ﰡ
أحدها : لأنه بيِّن الحروف، قاله أبو معاذ.
الثاني : لأنه بين الهدى والرشد والبركة، قاله قتادة.
الثالث : لأن الله تعالى قد بين فيه أحكامه وحلاله وحرامه، قاله مقاتل.
وفي هذا موضع القسم، وفيه وجهان :
أحدهما : معناه ورب الكتاب.
الثاني : أنه القسم بالكتاب، ولله تعالى أن يقسم بما شاء، وإن لم يكن ذلك لغيره من خلقه.
وجواب القسم ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرءاناً عَرَبِيّاً ﴾ وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إنا أنزلناه عربياً، قاله السدي.
الثاني : إنا قلناه قرآناً عربياً، قاله مجاهد.
الثالث : إنا بيناه قرآناً عربياً، قاله سفيان الثوري. ومعنى العربي أنه بلسان عربي، وفيه قولان :
أحدهما : أنه جعل عربياً لأن لسان أهل السماء عربي، قاله مقاتل.
الثاني : لأن كل نبي أنزل كتابه بلسان قومه، قاله سفيان الثوري.
﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تفهمون، فعلى هذا يكون هذا القول خاصاً بالعرب دون العجم، قاله ابن عيسى.
الثاني : يتفكرون قاله ابن زيد، فعلى هذا يكون خطاباً عاماً للعرب والعجم.
قوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُ فِي أَمِّ الْكِتَابِ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : جملة الكتاب.
الثاني : أصل الكتاب، قاله ابن سيرين.
الثالث : أنها الحكمةالتي نبه الله عليها جميع خلقه، قاله ابن بحر.
وفي ﴿ الْكِتَابِ ﴾ قولان :
أحدهما أنه اللوح المحفوظ؛ قاله مجاهد.
الثاني : أنه ذكر عند الله فيه ما سيكون من أفعال العباد مقابل يوم القيامة بما ترفعه الحفظة من أعمالهم، قاله ابن جريج.
وفي المكنى عنه أنه في أمِّ الكتاب قولان :
أحدهما : أنه القرآن، قاله الكلبي.
الثاني : أنه ما يكون من الخلق من طاعة ومعصية وإيمان أو كفر، قاله ابن جريج.
﴿ لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : رفيع عن أن ينال فيبدل. حكيم أي محفوظ من نقص أو تغيير، وهذا تأويل من قال أنه ما يكون من الطاعات والمعاصي.
الثاني : أنه علي في نسخه ما تقدم من الكتب، وحكيم أي محكم الحكم فلا ينسخ، وهذا تأويل من قال أنه القرآن.
قوله تعالى :﴿ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أفحسبتم أن نصفح ولما تفعلون ما أمرتم به؟ قاله ابن عباس.
الثاني : معناه أنكم تكذبون بالقرآن ولا نعاقبكم فيه، قاله مجاهد.
الثالث : أي نهملكم فلا نعرفكم بما يجب عليكم، حكاه النقاش.
الرابع : أن نقطع تذكيركم بالقرآن : وإن كذبتم به : قاله قتادة.
ويحتمل خامساً : أن نوعد ولا نؤاخذ، ونقول فلا نفعل.
﴿ قَوْماً مُّسْرِفِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : مشركين، قاله قتادة.
الثاني : مسرفين في الرد.
ومعن صفحاً أي إعراضاً، يقال صفحت عن فلان أي أعرضت عنه. قال ابن قتيبة : والأصل فيه إنك توليه صفحة عنقك. قال كثير في صفة امرأة :
صفحٌ فما تلقاك إلا بخيلة | فمن قَلّ منها ذلك الوصل قلّت |
قوله تعالى :﴿ وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : سنة الأولين، قاله مجاهد.
الثاني : عقوبة الأولين، قاله قتادة.
الثالث : عِبرة الأولين، قاله السدي.
الرابع : خبر الأولين أنهم أهلكوا بالتكذيب، حكاه النقاش.
﴿ وجَعَلَ لَكُم فِيهَا سُبُلاً ﴾ أي طرقاً.
ويحتمل ثانياً : أي معايش.
﴿ لَعَلَّكُم تَهْتَدُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تهتدون في أسفاركم، قاله ابن عيسى.
الثاني : تعرفون نعمة الله عليكم، قاله سعيد بن جبير.
ويحتمل ثالثاً : تهتدون إلى معايشكم.
قوله تعالى :﴿ وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : الأصناف كلها، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : أزواج الحيوان من ذكر وأنثى، قاله ابن عيسى.
الثالث : أن الأزواج الشتاء والصيف، والليل والنهار، والسموات والأرض، والشمس والقمر، والجنة والنار، قاله الحسن.
ويحتمل رابعاً : أن الأزواج ما يتقلب فيه الناس من خيرٍ وشر، وإيمان وكفر، وغنى وفقر، وصحة وسقم.
﴿ وَجَعَلَ لَكُم مِّن الْفُلْكِ ﴾ يعني السفن.
