ﰡ
﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ١ ) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾، بيان للموصول يعني بني النضير كانوا من أولاد هارون عليه السلام ﴿ من ديارهم ﴾ التي كانت لهم بالمدينة قال ابن إسحاق : كان إجلاء بني النضير عند مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد وفتح قريظة عند مرجعه عن الأحزاب وبينهما سنتان. وسبب إخراجهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المدينة صالح بنو النضير على أن لا تقاتلوه ولا تقاتلوهن معه فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا أو ظهر على المشركين قالت بنو النضير والله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له راية، فلما غزا أحد وانهزم المسلمون إرتابوا وأظهروا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركب كعب ابن الأشرف من بني النضير في أربعين راكبا من اليهود إلى مكة فأتوا قريشا فحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد ودخل أبو سفيان في أربعين من قريش وكعب في أربعين من اليهود المسجد وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الأستار والكعبة، ثم رجع وأصحابه إلى المدينة فنزل جبرائيل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما تعاقد عليه كعب وأبو سفيان وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل كعب ابن الأشرف فقتله محمد ابن مسلم ذكرنا قصة قتله في سورة آل عمران في قوله تعالى :﴿ لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ﴾ ٢، وكان النبي صلى الله عليه وسلم اطلع منهم على خيانات منها أنهم أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسيلم أن أخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك وليخرج منا ثلاثون حبرا حتى نلتقي من مكان نصف بيننا وبينك فسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك كنا فلما كان الغد غدا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين من أصحابه، وخرج إليه ثلاثون حبرا من يهود حتى إذا برزوا في براز من الأرض قال بعضهم لبعض كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله فأرسلوا إليه كيف نفهم ونحن ستون رجلا أخرج في ثلاثة من أصحابك ويخرج إليك ثلاثة من علمائنا فيسمعون منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه وخرجت ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته ما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أخوها سريعا حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم فساره بخبرهم قبل أن يصل إليهم فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، روى القصة أبو داود والبيهقي وعبد ابن حميد وعبد الرزاق بإسناد صحيح وذكروا حديثا طويلا وفيه أن بني النضير فعلوا ذلك الغدر حين كتب إليهم قريش بعد وقعة بدر أنكم أهل الحلقة والحصون وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لتفعلن كذا، وذكر البغوي هذه القصة وقال بعد ذلك فلما كان الغد غدا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتاب فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة، ومن خياناتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاهم يستعين في دية الرجلين اللذين قتلهما عمرو ابن أمية الضميري في منصرفه من بئر معونة فهمت اليهود أن يطرحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرا من فوق الحصن فعصمه الله تعالى وأخبره به، ذكرنا القصة في سورة المائدة في تفسير قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ﴾٣ الآية، ذكر ابن حميد عن عكرمة أن الله سبحانه لما أخبر نبيه بذلك ورجع نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قال لهم كنانة ابن صوريا هل تدرون لم قام محمد قالوا لا والله ما ندري وما تدري أنت، ( قال بلى والتوراة إني لأدري قد أخبر محمد بما هممتم به من الغدر فلا تخدعوا أنفسكم والله إنه رسول الله وما قام إلا أنه أخبر بما هممتم وأنه لآخر الأنبياء وكنتم تطمعون أن يكون من بني هارون فجعله الله حيث شاء وإن كتبنا والذي درسنا في التوراة التي لم تغيروا لم تبدل أن مولده بمكة وأن دار هجرته يثرب وصفته بعينها ما يخالف حرفاهما في كتابنا ولكني أنظر إليكم طاعنين يتضاعى صبيانكم قد تركتم دوركم خلوفا أموالكم وإنما هي شرفكم فأطيعوني في خصلتين والثلاثة لا خير فيها، قال ما هما قال : تسلمون وتدخلون مع محمد فتأمنوا على أموالكم وأولادكم وتكونوا على ما عليه أصحابه ويبقى بأيديكم أموالكم ولا تخرجون من دياركم قالوا لا نفارق التوراة وعهد موسى، قال فإنه مرسل إليكم أخرجوا من بلدي فقولوا نعم دما ولا مالا ويبقى أموالكم إن شئتم بعتم وإن شئتم أمسكتم، قالوا أما هذه فنعم، قال سلام ابن مشكم قد كنت لما صنعتم كارها وهو مرسل إلينا أن أخرجوا من داري فلا تعقب ما في كلامه وأنعم له بالخروج من بلده فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أرسل إلى محمد ابن مسلمة، فلما جاء قال اذهب إلى يهود بني النضير فقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم أن اخرجوا من بلدي، فلما جاءهم قال إن رسول الله صلى عليه وسلم أرسله برسالة ولست أذكرها لكم حتى أعرفكم بشيء تعرفونه، فقالوا ما هو فقال أنشدكم بالتوراة التي أنزل على موسى هل تعلمون أني جئتكم قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم وبينكم التوراة فقلتم لي في مجالسكم هنا يا ابن المسلم إن شئت أن نعذبك عذبناك وإن شئت أن نهودك هودناك فقلت بل عذبوني ولا تهودوني فإني والله ما أتهود أبدا فعذبتموني في صفحة لكم والله لكأني أنظر إليها كأنها خدعة فقلتم لي ما يمنعك من ديننا إلا أنه دين يهود كأنك تريد الحنيفة التي سمعت بها أما أن أبا عامر الراهب ليس بصاحبها بل صاحبها الضحوك القتال في عينيه حمرة ويأتي من قبل اليمن يركب البعير ويلبس الشملة وتجزى بالكسرة وسيفه على عاتقه ينطق بالحكمة كأنه سن حيكم هذه والله ليكونن بقريتكم هذه سلب وقتل مثل قالوا اللهم نعم قد قلنا وليس له فاقد، فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم أنكم قد نقضتم الذي جعلت لكم ما هممتم به من الغدر بي وأخبرهم بما كانوا هموا به وظهور عمرو ابن جحاش على البيت ليطرح عليه الصخرة، ويقول أخرجوا من بلدي وقد أجلكم عشرا فمن رأى بعد ذلك ضربت عنقه فمكثوا على ذلك أياما يتجهزون وأرسلوا إلى ظهرهم بالحد فبيناهم على ذلك إذا جاءهم رسول عبد الله ابن أبي سلول سويد وأعسر قليلا يقول عبد الله ابن أبي لا تخرجوا من دياركم وأموالكم وأقيموا مع حصونكم فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون معكم حصنكم فيموتون من آخرهم قبل أن يوصل إليكم ويمدكم قريظة فإنهم لم يخذلوكم يمدكم حلفائكم من غطفان، وأرسل ابن أبي كعب ابن أسد القرظي يكلمه أن يمده أصحابه، فقال لا ينقض رجل واحد العهد فيئس ابن أبي أخطب بن قريظة وأراد أن يلحم الأمر فيما بين النضير ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يرسل إلى حيي ابن أخطب، فقال حيي أنا أرسل إلى محمد أعلمه أن لا يخرج من ديارنا فليصنع ما بدا له وطمع حيي فيما قال ابن أبي، فقال له سلام ابن مشكم لولا أن