ﰡ
الزمخشري: [صالح بنو النضير رسول الله ﷺ على أن لا يكونوا عليه ولا له، فلما ظهر يوم بدر قالوا: هو النبي الذي نعته في التوراة لا ترد له راية، فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا، فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة فحالفوا عليه قريشا عند الكعبة فأمر عليه السلام محمد بن مسلمة الأنصارى فقتل كعبا غيلة*]، انتهى، أي قتله على غرة ولا يريد الغيلة الاصطلاحية، لأنها القتل خفية لأخذ المال.
قوله تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ... (١)﴾
ابن عطية: التسبيح إما بلسان الحال بمعنى أن الناظر لهذه الجمادات يسبح الله تعالى، أو بمعنى أنها مفتقرة إلى الاستمدادات [بالأعراض*]، وهو حقيقة بلسان المقال انتهى، فعلى هذا لَا يدخل فيه المشركون ولا الدهرية، لأنهم لَا يسبحون الله، وعلى الأول يدخلون، وإن كانوا متصفين بضد التسبيح، لأن حالهم يقتضي الافتقار إلى موجد أوجدهم، وقوله حقيقة نحوه، قال اللخمي للمازري: وهو مشكل، لأن الموجودات إما جسم أو حيوان أو إنسان، فالجماد مؤلف من الجسم والعرض فقط، والحيوان يزيد عليه بالحياة، والإنسان يزيد عليهما بالعلم، فإذا جعل التسبيح من الجماد حقيقة يلزمه إما قيام الحياة بالجماد، أو صدور الكلام من غير الحي [وهو*] باطل، لأن الكلام شرطه الحياة، وما ورد في الحديث من تسبيح الحصى وكلام الجذع، وغير ذلك، فمعجزة خارقة للعادة، و (سبح) متعد بنفسه، وتعديه هنا بحرف الجر شاذ، كقوله:
فلمَّا أنْ تَواقَفْنَا قَليلاً... أنَخْنَا [للكَلاكِلِ*] فارْتَمَيْنَا
ويحتمل أن يكون تقديره المفعول محذوفا سبح الله لله أي سبحوه لأجله ولذاته لا لشيء، وهذا هو غاية التوحيد، وانظر أبا حيان في أول سورة الحديد.
قوله تعالى: ﴿لِأَوَّلِ الْحَشْرِ... (٢)﴾
الزمخشري: هذا أول حشرهم إلى الشام، السهيلي في كتاب التعريف والإعلام بما وقع في القرآن مبهما من [أعلام*] هو إنما الإعلام سبب دخول بني إسرائيل لأرض الحجاز أنهم كانوا بالشام، وكانت العمالقة تغير عليهم المرة بعد المرة، فبعث إليهم موسى عليه السلام جيشا من بني إسرائيل، وأمرهم أن يقتلوهم ويستأصلوهم ولا يتركوا منهم صغيرا ولا كبيرا، فخرجوا إليهم، وقاتلوهم وقتلوا جميعهم إلا طفلا صغيرا [ابن*] ملكهم حَسَنَ الصورةِ، فإنهم [استحيوا*] ورجعوا إلى الشام فوجدوا
قوله تعالى: (مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا).
المناسب أن يكون هذا خطابا خاصا بالمؤمنين، ولا يدخل فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن ظنه صادق، وإن كان لَا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله تعالى، فظنه وفراسته صادقة.
قوله تعالى: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ).
الزمخشري: هلا قيل: وظنوا أن حصونهم مانعتهم، فهو أخص من قوله (أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ)، وأجاب: بأن في تقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط [وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم*] انتهى، أراد أن التقديم للاهتمام بوصف المنع، وهذا نص في أن حصونهم مبتدأ ومانعتهم خبره، واختار أبو حيان أن مانعتهم خبر أن وحصونهم فاعل به، فإن قلت: هلا كان مانعتهم مبتدأ وحصونهم خبر، فيجاب عنه بوجهين:
الأول: أن المبتدأ يكون أخص من الخبر، ومانعتهم هنا أعم من الحصون؛ لأنهم لم يحصروا المنع في الحصون، بل ظنوا أنهم يتمتعون بها وبكثرة عُددهم وعَددهم وقوتهم، كما أشار إليه الزمخشري.