﴿ والأنعام ما تركبون ﴾ في الأنعام هنا قولان :
أحدهما : الإبل والبقر، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : الإبل وحدها : قاله معاذ. فذكرهم نعمه عليهم في تسييرهم في البر والبحر.
ثم قال ﴿ لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهَا ﴾ وأضاف الظهور إلى واحد لأن المراد به الجنس فصار الواحد في معنى الجمع.
﴿ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ ﴾ أي ركبتم.
﴿ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا ﴾ أي ذلل لنا هذا المركب.
﴿ وَمَا كَنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ضابطين، قاله الأخفش.
الثاني : مماثلين في الأيد والقوة، قاله قتادة من قولهم هو قرن فلان إذا كان مثله في القوة.
الثالث : مطيقين، قاله ابن عباس والكلبي، وأنشد قطرب لعمرو بن معدي كرب.
لقد علم القبائل ما عقيل | لنا في النائبات بمقرنينا |
أحدهما : أن أصله مأخوذ من الإقران، يقال أقرن فلان إذا أطاق. الثاني : أن أصله مأخوذ من المقارنة وهو أن يقرن بعضها ببعض في السير.
وحكى سليمان بن يسار أن قوماً كانوا في سفر، فكانوا إذا ركبوا قالوا :﴿ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾ وكان فيهم رجل على ناقة له رازم وهي لا تتحرك هزالاً فقال أما أنا فإني لهذه مقرن، قال فقصمت به فدقت عنقه.
أحدها : عدلاً أي مثلاً، قاله قتادة.
الثاني : من الملائكة ولداً، قاله مجاهد.
الثالث : نصيباً، قاله قطرب.
الرابع : أنه البنات، والجزء عند أهل العربية البنات. يقال قد أجزأت المرأة إذا ولدت البنات. قال الشاعر :
إن أجزأت مرة قوماً فلا عجب | قد تجزىء الحرة المذكارُ أحيانا |
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ﴾ أي بما جعل للرحمن البنات ولنفسه البنين.
﴿ ظَلَّ وَجْههُه مُسْوَداً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : ببطلان مثله الذي ضربه.
الثاني : بما بشر به من الأنثى.
﴿ وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : حزين، قاله قتادة.
الثاني : مكروب، قاله عكرمة.
الثالث : ساكت، حكاه ابن أبي حاتم. وذلك لفساد مثله وبطلان حجته.
قوله تعالى :﴿ أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي الْحِلْيَةِ ﴾ النشوء التربية، والحلية الزينة. وفي المراد بها ثلاثة أوجه :
أحدها : الجواري، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني : البنات. قاله ابن قتيبة.
الثالث : الأَصنام، قاله ابن زيد.
وفي ﴿ الْخِصَامِ ﴾ وجهان :
أحدهما : في الحجة.
الثاني : في الجدل.
﴿ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه عني قلة البلاغة، قاله السدي.
الثاني : ضعف الحجة، قال قتادة : ما حاجت امرأة إلا أوشكت أن تتكلم بغير حجتها.
الثالث : السكوت عن الجواب، قاله الضحاك وابن زيد ومن زعم أنها الأصنام.
قوله تعالى :﴿ وَجَعَلُواْ الْمَلآئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمنِ إِنَاثاً ﴾ في قوله ﴿ عِبَادُ الرَّحْمَنِ ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه سماهم عباده على وجه التكريم كما قال ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الِّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً ﴾.
الثاني : أنه جمع عابد.
وفي قوله :﴿ إِنَاثاً ﴾ وجهان :
أحدهما : أي بنات الرحمن.
الثاني : ناقصون نقص البنات.
﴿ أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : مشاهدتم وقت خلقهم.
الثاني : مشاهدتهم بعد خلقهم حتى علموا أنهم إناث.
﴿ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ أي ستكتب شهادتهم إن شهدوا ويسألون عنها إذا بعثوا.
أحدها : على دين، قاله قتادة وعطية، ومنه قول قيس بن الخطيم :
كنا على أمة آبائنا... قد يقتدي الآخر بالأول
الثاني : على ملة وهو قريب من معنى الأول، قاله مجاهد وقطرب وفي بعض المصاحف. ﴿ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى مِلَّةٍ ﴾.
الثالث : على قبلة، حُكي ذلك عن الفراء.
الرابع : على استقامة، قاله الأخفش، وأنشد النابغة :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة... وهل يأثَمَن ذو أمة وهو طائع
الخامس : على طريقة، قاله عمر بن عبد العزيز، وكان يقرأ ﴿ عَلَى أُمَّةٍ ﴾ بكسر الألف والأمة الطريقة من قولهم أممت القوم. حكاه الفراء.
﴿ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ﴾ قال قتادة متبعون. وحكى مقاتل أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة، وأبي سفيان، وأبي جهل، وعتبة، وشيبة ابني ربيعة من قريش.
