساقطة من (أ).
(٢) الآية: ساقطة من (ظ).
(٣) القول بأن الآية المستشهد بها نزلت في ثلاث بنات ذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ١٢٠ من غير سند وعزاه للمفسرين، وذكره البغوي ٢/ ١٦٩ من غير سند.
وفي "الإصابة" لابن حجر ٤/ ٤٦٤ في ترجمة أمِّ كجَّة الأنصارية: ذكر الواقدي عن الكلبي في "تفسيره" عن أبي صالح، عن ابن عباس: أن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك ثلاث بنات وامرأة يقال له أم كجّة،.. فنزلت آية المواريث.
وهذا القول لا يصح في نزول هذه الآية. والصحيح في هذا ما رواه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "سننه" كتاب: الفرائض- باب: ما جاء في ميراث الصلب ٨/ ٩٩ - ١٠٠، والترمذي في "جامعه" كتاب: الفرائض - باب: ما جاء في ميراث البنات من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قُتل أبوهما معك يوم أحد شهيدًا، وإنَّ عمَّهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالاً، ولا تنكحان إلا ولهما مال. قال: "يقضي الله في ذلك". فنزلت آية الميراث، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عمَّهما فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين وأعط أمّهما الثمن وما بقي فهو لك". وحسَّن هذا الحديث الألباني كما في "صحيح الترمذي" ٢/ ٢١١.
وقوله ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ هذا الشرط متعلق بقوله ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ [النور: ٣٢] إن أردن تحصنا. فهذا على التقديم والتأخير، وهذا القول اختيار الحسين (٢) بن الفضل (٣).
ويجوز أن يقال: إنما شرط (٤) إرادة التحصّن؛ لأنَّ الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة المكره التحصّن (٥)، فإن (٦) لم يرد التحصّن لا يتصور الإكراه؛ لأنَّه يأتي ذلك بالطبع، فلما ذكر النهي عن الإكراه شرط إرادة التحصّن؛ ليتبين (٧) معنى الإكراه؛ لأنَّه شرطٌ صحيح في المعنى (٨).
وقوله تعالى ﴿لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يعني الغلَّة (٩) والضرائب التي كانت عليهن.
(٢) في (ع): (الحسن)، وهو خطأ.
(٣) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨٢ ب، والبغوي ٦/ ٤٤ وتصحف الاسم في المطبوع إلى: الحسن. والقرطبي ١٢/ ٢٥٥.
وهذا الوجه ضعَّفه القرطبي. وقال أبو حيان ٦/ ٤٥٢: وهذا فيه بعدٌ وفصل كثير.
(٤) في (أ): (شرطه).
(٥) في (ظ): (للتحصّن).
(٦) في (أ): (وان).
(٧) في (أ): (لتبين).
(٨) ذكر البغوي ٦/ ٤٤ هذا القول وصدّره بقوله: قيل. وذكره ابن الجوزي ٦/ ٣٩ ولم ينسبه لأحد. وأشار إليه ابن العربي في أحكام القرآن. ٣/ ١٣٨٦ ولم ينسبه لأحد. وذكره الماوردي ٤/ ١٠١ ولم ينسبه لأحد.
(٩) الغلَّة: هي الدَّخل الذي يحصل من الإجارة والنتاج ونحو ذلك. "لسان العرب" ١١/ ٥٠٤ (غل).
وقال الكلبي: ﴿عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ من كسبهن وأولادهن (٢).
وروى معمرٌ، عن الزُّهري: أنَّ رجلاً من قريش أُسر يوم بدر، فكان عند عبد الله بن أبي أسيرًا، وكان لعبد الله جارية يقال لها معاذة، وكان القرشي الأسير يريدها على نفسه، وكانت مسلمة فكانت تمتنع منه لإسلامها، وكان عبد الله يكرهها على ذلك ويضربها رجاء أن تحمل للقرشي فيطلب فداء ولده، فأنزل الله هذه الآية (٣).
وقوله تعالى ﴿فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قال ابن عباس (٤)، والمفسرون (٥): أي لهن غفور رحيم يعني للمكروهات (٦).
وكان جابر يقرأ: ﴿فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم﴾ (٧).
(٢) روى ابن أبي حاتم ٧/ ٤٣ ب عن سعيد بن جبير مثله. وهو قول مقاتل في "تفسيره" ٢/ ٣٨ ب.
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٥٩، والطبري ١٨/ ١٣٣، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٢ ب، ٤٣ أ، كلهم من طريق، معمر عن الزهري، به وهو مرسل.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٣ وزاد نسبته لابن المنذر.
(٤) رواه الطبري ١٨/ ١٣٣، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٣ ب) عنه بنحوه.
(٥) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٣٣ - ١٣٤، ابن أبي حاتم ٧/ ٤٣ ب، ٤٤ أ.
(٦) في (أ): (للمكروهات).
(٧) روى مسلم في "صحيحه" كتاب: التفسير- باب: في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ ٤/ ٢٣٢٠ عن جابر قال: كان عبد الله بن أبي بن سلول يقول لجارية له: اذهبي فأبغينا شيئًا، فأنزل الله -عز وجل-: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ (لهنّ) غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
وقال مجاهد: ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ للمكروهات على الزنا (٢).
وفي حرف عبد الله (٣) وقرأه جماعة من القراء (٤) ﴿فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
٣٤ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ﴾ قال ابن عباس، ومقاتل (٥): يريد ما ذكر في هذه السورة من الحلال والحرام، وأمره ونهيه إلى هذه الآية، فهي تبين للناس ما أمروا به وما نهوا عنه.
قوله: ﴿وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ قال مقاتل: يعني سنن العذاب في الأمم الخالية حين كذبوا رسلهم (٦).
والمعنى: وأنزلنا مثلًا أي: شبهًا من حالهم بحالكم في تكذيب
(١) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨٢ ب، والبغوي ٦/ ٤٤
(٢) رواه الطبري ١٤/ ١٣٣، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٣ ب، ٤٤ أ. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٥ ونسبه أيضًا لابن أبي شيبة وابن المنذر.
(٣) روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٣ ب عن سعيد بن جبير قال: في قراءة ابن مسعود "لهن غفور رحيم".
وذكرها السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٤ ونسبها أيضًا لعبد بن حميد.
(٤) رويت هذه القراءة عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير. انظر: "المحتسب" لابن جني ٢/ ١٠٨، القرطبي ١٢/ ٢٥٥.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٨ ب.
(٦) (رسلهم): زيادة من (ظ).
وقوله: ﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ قال الكلبي: يعني نهيًا للمتقين عن (١) الشرك والكبائر (٢).
٣٥ - وقوله تعالى ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ معنى النور في اللغة: الضياء (٣). وهو ضد الظلمة (٤).
قال ابن عباس في رواية عطاء: الله هادي أهل السموات وأهل الأرض (٥).
(٢) ذكر البغوي ٦/ ٤٥ هذا القول، ولم ينسبه لأحد.
(٣) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٢٣٠ (نار) نقلاً عن ابن المظفر.
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٢٣٤ (نار) نقلاً عن ابن السكيت.
وانظر: "الصحاح" للجوهري ٢/ ٨٣٨ (نور)، "لسان العرب" ٥/ ٢٤٠ (نور).
(٥) لم أجده من رواية عطاء. لكن أخرج الطبري ١٨/ ١٣٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٤ ب من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: هادي أهل السموات والأرض. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٧ وزاد نسبته لابن المنذر والبيهقي في "الأسماء والصفات".
قال الإمام ابن القيم في كتابه "اجتماع الجيوش الإسلامية" ص ٨ - ٩: (وقد فُسِّر قوله تعالى ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بكونه منوّر السموات والأرض، وهادي أهل السموات والأرض، فبنوره اهتدى أهل السموات والأرض. وهذا إنما هو فعله، وإلَّا فالنور الذي هو من أوصافه قائم منه، ومنه اشتق له اسم النور، الذي هو أحد أسمائه الحسنى. والنور يضاف إليه سبحانه على أحد وجهين: إضافة صفة إلى موصوفها، وإضافة مفعول إلى فاعله.
فالأول كقوله: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ [الزمر: ٦٩].
فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى إذا جاء لفصل القضاء، ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- =
فأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الظلمات أشرقت لنور وجه الله، كما أخبر تعالى أن الأرض تشرق يوم القيامة بنوره.
وفي معجم الطبراني والسنَّة له، وكتاب عثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه.
وهذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أقرب إلى تفسير الآية من قول من فسرها بأنه هادي أهل السموات والأرض.
وأما من فسَّرها بأنه منور السموات والأرض فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود. والحق أنُّه نور السموات والأرض بهذه الاعتبارات كلها.
وفي "صحيح مسلم" وغيره من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخمس كلمات، فقال: "إنَّ الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النَّهار وعمل النَّهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
وفي "صحيح مسلم" عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل رأيت ربك؟ قال: "نور، أنَّى أراه".
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: معناه: كان ثمَّ نور، أو حال دون رؤيته نور، فأنَّى أراه؟. قال: ويدل عليه: أنَّ في بعض الألفاظ الصحيحة: هل رأيت ربك؟ قال: "رأيت نورًا"..
ويدل على صحة ما قال شيخنا في معنى حديث أبي ذر -رضي الله عنه-: قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر: "حجابه النور" فهذا النور -والله أعلم- النور المذكور في حديث أبى ذر -رضي الله عنه-: "رأيت نورًا"). انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
ويبيَّن ما قاله ابن القيم من أنَّه نور السموات والأرض بهذه الاعتبارات كلها ما قاله العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسيره" ٣/ ٤٠١: "الله نور السموات والأرض" الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه نور الذي لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، وبه استنار العرش =
والنور من صفات الله جل ثناؤه ورد ذلك في الأسماء التسعة والتسعين (٣)، ونطق به القرآن في هذه الآية نصًا.
وفسّره هؤلاء الذين ذكرناهم بالهادي، وحقيقته أن النَّور هو الذي يبيِّن الأشياء وُيري الأبصار حقيقتها (٤)، وعلى هذا المعنى ورد النّور في
(١) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٨ ب.
(٢) رواه الطبري ١٨/ ١٣٥ من طريق فرقد السجني، عنه قال: إن إلهي يقول: نوري هداي. وإسناد ضعيف لضعف فرقد. انظر: "المغني في الضعفاء" للذهبي ٢/ ٥٠٩ - ٥١٠، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر ٨/ ٢٦٢ - ٢٦٣.
(٣) روى الترمذي في "جامعه" كتاب: الدعوات ٩/ ٤٨٢ عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة، وهو الله الذي لا إله إلا هو، الرحمن.. النّور". الحديث.
وحديث أبي هريرة رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: الدعوات- باب: لله مائة اسم غير واحدة ١١/ ٢١٤ وغيره دون سرد الأسماء.
وقد اختلف العلماء في سرد الأسماء هل هو مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو مدرج في الخبر من بعض الرواة.
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" ٢/ ٢٦٩: والذي عوَّل عليه جماعة من الحفاظ أنَّ سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه. كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني، عن زهير بن محمد أنَّه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنَّهم قالوا ذلك، أي أنَّهم جمعوها من القرآن كما روي عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي، والله أعلم.
(٤) في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٢٣٥ (نار): والنور هو الذي.. حقيقتها.
وهذا معنى قول ابن قتيبة: أي: بنوره يهتدي من في السموات والأرض (٢).
[وذكر السموات والأرض] (٣) والمراد أهلها كما ذُكرت القُرى والقرية في مواضع من القرآن والمراد أهلها وسكانها. ويحمل هذا على حذف المضاف.
وقال مجاهد في هذه الآية: مدبّر الأمور في السموات والأرض (٤).
واختار أبو إسحاق هذا القول فقال: أي مدبر أمرهما (٥) بحكمة بالغة وحجّة نيّرة (٦). وهذا كما يقال: فلان نور هذا الأمر ونور البلد، أي هو الذي يجريه (٧) ويجري أمره على سنن السَّداد (٨).
وقال الضحاك والقرظي (٩): منوّر السموات والأرض.
(٢) "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٣٢٨.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) رواه الطبري ١٨/ ١٣٥، وذكره الثعلبي ٣/ ٨٢ ب، والبغوي ٦/ ٤٥ وابن الجوزي ٦/ ٤٠، وابن كثير ٣/ ٢٨٩.
(٥) في (ع): (أمرها).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٣.
(٧) في (ع): (أمرها).
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٣.
(٩) ذكره عنهما الثعلبي ٣/ ٨٢ ب، والقرطبي ١٢/ ٢٥٧. وذكره البغوي ٦/ ٤٥ عن الضحَّاك.
وعلى هذا الوجه يتوجّه أيضًا قول من قال: مُزيِّن السموات بالشمس والقمر والنجوم، ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء؛ لأنَّ معنى المزيّن هنا: المنوِّر.
وهذا القول يروى عن أبي بن كعب وأبي العالية (٤) والحسن (٥).
﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: مثل نوره الذي أعطاه المؤمن (٦). ونحو هذا قال الكلبي: مثل نور الله في قلب المؤمن.
وعلى هذا القول الكناية عائدة إلى الله تعالى. والمراد: مثل نوره الذي يقذفه في قلب المؤمن ويهديه به.
(٢) في (أ) زيادة: (كان) بعد قوله: (إذا).
(٣) منه: ساقطة من (ع).
(٤) في (أ): (وأبو العالية).
(٥) ذكره عنهم الثعلبي ٣/ ٨٢ ب، والبغوي ٦/ ٤٥، والرازي ٢٣/ ٢٢٤، والقرطبي ١٢/ ٢٥٧.
(٦) ذكره عنه البغوي ٦/ ٤٥ من رواية سعيد بن جبير.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٦ وعزاه للفريابي.
وروى الطبري ١٨/ ١٣٧، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٥ أمن رواية علي بن أبي طلحة، عنه، نحو هذا.
وهذا القول كما روى عطاء عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: مثل نور من آمن بالله (٢).
وهذا قول عامر الشعبي (٣) (٤). وقال السدي: مثل نوره في قلب المؤمن [قال (٥): وهو قراءة ابن مسعود: (مثل نوره في قلب المؤمن)] (٦).
وهذا كقول الكلبي في عود الكناية إلى اسم الله تعالى.
وعلى القول الثاني عادت الكناية إلى غير مذكور وهو المؤمن (٧).
(٢) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٤٥ أ، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٩٧ من رواية عطاء، عن سعيد، عن ابن عباس، به.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٦ عن ابن عباس، وعزاه لمن تقدمت ترجمته.
(٣) في (ظ)، (ع): (والشعبي)، وهو خطأ.
(٤) روى عبد بن حميد وابن الأنباري كما في "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ١٩٦ عن الشعبي قال: في قراءة أبي بن كعب: "مثل نور المؤمن كمشكاة".
(٥) ذكر البغوي ٦/ ٤٥ قراءة ابن مسعود دون قول السدي.
(٦) ساقط من (ظ)، (ع).
(٧) ذكر ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية" ص ٩ التقديرين في عود الكناية، وزاد ثالثًا -وهو ما سيذكره الواحدي فيما بعد- وهو أنَّ الضَّمير يعود لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ثم قال: والصحيح أنَّه يعود على الله -سبحانه وتعالى-، والمعنى: مثل نور الله -سبحانه وتعالى- في قلب عبده، وأعظم عباده نصيبًا من هذا النور رسوله -صلى الله عليه وسلم-. فهذا مع ما تضمنَّه عود الضمير المذكور -وهو وجه الكلام- يتضمَّن التقادير الثلاثة وهو أتم لفظًا ومعنى. =
قوله ﴿كَمِشْكَاةٍ﴾ قال أبو عبيدة (٢) والفراء (٣) والكسائي (٤): المشكاة: الكُوَّة ليست بنافذة.
وأنشد أبو عبيدة (٥) لأبي زُبيد (٦):
كأنَّ عينيه مشكاتان في حجر قيضا | اقتياضًا (٧) بأطراف المناقير (٨) |
(١) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٤١.
(٢) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٦٦.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٢.
(٤) لم أجد قول الكسائي، فلعله في الكتاب الذي ذكره الأزهري في مقدمة كتابه "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦، حيث قال: وللكسائي كتاب في "معاني القرآن" حسن وهو دون كتاب الفراء، وكان أبو الفضل المنذري ناولني هذا الكتاب.
(٥) ليس إنشاد أبي عبيدة في كتابه "المجاز" عند هذه الآية ولا في موضع آخر من كتابه.
(٦) هو: حرملة بن المنذر، وقيل: المنذر بن حرملة، بن معد يكرب، أبو زبيد. تقدم.
(٧) في (ع): اقتضاضًا.
(٨) البيت بهذه الرواية عند الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٨٣ ب، والقرطبي ١٢/ ٢٥٧ - ٢٥٨، ولم ينسباه لأحد.
وورد هذا البيت برواية أخرى لصدره منسوبًا لأبي زبيد في كتابي: "الشعر والشعراء" لابن قتيبة ص ٥٤٢، "الصناعتين" لأبي هلال العسكري ص ١١٨.
ورواية ابن قتيبة:
كأنَّما عينه وقبان من حجر... قيضا...
ورواية العسكري:
كأن عينيه في وقَبَين من حجرٍ... قيضا...
وهو من قصيدة له يصف فيها الأسد.
والوَقْب: نُقرة يجتمع فيها الماء، وقيضا: حفرا. والمناقير: جمع "منقار" وهو =
قال ابن عباس في رواية عطاء وسليمان [بن قتَّة (٥)] (٦): ﴿كَمِشْكَاةٍ﴾ يعني كُوَّة غير نافذة بلسان الحبش (٧).
انظر: "اللسان" ١/ ٨٠١ (وقب)، ٧/ ٢٢٥ (قيض)، و"تاج العروس" للزبيدي ١٤/ ٢٧٤ (نقر).
(١) في (ظ)، (ع): (أبو عمرو)، وهو خطأ.
وهو: أبو عمر الدُّوري -كما في "السَّبعة" لابن مجاهد، و"الحجة" للفارسي- واسمه حفص بن عمر بن عبد العزيز، الدُّوري، الأزدي، البغدادي، النحوي، صاحب الكسائي. كان شيخ المقرئين في عصره. وقد طال عمره وقصد من الآفاق؛ لعلو سنده وسعة علمه. وكان عالمًا بالقرآن وتفسيره، ذا دين وخير. ويقال إنه أول من جمع القراءات. توفي سنة ٢٤٦ هـ.
"تاريخ بغداد" ٨/ ٢٠٣، "معرفة القراء الكبار" ١/ ١٩١، "غاية النهاية" ١/ ٢٥٥، "تهذيب التهذيب" ٢/ ٤٠٨، "شذرات الذهب" ٢/ ١١١.
(٢) انظر: "السبعة" ص ٤٥٥، "المبسوط" لابن مهران ص ١٠٨، "إرشاد المبتدي وتذكرة المنتهي" للقلانسي ص ٤١٦.
(٣) في "الحجة": إذا ثَّنيت انقلبت ألفها ياءً.
(٤) من قوله: (وروى أبو عمر.. إلى هنا) هذا كلام أبي علي الفارسي و"الحجة" ٥/ ٣٢٢ مع اختلاف يسير.
(٥) (قتة) مهملة في (أ)، (ظ).
(٦) ساقط من (ع).
(٧) روى عبد بن حميد كما في "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ١٩٩ عن ابن عباس قال: المشكاة بلسان الحبشة. الكُوَّة.
قالوا: هي الكُوَّة غير النافذة كما قال أهل اللغة، غير أنَّ بعضهم ذكر أنها بلغة الحبشة. وهو السُّدي، وعكرمة، والكلبي (٣)، وسعد (٤) بن
(٢) نسبة المؤلف هذا القول إلى جميع المفسرين فيه تجوز. إلَّا أن يريد أن جميع المفسرين قد حكي عنهم هذا القول، أو أنَّ قولهم يرجع إلى هذا القول، فمجاهد مثلاً -الذي سيحكي الواحدي عنه قولًا آخر- روى عنه ابن أبي حاتم ٧/ ٤٥ ب أنَّه قال: المشكاة الكوة بلغة الحبشة. ومحمد بن كعب الذي سيذكره الواحدي بعد ذلك يرجع قوله إلى أنَّها كوة غير نافذة توضع فيها الفتيلة. وهكذا. فقد ذكر الطبري ١٨/ ١٣٧ - ١٣٨ فيها أقوالًا بعد قوله: اختلف أهل التأويل في معنى المشكاة. وذكر ابن أبي حاتم ٧/ ٤٥ ب فيها وجوها. وذكر فيها ابن الجوزي ٦/ ٤٠ ثلاثة أقوال، وحكى الماوردي في "النكت والعيون" ٤/ ١٠٢ فيها خمسة أقوال:
أحدها: ما ذكر المؤلف أن المشكاة كوَّة لا منفذ لها.
الثاني: المشكاة: القنديل.
الثالث: المشكاة: موضع الفتيلة من القنديل.
الرابع: المشكاة: الحديد الذي يعلّق به القنديل، وهي التي تُسمَّى السلسلة.
الخامس: المشكاة: صدر المؤمن.
وحكاية الماوردي للأخير محل نظر؛ لأن مراد قائل هذا القول بيان المثل وما يقابله لا بيان لفظة المشكاة.
وقد رجَّح ابن كثير ٣/ ٢٩٠ القول الثالث بعد أن حكاه عن ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب وغير واحد. وقال: هذا هو المشهور.
(٣) ذكر عنه الماوردي ٤/ ١٠٣ أنها لفظ حبشي معرب، ولم يذكر عنه معناها.
(٤) في (أ)، (ظ): (سعيد)، والمثبت من (ع)، و"صحيح البخاري"، وجميع كتب التراجم. ووقع في المطبوع من الطبري و"الدر المنثور" و"المهذّب فيما وقع في =
وذكر محمد بن كعب القرظي المراد بالمشكاة فقال: هي موضع الفتيلة من القنديل (١).
وذكره ابن أبي نجيح- عن مجاهد أيضًا فقال: هي القصبة التي في جوف القنديل (٢).
وهو: سعد بن عياض الثمالي - الأزدق - الكوفي - تابعي قليل الحديث. قال البخاري: خرج فمات بأرض الروم.
انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري" / ٦٢ - "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم / ٨٨ - ٨٩ "الطبقات" لابن سعد ٦/ ١٧٦ - " تهذيب التهذيب" لابن حجر ٣/ ٧٩".
وقوله رواه وكيع في "تفسيره" - كما في "المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب" ص"١" وقد وقع فيه: سعيد عن عياض. فتصحَّفت بن إلى: (عن -عن إسرائيل- عن أبي إسحاق- عن سعد بن عياض - به.
ورواه ابن أبي شيبة في "مصنَّفه" ١٠/ ٧٠، عن وكيع - به.
ورواه البخاري في "صحيحه" كتاب: التفسير - سورة النور ٦/ ٨، معلقًا.
ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق" ٤/ ٢٦٤ - و"الفتح" ٧/ ٨، من رواية ابن شاهين وأبي جعفر السراج في فوائده.
ورواه عن ابن عياض الطبري ١٨/ ١٣٩ دون قوله: بلسان الحبشة.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠٠ وعزاه لابن أبي شيبة.
(١) رواه ابن أبي حاتم في " تفسيره" ٧/ ب.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٩ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) رواه الطبري ١٨/ ١٠ - وابن أبي حاتم ٧/ ب من رواية ابن أبي نجيح- عنه. وعندهما: الصُّفر الذي في جوف القنديل. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠٠ بمثل رواية الطبري ونسبه أيضًا لعبد بن حميد.
قوله ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ المصباح (٣): السّراج، في قول أهل اللغة (٤) والتفسير (٥).
قال الليث: وهو قُرطه (٦) الذي تراه في القنديل وغيره يضيء (٧).
قال مقاتل: هو السراج التام الضوء (٨).
قال أبو علي: قوله ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ صفة للمشكاة لأنها جملة فيها ذكر يعود إلى الموصوف (٩).
وقوله ﴿الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ﴾ قال الفراء: اجتمع القراء على ضمّ
(٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٣٠١ (شكا) مع تقديم وتأخير.
(٣) في (أ): (الزجاجة)، وهو خطأ.
(٤) انظر: "صبح" في "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٢٦٦، "الصحاح" للجوهري ١/ ٣٨٠، "لسان العرب" ٢/ ٥٠٦.
(٥) لأهل التفسير أقوالٌ في المصباح:
أحدها: ما ذكره المؤلف. الثاني: أنَّ المصباح: الفتيلة. الثالث: أنَّ المصباح: الضَّوء.
انظر: "النكت والعيون" للماوردي ٤/ ١٠٢، "زاد المسير" لابن الجوزي ٦/ ٤٠.
(٦) قُرطه: أي شُعلة النار. "القاموس المحيط" ٢/ ٣٧٨ (القرط).
(٧) قول الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٢٦٦ (صبح) دون قوله: يضيء. وهو في "العين" ٣/ ١٢٦ (صبح) بمثل ما في "تهذيب اللغة".
(٨) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٨ ب.
(٩) "الحجَّة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٢٢. وانظر: "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٥٦، "الدر المصون" ٨/ ٤٠٥.
وروى أبو عبيد، عن الأموي (٣) قال: هو الزُّجاج والزَّجاج والزِّجاج للقوارير (٤). قال وأقلها الكسر (٥).
والمراد بالزجاجة هاهنا القنديل (٦).
قال أبو إسحاق: النور في الزّجاج. وضوء النار أبين منه في كل شيء، وضوؤه يزيد (٧) في الزجاج (٨).
ثم وصف الزجاجة فقال: ﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ ودُريّ (٩) منسوب إلى أنَّه كالدُّر في صفائه وحسنه (١٠).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٢.
(٣) هو: عبد الله بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص، أبو محمد الأموي. أحد اللغويين الكوفيين. روى عنه أبو عبيد وغيره. لقي العلماء، ودخل البادية، وأخذ عن فصحاء الأعراب. وأخذ عنه العلماء. وكان ثقة في نقله، حافظًا للأخبار والشعر وأيام العرب.
"تهذيب اللغة" ١/ ١١ - ١٢، "إنباه الرواة" للقفطي ٢/ ١٢٠، "بغية الوعاة" ٢/ ٤٣.
(٤) في (أ): (القوارير).
(٥) رواية أبي عبيد عن الأموي في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٤٥٤ (زجّ).
(٦) هذا قول الليث كما في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٤٥٤ فقد ذكره بعد رواية أبي عبيد.
(٧) في (أ): (يضيء).
(٨) "معاني القرآن" للزَّجَّاج ٤/ ٤٣ - ٤٤.
(٩) ودري: ساقطة من (أ).
و"درِّي" بضم الدال وتشديد الراء المكسورة وتشديد الياء من غير همز، وهي قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم.
"السبعة" ص ٤٥٥ - ٤٥٦، "التبصرة" ص ٢٧٣، "التيسير" ص ١٦٢.
(١٠) من قوله: ثم وصف.. إلى هنا. هذا كلام الزَّجَّاج في "معانيه" ٤/ ٤٤.
قال أبو إسحاق: يقال للكوكب: درأ يدرأ إذا تدافع منقضًا، فتضاعف ضوؤه، وهي النجوم الدَّراري التي تدرأ. أي: ينحطُّ ويسير متدافعًا (٤).
وقال الفراء: درأ الكوكب إذ انحطّ كأنه رُجم به الشيطان فيدفعه (٥)، والعرب تُسمّي الكواكب العظام التي لا تعرف أسماءها: الدَّراري بغير همز (٦).
وهذا أيضًا على تخفيف الهمز؛ لأن الأصل الهمز من الدَّرء وهو الدفع. وذكرنا للدَّفع وجهين، أحدهما ذكره أبو إسحاق، والثاني ذكره الفراء.
وذكر أبو علي وجهًا ثالثًا فقال: المعنى أنَّ (٧) الخفاء اندفع عنه لتلألئه في ظهوره فلم يخف كما خفي نحو السُّها (٨) وما لا يُحصى (٩) من الكواكب (١٠).
(٢) في (ع): (خفف).
(٣) "الحجَّة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٢٣.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٤ مع تقديم وتأخير.
(٥) عند الفراء: فيدمغه.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٢.
(٧) في (أ): (أنّ أنّ). مكررة.
(٨) السُّها: كوكب خفىّ في بنات نعش الكبرى، والناس يمتحنون به أبصارهم. "الصحاح" للجوهري ٦/ ٢٣٨٦.
(٩) هكذا في جميع النسخ. وفي "الحجة": وما لم يُضىء.
(١٠) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٢٣. =
قال سيبويه: (درّي) بكسر الدال إذا كان مضيئًا فهو مشتق من درأ يدرأ إذا (٥) كان ضوؤه يدفع بعضه بعضًا من لمعانه (٦).
وقال ابن الأعرابي: درأ علينا فلان، أي: هجم. قال: والدِّرِّئ: الكوكب المنقض يدرأ على الشيطان (٧).
وقال خالد بن يزيد: درأ علينا فلان وطرأ إذا طلع فجأةً، ودرأ الكوكب دروءًا من ذلك (٨).
(١) انظر: "السبعة" ص ٤٥٦، "التَّبصرة" ص ٢٧٣، "التيسير" ص ١٦٢.
(٢) هو: أبو عثمان المازني.
(٣) هو: أبو عمرو بن العلاء. وفي (أ): (أبي عمر)، وهو خطأ.
(٤) من قوله: (وقرأ أبو عمرو.. إلى هنا). هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٥/ ٣٢٣ مع اختلاف يسير.
(٥) (إذا): ساقطة من (أ).
(٦) لم أقف عليه.
(٧) قول ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ١٥٨ (دري).
(٨) قول ابن يزيد في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ١٥٨ - ١٥٩ (دري).
وهذا القول في الكوكب الدّرّي غير الأوّل.
وقال شمر: يقال: درأت النار إذا أضاءت (٢). وهذا قول ثالث.
وقرأ حمزة (دُرِّيء) بضم الدال مهموزًا (٣).
قال الفراء: ولا تُعرف [جهة] (٤) ضمّ أوله وهمزه؛ لأنَّه لا يكون في الكلام فعيل إلا عجميًا (٥).
وقال أبو إسحاق: لا يجوز أن يُضم الدال وُيهمز؛ لأنَّه ليس في الكلام فعيِّل، [والنحويون أجمعون لا يعرفون الوجه في هذا؛ لأنَّه ليس في كلام العرب شيء على فعيِّل] (٦) (٧).
