تفسير سورة المنافقون

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سورة المنافقون
مدنية بإجماع، وآيها: إحدى عشرة آية، وحروفها: سبع مئة وستة وسبعون حرفًا، وكلمها: مئة وثمانون كلمة، نزلت في غزوة بني المصطلق بسبب أن عبد الله بن أبي ابن سلول كانت منه في تلك الغزوة أقوال، وكان له أتباع يقولون قوله، فنزلت السورة كلها بسبب ذلك، وبين الله تعالى فيها ما تقدم من المنافقين؛ من خلفهم، وشهادتهم في الظاهر بالإيمان، وأنهم كذبة، وذكر فيها ما تأخر منهم ووقع في تلك الغزوة على ما يأتي في التفسير إن شاء الله تعالى.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (١)﴾.
[١] ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ﴾ يعني: عبد الله بن أبي وأصحابه.
﴿قَالُوا﴾ بألسنتهم دون قلوبهم:
﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ والشهادة حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه،
فهي الإخبار بما علمه بلفظ خاص، ولذلك صدَّقَ المشهود به، وكذَّبهم في الشهادة بقوله:
﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ فيما يُضمرون من تكذيبك، وكان - ﷺ - يقبل من المنافقين ظاهر الإسلام.
وأما حكم الزنديق في الشرع، وهو الذي يظهر الإسلام ويُسر الكفر، فإنه يقتل، ولا يستتاب عند أحمد، والأصح عن مالك أنه إذا جاء تائبًا، وظهر من قوله، لا يقتل، بخلاف ما يظهر عليه، قال مالك: لأن توبته لا تعرف، يعني أن التقية من الزندقة، فيقتل، وعند أبي حنيفة والشافعي تقبل توبته.
﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢)﴾.
[٢] وكل ما جاء في القرآن بعد العلم (١) لفظة (أَنَّ) فهي بفتح الهمزة، إلا في موضعين، إحداهما هنا ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ والثاني: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ في الأنعام، وإنما كان كذلك في هذين الموضعين؛ لأنه يأتي بعدهما لام الخبر، فلهذا انكسر.
﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُم﴾ أي: حلفهم، وما يظهرون من الإيمان ضد الكفر.
﴿جُنَّةً﴾ سترة عن أموالهم ودمائهم.
﴿فَصَدُّوا﴾ الناس ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الإيمانِ والجهادِ.
(١) "بعد العلم" زيادة من "ت".
﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من النفاق.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٣﴾.
[٣] ﴿ذَالِكَ﴾ القولُ الشاهدُ على سوء عملهم ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ أي: بسبب أنهم.
﴿آمَنُوا﴾ باللسان.
﴿ثُمَّ كَفَرُوا﴾ أي: استمروا على الكفر بقلوبهم ﴿فَطُبِعَ﴾ خُتِم.
﴿عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ بالكفر. قرأ أبو عمرو، ورويس عن يعقوب: (فَطُبِع عَّلَى) بإدغام العين في العين (١).
﴿فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ لا يفهمون حقيقة الإيمان.
﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤)﴾.
[٤] ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ﴾ أي: المنافقين ﴿تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُم﴾ لجمالها، وكان عبد الله بن أبي جسيمًا فصيحًا.
﴿وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ فتحسب أنه صدق ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾ أشباح بلا أرواح، وأجسام بلا أحلام. قرأ أبو عمرو، والكسائي، وقنبل
(١) "في العين" زيادة من "ت".
63
عن ابن كثير: (خُشْبٌ) بإسكان الشين، والباقون: بضمها (١).
﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ أي: لا يسمعون صوتًا في العسكر إلا ظنوا أنهم يُرادون بذلك؛ من جبنهم وسوء ظنهم. قرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، وأبو جعفر: (يَحْسَبُونَ) بفتح السين، والباقون: بكسرها (٢).
﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ فإنهم يُفشون سرك للكفار، وهو جواب قوله: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ﴾ لأن الجواب إما أن يكون بالفاء كما هنا، وإما بالماضي؛ كقوله: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [مريم: ٧٣]، ونظائره كثيرة.
﴿قَاتَلَهُمُ﴾ أهلكهم ﴿اللَّهُ﴾ دعاء يتضمن الإقصاء والمنابذة وتمني الشر لهم.
﴿أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ كيف يُصرفون عن الحق بعد قيام البرهان. قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (أَنَّى) بالإمالة، واختلف عن أبي عمرو، فروي عنه: إمالتها بين بين، وروي عنه: فتحُها، وبه قرأ الباقون (٣).
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥)﴾.
(١) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٣٦٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٥١).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٣٦)، و"التيسير" للداني (ص: ٢١١)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٤٠١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٥٢).
(٣) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤١٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٥٢).