﴿ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي ﴾ وهذا استثناء منقطع وتقديره، لكن الذي فطرني أي خلقني :
﴿ فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ وقيل فيه محذوف تقديره إلا الذي فطرني لا أبرأ منه ﴿ فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ قال ذلك ثقة بالله وتنبيهاً لقومه أن الهداية من ربه.
قوله تعالى :﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيةً فِي عَقِبِهِ ﴾ فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : لا إله إلا الله، لم يزل في ذريته من يقولها، قاله مجاهد، وقتادة.
الثاني : ألا تعبدوا إلا الله، قاله الضحاك.
الثالث : الإسلام، لقوله تعالى :﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ﴾ قاله عكرمة. وفي ﴿ عَقِبِهِ ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : ولده، قاله عكرمة.
الثاني : في آل محمد ﷺ، قاله السدي.
الثالث : من خلفه، قاله ابن عباس.
﴿ لَعَلَّهُم يَرْجِعُونَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يرجعون إلى الحق، قاله إبراهيم.
الثاني : يتوبون، قاله ابن عباس.
الثالث : يذكرون، قاله قتادة.
الرابع : يرجعون إلى دينك الذي هو دين إبراهيم، قاله الفراء.
قوله تعالى :﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَينِ عَظِيمٍ ﴾ أما القريتان فإحداهما مكة والأخرى الطائف.
وأما عظيم مكة ففيه قولان : أحدهما : أنه الوليد بن المغيرة، قاله ابن عباس.
الثاني : عتبة بن ربيعة، قاله مجاهد.
وأما عظيم الطائف ففيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه حبيب بن عمر الثقفي، قاله ابن عباس.
الثاني :[ عمير ] بن عبد ياليل، [ الثقفي ] قاله مجاهد.
الثالث : عروة بن مسعود، قاله قتادة.
الرابع : أنه كنانة [ عبد ] بن عمرو، قاله السدي.
قوله تعالى :﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ﴾ يعني النبوة فيضعوها حيث شاءوا.
﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنَْيَا ﴾ يعني أرزاقهم، قال قتادة : فتلقاه ضعيف القوة قليل الحيلة عيي اللسان وهو مبسوط له، وتلقاه شديد الحيلة بسيط اللسان وهو مقتر عليه.
﴿ وَرَفَعَنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : بالفضائل، فمنهم فاضل ومنهم مفضول، قاله مقاتل.
الثاني : بالحرية والرق، فبعضهم مالك وبعضهم مملوك.
الثالث : بالغنى والفقر، فبعضهم غني، وبعضهم فقير.
الرابع : بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الخامس : قاله السدي، التفضيل في الرزق إن الله تعالى قسم رحمته بالنبوة كما قسم الرزق بالمعيشة.
﴿ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني خدماً، قاله السدي.
الثاني : ملكاً، قاله قتادة.
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن النبوة خير من الغنى.
الثاني : أن الجنة خير من الدنيا.
الثالث : أن إتمام الفرائض خير من كثرة النوافل.
الرابع : أن ما يتفضل به عليهم خير مما يجازيهم عليه من أعمالهم، قاله بعض أصحاب الخواطر.
أحدهما : على دين واحد كفاراً، قاله ابن عباس والسدي.
الثاني : على اختيار الدنيا على الدين، قاله ابن زيد.
﴿ لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِ سُقُفاً مَّن فِضَّةٍ ﴾ فيها قولان :
أحدهما : أنها أعالي البيوت، قاله قتادة، ومجاهد.
الثاني : الأبواب، قاله النقاش.
﴿ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾ قال ابن عباس : المعارج الدرج، وهو قول الجمهور وأحدها معراج.
﴿ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾ أي درج من فضة عليها يصعدون، والظهور الصعود. وأنشد : نابغة بني جعدة رسول الله ﷺ قوله :
علونا السماء عفة وتكرما | وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا |
قال :« أَجَل إِن شَاءَ اللَّهُ » قال الحسن : والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك فكيف لو فعل؟
﴿ وَزُخْرُفاً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه الذهب : قاله ابن عباس. وأنشد قطرب قول ذي الأصبع :
زخآرف أشباهاً تخال بلوغها | سواطع جمر من لظى يتلهب |
الثالث : أنه النقوش، قاله الحسن.
أحدها : يعرض، قاله قتادة.
الثاني : يعمى، قاله ابن عباس.
الثالث : أنه السير في الظلمة، مأخوذ من العشو وهو البصر الضعيف، ومنه قول الشاعر :
لنعم الفتى تعشو إلى ضوءِ ناره | إذا الريحُ هبّت والمكان جديب |
أحدها : عن ذكر الله، قاله قتادة.
الثاني : عما بيّنه الله من حلال وحرام وأمر ونهي، وهو معنى قول ابن عباس.
الثالث : عن القرآن لأنه كلام الرحمن، قاله الكلبي.
﴿ نُقِيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : نلقيه شيطاناً.
الثاني : نعوضه شيطاناً، مأخوذ من المقايضة وهي المعاوضة.