يسفه رأيك لأعتزلتك بمن أطاعني من يهود فلا تفعل يا حيي، فوالله إنك لتعلم ونعلم من معك أنه لرسول الله وإن صفته عندنا وإنما لم نتبعه لأنا حسدناه حيث خرج النبوة من بني هارون فلتقبل ما أعطانا من الأمر وتخرج من بلاده وقد عرفت أنك حالفتني في الغدر به فإذا كان أوان التمر جئنا أو جائنا إلى تمرة أو صنع ما بدا له ثم انصرف إلينا فلم يقبل حيي قوله، وأرسل حيي أخاه جدي ابن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له : إنا لا نبرح من ديارنا وأموالنا فاصنع ما أنت صانع وأمره أن يأتي ابن أبي فيخبره برسالته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمره أن يعمل ما وعده من النضير فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة قول جدي ابن أخطب أظهر التكبير وكبر المسلمون لتكبيره وقال حاربت يهود، ثم دخل جدي على ابن أبي وهو في بيته ومعه نفر من جلسائه وقد نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالسير إلى بني النضير، فدخل عبد الله ابن عبد الله ابن أبي على ابنه وعلى النفر الذين معه وعنده جدي ابن أخطب فلبس درعه وأخذ سيفه وخرج بعد فجاء جدي إلى حيي فقال ما وراءك، قال الشر ساعة أخبرت محمد ما أرسلت به أظهر التكبير وقال حاربت يهود، قال وجئت ابن أبي فلم أر عنده خبرا قال أنا أرسل إلى حلفاء من غطفان فيدخلون معكم فسار النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بفناء النضير فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا على جدر حصونهم يرمون بالنبل والحجارة واعتزلهم بنو قريظة فلم يعينوهم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء رجع إلى بيته في عشرة من أصحابه استعمل على العسكر عليا ويقال أبا بكر وبات المسلمون يحاصرونهم حتى أصبحوا، ثم أذن بلال فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه الذين كانوا معه فصلى بالناس في قضاء بني حطم فأرسل حيي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن نعطيك الذي سألت ونخرج من بلادك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أقبله اليوم ولكن اخرجوا منها ولكن ما حملت الإبل إلا الحلقة فقال سلام ابن مشكم وأقبل ويحكم قبل أن تقبل شرا من ذلك، قال حيي ما يكون شرا من هذا قال يسبي الذرية ويقتل القاتل مع الأموال والأموال أهون علينا، فأبى حيي أن يقبل يوما أو يومين، فلما رأى ذلك يامين ابن عمير وأبو سعيه ابن وهب قال أحدهما لصاحبه والله إنك لتعلم أنه رسول الله فما تنظر أن نسلم فنأمن على دمائنا وأموالنا فنزلا من الليل فأسلما وحرز أموالهما ودمائهما، وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قول محمد ابن عمر ابن سعد والبلاذري وأبو معشر وابن حبان خمسة عشر يوما، وقال ابن إسحاق وأبو عمرو ست ليال، وقال سليمان التيمي قريبا من عشرين ليلة، وقال ابن الطلاع ثلاث وعشرين ليلة، وعن عائشة خمسة وعشرين وكانوا في حصارهم يخربون بيوتهم بأيديهم مما يليهم، وكان المسلمون يخربون بأيديهم ويحرقون حتى وقع الصلح ونزلت اليهود على أن لهم ما حملت الإبل إلا الحلقة، وجعل ما بين الرجل من قيس عشرة دنانير ويقال خمسة أوسق من تمر حتى قتل عمروا ابن جحاش غيلة، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بنو النضير إنا لنا ديونا على الناس فال عليه السلام تعجلوا فكان لأبي رافع على أسيد ابن حضير عشرين ومائة دينار إلى سنة فصالحه على ثمانين، فخرجت بنو النضير حملوا النساء والذرية وما استقلت به الإبل من الأمتعة فكان الرجل يهدم بيته عن إيجاف باب
٢ سورة آل عمران الآية: ١٨٦.
٣ سورة المائدة الآية: ١١.