وحكى أبو بكر، عن أبي العباس (٨) أنَّه قال: غلط من قرأ (دُرِّيء)؛ لأنَّه بناه على فعيِّل، وليس في كلام العرب فعيِّل، غير أن سيبويه (٩) قال عن أبي الخطاب: وكوب دُريء، وهذه أضعف اللغات، قال: وهو في معنى (دُرّي) مأخوذ من الضوء والتلألؤ وليس بمنسوب إلى الدر.
قال أبو علي: وجه هذه القراءة معروف، وهو أنَّه (فُعيِّل) من الدرء
(٢) قول شمر في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ١٥٨ (دري).
(٣) وهي أيضًا قراءة عاصم في رواية أبي بكر. "السبعة" ص ٤٥٦، "التَّبصرة" ص ٢٧٣، "التيسير" ص ١٦٢.
(٤) زيادة من "معاني الفراء" يستقيم بها المعنى.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٢.
(٦) ساقط من (ظ).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٤ مع تقديم وتأخير.
(٨) هو: المبرّد.
(٩) انظر: "الكتاب" ٤/ ٢٦٨.
[قال سيبويه] (٢): ويكون الكلام على (فُعيِّل) وهو قليل في الكلام [قالوا] (٣): المريِّق، حدثنا أبو الخطاب عن العرب قالوا: كوكب دري وهو صفة (٤). هكذا قرأته (٥) على أبي بكر (٦) بالهمز. وقد صرَّح سيبويه بأنه فعيِّل، وأنه في الصفة مثل المرِّيق في الاسم. ويدلك أيضًا على أن (دُرّي) عنده (فعِّيل) ما قبله وما بعده في الكتاب من الفصول، فالذي قبله (فعَّيل) وهو (٧) [في] (٨) الاسم: السكين والبطِّيخ، والصفة: الفسِّيق (٩)، وبعده (فُعَّيْل) في الاسم: العليق والقبيط (١٠)، والصفة: الزُّميل والسكيَّت (١١) (١٢).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٣) زيادة من الإغفال والكتاب يستقيم المعنى بها.
(٤) "الكتاب" ٤/ ٢٦٨.
(٥) القارئ هو: أبو علي الفارسي.
(٦) هو: أبو بكر السراج.
(٧) في (أ): (فهو).
(٨) زيادة يستقيم بها المعنى.
(٩) انظر: الكتاب ٤/ ٢٦٨.
(١٠) العليق: نبات يتعلق بالشجر، ويلتوي عليه. "لسان العرب" ١٠/ ٢٦٥ (علق).
والقبيط: النَّاطف، وهو نوع من الحلوى يصنع من اللوز والجوز والفُستق.
انظر: "لسان العرب" ٧/ ٣٧٣ "قبط"، "المعجم الوسيط" ٢/ ٩٣٠ - ٩٣١.
(١١) في (ظ)، (ع): (السكيت) بدون واو.
والسكيت: هو الذي يجيء في آخر الحلبة آخر الخيل. "لسان العرب" ٢/ ٤٤ (سكت).
والزُّميل: الضعيف الجبان. "القاموس المحيط" ٣/ ٣٩٠.
(١٢) انظر: "الكتاب" ٤/ ٢٦٨.
(٢) ما: ساقطة من (أ).
(٣) في (ع): (بعده).
(٤) هو الأخفش. انظر: "الإغفال" ل ١١٧ ب.
(٥) العُلية: الغرفة. "لسان العرب" ١٥/ ٨٦ (علا).
(٦) قال الجوهري في "الصحاح" ٦/ ٢٤٣٧: وأصله علِّيوة، فأبدلت الواو ياءً وأدغمت، لأن هذه الواو إذا سكِّن ما قبلها صحَّت،... ، وهو من علوت.
(٧) ساقط من (ظ).
(٨) في (ظ)، (ع): (تضاعف)، والمثبت من (أ) هو الموافق لما في "الإغفال".
(٩) في (ع): (على).
(١٠) السرِّية: هي الجارية المتَّخذة للملك والجماع. "لسان العرب" ٤/ ٣٥٨ (سرر).
(١١) السَّرو: الشرف والمروءة. "لسان العرب" ٤/ ٣٧٧ (سرا).
(١٢) ساقط من (ظ)، (ع).
(١٣) زيادة من الحجة يستقيم بها المعنى.
أحدهما: أن يكون فعلية (٣) من السرور. والآخر: أن تكون فعيلة (٤) فأبدل من لام فعيلة للتضعيف حرف الليل وأدغم (٥) ياء فعيلة فيها فصارت سرِّية (٦).
قال: ولا يكون فعيِّلة (٧) من السراة لأن السراة: الظهر، وهي لا تؤتى من ذلك المأتى، ومن رأى ذلك جاز عنده أن يكون فعيِّلة من السراة.
هذا الذي حكينا كلامه ذكر بعضه في كتاب "إصلاح الإغفال" (٨) وبعضه في "الحجة" (٩) في وجه تصحيح قراءة حمزة. والقدماء من النحويين
قال ابن منظور في "لسان العرب" ٤/ ١٨٢ (حرر): وحرية العرب: أشرافهم..
ويقال: هو من حرية قومه، أي: من خالصهم. اهـ.
ووقع من المطبوع من "الحجة": عمَّن حدَّثه. وهو تصحيف.
وقد تكون الكلمة: حرته. فتصحفت في النسختين، ففي "لسان العرب" ٤/ ٣٥٨ (سرر)، و"تاج العروس" للزبيدي ١٢/ ١٣ (سرر): والسرِّية: الأمة التي بوأتها بيتًا، وهي فعلية منسوبة إلى السِّر، وهو الجماع والإخفاء، لأن الإنسان كثيرًا ما يسرها ويسترها عن حرّته.
(٢) في "الحجة": لأنَّ صاحبها يسر بها من حيث كانت نفسًا عن الحرة.
(٣) في (ظ): (فعيلة)، وهو خطأ.
(٤) في (أ): (فعلية)، وهو خطأ. وهكذا وقع أيضًا في المطبوع من الحجة.
(٥) في (أ): (وأدغمها).
(٦) يعني أنَّها فعيلة -أي: سريرة- من السرور، فأبدل لام فعيلة -وهو الراء- للتضعيف حرف الياء فأبحت: سربية. وأدغم هذه الياء في ياء فعيلة، فأبحت: سرِّية.
(٧) في (أ): (فعيلة).
(٨) "الإغفال" ٢/ ١١٤٢ - ١١٤٩.
(٩) انظر: "الحجة" ٥/ ٣٢٣ - ٣٢٤.
وذكر أبو عبيد لهذه القراءة وجهاً آخر فقال: كان في الأصل دروء على فعول ثم استثقلت الضمات المجتمعة فرد بعضها إلى الكسر فقيل: درِّئ، وقد وجدنا العرب تفعل هذا في فعول وهو أخف من الأول، كقراءة من قرأ: (عِتيا) [مريم: ٨] بالكسر، فإذا كان التحريك ممكنًا في المثال الأخف فهو في الثقيل أحرى وأمكن (١).
وحكى أبو إسحاق في هذا الحرف قراءة شاذة وهي (درّي) بالفتح من غير همز (٢).
قال أبو علي: ولا يكون ذلك إلا على تغيير النسب، ألا ترى أنه ليس في الكلام شيء على فعيل إلا ما حكاه أبو زيد أن بعضهم قال: عليكم بالسَّكِّينة في السَّكِينة، وذلك نادر فإذا كان كذلك علمت أنه مثل قولهم في الإضافة إلى أمية: أموي (٣).
قوله (يُوقَدُ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (٤) بالتاء مفتوحة ونصب
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٤.
وقد نسبت هذه القراءة إلى: سعيد بن المسيب، ونصر بن عاصم، وأبي رجاء العطاردي، وقتادة، وزيد بن علي، والضحاك.
انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٣٦، "المحتسب" لابن جني ٢/ ١١٠، "البحر المحيط" ٦/ ٤٥٦.
(٣) "الإغفال" ٢/ ١١٤٧.
(٤) في (أ): (وابن عمرو)، وهو خطأ.
سَمَوت إليها والنُّجوم كأنَّها | مصابيح رهبان تُشبُّ لقفَّال (٢) |
(٢) البيت في "ديوانه" ص ٣١ وروايته فيه:
نظرت إليها والنجوم كأنها.
وفي "الحجة" ٥/ ٣٢٤ بمثل رواية الواحدي.
وفي "العمدة" لابن رشيق ٢/ ٤٥، و"خزانة الأدب" ١/ ٦٨ بمثل رواية الديوان. وقبل هذا البيت:
تنوَّرتُها من أذرعات وأهلها | بيثرب أدنى دارها نظرٌ عالِ |
ونقل البغدادي في "خزانة الأدب" ١/ ٦٩ عن بعضهم قوله: ومن التشبيه الصادق هذا البيت، فإنَّه شبَّه النجوم بمصابيح رهبان لفرط ضيائها، وتعهد الرهبان لمصابيحهم وقيامهم عليها لتزهر إلى الصبح، فكذلك النجوم زاهرة طول الليل وتتضاءل إلى الصبح كتضاؤل المصابيح له.
وقال: "تشب لقفال" لأن أحياء العرب بالبادية إذا قفلت إلى مواضعها التي تأوي إليه من مصيف إلى مشتى إلى مربع، أوقدت لها نيران على قدر كثرة منازلها وقلتها؛ ليهتدوا بها، فشبَّه النجوم ومواقعها في السماء بتفرق تلك النيران واجتماعها من مكان بعد مكان، على حسب منازل القفال بالنيران الموقدة لهم. اهـ.
وقرئ (تُوقدُ) (٢) أي الزجاجة. والمعنى على مصباح الزجاجة، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه (٣).
وقرئ (توقَّدُ) بفتح التاء (٤) وتشديد القاف وضم الدال (٥).
وهذا أيضًا على حمل الكلام على الزجاجة والمعنى (تتوقَّد) فحذف التَّاء الثانية (٦).
وقوله تعالى ﴿مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ قال أبو علي: أي من زيت شجرة، فحذف المضاف، يدلّك (٧) على ذلك قوله ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ﴾ (٨).
روى أبو أسيد (٩)، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كلوا الزَّيت (١٠)
"السبعة" ص ٤٥٦، "التبصرة" ص ٢٧٣، "التيسير" ص ١٦٢.
(٢) بضم التاء والدال والتخفيف. وهي قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر عن عاصم. "السبعة" ص ٤٥٦، "التبصرة" ص ٢٧٣، "التيسير" ص ١٦٢.
(٣) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٢٥.
(٤) في (أ): (الياء)، وهو خطأ. ومهملة في (ظ).
(٥) وهي قراءة مجاهد، والحسن، والسُّلمي، وابن محيصن، وجماعة، ورواية المفضل عن عاصم. "الشواذ" لابن خالويه ص ١٠٢، "البحر المحيط" ٦/ ٤٥٦، "الدر المصون" ٨/ ٤٠٧، "إتحاف فضلاء البشر" ٢/ ٢٩٨.
(٦) "الحجة" الفارسي ٥/ ٣٢٥.
(٧) في (ظ): (ويدلك).
(٨) "الحجة" للفارسي ٥/ ٣٢٤.
(٩) هو: أبو أسيد -بفتح الهمزة- بن ثابت، الأنصاري، الزُّرقي، المدني. قيل: اسمه عبد الله، وكان يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-.
"الكنى" لدولابي ١/ ١٥، "الاستغناء" لابن عبد البر ١/ ٩٢، "الاستيعاب" ٣/ ٨٧٥، "أسد الغابة" ٣/ ١٨٩، "الإصابة" ٤/ ٨.
(١٠) في (ظ)، (ع): (بالزيت).
وروى عبد الله بن جراد (٣) أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم بارك في الزيت والزيتون، اللهم بارك في الزيت والزيتون" (٤).
(٢) رواه الإمام أحمد ٣/ ٤٩٧، والدارمي ٢/ ١٠٢، والترمذي في الأطعمة- باب: ما جاء في أكل الزيت ٥/ ٥٨٥ والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٩٧ - ٣٩٨ والبغوي في "شرح السنة" ١١/ ٣١١ - ٣١٢ وفي "تفسيره" ٦/ ٤٧.
وتصحَّف في المطبوع من "التفسير" إلى: أسد بن ثابت وأبي أسلم الأنصاري. وصوابه: أسيد بن ثابت أو أبي أسيد الأنصاري كلهم من طريق سفيان، عن عبد الله بن عيسى، عن عطاء رجل كان بالشام وليس بابن أبي رباح، عن أبي أسيد، به.
وعطاء هذا قال عنه الذهبي في "الميزان" ٣/ ٧٧: ليَّن البخاري حديثه، لا يدري من هو.
لكن ذكر الألباني في "الصحيحة" (١/ ح ٣٧٩) لهذا الحديث شواهد من حديث عمر وأبي هريرة وابن عباس -رضي الله عنه-، ثم قال (١/ ق ٤ ص ١١٢): وجملة القول أنَّ الحديث بمجموع طريقي عمر وطريق أبي أسيد -وتصحف في المطبوع إلى:- سعيد- يرتقي إلى درجة الحسن لغيره على أقل الأحوال. والله أعلم.
(٣) في (أ): (جواد)، وهو خطأ.
وهو: عبد الله بن جراد بن المنتفق بن عامر بن عقل العامري، العقيلي. له صحبة، من أهل الطائف. روى عنه يعلى الأشدق وغيره.
"التاريخ الكبير" للبخاري ٥/ ٣٥، "الاستيعاب" ٣/ ٨٨٠، "أسد الغابة" ٣/ ١٣٢، "الإصابة" ٢/ ٢٧٩.
(٤) رواه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٨٤ أمن طريق يعلى الأشدق، عن عمه عبد الله بن جراد به.
وفي سنده يعلى الأشدق قال عنه البخاري: لا يكتب حديثه. وقال أبو حاتم. =
ومن بركتها أنها أول شجرة نبتت بعد الطوفان، وهي تنبت في منازل الأنبياء والمرسلين والأرض المقدسة، ودعا لها سبعون نبيًا بالبركة منهم إبراهيم الخليل (٦) - عليه السلام - (٧) ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كما ذكرنا.
وذكر الزجاج من بركتها أنَّ أغصانها تكون مورقة من أسفلها إلى أعلاها، وليس في الشجر شيء يورق غصنه من أوله إلى آخره مثل الزيتون والرمّان (٨).
(١) في (ع): (الزيتونة).
(٢) في (ع): (وقود)، وهما لغتان. انظر: "القاموس المحيط" ١/ ٣٤٦ (الوّقد).
(٣) في (أ): وتفله. ومهملة في (ظ).
والثُّفل: ما سفل من كل شيء. "لسان العرب" ١١/ ٨٤ (ثفل).
(٤) في (ظ)، (ع): (وفيها).
(٥) ذكره عن ابن عباس: القُرطبيُّ ١٢/ ٢٥٨، وذكره ابن الجوزي ٦/ ٤٣ من غير نسبة.
(٦) (الخليل): زيادة من (ع).
(٧) من قوله: ومن بركتها. إلى هنا، ذكره الثعلبي ٣/ ٨٤ أوصدَّره بقوله: قيل. وما ذُكر يحتاج إلى دليل. والله أعلم.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٥.
بُورك الميت الغريب كما بورك | نضر (٣) الرمان والزيتون (٤) |
ليت شعري مسافر بن أبي | عمرو وليت يقولها المحزون |
(٢) في (أ)، (ظ): (لعده) مهملة.
وغزَّة: موضع معروف من مشارف الشام، انظر: "معجم البلدان" لياقوت ٦/ ٢٨٩ - ٢٩٠ و"معجم ما استعجم" للبكري ٢/ ٩٩٧.
ومسافر بن عمرو لم يمت بغزَّة، وإنَّما مات بهبالة أو تباله، قال أبو طاب في تلك القصيدة:
ميت صدق على هبالة أمسيت | ومن دون ملتقاك الحجون |
ميت صدق على تبالة
وهبالة: ماء لبني عقيل- وقيل لبني نمير.. وقد ذكره ياقوت في "معجم البلدان" ٨/ ٤٤٢ وذكر فيه شعر أبي طالب. وانظر: "معجم ما استعجم" ٢/ ١٣٤٤.
وتبالة: موضع بقرب الطائف. "معجم ما استعجم" للبكري ١/ ٣٠١.
أما الذي مات بغزَّة من القرشيين فهو هاشم بن عبد مناف كما ذكر ذلك ياقوت ٦/ ٢٩٠، والبكري في "معجم ما استعجم" ٢/ ٩٩٧.
(٣) في (أ): (نضر)، أهمل أوله وفي (ع): (نضو)، وفي (ظ): (نصو) مهملة.
(٤) البيت لأبي طالب وهو منسوب له في: كتاب "النَّبات" للأصمعي ص ٢٦ حيث قال: ويقال: نَضَح الشَّجر ينضح نضحًا، إذا تفطَّر للتوريق، قال أبو طالب بن عبد المطلب:
بورك الميت الغريب كما بورك | نضحُ الرمان والزيتون. |
وقوله ﴿زَيْتُونَةٍ﴾ بدل من قوله ﴿شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ (٣).
وخص الزيتونة من بين سائر الأشجار؛ لأن دهنها أضوى وأصفي (٤).
و"الأغاني" للأصفهاني ٦/ ٥١ وعنده:
بورك.... نضر الريحان والزيتون
و"المحرر الوجيز" لابن عطية ١٠/ ٥١١، والقرطبي ١٢/ ٢٥٨ وعندهما (نبع) في موضع (نضح).
و"البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٤٥٧ وعنده: "نَضْر" بمثل رواية الواحدي.
و"خزانة الأدب" للبغدادي ١٠/ ٤٦٣، ٤٦٧ وذكر رواية الديوان ورواية صاحب الأغاني، لكن رواية صاحب الأغاني عنده:.. كما بورك غُصنُ الريحان والزيتون. والبيت غير منسوب في "معاني القرآن" للزَّجَّاج ٤/ ٤٥ وفي المطبوع:.. كما بورك نظم.. ، و"أحكام القرآن" لابن العربي ٣/ ١٣٨٨ وعنده: (نضر).
أما معنى البيت فقد قال البغدادي في "الخزانة" ١٠/ ٤٧٠: "بورك الميت" إلخ جملة دعائية، والبركة: الزيادة، والنضح -بفتح النون وسكون الضّاد المعجمة بعدها حاء مهملة-: القليل.. نضح الشجر إذا تفطَّر، وأراد به اسم المفعول أي الفروع المنشقة عند ما يخرج. والزيتون معطوف على نضح.
(١) في (ع): (يخرجه أو يستخرجه).
(٢) هذا قول الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٨٤ أ.
(٣) ذكرأبو حيّان ٦/ ٤٥٨ هذا القول، ثم قال. وجوَّز بعضهم أن يكون عطف بيان، ولا يجوز على مذهب البصريين، لأن عطف البيان عندهم لا يكون إلا في المعارف، وأجاز الكوفيون وتبعهم الفارسي أنه يكون في النكرات.
وذكر السمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ٤٠٨ القولين، وذكر أن القول بالبدلية هو أشهرهما.
(٤) هذا قول الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٨٤ أ.
وقال السدي: يقول: ليست بشرقيّة يحوزها المشرق دون المغرب، وليست (٣) بغربيّة يحوزها المغرب دون المشرق، ولكنّها على رأس جبل في صحراء تصيبها الشمس النهار كله (٤).
وقال الكلبي: هي بفلاة (٥) على تلعة (٦) من الأرض لا يصيبها ظل غرب ولا شرق، ولا يسترها من المشرق ولا من المغرب شيء، وهو أصفى الزيت (٧).
وقال قتادة: هي شجرة لا يفي عليها ظل شرق ولا غرب (٨)، ضاحية
(٢) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٣/ ٧٤٧ ب، ٤٨ أمن رواية عكرمة عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠١ وزاد نسبته للفريابي وذكره البغوي ٦/ ٤٧، وابن الجوزي ٦/ ٤٣ من رواية عكرمة، عنه.
(٣) في (ع): (ولا).
(٤) رواه عنه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٨ أ. وذكره عنه ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٢٩١.
(٥) فلاة: الصحراء الواسعة أو المستوية التي ليس فيها شيء. "لسان العرب" ١٥/ ١٦٤ (فلا).
(٦) التَّلعة: ما ارتفع من الأرض. "القاموس المحيط" ٣/ ١٠.
(٧) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٠ عن الكلبي من قوله: ولا يسترها.
(٨) في (أ) زيادة: (ويسترها من المشارق) بعد قوله: (ولا غرب)، وهو انتقال نظر من الناسخ إلى السطر الذي قبله.
ونحو هذا قال عكرمة (٣)، ومجاهد (٤)، وجويبر عن الضحاك (٥)، وأكثر المفسرين (٦). واختاره الفراء، والزجاج (٧).
قال الفراء: الشَّرقية التي تأخذها الشمس إذا شرقت ولا تصبها [إذا غربت؛ لأن لها سترًا (٨). والغربية التي تصيبها الشمس بالعشي (٩) ولا تصيبها] (١٠) بالغداة، فلذلك قال ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ﴾ وحدها ﴿وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ وحدها ولكنها شرقية غربية، وهو (١١) كما تقول في الكلام: فلان لا مُسافر ولا مُقيم، إذا كان يسافر ويقيم، والمعنى أنه ليس بمنفرد بإقامة ولا سفر (١٢).
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٠. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠٠ وعزاه أيضًا لعبد بن حميد والطبري. ولم أره في الطبري.
(٣) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨٤ أ، ورواه عنه سعيد بن منصور في "سننه" ١٦٠ أ، والطبري ١٨/ ١٤٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٨ أ.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠١ من رواية عبد بن حميد عنه.
(٤) رواه الطبري ١٨/ ١٤٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٨.
(٥) قال السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠١ - بعد أن ذكر هذا القول عن ابن عباس-: (وروى عبد بن حميد عن عكرمة، والضحَّاك مثله).
(٦) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٤٢، ابن أبي حاتم ٧/ ٤٧ ب، ٤٨ أ، ب، ابن كثير ٣/ ٢٩٠ - ٢٩١، "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ٢٠٠ - ٢٠١.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزَّجَّاج ٤/ ٤٥.
(٨) في (أ): (يسترا).
(٩) (بالعشي): ساقطة من (ع).
(١٠) ساقط من (ظ).
(١١) في (أ): (وهذا).
(١٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٣.
قال الفرزدق:
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم | ولم يكثر (٢) القتلى (٣) بها حين سلَّت (٤) |
وقال الزجاج: أي تصيبها الشمس بالغداة والعشي فهو أنضر لها وأجود لزيتها وزيتونها (٥).
وفسر قوله ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ بضد التفسير الذي ذكرنا:
(٢) في (ظ)، (ع): (يكثروا).
(٣) في (ظ)، (ع). (القتل).
(٤) البيت في "المعاني الكبير" لابن قتيبة ٢/ ٨٩٩ - ٩٠٠، ١٠٨١، و"الكامل" للمبرد ١/ ٣٠٨، و"الأضداد" لابن الأنباري ص ٢٥٩ و"لسان العرب" ١٢/ ٣٣٠ (شيم).
قال ابن قتيبة ٢/ ٩٠٠: أراد لا يشيمون سيوفهم ولم يكثر القتلى بها، ولكنهم يشيمونها إذا أكثروا بها القتلى.
وقال ٢/ ١٠٨١: يقول: لم يغمدوا سيوفهم والقتلى لم تكثر حين سلت، ولكن أغمدوها حين كثرت القتلى.
وقال المبرّد في "الكامل" ١/ ٣٠٨: وهذا البيت طريف عند أصحاب المعاني، وتأويله: (لم يشيموا): لم يغمدوا، (ولم تكثر القتلى) أي لم يغمدوا سيوفهم إلاَّ وقد كثرت القتلى بها حين سلت.
وقال ابن الأنباري ص ٢٩٥: أراد: لم يغمدوا سيوفهم حتى كثرت القتلى.
(٥) "معاني القرآن" للزجاح ٤/ ٤٥.
وهذا قول أبي روق، والضحاك (٣)، وسعيد بن جبير (٤)، قالوا: لا تصيبها الشمس لا شرقًا ولا غربًا.
قال سعيد: وذاك أجود ما يكون من الزيت (٥).
وهذا القول يروى عن أبيّ بن كعب رحمه الله قال: هي شجرة التفَّ بها الشجر (٦) فهي خضراء ناعمة، لا تصيبها الشمس على أي حال كانت لا إذا طلعت ولا إذا غربت (٧).
وروى الربيع بن أنس (٨)، عن أبي العالية قال: ليس هذا في الدنيا
(٢) قال السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠١ - بعد أن ذكر عن ابن جبير نحو هذا القول: وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك وكعب نحوه.
(٣) جاء عن الضحاك خلاف هذا القول، فقد ذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠١. بعد ذكره لقول ابن عباس: شجرة لا يظلها كهفٌ ولا جبل ولا يواريها شيء، وهو أجود لزيتها، قال: وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة والضحاك.. مثله.
(٤) رواه سعيد بن منصور في "سننه" (ل ١٦٠ أ)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٧ ب. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠١ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٥) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٤٨ بمثله. ورواه سعيد بن منصور في "سننه" (ل ١٦٠ أ) بلفظ: وهي من أجود الشَّجر.
(٦) في (ظ)، (ع): (الشجرة).
(٧) رواه الطبري ١٨/ ١٣٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٧ ب، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٧ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٨) في (ظ): (عن أنس)، وهو خطأ.
ونحو هذا قال الحسن: ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا، ولو كانت في الأرض لكانت شرقية أو غربية، وإنَّما هو مثل ضربه الله -عز وجل- (٢).
وقال ابن زيد: يعني أنها شامية؛ لأنَّ الشَّام لا شرقي ولا غربي (٣).
والقول هو الأول.
قوله: ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا﴾ زيت الزيتونة يعني: الدهن ﴿يُضِيءُ﴾ المكان من ضيائه وصفائه (٤).
﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ ولو لم تصبه النار.
واختلفوا في المراد بهذا المثل.
فروي عن أبي بن كعب أنه قال: هذا مثل لعبد قد جُعل الإيمان والقرآن في صدره، فالمشكاة: قلبه، والمصباح: هو الإيمان والقرآن، والزجاجة: صدره (٥).
(٢) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨٤ أبهذا اللفظ. ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٠، والطبري ١٨/ ١٤٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٨ ب بنحوه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠١ ونسبه أيضًا لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.
قال الثعلبي ٣/ ٤٨ أ: وقد أفصح القرآن بأنَّها من شجر الدنيا، لأنَّه أبدل من الشجرة فقال: "زيتونة".
وضعَّف هذا القول الرازي في "تفسيره" ٢٣/ ٢٣٦، وردَّه الشنقيطي كما في "تفسير سورة النور" ص ١٣٨.
(٣) رواه الطبري ١٨/ ١٤٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٨ ب بنحوه مختصرًا.
(٤) الثعلبي ٣/ ٨٤ ب.
(٥) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨٥ أوعنده: المشكاة: نفسه. =
قال ابن عباس في قوله ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾: يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ونورًا على نور، كقول إبراهيم -عليه السلام- قبل أن تجيئه المعرفة ﴿هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٦] من غير أن أخبره (٤) أحدٌ أن له ربًّا (٥)، فلما أخبره الله أنَّه ربه ازداد هدى على هدى (٦).
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٧ بمثل رواية الطبري وابن أبي حاتم، وعزاه لهما وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه وغيرهم.
(١) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٩ ب عن السدي وقتادة بمعناه مختصرًا.
(٢) ذكره الثعلبي ٣/ ٨٥ أعن الحسن وابن زيد: بنحوه.
ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٥ أعن الحسن بنحوه.
ورواه الطبري في "تفسيره" ١٨/ ١٣٩، عن ابن زيد، بنحوه.
(٣) روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٥ أمن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (مثل نوره): مثل نور من آمن بالله.
(٤) عند الطبري: يخبره.
(٥) ذكر ابن كثير ٢/ ١٥١ اختلاف المفسرين في قوله إبراهيم ﴿هَذَا رَبِّي﴾ هل هو مقام نظر أو مناظرة، ثم قال: والحق أنَّ إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- كان في المقام مناظرًا لقومه، مبينًا لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الهياكل والأصنام.
ثم بيَّن ذلك وساق الأدلة على هذا الأمر.
(٦) رواه الطبري ١٨/ ١٣٨.
وذكره مختصرًا السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٧، ونسبه للطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر والبيهقي في "الأسماء والصفات".
وقال الكلبي: المصباح نور، والقنديل نور (٢).
قال ابن عباس: وهو مثل لإيمان المؤمن وعمله (٣).
وقال الحسن: يعني أن القرآن نور من الله لخلقه مع ما قد (٤) قام لهم الدلائل والأعلام قبل نزول القرآن (٥).
وقال أُبي بن كعب: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ يعني أن المؤمن يتقلَّب في خمسة من النور: فكلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة (٦).
وقال السدي: نور الإيمان ونور القرآن (٧).
وقال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ يعني محمدًا -صلى الله عليه وسلم- (٨).
قال أبو إسحاق: وذلك جائز أن يراد بالنور في قوله ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ محمد
(٢) ذكره عن ابن الجوزي ٦/ ٤٣ لكن فيه الزجاجة بدلاً من القنديل.
(٣) رواه الطبري ١٨/ ١٣٩، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٩ أ، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٨ ونسبه أيضًا لابن مردويه.
(٤) (قد): ساقطة من (أ).
(٥) ذكره عنه البغوي ٦/ ٤٩، وذكر الثعلبي ٣/ ٨٥ أهذا القول بنصِّه ولم ينسبه لأحد.
(٦) رواه الطبري ١٨/ ١٣٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٩، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٧ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه وغيرهم.
(٧) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٤٩ ب، وذكره عنه البغوي ٦/ ٤٩، وابن كثير ٣/ ٢٩١.
(٨) هذا مروي عن سعيد بن جبير والضحاك وكعب. انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" ٧/ ٤٥ أ، البغوي ٦/ ٤٥.
