تفسير سورة الحشر

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
تفسير سورة سورة الحشر من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن .
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل... ﴾ الآية [ الحشر : ٦ ].
قاله هنا بالواو، عطفا على قوله تعالى :﴿ ما قطعتم من لبنة ﴾ [ الحشر : ٥ ] وقاله بعد بحذفها( ١ )، لأنه مستأنف عمّا قبله.
١ - في قوله تعالى: ﴿ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى... ﴾ آية (٧)..
قوله تعالى :﴿ والذين تبوّؤوا الدار والإيمان من قبلهم... ﴾ ( ١ ) [ الحشر : ٩ ]. " الدار " أي المدينة اتخذوها منزلا، فقوله بعده ﴿ والإيمان ﴾ منصوب ب " تبوّؤوا " بتضمنه لزموا، أو بقدّر أي واعتقدوا، وأخلصوا، أو واختاروا الإيمان، لأن الإيمان لا يُتّخذ منزلا، فهو على الثاني من باب «علفتُها تبنا وماء بارداً » أو منصوب بتبوؤوا بلا تضمين، على أنه مجاز، بجعله منزلا لهم، لتمكنهم فيه كتمكّنهم في المدينة، ففي " تبوؤوا " جمع بين الحقيقة والمجاز، وهو جائز عند الشافعي رضي الله عنه.
١ - معنى الآية: والذين اتخذوا المدينة منزلا وسكنا، واعتقدوا الإيمان وأخلصوه، وهم الأنصار رضوان الله عليهم..
قوله تعالى :﴿ ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليُولّن الأدبار... ﴾ [ الحشر : ١٢ ].
إن قلتَ : " إن " الشرطية إنما تدخل على ما يحتمل وجوده وعدمه، فكيف قال تعالى ذلك، مع إخباره بأنهم لا ينصرون ؟
قلتُ : معناه : ولئن نصروهم فرضا وتقديرا، كقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :﴿ لئن أشركت ليحبطنّ عملك ﴾ [ الزمر : ٦٥ ].
قوله تعالى :﴿ لأنتم أشدّ رهبة في صدورهم من الله ﴾ [ الحشر : ١٣ ] أي أشد خوفا في صدور المنافقين أو اليهود، وظاهره لأنتم أشدّ خوفا من الله تعالى.
فإن قلتَ : إن عُلِّق قوله ﴿ من الله ﴾ بأشدّ، لزم ثبوت الخوف لله وهو محال، أو بالرهبة لزم كون المؤمنين أشدّ خوفا من المذكورين، وليس مرادا ؟
قلتُ : الرهبة مصدر " رُهب " بالبناء للمفعول هنا، فالمعنى أشدّ مرهوبية، يعني أنكم في صدورهم أهيب من كون الله تعالى فيها، ونظيره قولك : زيد أشدّ ضربا في الدار من عمرو، يعني مضروبية.
قوله تعالى :﴿ ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ﴾ [ الحشر : ١٣ ].
ختمه هنا بقوله : " لا يفقهون " وبعده بقوله : " لا يعقلون " ( ١ ) لأن الأول متصل بقوله :﴿ لأنتم أشدّ رهبة في صدورهم من الله ﴾ أي لأنهم يفقهون ظاهر الشيء دون باطنه، والفقه معرفة الظاهر والباطن، فناسب نفيه الفقه عنهم.
والثاني متّصل بقوله :﴿ تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى ﴾ [ الحشر : ١٤ ] أي لو عقلوا لاجتمعوا على الحقّ ولم يتفرّقوا، فناسب نفي العقل عنهم.
إن قلتَ : كيف يستقيم التفضيل بأشدِّية الرهبة، مع أنهم لا يرهبون الله، لأنهم لو رهبوه لتركوا النفاق والكفر ؟   !
قلتُ : معناه أن رهبتهم في السرّ منكم، أشدّ من رهبتهم من الله تعالى، التي يظهرونها لكم، وكانوا يظهرون للمؤمنين رهبة شديدة من الله تعالى.
١ - أشار إلى قوله تعالى: ﴿تحسبُهم جميعا وقلوبهم شتّى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون﴾..
قوله تعالى :﴿ ولتنظر نفس ما قدّمت لغد... ﴾ [ الحشر : ١٨ ] أي ليوم القيامة، وفائدة تنكير النفس، بيان أن الأنفس الناظرة في معادها قليلة جدا، كأنه قيل : ولتنظر نفس واحدة في ذلك، وأين تلك النفس  ! ! وفائدة تنكير " الغد " تعظيمه، وإبهام أمره، كأنه قيل : لا تعرف النفس كنه عظمته وهوله، فالتنكير فيه للتعظيم، وفي النّفس للتقليل.
فإن قلتَ : الغدُ اليومُ الذي يعقب ليلتك، فكيف أُطلق على يوم القيامة ؟
قلتُ : الغد له معنيان : ما ذكرتم، ومطلق الزمان والمستقبل، كما أن للأمس معنيين مقابلين لما ذكرنا، وقيل : إنما أطلق الغد على يوم القيامة تقريبا له، لقوله تعالى :﴿ وما أمر الساعة إلا كلمح البصر ﴾ [ النحل : ٧٧ ] فكأنه لقربه أشبه اليوم الذي يعقب ليلتك.
قوله تعالى :﴿ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا... ﴾ الآية [ الحشر : ٢١ ]، أي لو جعلنا في جبل –على قساوته- تمييزا كما في الإنسان، ثم أنزلنا عليه القرآن، لتشقّق خشية من الله تعالى، وخوفا ألا يؤدي حقه في تعظيم القرآن.
والمقصود تنبيه الإنسان على قسوة قلبه، وقلّة خشوعه عند تلاوة القرآن، وإعراضه عن تدبر زواجره.
قوله تعالى :﴿ هو الله الخالق البارئ المصوّر... ﴾ [ الحشر : ٢٤ ].
الخالق : هو الذي قدّر ما يوجده، والبارئ : هو الذي يميّز بعضه عن بعض بالأشكال المختلفة.
وقيل : الخالق : المبدي، والبارئ : المعيد.
Icon