مسألة :
من هاهنا أبو حنيفة إذا حاصر الإمام حصنا للكفار أن ينقطع أشجارهم ويفسد زروعهم وهدم بيوتهم ويحرقها، قال ابن همام هذا إذا لم يغلب على الظن أنهم مأخوذون بغير ذلك، فإن كان الظن أنهم مغلوبون وأن الفتح لا بد منه كره ذلك لأنه فساد وفي غيره محل الحاجة وما أبيح إلا لها، وقال أحمد لا يجوز قطع أشجارهم إلا بأحد الشرطين أحدهما أن يفعلوا بنا مثل ذلك ثانيهما أن يكون لنا حاجة إلى قطع ذلك لنتمكن من قتالهم، وقال الشافعي يجوز إتلاف بنائهم وشجرهم لحاجة القتال والظفر بهم وكذا عن لم يرج حصولها لنا فإن رجى ندب الترك، والدليل على جواز قطع الأشجار هذه الآية والحديثين المذكورين، وما روى أحمد عن أسامة ابن زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قرية قال ائتها صباحا ثم حرق قال ابن الجوزي احتجاجا لمذهبه : إنه قد روى أصحابنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشا قال لا تعودوا عينا ولا تعقروا شجرا يمنعكم من القتال، والحديثان يعني حديث ابن عمر وحديث أسامة ابن زيد محمولان على ما ذكرنا انتهى كلامه، قلنا لا يجوز على ما ذكر ابن الجوزي لأن بني نضير لم يقطعوا أشجار المدينة قط، ولا دليل على كون القطع لحاجة القتال بل الآية صريحة في أن الأمر بالقطع كان لخزي الفاسقين وكبت أعداء الله وكسر شوكتهم لا لغرض آخر لكن الظاهر أن الفتح لم يكن غالبا في الظن حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع أشجارهم يدل على قوله تعالى :﴿ ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم ﴾، وما روى أصحاب أحمد حجة على عدم جواز القطع إن صح لا يمكن أن يكون معارضا لكتاب الله المستلزم للجواز والله أعلم.
هذه الآية والأحاديث الصحيحة تدل على أن بني نضير كان خالصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صرفه عليه السلام حيث شاء، روى الشيخان في الصحيحين عن مالك ابن أوس ابن الحدثان النضيري أنه قال عمر ابن الخطاب إن الله قد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعط أحدا غيره ثم قرأ ﴿ وما أفاء الله على رسوله منهم ﴾ إلى قوله ﴿ قدير ﴾ فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق عليه وعلى أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله٣، وأيضا في الصحيحين عنه أنه جاء عمر حاجبه يرفأ فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمان والزبير وسعد يستأذنون ؟ قال نعم فأدخلهم فلبث قليلا ثم جاء فقال هل لك في عباس وعلي رضي الله عنه يستأذنان ؟ قال نعم، فلما دخلا قال عباس يا أمير المؤمنين إقض بيني وبين هذا وهما يختصمان في التي أفاء الله على رسوله من بني النضير فقال الرهط يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر قال ائتدوا أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لا نورث ما تركناه صدقة " ، يريد بذلك نفسه قالوا قد قال ذلك فأقبل عمر على علي وعباس فقال أنشدكما بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك، قالا نعم، قال فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله قد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء ﴿ وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم ﴾ إلى قوله ﴿ قدير ﴾، فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم والله ما اختارها دونكم ولا استأثرها عليكم فقد أعطاكموها وقسمها فيكم حتى بقي المال منها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقه سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعل مال الله فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر فأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضه أبو بكر فعمل فيه بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم حينئذ جميع، وأقبل على علي وعباس يذكر أن أبا بكر فيه كما يقولان والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فقبضتها سنين من إمارتي أعمل فيه بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر والله يعلم إني فيه صادق بارو تابع للحق ثم جئتماني كلا كما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع فقلت لكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا نورث ما تركنا صدقة )، فلما بدا لي أن أدفعه إليكما، قلت إن شئتما دفعت إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه تعملان فيه بما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وما عملت فيه منذ وليت وإلا فلا تكلماني فقلتما ادفعه إلينا بذلك فدفعته إليكما أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك، فوالله الذي تقوم بإذنه السماء والأرض لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنه فادفعا إلي فأنا أكفيلماهما. وأيضا في الصحيحين عن عمر قال كانت أموال بني نضير مما أفاء الله على رسوله ما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ينفق على أهله نفقه سنتهم ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله.
٢ سورة البقرة: الآية: ٢٢٦.
٣ أخرجه البخاري في كتاب: فرض الخمس ﴿٣٠٩٤﴾}.
٢ أخرجه البخاري في كتاب: التفسير باب: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه﴾ ﴿٤٨٨٦﴾.