والمشكاة: قلبه، والمصباح: مثل لما في قلبه من الإيمان والنّور (٢) والنبوة والحكمة، والزجاج: مثل لصدره في الصفاء والحسن والنقاء، ثم قال: ﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ يقول: استنار نور محمد -صلى الله عليه وسلم- من نور إبراهيم - عليه السلام -؛ لأنَّه من ولده وعلى دينه ومنهاجه وسنّته، ويعني بالزيتونة حسن طاعة إبراهيم لله تعالى في دار الدنيا، ثم قال في صفة الزيتونة ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ يقول: إن إبراهيم -عليه السلام- لم يكن يصلي (٣) قبل المشرق ولا قبل المغرب أي: لم يكن يصلي قبلة اليهود ولا قبلة النصارى (٤) وقوله ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ﴾ يقول: لو أنَّ إبراهيم لم يكن نبيًا لأعطاه الله بحسن (٥) طاعته لله في الدنيا الثواب مع الأنبياء، ثم قال: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ يقول: استنار نور محمد -صلى الله عليه وسلم- من نور إبراهيم. وهذا كلام ابن عباس في رواية عطاء (٦).
ونحو هذا روي عن ابن عمر (٧) وكعب الأحبار (٨) في هذه الآية.
(٢) (والنّور): ساقطة من (ع).
(٣) في (أ): (يصل).
(٤) في (ظ): (لليهود، للنّصارى).
(٥) في (ظ): (لحسن).
(٦) لم أجده.
(٧) رواه الطبراني في "الكبير" ١٢/ ٣١٧، وفي، "الأوسط" ٢/ ٥٠١ - ٥٠٢، وابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" ٧/ ٢٥٥٦، والثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٨٤ ب كلهم من طريق الوازع بن نافع، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر، فذكر نحوه.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٨٣: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" وفيه الوازع بن نافع وهو متروك.
(٨) رواه الطبري في "تفسيره" ١٨/ ١٣٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" مفرقًا ٧/ ٤٦ أ =
وقال مقاتل: شبه عبد المطلب بالمشكاة، وعبد الله بالزجاجة، والنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بالمصباح، فورث النبوة من أبيه إبراهيم -عليه السلام-، وهو قوله ﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ (٣).
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٨ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردوية.
وهذا الأثر منقطع؛ فإنَّ شمَّر بن عطية. لم يلق ابن عباس.
قال أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن" ٣/ ١٣٨٩ - بعد ذكره هذا القول-: وهذا كلّه عدول عن الظاهر، وليس يمتنع في التمثيل أن يتوسع المرء فيه، ولكن على الطريقة التي شرعناها في قانون التأويل لا على الاسترسال المطلق الذي يخرج الأمر عن بابه، ويُحمِّل على اللفظ ما لا يطيقه.
(١) في (ظ)، (ع): (أوحى).
(٢) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨٤ ب، ٨٥ أ، والبغوي ٦/ ٤٨، والقرطبي ١٢/ ٢٦٣.
(٣) عند الثعلبي ٣/ ٨٥ أ: روى مقاتل، عن الضحاك: شبَّه عبد المطلب بالمشكاة.. بمثل ما ذكره الواحدي هنا. فالذي يظهر أن الواحدي نقله عن الثعلبي وأسقط الضحاك؛ لأن قول مقاتل في "تفسيره" والذي ينقل منه الواحدي عادة - يختلف عما هنا، فإن فيه ٢/ ٣٨ ب: يعني بالمشكاة صُلب عبد الله أبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويعني بالزجاجة جسد محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويعنى بالسِّراج الإيمان في جسد محمد -صلى الله عليه وسلم-، فلما =
وإن شئت قلت للقرآن، وإن شئت لمحمد -صلى الله عليه وسلم- على اختلاف التفسير في قوله: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾.
﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ﴾ ويبيّن الله الأشباه للناس تقريبًا إلى الأفهام وتسهيلًا لسبل الإدراك (٢) ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
٣٦ - ﴿فِي بُيُوتٍ﴾ اختلفوا في المتصل به من قوله ﴿فِي بُيُوتٍ﴾ فذكر الزجاج (٣) والفراء (٤) قولين:
أحدهما: أنَّه من صلة المشكاة على تقدير: كمشكاة فيها مصباح في بيوت [فيكون قوله ﴿فِي بُيُوتٍ﴾] (٥) وصفًا للنكرة كما كان قوله ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ وصفًا لها.
وهذا القول اختيار أبي علي، قال: وفي قوله ﴿فِي بُيُوتٍ﴾ ضمير مرفوع يعود إلى الموصوف، لأن الظرف في الصفة مثله في الصلة (٦).
(١) ذكره عنه البغوي ٦/ ٤٩. وذكره ابن الجوزي ٦/ ٤٤ من غير نسبة.
(٢) الثعلبي ٣/ ٨٥ ب.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٥.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٣ - ٢٥٤.
(٥) ساقط من (ع).
(٦) "الحجة" لأبي علي ٥/ ٣٢٢.
وهذا القول إنّما هو على قراءة العامة (٢). [وعلى قراءة] (٣) من قرأ (يسبَّح) بفتح الباء لا تكون (في) من صلة التسبيح. وذكر غيرهما (٤) أن (٥) (في) من صلة (توقد). هذا الذي ذكرنا معنى قول أهل المعاني.
والاختيار أن لا تجعل هذه الآية متصلة بما قبلها؛ لأنَّ الآية الأولى في (٦) ضرب المثل لنور المؤمن بالمشكاة التي فيها مصباح يُزهر بزيت (٧) مضيء. ولا فائدة في وصف المصباح بكونه في بيوت أو في غيرها، ولا تأكيد لضوئها بأن تُوصف (٨) أنَّها في بيوت يذكر فيها اسم الله، وأيضًا فإنَّه وحدّ المشكاة وجمع البيوت، ولا تكون مشكاة في بيوت (٩)، فإذن الأولى أن يقال: قوله: ﴿فِي بُيُوتٍ﴾ ابتداء كلام في وصف مساجد المؤمنين (١٠)
(٢) قرأ جمهور القراء: "يسبّح" بكسر الباء. وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: "يُسبَّح" بفتح الباء.
"السبعة" ص ٤٥٦،" التبصرة" ص ٢٧٣، "التيسير" ص ١٦٢.
(٣) ساقط من (ع).
(٤) ذكر ذلك الطبري ١٤/ ١٤٤، والثعلبي ٣/ ٨٥ ب. وحكاه ابن عطية ١٠/ ٥١٣، وأبو حيان ٦/ ٤٥٧ عن الرُّماني.
(٥) (أنَّ): ساقطة من (ع).
(٦) في (ع): (من).
(٧) في (ع): (بنور زيت).
(٨) في (ع): (تذكر).
(٩) حكى الرازي ٢٤/ ٢ هذا الاعتراض عن أبي مسلم بن بحر الأصفهاني.
(١٠) في (أ)، (ع): (والمؤمنين).
وأما معنى البيوت: فقال ابن عباس في رواية عطاء: يريد المساجد (١). وهو قول أبي صالح (٢)، ومجاهد في رواية ابن أبي نجيح (٣)، ومقاتل (٤)، وعكرمة (٥)، والحسن (٦) وأكثر المفسرين (٧).
وعلى هذا الآية عامة في جميع المساجد.
قال ابن عباس فيما روى عنه سعيد بن جبير: المساجد بيوت الله في الأرض، وهي تُضيء لأهل السَّماء (٨) كما (٩) تضيء النُّجوم لأهل الأرض (١٠).
ورواه الطبري ١٨/ ١٤٤ أيضًا من رواية العوفي.
(٢) ذكره عنه ابن أبي حاتم ٧/ ٤٩ ب، وابن كثير ٣/ ٢٩٢.
(٣) رواه عنه الطبري ١٨/ ١٤٤ من رواية ابن أبي نجيح. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠٢ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ أ.
(٥) ذكره عنه ابن أبي حاتم ٧/ ٤٩ ب، وابن كثير ٣/ ٢٩٢. وله قول آخر: أنَّها البيوت كلها. رواه عنه الطبري ١٨/ ١٤٤، وابن أبي حاتم ٧/ ٥٠ أ.
(٦) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٠، والطبري ١٨/ ١٤٤.
(٧) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٤٤، ابن الجوزي ٦/ ٤٦، ابن كثير ٣/ ٢٩٢.
(٨) في (أ): (الشهادة).
(٩) (كما): ساقطة من (أ).
(١٠) رواه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٨٥ ب من طريق بُكير بن شهاب عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به.
وبكير بن شهاب قال فيه ابن حجر في "التقريب" ١/ ١٠٧: مقبول.
ومعنى مقبول عن ابن حجر: حيث يتايع، وإلا فليَّن الحديث. انظر: "مقدمة =
الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل، وبيت (١) أريحا بناه داود وسليمان، ومسجد المدينة ومسجد قُباء بناهما النبي -صلى الله عليه وسلم-. وهذا قول ابن بريدة.
وقال السدي: هي بيوت المدينة (٢).
وإنَّما خصَّ بيوت المدينة لأنها كانت يُصلّى فيها، ويذكر الله فيها حين نزلت هذه الآية.
وروى ليث عن مجاهد قال: هي بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- (٣).
وقد روي مرفوعًا أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ هذه الآية، فسئل أي بيوت هذه؟ فقال: "بيوت الأنبياء" (٤).
وذكره البغوي ٦/ ٤٩ من رواية سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
(١) (بيت): ساقط من (ع). وفيها: وأريحا.
والمراد بأريحا -وهي بالفتح ثم كسر الراء-: بلدة في الأردن بالشام، بينها وبين بيت المقدس مسافة يوم للفارس. "معجم البلدان" ١/ ٢١٠.
(٢) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨٥ ب.
(٣) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٥٠ وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠٣ وعزاه لابن أبي حاتم.
وسنده ضعيف، لأن فيه ليث بن أبي سليم وهو مجمع على ضعفه. وما تقدم عن مجاهد هو الصحيح.
وذكر هذا القول عن مجاهد أيضًا ابن الجوزي ٦/ ٦، والقرطبي ١٢/ ٢٦٥.
(٤) رواه ابن مردويه كما في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠٣، والثعلبي في "تفسيره الكشف والبيان" ٣/ ٨٥ ب عن أنس بن مالك، وعن بريدة.
وهذا الحديث لا يصح؛ لأنه من رواية نفيع بن الحارث عن أنس وبريدة. ونفيع =
وقوله ﴿أَذِنَ اللَّهُ﴾ قال مقاتل: أمر الله (١).
﴿أَنْ تُرْفَعَ﴾ قال ابن عباس (٢)، ومجاهد (٣)، ومقاتل (٤)، وغيرهم (٥): أن تبنى، كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ﴾ [البقرة: ١٢٧].
وقال الحسن: (ترْفَعَ) أي: تُعظَّم (٦).
وقال ابن عبد البر: اتفق أهل العلم على نكارة حديثه وضعفه، وكذّبه بعضهم، وأجمعوا على ترك الرواية عنه، وليس عندهم شيء.
وقال الذهبي: هالك، تركوه. وقال ابن حجر: متروك، وقد كذّبه ابن معين.
انظر: "الاستغناء" لابن عبد البر ١/ ٦٠٤، " المغني في الضعفاء" للذهبي ٢/ ٧٠١، "تهذيب التهذيب" لابن حجر ١٠/ ٤٧٠ - ٤٧٢، "تقريب التهذيب" لابن حجر ٢/ ٣٠٦.
(١) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ أ.
(٢) ذكره عنه الرازي ٢٤/ ٣، وأبو حيان ٦/ ٤٥٨.
وروى الطبري ١٨/ ١٤٤، وابن أبي حاتم ٧/ ٤٩ ب عنه قال: تكرَّم، ونهى عن اللغو فيها.
(٣) رواه الطبري ١٨/ ١٤٥، وابن أبي حاتم ٧/ ٥٠ أ، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠٢ وعزاه لعبد بن حميد أيضًا.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ أ.
(٥) هو الطبري: قال في "تفسيره" ١٨/ ١٤٤: معناه: أذن الله أن ترفع بناءً، كما قال جل ثناؤه-: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) وذلك أنَّ ذلك هو الأغلب من معنى الرفع في البيوت والأبنية.
(٦) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٠ - ٦١، والطبري ١٨/ ١٤٥، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠٢ - ٢٠٣ وعزاه لمن تقدم.
وحكى الرَّازي في "تفسيره" ٢٤/ ٣ في قوله "ترفع" قولاً ثالثُا هو مجموع الأمرين: أي تبنى وتعظم. ولعل هذا الأقرب؛ لأنَّه يعم القولين. =
قال أبو علي: قوله ([أذن الله] (٢) أن ﴿تُرْفَعَ﴾) صفة للبيوت، والعائد منها إلى البيوت الذكر الذي في قوله ﴿تُرْفَعَ﴾ (٣).
قوله ﴿وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ قال مقاتل: يوحّد الله فيها (٤).
الثاني: الرفع المعنوي، وذلك يكون بأداء عبادة الله فيهان وصونها عما ينجسها حسيًّا كان أو معنويًا كارتكاب المنكرات.
وعمارة المسجد الحقيقية هي العمارة المعنوية، فلو زخرف المسجد وارتكبت فيه المنكرات، أو لم تقم فيه عبادة الله، فليس بمعمور حقيقة. ولو بني بالنَّخل والجريد والطين وأقيمت فيه العبادة، وطهِّر من الأقذار الحسيِّة والمعنوية فهو معمور حقيقة. ولهذا كان مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مبنيًّا بالجريد والنخل ومع ذلك كانت عمارته أعظم من اليوم، وإن كانت عمارته الحسيّة اليوم أعظم من ذلك اليوم.
(١) الخنا من الكلام: أفحشه. "لسان العرب" ١٤/ ٢٤٤ (خنا).
(٢) ساقط من (أ).
(٣) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٢٢.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ أ.
وفي الآية قولان آخران حكاهما الماوردي ٤/ ١٠٧.
أحدهما: يتلى فيها كتابه. قاله ابن عباس.
الثاني: تُذكر فيها أسماؤه الحسنى. قاله ابن جرير.
وما حكاه الماوردي عن ابن عباس رواه الطبري ١٨/ ١٤٥، وابن أبي حاتم ٧/ ٥٠ ب، عنه من رواية علي بن أبي طلحة.
وقول الطبري في "تفسيره" ١٨/ ١٤٥.
قال أبو حيان ٦/ ٤٥٨: (ويذكر في اسمه) ظاهره مطلق الذكر فيعم كل ذكر.
٣٧ - ﴿رِجَالٌ﴾ وهي ترتفع بقوله ﴿يُسَبِّحُ﴾.
وقرأ ابن عامر (يُسَبَّحُ) بفتح الباء (٢)، وهذا على أنَّه أقام الجار والمجرور مقام الفاعل، ثم فسر من يُسبّح؟ فقال: (رجال) أي: يسبّح له فيها رجال (٣)، فرفع رجالًا بهذا المضمر الذي دلّ عليه قوله: (يسبح)؛ لأنه إذا قال (يُسَبّح) دلّ على فاعل التسبيح، ومثل هذا قول الشاعر (٤):
أحدهما: ما ذكر هنا. وعزاه الرازي للأكثرين.
الثاني: أنه التسبيح المعروف. وعزاه ابن الجوزي لبعض المفسرين.
واستظهر الرازي هذا الوجه: لأن الصلاة والزكاة قد عطفهما على ذلك من حيث قال "ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة".
والأولى عموم ذلك للصلاة والتسبيح المعروف: ولأنَّ الصلاة مشتملة على التسبيح.
(٢) وقرأ الباقون بكسرها. "السبعة" ص ٤٥٦، "التَّبصرة" ٢٧٣، "التيسير" ص ١٦٢.
(٣) (رجال): ساقطة من (ظ).
(٤) هذا صدر بيت، وعجزه:
ومختبط مما تُطيح الطوائح
وهو في "الكتاب" لسيبويه ١/ ٢٨٨ منسوبًا للحارث بن نهيك، وكذلك في "شرح شواهد الإيضاح" ص ٩٤، و"شرح المفصل" لابن يعيش ١/ ٨٠.
وهو في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٣٤٩، والطبري ١٤/ ٢١ منسوبًا لنهشل بن حرِّيّ، وروايته عندهما:
ليبك يزيدُ بائس لضراعة | وأشعثُ ممن طوّحته الطوائح |
لما قل: ليبك (١) يزيد دلّ على فاعل للبكاء كأنَّه قيل: من يبكه (٢)؟ فقيل: يبكه ضارع.
والوجه قراءة الجمهور، فيكون فاعل يُسبِّح (رجال) الموصوفون (٣) بقوله: ﴿لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ﴾ (٤) أي: لا تشغلهم تجارة (٥).
والبيت من غير نسبة في: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٣٦، "الإيضاح العضدي"، للفارسي ص ١١٥، و"الخصائص" لابن جني ٢/ ٣٥٣.
وهو من أبيات في رثاء يزيد بن نهشل ذكرها البغدادي في "الخزانة" ١/ ٣١٠، أولها:
لعمري لئن أمسى يزيد بن نهشل | حشا جدث تَسفي عليه الروائح. |
وقال ١/ ١١١: الشاهد فيه أنه رفع "ضارع" فعلٌ، كأنه قال- بعد قوله: ليبك يزيد: ليبكه ضارعٌ.
(١) في (أ): (ليبك).
(٢) في (أ): (يبكيك).
(٣) في (أ): (الموصوفين).
(٤) من قوله: وقرأ ابن عامر، إلى هنا. نقلاً عن "الحجة" لأبي علي ٥/ ٣٢٥ - ٣٢٦ مع اختلاف يسير جدًا.
وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٥٦، "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ١٠٩ - ١١٠، "حجة القراءات" لابن زنجلة ٥٠١، "الكشف" لمكي ٢/ ١٣٩.
(٥) الثعلبي ٣/ ٨٦ أ، والطبري ١٨/ ١٤٦.
وعندهما أنَّ التجارة اسم للشراء هاهنا خاصة لقوله ﴿وَلَا بَيْعٌ﴾ فذكر البيع مفردًا.
وقال الفراء: التجارة لأهل الجَلَب، والبيع ما باعه الرجل على يديه، كذا جاء في التفسير (٢).
وهذا القول أولى؛ لأن التجارة اسم للبيع والشراء فيبعد أن يخصّ بأحدهما (٣).
وخُصّت التجارة بالذكر من بين الشواغل عن الصلوات (٤)؛ لأنَّها أعظم ما يشغل بها الإنسان عن الصلاة وأعمها (٥).
قوله ﴿عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ قال المقاتلان: يعني الصلوات المفروضة (٦).
وقال عطاء: عن شهود الصلاة المكتوبة (٧).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٣.
(٣) قد ذكر المؤلف هنا قولين، وفيه قول ثالث ذكره أبو حيان ٦/ ٤٥٩ قال: ويحتمل أن يكون (ولا بيع) من ذكر خاص بعد عام: لأنَّ التجارة هي البيع والشراء طلبًا للربح، ونبّه على هذا الخاص لأنَّه في الإلهاء أدخل، من قبل أنَّ التَّاجر إذا اتجهت له بيعة رابحة وهي طلبته الكليّة من صناعته ألهته ما لا يلهيه شيء يتوقع فيه الربح؛ لأنَّ هذا يقين وذاك مظنون.
(٤) في (ظ): (الصلاة).
(٥) ذكر الثعلبي ٣/ ٨٦ أهذا القول، وعزاه لأهل المعاني.
(٦) ذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" (ج ٧ ل ٥٠ ب) عن مقاتل بن حيان: وذكره عنه ابن كثير ٣/ ٢٩٥.
وقول مقاتل بن سليمان في "تفسيره" ٢/ ٣٩ أ.
(٧) ذكره عنه النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٥٣٩.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠٧ وعزاه للفريابي.
وقال الثوري: كانوا يشترون ولا يدعُون الصلاة في الجماعات في المساجد (٣).
وقوله ﴿وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾ قال الكلبي: يعني: وإتمام الصلاة (٤).
والمعنى: لا تشغلهم عن أدائها وإقامتها لوقتها (٥).
وفائدة قوله ﴿وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾ بعد قوله ﴿عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ والمراد به الصلاة المفروضة إقامتها لوقتها (٦).
قال الزجاج: يقال: أقمت الصلاة إقامة. وكان أصلها: إقوامًا (٧)، ولكن قلبت الواو ألفًا؛ فاجتمعت ألفان، فحذفت إحداهما وهي المنقلبة لالتقاء الساكنين، وأدخلت الهاء عوضًا من المحذوف، وقامت الإضافة هاهنا مقام الهاء المحذوفة (٨).
وزاد الفراء بيانًا فقال: ومثله مما سقط بعضه فجعلت فيه الهاء
(٢) ذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٠٧ عنه، نحوه، وعزاه لابن مردويه.
(٣) لم أجده عن الثوري، وقد روى أن أبي حاتم ٧/ ٥١ أ، ب عن الضحاك وسعيد بن أبي الحسن وعطاء نحو هذا المعنى.
(٤) ذكر ابن الجوزي ٦/ ٤٨ هذا القول مع زيادة: "أداؤها لوقتها". ولم ينسبه لأحد.
(٥) الطبري ١٨/ ١٤٧ مع اختلاف يسير.
(٦) ذكر البغوي ٦/ ٥١، وابن الجوزي ٦/ ٤٨ هذا المعنى، ولم ينسباه لأحد.
(٧) في (أ): (قواما)، وفي (ظ): (أقاموا)، والمثبت من (ع)، والمعاني.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٦.
إن الخليط أجدُّوا (٤) البين فانجردوا (٥) | وأخلفوك عد (٦) الأمر الذي وعدوا (٧) |
وقوله: ﴿وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ قال ابن عباس: إذا حضر وقت الزكاة (٩) لم يحبسوها.
هذا قوله في رواية عطاء (١٠).
وهو قول الحسن، قال: [يعني الزكاة الواجبة في المال (١١).
(٢) في (أ): (ما) سقطت الواو.
(٣) في (ظ): (كذلك سقوطها).
(٤) في جميع النسخ: (أجد)، والتصويب من معاني الفراء وغيره.
(٥) في (ع): (وانحدروا).
(٦) في (أ): (عدا).
(٧) البيت أنشده الفراء في "معانيه" ٢/ ٢٥٤ من غير نسبة.
وهو منسوب للفضل بن عباس اللهبي في "شرح شواهد الشافية" ص ٦٤، و"لسان العرب" ٧/ ٦٥١ (غلب)، و"المقاصد النحوية" للعيني ٤/ ٥٧٢.
والبيت بلا نسبة في: الطبري ١٨/ ١٤٧، و"الخصائص" ٣/ ١٧١، و"لسان العرب" ٧/ ٢٩٣ (خلط).
(٨) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٤.
(٩) في (ظ) زيادة: (الواجبة في المال) بعد قوله: (الزكاة) وهو انتقال نظر من الناسخ.
(١٠) ذكره عنه البغوي ٦/ ٥١ من غير نصَّ على رواية عطاء.
(١١) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٨٦ ب، والقرطبي ١٢/ ٢٨٠.
وعلى هذا المعنى أنهم يبذلون من أنفسهم الطاعة الخالصة لله، ولعل الأقرب هذا؛ فإنه ليس كل المؤمنين من أهل الزكاة الواجبة في المال، بل عامتهم فقراء لا تجب عليهم الزكاة فلا يحسن إخراجهم عن هذه الجملة، كيف وقد قال مقاتل (٤) في هذه الآية: نزلت في أصحاب الصفُّة، وهم كانوا من أفقر الناس وأزهدهم في الدنيا.
وقوله تعالى: ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ ذكروا فيه ثلاثة (٥) أقوال:
أحدها: أن القلوب زالت عن أماكنها من الصدور، فنشبت (٦) في الحلوق عند الحناجر، والأبصار تزرق (٧) فتكون زرقًا. قاله مقاتل بن سليمان (٨).
(٢) في (أ): (الزكاة).
(٣) رواه عنه الطبري ١٨/ ١٤٧ - ١٤٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٥٢ أمن طريق علي بن أبي طلحة.
(٤) مقاتل هنا هو ابن حيَّان. وقد ذكر عنه هذا القول الثعلبي ٣/ ٨٦ ب.
(٥) في (أ) زيادة: (أوجه) بعد قوله: (ثلاثة)، ولا معنى لها.
(٦) (فنشبت): أي علقت. الصحاح للجوهري ١/ ٢٢٤ (نشب).
(٧) في "تفسير مقاتل": تتقلّب.
ومعنى تزرق: يغشى سوادها بياض، وقيل خضرة في سواد العين. "لسان العرب" ١٠/ ١٣٨ - ١٣٩ (زرق).
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ أ.
القول الثاني: أن القلوب تتقلب من الطمع في النجاة والخوف من الهلاك، والأبصار تتقلب من أين يؤتون كتبهم؟ أمن قبل الأيمان أم من قبل الشمائل؟ (٣).
القول الثالث: ذكره الفراء، والزجاج، وابن قتيبة. وهو: أنَّ من كان قلبه مؤمنًا بالبعث والقيامة ازدافى بصيرة ورأى ما وعد به، ومن كان قلبه (٤) على غير ذلك رأى ما يوقن معه بأمر القيامة والبعث؛ فعلم بقلبه وشاهد ببصره، فذلك تقلب القلوب والأبصار.
هذا كلام أبي إسحاق (٥)، وهو معنى قول الفراء (٦).
وقال ابن قتيبة: يريد أنَّ القلوب يوم القيامة تعرف الأمر يقينًا فتنقلب عما كانت عليه من الشك والكفر، والأبصار ترى يومئذ ما كانت مغطاة عنها فتنقلب عما كانت عليه، ونحوه قوله ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا﴾ [ق: ٢٢] (٧).
(٢) رواه عنه ابن أبي حاتم ٧/ ٥٢ أمختصرًا. وذكره عنه الرازي ٢٤/ ٦.
(٣) هذا قول الطبري ١٨/ ١٤٨. ونسبه إليه ابن الجوزي ٦/ ٤٨. وذكره الثعلبي ٣/ ٨٦ ب والبغوي ٦/ ٥١، والقرطبي ١٢/ ٢٨٠ - ٢٨١ ولم ينسبوه لأحد.
(٤) في (أ): (في قلبه)، وهو خطأ.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٧.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٣.
(٧) "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٣٢٩.
٣٨ - قوله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ﴾ اللام تتعلق (٢) بقوله ﴿يُسَبِّحُ لَهُ﴾ أي: يسبحون له تعالى ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا﴾ (٣).
واستبعد أبو حيان ٦/ ٤٥٩ القول الذي ذكره الواحدي، واستظهر ما قاله ابن عطية. واستظهر الشنقيطي -رحمه الله- في "أضواء البيان" ٦/ ٢٤٠ أن تقلب القلوب هو حركتها من أماكنها من شدة الخوف كما قال تعالى: ﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ﴾ [غافر: ١٨]، وأن تقلب الأبصار هو زيغوغتها ودورانها بالنظر في جميع الجهات من شدة الخوف، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ [الأحزاب: ١٩]، وكقوله: ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ [الأحزاب: ١٠]، فالدوران والزيغوغة المذكوران يُعلم بهما معنى تقلب الأبصار، وإن كانا مذكورين في الخوف من المكروه في الدنيا. اهـ.
(٢) في (أ): (متعلق).
(٣) قال السمين الحلبي في كتابه "الدر المصون" ٨/ ٤١١ - بعد حكايته لهذا القول-: ويجوز تعلّقه بمحذوف، أي: فعلوا ذلك ليجزيهم. اهـ.
وجوَّز أبو البقاء العكبري في "الإملاء" ٢/ ١٥٦ أن تتعلق اللام بـ"يسبح"، وبـ"لا تلهيهم"، وبـ"يخافون".
واستظهر أبو حيان ٦/ ٤٥٩ تعلّقها بيسبح.
وجعل الزمخشري ٣/ ٦٩ اللام متعلقة بيسبح ويخافون، فقال: والمعنى: يسبحون ويخافون ليجزيهم.
والمعنى: ليجزيهم بحسناتهم؛ والمراد بالأحسن: جميع الحسنات، وهي موصوفة في مقابلة الذنوب بأنَّها أحسن (٣).
قوله تعالى ﴿وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ قال ابن عباس: تفضّلا منه عليهم.
وقال مقاتل: فضلا على أعمالهم (٤).
والمعنى أنه يزيدهم ما لا يستحقوه بأعمالهم (٥).
﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ مفسر فيما مضى (٦).
ثم ذكر الكفّار وضرب المثل لأعمالهم
٣٩ - فقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ﴾ قال الفراء: السَّراب ما لصق بالأرض، والآل الذي يكون ضحى كالماء بين السماء والأرض (٧).
وقال ابن السكيت: السَّراب الذي يجري على وجه الأرض كأنَّه
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ أ.
(٣) ذكر الشنقيطي في "تفسير سورة النور" ص ١٤٦ وجهًا آخر فقال: أعمال الإنسان منها الحسن وهو المباح وهذا لا يجازى عليه، ومنها الأحسن وهو المندوب والواجب، وهو المراد بقوله: (أحسن ما عملوا).
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ أ.
(٥) هذا قول الثعلبي ٣/ ٨٦ ب.
قال الطبري ١٨/ ١٤٨: فيفضل عليهم من عنده بما أحبّ من كرامته لهم.
(٦) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [البقرة: ٢١٢].
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٤.
وقال أبو الهيثم: سمَّي السراب سرابًا؛ لأنه يسرب سربًا، أي: يجري جريًا. يقال: سرب الماء يسرب سروبًا (٣).
وقال الفراء: القيعة (٤): جمع القاع، كما قالوا: جاز وجيزة. والقاع: ما انبسط من الأرض، وفيه (٥) يكون السراب نصف النهار (٦).
وقال الليث: القاع، أرض واسعة قد انفرجت عنها (٧) الجبال والآكام. يقال: قاعٌ وأقوع وأقواع وقيعة وقيعان، وهو ما استوى من الأرض، لا حصى فيها ولا حجارة، ولا ينبت الشجر، وما حواليه أرفع منه، وهو مصبُّ المياه (٨).
قوله تعالى: ﴿يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ﴾ وهو الشديد العطش. يقال ظمئ يظمأ ظمأً فهو ظمآن (٩).
وقوله ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ قال أبو إسحاق (١٠): أي: حتى
(٢) قول ابن الكسيت في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ٤١٦ (سرب).
(٣) قول ابن التهذيب في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ٤١٦ (سرب).
(٤) في (أ)، (ظ): (البقيعة).
(٥) في (ظ): (وفيه وفيه) تكرار.
(٦) قول الفراء بنصه في "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ٣٣ (قاع)، وهو في كتابه "معاني القرآن" ٢/ ٢٥٤ وليس فيه قوله: وفيه يكون..