﴿ فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه شيطان يقيض له في الدنيا يمنعه من الحلال ويبعثه على الحرام، وينهاه عن الطاعة ويأمره بالمعصية، وهو معنى قول ابن عباس.
الثاني : هو أن الكافر إذا بعث يوم القيامة من قبره شفع بيده شيطان فلم يفارقه حتى يصير بهما الله إلى النار، قاله سعيد بن جبير.
قوله تعالى :﴿ حَتَّى إِذَا جَآءَنا ﴾ قرأ على التوحيد أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص، يعني ابن آدم، وقرأ الباقون ﴿ جَاءَانَا ﴾ على التثنية يعني ابن آدم وقرينه.
﴿ قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بَعُدَْ الْمَشْرِقَيْنِ ﴾ هذا قول ابن آدم لقرينه وفي المشرقين قولان :
أحدهما : أنه المشرق والمغرب فغلب أحدهما على الآخر كما قيل : سنة العمرين، كقول الشاعر :
أخذنا بآفاق السماء عليكم | لنا قمراها والنجوم الطوالع |
قوله تعالى :﴿ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ﴾ وهذا خطاب للنبي ﷺ، وفيه قولان :
أحدهما : إما نخرجنك من مكة من أذى قريش فإنا منهم منتقمون بالسيف يوم بدر.
الثاني : فإما نقبض روحك إلينا فإنا منتقمون من أمتك فيما أحدثوا بعدك. وروي أن النبي ﷺ أُرِي ما لقيت أمته بعده فما زال منقبضاً ما انبسط ضاحكاً حتى لقي الله تعالى.
قوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ يعني القرآن ذكر لك [ ولقومك ].
وفي ﴿ لَذِكْرٌ ﴾ قولان :
أحدهما : الشرف، أي شرف لك ولقومك، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه لذكر لك ولقومك تذكرون به أمر الدين وتعملون به، حكاه ابن عيسى.
﴿ وَلِقَوْمِكَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : من اتبعك من أمتك، قاله قتادة.
الثاني : لقومك من قريش فيقال : ممن هذا الرجل؟ فيقال : من العرب، فيقال : من أي العرب؟ فيقال : من قريش، قاله مجاهد.
﴿ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عن الشكر، قاله مقاتل.
الثاني : أنت ومن معك عما أتاك، قاله ابن جريج.
وحكى ابن أبي سلمة عن أبيه عن مالك بن أنس في قوله ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ أنه قول الرجل حدثني أبي عن جدي.
أحدها : يعني الأنبياء الذين جمعوا له ليلة الإسراء، قاله ابن عباس، وابن زيد، وكانوا سبعين نبياً منهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فلم يسألهم لأنه كان أعلم بالله منهم، قاله ابن عباس.
الثاني : أهل الكتابين التوراة والإنجيل، قاله قتادة، والضحاك، ويكون تقديره سل أمم من أرسلنا من قبلك من رسلنا.
الثالث : جبريل، ويكون تقديره. واسأل عما أرسلنا من قبلك من رسلنا، حكاه النقاش.
﴿ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ وسبب هذا الأمر بالسؤال أن اليهود والمشركين قالوا للنبي ﷺ : إن ما جئت به مخالف لمن كان قبلك، فأمره الله بسؤالهم لا لأنه كان في شك منه. واختلف في سؤال النبي ﷺ لهم على قولين :
أحدهما : أنه سألهم، فقالت الرسل بعثنا بالتوحيد، قاله الواقدي.
الثاني : أنه لم يسأل ليقينه بالله تعالى، حتى حكى ابن زيد أن ميكائيل قال لجبريل : هل سألك محمد ذلك؟ فقال جبريل : هو أشد إيماناً وأعظم يقيناً من أن يسألني عن ذلك.
أحدها : أنهم قالوا على وجه الاستهزاء، قاله الحسن.
الثاني : أنه يجري على ألسنتهم ما ألفوه من اسمه، قاله الزجاج.
الثالث : أنهم أرادوا بالساحر غالب السحرة، وهو معنى قول ابن بحر.
الرابع : أن الساحر عندهم هو العالم، فعظموه بذلك ولم تكن صفة ذم، حكاه ابن عيسى وقاله الكلبي.
﴿ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ﴾ قال مجاهد : لئن أمنا لتكشف العذاب عنا، قال الضحاك، وذلك أن الطوفان أخذهم ثمانية أيام لا يسكن ليلاً ولا نهاراً.
﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ﴾ أي يغدرون وكان موسى دعا لقومه فأجيب فيهم فلم يفواْ.
أحدهما : أن معنى نادى أي قال، قاله أبو مالك.
الثاني : أمر من نادى في قومه، قاله ابن جريج.
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنها الإسكندرية، قاله مجاهد.
الثاني : أنه ملك منها أربعين فرسخاً في مثلها، حكاه النقاش.
﴿ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : كانت جنات وأنهاراً تجري من تحت قصره، قاله قتادة. وقيل من تحت سريره.