الثاني: أن مانعتهم اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، فإضافته [محضة*] على سبيل التنزل، والمراد [منه*] رسول الله - ﷺ -.
قوله تعالى: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ).
الزمخشري: [وقرئ: فآتاهم الله*] أي [أعطاهم الهلاك*] انتهى، وهذا تهكم [بهم*] لَا يوافق مذهب الزمخشري.
قوله تعالى: (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ).
عبر بلفظ القذف لحكمة متعلقة، ولأنه يدل على شدة الرمي والإلقاء، وهو في مقابلة قوله تعالى: في سورة الفتح (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ)، فإن قلت: قد قال تعالى (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي
قوله (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ)، هذا من باب الاستدلال بالمسبب على السبب، لأن حصول الرعب في قلوبهم سبب في تخريبهم بيوتهم، وينبغي أن يكون التقدير ويخربونها بأيدي المؤمنين، وإلا لزم استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، لأن تخريبهم بيوتهم بأيديهم حقيقة، وأيدي المؤمنين مجازا، على ما قلناه يلزم الإضمار، وقد قالوا: إذا تعارض المجاز والإضمار، فالإضمار أولى وأحرى، [وإن*] كان المجاز مختلفا فيه، فإن استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه مختلف فيه، وذكر ابن عطية هنا سبب الجلاء قال: [أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه كتب على بني إسرائيل جلاء، وكانت بنو النضير ممن حل بالحجاز بعد موت موسى عليه السلام بيسير، لأنهم كانوا من الجيش الذي رجع وقد عصوا في أن لم يقتلوا الغلام ابن ملك العماليق لجماله وعقله، وقد كان موسى عليه السلام قال لهم لا تستحيوا أحدا، فلما رجع ذلك الجيش إلى بني إسرائيل بالشام وجدوا موسى ميتا، وقال لهم بنو إسرائيل أنتم عصاة والله لا دخلتم علينا بلادنا، فقال أهل ذلك الجيش عند ذلك ليس لنا أحب من البلاد التي غلبنا أهلها، فانصرفوا إلى الحجاز، فكانوا فيه فلم يجر عليهم الجلاء الذي أجراه بختنصر على أهل الشام، وقد كان الله تعالى كتب في الأزل على بني إسرائيل جلاء فنالهم هذا الْجَلاءَ على يدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولولا ذلك لَعَذَّبَهُمْ الله فِي الدُّنْيا بالسيف والقتل كأهل بدر وغيرهم*]. انتهى، هذا الخبر في نفسه يتفق، ولكنه لَا ينزل على لفظ الآية لاقتضاء الآية أن بني قريظة والنضير لم يعذبوا بالسيف بل أخرجوا من بلادهم، والخبر يقتضي أنهم قوتلوا واستؤصلوا ولم يبق منهم أحد، فإن قلت: هؤلاء ذريتهم، قلت: اقتضى الخبر استئصال جميعهم، ويجاب بما ذكر ابن عطية بعد هذا من أن [... ] أهل قريظة ونفاهم إلى الشام، ثم رجع بعضهم، فيحتمل أن يكون هؤلاء هم الذين أخرجوا ولم يعذبوا بالسيف من بني النضير، وبقايا بني النضير قريظة، والصواب الوقف على قوله (فِي الدُنْيَا)، خشية أن يتوهم دخول ما بعده في جواب (لولا)، فيكونوا في الآخرة غير معذبين، واستدل الأصوليون بقوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)، على صحة العمل بالقياس اعتبارا وكل اعتبار مأمور به، فالقياس مأمور به، [أما أنه اعتبار فلأن الحكم*] الذي في الأصل معتبر في الفرع ومنقول إليه، ولكن ينازع الخصم في الكبرى، وهو كل اعتبار مأمور به فيمنع كليتها.