(٧) في (أ): (عليها).
(٨) قول الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ٣٣ (قاع).
(٩) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ٤٠١ "ظم". مع تقديم وتأخير.
وانظر: "الصحاح" للجوهري ١/ ٦١ "ظمأ"، "لسان العرب" ١/ ١١٦ "ظمأ".
(١٠) من هنا يبدأ الخرم في نسخة (ظ).
قال المبرد: أي شيئًا مما حسب (٣). وقال غيره: أي شيئًا على ما قدَّر (٤).
قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: أعمال الكفّار إذا احتاجوا إليها مثل السراب إذا رآه الرجل وقد احتاج إلى الماء، فأتاه فلم يجده شيئًا، فذلك مثل عمل الكافر يرى أن له ثوابًا وليس له ثواب (٥).
وقال قتادة: هذا مثل ضربه الله لعمل الكافر [يحسب أنّه في شيء كما يحسب السراب ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، وكذلك الكافر] (٦) إذا مات لم يجد عمله شيئًا (٧).
وقال مجاهد: عمل الكافر [إذا جاءه لم يجده شيئًا، وإتيانه إياه (٨): موتُه وفراقه الدنيا (٩).
(٢) في (ع): (قوله).
(٣) ذكر البغوي ٦/ ٥٢ هذا المعنى والذي بعده وساقهما مساقًا واحداً من غير نسبة لأحد.
(٤) هذا قول الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٨٦ ب.
(٥) لم أجده من رواية سعيد بن جبير، وقد روى الطبري ١٨/ ١٤٩، وابن أبي حاتم ٧/ ٥٣ أمن طريق العوفي، عن ابن عباس، نحوه.
(٦) ساقط من (ع).
(٧) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦١، والطبري ١٨/ ١٤٩، وابن أبي حاتم ٧/ ٧٥٣.
(٨) في (أ)، (ع): (إياها)، والتصويب من الطبري وابن أبي حاتم وغيرهما.
(٩) رواه الطبري ١٨/ ١٤٩، وابن أبي حاتم ٧/ ٥٣ ب؛ وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٠ وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.
مقاتل: يقول: هكذا الكفار حتى إذا انتهى الواحد منهم إلى عمله يوم القيامة وجده لم يغن (٤) عنه شيئًا، كما لم يجد العطشان السراب شيئًا، حتى انتهى إليه فمات من العطش وهلك (٥)، فكذا (٦) الكافر يهلك يوم القيامة (٧).
وقال أبو إسحاق: أعلم الله -عز وجل- أن الكافر الذي يظن أن عمله قد نفعه عند الله ظنُّه كظن الذي يظن أن السَّراب ماء (٨).
وقال ابن قتيبة: الكافر يحسب ما قدم من عمله نافعه كما يحسب العطشان السراب من البعد ماءً يرويه ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ﴾ أي مات لم يجد عمله شيئًا لأنَّ الله -عز وجل- قد أبطله بالكفر ومحقه (٩).
وقوله ﴿وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ﴾ قال مقاتل: وجد الله بالمرصاد عند عمله ﴿فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ﴾ يقول جازاه بعمله (١٠).
(٢) ما بين المعقوفين في حاشية (أ) وعليه علامة التصحيح.
(٣) رواه الطبري ١٨/ ١٤٩، وابن أبي حاتم ٧/ ٥٣ ب؛ وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٩٧ - ١٩٨، وعزاه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه.
(٤) في (أ): (يغن) مهملة الأول. وفي (ع): (تغن)، والمثبت من "تفسير مقاتل".
(٥) في (أ): (أو هكذا).
(٦) في (أ): (وهكذا).
(٧) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ أ.
(٨) "معاني القرآن" ٤/ ٤٧.
(٩) "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٣٢٩.
(١٠) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ أ.
وقال صاحب النظم في هذه الآية: هذا نظم غامض؛ لأنَّه -عز وجل- وصف أعمال الكفار التي يريدون بها البرَّ في الدنيا بأنَّها (٢) تبطل في الآخرة ولا تنفعهم شيئًا، فشبهها بالسراب الذي يحسب الظمآن أنه ماء فإذا جاءه لم يجده شيئًا، كذلك الكفار في أعمالهم لا تنفعهم ولا تُقبل منهم فهي كأنَّها لا شيء، وقوله ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ﴾ متصل بالظمآن دون الكفار، إلا أنَّه -عز وجل- لما جعل الظمآن والسَّراب مثلًا للكفار في بُطول أعمالهم، أقامه (٣) مقامهم فيما يصير إليه عاقبة أمورهم، فقال ﴿وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ﴾ فجاء بذكر الظمآن على التوحيد، والمعني (٤) به الكفّار؛ لأنَّ الظمآن هاهنا مثل لا عين يقصد بالخبر، والعين المقصود بالخبر هم الكفّار، وهم يُوفَّون الحساب، يدلك (٥) على ذلك قوله: ﴿فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [وهذا لا يحتمل اتصاله بالظمآن: لأنَّه لا يكون هنالك حساب، وإنّما الحساب في الآخرة. هذا كلامه.
ومعنى هذا أن قوله ﴿وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ﴾ في الظاهر خبر عن الظمآن، والمراد به الخبر عن الكفار، ولكن لما ضرب الظمآن مثلًا للكفار جعل الخبر عنه كالخبر عنهم.
(٢) في (ع): (وأنَّها).
(٣) في (ع): (قامه).
(٤) في (ع): (المعني).
(٥) في (ع): (يدل).
وهذا الوجه سوى ما ذكرنا الوجوه في معنى ﴿سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (٣) في سورة البقرة (٤).
٤٠ - ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ﴾ قال أبو إسحاق: أعلم الله أن أعمال الكفار إن مثِّلت بما يوجد فمثلها مثل السراب، وإن مثِّلت بما يُرى فهي كهذه (٥) الظلمات التي وصف في قوله: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ الآية (٦).
ومعنى قوله (بما يوجد وبما يرى) يعني بالعين وبالأثر (٧). فالتشبيه بالسراب تشبيه بعين، والتشبيه بالظلمات تشبيه بأثر وحدث.
وقال صاحب النظم: الآية الأولى في ذكر أعمال الكفار، ثم رجع إلى ذكر كفرهم فقال: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ﴾ يعني كفرهم، ولم يذكر الكفر هاهنا
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ ب وفيه كأنه قد كان.
(٣) (الحساب): ساقطة من (أ).
(٤) ذكر الواحدي في "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [البقرة: ٢٠٢].. أقوالاً هي على سبيل الاختصار:
١ - أنه سريع الحساب لأنَّه علم ما للمحاسب وما عليه قبل حسابه.
٢ - أن المعني: والله سريع المجازاة للعباد على أعمالهم وإن كان قد أمهلهم مدة من الدهر.
٣ - أنه سريع الحساب أي الإحاطه والعلم، لأنه لا يحتاج إلى عقد يد ولا وعي صدر ولا روية كالعاجزين.
(٥) في (ع): (كذلك).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٨.
(٧) في (ع): (والأثر).
وقال أبو علي الفارسي: قوله ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ﴾ معناه: أو كذي ظلمات، ويدلُّ على حذف المضاف قوله: ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ﴾ فالضمير الذي أضيفت إليه يده يعود إلى المضاف المحذوف. ومعنى ذي ظلمات: أنَّه في ظلمات] (٣)، ومثل (٤) حذف المضاف هنا حذفه في قوله: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾ [البقرة: ١٩] تقديره: أو كذوي صيّب، أو أصحاب صيّب فحذف المضاف (٥).
فعلى قول أبي إسحاق، التمثيل وقع لأعمال الكافر. وهو قول عامة المفسرين (٦)، وعلى قول صاحب النظم، التمثيل وقع لكفر الكافر، وعلى قول أبي علي، التمثيل وقع للكافر (٧). وهو قول ابن عباس في رواية عطاء قال: هذا مثل للمشرك.
(٢) ذكره القرطبي ١٢/ ٢٨٤ - ٢٨٥ عن الجرجاني، وهو صاحب النَّظم. وذكره أيضًا عنه أبو حيان ٦/ ٤٦١.
(٣) هنا ينتهي الخرم في نسخة (ظ). ويبتدئ الموجود من: (ومثل).
(٤) في (ع): (فمثل).
(٥) "الحجة" للفارسي ٥/ ٣٢٩ - ٣٣٠. وقد تعقَّب أبو حيان ٦/ ٤٦١ هذا القول بأنَّه خلاف الظاهر.
(٦) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٥٠ - ١٥١، الثعلبي ٣/ ٨٧ أ، ابن الجوزي ٦/ ٥١.
(٧) ذكر القرطبى ١٢/ ٢٨٤ هذا الكلام ونسبه للقشيري.
وقال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: هذا مثل قلب الكافر (٤).
وهو قول السُّدي (٥)، ومقاتل (٦)، والكلبي، والفراء (٧).
قوله تعالى: ﴿فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ قال أبو عبيدة: (لُجيّ) مضاف إلى اللُّجَة، وهو معظم البحر (٨). وقال الليث: بحر لجيّ: واسع اللُّجة (٩).
وقال الفراء: بحر لُجيّ ولجيّ، كما يُقال (١٠): سُخريّ وسخري (١١).
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦١، والطبري ١٨/ ١٥٠، وابن أبي حاتم ٧/ ٥٤ أ.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٠ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد.
(٣) رواه الطبري ١٨/ ١٥١، وابن أبي حاتم ٧/ ٥٤ ب، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٩٩ - ٤٠٠.
(٤) ذكره عنه القرطبي ١٢/ ٢٨٤.
(٥) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٥٤ ب، وذكره عنه ابن كثير ٣/ ٢٩٦.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ ب.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٥
(٨) "مجاز القرآن" ٢/ ٦٧.
(٩) قول الليث في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٤٩٣ "لج". وهو في "العين" ٦/ ١٩ (لجَّ).
(١٠) في (أ): (تقول).
(١١) قول الفراء بنصِّه في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٤٩٣ (لج).
ولم أجده في المطبوع من "معاني القرآن" في هذا الموضع من سورة النور، لكن ذكر الفراء عند تفسير قوله تعالى: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا﴾ [المؤمنون: ١١٠] بعد ذكره للقراءتين بالضم والكسر عن الكسائي أنه قال: سمعت العرب تقول بحر لجيُّ ولجيّ. انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٢٤٣.
وقال ابن عباس: ﴿فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ يريد: عميق.
وهو قول قتادة (٢)، ومقاتل (٣).
ومعنى ﴿لُجِّيٍّ﴾ له لجَّة، ولجتُه حيث يبعد عمقه، فهو بمعنى العميق، كما ذكره أهل التفسير.
قال مقاتل: والبحر إذا كان عميقًا كان أشد لظلمته (٤).
وقوله ﴿يَغْشَاهُ مَوْجٌ﴾ أي يعلو ذلك البحر اللجّي موج.
﴿مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ﴾ قال ابن عباس: يريد موجًا من فوق الموج (٥).
﴿مِنْ فَوْقِهِ﴾ من فوق الموج] (٦) ﴿سَحَابٌ﴾.
﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾ يعني ظُلمة البحر، وظلمة الموج، [وظلمة
وانظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٤٩٣ - ٤٩٤ "لج"، "الصحاح" للجوهري ١/ ٣٣٨ (لجج)، "لسان العرب" ٢/ ٣٥٤ (لجج).
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦١، والطبري ١٨/ ١٥١، وابن أبي حاتم ٧/ ٥٤ أ. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٠ وزاد نسبته لعبد بن حميد.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ ب.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ ب.
(٥) ذكر الماوردي ٤/ ١١٠، وابن الجوزي ٦/ ٥٠، والقرطبي ١٢/ ٢٨٤ هذا القول من غير نسبة لأحد.
وحكى الماوردي والقرطبي قولا آخر هو: أنَّ معناه يغشاه موج من بعده، فيكون المعنى: الموج يتبع بعضه بعضًا حتى كأنَّ بعضه فوق بعض، وهو أخوف ما يكون إذا توالى موجه وتقارب.
(٦) ساقط من (ظ)، (ع).
و ﴿ظُلُمَاتٌ﴾ (٢) خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذه ظلمات بعضها فوق بعض (٣).
ومن قرأ (٤) (سحابٌ) بالتنوين (ظلمات) بالكسر والتنوين جعلها بدلاً من الظلمات الأولى. ومن قرأ (٥) (سحابُ ظلمات) فأضاف السحاب إلى الظلمات، فالظلمات هي الظلمات التي تقدّم ذكرها، وأضاف السحاب إليها لاستقلال السحاب وارتفاعه في ذلك الوقت وهو وقت كون هذه الظلمات كما تقول: سحاب رحمة، وسحاب مطر، إذا ارتفع في الوقت الذي يكون فيه المطر والرحمة (٦).
(٢) في (أ): (وظلمات الموج).
(٣) هذا توجيه لقراءة الجمهور "ظلماتٌ" بالرفع والتنوين.
وذكر مكي في "الكشف" ٢/ ١٤٠ وجهًا آخر لقراءة الجمهور فقال: وحجَّة من رفع "ظلمات" أنه رفع على الابتداء، و"بعضها" ابتداء ثان، و"فوق" خبر لـ"بعض"، وخبرها حبر عن "ظلمات".
ونقل أبو حيَّان ٦/ ٤٦٢ عن الحوفي تجويزه لهذا الوجه، ثم قال: والظاهر أنه لا يجوز لعدم المسوغ فيه للابتداء بالنكرة، إلَّا إن قدِّرت صفة محذوفة أي: ظلمات كثيرة كثيرة أو عظيمة بعضها فوق بعض. وانظر أيضًا "الدر المصون" ٨/ ٤١٥.
(٤) هو: ابن كثير في رواية قنبل. "السبعة" ص ٤٥٧، "التبصرة" ص ٢٧٣، "التيسير" ص ١٦٢.
(٥) هو: ابن كثير في رواية البزّي. انظر ما تقدم من مراجع.
(٦) من قوله: (وظلمات) خبر.. إلى هنا. نقلاً عن "الحجة" للفارسي ٥/ ٣٣٠ مع اختلاف يسير.
وانظر أيضًا: "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ١١٣، "حجة القراءات" لابن زنجلة ٥٠٢، "الكشف" لمكي ٢/ ١٣٩ - ١٣٠.
قال أبي بن كعب: الكافر يتقلب في خمس من الظلمات: كلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة إلى النار (١).
ومن قال: هذا مثل لكفر (٢) [الكافر فكفره عمله كما بيَّناه.
ومن قال: هذا مثل للكافر] (٣)، فالكافر من عمله وكلامه متقلّب في ظلمات وجهالة.
ومن قال هذا مثل لقلب الكافر، وهو قول عامة المفسرين (٤)، فقال الكلبي: شبّه قلب الكافر بالبحر، يغشى ذلك البحر موج من فوق ذلك الموج موج. يعني ما يغشى قلبه من الشك والجهل والحيرة والرين والختم والطبع (٥).
(٢) في (ظ): (لكافر).
(٣) ساقط من (ع).
(٤) نسب الثعلبي ٣/ ٨٧ أالقول بأن البحر اللجي هو مثل لقلب الكافر إلى المفسرين. ونسب ابن الجوزي ٦/ ٥٠ هذا القول للفراء، ونسب للجمهور أنه مثل لعمل الكافر.
(٥) ذكر القرطبي ١٢/ ٢٨٥ أن هذا المعنى روي عن ابن عباس وغيره.
وذكر الثعلبي ٣/ ٨٧ أنحو هذا القول ولم ينسبه لأحد.
وذكر الشوكاني ٤/ ٤٠ هذ! القول ولم ينسبه لأحد، وقال عنه إنه من غرائب التفاسير، وقال: وهذا تفسير هو عن لغة العرب بمكان بعيد. =
وهذا غير مرضي من القول، لأنَّ كل واحد بهذه الصفة لا ينفذ الضوء إلى جوفه وصدره وقلبه. إلاَّ أن يراد بظلمة قلبه أنَّه لا يُبصر نور الإيمان، ولا يعقل، ثم يبقى عليه ظلمة الصدر والجوف، فيحمل على ما قال مقاتل: قلب مظلم في صدر مظلم، وجسد مظلم لا يبصر نور الإيمان كما أن صاحب البحر إذا أخرج يده في الظلمة لم يكد يراها (٣). فبين أن هذه الظلمات مثل لظلمات الجهل والحيرة.
وقوله ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ تأكيد لشدة هذه الظلمات. وهذا اللفظ يحتمل (٤) معنيين:
أحدهما: رآها (٥) من بعد أن كان لا يراها من شدة الظلمة.
والثاني: لم يرها ولم يكد.
قال الفراء: والأول (٦) وجه العربية (٧)؛ والثاني هو معنى الآية: لأنَّ
(١) في جميع النسخ: (القبر)، والتصويب من "تفسير ابن أبي حاتم".
(٢) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٥٤٧ ب.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ ب مع اختلاف يسير.
(٤) في (أ): (محتمل).
(٥) في (ظ)، (ع): (يراها).
(٦) في (ظ)، (ع): (فالأول).
(٧) يعني أنَّه أظهر معاني الكلمة من جهة ما تستعمل العرب "كاد" في كلامها. قاله الطبري ١٨/ ١٥١.
ونحو هذا قال الزجاج سواء (٢)، وهو قول مقاتل (٣) والمفسرين (٤)، قالوا: معناه: لم يرها ألبتَّه. قال الحسن: لم يرها ولم يقارب الرؤية (٥).
قال المبرّد: لم يقارب أن يراها، ومعنى ﴿لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾: نفي المقاربة (٦) من الرؤية (٧).
وقال الأخفش: إذا قلت: (لم يكد يفعل) كان المعنى: لم يقارب الفعل ولم يفعل، على صحّة الكلام، وهكذا معنى الآية. إلَّا أنَّ اللغة قد أجازت (لم يكد يفعل) وقد فعل بعد شدة (٨)، وليس هذا صحة الكلام؛
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٨.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ ب.
(٤) انظر: " الطبري" ١٨/ ١٥١، الثعلبي ٣/ ٨٧ أ.
(٥) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٥٥ أبمعناه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٠ بمثل رواية ابن أبي حاتم، وعزاه لعبد بن حميد.
وقد ذكر هذا القول عنه أيضًا: الماوردي ٤/ ١١١، وابن الجوزي ٦/ ٥٠، والقرطبي ١٢/ ٢٨٥.
(٦) في (أ): (والمقاربة).
(٧) في "الكامل" للمبرد ١/ ٩٥: (إذا أخرج يده لم يكد يراها) أي: لم يقرب من رؤيتها. وإيضاحه: لم يرها ولم يكد. وقد ذكر الثعلبي ٣/ ٨٧ أ، والبغوي ٦/ ٥٣، وابن الجوزي ٦/ ٥٠، والقرطبي ١٢/ ٢٨٥ عن المبرد خلاف هذا القول، وهو أن معنى (لم يكد يراها): (لم يرها إلا بعد الجهد، كما يقول القائل: ما كدت أراك عن الظلمة، وقد رآه ولكن بعد يأس وشدة.
(٨) هكذا في جميع النسخ و"تهذيب اللغة" للأزهري.
وفي "معاني القرآن": "لم يكد يفعل" في معنى: فعل بعد شدة.
فعند الأخفش والمبرّد إذا قلت: لم يكد يفعل، نفي للفعل والمقاربة منه. وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: (كدت أفعل) معناه [عند العرب: قاربتُ الفعل ولم أفعل، و (ما كدت أفعل) معناه] (٢): فعلت بعد إبطاء، وشاهده قوله: ﴿وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة: ٧١] معناه: فعلوا بعد إبطاء، لتعذَّر وجدان البقرة عليهم.
قال: وقد يكون (ما كدت أفعل) بمعنى: ما فعلت ولا قاربت، إذ أُكِّد الكلام بأكاد وجعل صلة (٣). وعلى ما ذكره (يكد) صلة في الآية وتأكيد، والمعنى: لم يرها. وأنشد:
سريعٌ إلى الهيجاء شاك سلاحه | فما إن يكادُ قرنهُ يتنفس (٤) |
(٢) ساقط من (ظ).
(٣) كلام ابن الأنباري بنصه في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٣٢٩ (كاد) دون قوله: وجعل صلة. وفي "الأضداد" لابن الأنباري ص ٩٨، و"الزاهر في معرفة كلام الناس" له أيضًا ٢/ ٩٠ - ٩١ نحو هذا الكلام.
(٤) هذا البيت أنشده ابن الأنباري في "الأضداد" ص ٩٧ من غير نسبة، وروايته فيه: سريعًا إلى الهيجاء.
وأنشده أيضًا في "الزاهر" ٢/ ٩٠ وفي "إيضاح الوقف والابتداء" ٢/ ٨٠٠ من غير نسبة. والبيت لزيد الخيل، وهو في "ديوانه" ص ٧٤، والطبري ١٦/ ١٥١، و"بصائر ذوي التمييز" للفيروزآبادي ٤/ ٤٠٠، و"تاج العروس" للزبيدي ٩/ ١١٩ (كود).
والهيجاء: الحرب، و"شاك سلاحه" أي: لبس سلاحه لبسًا تامًا فلم يدع منه شيئًا. وقرنه -بالكسر-: هو كفؤه ونظيره في الشجاعة والحرب. انظر: "لسان العرب" ٢/ ٣٩٥ (هيج) ٩/ ٤٥٢ (شكك)، ١٣/ ٣٣٧ (قرن).
وتكاد تكسل (٢) أن تجيء فراشها
قال: أراد: وتكسل أن تجيء
قال: ويقال معنى قوله ﴿لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾: لم يُرد أن يراها؛ لأن تلك الظلمات آيسته من تأمل يده فيكد بمعنى: يُرد، وأراد: أن يراها، فحذف (أن) وارتفع الفعل كقوله ﴿تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ﴾ [الزمر: ٦٤]. وقيل في قوله ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ [يوسف: ٧٦]: كذلك أردنا (٣).
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ قال ابن عباس: من لم يجعل الله له دينًا فما له من دين (٤).
وقال السدي: ومن لم يجعل الله له إيمانًا فما له من إيمان (٥).
في جسم خرعبة وحسن قوام
وهو في "ديوانه" ١/ ٢٩، و"السيرة النبوية" لابن هشام ٢/ ٣٨٢.
وهو من قصيدة قالها يوم بدر يذكر الحارث بن هشام بن المغيرة بن مخزوم وهزيمته، وافتتحها بقوله:
تبلت فؤادك في المنام خريدةٌ | تشفي الضَّجيع ببارد بسَّام |
(٣) هذا القول حكاه ابن الأنباري في "الأضداد" ص ٩٧، ولم ينسبه لأحد.
وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٤/ ٢٦١ وقال: ذكره ابن القاسم. يعني ابن الأنباري.
وذكره البغوي ٤/ ٢٦٢ ولم ينسبه لأحد. وذكره القرطبي ٩/ ٢٣٦ ونسبه لابن الأنباري.
(٤) ذكره عنه البغوي ٦/ ٥٣، وابن الجوزي ٦/ ٥١، والقرطبي ٦/ ٥١.
(٥) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٥٥ أ. وذكره عنه ابن الجوزي ٦/ ٥١.
وقال الزجاج: من لم يهده الإسلام لم يهتد (٢).
٤١ - ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ مضى تفسير هذا في سورة الحج (٣)، وعند قوله ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤].
وقوله: ﴿وَالطَّيْرُ﴾ عطف على (من) (٤). وخص بالذكر؛ لأنَّها تكون في الجوّ بين السماء والأرض فهي خارجة عن جملة ﴿مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (٥).
وقوله ﴿صَافَّاتٍ﴾ يعني باسطات أجنحتها في الهواء (٦).
وقوله ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ قال مجاهد: الصلاة للإنسان، والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه (٧).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٨، وفيه: من لم يهده الله إلى الإسلام لم يهتد.
(٣) في (ظ): في سورة سبحان عند قوله: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده).
(٤) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١٤١، "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٥٨، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ٤١٨.
(٥) ذكر البغوي ٦/ ٥٣ هذا القول صدَّره بقوله: قيل. وذكره ابن الجوزي ٦/ ٥١، وأبو حيان ٦/ ٤٦٣، ولم ينسباه لأحد.
(٦) الثعلبي ٣/ ٨٧ ب، والطبري ١٨/ ١٥٢.
(٧) رواه الطبري ١٨/ ١٥٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٥٥ ب، وأبو الشيخ في "العظمة" ٥/ ٧٣٨، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١١، وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.
ورواه أيضًا النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٥٤٣ من طريق ابن أبي شيبة.
أحدها: أن يعود الضمير في الصلاة والتسبيح على لفظ (كلّ) أي أنَّهم يعلمون بما يجب عليهم من الصلاة والتسبيح.
والثاني: أن تكون الهاء راجعة على (٤) ذكر الله -عز وجل- بمعنى: كلُّ قد علم صلاة الله وتسبيحه الواجبين عليه.
والثالث: أن يكون الذي يعلم (٥) هو الله -عز وجل-، يعلم صلاة الكل منهم وتسبيحه.
واختار (٦) الزَّجّاج هذا القول، فقال: والأجود أن يكون: كلَّ قد علم الله صلاته وتسبيحه، ودليل ذلك قوله ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ (٧).
وعلى هذا قال النَّحاس: كان من حكم النظم أن يكون (وهو عليم بما يفعلون) ولكن إظهار المضمر أفخم، وأنشد سيبويه (٨):
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٤/ ٤٨ - ٤٩.
(٣) في (ظ)، (ع): (ثلاث).
(٤) في (ظ): (إلي).
(٥) في (ظ): (يعلمه).
(٦) في (أ): (واختيار).
(٧) "معاني القرآن" للزجَّاج ٤/ ٤٩. وعلى قول الزجاج هذا يكون قوله (والله عليم بما يفعلون) تأكيد لفظيًا. واستظهر أبو حيان ٦/ ٤٦٣ القول الأول الذي ذكره الواحدي. واستظهره أيضًا الشنقيطي رحمه الله، واستدل بقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ [النور: ٤١] فقد ذكر فيها علمه، وحمل الكلام على التأسيس أولى من حمله على التأكيد. انظر: "أضواء البيان" ٦/ ٢٤٤ - ٢٤٥.
(٨) البيت أنشده سيبويه في الكتاب ١/ ٦٢ ونسبه لسوادة بن عدي، وكذلك نسبه له السيوطي في "شرح شواهد المغني" ٢/ ١٧٦. =
لا أرى الموت يسبق الموت شيء | نغَّص الموت ذا الغنى والفقيرا (١) (٢) |
٤٢ - قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس: يريد لا يملكها أحدُ غيره.
وقال الكلبي: يعني خزائن السموات والأرض: المطر والرزق والنَّبات (٤).
قوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ مرجع العباد بعد الموت [والله أعلم] (٥).
وقال الشنتمري في "تحصيل عين الذهب" ١/ ٣٠ وقيل لأمية بن أبي الصلت.
وهو من غير نسبة في "الخصائص" ٣/ ٥٣.
وصحح البغدادي في "الخزانة" ١/ ٣٨١ أن البيت لعدي بن زيد.
قال البغدادي في "الخزانة" ١/ ٣٧٦ - ٣٨١: أي لا أرى الموت يسبقه شيء، أي لا يفوته،... وقوله نغص الموت... إلخ يريد: نغَّص عيش ذي الغنى والفقير. يعني أن خوف الغني من الموت ينغص عليه الالتذاذ بالغنى والسرور به، وخوف الفقير من الموت ينغص عليه السعي في التماس الغنى، لأنه لا يعلم أنه إذا وصل إليه الغنى هل يبقى حتى ينتفع به أو يقتطعه الموت عن الانتفاع؟.
(١) في (أ): (والفقير).
(٢) قول النحاس وما أنشده لسيبويه في كتابه "القطع والائتناف" ص ٥١٣.
(٣) زيادة من (ع).
(٤) في (أ): (والحساب)، وهو خطأ.
(٥) زيادة من (ظ).
وقال المبرد: يسوقه سوقًا عاجلاً؛ لأنَّ المزجى: الخفيف (٤).
وذكرنا معنى الإزجاء عند قوله ﴿بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ﴾ [يوسف: ٨٨].
قوله: ﴿ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾ الأصل في التأليف: الهمز، فتقول (يؤلِّف) (٥) بالهمز، وإذا خففت أبدلت منها الواو، وهو قراءة ورش، كما تقول: التُّودة، في التؤدة (٦)، فالتَّحقيق (٧) والتخفيف حسنان ولا يختلف النحويون في قلب هذه الهمزة واوًا إذا خففت (٨).
ومعنى التأليف: ضمُّ بعض الشيءُ إلى بعض (٩).
(٢) انظر: (زجا) في "الصحاح" للجوهري ٦/ ٢٣٦٧، "لسان العرب" ١٤/ ٣٥٥.
(٣) قول الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري ١١/ ١٥٥ (زجى).
(٤) قال المبرد في "الكامل" ٢/ ٢٧٩ عند شرحه لقول الشاعر:
وراحت الريح تزجي بُلقه
قال: قوله: "تزجي": يقول: تسوقه وتستحثه،...
وقال في موطن آخر ١/ ٢٨١: المزجاة: اليسيرة الحفيفة المحمل، قال الله -عز وجل-: ﴿وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ﴾ [يوسف: ٨٨].
وقال في موطن آخر ١/ ٢٥٦: يقال زجَّى فلان حاجتي: أي خف عليه تعجيلها.
(٥) في (أ): (تألف)، والمثبت من باقي النسخ والحجَّة.
(٦) التُّؤدة -بفتح الهمزة وسكونها- التَّأني والتَّمهُّل. "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ٢٤٤ (وأد)، "القاموس المحيط" للفيروزابادي ١/ ٣٤٣ (وأد).
(٧) في (أ): (والتحقيق).
(٨) من قوله: (الأصل إلى هنا) نقلًا عن "الحجة" للفارسي ٥/ ٣٣١ مع اختلاف يسير.
(٩) انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ٣٧٨ "ألف"، "لسان العرب" ٩/ ١٠ - ١١ (ألف).
قال الفراء: (بين) لا يصلح إلا [مضافًا إلى] (٢) اثنين (٣) فما زاد، وفي الآية ﴿يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾ لأنَّ السحاب واحد في اللفظ ومعناه جمع، ألا ترى قوله ﴿وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ﴾ [الرعد: ١٢]، وواحدته: سَحَبة، وهو بمنزلة: (نخلة ونخل) و (شجرة وشجر)، وأنت قائل: فلان بين الشَّجر وبين النَّخل، والذي لا يصلح من ذلك قولك: (المال بين زيد)، فهذا خطأ حتى تقول: بين زيد وعمرو، وإن نويت يزيد أنَّه اسم لقبيلة جاز ذلك، كما تقول: (المال بين [تميم) (٤).