الثاني : أنه أراد النيل يجري من تحتي أي أسفل مني.
الثالث : أن معنى قوله :﴿ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ﴾ أي القواد والجبابرة يسيرون تحت لوائي، قاله الضحاك.
ويحتمل رابعاً : أنه أراد بالأنهار الأموال، وعبر عنها بالأنهار لكثرتها وظهورها وقوله ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِي ﴾ أي أفرقها على من يتبعني لأن الترغيب والقدرة في الأموال في الأنهار.
﴿ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أفلا تبصرون إلى قوتي وضعف موسى؟.
الثاني : قدرتي على نفعكم وعجز موسى.
ثم صرح بحاله فقال ﴿ أَمْ أَنَاْ خَيْرٌ ﴾ قال السدي : بل أنا خير.
﴿ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أي ضعيف، قاله قتادة.
الثاني : حقير، قاله سفيان.
الثالث : لأنه كان يمتهن نفسه في حوائجه، حكاه ابن عيسى.
﴿ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ ﴾ أي يفهم، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني أنه عيي اللسان، قاله قتادة.
الثاني : أَلثغ قاله، الزجاج.
الثالث : ثقيل اللسان لجمرة كان وضعها في فيه وهو صغير، قاله سفيان.
قوله تعالى :﴿ فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه قال ذلك لأنه كان عادة الوقت وزي أهل الشرف.
الثاني : ليكون ذلك دليلاً على صدقه، والأساورة جمع أسورة، والأسورة جمع سوار.
﴿ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : متتابعين، قاله قتادة.
الثاني : يقارن بعضهم بعضاً في المعونة، قاله السدي.
الثالث : مقترنين أي يمشون معاً، قاله مجاهد.
وفي مجيئهم معه قولان :
أحدهما : ليكونوا معه أعواناً، قاله مقاتل.
الثاني : ليكونوا دليلاً على صدقه، قاله الكلبي. وليس يلزم هذا لأن الإعجاز كاف، وقد كان في الجائز أن يكذب مع مجيء الملائكة كما يكذب مع ظهور الآيات.
وذكر فرعون الملائكة حكاية عن لفظ موسى لأنه لا يؤمن بالملائكة من لا يعرف خالقهم.
قوله تعالى :﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : استفزهم بالقول فأطاعوه على التكذيب، قاله ابن زياد.
الثاني : حركهم بالرغبة فخفوا معه في الإجابة، وهو معنى قول الفراء.
الثالث : استجهلهم فأظهروا طاعة جهلهم، وهو معنى قول الكلبي. الرابع : دعاهم إلى باطله فخفوا في إجابته، قاله ابن عيسى.
قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا ءَاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أغضبونا، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والأسف هو الأسى على فائت. وفيه وجهان :
أحدهما : أنه لما جعل هنا في موضع الغضب صح أن يضاف إلى الله لأنه قد يغضب على من عصاه.
الثاني : أن الأسف راجع إلى الأنبياء لأن الله تعالى لا يفوته شيء، ويكون تقديره : فلما آسفوا رسلنا انتقمنا منهم.
قوله تعالى :﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً ﴾ قرأ حمزة والكسائي بضم السين واللام، وفيه تأويلان :
أحدهما : أهواء مختلفة، قاله ابن عباس.
الثاني : جمع سلف أي جميع من قد مضى من الناس، قاله ابن عيسى.
وقرأ الباقون بفتح السين واللام، أي متقدمين، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها، سلفاً في النار، قاله قتادة.
الثاني : سلفاً لكفار أمة محمد ﷺ، قاله مجاهد.
الثالث : سلفاً لمثل من عمل مثل عملهم، قاله أبو مجلز.
﴿ وَمَثَلاً لِّلآخِرينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عظة لغيرهم، قاله قتادة.
الثاني : عبرة لمن بعدهم، قاله مجاهد.
أحدها : ما رواه ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ :« يَا مَعْشَرَ قُرَيشٍ إِنَّهُ لَيسَ أَحَدٌ يُعْبَدُ مِن دُونِ اللَّهِ فِيهِ خَيْرٌ » فقالوا : ألست تزعم أن عيسى كان نبياً وعبداً صالحاً؟ فقد كان يعبد من دون الله، فنزلت.
الثاني : ما حكاه مجاهد أن قريشاَ قالت : إن محمداً يريد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى، فنزلت.
الثالث : ما حكاه قتادة أن الله لما ذكر نزول عيسى في القرآن قالت قريش : يا محمد ما أردت إلى ذكر عيسى؟ فنزلت هذه الآية.
الرابع : ما ذكره ابن عيسى أنه لما ذكر الله خلق عيسى من غير ذكر كآدم أكبرته قريش فنزلت هذه الآية. وضربه مثلاً أن خلقه من أنثى بغير ذكر كما خلق آدم من غير أنثى ولا ذكر ولذلك غلت فيه النصارى حين اتخذته إلهاً.
﴿... يَصِدُّونَ ﴾ فيه قراءتان :
إحداهما : بكسر الصاد.