الزمخشري: [وروى أن رجلين كانا يقطعان: أحدهما العجوة، والآخر اللون، فسألهما رسول الله ﷺ فقال هذا: تركتها لرسول الله، وقال هذا: قطعتها غيظا للكفار*]، قال: واستدلوا بها على جواز الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى أن كل مجتهد مصيب انتهى، لَا حجة فيها؛ لأن ذلك إنما هو حيث الاجتهاد [إن كان*] في شيء واحد على طرفي النقيض، وهنا تعدد متعلق الاجتهاد [وأحدهما*] قطع الجيِّد، والآخر قطع الرديء، فمتعلق الاجتهادين مختلف، ويحتمل أن يكون قطع الجميع جائز في نفس الأمر، وإنما يقال: كل مجتهد مصيب [أو لا]، كما قال ابن التلمساني في الاجتهاد في القبلة: أنه يجوز لأحدهما الاقتداء بالآخر، لأنها واحدة فأحدهما مخطئ، وأبطله ابن العربي: بأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان معهم [ولا اجتهاد*] مع حضوره، وأنه يدل على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مجتهد فيما ينزل عليه فيه وحي، أخذا بعموم الإذاية للكفار، ودخولا في الإذن الكلي بما يقضي عليهم ويهلكهم لقوله تعالى: (وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ)، فإِن قلت: ما أفاد قوله [عَلَى أُصُولِهَا*] مع أن (قائمة) تغني عنه؟ قلت: أفاد أنها باقية على حالها لم ينقص منها شيء، أو قد تكون قائمة ناقصة.
قوله تعالى: (وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ).
الزمخشري: أي يقطعها بإذن الله وأمره، انتهى، المراد بالإذن الإباحة، وليس المراد به الوجوب ولا الندب ولا الإرادة، أما الوجوب والندب فلأن الإذن هنا دائر بين أمرين متناقضين، أما القطع أو الترك، فترجيح فعل أحدهما يبطل فعل الآخر من أصل فرعه عن أرجحيته، وأما الإرادة فلأن الآية نزلت ردا على اليهود، واليهود موافقون على المعاصي [محادة*] لله تعالى، فيقولون هم: نعم أراد الله تعالى عصيانكم بذلك، فعصيتموه بإذنه وإرادته، فيتعين أن يراد بالإذن الإباحة، وفي الكلام حذف أي لينصركم [ويخزي*] الفاسقين.
قوله تعالى: ﴿مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ... (٦)﴾
قدم الخيل لأنها أخص؛ إذ لَا خلاف أنها نسبتهم لها، والخلاف في الإبل هل نسبتهم
لها] [أو لا*]؟ [فعلى*] الأخص لَا يستلزم نفي الأعم، فمعناه لم توجفوا عليه بالخيل، ثم قال:
ولم توجفوا عليه بالركاب، وهو من باب نفي الشيء لنفي موجبه، أي لَا حظ لكم في
الفيء؛ لأنكم لم توجفوا عليه بخيل ولا ركاب.
هو استدراك بين الشيء [ونقيضه*]، أي يسلط رسله وينصرهم من غير حاجة إلى معونتكم، فإِن قلت: لم قال (يُسَلِّطُ) بلفظ المضارع، وجمع الرسل مع أنهم قد [مضوا*] [والباقي*] إنما هو رسول واحد، قلت: هي حكاية حال ماضية، فإن قلت: فلا يدخل في ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مع أن المراد الحالة، قلت: المراد ولكن العادة الجارية في رسله، أنه يسلطهم على من يشاء من عباده، ويحتمل أن يكون الجمع تعظيما له صلى الله عليه وسلم، والمراد بالرسل الملائكة، قوله (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ... (٧).. ، ذكر اسم الله [في*] الفيء، وفي الصدقات لم يذكره، فدل على أن [مستحق*] الفيء أفضل، لكونه لَا يختص [**بالتبيين] بخلاف الصدقة، وفاءَ بمعنى رجع، وأفاء أرجع، وتقرير معنى الرجوع فيهما أن أموال الكفار مستحقة للمسلمين في الفيء فهي بأيديهم [**كالمتعدي فيه]، فإذا حصلت بأيدي المؤمنين فقد رجعت.