وقال الزجاج: يجوز أن يكون السحاب جمع سحابه ويكون ﴿بَيْنَهُ﴾ أي: بين] (٥) جميعه. ويجوز أن يكون السحاب واحد إلا أنَّه قال ﴿بَيْنَهُ﴾ لكثرته (٦)، كما تقول: ما زلت أدور بين الكوفة؛ لأن الكوفة اسم ينتظم أمكنة كثيرة (٧).
وقوله ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا﴾ قال اللَّيث: الرَّكم: جمعك شيئًا فوق شيء حتى تجعله مركومًا ركامًا (٨).
(٢) ساقط من (ظ).
(٣) في (ظ)، (ع): (اسمين).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٦.
(٥) ساقط من (ظ)، (ع).
(٦) في (أ): (لره).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٩ مع اختلاف يسير.
(٨) قول الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٤٢ (ركم)، وهو في "العين" ٥/ ٣٦٩ (ركم).
والمعنى: يجعل بعض السحاب يركب بعضًا (١).
قوله ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ﴾ يعني: القطر والمطر، في قول المفسرين (٢).
قال الليث: الودقُ: المطر كلُّه شديده وهيّنه. يقال: سحابةٌ وادقة (٣)، وقيل ما يقولون: ودقت تدقُ (٤).
وأنشد أبو عبيدة (٥):
(٢) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٥٣ - ١٥٤، الثعلبي ٣/ ٨٧ ب.
وقد ذكر ابن أبي حاتم ٧/ ٥٦ أ، والماوردي ٤/ ١١٣، والقرطبي ١٢/ ٢٨٨ - ٢٨٩ في (الودق) قولين: أحدهما: ما ذكره الواحدي هنا، وعزاه الماوردي والقرطبي للجمهور.
والثاني: أنَّ الودق: البرق.
وانظر: "الدر المنثور" ٦/ ٢١١.
(٣) في المطبوع من "تهذيب اللغة" للأزهري: وداقه.
(٤) قول الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري ٩/ ٢٥١ (ودق). وهو في "العين" ٥/ ١٩٨ (ودق).
(٥) البيت أنشده أبو عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ٦٧ ونسبه لعامر بن جوين الطائي. وهو في "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢١٧، ٢/ ٥٢٠، و"الكامل" للمبرد ٢/ ٢٧٩، و"المقاصد النحوية" للعيني ٢/ ٤٦٤، و "شرح شواهد المغني" ٢/ ٩٤٣، و"خزانة الأدب" ١/ ٥٠ منسوبًا في جميعها لعامر بن جوين.
قال السيوطي في "شرح شواهد المغني" ٢/ ٩٤٣: "مزنة" واحدة المزن، وهو السحاب الأبيض، ويقال للمطر: حب المزن.. والودق بالدال المهملة: المطر، ودقت تدق: قطرت.. وأرض: اسم للبرية المزنة، وأبقل خبرها.. ويقال للمكان أول ما ينبت فيه البقل: أبقل.
وقال البغدادي في "الخزانة" ١/ ٥٠: وصف به أرضًا مخصبة بكثرة ما نزل بها من الغيث.
فلا مزنة ودقت ودقها | ولا أرض أبقل إبقالها |
وقوله: ﴿مِنْ خِلَالِهِ﴾ خَلَلُ (٢) السَّحاب: مخارج القطر، والجميع: الخلال (٣) (٤).
قال أبو إسحاق: خلال: جمع خَلَل، مثل جَبَل وجبال (٥).
وقوله: ﴿مِنْ خِلَالِهِ﴾ من أضعافه (٦).
وذكرنا معنى الخلال عند قوله ﴿فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ﴾ [الإسراء: ٥].
وقوله: ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾ ذكر الفراء والزَّجاج في هذا تقديرين:
أحدهما: وهو قول الفراء: أن الجبال في السَّماء من برد خلقة مخلوقة، كما تقول في الكلام: الآدمي من لحم ودم، فـ (من) هاهنا تسقط فتقول: الآدمي لحم ودم، والجبال برد، وكذا سمعت تفسيره (٧).
وقال أبو إسحاق: المعنى: من جبال برد فيها كما تقول: (هذا خاتم
(٢) في (أ): (خل).
(٣) في (أ): (الخلل).
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٥٧٢ (خل) منسوبًا إلى الليث. وانظر: "لسان العرب" ١١/ ٢١٣ (خلل).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٩.
(٦) لم أجد من ذكره عنه.
(٧) "معاني القرآن" ٢٥٦٢ - ٢٥٨٧.
قال أبو علي: مفعول الإنزال على هذا التقدير محذوف، حذف للدلالة عليه والتقدير: وينزل من السماء من جبال برد فيها بردًا، فاستغنى عن ذكر المفعول للدلالة عليه كما قال تعالى ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ [إبراهيم: ٤٨].
قال: ويجوز أن يكون (٢) ﴿مِنْ بَرَدٍ﴾ في موضع نصب على قول أبي الحسن (٣) في زيادة (من) في الإيجاب كما تقول: أكلت من طعام. فيكون البرد منزلًا على هذا (٤).
ويكون ذكر الجنس الذي منه الجبال محذوفًا إذا جعلت ﴿مِنْ بَرَدٍ﴾ في موضع المفعول به. واختار المبرد هذا التقدير، وقال (٥): أي من جبال في السماء، وتلك الجبال من برد.
وهذا (٦) قول ابن عباس قال: أخبر الله تعالى أن في السَّماء جبالًا من برد (٧).
(٢) (يكون): ساقطة من (ظ).
(٣) قال أبو الحسن الأخفش في كتابه "معاني القرآن" ٢/ ٤٦٤ - ٤٦٥ عند كلامه عن قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٤]: أدخل "من" كما أدخله في قوله: "كان من حديث".. و (ينزل من السماء من جبال فيها من برد) وهو فيما فسر: ينزل من السماء جبالًا فيها برد.
قال ابن عطية ١٠/ ٥٣٠ - بعد حكايته هذا القول عن الأخفش-: وهو ضعيف.
(٤) "الإغفال" لأبي علي الفارسي ٢/ ١١٥١.
(٥) في (أ): (قال، هذا).
(٦) في (أ): (قال، هذا).
(٧) ذكره عنه البغوي ٦/ ٥٤.
وقالوا: (من) الأولى لابتداء الغاية؛ لأن ابتداء الإنزال من السماء.
والثانية: للتبعيض؛ لأن ما ينزله (٤) الله تعالى بعض تلك الجبال التي في السماء.
والثالثة لتبين الجنس؛ لأن الجنس تلك الجبال جنس البرد (٥).
(٢) ذكر الرازي ٢٤/ ١٤ وأبو حيان ٦/ ٤٦٤ هذا القول عن مجاهد والكلبي وأكثر المفسرين.
(٣) يظهر أن الواحدي اعتمد في هذا على قول الفراء. فإن الفراء بعد ذكره للتقدير الأول قال -وهو ما سيذكره الواحدي عنه من التقدير الثاني-: وقد يكون في العربية.
(٤) في (أ): (ينزل).
(٥) ذكر الثعلبي ٣/ ٨٧ ب هذا القول ولم ينسبه لأحد، وذكره البغوي ٦/ ٥٤ ونسبه لأهل النحو، وذكره الرازي ٢٤/ ١٤ ونسبه لأبي علي الفارسي، وذكره الكرماني في "غرائب التفسير" ٢/ ٨٠٢ ونسبه لابن عيسى الرماني.
وقد حكى أبو حيّان والسمين الحلبي الاتفاق على أن "من" الأولى لابتداء الغاية. وأما الثانية والثالثة ففيهما خلاف.
فقيل -وهو ما ذكره الواحدي-: أن الثانية للتبعيض، والثالثة للبيان، ويكون التقدير: وينزل من السماء بعض جبال فيها التي هي البرد.
وقيل: الثانية للابتداء، والثالثة للتبعيض، ويكون التقدير: وينزل بعض برد من السماء من جبال فيها.
وقيل: الثانية للابتداء، والثالثة زائدة، ويكون التقدير: وينزل من السماء جبالًا بردًا. وهذا القول أضعف الوجوه.
فظهر بذلك أن في "من" الثانية ثلاثة أوجه: ابتدائية، أو للتبعيض، أو زائدة.
وفي "من" الثالثة ثلاثة أوجه أيضًا: بيانية، أو للتبعيض، أو زائدة.
وذكر "السمين" الحلبي في "من" الثالثة وجهًا رابعًا: أنَّها ابتدائية. =
التقدير (١) الثاني: قال الفراء: وينزل من السماء من أمثال جبال ومقاديرها من البرد (٢).
وقال أبو إسحاق: ويكون معنى ﴿مِنْ جِبَالٍ﴾ من مقدار جبال من برد، كما نقول: عند فلان جبال مال (٣)، تريد: مقدار جبال من كثرته (٤).
قال أبو علي: الجبال في هذا التقدير معناه: التكثير والتعظيم، لا التي هي خلاف السهل كما قال ابن مقبل:
إذا متّ عن ذكر القوافي فلن ترى | لها شاعرًا مني (٥) أطب وأشعرا |
وأكثر بيتا شاعرًا ضربت (٦) به | بطون جبال الشعر حتى تيسرا (٧) |
(١) في (ظ): (والتقدير).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٧.
(٣) (مال): ساقطة من (ع).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٩.
(٥) هكذا في جميع النسخ و"الإغفال".
(٦) في (ظ)، (ع): (عرضت).
(٧) "الإغفال" لأبي علي ٢/ ١١٥٢.
وقد ذكر الواحدي تقديرين اثنين في معنى "وينزل من السماء من جبال فيها من برد"، وفي الآية تقدير ثالث حكاه الماوردي ٤/ ١١٣: وهو أن السماء: السحاب، سمَّاه لعلوه، والجبال صفة للسحاب أيضًا سمي جبالًا لعظمه لأنَّها إذا عظمت أشبهت الجبال، فينزل منه بردًا.
وانظر الرازي ٢٤/ ١٤، "البحر" لأبي حيان ٦/ ٤٦٤. ابن كثير ٣/ ٢٩٧.
وأما البرد: فإن اللَّيث (١) زعم أنَّه مطرٌ جامد. قال: وسحاب بردٌ (٢): ذو برد؛ وقد برد القوم، إذا أصابهم البرد (٣).
وقوله ﴿فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ﴾ قال مقاتل: يصيب بالبرد من يشاء فيضره في زرعه وثمرته، ويصرفه عمن يشاء فلا يضره في زرعه وثمرته (٤).
ونحو هذا قال ابن عباس والمفسرون (٥).
وقوله: ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾ السنَّا: الضوء. مثل سنا النار، وسنا البدر، وسنا البرق (٦).
(٢) في (ظ): (سحاب بارد).
(٣) قول الليث في "تهذيب اللغة" ١٤/ ١٠٤ (برد) مصدرًا بقول الأزهري: فإنَّ اللَّيث زَعَم.. وهو في "العين" ٨/ ٢٧ (برد) بلفظ: مطر كالجمد.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ ب.
(٥) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٥٤، الثعلبي ٣/ ٨٧ ب.
وعلى هذا القول فالضمير في قوله: "به" وقوله: "ويصرفه" يعود إلى البرد؛ لأنَّه هو الأقرب إلى الضمير، فالإصابة به نقمة وصرفه نعمة.
وقيل: الضمير يعود إلى (الودق)، فالإصابة به نعمة وصرفه نقمة.
وقد أشار الله تعالى إلى طمع الناس في الماء بقوله: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الروم: ٤٨]. انتهى من "تفسير سورة النور" للشنقيطي ص ٦٤ مع اختصار وتصرّف.
وانظر أيضًا "البحر" لأبي حيان ٦/ ٤٦٥، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ٤٢٣ فقد جوّزا هذا الوجه. واستبعده الألوسي ١٨/ ١٩١.
(٦) انظر: (سنا) في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٣/ ٧٧، "الصحاح" للجوهري ٦/ ٢٣٨٣، "لسان العرب" ١٤/ ٤٠٣.
وقال ابن السكيت: السَّنا: سنا البرق، وهو ضوؤه، يكتب بالألف ويثنَّى سنوان، ولم يعرف الأصمعي له فعلًا (٢).
وذكر الكسائي جمع السَّنا فقال: والجماع: سُنيّ وسني، بضم السين وكسرها، والنون مكسورة، والياء مشدَّدة (٣).
وقال المبرّد (٤): السَّنى مقصور وهو اللَّمع، فإذا كان من الشرف والحسب فهو ممدود. والأصل واحد؛ لأن معناهما الإشراق، تقول: ما (٥) رأيت سنى ناره، أي: التماعها كما قال الشاعر:
يكاد سناها في السماء يطير (٦)
قال السدي: يكاد ضوء برقه يلتمع البصر فيذهب به (٧).
(٢) قول ابن السكيت في "تهذيب اللغة" ١٣/ ٧٧ (سنا) بنصِّه، وهو في كتاب "حروف الممدود والمقصور" لابن السكيت ص ٩٩ مع اختلاف يسير.
(٣) لم أجده.
(٤) في "الكامل" للمبرد ١/ ٢٢٠: السنا: ضوء النار، وهو مقصور، قال الله -عز وجل-: (يكاد سنا برقه..) والسنا من الشرف.
ونحوه في "الكامل" ٣/ ١٣٧، ٤/ ٧٤.
وانظر أيضًا " التعازي والمراثي" للمبرد ص ٧٥.
وقد ذكر القرطبي ٢/ ٢٩٠ هذا القول عن المبرد مختصرًا.
(٥) (ما): ليست في (ظ)، (ع).
(٦) لم أقف عليه.
(٧) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٥٦ ب عنه بنحوه.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ التقلب (٤) ﴿لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ لدلالة لأهل (٥) العقول والبصائر على قدرة الله -سبحانه وتعالى- وتوحيده (٦).
﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ يعني كل [حيوان من] (٧) مميز وغيره مما
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٩ ب، ٤٠ أ.
(٣) هذا أحد الوجوه في معنى تقليب الليل والنهار، وفيه وجوه أخرى ذكرها الماوردي وغيره منها:
أولاً: أن معنى ذلك ولوج أحدهما في الآخر، وأخذ أحدهما من الآخر.
ثانيًا: أنه يغيِّر النهار بظلمة السحاب تارة وبضوء الشمس أخرى، ويغيّر الليل بظلمة السحاب مرة وبضوء القمر مرة. وتغير أحوالهما في البرد والحر وغيرهما.
ثالثًا: أن تقلّبهما باختلاف ما يقدر فيهما من خير وشر ونفع وضر.
قال الرازي: ولا يمتنع في مثل ذلك أن يريد تعالى معاني الكل، لأنَّه في الإنعام والاعتبار أولى وأقوى.
انظر الماوردي ٤/ ١١٤، الرازي ٢٤/ ١٥، القرطبي ١٢/ ٢٩٠ "البحر" لأبي حيان ٦/ ٤٦٥، ابن كثير ٣/ ٢٩٧.
(٤) هذا قول مقاتل في "تفسيره" ٢/ ٤٠ أ.
وقيل: إن في ذلك المذكور من تسبيح من في السموات والأرض والطير له سبحانه، وإنشاء السحاب، وإنزال الودق منه، والبرد من السماء، وتقليبه الليل والنهار..
انظر: "الطبري" ١٨٧/ ١٥٥، الثعلبي ٣/ ٨٧ ب، "تفسير سورة النور" للشنقيطي ص ١٦٦.
(٥) في (أ): (أهل).
(٦) (توحيده): ساقطة من (ظ)، (ع).
(٧) ساقط من (أ).
وقوله: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ﴾ قال ابن عباس: يريد الحيّات (٤).
وقال مقاتل: يعني الهوام (٥).
ويدخل في هذا الجنس الحيتان والديدان.
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ﴾ كالإنسان والطير (٦) ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ كالبهائم والأنعام (٧).
قال أبو إسحاق: لما كان قوله: ﴿كُلَّ دَابَّةٍ﴾ لما يعقل ولما لا يعقل قيل: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي﴾. ولما خلط الجماعة وقيل (٨): (منهم)؛ جعلت
(٢) ذكر البغوي ٦/ ٥٥، والقرطبي ١٢/ ٢٩١ هذا القول من غير نسبة لأحد.
وقد روى مسلم في "صحيحه" كتاب: الزهد ٤/ ٢٢٩٤ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خُلقت الملائكة من نور، وخلق الجانُّ من مَّارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم".
(٣) روى ابن أبي حاتم ٧/ ٥٧ أهذا القول عن ابن زيد، وحكاه الماوردي ٤/ ١١٤ عن السدي. وعلى هذا القول اقتصر الطبري ١٨/ ١٥٥.
وحكى الماوردي ٤/ ١١٤، وابن الجوزي ٦/ ٥٣ في قوله: "من ماء" قولًا آخر: وهو أنه الماء المعروف، وهو أصل كل دابة.
(٤) ذكر الطبري ١٨/ ١٥٥ هذا القول ولم ينسبه لأحد.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ أ.
(٦) الطبري ١٨/ ١٥٥، الثعلبي ٣/ ٨٨ أ.
(٧) الطبري ١٨/ ١٥٥، الثعلبي ٣/ ٨٨ أ.
(٨) في (ع): (قبل).
وهذا معنى ما ذكره الفراء (٣).
وقال المبرّد: قوله: ﴿كُلَّ دَابَّةٍ﴾ للناس وغيرهم، وإذا اختلط النوعان حُمل الكلام على الأغلب كما تقول: جاءني أخواك، وأنت تريد: أخاه وأخته وهذا الوجه المستقيم، وقد يخلط بينهما وهما في الحكم (٤) سواء ليس أحدهما أغلب من الآخر كما قال:
يا ليت زوجك قد غدا... متقلدًا سيفًا ورمحًا (٥)
والرمح لا يتقلد، ولكنه لما كان محمولًا كالسيف سوى (٦) بينهما. ومنه قول الآخر:
شرَّاب ألبان وتمر (٧) وأقط (٨)
(٢) "معاني القرآن" للزجَّاج ٤/ ٥٠ مع تقديم وتأخير واختلاف يسير.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٧.
(٤) في (أ): (الحلم)، وهو خطأ.
(٥) البيت في "الكامل" ١/ ١٩٦ منسوبًا لعبد الله بن الزِّبعرى. وهو من غير نسبة في: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٦٨، "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٤٦٦، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٤ وفيه: "بعلك"، "أمالي المرتضى" ١/ ٥٤، "أمالي ابن الشجري" ٣/ ٧٢١، "الخصائص" لابن جني ٢/ ٤٣١، "اللسان" ٣/ ٣٦٧ (لد).
(٦) في (ع): (وسمَّى)، وهو خطأ.
(٧) في (أ): (وثمر)، وهو خطأ.
(٨) أنشد المبرّد هذا البيت من الرَّجز في "الكامل" ١/ ٣٣٤، ٣٧١، ٢/ ٢٧٥، و"المقتضب" ٢/ ٥٠ من غير نسبة لأحد.
وهو في "الإنصاف في مسائل الخلاف" لأبي البركات ابن الأنباري ٢/ ٦١٣، و"لسان العرب" ٢/ ٢٨٧ (زجج).
وقال أبو عبيدة في قوله ﴿يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ﴾: لا يكون المشي إلاَّ لما له قوائم، فإذا خُلط ما لا قوائم له مع ماله قوائم جاز أن تقول: يمشي، كما تقول: أكلت خبزًا ولبنًا (٢).
وهذا ضد ما قال الزجاج في هذه الآية: كل سائر كان (٣) له رجلان أو أربع أو لم يكن له قوائم يقال له (٤): ماشٍ وقد مشى. ويقال لكل مستمر (٥): ماشٍ، وإن لم يكن من الحيوان، حتى يقال: قد مشى هذا الأمر (٦).
والصحيح هذا لا ما قاله أبو عبيدة.
وباقي الآية والذي بعدها ظاهر.
قال ابن عباس (٧): ثم ذكر أهل النفاق وشكّهم في الله تعالى فقال:
٤٧ - ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ قال مقاتل: صدقنا بتوحيد الله وبالرسول محمد أنَّه من الله ﴿وَأَطَعْنَا﴾ قولهما، يعني المنافقين يقولون هذا بألسنتهم ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ ثم يعرض عن طاعتهما طائفة منهم ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ من بعد قولهم أمنا (٨).
(٢) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٦٨ مع اختلاف يسير.
(٣) (كان): ساقطة من (ع).
(٤) (له): ساقطة من (ظ)، (ع).
(٥) في (ظ): (مشمر) ومهملة في (ع).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٠.
(٧) لم أجد من ذكره عن ابن عباس. وقد روى ابن أبي حاتم ٧/ ٥٧ ب، ٥٨ أعنه أبي العالية وقتادة أنها في المنافقين.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ أ.
٤٨ - ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ﴾ إلى كتاب الله ﴿وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ الرسول فيما اختصموا فيه ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ (٢) عما يُدعون إليه من حكم الله ورسوله.
وقال الفراء: إنَّما قال: ﴿لِيَحْكُمَ﴾، ولم يقل: ليحكما؛ لأن المعنى: للرَّسول، وإنَّما بُدئ (٣) بذكر الله إعظامًا لله (٤).
وذكرنا مثل هذا فيما تقدم (٥).
٤٩ - ﴿وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ قال ابن عباس (٦)،
وذكره الثعلبي ٣/ ٨٨ أمن غير سند.
وذكر الواحدي في "أسباب النزول" ص ١٣٣ من رواية الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس نحو هذا في سبب نزول قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ﴾ [النساء: ٦٠]. ومقاتل والكلبي وأمثالهما لا يعتمد عليهم في الرواية.
(٢) في (أ)، (ظ): (فإذا)، وهو خطأ.
(٣) في (أ): (بدأ).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٨ مع تقديم وتأخير.
(٥) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦٢].
(٦) روى الطبري ١٨/ ١٥٦ مثل هذا القول عن مجاهد، ورواه ابن أبي حاتم ٧/ ٥٨ أ، ب عن ابن زيد، وذكره النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٥٤٧ عن عطاء. وحكاه الماوردي ٤/ ١١٥ والقرطبي ١٢/ ٢٩٣ عن مجاهد.
وقال الكلبي: طائعين (٢).
وقال الزَّجَّاج: الإذعان في اللغة: الإسراع مع الطَّاعة. تقول: قد أذعن لي بحقي، أي: طاوعني لما كنت التمسه منه، وصار يسرع إليه (٣).
وقال ابن الأعرابي: مذعنين: مقِّرين خاضعين (٤).
وقال المبرد: طائعين غير ممتنعين كما تقول: أذعن فلان بحقي، إذا أقرَّ به ولم يمتنع (٥).
أخبر الله تعالى أنَّ المنافقين يعرضون عن حكم الرسول لعلمهم بأنه (٦) يحكم بالحق ولا يداهن، فإذا كان الحق لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لثقتهم بأنَّه كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضًا بالحق وينتصف لهم ممَّن لهم الحق عليه.
قال ابن عباس: ثم أخبر بما في قلوبهم من المرض والشك فقال: ﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾.
قال مقاتل: يعني الكفر (٧).
(٢) روى ابن أبي حاتم ٧/ ٥٨ ب مثل هذا القول عن الحسن، وذكره الماوردي ٤/ ١١٥ وقال: حكاه ابن عيسى.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٠.
(٤) قول ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" للأزهري ٢/ ٣٢٠ (ذعن).
(٥) انظر نحو هذا عند الطبري ١٨/ ١٥٦، وانظر: "لسان العرب" ١٣/ ١٧٢ (ذعن).
(٦) في (ظ)، (ع): (أنَّه).
(٧) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ أ.
وإنَّما جاء بلفظ الاستفهام؛ لأنَّه أشد في الذم والتوبيخ، أي أنَّ هذا أمرٌ قد ظهر حتى لا يحتاج فيه إلى البيّنة (١)، كما جاء في نقيضه على طريق الاستفهام لأنَّه أشد مبالغة وهو قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا (٢)
أي أنتم كذلك (٣).
وبنحو (٤) هذا فسر ابن عباس فقال: أخبر الله تعالى بما في قلوبهم من المرض والشك.
فجعل معنى هذا الاستفهام: الإخبار.
قوله تعالى: ﴿أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ﴾ قال ابن عباس والمفسرون (٥): أن يجور الله عليهم.
(٢) هذا صدر بيت من قصيدة يمدح بها عبد الملك بن مروان، وعجزه:
وأندى العالمين بطون راح
وهو في "ديوانه" ١/ ٨٩، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٣٦، ١٨٤، و"أمالي ابن الشَّجري" ١/ ٢٦٥، و"لسان العرب" ٧/ ١٠ (نقص)، "مغني اللبيب" لابن هشام ١/ ٢٤.
قال السيوطي في "شرح شواهد المغني" ١/ ٤٤: المطايا: جمع مطية، وهي الدابة تمطو في مشيها أي: تسرع، وأندى: أسخى، والراح: جمع راحة وهو الكف. اهـ.
(٣) من قوله: وإنما جاء بلفظ الاستفهام.. إلى هنا. هذا قول الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٨٨ أمع اختلاف يسير في العبارة. وقد ذكره ابن الجوزي ٦/ ٥٥، والقرطبي ١٢/ ٢٩٤، وأبو حيان ٦/ ٤٦٧ من غير نسبة.
(٤) في (أ): (ونحو).
(٥) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٥٦.
وقال المبرد: يقال: حاف علي فلانٌ في القضية، أي جار علي وألزمني ما لا يلزم (٢).
﴿بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ أي: لا يظلم الله ورسوله في الحكم، بل هم الذين يظلمون أنفسهم بالكفر والإعراض عن حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٣).
قال مقاتل: ثم نعت الصادقين في إيمانهم فقال:
٥١ - ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الآية (٤).
قال الفراء: ليس هذا بخبر (٥) ماض يخبر (٦) عنه (٧)، كما تقول: إنما كنت صبيًّا، ولكن معناه: إنما كان ينبغي أن يكون قول المؤمنين إذا دعوا أن يقولوا سمعنا وأطعنا، وهو أدب من الله تعالى. قال: وكذا جاء في التفسير (٨).
وقال مقاتل: يقولوا سمعنا قول النبي وأطعنا أمره (٩).
(٢) لم أجد من ذكره عنه، وانظر: "لسان العرب" ٩/ ٦٠ (حيف).
(٣) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٥٧.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ أ.
(٥) في (أ): (الحبر) في الموضعين.
(٦) في (أ): (الحبر) في الموضعين.
(٧) (عنه): ساقطة من (ع).
(٨) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٨.
(٩) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ أ.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ قال ابن عباس: فيما ساءه وسرّه (٣).
وقال مقاتل: في أمر الحكم ﴿وَيَخْشَ اللَّهَ﴾ في ذنوبه التي عملها ﴿وَيَتَّقْهِ﴾ فيما تعبد (٤) فلم يعص الله (٥).
والمعنى: يتقي عذاب الله بطاعته (٦).
وفي (يتقه) وجوه من القراءات:
أحدها: (يتَّقهي) موصولة بياء (٧)، وهو الوجه؛ لأن ما قبل الهاء متحرك، وحكمها إذا تحرك ما قبلها أن تتبعها الياء في الوصل.
وروى قالون (٨)، عن نافع: بكسر الهاء ولا يبلغ بها الياء (٩). ووجهه
(٢) ذكره عنه القرطبي ١٢/ ٢٩٤.
(٣) ذكره عنه البغوي ٦/ ٥٦. وذكره الرازي ٢٤/ ٢٢ من غير نسبة.
(٤) في (أ): (يعبد)، والمثبت من باقي النسخ و"تفسير مقاتل".
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ أ.
(٦) هذا قول الطبري ١٤/ ١٥٧ بنصِّه.
(٧) وهذه قراءة جمهور القراء.
"السبعة" ص ٤٥٧، "التَّبصرة" ص ٢٧٤، "التيسير" ص ١٦٣.
(٨) هو: عيسى بن مينا بن وردان بن عيسى، الزرقي مولى بني زهرة، أبو موسى، الملقب بقالون. قارئ المدينة في زمانه ونحويّهم. يقال إنَّه ربيب نافع، وقد اختص به كثيرًا، وهو الذي سمَّاه قالون لجودة قراءته، وهي لفظة رومية معناه: جيّد. وانقطع لإقراء القرآن والعربية، وطال عمره وبعد صيته. توفي سنة ١٢٠ هـ.
"معرفة القراء الكبار" للذهبي ١/ ١٥٥، "غاية النهاية" ١/ ٦١٥، "شذرات الذهب" ٢/ ٤٨.
(٩) انظر: "السبعة" ص ٤٥٧، "التبصرة" ص ٢٧٤، "التيسير" ص ١٦٣.
وقرأ أبو عمرو: (ويتَّقه) جزمًا (٢). ووجهه أن ما يتبع هذه الهاء من الواو والياء زائد (٣) فردَّ إلى الأصل، وحذف ما يلحقه من الزيادة.
وقد حكى سيبويه (٤) أنه سمع: (هذه أمة (٥) الله)، في الوصل والوقف، وهذه الهاء التي في هذه قد أجروها مجرى هاء الضمير، فلما (٦) استجازوا الحذف في هذه فكذلك يجوز في الهاء التي للضمير.
وروى حفص عن عاصم (ويتقه) ساكنة القاف مكسورة الهاء مختلسه (٧).
ووجهه أن (تقه) من (يتقه) بمنزلة: كتف، فكما (٨) يسكن (٩) كتف، كذلك سكَّن القاف من (تقه) (١٠) (١١). وقد تقدَّم لهذا نظائر واستشهادات.
(٢) انظر: "السبعة" ص ٤٥٧، "التبصرة" ص ٢٧٤، "التيسير" ص ١٦٢.
(٣) في "الحجة": زائدة.
(٤) "الكتاب": ٤/ ١٩٨.
(٥) في (ظ)، (ع): (آية).
(٦) في "الحجة": فكما.
(٧) انظر: "السبعة" ص ٤٥٨، "التبصرة" ص ٢٧٤، "التيسير" ص ١٦٣.
(٨) في (ظ)، (ع): (فلما)، والمثبت من (أ) والحجة.
(٩) في (ع): (سكن).
(١٠) في (أ): (يقه).