والثانية : بضمها فاختلف أهل التفسير في اختلافهما على قولين :
أحدهما : معناه واحد وإن اختلف لفظهما في الصيغة مثل يشد ويشُد وينِم وينُم، فعلى هذا في تأويل ذلك أربعة أوجه :
أحدها : يضجون، قاله ابن عباس، وعكرمة، والضحاك.
الثاني : يضحكون، قاله قتادة.
الثالث : يجزعون، حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم.
الرابع : يعرضون، قاله إبراهيم.
والقول الثاني : معناهما مختلف، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها بالضم يعدلون، وبالكسر يتفرقون، قاله الحسن.
الثاني : أنه بالضم يعتزلون، وبالكسر يضجون، قاله الأخفش.
الثالث : أنه بالضم من الصدود، وبالكسر من الضجيج، قاله قطرب.
﴿ وَقَالُواْ ءَأَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ﴾ وهذا قول قريش، قالواْ : أآلهتنا وهي أصنامهم التي يبعدونها خير ﴿ أَمْ هُوَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أم محمد ﷺ، قاله قتادة.
الثاني : أم عيسى، قاله السدي.
﴿ مَا ضَرَبُوه لَكَ إِلاَّ جَدَلاً ﴾ قال السدي : هو قول قريش لرسول الله ﷺ تزعم كل شيء عبد من دون الله في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة هؤلاء قد عبدوا من دون الله.
﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الخصم الحاذق بالخصومة.
الثاني : أنه المجادل بغير حجة.
قوله تعالى :﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّعَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ﴾ قال قتادة : يعني عيسى.
﴿ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : بالنبوة.
الثاني : بخلقه من غير أب كآدم. وفيه وجه.
الثالث : بسياسة نفسه وقمع شهوته.
﴿ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَآئِيلَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني أنه لبني إسرائيل، قاله قتادة.
الثاني : لتمثيله بآدم، قاله ابن عيسى.
قوله تعالى :﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكم مَّلاَئِكَةً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني لقلبنا بعضكم ملائكة من غير أب كما خلقنا عيسى من غير أب ليكونوا خلفاء من ذهب منكم.
﴿ فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : ملائكة يخلف بعضها بعضاً، قاله قتادة.
الثاني : ملائكة يكونون خلفاً منكم، قاله السدي.
الثالث : ملائكة يعمرون الأرض بدلاً منكم، قاله مجاهد.
الرابع : ملائكة يكونون رسلاً إليكم بدلاً من الرسل منكم.
قوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن القرآن علم الساعة لما فيه من البعث والجزاء، قاله الحسن وسعيد بن جبير.
الثاني : أن إحياء عيسى الموتى دليل على الساعة وبعث الموتى، قاله ابن إسحاق.
الثالث : أن خروج عيسى علم الساعة لأنه من علامة القيامة وشروط الساعة، قاله ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والضحاك، والسدي. وروى خالد عن الحسن قال : قال رسول الله ﷺ :« الأَنبِيَاءُ إِخْوَةٌ لَعِلاَّتُ أُمَّهَاتُهُم شَتَّى وَدِينُهُم وَاحِدٌ، أَنَا أَولَى النَّاسِ بِعيسَى ابنِ مَرْيَمَ، إِنَّهُ لَيسَ بَينِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ أَوَّلُ نَازِلٍ، فَيَكْسَرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الخنزيرَ، وَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الإِسْلاَمِ ».
وحكى ابن عيسى عن قوم أنهم قالوا : إذا نزل عيسى رفع التكليف لئلا يكون رسولاً إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم، وهذا قول مردود لثلاثة أمور : للحديث الذي قدمناه، ولأن بقاء الدنيا يقتضي بقاء التكليف فيها، ولأنه ينزل آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر وليس يستنكر أن يكون أمر الله تعالى مقصوراً على تأييد الإسلام والأمر به والدعاء إليه.
وحكى مقاتل أن عيسى ينزل من السماء على ثنية جبل بأرض الشام يقال له أفيف.
﴿ فَلاَ تَمْتَرُونَّ بِهَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا تشكون فيها يعني الساعة. قاله يحيى بن سلام.
الثاني : فلا تكذبون بها، قاله السُدي.
﴿ وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّستَقِيمٌ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : القرآن صراط مستقيم إلى الجنة، قاله الحسن.
الثاني : عيسى، قاله ابن عباس.
الثالث : الإسلام، قاله يحيى.
قوله تعالى :﴿ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبِيِّنَاتِ ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : أنه الإنجيل، قاله قتادة.
الثاني : أنه الآيات التي جاء بها من إحياء الموتى وإبراء الأسقام، والإخبار بكثير من الغيوب، قاله ابن عباس.
﴿ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : بالنبوة، قاله السدي.
الثاني : بعلم ما يؤدي إلى الجميل ويكف عن القبيح، قاله ابن عيسى.
ويحتمل ثالثاً : أن الحكمة الإنجيل الذي أنزل عليه.