قوله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ... (٨)﴾
الزمخشري: لَا يصح أن يكون بدلا من مجموع قوله (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) انتهى، لأنه يستحيل صدق صفة الفقر عليه عز وجل، ولا يوصف بها النبي ﷺ إعظاما له، ولأن في آخر الآية (وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، فإِن قلت: لم قدم صفة الفقر على الهجرة، مع أنهم إنما اتصفوا بالفقر بعد الهجرة، وأما قبلها فكانوا أغنياء، فالهجرة سبب في الفقر، فهلا قدمت؟ فالجواب: أن استحقاقهم الأخذ من الغنيمة إنما هو [بوصف*] الفقر لَا بالهجرة، أو بمجموع الأمرين، ووصف الفقر [أولى بههم*]، ولا يقال: إن وصف الفقر يشاركهم فيه الأنصار، وأنهم إنما اختصوا عن الأنصار بالهجرة، لأن المفسرين ذكروا أن الأنصار كلهم كانوا أغنياء إلا ما قلَّ منهم، وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الغنيمة لفقرهم، وعبر في المهاجرين بالاسم وفي الذين أخرجوا بالفعل، لدوام الهجرة وانقطاع الإخراج، ووصفهم بنصرة الله ورسوله احتراسا، خشية أن يتوهم أن ذلك خاص بالأنصار.
قوله تعالى: (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا).
[ذكرهما تعظيما لهما*]، والعطف ترق؛ لأن الرضوان صفة معنى، والفضل صفة فعل.
قوله تعالى: (وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
قوله تعالى: (أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
ابن عطية: في أقوالهم وأفعالهم، انتهى، هذا موافق لقول ابن التلمساني: أن الصدق هو مطلق المطابقة، لأنه مطابقة الخبر للمخبر عنه، ووقع التأكيد في هذه الجملة بأمور: الحصر، وكون الموضوع اسم إشارة، والفصل بالضمير، وكون الخبر اسما [وعلى الثبوت*].
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ... (٩)﴾
فسره الزمخشري بثلاثة أوجه:
إما أن المراد تبوءوا الدار وأخلصوا الإيمان، وجعلوا الإيمان مستقراً ومتوطنا لهم لتمكنهم منه [واستقامتهم عليه*]، كما جعلوا المدينة كذلك، فيكون التبوء على هذا مجازا، فهو في الدار على أصله، [وفي*] الإيمان معنوي، فيضعف هذا من وجهين:
أحدهما: أن فيه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، أعني لفظ التبوء.
الثاني: أنه حصل ملازمتهم للإيمان كملازمة المكان لهم، فلو أراد المكان المطلق لحسن التشبيه هنا، إنما وقع التشبيه على مكان معين، فلا يحسن التشبيه، لأنه لا يلازمهم عقلا، إذ لو أريد التبوء في مطلق مكان، لقلنا: إنه يلزمه الإيمان عقلا، وقيل: هو من عطف الصفات أي تبوء الدار، ودار الإيمان لأنها دار واحدة، [وصفها*] أولا بكونها الدار المعهودة، وثانيا: بأنها دار الإيمان.
قوله تعالى: (مِنْ قَبْلِهِمْ).
قال الزمخشري: من قبل المهاجرين، واستشعر أن يورد عليه أن إيمان المهاجرين سابق، فأجاب: بأن المجموع، وهو التبوء، والإيمان سابق على إيمان المهاجرين وتبوؤهم، فالمجموع سابق على المجموع، وهو نحو ما أجاب به ابن التلمساني عن قول القاضي عبد الوهاب في تعريفه للقياس: هو حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما، فأورد عليه لزوم كون حكم الأصل مثبتا بالقياس، [فيرد*] بأن المراد ثبوت المجموع، ويرد على هذا الجواب هنا أن المجموع المركب إنما يتم بآخر جزء منه، فما حصل لهم وصفا [ليس*] بأول التبوء بل بآخره، وهو بعد إيمان من آمن، وذلك متأخر عن إيمان المهاجرين، وجوابه: أن على كل تقدير متقدم على
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ سَبَقُونَا... (١٠)﴾
فيه دليل من آية السبقية، كما قال الفقهاء في الإمامة: أنه يقدم الأقدم سناً في الإسلام، فإن كان الأكبر أحدث إسلاما قدم الأصغر.
قوله تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا).