(١١) من قوله: (يتقهي) موصولة.. إلى هنا. نقلاً عن "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٢٧ - ٣٢٩ مع تقديم وتأخير واختلاف يسير. =
ومن يتَّق فإنَّ الله معه | ورزق الله منتاب (٥) وغاد |
(١) ذكر ابن خالويه في "علل القراءات" ٢/ ١١٣ هذا القول باختصار مع البيت، ولم ينسبه لأحد. وابن خالويه يروي عن ابن الأنباري.
(٢) أي توهّم أنَّها لام الفعل فتُسكن للجزم.
(٣) (الياء): ساقطة من (ع).
(٤) لم أجده في كتابه "معاني القرآن". ويظهر أنه من تمام كلام ابن الأنباري.
والبيت بلا نسبة في "الخصائص" لابن جني ١/ ٣٠٦، والصاحبي في "فقه اللغة" لابن فارس ص ٤٨، و"شرح شواهد الشافية" ص ٢٢٨، و"لسان العرب" ١/ ٢١٨ (أوب) ١٥/ ٤٠٢ (وقي) والرواية عندهم: (مؤتاب) في موضع (منتاب).
وصدر البيت في "همع الهوامع" ١/ ٧٩ بلا نسبة.
(٥) هكذا في جميع النسخ، وفي بقية المصادر التي ذكرت البيت: مؤتاب.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ ب.
وذكر الثعلبي ٣/ ٨٨ أنحوه بغير سند.
وروى ابن مردويه كما في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٤ عن ابن عباس نحو هذا.
٥٣ - ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ قال مقاتل: من حلف بالله فقد اجتهد في اليمين (١). وقد مرّ (٢).
﴿لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ﴾ يا محمد ﴿لَيَخْرُجُنَّ﴾ إلى الجهاد ومن أموالهم وديارهم (٣).
﴿قُلْ لَا تُقْسِمُوا﴾ قال ابن عباس: قل: لا تحلفوا فإنَّ الله لو بلغ منكم (٤) الجهد. لم تبلغوه. يعني: لو كلَّفكم (٥) ما تُقسمون عليه ما وفَّيتم بيمينكم (٦) (٧).
وتمّ الكلام. ثم قال:
﴿طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ﴾ قال مقاتل بن حيان: أمرهم أن لا يحلفوا على شيء، ولكن أمرهم أن تكون منهم طاعة معروفة للنبي -عليه السلام- من غير أن يقسموا (٨).
(٢) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ [المائدة: ٥٣]، و"البسيط" عند قوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩].
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ ب.
(٤) (منكم): ساقطة من (ع).
(٥) في (أ): (لم تبلغوا نعمتي لو كفلكم)، وهي عبارة لا معنى لها.
(٦) في (ع): (بتمنيكم)، وهو خطأ.
(٧) لم أجده.
(٨) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٥٩ أ، ب وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٤ ونسبه لابن أبي حاتم.
وهذا معنى قول الكلبي، يقول: أطيعوه وقوله المعروف من الكلام.
وفسَّر ابن عباس الطاعة المعروفة] (٣) -هاهنا- بأن يُضمروا في القلب طاعته بنيَّة خالصة (٤).
وقال أبو إسحاق: تأويله: طاعة معروفة أمثل من قسمكم بما لا تصدقون فيه. فالخبر مُضمر وهو: "أمثل"، وحذف لأن في الكلام دليلًا (٥) عليه (٦).
وقال مجاهد: أي هذه طاعة معروفة منكم بالقول دون الاعتقاد. أي أنَّكم تكذبون فيما تقولون: لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا خرجنا (٧).
وذكر أبو عبيدة هذا الوجه فقال: أي هذه طاعة معروفة (٨).
وعلى هذا معنى المعروفة أنها عرفت منهم، فهم يقولون ولا يفون بما يقولون.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ ب.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) ذكر البغوي ٦/ ٥٧، والقرطبي ١٢/ ٢٩٦ نحو هذا المعنى ولم ينسباه لأحد.
(٥) في (أ): (دلالة).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥١.
(٧) ذكر الثعلبي ٣/ ٨٨ أهذا القول وقال: وهذا معنى قول مجاهد. اهـ.
وقد رواه بنحوه مختصر الطبري ١٨/ ١٥٧. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٤ بمثل رواية الطبري ونسبه لابن المنذر.
(٨) هذا معنى ما قاله أبو عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ٦٩، ونصُّه: (طاعة معروفة) مرفوعتان.. ، فرفعتا على ضمير يُرفع به، أو ابتداءً.
وقد حصل في ارتفاع الطاعة ثلاثة أقوال (٣).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي من طاعتكم بالقول ومخالفتكم بالفعل (٤).
وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد بأعمالكم وسرائركم.
قال مقاتل: ثم أمرهم الله بطاعته وطاعة رسوله فقال: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ (٥).
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ قال الفراء: واجه القوم، ومعناه: فإن تتولَّوا، فهي في موضع جزم، ولو كانت لقوم غير مخاطبين كان فعلاً ماضيًا بمنزلة قولك: فإن قاموا، كما قال ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ﴾ [التوبة: ١٢٩] هؤلاء غير مخاطبين، والجزاء يصلح فيه فَعَل ويفعل كهذه (٦) الآية والتي في هذه السورة، وأنت تعرفهما بالقراءة بعدهما؛ ألا ترى قوله: {عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ
(٢) هذا قول الطبري ١٨/ ١٥٧، والثعلبي ٣/ ٨٨ ب.
(٣) هذه الأقوال هي حسب ذكر الواحدي لها:
الأول: أن تكون فاعلةً بفعل محذوف، أي: ولتكن طاعةٌ.
الثاني: أنها مبتدأ والخبر محذوف، أي: أمثل أو أولى.
الثالث: أنها خبر مبتدأ مضمر تقديره: هذه طاعة، أو المطلوب طاعة.
وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١٤٤، "مشكل إعراب القرآن" لمكي ٢/ ٥١٤ - ٥١٥، "البيان في غريب إعراب القرآن" للأنباري ٢/ ١٩٨، "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٥٨ - ١٥٩، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ٤٣٢.
(٤) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٥٧، الثعلبي ٣/ ٨٨ أ.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ ب.
(٦) في (ظ): (هذه)، وفي (ع): (بهذه).
وقد بان بما ذكر أن قوله ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ (٢) مخاطبة من الله تعالى لهم بعد أن أمر رسوله أن يخاطبهم بقوله: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾، ولو كان قوله: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ من خطاب الرسول معهم لقال: فإنما علي ما حمل.
قال ابن عباس: الذي حمِّل النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبلغهم، وحملوا أن يطيعوه (٣).
وقال مقاتل (٤)، والسدي (٥): يقول فإنما على محمد ما أمر من تبلغ الرسالة، وعليكم ما أمرتم من طاعتهما.
﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ تصيبوا الحق (٦).
﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ ليس عليه إلاَّ أن يبلغ ويبين لكم.
٥٥ - ﴿وَعَدَ اللَّهُ﴾ الآية، قال أبي بن كعب: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه المدينة، وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا مع السلاح ولا يصبحون إلاَّ فيه، فقالوا: ترون أنَّا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله، فنزلت هذه الآية (٧).
(٢) (تولوا) ساقط من (ظ).
(٣) ذكره القرطبي ١٢/ ٢٩٦ عن ابن عباس وغيره.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ ب.
(٥) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٥٩ ب عن السدي. وذكره السيوطيِ في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٤ ونسبه لابن أبي حاتم.
(٦) "الطبرى" ١٨/ ١٥٨.
(٧) رواه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين في زوائد المعجمين" =
ومعنى ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ﴾ ليجعلنهم يخلفون من قبلهم.
قال المفسرون: أي لنورثنهم أرض الكفّار من العرب والعجم فنجعلهم ملوكها وساستها وسكانها (٣).
وعلى هذا الآية عامة في المؤمنين.
وخصص بعضهم الآية بالخلفاء والولاة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وهو قول ابن عباس في رواية عطاء، ومعنى قول مقاتل بن حيان.
قال ابن عباس -في هذه الآية-: يريد أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- ومن
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٦ وعزاه أيضًا لابن المنذر وابن مردويه. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٨٣: ورجاله ثقات.
(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٨، "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥١.
(٢) وفي مجيء اللام في (ليستخلفنهم) وجه آخر، وهو أن اللَّام جواب قسم مضمر أي: أقسم ليستخلفنهم، ويكون مفعول الوعد محذوفًا تقديره: وعدهم الاستخلاف لدلالة (ليستخلفنهم) عليه. أو التمكين لدينكم. انظر: "البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٤٦٩، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ٤٣٤.
(٣) الثعلبي ٣/ ٨٨ ب، والطبري ١٨/ ١٥٨.
وقال مقاتل: ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ يعني أرض المدينة (٢).
وهذا يدل على أنه أراد استخلاف الخلفاء الثلاثة الذين ذكرهم ابن عباس؛ لأنَّهم كانوا في المدينة، ولم يرد تخصيص الأرض بالمدينة؛ لأن الله تعالى فتح عليهم الكثير من أرض الدنيا، وليس في أن يعدهم فتح أرض المدينة كبير (٣) نصرة ولا تمكين في الدين. كيف والآية نازلة بعد أن كانوا في المدينة، ولكن أراد: ليجعلهم خلفاء في المدينة يسكنونها.
والآية على هذا التفسير دلالة على خلافة هؤلاء، وأنَّ الوعد من الله قد سبق (٤) باستخلافهم. [خلفاء في المدينة] (٥). والظاهر القول الأول (٦).
(٢) رواه عنه ابن أبي حاتم ٧/ ٦١ أ.
وروى عنه ابن أبي حاتم ٧/ ٦٠ ب أيضًا أنه قال في قوله ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ قال: يعني أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
(٣) في (أ): (كثير).
(٤) في (ع): (قد سبق من الله).
(٥) ساقط من (ظ)، (ع).
(٦) ويدخل في ذلك أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- دخولًا أوَّليًّا "لأنَّه لم يتقدمهم أحدٌ في الفضيلة إلى يومنا هذا؛ فأولئك مقطوع بإمامتهم، متفق عليهم- وصدق وعد الله فيهم، وكانوا على الدين الذي ارتضى لهم، واستقر الأمر لهم، وقاموا بسياسة المسلمين، وذبُّوا عن حوزة؛ فنفذ الوعد فيهم، وصدق الكلام فيهم. وإذا لم يكن هذا الوعد بهم يُنجز، وفيهم نَفَذ، وعليهم ورد، ففيمن يكون إذن؟ وليس بعدهم مثلهم إلى يومنا هذا، ولا يكون فيما بعده" انتهى من كلام ابن العربي في "أحكام القرآن" ٣/ ١٣٩٢.
وانظر ما قاله أبو حيان ٦/ ٤٦٩، وابن كثير ٣/ ٣٠٠ - ٣٠٢ في إنجازه وعده للصحابة ومن بعدهم حين قاموا بالشروط في الآية.
روى أبو بكر، عن عاصم: (استُخلف) بضم التاء وكسر اللام (٣).
والوجه (استخلف) ألا ترى أنَّ (٤) اسم الله قد تقدم ذكره، والضمير في ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ﴾ يعود إلى اسم الله؛ فكذلك في قوله ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ﴾ والمعنى: يستخلفنهم استخلافًا كاستخلافه (٥) الذين من قبلهم. ووجه (استخلف) أنه مراد به ما أريد باستخلف (٦).
قوله تعالى: ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى﴾ قال ابن عباس: يريد يوسع لهم في البلاد حتى يملكوها، ويظهر دينهم على جميع الأديان، ويملِّكهم على جميع الملوك (٧).
قوله تعالى: ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ قرئ بالتخفيف والتشديد
(٢) في (أ): (هلك).
(٣) وقرأ الباقون بفتح التاء واللام. "السبعة" ص ٤٥٨، "التبصرة" ص ٢٧٤، "التيسير" ص ١٦٣.
(٤) في (أ): (أنَّه).
(٥) في (أ): (كاستخلاف)، والمثبت من باقي النسخ و"الحجة".
(٦) من قوله: (وروى أبو بكر، عن عاصم).. إلى هنا، نقلاً عن "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٣١ - ٣٣٢ مع اختلاف يسير.
وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٥٨، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٥٠٤.
(٧) ذكره عنه البغوي ٦/ ٥٨ إلى قوله: الأديان.
قال الفراء: وهما متقاربان. فإذا قلت للرجل: قد بُدَّلت. فمعناه. غيِّرت وغيرت حالك ولم يأت مكانك آخر، وكلُّ ما غيِّر عن حاله فهو مبدَّل بالتشديد.
وقد يجوز مبدل -بالتخفيف- وليس بالوجه. وإذا جعلت الشيء مكان الشيء قلت: قد أبدلته (٢)، كقولك: أبدل هذا الدرهم، أي: أعطني مكانه (٣). وبدَّل جائز. فمن شدد فكأنه جعل سبيل الخوف أمنا، ومن خفف قال: الأمنُ خلاف الخوف، فكأنَّه قال: جعل مكان الخوف أمنا، أي: ذهب بالخوف وجاء بالأمن.
وهذا من سعة العربية. وقال أبو النَّجم (٤):
"التبصرة" ص ٤٥٨، "الإقناع" لابن الباذش ٢/ ٧١٣، "التيسير" للداني ص ١٦٣.
(٢) في (أ): (بدلته)، وهو خطأ.
(٣) في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ١٣٢ (بدل) نقل عن الفراء يزيد كلامه الذي نقله عنه الواحدي من كتابه "معاني القرآن" وضوحًا قال الأزهري: وقال أبو العباس -أحمد بن يحيى-: وقال الفراء: يقال: أبدلتُ الخاتم بالحلقة، إذا نحَّيت هذا وجعلت هذا مكانه.
وبدَّلت الخاتم بالحلقة، إذا أذبته وسوّيته حلقة..
قال أبو العباس: وحقيقته أن التَّبديل: تغيير الصورة إلى صورة أخرى والجوهرة بعينها، والإبدال: تنحية الجوهرة واستئناف جوهرة أخرى. اهـ.
قال النحاس في "إعراب القرآن" ٣/ ١٤٥ - ١٤٦ بعد ذكر قول ثعلب في التفريق بين التبديل والإبدال-: وهذا القول صحيح.. غير أنَّه قد يستعمل أحدهما في موضع الآخر. اهـ.
(٤) هو الفضل بن قُدامة العجلي، تقدت ترجمته في سورة النساء. =
فهذا يوضح الوجهين جميعًا (١).
وقال مقاتل بن سليمان: من بعد خوفهم من كفار مكة (٢).
وقال عطاء، عن ابن عباس: يريد من بعد خوف أبي بكر في الغار.
والوجه: أنَّه على العموم في كل خوف كان لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال مقاتل بن حيان: فقد فعل الله بهم ذلك (٣)، وبمن كان بعدهم من هذه الأمة فمكَّن لهم (٤) في الأرض، وأبدلهم أمنا من بعد خوف، وبسط لهم في الأرض (٥)، ونصرهم على الأعداء، فقد أنجز الله موعده لهم (٦).
قوله ﴿يَعْبُدُونَنِي﴾ قال أبو إسحاق: يجوز أن يكون في موضع الحال على معنى: وعد الله المؤمنين في حال عبادتهم بإخلاصهم لله ليفعلن بهم (٧).
الحمد لله الوهوب المجزل | أعطى فلم يبخل ولم يبخَّلِ |
(١) "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٢٥٩ مع تصرف.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ ب.
(٣) في (ظ)، (ع): (ذلك بهم).
(٤) في (أ): (فمكَّنهم).
(٥) في رواية ابن أبي حاتم: الرزق.
(٦) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٦١ ب، ٦٢ أ.
(٧) "معاني القرآن" للزَّجَّاج ٤/ ٥١.
قال أبو إسحاق: ويجوز أن يكون استئنافًا على طريق الثناء عليهم وتثبيتًا كأنه قال: يعبدونني (١) المؤمنون لا يشركون بي شيئًا (٢).
وهذا معنى قول ابن عباس: يريد عصمة مني لهم. يعني أعصمهم عن عبادة غيري والإشراك بي.
قال مقاتل: لا يشركون بي شيئًا من الآلهة (٣).
وهو قول العامة (٤).
وروى [ليث، عن] (٥) مجاهد، عن ابن عباس: لا يخافون أحدًا غيري (٦).
(١) في "معاني الزجاج": يعبدني.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥١.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ ب.
(٤) انظر: " الطبري" ١٨/ ١٥٩، ابن أبي حاتم ٧/ ٦٢ أ، الثعلبي ٣/ ٨٨ ب.
(٥) ساقط من (أ)، (ظ)، وفي (ع): (وروى مجاهد، عن ليث، عن ابن عباس)، وهو خطأ، والصواب ما أثبتنا.
(٦) روى ابن أبي حاتم و"تفسيره" ٧/ ٦٢ أمن طريق ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: (يعبدونني لا يشركون بي شيئًا) قال: يعبدونني. هكذا في المخطوط، ويظهر أن فيه نقصًا.
وروى الطبري ١٨/ ١٦٠ من طريق ليث، عن مجاهد (يعبدونني لا يشركون بي شيئًا) قال: لا يخافون غيره. هكذا لم يذكر ابن عباس.
وذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٦ هذا القول عن ابن عباس، وعزاه لعبد ابن حميد.
وذكره عن مجاهد وعزاه للفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر. =
قوله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ﴾ يعني بهذه النعم (٢)، وليس يعني (٣) الكفر بالله؛ لأن الكافر بالله فاسق بعد هذا الإنعام وقبله، والله [تعالى يقول: ﴿وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ﴾ أي جحد حق هذه النعم بعد إنْعام الله] (٤) بها.
وهذا معنى قول الربيع، وأبي العالية (٥)، وأبيّ بن كعب (٦)، ومقاتل ابن حيان (٧).
وهذه الرواية سواء عن ابن عباس أو مجاهد ضعيفة؛ لأن في سندها ليثًا، وهو ابن أبي سليم متفق على ضعفه.
(١) (أحدًا): زيادة من (ع).
(٢) في (ع): (النعمة).
(٣) في (أ): (بمعنى)، وفي (ع): (معنى).
(٤) ساقط من (ع).
(٥) رواه الطبري ١٨/ ١٥٩ - ١٦٠، وابن أبي حاتم ٧/ ٦٢ أعن الربيع، عن أبي العالية.
(٦) لم أجد من ذكره عنه. لكن أبا العالية يروي كثيرًا عن أبيّ -رضي الله عنه-.
(٧) رواه عنه ابن أبي حاتم ٧/ ٦٢ أ، ب.
واختار الطبري ١٨/ ١٦٠ هذا القول. فهو على هذا كفر وفسق غير مخرج من الملّة. وفي الآية قول آخر: أنَّه الكفر والفسق الناقل عن الملة. ذكره ابن عطية ١٠/ ٥٤، وأبو حيان ٦/ ٤٧٠ وقالا: وهو ظاهر قول حذيفة -رضي الله عنه-.
وقال الشنقيطي "تفسير سورة النور" ص ١٨٥: والأظهر أنَّ المراد الكافر الأكبر والفسق الأكبر، فهم خارجون عن طاعة الله خروجًا كليًّا، والفسق يطلق على الكفر الأكبر في قوله: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [السجدة: ٢٠].
وهذا يدل على أن الكفر هاهنا كفر بالنعمة لا كفر بالله [-عز وجل-] (٢)
٥٧ - قوله تعالى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ لا تحسبن يا محمد الكافرين.
قال مقاتل: يعني أهل مكة يعجزوننا ويفوتوننا (٣).
قال الزجاج: أي قدرة الله محيطة بهم. وقرئت (لا يحسبن) بالياء (٤) على حذف المفعول الأول من يحسبن [على معنى: لا يحسبن الذين كفروا إياهم معجزين، كما تقول: زيد حسبه (٥) قائمًا، تريد: حسب نفسه قائمًا (٦). وكأنَّه قيل: لا يحسبن] (٧) الذي كفروا أنفسهم معجزين، وهذا في باب ظننت، تطرح فيه النفس يقال: ظننتني أفعل، ولا يقال: ظننت نفسي. ولا يجوز ضربتني، استغني عنها بضربت نفسي.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٦ عن مجاهد وعزاه للفريابي وغيره. وذكره البغوي ٦/ ٥٩ ولم ينسبه لأحد.
(٢) زيادة من (ظ).
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤١ أ.
(٤) قرأ ابن عامر وحمزة "لا يحسبن" بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.
انظر: "السبعة" ص ٣٠٧، "المبسوط" لابن مهران ص ٢٦٩، "إرشاد المبتدي" للفلانسي ص ٤٦٤.
(٥) في (ظ)، (ع): (زيدًا حسبته)، والمثبت من (أ)، و"معاني القرآن" للزجَّاج.
(٦) (قائمًا): ساقطة من (ظ)، (ع).
(٧) في هامش (أ) وعليه علامة: التصحيح.
وقال أبو علي: من قرأ بالياء جاز أن يكون فاعل الحسبان أحد شيئين: إنما أن يكون قد أضمر (٢) ضمير النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنه قال: لا يحسبن النبي الذين كفروا معجزين (٣)، ويجوز أن يكون فاعل الحسبان: الذين كفروا، ويكون المفعول الأول محذوفًا تقديره: لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم (٤).
وهذا هو الوجه الذي ذكره أبو إسحاق. والوجه قراءة العامة بالتاء لظهور مفعولي الحسبان.
قال مقاتل (٥)، والكلبي في هذه الآية: لا يحسبن الذين كفروا فايتين في الأرض هربًا حتى يخزيهم بكفرهم.
وقوله: ﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ [قال صاحب النظم: لا يحتمل أن يكون هذا متصلًا بقوله ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾، [لأن ذلك نفيٌ، وقوله ﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾] (٦) إيجاب لا نفي. فهو معطوف بالواو على مضمر قبله تقديره: لا يحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض]] (٧) بل مقدور عليهم ومحاسبون ومأواهم النار (٨).
(٢) في (أ)، (ع): (يضمر)، والمثبت من (ظ)، وفي "الحجة": قد تضمَّن ضميرًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
(٣) في (ع) زيادة: (في الأرض)، وهو انتقال نظر من الناسخ إلى ما بعده.
(٤) "الحجة" للفارسي ٥/ ٣٣٢.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤١ أ.
(٦) ساقط من (ظ).
(٧) ساقط من (ع).
(٨) ذكره أبو حيان ٦/ ٤٧٠ عن صاحب النظم بأخصر مما هنا. ثم قال: واستبعد العطف من حيث إن (لا تحسبن) نهي (ومأواهم النار) جملة خبرية فلم يناسب =
وذكره أيضًا السمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ٤٣٨ وصرَّح باسمه فقال: قال الجرجاني.
ووهم المحقق فظَّنه عبد القاهر الجرجاني وأحال على البحر لأبي حيان.
وحكى السمين في الآية قولين آخرين غير قول الجرجاني: أحدهما: أن هذه الجملة عطف على جملة النهي قبلها من غير تأويل ولا إضمار. قال: وهو مذهب سيبويه. والثاني: أنها معطوفة عليها ولكن بتأويل جملة النهي بجملة خبرية، والتقدير: الذين كفروا لا يفوتون الله ومأواهم النار. وعزاه للزمخشري، وهو في "تفسيره" ٣/ ٧٤.
(١) انظر: "الإصابة" ٣/ ٣٧٤ فقد اقتصر على تسميته بمدلج الأنصاري ثم ذكر خبره مع عمر -رضي الله عنه-.
ووقع عند الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٨٩ أ، والبغوي في "تفسيره" ٦/ ٦٠ مدلج بن عمرو.
(٢) في (ظ)، (ع): (الساعة).
(٣) في (أ)، (ع): (قد نزل عليه هذه الآية).
(٤) رواه ابن منده في "معرفة الصحابة" كما في "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن =
قال ابن عباس: يريد من النساء والرجال (٣).
وقال عطاء: ذلك على كل صغير وكبير أن يستأذن (٤).
[وقال أبو عبد الرحمن السُّلمي -في (٥) هذه الآية-: هي (٦) خاصة للنساء. الرجال يستأذنون على كل حال بالليل والنهار (٧).
وقد ذكره الثعلبي ٣/ ٨٩، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٢٧٣، والبغوي ٦/ ٦٠ كلهم عن ابن عباس من غير سند.
(١) في (أ): (مرشد).
(٢) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٦٣ ب عن مقاتل بن حيان. وذكره عنه ابن كثير ٣/ ٣٠٣. والسيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٧ وعزاه لابن أبي حاتم.
وقول مقاتل بن سليمان في "تفسيره" ٢/ ٤١ أ.
وذكره الثعلبي ٣/ ٨٩ أعن مقاتل بن سليمان.
(٣) ذكره عنه الرازي ٢٤/ ٢٩.
(٤) رواه الطبري ١٨/ ١٦٢.
(٥) (في): ساقطة من (أ).
(٦) (هي): ساقطة من (ع).
(٧) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢١٩، والطبري ١٨/ ١٦١، وابن أبي حاتم ٧/ ٦٣ ب.
ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٤٠٠ مختصرًا.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٩ ونسبه للفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وروى ليث، عن نافع، عن ابن عمر: ﴿لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ قال: هي للرجال دون النساء (٤).
قوله: ﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ﴾ قال مقاتل بن حيّان: من أحراركم من الرجال والنساء (٥).
وقوله ﴿ثَلَاثَ مَرَّاتٍ﴾ يعني ثلاثة أوقات، لأنَّه فسرهن بالأوقات وهو قوله ﴿مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ﴾.
قال ابن عباس: ثلاث مرات.
ثم أخبر بأوقاتها فقال: ﴿مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ﴾ يريد المقيل ﴿وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ﴾ يريد العتمة (٦) حين يأوي
(٢) في (أ)، (ع): (المسميات)، والمثبت من (ظ) و"الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد.
(٣) "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص ٢١٩.
(٤) رواه البخاري في (الأدب المفرد) ص ٣١٠، والطبري ١٨/ ١٦١ من طريق ليث، عن نافع، عن ابن عمر، به.
وليث هو ابن أبي سليم مجمع على ضعفه.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٩، وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر. واختار الطبري ١٨/ ١٦١ العموم للرجال والنساء، لأن الله عمَّم ولم يخصص منهم ذكرًا ولا أنثى، فذلك على جميع من عمَّه ظاهر التنزيل.
(٥) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٦٤ أ. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٧ ونسبه لابن أبي حاتم.
(٦) في (أ)، (ع): (بالعتمة).
والعتمة: ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق. "لسان العرب" ١٢/ ٣٨١ (عتم).
وقال صاحب النظم: قوله: ﴿ثَلَاثَ مَرَّاتٍ﴾ هاهنا بمعنى: ثلاثة (٢) أوقات؛ لأنها لو كانت على ظاهرها لوجب أن يكون الأمر واقعًا على ثلاث دفعات، فإذا جاوزها ارتفع الأمر، وأن يكون الاستئذان ثلاث دفعات (٣) [فلا يكون دخول إلا بعد (٤) استئذان ثلاث دفعات] (٥)، ويدل علي أنَّ المراد به الأوقات قوله في أثره واصفًا للأوقات-: ﴿مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ﴾ ثم سمّى هذه الأوقات عورات؛ لأن الإنسان يضع فيها (٦) ثيابه فتبدو عورته. انتهى كلامه.
وإنَّما قيل ثلاث مرات للأوقات؛ لأنَّه أراد مرة في كل وقت من الأوقات التي ذكرها.
قال مجاهد: يجزيهم أن يستأذنوا مرّة في هذه الأوقات (٧) (٨).
وقال أبو إسحاق وأبو علي: أمر الله بالاستئذان في الأوقات التي يتخلَّى (٩) الناس فيها ويتكشَّفُون (١٠)، وبيّنها فقال: {مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ
(٢) في (أ): (ثلاث).
(٣) في (أ): (وأن يكون الاستئذان ثلاث دفعات، فإذا جاوزها ارتفع الأمر، وأن يكون الاستئذان ثلاث دفعات"، وهو تكرار.
(٤) (بعد): ساقطة من (ظ).
(٥) ساقط من (ع).
(٦) (فيها): ساقطة من (ع).
(٧) في (ع): (الساعات).
(٨) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٦٤ ب.
(٩) في (أ): (ينحلل).
(١٠) في (أ): (ويكشفون)، وفي (ظ)، (ع): (وينكشفون)، والمثبت من "معاني القرآن" للزجاج، و"الوسيط" للواحدي.
فإن قيل: قوله: (ثلاث مرات) زمان، بدلالة أنَّه فسر بزمان -على ما بيَّنا- وليس العورات بزمان، فكيف يصح البدل منه؟ وليس هي هي.
قيل: يكون ذلك على أن يُضمر (٣) الأوقات كأنه: أوقات ثلاث عورات، فلما حذف المضاف أعرب ما كان يقع الإضافة إليه بإعراب المضاف، فعلى هذا يوجَّه (٤) (٥).
والاختيار في العورات إسكان الواو، وحكم ما كان على فَعْلَه: من الأسماء أن تُحرك العين منه في فعلات نحو: صحفة (٦) وصحفات، وجفنة (٧) وجفنات. إلَّا أن التَّحريك فيما كان العين منه ياءً أو واوًا كرهه
(٢) قرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: "ثلاث عورات" بنصب (ثلاث)، وقرأ الباقون بالرفع. "السبعة" ص ٤٥٨، "التبصرة" ص ٢٧٤، "التيسير" ص ١٦٣.
(٣) في (ظ): (ضمير).
(٤) في (أ): (الوجه).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٢، و"الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٣٣.
(٦) وقع في المطبوع من "الحجة": صحيفة. وهو خطأ.
والصَّحفة: شبه قصعة مُسْلَنطحة عريضة، وهي تشبع الخمسة ونحوهم. "لسان العرب" ٩/ ١٨٧ (صحف).
(٧) الجَفْنة: هي أعظم ما يكون من القصاع. "لسان العرب" ١٣/ ٨٩ (جفن).
وقال السدي -في هذه الآية-: كان أناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يعجبهم أن يواقعوا نساءهم في هذه الساعات ليغتسلوا ثم يخرجوا (٢) إلى الصلاة، فأمرهم الله أن يأمروا الغلمان والمملوكين أن يستأذنوا في هذه الثلاث ساعات (٣).
وقال مقاتل بن حيان: هذا من المفروض يحق على الرجل أن يأمر بذلك من كان عنده من حر أو عبد أن لا يدخلوا تلك الساعات الثلاث إلا بإذن (٤).