وجه الاحتجاج أنه لو ملكها المشركون ما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بطل نذرها وحديث رواه داود عن ابن عمر قال ذهب فرس له فأخذه الكفار فظهر عليهم المسلمون فرد عليه في زمن رسول لله صلى الله عليه وسلم وأبق عبد له فلحق بالروم فظهر عليهم المسلمون فرد عليه خالد ابن وليد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والجواب عن الحديث الأول أن ظاهر هذا الحديث يدل على أن الكفار لم يحرزوا العضباء بديارهم حيث قال وكانوا إذا نزلوا يريحون أهلهم في أفنيتهم وعن الحديث الثاني أنا نقول على حسب مقتضى هذا الحديث حيث نقول أن المشركين إذا غلبوا على أموالنا وملكوها فظهر عليهم المسلمون ووجدها ملاكها قبل القسمة ردت تلك الأموال عليها بلا شيء وبعد القسمة ردت بالقيمة وإن عبدا إذا أبق فدخل إليهم فأخذوه لم يملكوها عند أبي حنيفة ثم إذا ظهر عليهم المسلمون يأخذ المالك القديم بغير شيء موهوبا كان أو مشتري مغنوما قبل القسمة وبعده والله تعالى أعلم، ﴿ يبتغون فضلا من الله ﴾ يعني ثوبا زائدا على قدر أعمالهم أضعافا كثيرة ﴿ ورضوانا ﴾ جملة يبتغون حال مقيدة لإخراجهم بما يوجب تفخيم شأنهم ﴿ وينصرون الله ﴾ يعني دينه عطف على يبتغون ﴿ ورسوله أولئك هم الصادقون ﴾ في ادعاء إيمانهم وحالهم على صدق دعواهم فمن قال من الروافض إنهم كانوا منافين وكانوا كاذبين في ادعاء الإيمان كفر لاستلزام إنكار هذه الآية، وقال قتادة هؤلاء المهاجرين الذين تركوا الديار والأموال والعشائر وخرجوا حبا لله ولرسوله، واختاروا الإسلام على ما كانت فيه من شدة حتى ذكر أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه يقيم به صلبه من الجوع وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله وثار غيرها، قلت وكانوا يحبون القتل في سبيل الله روى البغوي في المعالم وشرح السنة عن أمية ابن خالد ابن عبد الله ابن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين وروى مسلم عن عبد الله ابن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا )١ وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك مقدار خمسمائة سنة ) ٢ قلت لعلهم يدخلون الجنة قبل أغنياء المهاجرين بأربعين خريفا وقبل أغنياء سائر الناس بخمسمائة سنة والله تعالى أعلم.
اختلف الأئمة أن المال الذي يحصل بلا قتال كجزية وعشر تجارة وما جلوا عنه خوفا، وما صولحوا عليه ومال مرتد قتل أو مات ومال ذمي مات بلا وارث وزكاة بني تغلب وما أهداه أهل الحرب إلى الإمام وكذا أخراج الأرض هل يخمس أم لا ؟، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في أظهر قوليه لا يخمس بل جميعه لمصالح لما صلح المسلمين كسد الثغور وبناء القناطير والجسور ويعطي قضاة المسلمين والمحتسبين وعمالهم وعلمائهم منه ما يكفيهم، ويدنو منه أرزاق المقاتلة وذراريهم كذا في الهداية، وفي التجنس يعطي المعلمين والمتعلمين ويدخل فيه طلبة العلم أيضا، وقال الشافعي في القديم لا يخمس إلا ما تركوه فزعا وهربوا وفي الجديد أنه يخمس جميع ذلك ثم يجعل الخمس خمسة أسهم سهم منها لبني هاشم وبني المطلب يشرك فيه الغني