﴿ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴾ وفيه قولان :
أحدهما : تبديل التوراة، قاله مجاهد.
الثاني : ما تختلفون فيه من أمر دينكم لا من أمر دنياكم، حكاه ابن عيسى.
وفي قوله :﴿ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴾ أي كل الذي تختلفون فيه، فكان البعض هنا بمعنى الكل ما اقتصرعلى بيان بعض دون الكل، قاله الأخفش، وأنشد لبيد :
ترّاك أمكنة إذا لم أرضها | أو يعتلق بعض النفوس حمامها |
الثاني : أنه بين لهم بعضه دون جميعه، ويكون معناه أبين لكم بعض ذلك أيضاً وأكلكم في بعضه إلى الاجتهاد، وأضمر ذلك لدلالة الحال عليه.
قوله تعالى :﴿ فَاخْتَلَفَ الأَحَْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ﴾ قال قتادة يعني ﴿ مِن بَيْنِهِم ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : أنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى خالف بعضهم بعضاً، قاله مجاهد والسدي.
الثاني : فرق النصارى من النسطورية واليعاقبة والملكية اختلفوا في عيسى فقالت النسطورية : هو ابن الله. وقالت اليعاقبة هو الله. وقالت الملكية ثالث ثلاثة أحدهم الله، قاله الكلبي ومقاتل.
أحدهما : أنهم أعداء في الدنيا، لأن كل واحد منهم زين للآخر ما يوبقه، وهو معنى قول مجاهد.
الثاني : أنهم أعداء في الآخرة مع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا لما رأوا سوء العاقبة فيها بالمقارنة، وهو معنى قول قتادة.
وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في أمية بن خلف الجمحي، وعقبة بن أبي معيط كانا خليلين. وكان عقبة يجالس النبي ﷺ فقالت قريش قد صبأ عقبة بن أبي معيط وقال له أمية : وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمداً ولم تتفل في وجهه ففعل عقبة ذلك فنذر النبي ﷺ قتله، فقتله يوم بدر صبراً، وقتل أمية في المعركة، وفيهما نزلت هذه الآية.
قوله تعالى :﴿ أَنتُمْ وأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : هم وأزواجهم المؤمنات في الدنيا.
الثاني : ومن يزوجون من الحور في الآخرة.
الثالث : هم وقرناؤهم في الدنيا.
وفي ﴿ تُحْبَرُونَ ﴾ ستة تأويلات :
أحدها : تكرمون، قاله ابن عباس، والكرامة في المنزلة.
الثاني : تفرحون، قاله الحسن، والفرح في القلب.
الثالث : تتنعمون، قاله قتادة، والنعيم في البدن.
الرابع : تسرّون، قاله مجاهد، والسرور في العين.
الخامس : تعجبون، قاله ابن أبي نجيح، والعجب ها هنا درك ما يستطرف.
السادس : أنه التلذذ بالسماع، قاله يحيى بن أبي كثير.
قوله تعالى :﴿.. وَأَكْوَابٍ ﴾ فيها خمسة أقاويل :
أحدها : أنه الآنية المدورة الأفواه، قاله مجاهد.
الثاني : أنها ليست لها آذن، قاله السدي.
الثالث : أن الكوب : المدور القصير العنق القصير العروة، والإبريق : الطويل العنق الطويل العروة، قاله قتادة.
الرابع : أنها الأباريق التي لا خراطيم لها، قاله الأخفش.
الخامس : أنها الأباريق التي ليس لها عروة، قاله قطرب.
قوله تعالى :﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُ الأَعْيُنُ ﴾ قرأ نافع، وابن عامر، وعاصم في رواية حفص ﴿ تَشْتَهِيهِ ﴾.
ويحتمل وجهين :
أحدهما : ما تشتهي الأنفس ما تتمناه، وما تلذ الأعين هو ما رآه فاشتهاه.
الثاني : ما تشتهيه الأنفس هو ما كان طيب المخبر، وما تلذ الأعين ما كان حسن المنظر.
﴿ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾ أي يميتنا، طلبوا الموت ليستريحوا به من عذاب النار.
﴿ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ ﴾ أي لابثون في عذابها أحياء، وفي مدة ما بين ندائهم وجوابه أربعة أقاويل.
أحدها : أربعون سنة، قاله عبد الله بن عمرو.
الثاني : ثمانون سنة، قاله السدي.
الثالث : مائة سنة، قاله نوف.
الرابع : ألف سنة، قاله ابن عباس، لأن بعد ما بين النداء والجواب أخزى لهم وأذل.
قوله تعالى :﴿ أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أم أجمعوا على التكذيب فإنا مجمعون على الجزاء بالبعث، قاله قتادة.
الثاني : أن أحكموا كيداً فإنا محكمون لها كيداً، قاله ابن زيد.
الثالث : قضوا أمراً فإنا قاضون عليهم بالعذاب، قاله الكلبي.