(٢) في (ظ)، (ع): (يخرجون).
(٣) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٦٣ ب، ٦٤ أ. وذكره ابن كثير ٣/ ٣٠٣. والسيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٧ ونسبه لابن أبي حاتم.
ورواية السدي هذه مع الروايتين المتقدمتين اللتين ساقهما الواحدي في سبب نزول قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ﴾ -وهما رواية الكلبي والمقاتلين- غير معتمدة في نزول هذه الآية لعدم ثبوتها من طريق صحيح، والله أعلم.
(٤) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٦٤ ب، ٦٥ أ.
قال عطاء: سمعت ابن عباس يقول: ثلاث آيات من كتاب الله تركهن الناس لا أرى أحدًا يعمل بهن. قال عطاء: حفظت آيتين ونسيت واحدة، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ الآية، وقال الله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ إلى قوله ﴿أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣] ثم (٣) يقول الرجل بعد هذا للرجل-: أنا أكرم منك، وليس أحدٌ أكرم من أحد إلا بتقوى (٤).
وقال موسى بن أبي عائشة (٥): قلت للشعبي -في هذه الآية-: أمنسوخة هي؟ قال: لا. فقلت: قد تركها (٦) الناس؟ فقال: الله المستعان (٧).
(٢) "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص ٢١٩.
(٣) (ثم): ساقطة من (أ).
(٤) هذا لفظ رواية أبي عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٢٠.
ورواه بنحوه عبد الرزاق في "مصنفه" ١٠/ ١٧٩، و"الطبري" ١٨/ ١٦٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٦٣ أ.
(٥) هو: موسى بن أبي عائشة، الهمداني مولاهم، الكوفي. أحد العلماء العابدين الثقات. روى عن سعيد بن جبير والشعبي وغيرهما، وعنه شعبة والسفيانان، وغيرهم.
"سير أعلام النبلاء" ٦/ ١٥٠، "تهذيب التهذيب" ١٠/ ٣٥٢، "تقريب التهذيب" ٢/ ٢٨٥.
(٦) في (أ): (تركوها).
(٧) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٢٠، وابن أبي شيبة في "مصنفه" =
(١) عند أبي عبيد: حجال.
(٢) في (ع): (الوالد).
(٣) في (ظ): (ولم).
(٤) في (ظ): (ذلك).
(٥) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٢١، وأبو داود في "سننه" كتاب: الأدب، باب: في الاستئذان في العورات الثلاث ١٤/ ٩٦ - ٩٧ وعندهما زيادة ذكر السؤال.
ورواه أيضًا ابن أبي حاتم ٧/ ٦٣ أ، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٩٧ وأوله: أن رجلين سألاه -يعني ابن عباس- عن الاستئذان، فذكره بنحوه.
وقال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٣٠٣: وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١٩ بمثل لفظ ابن أبي حاتم والبيهقي وعزاه أيضًا لابن المنذر وابن مردويه.
وقال أبو داود -بعد روايته عن ابن عباس-: وحديث عبد الله وعطاء يُفسد -وفي بعض النسخ: يُفسر- هذا الحديث.
وقال البيهقي: وحديث عبد الله بن أبي يزيد وعطاء يضعف هذه الرواية.
وحديث عبد الله المشار إليه رواه أبو داود في "سننه" كتاب: الأدب -باب: الاستئذان في العورات الثلاث ١٤/ ٩٥، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٩٧ =
وقوله ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ﴾ أي ليس عليكم جناح ولا عليهم في أن لا يستأذنوا بعد أن يمضي كل وقت من هذه الأوقات (٣).
قال مقاتل: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ﴾ معشر المؤمنين ﴿وَلَا عَلَيْهِمْ﴾ يعني
(١) في (ع): (القول).
(٢) "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص ٢٢٢. مع اختلاف يسير واختصار.
وأثر الحسن رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٢٢ من طريق هشيم، عن يونس، عن الحسن.
ورواه من وجه آخر عن يونس، عن الحسن مفصلا: الطبري ١٨/ ١٦٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٦٣ ب ولفظه: إذا أبات الرجل خادمه معه فهو إذنه، وإن لم يبته معه استأذن في تلك الساعات.
(٣) هذا كلام الزجاج في "معاني القرآن" ٤/ ٥٢.
وقال صاحب النظم: دلّ بقوله ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ﴾ على أن ما عزمه على المماليك من الاستئذان في هذه الأوقات معزوم أيضًا على الموالي؛ لأنه لا يذكر رفع الجناح في شيء إلا عمَّن يلزمه جناحه، ثم أوضح ذلك بقوله: ﴿طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ أي: أنكم كما يطوفون (٢) عليكم تطوفون عليهم في هذه الأوقات. هذا كلامه.
ويجوز أن يعود رفع الجناح في قوله ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ﴾ إلى أنه لا جناح على الموالي إذا لم يأمروا المماليك (٣) بالاستئذان في غير هذه الأوقات الثلاثة.
وقوله ﴿طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ﴾ يريد أنهم خدمكم، ولا بأس أن يدخلوا في غير هذه الأوقات الثلاثة بغير إذن. قال مقاتل: يتقلبون فيكم ليلًا ونهارًا (٤).
وقال الفراء والزجاج: ﴿طَوَّافُونَ﴾ استئناف، كقولك في الكلام: إنَّما هم خدمكم (٥) [وطوافون عليكم (٦).
(٢) في (أ): (تطوفون).
(٣) في (ظ): (لم يأمروا الموالي المماليك).
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤١ أ.
(٥) في (ع): (خدمكم ولا بأس أن يدخلوا في غير هذه الأوقات الثلاثة)، وهو انتقال نظر من الناسخ إلى ما قبله.
(٦) هذا قول الفراء في "معانيه" ٢/ ٢٦٠، وأما الزجاج فذكر هذا في "معانيه" ٤/ ٥٣ بمعناه فقال: على معنى: هم طوافون عليكم.
وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١٤٧، "البيان" للأنبارى ٢/ ١٩٩، "الدر المصون" ٨/ ١٤١.
وقال صاحب النظم: يقال إن معنى الطواف هاهنا الخدمة ومنه قوله -عز وجل- ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ [الواقعة: ١٧] (٥) أي يخدمهم، وفي الخبر "إنَّها من الطوافين عليكم والطوافات" فشبّه السنانير (٦) بخدم البيت.
وقوله: ﴿بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ قال الزجاج: على معنى: يطوف بعضكم على بعض (٧).
وقال أبو الهيثم: الطائف: هو الخادم الذي يخدمك برفق وعناية وجمعه الطوَّافون (٨).
(٢) (ولدان): ساقطة من (أ).
(٣) رواه أبو داود في "سننه" كتاب: الطهارة- باب: سؤر الهرة ١/ ٣٠٧ - ٣٠٨، والنسائي في "سننه" كتاب: الطهارة- سؤر الهرة ١/ ٥٥، وابن ماجه في "سننه" أبواب: الطهارة- باب: الوضوء بسؤر الهرة ١/ ٧٢ كلهم من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- مرفوعًا.
قال ابن حجر في "التلخيص الحبير" ١/ ٥٤: وصححه البخاري والترمذي والعقيلي والدارقطني.
وقال في "بلوغ المرام" ص ١٢: أخرجه الأربعة، وصححه الترمذي وابن خزيمة.
(٤) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٣٠٧.
(٥) (مخلدون): ليست في (ظ)، (ع).
(٦) السنانير: جمع سنَّور، وهو: الهرّ. "لسان العرب" ٤/ ٣٨١ (سنر).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٣.
(٨) قول أبي الهيثم في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ٣٤ (طوف).
﴿الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا﴾ أي في جميع الأوقات في الدخول عليكم، فالبالغ يستأذن في كل الأوقات، والطفل والمملوك يستأذنان في الثلاث عورات.
قال سعيد بن المسيب: ليستأذن الرجل على أمه فإنما نزلت ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ﴾ في ذلك (٢).
وقال مقاتل بن حيان: الأحرار إذا بلغوا الحلم فليستأذنوا على كل حال وفي كل حين، كما استأذن الذين بلغوا الحلم من قبلهم الذين أمروا بالاستئذان على كل حال (٣).
فالمراد بقوله ﴿الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ الأحرار الكبار من الرجال في قول جميع المفسرين (٤)، إلا فيما روى عطاء، عن ابن عباس فإنه قال: يريد الذين كانوا مع إبراهيم وإسماعيل (٥).
٦٠ - قوله تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ قال ابن السكيت: امرأة قاعد، إذا قعدت عن المحيض، فإذا أردت القعود قلت: قاعدة (٦).
وقال أبو الهيثم: القواعد من صفات الإناث، لا يقال: رجال
(٢) رواه الطبري ١٨/ ١٦٥، وابن أبي حاتم ٧/ ٦٦ أ. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢٠ ونسبه لابن أبي حاتم.
(٣) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٦٦ أ.
(٤) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٦٤، الثعلبي ٣/ ٨٩ ب، ابن كثير ٣/ ٣٠٣.
(٥) ذكره البغوي ٦/ ٦٢، وصدّره بقوله: وقيل. وهو قول ضعيف بعيد.
(٦) قول ابن السكيت في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٠٠ (قعد). وهو بنحوه في "المشوف المعلم" ٢/ ٦٥٢.
والمفسرون كلهم قالوا في القواعد: هنّ اللاتي قعدن عن الحيض والولد من الكبر (٣).
قال اللَّيث: امرأة قاعد (٤) وهي التي قعدت عن الولد وانقطع عنها الحبل من كبر (٥)، وهن القواعد (٦).
وقال الزجاج: هي التي قعدت عن الزوج. وهذا معنى قوله ﴿اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا﴾ (٧).
قال ابن عباس: يعني تزويجها (٨).
وقال السدي: هن اللاتي قد (٩) تركن الأزواج وكبرن (١٠) (١١).
وقال الفراء: لا يطمعن أن يتزوجن من الكبر (١٢).
(٢) قول أبي الهيثم في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٠٠ (قعد).
(٣) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٦٥، الثعلبي ٣/ ٨٩ ب.
(٤) في (أ): (قاعدة).
(٥) في (ع): (كبرهن).
(٦) قول الليث لم أجده في "تهذيب اللغة"، ولعله سقط من المطبوع. وهو بنحوه في "العين" ١/ ١٤٣ "قعد" دون قوله: وانقطع عنها الحبل.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٣.
(٨) روى ابن أبي حاتم ٧/ ٦٦ ب هذا القول عن سعيد بن جبير.
(٩) (قد): ساقطة من (ظ).
(١٠) في (ظ): (تركن الأزواج من كبر وقد كبرن عنهن).
(١١) روى ابن أبي حاتم ٧/ ٦٦ ب معنى هذا القول عن مجاهد وزيد بن أسلم.
(١٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٦١.
وقوله ﴿فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ﴾ قال عامّة المفسرين (٢): يعني الجلباب والرداء والقناع الذي (٣) فوق الخمار.
فالمراد (٤) بالثياب هاهنا: بعضها لا كلها. وهو ما ذكره المفسرون.
يدل عليه ما روي أنَّ في حرف ابن مسعود (من ثيابهن) (٥)، وفسر فقال: أن يضعن الملحفة والرداء ويقمن في الدروع وفي خمرهن (٦).
(٢) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٦٥ - ١٦٦، ابن أبي حاتم ٧/ ٦٧ أ، الثعلبي ٣/ ٨٩ ب ابن كثير ٣/ ٣٠٤، "الدر المنثور" ٦/ ٢٢٢.
(٣) في (ع): (التي).
(٤) في (ظ): (والمراد).
(٥) روى ابن أبي حاتم ٧/ ٦٧ ب عن سعيد بن جبير قال: في قراءة ابن مسعود (أن يضعن من ثيابهن).
وروى عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٣، وابن أبي حاتم ٧/ ٦٧ ب عن معمر قال: في حرف ابن مسعود (أن يضعن من ثيابهن).
وعلى فرض صحة هذه القراءة عن ابن مسعود فهي قراءة تفسيرية.
(٦) لم أجده بهذا اللفظ عن ابن مسعود.
وروى عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٣، والطبري ١٨/ ١٦٦، وابن أبي حاتم ٧/ ٦٧ أعن ابن مسعود في قوله: (أن يضعن ثيابهن) قال: الرداء.
وروى عنه الطبري ١٨/ ١٦٦، وابن أبي حاتم ٧/ ٦٧ أ، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٣/ ٩٣ قال: الجلباب.
وروى عنه الطبري ١٨/ ١٦٦ قال: هي الملحفة.
وقد روى الطبري ١٨/ ١٦٥، وابن أبي حاتم ٧/ ٦٧ ب، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٩٣ عن ابن عباس نحو هذا المعنى.
وروى ابن أبي حاتم ٧/ ٦٧ أنحوه عن أبي صالح.
وكان ابن عباس يقرأ: [أن يضعن] (٣) جلابيبهن (٤).
وروى السدي عن أصحابه: فليس عليهن جناح أن يضعن خمرهن عن رؤوسهن (٥).
وروى خالد الحذاء، عن أبي قلابة قال: يرخصون للمرأة الكبيرة (٦) التي قد آيست من النكاح أن يرى الشيء من شعرها (٧).
فعلى هذا القول يجوز لها أن تضع الخمار. والصحيح ما عليه المفسرون.
(٢) روى عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٣، وابن أبي حاتم ٧/ ٦٧ ب عن الحسن قال: لا جناح على المرأة إذا قعدت عن النكاح أن تضع الجلباب والمنطق.
(٣) ساقط من (ع).
(٤) في "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ٢٢٢: أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود وابن عباس أنهما كانا يقرآن: فليس عليهن جناح أن يضعن جلابيبهن.
والذي في "تفسير ابن أبي حاتم" ٧/ ٦٧ ب عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس يقول: فليس عليهن جناح أن يضعن جلابيبهن.
وهذه قراءة تفسير يدل عليه ما رواه البيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٩٣ عن ابن عباس أنه كان يقرأ: (أن يضعن ثيابهن) ويقول: هو الجلباب.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢١ ونسبه أيضًا لأبي عبيد في "فضائله"، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف.
(٥) ذكره الرازي ٢٤/ ٣٥، والنيسابوري في "غرائب القرآن" ١٨/ ١٢٨ من رواية السدي عن شيوخه.
(٦) في (ع): (والكبيرة).
(٧) لم أجده.
قال أبو إسحاق: التبرج إظهار الزينة وما يستدعى (٢) به شهوة الرجل (٣) (٤).
وقال المبرد: ﴿مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾ أي مبديات من زينة يستدعين بها.
وقال المفسرون: يعني من غير أن يردن بوضع (٥) الجلباب أن ترى زينتهن (٦).
قال مقاتل: لا تريد (٧) بوضع الجلباب أن تُرى زينتها، يعني الحلي (٨).
وقال مقاتل بن حيان: يقول: ليس لها أن تضع [الجلباب] (٩) يريد
(٢) في (ع): (تستدعى، الرجال).
(٣) في (ع): (تستدعى، الرجال).
(٤) قول أبي إسحاق في "تهذيب اللغة" للأزهري ١١/ ٥٦ (برج) بنصِّه.
وليس قوله في هذا الموضع من سورة النور في كتابه "معاني القرآن"، بل ذكر هذا القول عند قوله تعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣]. والأظهر أن الواحدي نقل قول الزجاج عن "تهذيب اللغة" للأزهري.
(٥) في (ظ): (موضع).
(٦) الثعلبي ٣/ ٨٩ ب، الطبري ١٤/ ١٦٧.
(٧) في (ع): (لا يريد).
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤١ أ.
(٩) ليست في جميع النسخ، وهي زيادة زدناها من "تفسير ابن أبي حاتم".
وقال قتادة: إن المرأة تكون (٢) قد حلت فيكون العضو من أعضائها حسنا فلا ينبغي لها أن تبدي ذلك لتلتمس به الزينة (٣).
وقال عطاء: تضع الجلباب في بيتها فأما إذا خرجت فلا يصلح (٤).
فعلى هذا معنى ﴿غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾ غير خارجات من (٥) بيوتهن (٦).
ثم قال ﴿وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ﴾ قال ابن عباس: يستعففن فلا يضعن الجلباب (٧).
وقال مجاهد: يلبسن جلابيبهن خيرٌ لهنّ من وضع (٨) الجلباب (٩).
قوله ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ لقولكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بما في قلوبكم (١٠).
٦١ - ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى﴾ روى الزهري، عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله في هذه الآية أن المسلمين كانوا إذا غزوا خلّفوا
(٢) (تكون): ساقطة من (ظ)، (ع).
(٣) لم أجده.
(٤) ذكره عنه القرطبي ١٢/ ٣١٠.
(٥) في (ظ): (عن).
(٦) قال القرطبي ١٢/ ٣١٠ بعد حكايته هذا القول عن عطاء، وذكره كلام الواحدي من غير نسبة: وعلى هذا يلزم أن يقال: إذا كانت في بيتها فلابد لها من جلباب فوق الدِّرع، وهذا بعيد إلا إذا دخل عليها أجنبي.
(٧) روى ابن أبي حاتم ٧/ ٦٨ أعن سعيد بن جبير مثله.
(٨) في (ظ): (موضع).
(٩) رواه الطبري ١٨/ ١٦٧، وابن أبي حاتم ٧/ ٦٨ أعنه مختصرًا وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢٢ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.
(١٠) في (ظ)، (ع): (والله سميع عليم) لقولكم بما في قلوبكم.
وهذا قول عائشة رضي الله عنها روي أنها قالت في هذه الآية: كان المسلمون يرغبون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المغازي، ويدفعون مفاتيحهم إلى الضمناء (٣) ويقولون: قد أحللناكم أن تأكلوا مما في منازلنا. فكانوا يتوقَّون
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٤، وأبو عيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٤٤، وأبو داود في "المراسيل" ص (١٨٤)، والطبري في "تفسيره" ١٨/ ١٦٩ من طريق الزهري، عن عبيد الله عبد الله، به.
ورواه بنحوه أبو داود في "المراسيل" ص ١٨٥، وعبد بن حميد كما في "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ٢٢٤، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٢٧٥ من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله وابن المسيب.
ورواه بنحوه أبو جعفر النَّحَّاس في "الناسخ والمنسوخ" ص ٦٠٠ - ٦٠١ من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب.
ورواه بنحوه الواحدي في "أسباب النزول" ص ٢٧٤ من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب.
وهذه الرواية مرسلة، لكن يشهد لها رواية عائشة الصحيحة الآتية، -وقد اعتمد هذا القول الإمام الطبري في "تفسيره" ١٨/ ١٧٠ فقال- بعد ذكره لروايات في نزول هذه الآية-: وأشبه الأقوال التي ذكرنا في تأويل قوله: "ليس على الأعمى حرج" إلى قوله: "أو صديقكم" القول الذي ذكرنا عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله،.. وقال أبو جعفر النَّحاس في "الناسخ والمنسوخ " ص ٦٠٢ - بعد روايته لأثر ابن المسيب وعائشة الآتي-: وهذا القول من أجلّ ما روي في الآية، لما فيه عن الصحابة والتابعين من التوقيف أن الآية نزلت في شيء بعينه..
(٣) في (ع): (الضَّمنى)، وفي (ظ): (الزَّمنى)، وعند ابن أبي حاتم: ضمناهم.
فعلى هذا معنى الآية: نفي الحرج عن الزَّمنى في أكلهم من بيوت (٢) أقاربهم، أو بيت من يدفع إليهم المفتاح إذا خرج للغزو.
وروى الكلبي، عن أبي صالح، [عن ابن عباس] (٣) - في هذه الآية: أن الأنصار كانوا قومًا يتنزَّهون في أشياء؛ كانوا لا يأكلون مع الأعمى يقولون: الأعمى لا يبصر طيَّب الطعام ونحن نُبصره (٤) فنسبقه إليه (٥)؛ فيعزلونه على حده. وكانوا لا يأكلون مع المريض يقولون: لا يقدر أن يأكل مثل ما أكلنا (٦) يمنعه من ذلك المرض، وكانوا يعزلونه على حدة؛ وكانوا لا يأكلون مع الأعرج يقولون: لا يستمكن من المجلس فإلى أن يأكل هو لقمة قد أكلنا لقمتين، فيعزلونه على حدة. فنزل في ذلك ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ﴾ يقولون: ليس على من أكل (٧) مع الأعمى حرج (٨).
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢٤ ونسبه أيضًا لابن النجار وابن مردويه.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٨٤: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
وهذه الرواية هي أصح ما ورد في سبب نزول الآية، والله أعلم.
(٢) في (ظ)، (ع): (بيت).
(٣) ساقط من (ظ)، (ع).
(٤) في (ظ)، (ع): (نُبصر).
(٥) إليه): ساقطة من (ظ)، (ع).
(٦) في (ظ): (مثل أكلنا).
(٧) في (ظ): (ليس على كل من أكل).
(٨) لم أجد هذه الرواية. وهي رواية باطلة سندًا. =
ونحو هذا ذكر مقاتل بن سليمان في سبب النزول (٢).
واختار الفراء هذا القول وقال: معنى الآية: ليس عليكم في مؤاكلتهم (٣) حرج (٤) و (في) تصلح مكان (على) هاهنا (٥).
وعلى هذا قوله ﴿عَلَى الْأَعْمَى﴾ (٦) معناه: في الأعمى. أي في مؤاكلة الأعمى فـ (على) بمعنى: في، والمضاف محذوف.
وقال آخرون: كان (٧) هؤلاء يتنزَّهون عن مؤاكلة الأصحاء؛ لأن
وروى ابن أبي حاتم ٧/ ٦٨ أ، ب، ٦٩ أعن سعيد بن جبير وسليمان بن موسى نحو هذه الرواية.
(١) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٨/ ١٣٠، والطبري ١٨/ ١٣٠، وابن أبي حاتم ٧/ ٦٨ ب عن مقسم.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢٣ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤١ أ، ب.
(٣) في (ع): (مؤاكلتكم).
(٤) في (ظ): (تحرّج).
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٦١.
(٦) (على): ساقطة من (أ).
(٧) المثبت من (ع)، وفي باقي النسخ: (كانوا).
يقول: ليس على هؤلاء حرج في مؤاكلة الناس.
وهذا معنى قول (٥) سعيد بن جبير، والضحاك (٦)، والسدي، قالوا: كان ناس من الأنصار لا يأكلون مع هؤلاء يتقذَّرون منهم.
وقال ابن عباس -في رواية عطاء-: يريد ليس على هؤلاء حرج في التخلف عن الغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وهذا قول الحسن وابن زيد (٧).
وعلى هذا تم الكلام عند قوله ﴿وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ﴾، وقوله ﴿وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ كلام منقطع عما قبله (٨).
(٢) يَذَنّ: يسيل منه المخاط أو الماء. انظر: "لسان العرب" ١٣/ ١٧٣ (ذنن).
(٣) يسلس: أي لا يستمسك. "القاموس المحيط" ٢/ ٢٢٢.
(٤) زيادة من (ظ)، (ع).
(٥) (قول): ساقط من (ظ).
(٦) ذكر هذا المعنى الثعلبي ٣/ ٩٠ أعن سعيد بن جبير والضحاك. وعن الضحاك رواه الطبري ١٨/ ١٦٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٦٨ ب.
(٧) ذكره الثعلبي ٣/ ٩٠ أعن الحسن وابن زيد. ورواه الطبري ١٨/ ١٦٩ عن ابن زيد.
(٨) من قوله: تم الكلام.. إلى هنا. هذا كلام الثعلبي ٣/ ٩٠ أ.
أي: ليس عليكم حرج في أنفسكم أن تأكلوا من أموال عيالكم وأزواجكم.
فمعنى ﴿مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ من بيوت أزواجكم وعيالكم، أضاف إليه؛ لأن بيت (٢) المرأة كبيت (٣) الزوج.
ذكر هذا المعنى الفرَّاء (٤) وابن قتيبة.
قال [ابن قتيبة: وقال] (٥) بعضهم: أراد أن تأكلوا من بيوت [أولادكم فنسب بيوت] (٦) الأولاد إلى بيوت الآباء؛ لأن الأولاد كسبهم وأموالهم كأموالهم، يدلك على أن المراد بالآية (٧) ما ذكرنا: أنَّ الناس لا يتوقون أن يأكلوا من بيوتهم حتى ينفى الحرج عنهم، وأيضًا فإنه عدَّد القرابات وهم أبعد نسبًا من الولد ولم يذكر الولد، وقد قال المفسرون في قوله: {مَا أَغْنَى
ورواه بنحوه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٤٣، والطبري ١٨/ ١٦٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٧١ أمن طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.
ورواه بمعناه من وجه آخر البيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٢٧٥.
(٢) في (ع): (بنت، كبنت).
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٦١.
(٤) ساقط من (ظ)، (ع).
(٥) في (أ): (يأكلوا).
(٦) ساقط من (أ).
(٧) في (ظ)، (ع): (كما).
وذكر مجاهد في سبب نزول الآية غير ما ذكر هؤلاء وقال: كانت رجال زمنى: عميًا عرجًا أولي (٢) حاجة يستتبعهم (٣) رجال إلى بيوتهم، فإن لم يجدوا طعامًا ذهبوا إلى بيوت آبائهم ومن عدَّدهم معهم، فكره ذلك (٤) المستتبعون، فأنزل الله في ذلك ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ (٥) وأحل لهم الطعام حيث وجدوه (٦).
وعلى هذا معنى الآية: لا جناح على هؤلاء الزمنى ولا على من استتبعهم أن يأكلوا من بيوت أزواجهم وعيالهم أو بيوت آبائهم وأقاربهم الذين ذكروا.
وقال السدي: كان الرجل يدخل بيت أبيه أو بيت أخيه [أو بيت
وقد ذكر هذا القول عن المفسرين في معنى "وما كسب" ابن الجوزي ٦/ ٢٦٠.
(٢) في (أ): (وإلى).
(٣) في (ظ): (ويستتبعهم).
(٤) ذلك: ساقطة من (أ).
(٥) في جميع النسخ: (لا جناح عليهم)، وهو خطأ. ووقع عند أبي عبيد في "الناسخ والمنسوخ" وابن أبي حاتم والبيهقي: لا جناح عليكم. وهو خطأ. والتصويب من رواية الطبري.
(٦) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٤٣ - ٢٤٤، والطبري ١٨/ ١٦٩، وابن أبي حاتم ٧/ ٦٩ ب، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ٢٧٥. وهو مرسل.
ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٤ بنحوه.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢٤ مثل رواية عبد الرزاق، ونسبه أيضًا لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.
قال ابن قتيبة: وهذا من رخصته للقرابات (٤) وذوي الأواصر (٥)، كرخصته في الغرباء والأباعد لمن دخل حائطًا وهو جائع أن يصيب من ثمره، أو مرَّ في سفر بغنم وهو عطشان أن يشرب من رِسْلها (٦)، وكما أوجب للمسافر على من مرَّ به الضيافة، توسعة منه ولطفًا بعباده، ورغبة بهم عن دناءة الأخلاق وضيق النَّظر (٧).
وقوله: ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ قال عطاء، عن ابن عباس: يريد مماليككم (٨)، وذلك أن السيد يملك منزل عبده.
وقال الفراء: يعني: أو بيوت ﴿مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ (٩) يعني: بيوت عبيدكم وأموالهم.
قال: ويجوز أن تكون المفاتح (١٠) -هاهنا -: الخزائن، ويجوز أن
(٢) في (ع): (ولا).
(٣) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٦٩ ب. وذكره عنه ابن كثير ٣/ ٣٠٥.
(٤) في (أ): (رخصة القرابات).
(٥) في (ظ): (لأواخر).
والأواصر: جمع آصرة، وهي الرحم. "لسان العرب" ٤/ ٢٢ (أصر).
(٦) رِسْلها: لبنها. "القاموس المحيط" ٣/ ٣٨٤.
(٧) "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٣٣٤.
(٨) ذكر الثعلبي ٣/ ٩ أ، والبغوي ٦/ ٦٤ هذا القول عن الضحَّاك.
(٩) في (ظ): (يعني: أو بيوت مماليككم التي ملتم مفاتحهم، يعني: بيوت عبدكم وأموالكم).
(١٠) في (أ): (أن يكون معنى المفاتح).
وذكرنا المفاتح بمعنى الخزائن في (٢) قوله ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ﴾ [الأنعام: ٥٩].
وهذا معنى قول مقاتل بن سليمان (٣)، والضحاك (٤).
وقال آخرون: معنى قوله ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ أي ما خزنتموه لغيركم. يريد الزَّمنى الذين كانوا يخزنون للغزاة (٥).
وقال ابن عباس: عني بذلك وكيل الرجل وقيِّمه (٦) في ضيعته (٧) وماشيته، لا بأس عليه أن يأكل من ثمر ضيعته ويشرب من لبن ماشيته (٨).
قال عكرمة: إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير (٩).
(٢) في (ع): (عند).
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٤١ ب.
(٤) رواه عنه الطبري ١٨/ ١٧٠، وابن أبي حاتم ٧/ ٧٠ أ، ب.
(٥) ذكر الرازي ٢٤/ ٣٧ هذا القول ونسبه للضحَّاك.
(٦) في (ع): (وخليفته).
(٧) الضَّيعة: هو مال الرجل من النَّخل والكرم والأرض.
وقيّمه في ضيعته: هو الذي يقوم بأمرها وما تحتاج إليه.
انظر: "لسان العرب" ٨/ ٢٣٠ (ضيع)، ١٢/ ٥٠٣ (قوم).
(٨) ذكره بهذا اللفظ الثعلبي ٣/ ٩٠ أ.
ورواه بنحوه الطبري ١٨/ ١٧٠، وابن أبي حاتم ٧/ ٧١ أ.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢٤ ونسبه أيضًا لابن المنذر والبيهقي.
(٩) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٥.
وذكره عنه الجصَّاص في "أحكام القرآن" ٣/ ٣٣٥، والبغوي ٦/ ٦٤ - ٦٥.
وقال مقاتل بن حيان: ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ [يعني: ما ملكتم (٢) خزائنه (٣).
وقال قتادة: ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾] (٤) مما تحتبس يا ابن آدم (٥).
ونحو هذا يروى عن مجاهد (٦).
والمعنى: أو بيوت أنفسكم مما اختزنتم وملكتم.
وهذا أبعد الوجوه؛ لأن الناس لا يتوقّون أن يأكلوا من بيوتهم.