لما كان من طبع الإنسان الغل والحسد، وكان أولئك حازوا مزية السبقية، والمهاجرين مظنة أن يحسدوهم في ذلك، فتحرزوا من ذلك بعد الدعاء، والغل: هو تألم النفس على عدم المشاركة فيما اختص به ذو رئاسة وسوية، والغبطة: تألم النفس على ذلك، مع عدم تمني زوال [ذلك*] عن المختص به، والحسد: تألمها على ذلك، مع تمني زوال ذلك [عن*] المختص، والحقد: هو طلب [**الفرصة في المكروهات للمحقود]، فإن قلت: لم خبر هنا بالقلب دون [الصدر*]، وقال تعالى قبل هذا (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً)، فعبر بالصدر؟ فالجواب: أن الآية المتقدمة الثناء فيها عليهم من الله تعالى، فناسب المبالغة فيها لمحو اقتضاء الحاجة عن القلب وعن [وعائه*]، وهذا دعاء منهم فاقتصروا فيه على القلوب، لأنها هي بمحل الغل، فإذا انتفى منها انتفى عما سواها.
قوله تعالى: (رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
هاتان الصفتان منهما ترتبا في الذكر، كانت الرأفة راجعة لصفة الإرادة، والرحمة لصفة الفعل، فالرأفة سبب في الرحمة، وإن ذكرت الرحمة وحدها صح تأويلها، إما برجوعها للإرادة أو للفعل.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا... (١١)﴾
الاستفهام هنا للتقرير، دليل على وقوع ذلك، فلا يصح كون الرؤية علمية، لأنه لم يكن عالما بأعيان المنافقين إلا أن يقال: إنه علم بهم من حيث الجملة، وإلا ظهر أن الرؤية بصرية لتعديها بإلى، أي ألم تنظر إلى الذين نافقوا، وعبر عن نفاقهم بالفعل الماضي؛ لبعد تحقيق ذلك، فإن قلت: [هلا*] عبر بالاسم المقتضي [للثبوت والدوام، لأن الماضي منقطع*]؟ فالجواب: أن الماضي أفاد التحقيق وقوله تعالى: (يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِم)، أفادوا الدوام على ذلك في الحال والاستقبال، فأغنى عن التعبير بالاسم.
قوله تعالى: (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ).
حذف الفاعل لبعضهم له استعمالا لذكره، ولا يناسب هنا التحقيق، لأنهم أحقر من ينسب إليهم ذلك.
قوله تعالى: (وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا).
أي في عدم نصرتكم، وإذا لم يطيعون في [عدم*] نصرتهم، فأحرى أن لَا يطيعوا في قتالهم أبدا.
قوله تعالى: (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ).
النصرة أخص من مقاتلتهم معهم، فأفاد المقاتلة من باب أحرى.
قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ).
الشهادة أخص من [العلم*]، لأن علم الإنسان شيئا يسمعه ويشهد عليه أقوى من علمه شيئا يسمعه ولا يشهد عليه، فإِن قلت: فيها رد على ابن قتيبة في أن عدم المطابقة في الخبر المستقبل خلف لَا كذب لهؤلاء، [وعدوهم*] بالنصرة في المستقبل، فلم ينصروهم، فالجواب: أن المراد بكذبهم عدم مطابقة قولهم لما يقع منهم في المستقبل، فإِن قلت: نحن جعلنا الحكم بكذبهم راجعا لمدلول لفظهم، وأنتم جعلتوه للازم لفظهم، فما قلناه أولى، لأن اللفظ دال عليه بالمطابقة، فالجواب: أنه إذا جعلتم الكذب راجعا للمدلول يلزمكم أن قوله (لَئِنْ أُخْرِجُوا)، وما بعده تأكيد؛ لأنه أفاد عين ما أفاد الأول، وإن جعلتموه راجعا [بلازم اللفظ*]، كان جملة (لَئِنْ أُخْرِجُوا)، تأسيسا، والتأسيس أولى، [بأن يقال*]: إنه لَا يضرنا كونه تأكيدا، وتكون مفسرة لمتعلق التكذيب، بدليل إتيانها غير معطوفة لو كانت تأسيسية؛ لعطفت بالواو التي تقتضي المغايرة (لَئِنْ أُخْرِجُوا... (١٢).. ، عبر بأن هذا محقق الوقوع، لأنه رد على كلامهم بأن (وَلَئِن نَصَرُوهُم لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ)، الزمخشري: إن قلت: كيف (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ)، بعد الإخبار؛ لأنهم لَا ينصرونهم، وخبر الله تعالى حق لَا شك فيه، فصار وقوع النصرة محالا، قلت: معناه (وَلَئِنْ نَصَرُوهُم)، على الفرض والتقدير كقوله تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)، وأورد ابن عطية هنا سؤالا، وأجاب عنه: بأن المراد ولئن حاولوا نصرتهم وعلى هذا لَا يرد سؤال، الزمخشري: لأن محاولة النصرة أمر ممكن، وإنما المحال وقوع النصرة، وفي الآية سؤال آخر، وهو أن القاعدة أن جواب الشرط لَا يصح أن يكون مناقضا للشرط، فلا يقال: إن قام زيد لم يقم، فإِنه محال [للزوم*] اجتماع النقيضين، وتولي الأدبار نقيض النصرة، والجواب: أن الشرط يصح تركيب المحال عليه؛ لَا فرض المحال جائز، كما
قوله تعالى: ﴿لَا يَفْقَهُونَ (١٣)﴾
عبر أولا: بالفقه، وثانيا: بالعقل، لأنهم لما أخطاوأ أولا في كيفية الاستدلال [عبر عنهم*] بعدم الفهم، وثانيا: لما ظنوا بقتالهم في [القرى*] أو من وراء الجدار أنهم لَا يغلبون، وأن ذلك العقل يهدي [عبر عنهم*] بعدم العقل، " فأحرى أن لَا يوصف بذلك كل واحد على انفراده.