والفقير وسهم لابن السبيل ويعم الأصناف الأربعة المذكورة وقيل يخص بالحاصل في كل ناحية من فيها منهم سهم لمصالح المسلمين كسد الثغور والقضاة والعلماء ويقدم الأهم، وأما الأخماس الأربعة فالأظهر أنها للمرتزقة وهم أجناد المرصدون للجهاد فيضع الإمام ديوانا فيعطي كل واحد منهم كفاية ويقدم في الإعطاء قريشا ومنهم بني هاشم والمطلب ثم عبد الشمس ثم نوفل ثم عبد العزى ثم سائر البطون الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الأنصار ثم سائر العرب ثم العجم ولا يثبت في الديوان أعمى ولا زمنا ولا من لا يصلح للقتال فإن فضلت الأخماس الأربعة عن حاجات المرتزقة وزع عليهم على قدر مؤنتهم والأصلح فإنه يجوز أن يقسم غلته كذلك في المنهاج، ويؤيد مذهب الجمهور في عدم التخميس ما ذكره محمد ابن يوسف الصالحي في سبيل الرشاد في أموال بني النضير أنه قال عمر ابن الخطاب يا رسول الله ألا تخمس ما أصبته ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أجعل شيئا جعله الله تعالى دون المؤمنين بقوله تعالى :﴿ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ﴾ الآية كهيئته ما وقع فيه السهمان، قال ابن همام ذكروا أن قول الشافعي في تخميس الجزية مخالف للإجماع قال الكرخي ما قال به أحد قبله ولا بعده ولا في عصره ووجه قوله القياس على الغنيمة قال ابن همام إنه صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ونصارى نجران وفرض الجزية على أهل اليمن ولم ينقل منه التخميس ولو كان لنقل وروى أبو داوود بسند فيه ضعف أن عمر ابن عبد العزيز كتب إلى عماله أن ما حكم عمر ابن الخطاب فرآه المؤمنين عدلا موافقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم.
٢ أخرجه أبو داود في كتاب: العلم باب: في القصص ﴿٣٦٦٢﴾}.
جزى الله عنا جعفرا حين أرتعت بنا تعلنا في الوطنين فنزلت
أبوا أن يحلون ولو أنا آمنا به تلقى الذي يلقون منا طلت.
وروى الآجري في كتاب الشريعة عن قيس ابن أبي حازم نحوه، ﴿ ومن يوق شح نفسه ﴾ حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الإنفاق ﴿ فأولئك هم المفلحون ﴾ الشح البخل والحرص كذا في القاموس وفي الصحاح بخل مع حرص قال البغوي فرق العلماء بين الشح والبخل، روي أن رجلا قال لعبد الله ابن مسعود إني أخاف أن أكون قد هلكت قال وما ذاك قال :﴿ أسمع الله يقول :{ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ﴾ وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يدي شيء قال عبد الله : ليس ذاك بالشح الذي ذكره الله عز وجل ولكن الشح أن تأكل مال أخيك ظلما ولكن ذاك البخل وبئس الشيء البخل وقال عمر ليس الشح أن يمنع الرجل ماله إنما الشح أن تطمع عين الرجل إلى ما ليس له، وقال سعيد ابن جبير الشح هو أخذ الحرام ومنع الزكاة وقيل الشح الحرص الشديد الذي يحمله على ارتكاب المحارم وقال ابن زيد من لم يأخذ شيئا نهاه الله عنه ولم يدعه الشح إلى أن يمنع شيئا من شيء أمره الله به فقد وقى شح نفسه، عن جابر ابن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :﴿ اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ﴾ ٥.