64
[٥] روي أن رسول الله - ﷺ - خرج إلى غزوة بني المصطلق، وخرج معه عبد الله بن أبي ابن سلول، وكانت في شعبان سنة ست من الهجرة، ونزل بالمريسيع -ماء من ماء بني المصطلق-، فسبق المهاجرون وكأنهم غلبوا الأنصار عليه بعضَ غلبة، فقال عبد الله بن أبي لأصحابه: قد كنت قلت لكم في هؤلاء الجلابيب ما قلتُ، فلم تسمعوا مني، وكان المنافقون يسمون المهاجرين: الجلابيب، ثم إن الجهجاه الغفاري غلامَ عمرَ بنِ الخطاب ورد الماء بفرس لعمر، فازدحم هو وسنان بن وبر الجهنى حليف الأوس، ودار بينهما كلام، فاقتتلا، وصرخ الجهني: يا معشرَ الأنصار! وصرخ الغفاري: يا معشر المهاجرين! فجاؤوا، فاقتتلوا، فخرج رسول الله - ﷺ - فقال: "ما بالُ دَعْوى الجاهلية؟! " فلما أخبر بالقضية، قال: "دعوها فإنها مُنْتِنَةٌ"، فأصلح الأمر قوم من المهاجرين (١).
وروي أن جعالًا -رجلًا فقيرًا من المهاجرين- أعان الجهجاه، فغضب عبد الله بن أبي، وعنده بعض قومه، وكان معهم زيد بن أرقم صغيرًا لم يتحفظ منه، فقال عبد الله: أفعلوها؟! نافرونا وكاثرونا في بلادنا؟! فما نحن وهم إلا كما قيل: سَمِّنْ كلبَك يأكلْكَ، ثم قال لقومه: هذا فعلكم بأنفسكم، أحللتموهم دياركم، وقاسمتموهم أموالكم، ولو أمسكتم عن جعال وذويه فضلَ طعامكم، لتحولوا عنكم، ولا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا عن محمد، ولئن رجعنا إلى المدينة، ليخرجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ، فذهب
(١) رواه البخاري (٤٦٢٢)، كتاب: التفسير، باب: قوله: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾، ومسلم (٢٥٨٤)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا، من حديث جابر رضي الله عنه.
65
زيدُ بن أرقم إلى عمه، وكان في حجره، وأخبره، فأتى به رسولَ الله - ﷺ -، فأخبره، فقال رسول الله - ﷺ -: "يا زيد! غضبت على الرجل، ولعلك وهمتَ"، فأقسم زيد ما كان شيء من ذلك، ولقد سمع من عبد الله بن أبي ما حكى، فعاتب رسول الله - ﷺ - عبد الله بن أبي عند رجال من الأنصار، فبلغه ذلك، فجاء وحلف، وكذَّب زيدًا، وحلف معه قوم من المنافقين، فصدق رسولُ الله - ﷺ - أيمانَ عبد الله بن أبي، وكذَّب زيدًا، فبقي زيد في منزله لا يتصرف حياءً من الناس، فنزلت هذه السورة عند ذلك، فبعث رسول الله - ﷺ - في أثر زيد، وقالماله: "لقد صدَّقك الله يا زيد، ووفت أُذُنُك"، فخزي عند ذلك عبد الله بن أبي، ومقته الناس، ولامه المؤمنون من قومه، وقال بعضهم: امض إلى رسول الله - ﷺ -، واعترف بذنبك، فيستغفر لك، فلوى رأسه إنكارًا لهذا الرأي، وقال لهم: لقد أشرتم علي بالإيمان، فآمنت، وأشرتم علي بأن أعطي زكاة مالي، ففعلت، ولم يبق لكم إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد! فأنزل الله تعالى:
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ (١) لابن أبيّ ﴿تَعَالَوْا﴾ إلى النبي - ﷺ - معتذرين، و (تَعَالَوْا) نداء يقتضي لفظه أنه دعاء الأعلى للأسفل، ثم استعمل في كل داع لما فيه من حسن الأدب.
﴿يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ﴾ أمالوها استكبارًا. قرأ نافع، وروح عن يعقوب: (لَوَوْا) بتخفيف الواو الأولى، والباقون: بتشديدها على تضعيف المبالغة.
(١) انظر: "تفسير الطبري" (٢٨/ ١١٥)، و"تفسير الثعلبي" (٩/ ٣٢١)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٣٤٨).
66
﴿وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ﴾ يُعرضون عن الاستغفار ﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ عن الاعتذار.
﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٦)﴾.
[٦] ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ﴾ قراءة الجمهور: (أَسْتَغْفَرْتَ) بهمزة مفتوحة من غير مد عليها، وقرأ أبو جعفر بخلاف عنه: بالمد، ووجهه بعضهم بأنه إجراء لهمزة الوصل المكسورة مجرى المفتوحة، فمد من أجلال استفهام، وقال الزمخشري: إن المد إشباع لهمزة الاستفهام؛ للإظهار والبيان، لا قلبًا لهمزة الوصل ألفًا كما في (آالسِّحْر) (١).
﴿أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ لرسوخهم في الكفر.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ لانهماكهم في الكفر.
﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (٧)﴾.
[٧] ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ من الفقراء.
﴿حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ يتفرقوا عنه.
﴿وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بيده الأرزاق.
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢١١)، و"التفسير البغوي" (٤/ ٤٠٢)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٨٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٥٣).
﴿وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ﴾ أن أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون؛ لجهلهم بالله.
﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٨)﴾.
[٨] ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ هذا قول عبد الله بن أبي ابن سلول، يعني بالأعز (١): نفسَه، وبالأذل: رسولَ الله - ﷺ -، قال أُسيد بن حُضير لما سمعها: "واللهِ يا رسولَ الله تُخرجه إن شئت، هو والله الذليل، وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله! ارفق به، فو الله لقد جاء الله بك كان قومه لينظمون له الخرز ليتوِّجوه، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكًا" (٢).
وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه، فأتى رسولَ الله - ﷺ - فقال: يا رسولَ الله! إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي؛ لما بلغك عنه، فإن كنت فاعلًا، فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فقال رسول الله - ﷺ -: "بل نرفق به، ونحسنُ صحبتَه ما بقيَ معنا" (٣).
وقدم رسول الله - ﷺ - المدينة، فلم يلبث عبد الله بن أبي إلا أيامًا قلائل حتى اشتكى ومات.
(١) "بالأعز" زيادة من "ت".
(٢) انظر: "تفسير الطبري" (٢٨/ ١١٦)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٤٠٣).
(٣) انظر: "تفسير الطبري" (٢٨/ ١١٦)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٤٠٣).
﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ﴾ الغلبة لمن دونه ﴿وَلِرَسُولِهِ﴾ بإظهار دينه ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ بنصرهم على الكافرين ﴿وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ذلك، ولو علموا، ما قالوا هذه المقالة.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٩)﴾.
[٩] ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ﴾ تشغلكم.
﴿أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ هو الصلوات الخمس.
﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ أي: اللهو بها.
﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ لأنهم باعوا الباقي بالفاني. قرأ الدوري عن الكسائي: (يَفْعَل ذَّلِكَ) بإدغام اللام في الذال، والباقون: بالإظهار (١).
﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠)﴾.
[١٠] و ﴿أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ في الطاعة، وقال ابن عباس: المراد: زكاة الأموال (٢).
﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ أي: أسبابه.
(١) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٣٦٩)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤١٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٥٤).
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٤٠٥).
69
﴿فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا﴾ هَلَّا ﴿أَخَّرْتَنِي﴾ أمهلتني ﴿إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ زمان يسير.
﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ فأتصدق وأزكي مالي، قيل: نزلت في مانعي الزكاة.
﴿وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ المؤمنين. قرأ أبو عمرو: (وَأَكُونَ) بالواو ونصب (١) النون على جواب التمني، وعطفًا على (فَأَصَّدَّقَ)؛ لأنه نصب بإضمار أن، وقال: إنما حذفت الواو من المصحف اختصارًا، وقرأ الباقون: (وَأَكُنْ) بجزم النون من غير واو عطفًا على موضع (فَأَصَّدَّقَ) (٢)؛ لأنه جواب الشرط، تقديره: إن أخرتني، أصدق، وأكنْ، وكذا هو مرسوم في جميع المصاحف.
﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١١)﴾.
﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا﴾ ولن يمهلها ﴿إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾ آخرُ عمرها.
واختلاف القراء في الهمزتين من (جَاءَ أَجَلُهَا) كاختلافهم فيهما من ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ﴾ في سورة الحج [الآية: ٦٥].
﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فمجازٍ عليه. قرأ أبو بكر عن عاصم (يَعْمَلُونَ) بالغيب على تخصيص الكفار بالوعيد، وقرأ الباقون: بالخطاب على مخاطبة جميع الناس (٣)، والله أعلم.
(١) في "ت": "وفتح".
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٣٧)، و"التيسير" للداني (ص: ٢١١)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٤٠٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٥٥ - ١٥٦).
(٣) المصادر السابقة.
70
سورة التغابن
مدنية، وقال بعض المفسرين: مكية إلا ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ﴾ إلى آخر السورة، وآيها: ثماني عشرة آية، وحروفها: ألف وسبعون حرفًا، وكلمها: مئتان وإحدى وأربعون كلمة.
قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: قال رسول الله - ﷺ -: "ما مِنْ مولودٍ يولَد إلا وفي شبائِكِ رأسه مكتوبٌ خمسُ آياتٍ من فاتحةِ سورةِ التغابن" (١).
وعن أبي بن كعب: قال رسول الله - ﷺ -: "مَنْ قرأَ سورةَ التغابن، دُفعَ عنه موتُ الفُجاءة" (٢).
(١) رواه ابن حبان في "المجروحين" (٣/ ٨١)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (١٧٦٣)، وفي "مسند الشاميين" (٩٠)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٦٣/ ١٥٠)، والثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٣٢٥).
وفي إسناده الوليد بن الوليد الدمشقي، قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به فيما يروي. وقال ابن كثير في "تفسيره" (٤/ ٣٧٤): غريب جدًّا. بل منكر.
(٢) رواه الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٣٢٥)، وابن مردويه والواحدي في "تفسيريهما" كما عزاه الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" (٤/ ٤٤). قال المناوي في "الفتح السماوي في تخريج أحاديث البيضاوي" (٣/ ١٠٤٤): موضوع.
71
Icon