تفسير سورة سورة الشمس من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
.
لمؤلفه
الصاوي
.
المتوفي سنة 1241 هـ
ﰡ
أقسم سبحانه وتعالى بسبعة أشياء، إظهاراً لعظمة قدرته وانفراده بالألوهية، وأشار إلى كثرة مصالح تلك الأشياء وعموم نفعها. قوله: ﴿ وَضُحَاهَا ﴾ أي وهو وقت ارتفاعها. والحاصل: أن الضحوة ارتفاع النهار، والضحى بالضم والقصر فوق ذلك، والضحاء بالفتح والمد، إذا امتد النهار كاد ينتصف. قوله: (ضَوْئِهَا) هو أحد أقوال ثلاثة، وقيل: هو النهار كله، وثالثها: هو حر الشمس، وحكمة القسم بذلك، أن العالم في وقت غيبة الشمس عنهم كالأموات، فإذا ظهر أثر الصبح، صارت الأموات أحياء، وتكاملت الحياة وقت الضحوة، وهذه الحالة تشبه أحوال القيامة، ووقت الضحى يشبه استقرار أهل الجنة فيها. قوله: (تبعها) أي ظهر ضوؤه وسلطانه بعد غروبها وخلفها في انتشار الضياء، فلا ينافي أنه قد يوجد مصاحباً لها، كالليلة الخامسة من الشهر مثلاً. قوله: (طالعاً عند غروبها) حال من ضمير (تبعها) والمراد ظهوره بعد غيبتها في أي وقت من الليل، فيشمل أول الشهر وأوسطه وآخره. قوله: ﴿ وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا ﴾ الضمير المستتر المرفوع، إما عائد على ﴿ ٱلنَّهَارِ ﴾ أو على الله تعالى، والبارز المنصوب إما للشمس أو للظلمة، والمعنى: أظهرها وكشفها. قوله: ﴿ وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ أتى به مضارعاً، ولم يقل غشيها للفواصل، أو إشارة لدوام القسم بهذا الأمر، واستمراره شيئاً بعد شيء، فلم يلتزم فيه صيغة الماضي، وأتى به متوسطاً، إشارة إلى أن ما قبله وما بعده محمول عليه. قوله: (يغطيها بظلمته) أي فيزيل ضوءها، فالنهار يجليها ويظهرها، والليل يغطيها ويسترها. (لمجرد الظرفية) من إضافة الصفة للموصوف، أي الظرفية المجردة عن الشرطية. قوله: (والعامل فيها فعل القسم) استشكل بأنه يلزم عليه اختلاف العامل والمعمول في الزمان، وذلك لأن فعل القسم إنشاء، وزمانه الحال، وإذا للاستقبال، وحينئذ فلا يصح عمله في إذا. أجيب: بأن فعل القسم يدل على الحال، ما لم يكن مقروناً بظرف يفيد الاستقبال كإذا، وإلا فيكون للاستقبال تبعاً لمعموله. قوله: (بسطها) أي على الماء. قوله: (بمعنى نفوس) أشار بذلك إلى أن التنكير للتكثير. قول: ﴿ وَمَا سَوَّاهَا ﴾ (في الخلقة) أي عدلها على هذا القانون المحكم والتركيب المتقن. قوله: (وما في الثلاثة مصدرية) أي وبناها السماء الخ، وحينئذ فالكلام إما على حذف مضاف، أي ورب البناء والطحو والتسوية، أو القسم بتلك الأشياء، لعظمتها وجلالة قدرها، كما تقدم في القسم بالشمس ونحوه. قوله: (أو بمعنى من) أي ومن بناها الخ، وبه استدل من يجوز وقوعها على آحاد أولي العلم، لأن المراد به الله تعالى. قوله: ﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ الإلهام في الأصل إلقاء شيء في القلب بطريق الفيض، ينشرح له الصدر ويطمئن، ثم أطلق هنا على مطلق التبيين. قوله: (طريق الخير والشر) لف ونشر مشوش. قوله: (حذفت منه اللام) أي لطول الكلام، لأن الماضي المثبت المتصرف الذي لم يتقدم معموله عليه، إذا وقع جواباً للقسم تلزمه اللام، وقد يجوز الاقتصار على أحدهما عند طول الكلام أو للضرورة. قوله: ﴿ مَن زَكَّاهَا ﴾ الخ، الفاعل ضمير ﴿ مَن ﴾ في الموضعين، وقيل: ضمير عائد على الله، والتقدير: من زكاها الله بالطاعة، وقد خاب من دساها الله بالمعصية. قوله: ﴿ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ كرر ﴿ قَدْ ﴾ إشارة لمزيد الاعتناء بمضمونها. قوله: (وأصلها دسها) مأخوذ من التدسيس وهو الإخفاء، والمعنى: أخمدها وأخفاها بالكفر والمعصية، لأن المعاصي تذل النواصي.