رواه مسلم وأحمد وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان في جوف عبد أبدا ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا ) ٦ رواه البغوي وكذا روى النسائي
اختلف الأئمة أن المال الذي يحصل بلا قتال كجزية وعشر تجارة وما جلوا عنه خوفا، وما صولحوا عليه ومال مرتد قتل أو مات ومال ذمي مات بلا وارث وزكاة بني تغلب وما أهداه أهل الحرب إلى الإمام وكذا أخراج الأرض هل يخمس أم لا ؟، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في أظهر قوليه لا يخمس بل جميعه لمصالح لما صلح المسلمين كسد الثغور وبناء القناطير والجسور ويعطي قضاة المسلمين والمحتسبين وعمالهم وعلمائهم منه ما يكفيهم، ويدنو منه أرزاق المقاتلة وذراريهم كذا في الهداية، وفي التجنس يعطي المعلمين والمتعلمين ويدخل فيه طلبة العلم أيضا، وقال الشافعي في القديم لا يخمس إلا ما تركوه فزعا وهربوا وفي الجديد أنه يخمس جميع ذلك ثم يجعل الخمس خمسة أسهم سهم منها لبني هاشم وبني المطلب يشرك فيه الغني والفقير وسهم لابن السبيل ويعم الأصناف الأربعة المذكورة وقيل يخص بالحاصل في كل ناحية من فيها منهم سهم لمصالح المسلمين كسد الثغور والقضاة والعلماء ويقدم الأهم، وأما الأخماس الأربعة فالأظهر أنها للمرتزقة وهم أجناد المرصدون للجهاد فيضع الإمام ديوانا فيعطي كل واحد منهم كفاية ويقدم في الإعطاء قريشا ومنهم بني هاشم والمطلب ثم عبد الشمس ثم نوفل ثم عبد العزى ثم سائر البطون الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الأنصار ثم سائر العرب ثم العجم ولا يثبت في الديوان أعمى ولا زمنا ولا من لا يصلح للقتال فإن فضلت الأخماس الأربعة عن حاجات المرتزقة وزع عليهم على قدر مؤنتهم والأصلح فإنه يجوز أن يقسم غلته كذلك في المنهاج، ويؤيد مذهب الجمهور في عدم التخميس ما ذكره محمد ابن يوسف الصالحي في سبيل الرشاد في أموال بني النضير أنه قال عمر ابن الخطاب يا رسول الله ألا تخمس ما أصبته ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أجعل شيئا جعله الله تعالى دون المؤمنين بقوله تعالى :﴿ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ﴾ الآية كهيئته ما وقع فيه السهمان، قال ابن همام ذكروا أن قول الشافعي في تخميس الجزية مخالف للإجماع قال الكرخي ما قال به أحد قبله ولا بعده ولا في عصره ووجه قوله القياس على الغنيمة قال ابن همام إنه صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ونصارى نجران وفرض الجزية على أهل اليمن ولم ينقل منه التخميس ولو كان لنقل وروى أبو داوود بسند فيه ضعف أن عمر ابن عبد العزيز كتب إلى عماله أن ما حكم عمر ابن الخطاب فرآه المؤمنين عدلا موافقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم.
٢ أخرجه البخاري في كتاب: فضائل المدينة باب: المدينة تنفي الخبث ﴿١٨٨٣﴾ وأخرجه مسلم في كتاب: الحج باب: المدينة تنفي شرارها ﴿١٣٨٣﴾.
٣ أخرجه البخاري في كتاب: التفسير ﴿ويؤثرون على أنفسهم﴾ ﴿٤٨٨٩﴾}.
٤ أخرجه البخاري في كتاب: المغازي باب: غزوة الطائف ﴿٤٣٣٠﴾}.
٥ أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب باب: تحريم الظلم ﴿٢٥٧٨﴾}.
٦ أخرجه النسائي في كتاب: الجهاد باب: فضل من عمل في سبيل الله على قدمه ﴿٣١٠١﴾}.
٢ سورة الأنفال الآية: ٤٨.
٢ رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح انظر مجمع الزوائد في كتاب الأذكار باب في البقاع التي يذكر الله تعالى عليها ﴿١٦٧٨٣﴾}.
٢ سورة التغابن الآية: ٣.
٣ سورة الإنفطار الآية: ٨.
٤ سورة آل عمران الآية: ٦.
٥ أخرجه البخاري في كتاب: الاستئذان باب: بدء السلام ﴿٦٢٢٧﴾ وأخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب باب: النهي عن ضرب الوجه ٢٦١٢}.
٦ أخرجه الترمذي في كتاب: فضائل القرآن ﴿٢٩٢٢﴾}.