وقيل إن هذه الآية نزلت في كفار قريش حين اجتمع وجوههم في دار الندوة يتشاورون في أمر النبي ﷺ حتى استقر رأيهم على ما أشار به أبو جهل عليهم أن يبرز من كل قبيلة رجل ليشتركوا في قتله فتضعف المطالبة بدمه، فنزلت هذه الآية، وقتل الله جميعهم عليهم اللعنة يوم بدر.
أحدها : إن كان للرحمن ولد فأنا أول من يعبد الله ليس له ولد، قاله ابن زيد. ومجاهد.
الثاني : معناه فأنا أول العابدين، ولكن لم يكن ولا ينبغي أن يكون، قاله قتادة.
الثالث : قل لم يكن للرحمن ولد وأنا أول الشاهدين بأن ليس له ولد. قاله ابن عباس.
الرابع : قل ما كان للرحمن ولد، وهذا كلام تام ثم استأنف فقال : فأنا أول العابدين أي الموحدين من أهل مكة، قاله السدي.
الخامس : قل إن قلتم إن للرحمن ولداً فأنا أول الجاحدين أن يكون له ولد، قاله سفيان.
السادس : إن كان للرحمن ولد فأنا أول الآنفين أن يكون له ولد، قاله الكسائي وابن قتيبة، ومنه قول الفرزدق :
أولئك آبائي فجئني بمثلهم | وأعْبُدُ أن أهجو تميماً بدارم |
وفي معنى الكلام وجهان :
أحدهما : أنه الموحد في السماء والأرض، قاله مقاتل.
الثاني : أنه المعبود في السماء والأرض، قاله الكلبي.
﴿ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه يذكر ذلك صفة لتعظيمه.
الثاني : أنه يذكره تعليلاً لإلاهيته لأنه حكيم عليم وليس في الأصنام حكيم عليم.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دَونِهِ الشَّفَاعَةَ ﴾ فيها قولان :
أحدهما : الشركة ومنه أخذت الشفعة في البيع لاستحقاق الشريك لها. ويكون معنى الكلام أن الذين يدعون من دون الله لا يملكون مع الله شركة يستحقون أن يكونوا بها آلهة إلا أن يشهدوا عند الله بالحق على من عليه حق أو له حق، وهذا معنى قول ابن بحر.
الثاني : أن الشفاعة استعطاف المشفوع إليه فيما يرجى، واستصفاحه فيما يخشى وهو قول الجمهور.
وقيل إن سبب نزولها ما حكي أن النضر بن الحارث ونفراً من قريش قالوا إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن نتولى الملائكة، وهم أحق بالشفاعة لنا منه فأنزل الله تعالى ﴿ وَلاَ يَمْلِكُ الِّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ ﴾ معناه الذين يعبدونهم من دون الله وهم الملائكة الشفاعة لهم. وقال قتادة : هم الملائكة وعيسى وعزير لأنهم عبدوا من دون الله.
﴿ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني أن الشهادة بالحق إنما هي لمن شهد في الدنيا بالحق وهم يعلمون أنه الحق فتشفع لهم الملائكة، قاله الحسن.
الثاني : أن الملائكة لا تشفع إلا لمن شهد أن لا إله إلا الله وهم يعلمون أن الله ربهم.
فأما الجر فهي على قراءة عاصم وحمزة، وهي في المعنى راجعة إلى قوله تعالى ﴿ وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ وعلم قيلِه.
وأما الرفع فهو قراءة الأعرج، ومعناها ابتداء، وقيله، قيل محمد، يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون. والقيل هو القول.
وأما النصب فهي قراءة الباقين من أئمة القراء، وفي تأويلها أربعة أوجه :
أحدها : بمعنى إلا من شهد بالحق وقال قيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، على وجه الإنكار عليهم، قاله ابن عيسى.
الثاني : أنها بمعنى أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وقيلَه يا رب، قاله يحيى بن سلام.
الثالث : بمعنى وشكا محمد إلى ربه قيله، ثم ابتداء فأخبر ﴿ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلآءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾، قاله الزجاج.
قوله تعالى :﴿ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ ﴾ قال قتادة : أمره بالصفح عنهم، ثم أمره بقتالهم فصار الصفح منسوخاً بالسيف. ويحتمل الصفح عن سفههم أن يقابلهم عليه ندباً له إلى الحلم.
﴿ وَقُلْ سَلاَمٌ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أي قل ما تسلم به من شرهم، قاله ابن عيسى.
الثاني : قل خيراً بدلاً من شرهم؛ قاله السدي.
الثالث : أي احلم عنهم؛ قاله الحسن.
الرابع : أنه أمره بتوديعهم بالسلام ولم يجعله تحية لهم؛ حكاه النقاش.
الخامس : أنه عرفه بذلك كيف السلام عليهم؛ رواه شعيب بن الحباب.
﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ يحتمل أمرين :
أحدهما : فسوف يعلمون حلول العذاب بهم.
الثاني : فسوف يعلمون صدقك في إنذارهم، والله أعلم.