قوله: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ ﴾ مناسبتها لما قبلها، أنه لما أقسم بتلك الأقسام المذكورة، على فلاح المطيع وخيبة العاصي، ذكر في تلك القصة المطيع وهو صالح عليه السلام، والعاصي وهو قومه. قوله: (بسبب طغيانها) أشار بذلك إلى أن الباء سببية. قوله: ﴿ إِذِ ٱنبَعَثَ ﴾ مطاوع بعث تقول: بعثت فلاناً على الأمر فانبعث له، والباعث لهم على ذلك التكذيب والطغيان. قوله: (واسمه قدار) أي بوزن غراب ابن سالف، وهو أشقى الأولين، وكان رجلاً أشقر أزرق قصيراً، وفي الحديث:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: أتدري من أشقى الأولين؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: عاقر الناقة: أتدري من الأشقى الآخرين؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال قاتلك ". قوله: (برضاهم) قال قتادة: بلغنا لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم. قوله: ﴿ فَقَالَ لَهُمْ ﴾ أي بسبب الانبعاث، والمعنى: أنه لما عرف منهم العزم على عقرها قال لهم ما ذكر. قوله: (ناقة الله) الإضافة للتشريف، من حيث إنها دالة على توحيد الله، بسبب ما فيها من الأمور الغريبة المخالفة للعادة التي لا تمكن من غيرها تعالى. قوله: (أي ذروها) أشار بذلك إلى أن ﴿ نَاقَةَ ﴾ منصوب على التحذير، والكلام على حذف مضاف، أي ذروا عقرها واحذرو سقياها. قوله: (شربها) بضم الشين وكسرها اسمان، وبفتحها مصدر شرب، والمعنى ومشروبها. قوله: (ولهم يوم) أي يوم يشربون فيه هم ومواشيهم. قوله: ﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ أي استمروا على تكذيبه. قوله: (في قوله ذلك على الله) دفع بذلك ما يقال: إن تحذيرها من الناقة وسقياها إنشاء، والتكذيب من معارض الأخبار. فأجاب المفسر: بأن تكذيبه من حيث نقله عن الله فهو خبر. قوله: (المرتب عليه نزول العذاب بهم) وذلك أن صالحاً قال لهم: يأتيكم العذاب بعد ثلاثة أيام، قالوا: وما العلاقة على ذلك العذاب؟ قال: تصبحون في اليوم الأول وكان هو الأربعاء وجوهكم مصفرة، وفي اليوم الثاني وهو الخميس وجوهكم محمرة، وفي الثالث وهو الجمعة وجوهكم مسودة، وفي الرابع وهو السبت يأتيكم العذاب، فحصل ذلك تقدم بسطه. قوله: ﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾ أي عقرها قدار في رجليها فأوقعها فذبحوهها واقتسموا لحمها. قوله: (ماء شربها) أي الماء الذي كانت تشربه. قوله: ﴿ فَدَمْدَمَ ﴾ (أطبق) ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ الخ، أي فهو مأخوذ من الدمدمة، من إطباق الشيء على الشيء، يقال: دمدم عليه القبر أطبقه، والمعنى: أهلكهم. قوله: (فلم يفلت منهم أحداً) أي إلا من آمن مع صالح، وهم أربعة آلاف. قوله: (بالواو والفاء) أي فهما سبعيتان، أما الواو فإما للحال أو مستأنفة، والفاء للتعقيب. قوله: (تبعتها) أي عاقبة هلكتهم، كما تخاف الملوك عاقبة ما تفعله، فهو استعارة تمثيلية، لإهانتهم وإذلالهم، ويجوز عود الضمير على الرسول، أي إنه لا يخاف عاقبة إنذاره لهم لعصمته بالله تعالى، وقيل: الضمير يرجع للعاقر، فهو زيادة في التقبيح عليه.