قوله تعالى: ﴿ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ... (١٥)﴾
عبر بالذوق إشارة إلى أن ما نالوه من العذاب بالنسبة إلى ما بعده ذوق، فلم ينالوا عذابا في الدنيا، بل ذاقوا وسينالوه الآخرة لقوله تعالى: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ... (١٦)﴾
إن قلت: لم حذف المسند إليه [هنا*] فلم يقل: مثلهم كمثل الشيطان، وصرح به في سورة البقرة في قوله تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا) قلت: تقدم ما يدل عليه في قوله تعالى: [(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا) *].
قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ).
قال: هو عند يأسه من رجوعه وثبوته، وذلك عند الاحتضار، وأما في الدنيا فلا يقول له ذلك خوف أن يتوب فينتفع بذلك.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ... (١٨)﴾
دليل على أن التقوى أخص من الإيمان، وإلا لم يفد قوله (اتَّقُوا)، لَا يقال: المراد داوموا على التقوى؛ [لأنه*] مجاز، والأصل حقيقة، فإن قلت: إنما الخلاف بين المؤمن والمتقي، لأن لفظ الاسم المقتضي بالثبوت إذا نظر بين مطلق الإيمان، ومطلق التقوى، لأن الإيمان هنا بلفظ الفعل، فلا يفيد [أعلى*] مراتبه، قلنا: المختلفان إذا زيد عليهما مساو فإنهما [لَا يزالان*] مختلفين.
قوله تعالى: (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ).
الزمخشري: تنكيرها [للتعظيم، أي تعليل الموصوف بذلك*] (١)، انتهى، يرد بأن [التعظيم*] إنما [يصح لو كانت في الخبر*]، وهو هنا بسياق الاسم التكليفي، فالمراد التكثير لعموم التكليف، [وإما لجواز*] أن النفس هنا أفردت، والمراد بها العموم؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره".
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ... (١٩)﴾
المشبه بالشيء لَا يقوى قوة المشبه به، فهي هنا من [التشبيه*] بمن نسي الله، فيفيد النهي عن نسيان الله من باب أحرى، فهو من النهي عن القرب حول الحمى خشية الوقوع فيه، ومعنى (نَسُوا اللَّهَ)، أي غفلوا عن ذكره، والنسيان الثاني إما أن يراد به العقوبة، أي على الأول أي فعاقبهم على ذلك، فيكون من مجاز تسمية المسبب باسم السبب، أو يراد به النسيان حقيقة فزادهم [نسيانا*] إلى نسيانهم، فيكون من العقوبة على الذنب بالذنب، وهو أشد من الأول، لأنه يستلزم عقوبتين: العقوبة على الذنب بذنب آخر يعاقب عليه عقوبة أخرى، ابن عطية: قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه؛ اعرف نفسك تعرف ربك، ومن لم يعرف نفسه لم يعرف ربه انتهى، يعيدك إلى علم المنطق كان مذكورا في طباعهم، لأن مقتضى الآية أن من نسي الله نسي نفسه، فتنعكس جزئية بعض من نسي نفسه نسي الله، قالوا: وقد تنعكس كنفسها في بعض المراد، رد هذه الآية، وعكسها المستوى أي من نسي نفسه نسي الله، فهو منه كل من عرف نفسه عرف الله، والعكس نقيضها كل من لم ينس نفسه لم ينس الله فمن لم يعرف ربه مستفاد من منطوق كل من نسي الله نسي نفسه، ومن عرف نفسه عرف ربه مستفاد من مفهوم ذلك، وقال (بِمَا تَعْمَلُونَ)، ولم يقل: بما علمه، لأن العلم الحادث يتعلق بالحال والماضي، ولا يتعلق بالمستقبل، فإذا أفاد أنه عليم بالمستقبل، فأحرى الحال والماضي.
قوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ... (٢٠)﴾
هذا تكميل للوعظ المتقدم أو لف ونشر، فأصحاب النار راجع للذين نسوا الله، وأصحاب الجنة للمأمورين بالتقوى، فإن قلت: نفي التسوية لَا يقتضي نفي الشركة، فلا يلزم عنه نفي اشتراكهم في الثواب والعقاب، قلت: الشركة في العبودية وفي التكليف لَا في الثواب والعقاب، فإِن قلت: إنما المراد الشركة فيما ثبت فيه للمساواة، قلت: السياق ينفيه [وأخذ*] الشافعي رضي الله عنه من هذه الآية أن المسلم لَا يقتل بالكافر، الفخر: بأنه عام، والأعم لَا إشعار له بالأخص، وأجاب عنه الأرموي: بأن
"فإن قلت: ما معنى تنكير النفس والغد؟ قلت: أما تنكير النفس فاستقلالا للأنفس النواظر فيما قمن للآخرة، كأنه قال فلتنظر نفس واحدة في ذلك.
وأما تنكير الغد فلتعظيمه وإبهام أمره، كأنه قيل: لغد لا يعرف كنهه لعظمه". اهـ.
قوله تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ... (٢١)﴾
جمع الأمثال مع أنه مثل واحد، كما قال [الآبذي*] في شرح الجزولية: أن الواحد قد يجمع باعتبار تعدد أوصافه كقوله:
فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلّها... يمينا ومهوى النّسر من عن شمالك
قوله تعالى: (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، لعل من الله تعالى واجبا مع أنهم لن يتذكروا وكلهم، فيكون عاما مخصوصا.
قوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ... (٢٢)﴾
الضمير العائد على ذكره في قوله تعالى: (مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)، ولا يقال: أنه يلزم عليه الإخبار في الشيء عن نفسه، لأن الجزء هو موصوف بصفة، فيقيد بتلك الصفة، أو يعود الضمير على المخشي المفهوم من خشية الله، أو على أن المنزل المفهوم من أن لو أنزلنا، أو على الذي يضرب المثل.
قوله تعالى: (الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ).
إن قلت: ما سر دلالة الموصوف، وهو الذي دون صلته، وهو جملة لَا إله إلا هو لو أتى بها إثر اسم، فقيل: (هُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)، فالجواب: أن الرسول دلالته الإفراد آية جاءت من حيث هي في الاسم من حيث كونها دلالة بالنوع، أو بالشخص، وجملة الصلة أفادت وحدة الشخص، فكانت تأسيسا، ولو كان المفهوم من الموصول والصلة واحد، كان تأكيدا لكن يلزم على هذا بطلان قول النحاة: الموصول مع صلته كالزاي مع زيد، فكما أن الزاي وحدها دلالة لها فكذلك الموصول وحده، وكون الموصول دالا على الوحدة الأعمية ممنوع؛ بل الصلة تابعة للموصول إن نوعا فنوعا، وإن شخصا فشخصا، فاستدل بها الأصوليون على أن الاستثناء من النفي إثبات.
قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ).
نعت، وهو معرفة، لأنه مجرد عن الزمان فإِضافته محضة، والغيب ما لم ينصب عليه دليل فمن أجاد خط الرمل، والنظر في النجوم وعلم التعديل وحساب زيادة [الشهور*] ونقصانها، فليس ذلك من الغيب لنصب الأدلة على معرفة ذلك.
قوله تعالى: (هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ).
قوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ... (٢٣)﴾
تأكيد وفيه ضرب من التأنيث، لأنه لما وصفه ب (الرَّحْمَن الرَّحِيمُ)، وهما صفتان يتوهم فيهما الشركة، قال تعالى (رُحَمَاءُ بَينَهُم)، وفي الحديث: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ اللَّهُ، [ارْحَمُوا*] أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ"، أتى بهذا ليفيد أن الرحمة بين العباد كلها مخلوقة لله تعالى، وهو الفاعل المختار لَا شريك له.
قوله تعالى: (الْقُدُوسُ).
الزمخشري: هو البليغ في النزاهة عما يستقبح و (السَّلامُ) مبالغة في وصف كونه [سليما*] من النقائص، انتهى.
قوله تعالى: (السَّلامُ).
راجع إلى سلامة ذاته الكريمة من النقائص، (الْقُدُوسُ)، راجع إلى تنزيهه الخارج له عن النقائص، أو إلى تنزيهه نفسه كما يقال: حمد نفسه بنفسه، قال شيخنا: وعندي نظر فيما يتجاوز النَّاس فيه من [التعظيم*] لبعضهم، فيقولون: المقدس المرحوم، فإنه راجع إلى كمال التنزيه الذي لَا يليق إلا بالله، قيل له: قد ورد روح القدس، وقال تعالى (إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)، وفي الحديث في وفاة موسى عليه السلام أنه قال: يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية حجر، وما معناه إلا كمال الطهارة.
قوله تعالى: (الْجَبَّارُ).
الزمخشري: القاهر الذي جبر خلقه على ما [أراد*]، وهذا ترقيق على مذهبه كأنه يقول: إن العبد مستقل بفعله فتجيء هنا أن أفعاله الاختيارية من خلقه وقدرته، وأفعاله الجبرية خلق الله تعالى، كما يتصور دخول الإنسان بيتا اختياريا، ودخوله بيتا مكرها.
قوله تعالى: (الْمُتَكَبِّرُ).
أي البليغ الكبرياء والعظمة، فهما تصور في حقه صفة علية، فيعتقد أنه متصف بأكبر منها، وأعلى فهم إذا تصورت ما هو أعلى منها، تعتقد أنه متصف بأكبر من ذلك
الأول: أنه الذي لَا مثل له، الفخر: [**فيرجع إلى التنزيه].
الثاني: الغالب الذي لَا يغلب ومنه (وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ).
الثالث: الشديد يقال: [... ] فيرجعان إلى صفات الذات، وهي القدرة.
الرابع: أنه بمعنى المعز كالأليم بمعنى المؤلم، فهو [صفة فعل*].
الخامس: أنه عزيز عند [أوفيائه*]، أي لَا يؤثرون على طاعته شيئا، فهو فعيل بمعنى مفعول [كـ كف خضيب، ورجل فضيل*].
السادس: أنه بمعنى الإضافة أي عزيز عليه أولياءه، كما قال تعالى (أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ).
الأول: أنه يخلق في العباد ما يكرهون، وهم لَا يقدرون على دفعه كالحركات الضرورية ولا خلاف.
الثاني: أنه إذا أراد شيئا كان، وإذا أراد العبد شيئا لَا يرده هو تعالى لم يكن يجبرهم على مراده، كما نهى آدم عليه السلام عن أكل الشجرة، وأراده فوافقه، قال ابن الخطيب: وسمعت أن الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني كان حاضرا في دار الصاحب إسماعيل بن عباد، فدخل القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني، وكان رئيس المعتزلة، فقال: سبحان من تنزه عن الفحشاء، فقال الأستاذ: سبحان من لَا يجري في ملكه إلا ما يريد، فقال ابن الخطيب: فإن قيل: الجبروت في الخلق مذموم فلم يمدح الله به؟ فأجاب: بأن الخلق ناقصون مقهورون محجوبون تؤذيهم البقة، [وتشوشهم
قوله تعالى: [(لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى... (٢٤) *]
تقدم الكلام على الجملة، ذكر الخلاف في لفظة ذكر هل هي عبارة عن المسمى أو عن التسمية، ونقل الطيبي هنا حديثا عن مسند أحمد بن حنبل، والترمذي، قال: ""مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ الثَّلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَكَّلَ اللهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، إِنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيدًا،" انتهى. الظاهر أن أولها (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) إلى آخر السورة.
* * *