وقوله: ﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾ قال المقاتلان: انطلق رجل غازيًا يدعى الحارث بن عمرو (٧) واستخلف مالك بن زيد (٨) في أهله وخزائنه (٩)، فلما رجع (١٠) الحارث من غزاته (١١) رأى مالكًا مجهودًا قد أصابه الضرّ، فقال:
(٢) (ما ملكتم): ساقطة من (ع).
(٣) لم أجده عن مقاتل بن حيان. وقد رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٧٠ أعن سعيد بن جبير.
(٤) ساقط من (أ).
(٥) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٤، والطبري ١٨/ ١٧٠، وابن أبي حاتم ٧/ ٧٠ ب.
(٦) ذكر هذه الرواية عن مجاهد: الثعلبي ٣/ ٩٠ ب. ورواها الطبري ١٨/ ١٧٠.
(٧) في (أ): (عمر).
(٨) في (أ): (يزيد).
(٩) في (ظ)، (ع): (وخزانته).
(١٠) في (أ): (خرج).
(١١) في (أ): (غرايه).
والمعنى: ليس عليكم جناح أن تأكلوا من منازل هؤلاء إذا دخلتموها وإن لم يحضروا ولم يعلموا (٤) من غير أن تتزودوا أو تحملوا (٥).
وكان الحسن وقتادة (٦) يريان دخول (٧) الرجل بيت صديقه والتحرم من طعامه (٨) من غير استئذان بهذه الآية.
قال معمر: ودخلت على قتادة فقلت له (٩): أشرب من هذا الحُبّ (١٠)؟ -حب فيه ماء- فقال: أنت لنا صديق، ثم قرأ ﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾ (١١).
(٢) (يحل): ساقطة من (أ).
(٣) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٧٠ ب، ٧١ أعن مقاتل بن حيَّان. وهو في "تفسير مقاتل بن سليمان" ٢/ ٤١ ب.
(٤) في (أ): (وإن لم تحضروا ولم تعلموا).
(٥) في (ع): (من غير أن يتزودوا أو يحملوا).
(٦) ذكرها عنها بهذا اللفظ الثعلبي ٣/ ٩٠ ب.
وعن قتادة بمعناه رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٤، والطبري ١٨/ ١٧١، وابن أبي حاتم ٧/ ٧٠ ب.
(٧) في (ظ)، (ع): (دخل).
(٨) في (ظ)، (ع): (بطعامه).
(٩) (له): ساقطة من (أ).
(١٠) الحُب: الجرَّة: الضخمة، أو الذي يوضع فيه الماء. "لسان العرب" ١/ ٢٩٥ (حبب).
(١١) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٥، والطبري ١٨/ ١٧١، وابن حبان في "روضة العقلاء" ص ٨٧ عن معمر، به.
وقوله تعالى ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا﴾ قال أكثر المفسرين: نزلت في بني ليث بن بكر (٢) -وهم حيّ من كنانة- كان الرجل لا يأكل وحده، يمكث يومه فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئًا، وربما كانت معه الإبل الحُفَّل (٣) فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه، فأعلم الله أن الرجل منهم إن أكل وحده فلا إثم عليه (٤).
ونصب ﴿جَمِيعًا﴾ على الحال. ومعنى ﴿أَشْتَاتًا﴾: متفرقين، جمع شت، والشت المصدر بمعنى: التفرق، يقال: شت القوم، إذا تفرقوا. ثم يوصف به ويجمع (٥).
وهذا معنى قول قتادة، ومقاتل، والضحاك، وابن جريج، ورواية الوالبي عن ابن عباس (٦).
(٢) بطن من كنانة بن خزيمة، من العدنانية، وهو بنو ليث بن بكر بن عبد مناة من كنانة بن خزيمة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. كانوا يقيمون حول مكة. "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم ص ١٨٠، "معجم قبائل العرب" لكحالة ٣/ ١٠١٩ - ١٠٢٠.
(٣) الحُفَّل: كرُكَّع-: جمع حافلة، وهي التي امتلأ ضرعها لبنًا. انظر: "لسان العرب" ١١/ ١٥٧ (حف)، "القاموس المحيط" ٣/ ٣٥٨.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٤.
وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١٤٩، "البيان في غريب القرآن" للأنباري ٢/ ٢٠٠، "الدر المصون" ٨/ ٤٤٤.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ١١/ ٢٦٩ (شت)، "الصحاح" للجوهري ١/ ٢٥٤ (شتت)، "لسان العرب" ٢/ ٤٨ - ٤٩ (شتت).
(٦) ذكره الثعلبي ٣/ ٩٠ عن هؤلاء عدا مقاتل. =
وذهب قوم إلى (٥) أنَّ هذا عام أباح الله تعالى للناس الأكل إن شاءوا مجتمعين وإن شاءوا متفرقين.
وهذا قول مقاتل بن حيان (٦)، ومعنى قول ابن عباس في رواية عطاء (٧).
وقال عكرمة وأبو صالح: نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم، فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاءوا مجتمعين أو متفرقين (٨).
وعن قتادة: رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٥، والطبري ١٨/ ١٧٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٧٤ ب. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢٥ ونسبه أيضًا لعبد ابن حميد.
وقول الضحَّاك وابن جريج رواه عنهما الطبري ١٨/ ١٧٢.
ورواية الوالبي عن ابن عباس رواها الطبري ١٨/ ١٧٢، وابن أبي حاتم ٧/ ٧١ أ.
(١) في (أ): (الأعمى).
(٢) (لهم): ساقطة من (ع).
(٣) ساقط من (ظ).
(٤) رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٥.
(٥) (إلى): ساقطة من (ظ)، (ع).
(٦) روى ابن أبي حاتم ٧/ ٧١ ب هذا المعنى عن سعيد بن جبير، ثم قال: وروى عنه مقاتل بن حيان نحو ذلك.
(٧) انظر: "الثعلبي" ٣/ ٩٠ ب، والبغوي ٦/ ٦٥.
(٨) ذكره الثعلبي ٣/ ٩٠ ب عنهما. =
أحدها: أن هذا في دخول الرجل بيت نفسه والسلام على أهله ومن في بيته.
وهذا قول جابر بن عبد الله، والزهري، وقتادة، وعطاء، والأعمش، ومعنى قول ابن عباس في رواية عطاء (١).
وروى أبو الزبير، عن جابر قال: إذا دخلت على أهلك فسلّم عليهم ﴿تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ (٢).
وروى عنه مرفوعًا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلها" (٣).
قال الطبري ١٨/ ١٧٢ - بعد ذكره للروايات في سبب نزول الآية-: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله وضع الحرج عن المسلمين أن يأكلوا جميعًا معًا إذا شاءوا أو أشتاتًا متفرقين إذا أرادوا وجائز أن يكون نزل بسبب من كان يتخوف من الأغنياء الأكل مع الفقير، وجائز أن يكون بسبب القوم الذين ذكر أنَّهم كانوا لا يطعمون وحدانا، وبسبب غير ذلك، ولا خبر بشيء من ذلك يقطع العذر، ولا دلالة في ظاهر التنزيل على حقيقة شيء منه، والصواب التسليم لما دل عليه ظاهر التنزيل، والتوقف فيما لم يكن على صحته دليل.
(١) قال الثعلبي في "الكشف والبيان" ٧/ ٩١ أ: (وهو قول جابر بن عبد الله، وطاووس والزهري، وقتادة، والضحاك، وعمرو بن دينار، ورواية عطاء الخراساني عن ابن عباس.
(٢) رواه البخاري في "الأدب المفرد" ص ٣١٩، والطبري ١٨/ ١٧٣، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ٧٢ أ.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢٦ وزاد نسبته لابن مردويه.
(٣) رواه الحاكم في "مستدركه" ٢/ ٤٠٢ من حديث جابر مرفوعًا، وقال: غريب الإسناد والمتن.
وقال عطاء: إذا دخلت على أهلك فسلّم (٢).
وقال الأعمش: يقول: فسلموا على أهليكم إذا دخلتم بيوتكم (٣).
وقال ابن عباس -في رواية عطاء-: هذا (٤) أدب من الله -عز وجل- أمر أولياءه بالسلام على أهلهم.
وعلى هذا قال: ﴿عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ وهو يريد أهليكم، لأن أهل الرجل في نفسه.
القول الثاني: أن معنى الآية: ليسلم بعضكم على بعض إذا دخلتم بيوتًا. وهو قول الحسن، وزيد بن أسلم وابنه، والسدي، والكلبي، والمقاتلين (٥)، كل هؤلاء قالوا: معنى الآية إذا دخلتم بيوتًا فسلموا على
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٨/ ٤٥٥، والطبري ١٨/ ١٧٣.
(٣) لم أجده. وقد روى الطبري ١٨/ ١٧٤ من طريق الأعمش، عن إبراهيم قال: إذا دخلت المسجد.. وإذا دخلت بيتًا ليس فيه أحد.. وإذا دخلت بيتك فقل: السلام عليكم.
(٤) (هذا): ساقطة من (أ).
(٥) قول ابن زيد ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٩٠ ب. ورواه عنه الطبري ١٨/ ١٧٤، وابن أبي حاتم ٧/ ٧٢ ب.
وقول الكلبي رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٦.
وقول مقاتل بن حيان رواه عنه ابن أبي حاتم ٧/ ٧٢ أ، ب.
وسيأتي تخريج أقوال الباقين.
وعلى هذا معنى قوله ﴿عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ أي على أهل ملتكم. قاله السدي (١).
وقال مقاتل: على أهل دينكم (٢).
وقال زيد بن أسلم: يقول (٣) على المسلمين (٤).
وقال الحسن: هذا كقوله ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] (٥).
القول الثالث: أنَّ هذا في دخول البيوت الخالية.
روى منصور (٦) عن إبراهيم (٧) -في هذه الآية- قال: إذا دخلت بيتًا ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (٨).
وقال مجاهد -في هذه الآية-: إذا دخلت بيتًا ليس فيه أحد فقل: السلام علينا من ربنا، السلام علينا (٩) وعلى عباد الله الصالحين (١٠).
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤١ ب.
(٣) يقول: ساقطة من (ع).
(٤) رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٧٢ أ.
(٥) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٩٠ ب.
ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٦، والطبري ١٨/ ١٧٤، وابن أبي حاتم ٧/ ٧٢ ب، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢٨ وزاد نسبته لابن المنذر.
(٦) هو منصور بن المعتمر.
(٧) هو إبراهيم النَّخعي.
(٨) رواه الطبري ٢٨/ ١٧٤ - ١٧٥ من رواية منصور عن إبراهيم.
(٩) في (ع): (عليكم).
(١٠) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٦، وسعيد بن منصور في "تفسيره" ل ٥٨ أ =
وروى عمرو بن دينار، عن ابن عباس في هذه الآية قولًا رابعًا في قوله ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ قال: هو المسجد إذا دخلتم فسلموا على من فيه، وقيل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (٤).
فالبيوت في هذا القول المساجد.
قوله ﴿تَحِيَّةً﴾ ذكرنا معناها عند قوله ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ﴾ [النساء: ٨٦].
قال أبو إسحاق: هو نصبٌ على المصدر لأن قوله (فسلموا) بمعنى (٥)
(١) رواه عنه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٨/ ٤٦٠، والبخاري في "الأدب المفرد" ص ٣١٠، والطبري في "تفسيره" ١٨/ ١٧٥.
(٢) (والحكم): في حاشية (ع)، وهو: الحكم بن عتيبة، وقوله لم أجده.
(٣) هو: ماهان الحنفي.
وروى عنه هذا القول عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٥، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٨/ ٤٦١، والطبري ١٨/ ١٧٤.
(٤) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٦، والطبري ٨/ ١٧٤، وابن أبي حاتم ٧/ ٧٢ أ، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٤٠١، والثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٩١ أكلهم من طريق عمرو بن دينار، عن ابن عباس، به.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢٧ ونسبه أيضًا لابن المنذر والبيهقي. وصحح ابن العربي ٣/ ١٤٠٨ أن المراد البيوت كلها، لعموم القول، ولا دليل على التخصيص.
(٥) في (ظ): (يعني).
وقوله ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس: أي هذه تحية حياكم الله بها (٣).
وقال الفراء (٤): أي من أمر الله أمركم بها تفعلونه (٥) طاعة له (٦).
وقوله ﴿مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ قال ابن عباس: يريد حسنة جميلة (٧).
وقال الزجاج: أعلم الله أن السلام مبارك طيب لما فيه من الأجر والثواب (٨).
قوله ﴿كَذَلِكَ﴾ أي كبيانه في هذه الآية.
﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ يفصل الله لكم معالم دينكم كما بيّن في أمر الطعام والتسليم (٩) (١٠).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٥.
وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١٤٩، "مشكل إعراب القرآن" لمكي ٢/ ٥١٧، "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٦٠.
(٣) لم أجده بهذا اللفظ، وقد روى ابن أبي حاتم ٧/ ٧٢ ب من طريق الوالبي، عن ابن عباس في قوله (تحيّة من عند الله): قال وهو السلام: لأنَّه اسم الله، وهو تحية أهل الجنَّة.
(٤) (الفراء): ساقط من (ع).
(٥) في (أ): (تفعلوه).
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٦٢.
(٧) ذكره عنه البغوي ٦/ ٦٦.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٥ إلى قوله: طيب. أما قوله: لما فيه من الأجر والثواب. فهذا كلام الطبري في "تفسيره" ١٨/ ١٧٢.
(٩) في (ظ): (والسلام).
(١٠) الطبري ١٨/ ١٧٥ مع اختلاف يسير.
٦٢ - قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ قال مجاهد (٢)، وسعيد بن جبير (٣)، والمفسرون (٤): يعني الجمعة والغزو.
وقال مقاتل بن حيان: يقول على أمر طاعة يجتمعون عليها نحو الجمعة والنحر والفطر والجهاد وأشباه ذلك (٥).
وقوله: ﴿لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ قال مقاتل: نزلت في عمر بن الخطاب استأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك في الرجعة إلى أهله، فأذن له وقال: "انطلق فوالله ما أنت بمنافق". يريد بذلك أن يسمع المنافقين (٦).
وقال ابن عباس: الذي استأذنه عمر بن الخطاب، وذلك (٧) أنه استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العمرة فأذِن له، ثم قال: "يا أبا حفص لا تنسنا في صالح (٨) دعائك" (٩).
(٢) رواه عنه عبد الرزاق في "مصنفه" ٣/ ٢٤٢ - ٢٤٣، وابن أبي حاتم ٧/ ٧٣ أ، ب.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢٩ - ٢٣٠ ونسبه أيضًا للفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٣) رواه عنه ابن أبي حاتم ٧/ ٧٣ أ. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٣٠ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد.
(٤) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٧٥ - ١٧٦، والثعلبى ٣/ ٩١ أ.
(٥) روى عنه ابن أبي حاتم ٧/ ٧٣ ب.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٢ أ. وهذه الرواية لا تصح في سبب نزول هذه الآية.
(٧) في (ع): (في ذلك).
(٨) (صالح): ساقطة من (ع).
(٩) لم أجده عن ابن عباس. وقد روى أبو داود في "سننه" الصلاة - باب: الدعاء =
قال مجاهد: وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده (٦).
قال الكلبي: كان ذلك مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأما اليوم فإذنه أن يأخذ بأنفه وينصرف (٧).
قال المنذري في "مختصر أبي داود" ٢/ ١٤٦: وفي إسناده عاصم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة.
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٣/ ٢١١ عن عمر وفيه: "في صالح دعائك" وقال: رواه أحمد وأبو يعلى وفيه عاصم بن عبد الله وفيه كلام كثير وقد وثق.
(١) هو: أبو حمزة الثمالي.
(٢) بحيال: أي بجانب.
(٣) (أنه): ساقطة من (أ).
(٤) في (ع): (يشاء).
(٥) رواه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٢٩١ ب بسنده عن أبي حمزة الثمالي به. وهو ضعيف؛ لضعف الثُمالي، ولإرساله.
وقد ذكر البغوي ٦/ ٦٧، وابن الجوزي ٦/ ٦٨ - ٦٩ هذا الخبر ونسباه للمفسرين.
(٦) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٣/ ٢٤٢ - ٢٤٣، وابن أبي حاتم ٧/ ٧٣ أ، ب. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢٩ ونسبه أيضًا للفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٧) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٦، وفي "مصنفه" ٣/ ٢٤٤.
وقال أبو إسحاق في هذه الآية: أعلم الله -عز وجل- أن المؤمنين إذا كانوا مع نبيّه فيما يحتاج فيه إلى الجماعة لم يذهبوا حتى يستأذنوه، وكذلك ينبغي أن يكونوا مع أئمتهم لا يخالفونهم، ولا يرجعون عنهم في جمع من جموعهم إلا بإذنهم، وللإمام أن يأذن وله أن لا يأذن على قدر ما يرى من الحظ لقوله -عز وجل- ﴿فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ﴾ فجعل المشيئة إليه في الإذن (٣).
﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ﴾ أي استغفر لهم لخروجهم عن الجماعة إن رأيت لهم عذرًا.
قوله تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ قال ابن عباس -في رواية عطاء-: يريد من بعيد: يا أبا القاسم. ولكن افعلوا كما قال -في الحجرات-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ﴾ [الحجرات: ٣] (٤).
(٢) روى أبو داود في "المراسيل" ص ٤٧ عن مقاتل بن حيان نحوه. وذكره نحو هذه الرواية الفراء في "معاني القرآن" ٢/ ٢٦٢. وانظر ابن كثير ٣/ ٣٠٧، "الدر المنثور" ٦/ ٢٣١.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٥.
(٤) رواه أبو نعيم في "دلائل النبوة" ١/ ٤٦.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٣٠ ونسبه أيضًا لعبد الغني بن سعيد في تفسيره. وقد تقدم الكلام على هذه الرواية عن ابن عباس.
وروى ابن أبي حاتم ٧/ ٧٤ أ، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" ١/ ٤٥ - ٤٦ من =
وقال مجاهد: أمرهم أن يدعوا (١) رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في لين وتواضع، ولا يقولوا: يا محمد في تجّهم (٢) (٣).
وقال سعيد بن جبير: لا تقولوا يا محمد. قولوا: يا رسول الله (٤).
وقال قتادة: أمرهم أن يُفخِّموه ويشرِّفوه (٥).
وقال المقاتلان: يقول لا تدعوا النبي باسمه: يا محمد، يا بن عبد الله (٦). إذا دعوتموه كما يدعو بعضكم بعضًا باسمه: يا فلان ويا ابن فلان، ولكن عظّموه وفخّموه وشرّفوه، وقولوا: يا رسول الله ويا نبي الله (٧).
(١) في (أ): (يدعونا).
(٢) في (أ): (تهجم). والتَّجهم: الاستقبال بوجه كريه. انظر: "لسان العرب" ١٢/ ١١١ (جهم).
(٣) رواه الطبري ١٨/ ١٧٧، وابن أبي حاتم ٧/ ٧٤ ب. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٣١ وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٤) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (ج٧ ل ٧٤ ب). وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٣١ ونسبه لعبد بن حميد.
(٥) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٦، والطبري ١٤/ ١٧٧ ورواه ابن أبي حاتم ٧/ ٧٤ ب بنحوه.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٣١ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٦) في (ع): (ولا يابن عبد الله).
(٧) قول مقاتل بن حيان رواه عنه ابن أبي حاتم ٧/ ٧٤ ب. وقول مقاتل بن سليمان في "تفسيره" ٢/ ٤٢ أ.
وروي عن ابن عباس قول آخر قال (٥): نهى الله المؤمنين (٦) أن يتعرضوا لدعاء الرسول عليهم يقول: دعوة الرسول عليكم موجبة فاحذروها (٧).
وهذا قول الحسن، قال -في هذه الآية-: لا تجعلوا دعاء الرسول عليكم كدعاء بعضهم على بعض (٨) (٩).
وذكر المبرد وجهًا آخر فقال: يجوز أن يكون المعنى: لا تجعلوا أمره
قال ابن كثير ٣/ ٣٠٧ - عن هذا القول-: وهو الظاهر من السياق كقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾ إلى آخر الآية [البقرة: ١٠٤]، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿خَيْرًا لَهُمْ﴾ [الحجرات: ٢ - ٥] فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- والكلام معه وعنده كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته. اهـ.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٦٢.
(٣) في (أ): (النبوية).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٥.
(٥) في (ع): (قالت).
(٦) (المؤمنين): ساقطة من (ع).
(٧) رواه الطبري ١٨/ ١٧٧، وابن أبي حاتم ٧/ ٧٤ ب من قوله: دعوة.. من رواية العوفي، عنه.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٣١ ونسبه أيضًا لابن مردويه.
قال ابن عطية ١٠/ ٥٥٦ ولفظ الآية يدفع هذا المعنى.
(٨) في (ع): (كدعاء بعضكم بعضًا) أي على بعض.
(٩) رواه عنه ابن أبي حاتم ٧/ ٧٤ ب. وذكره عنه ابن كثير ٣/ ٣٠٧.
قال: ومثله قوله ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤].
وعلى هذا المصدر يكون مضافًا إلى الفاعل والدعاء يكون من الرسول، وهو أليق بما بعده من التهديد لمن تأخر عن الرسول وخالف أمره، وهو قوله ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا﴾ (٣).
قال الليث: التَّسلل: إنسلال (٤) جماعة، إذا ذهبوا (٥).
والسَّل: الإخراج، والتَّسلل والانسلال: الخروج. يقال: تسلل فلان من بين أصحابه، إذا خرج من جملتهم (٦).
وذكرنا هذا عند تفسير (٧) السلالة (٨).
وقوله ﴿لِوَاذًا﴾ هو من الملاوذة، وهو (٩) أن يستتر بشيء مخافة من
(٢) ذكره عنه الرازي ٢٤/ ٣٩ - ٤٠ وذكره عنه بمعناه أبو حيان ٦/ ٤٧٦، والسمين الحلبي ٨/ ٤٤٦. وذكر الماوردي ٤/ ١٢٨ هذا المعنى وقال: حكاه ابن عيسى.
(٣) اختار الرازي ٢٤/ ٤٠، وأبو حيان ٦/ ٤٦ هذا القول، وذكرا مثل هذا التعليل.
(٤) في (أ): (استلال).
(٥) قول الليث في "العين" ٧/ ١٩٣ (سلّ).
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ٢٩٢ - ٢٩٤ (سل)، "الصحاح" للجوهري ٥/ ١٧٣١ "سلل"، "لسان العرب" ١١/ ٣٣٨ - ٣٣٩ (سلل).
(٧) في (ع): (عند قوله تفسير).
(٨) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢].
(٩) في (أ): (هو).
تلاوذ (٢) من حرِّ كأن أواره (٣) | يُذيب دماغ الضَّب فهو خدوع (٤) |
قال الفراء: إنَّما قيل لواذًا لواذًا؛ لأنها مصدر "لاوذت"، ولو كانت مصدرًا لـ"لذتُ" لكان لياذًا، كما تقول: قمت إليك قيامًا، وقاومتك قواما (٧).
ونحو هذا قال الزجاج (٨).
وذكر المبرد العلّة فقال: صحت الواو في لواذا؛ لأن فعلها صحيح، لاوذته لواذًا وعاودته عوادا، ولو اعتل الفعل لاعتل مصدره في "فعَال" نحو: قمت قيامًا، ونمت نيامًا، ولو قلت: قاومته، لقلتا قواما (٩).
(٢) في (أ): (تلاود).
(٣) في (ظ): (أواره).
(٤) في (أ): (جدوع)، والمثبت من باقي النسخ والديوان.
(٥) في (ظ): (يستر).
(٦) الكُنُس: جمع مكنس، وهو مولج الوحش من الظباء والبقر تستكن فيه من الحر. "لسان العرب" ٦/ ١٩٨ (كنس).
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٦٢.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٦.
(٩) في "الكامل" للمبرد ٢/ ٢٧٨:.. وكذلك "فعال" إذا كان مصدرًا صحيحًا صحَّ إذا صحَّ فعله، واعتل إذا اعتل فعله، فما كان مصدرًا لـ"فاعلت" فهو "فعال" صحيح، تقول: قاولته قوالا، ولاوذته لواذا كقوله تعالى: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا﴾ أي ملاوذة، وإذا كان مصدر "فعلتُ" اعتل لاعتلال الفعل، فقلت: قمت قيامًا، ونمت نيامًا، ولذت لياذًا، وعذت عياذًا. اهـ.
وقال المقاتلان: إنَّ المنافقين كان يثقل عليهم يوم الجمعة قولُ النبي -صلى الله عليه وسلم- وخطبته، فيلوذون ببعض أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى يخرجوا من المسجد، [فيقوم المنافق فينسل] (١) مستخفيًا مستترًا (٢) بغيره من غير استئذان (٣).
وعلى هذا التهديد في الخروج عن المسجد يوم الجمعة.
وقال ابن قتيبة: ويقال: بل نزلت هذه في حفر الخندق، فكان (٤) قوم يتسللون بلا إذن (٥). ومعنى ﴿قَدْ يَعْلَمُ﴾ التهديد بالمجازاة.
وهو اختيار الفراء، قال: إن المنافقين كانوا يشهدون الجمعة فيعيبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالآيات التي تنزل فيهم، فيضجرون، فإن خفي لأحدهم القيام قام (٦).
ثم حذَّرهم الفتنة والعذاب فقال: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ أي يعرضون عن أمره، ودخلت (عن) لتضمن (٧) المخالفة معنى الإعراض (٨). ﴿أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ قال ابن عباس: ضلالة (٩).
(٢) في (ظ): (متسترًا).
(٣) قول مقاتل بن حيان رواه عنه ابن أبي حاتم ٧/ ٧٥ أ. وقول مقاتل بن سليمان في "تفسيره" ٢/ ٤٢ أ.
(٤) في (ظ): (وكان).
(٥) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٣٠٩.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٦٢.
(٧) في (أ): (وليحذر)، وهو خطأ في الآية.
(٨) في (ظ): (التضمن).
(٩) هذا معنى ما قاله الطبرى ١٨/ ١٧٨. =
وقال الحسن، والكلبي: بليَّة تُظهر ما في قلوبهم من النفاق (٢).
﴿أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ يعني القتل في الدنيا (٣).
وهذا دليل على أنَّ من خالف الرسول فهو معرض (٤) الفتنة والقتل.
ثم عظم نفسه فقال: ﴿أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يعني عبيدًا (٥) وملكًا وخلقًا (٦). وفيه بيان أنه لا يجوز للعبد أن يخالف أمر مالكه الذي له ما في السموات والأرض (٧).
وهذا قول أبي عبيدة في "المجاز" ٢/ ٦٩. والصحيح الأول.
(١) ذكره عنه ابن الجوزي ٦/ ٦٩. وذكر عنه الثعلبي ٣/ ٩١ ب، والزمخشري ٣/ ٧٩ أنه قال: قتل.
(٢) قول مقاتل بن حيان رواه ابن أبي حاتم ٧/ ٧٥ ب. وقول مقاتل بن سليمان في "تفسيره" ٢/ ٤٢ أ.
وذكره الثعلبي ٣/ ٩١ ب عن الحسن، وذكره الماوردي ٤/ ١٢٩، وقال: حكاه ابن عيسى. وذكره ابن العربي في "أحكام القرآن" ٣/ ١٤١٢ من غير نسبة، ثم قال -بعد ذكره لهذا القول وغيره-: وهذه الأقوال صحيحة كلها؛ ولكن متعلقاتها مختلفة؛ فهنالك مخالفة توجب الكفر.. ، وهنالك مخالفة هي معصية.
(٣) روى ابن أبي حاتم ٧/ ٧٥ ب هذا القول عن مقاتل بن حيَّان.
وذكر الماوردي ٤/ ١٢٩ هذا القول ونسبه ليحيى بن سلام.
ثم حكى قولًا ثانيًا وهو أنَّ العذاب هنا عذاب جهنم في الآخرة.
(٤) في (ظ): (تعرض)، وفي (أ)، (ع): (يعرض بإهمال أوله). ولعل الصواب: فهو متعرض للفتنة.
(٥) في (ظ): (عبدا).
(٦) الثعلبي ٣/ ٩١ ب.
(٧) الطبري ١٨/ ١٧٩ مع اختلاف يسير.
وقال الكلبي: من الاستقامة وغير ذلك (٢).
قوله: ﴿وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ﴾ وهي النفخة الأخيرة يخرجون من قبورهم (٣).
﴿فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا﴾ من الخير والشر ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من أعمالهم ﴿عَلِيمٌ﴾ (٤).
(٢) "تنوير المقياس" ص ٢٢٤.
(٣) روى ابن أبي حاتم ٧/ ٧٥ ب عن أبي العالية نحو ذلك.
(٤) من قوله "من الخير.. " إلى هنا. هذا قول مقاتل في "تفسيره" ٢/ ٤٢ أ.
لأبي الحسن على بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
سورة الفرقان
تحقيق
د. سليمان بن إبراهيم الحصين
إلا أن الثابت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- يخالف هذا: فقد أخرج البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ رقم [٤٧٦٢] عن القاسم بن أبي بَزّة أنه سأل سعيد بن جبير: هل لمن قتل عمدًا من توبة؟ فقرأت عليه: ﴿وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ فقال سعيد: قرأتُها على ابن عباس كما قرأتَها عليّ، فقال: هذه مكية نسختها آية مدنية التي في سورة: النساء. "فتح الباري" ٨/ ٤٩٣. وأخرجه أيضًا مسلم ٤/ ٢٣١٨، كتاب التفسير، رقم: [٣٠٢٣]. والمشهور عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن السورة كلها مكية؛ قال ابن الجوزي: قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة في آخرين: هي مكية. "زاد المسير" ٦/ ٧١. وقال السيوطي: وأخرج ابن الضريس، والنحاس، وابن مردويه، والبيهقي في "الدلائل"، من طرق عن ابن عباس، قال: نزلت سورة الفرقان بمكة "الدر المنثور" ٦/ ٢٣٤.
وقال البيهقي بعد ذكر أثر ابن عباس: ولهذا الحديث شاهد في "تفسير مقاتل"، وغيره من أهل التفسير. "دلائل النبوة" ٧/ ١٤٤، وعدد آياتها: سبعٌ وسبعون آية؛ من غير اختلاف. "مصاعد النظر" ٢/ ٣١٩. أورد الواحدي في تفسيره: "الوسيط" ٣/ ٣٣٣، حديثاً في فضل هذه السورة لم يذكره هنا في تفسيره: "البسيط"، =